ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

ابتدار الأعين.

الخامسة : لو احتاج الى شراء الثوب والماء ، ومعه ثمن أحدهما قدّم الثوب ؛ لأنّ للماء بدلا. وتخصّ المرأة بالثوب الموصى به لأولى الناس به في موضع معين ، أو المنذور وشبهه ؛ لان عورتها أفحش ، ثم الخنثى ، ثم الرجل. ومع التساوي يمكن تقديم الصالح للإمامة منهم ، ثم الأفضل بخصال دينية ؛ ثم القرعة. ولو أمكن التناوب فعل ، ويقدّم بالقرعة.

السادسة : لو فقد الساتر صلّى عاريا مع سعة الوقت عند الشيخ (١). وعند المرتضى وسلار يجب التأخير (٢) بناء على أصلهما في أصحاب الأعذار.

ومال في المعتبر الى تفصيل التيمم بالرجاء المظنون وعدمه (٣) وهو قريب ، امّا مجرد الرجاء فلا ؛ لعموم الأمر بالصلاة عند الوقت.

قال الأكثر : ويصلي قائما إن لم يره أحد والاّ فجالسا (٤) لمرسل ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) قالوا : ويومئ بالركوع والسجود في الحالين (٦).

والمرتضى : يصلّي جالسا مومئا مطلقا (٧) ؛ لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في العاري : « ان كان امرأة جعلت يدها على فرجها ، وان كان رجلا وضع يده على سوأته ، يجلسان فيومئان إيماء ، ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما‌

__________________

(١) النهاية : ١٣٠.

(٢) جمل العلم والعمل ٣ : ٤٩ ، المراسم : ٦٢.

(٣) المعتبر ٢ : ١٠٨.

(٤) راجع : النهاية : ١٣٠ ، المبسوط ١ : ١٣٠ ، الخلاف ١ : ٣٩٩ المسألة ١٥١ ، المراسم : ٧٧ ، مختلف الشيعة : ٨٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ح ١٥١٦.

(٦) راجع : المقنعة : ٣٦ ، السرائر : ٨٠ ، المعتبر ٢ : ١٠٤ ، مختلف الشيعة : ٨٣.

(٧) جمل العلم والعمل ٣ : ٤٩.

٢١

خلفهما ، تكون صلاتهما إيماء برءوسهما » (١). ورواه العامة عن عبد الله بن عمر ، قالوا : ولم يخالفه أحد (٢).

وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه‌السلام إطلاق القيام والإيماء (٣) واختارها ابن إدريس (٤).

وفي المعتبر احتمل التخيير بين القيام والقعود ؛ لتعارض الروايتين ، وضعّف المفصّلة بالإرسال ، ونقل التخيير عن ابن جريج من العامّة (٥).

قلت : وهو مذهب أبي حنيفة قال : والقعود أولى ؛ لأنّ الإيماء خلف عن الأركان ، ولا خلف عن ستر العورة (٦).

واما المراسيل فإذا تأيّدت بالشهرة صارت في قوة المسانيد ، وخصوصا مع ثقة المرسل ، وعبد الله بن مسكان من أجلّ الثقات من أصحاب الكاظم عليه‌السلام ، وروى قليلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

قال الشيخ الجليل أبو النضر محمد بن مسعود العياشي ـ قدس الله روحه ـ : كان ابن مسكان لا يدخل على أبي عبد الله عليه‌السلام شفقة أن لا يوفيه حق إجلاله ، وكان يسمع من أصحابه ويأبى أن يدخل عليه (٧).

قلت : لعلّه انما دخل على الكاظم عليه‌السلام مع امتناعه عن الدخول على أبيه عليه‌السلام ؛ لترقيه في قوتي العلم والعمل ، حتى صار في زمن الكاظم عليه‌السلام أهلا للدخول عليه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٦ ح ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ ح ١٥١٢ ، ٣ : ١٧٨ ح ٤٠٣.

(٢) المغني ١ : ٦٦٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ح ١٥١٥ ، ٣ : ٢٩٦ ح ٩٠٠.

(٤) السرائر : ٥٥.

(٥) المعتبر ٢ : ١٠٥.

(٦) الهداية ١ : ٤٤ ، المغني ١ : ٦٦٤ ، شرح العناية ١ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، الاختيار ١ : ٥٨ ، المجموع ٣ : ١٨٣.

(٧) حكاه عنه الكشي في اختيار معرفة الرجال : ٣٨٢ رقم ٧١٦.

٢٢

فروع :

هل يومئ القائم للسجود قائما أم قاعدا؟ أطلق الأصحاب والرواية. وكان شيخنا عميد الدين ـ نضّر الله وجهه ـ يقوّي جلوسه ؛ لأنه أقرب الى هيئة الساجد فيدخل تحت : « فاتوا منه ما استطعتم » (١).

ويشكل : بأنّه تقييد للنص ، ومستلزم للتعريض لكشف العورة في القيام والقعود ، فان الركوع والسجود انّما سقطا لذلك ، فليسقط الجلوس الذي هو ذريعة إلى السجود ، ولانّه يلزم القول : بقيام المصلي جالسا ليومئ للركوع لمثل ما ذكره ، ولا أعلم به قائلا ، فالتمسّك بالإطلاق أولى.

ويجب الإيماء هنا بالرأس لخبر زرارة (٢) لما فيه من قرب الشبه بالراكع والساجد. وقد قال الفاضلان ـ في المعتبر والتذكرة والنهاية ـ : يومئ المريض برأسه فإن تعذّر فبالعينين (٣) فهذا أولى.

قال الأصحاب : وليكن السجود أخفض هنا وفي المريض (٤) بمعنى زيادة الانخفاض في السجود الايمائي عن الانخفاض في الركوع الايمائي ، كما كان الانخفاض في السجود الحقيقي أزيد. والظاهر انّ ذلك واجب ؛ ليفترقا ، وليقرب من الأصل.

وهل يجب أن يبلغ في الإيماء إلى حدّ لو زاد عليه لبدت العورة؟ الأقرب ذلك ؛ استصحابا للأصل. ويمكن الاجتزاء بمسمى الإيماء بالرأس ، لظاهر‌

__________________

(١) مسند احمد ٢ : ٢٤٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٧٥ ح ١٣٣٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٦ : ٧ ح ٣٦٩٦ ، السنن الكبرى ١ : ٢١٥.

(٢) تقدم في ص ٢٢ الهامش ١.

(٣) المعتبر ٢ : ١٦٠ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١١٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٤١.

(٤) راجع : المقنعة : ٣٦ ، المبسوط ١ : ١٣٠ ، جمل العلم والعمل ٣ : ٤٩ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٣.

٢٣

الرواية.

وهل يجب في الإيماء للسجود وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين على المعهود؟ يحتمل ذلك ، لما قلناه. وعدمه ؛ لصدق مسمّى الإيماء.

وكذا ، هل يجب وضع شي‌ء يسجد عليه بجبهته مع الإيماء؟ لم يعرض له الأصحاب هنا. فان قلنا به ، وأمكن تقريب مرتفع اليه ، وجب وسجد عليه.

وان لم يمكن ، وكان هناك من يقرب إليه شيئا ، فعل. وان تعذّر الا بيده ، سقط السجود عليها وقرّب المسجد بها ؛ لأنّ الجبهة أشرف أعضاء السجود.

ولم أظفر في هذه كلها بكلام سابق في هذا الباب. نعم ، ما ذكره الشيخ في المبسوط ـ في المريض ـ انّه لو عجز عن كمال الركوع حتى رأسه وظهره ، فان لم يقدر عليه أومأ برأسه وظهره. وان عجز عن كمال السجود وضع شيئا ثم سجد عليه (١) قال : وان رفع إليه شيئا وسجد عليه كان أيضا جائزا (٢).

وفي التذكرة ـ في المريض ـ : يدني جبهته من الأرض إلى أقصى ما يقدر عليه ، ولو افتقر الى نصب مخدّة وشبهها جاز (٣).

وفي المعتبر ـ في المريض أيضا ـ : لو عجز عن السجود جاز أن يرفع اليه ما يسجد عليه ولم يجز الإيماء ؛ لانه أتم.

قال : وبه روايات ، منها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟ فقال : « لا ، الاّ ان يكون مضطرا ليس عنده غيرها ، وليس شي‌ء ممّا حرّم الله الاّ وقد أحلّه لمن اضطر اليه » (٤).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٠.

(٢) المبسوط ١ : ١١٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٢.

(٤) المعتبر ٢ : ١٦١ ـ ١٦٢.

ورواية أبي بصير في التهذيب ٣ : ١٧٧ ح ٣٩٧.

٢٤

قلت : وروى سماعة ، قال : سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس؟ قال : « فليصل وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزئ عنه » (١). وهذا يدلّ على انّ وضع المسجد معتبر في غير هذه الصورة بطريق الأولى.

السابعة : يستحبّ للعراة الصلاة جماعة ـ رجالا كانوا أو نساء ـ إجماعا لعموم شرعية الجماعة وأفضليتها. ومنع بعض العامة من الجماعة إلاّ في الظلمة حذرا من بدو العورة (٢) ساقط ، لأنّا نتكلم على تقدير عدمه.

ثم الذي دلّ عليه خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم ، فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال : « يتقدّمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه ، فيومئ الامام بالركوع والسجود ويركعون ويسجدون خلفه على وجوههم » (٣). وبها عمل الشيخ في النهاية (٤).

وقال المرتضى والمفيد : يومئ الجميع كالصلاة فرادى (٥) وهو اختيار ابن إدريس مدعيا للإجماع (٦).

وفي المعتبر رجّح مضمون الرواية ؛ لجودة سندها (٧).

ويشكل بانّ فيه تفرقة بين المنفرد والجامع ، وقد نهي المنفرد عن الركوع والسجود ـ كما تقدم ـ لئلا تبدو العورة. وقد روى عبد الله بن سنان عن أبي‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠٦ ح ٩٤٤.

(٢) كمالك وأبي حنيفة والأوزاعي ، راجع : المغني ١ : ٦٦٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ح ١٥١٤.

(٤) النهاية : ١٣٠.

(٥) المقنعة : ٣٦ ، جمل العلم والعمل ٣ : ٤٩.

(٦) السرائر : ٨٠.

(٧) المعتبر ٢ : ١٠٧.

٢٥

عبد الله عليه‌السلام : « يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس » (١) وأطلق.

وبالجملة يلزم من العمل برواية إسحاق أحد أمرين : اما اختصاص المأمومين بهذا الحكم ، واما وجوب الركوع والسجود على كل عار إذا أمن المطلع ، والأمر الثاني لا سبيل اليه ، والأمر الأول بعيد.

فروع :

الأول : الظاهر انّ هذا الحكم مخصوص بأمنهم المطّلع ؛ لأنّ فحوى إيماء الإمام يشعر به ، فلو كان المطلع فالإيماء لا غير ، واطلاع بعضهم على بعض غير ضائر ؛ لأنّهم في حيّز التستر باعتبار التضام واستواء الصف.

ولكن يشكل بانّ المطلع هنا ان صدق وجب الإيماء والاّ وجب القيام.

ويجاب بانّ التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار الاطلاع بخلاف القيام ، فكأنّ المطلع موجود حالة القيام ، وغير معتدّ به حالة الجلوس.

الثاني : لو احتاجوا الى صفّين فالصف الأول كالإمام ، والصف الثاني يركعون ويسجدون ، وكذا لو تعدّدت الصفوف. نعم ، لو كانوا في مكان مظلم أمكن وجوب الركوع والسجود على الجميع.

الثالث : لو جامعهم ذو ثوب وهو أهل للإمامة أمّهم متما والاّ صلّى فيه ، واستحبّ إعارته غيره ؛ لانّه تعاون على البر والتقوى. ولو أمكن إعارته الجميع فعل ، ووجب عليهم القبول. وليعر من يصلح للإمامة مع ضيق الوقت ، ومع سعته ليس لهم الائتمام مع إمكان استعارة الثوب ، ولا يجوز تأخّر الصلاة عن الوقت انتظارا لهذا الساتر ، وليس لصاحب الثوب الائتمام بأحدهم ؛ لأنّ القائم لا يأتم بالقاعد.

الرابع : لو اجتمعت النساء والرجال تعذّرت الإمامة للجميع ان قلنا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ح ١٥١٣ ، ٣ : ١٧٨ ح ٤٠٤.

٢٦

بتحريم المحاذاة ، فليصلّ كلّ على حدته جماعة ، والاّ جاز. ولو كان هناك حائل صح ، وكذا مع الظلمة أو الآفة المانعة من الرؤية.

الخامس : يجب عليهم غضّ البصر مع إمكان الرؤية ، فلو تركوه أثموا. وفي بطلان صلاة المنظور وجه بعيد ؛ لأنّ الرؤية ليس من فعله. ولا تبطل صلاة الناظر ؛ لانّه نهي عن خارج من الصلاة.

٢٧

الفصل الثاني : في الساتر‌.

تجوز الصلاة في كل ما يستر العورة عدا أمور :

أحدها : جلد الميتة‌ ولو دبغ بإجماعنا ـ الا من شذ (١) ـ لما مرّ ، ولما رووه عن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « لا تنتفعوا من الميتة بشي‌ء » (٢).

وعنه عليه الصلاة والسلام : « لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب » (٣). وهو شامل لحالتي الدباغ وعدمه.

وروينا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « لا ، ولو دبغ سبعين مرة » (٤).

وفي مرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام : « لا تصل في شي‌ء منه ولا شسع » (٥).

ولأنّ الميتة نجسة ، والدباغ غير مطهر.

والمبطل للصلاة فيه علم كونه ميتة ، أو الشك إذا وجد مطروحا لأصالة عدم التذكية ، أو في يد كافر عملا بالظاهر من حاله ، أو في سوق الكفر.

__________________

(١) قال في جواهر الكلام ٨ : ٤٩ بعد حكاية هذا الاستثناء عن المصنف : لم نتحقق ذلك ، ولعله الشلمغاني الذي حكي عن ظاهره الجواز ، لكن لم يثبت انه منا .. واما احتمال انه الصدوق والكاتب ففيه انهما وان قالا بطهارته إلا أنهما وافقا على المنع من الصلاة ، ومن هنا حكي عن المجمع الإجماع من أصحابنا حتى القائلين بطهارته.

(٢) شرح معاني الآثار ١ : ٤٦٨ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٢ : ٢٨٦ ح ١٢٧٦ ، نيل الأوطار ١ : ٧٨ عن البخاري في تاريخه.

(٣) مسند احمد ٤ : ٣١٠ ، سنن أبي داود ٤ : ٦٧ ح ٤١٢٧ ، الجامع الصحيح ٤ : ٢٢٢ ح ١٧٢٩ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٢ : ٢٨٦ ح ١٢٧٤ ، السنن الكبرى ١ : ١٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٠ ح ٧٥٠ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ ح ٧٩٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٣ ح ٧٩٣.

٢٨

ولو وجد في يد مستحل بالدبغ ففيه صور ثلاث :

أ : ان يخبر بأنّه ميتة ، فليجتنب ؛ لاعتضاده بالأصل من عدم الذكاة.

ب : أن يخبر بأنّه مذكّى ، فالأقرب القبول ؛ لأنّه الأغلب ، ولكونه ذا يد عليه فيقبل قوله فيه ، كما يقبل في تطهير الثوب النجس. ويمكن المنع ؛ لعموم : « فتثبّتوا » (١) ولأنّ الصلاة في الذمة بيقين فلا تزول بدونه.

ج : أن يسكت ، ففي الحمل على الأغلب من التذكية ، أو على الأصل من عدمها ، الوجهان.

وقد روى في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني أدخل سوق المسلمين ـ أعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام ـ فاشتري منها الفراء للتجارة ، فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على انّها ذكية؟ فقال : « لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها ، وتقول : قد شرط الذي اشتريتها منه انّها ذكية ». قلت : وما أفسد ذلك؟ قال : « استحلال أهل العراق للميتة ، وزعموا انّ دباغ جلد الميت ذكاته ، ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك الاّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢).

وفي هذا الخبر إشارة إلى انّه لو أخبر المستحلّ بالذكاة لا يقبل منه ؛ لان المسئول في الخبر إن كان مستحلا فذاك ، والا فبطريق الأولى.

وعن أبي بصير عنه عليه‌السلام : « كان علي بن الحسين عليه‌السلام رجلا صردا فلا يدفئه فراء الحجاز ، لان دباغها بالقرظ. وكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر انها إشارة إلى الآية ٦ من سورة الحجرات ، وانظر مجمع البيان ٥ : ١٣١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٨ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٠٤ ح ٧٩٨.

٢٩

يليه ، وكان يسأل عن ذلك ، فيقول : انّ أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ، ويزعمون انّ دباغه ذكاته » (١).

قلت : الصّرد ـ بفتح الصاد وكسر الراء ـ : من يجد البرد سريعا. يقال : صرد الرجل يصرد صردا ، فهو صرد ومصراد.

وفي هذا دلالة على جواز لبسه في غير الصلاة ، وكذا في مفهوم خبر محمد بن مسلم السالف ؛ لأنّ فيه : سألته عن الجلد الميت ، أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ (٢). ويمكن حمل هذا على ما لم يعلم كونه ميتة ، ويكون فعل الامام احتياط للدين ، والمفهوم في السالف ضعيف ؛ لان تحريم الميتة يستلزم تحريم وجوه الانتفاع.

تنبيه :

هذه الصور الثلاث آتية في غير المستحل ، والقبول إذا أخبر بالذكاة أقوى منه في الأول وان كان فاسقا ، وإذا سكت فأولى أيضا.

اما ما يشترى من سوق الإسلام ، فيحكم عليه بالذكاة إذا لم يعلم كون البائع مستحلا ؛ عملا بالظاهر ، ونفيا للحرج.

ويكفي في سوق الإسلام أغلبية المسلمين ؛ لرواية إسحاق بن عمار ، عن العبد الصالح عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ». قلت له : فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : « إن كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس » (٣).

وعن البزنطي ، قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية هي أم لا ، أيصلي فيها؟ فقال : « نعم ، ليس عليكم المسألة انّ أبا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ ح ٧٩٦.

(٢) تقدم في ص ٢٨ الهامش ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ح ١٥٣٢ ، باختلاف يسير.

٣٠

جعفر عليه‌السلام كان يقول : انّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، انّ الدين أوسع عليهم من ذلك » (١). ورواه في الفقيه عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه‌السلام : عن الرجل يأتي السوق ، الحديث (٢).

قال ابن بابويه : وسأل إسماعيل بن عيسى أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الجلود والفراء تشترى ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال : « عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتموهم يصلون فلا تسألوهم » (٣).

وعن علي بن أبي حمزة ، انّ رجلا سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ـ وانا عنده ـ عن الرجل يتقلد السيف يصلّي فيه ، قال : « نعم ». فقال الرجل : انّ فيه الكيمخت. فقال : « وما الكيمخت؟ » فقال : جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة. فقال : « ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه » (٤). وفيه دلالة على تغليب الذكاة عند الشك ، وهو يشمل المستحلّ وغيره.

وعن البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام : سألته عن الخفاف تأتي السوق فيشترى الخفّ لا يدرى أذكي هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه أيصلّي فيه؟ قال : « نعم ، أنا أشتري الخف من السوق ويصنع لي فأصلّي فيه ، وليس عليكم المسألة » (٥).

قلت : وهذا يدلّ على الأخذ بظاهر الحال على الإطلاق ، وهو شامل للأخذ من المستحلّ وغيره.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ح ١٥٢٩.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٧ ح ٧٨٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٧ ح ٧٨٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧١ ح ١٥٤٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ح ١٥٣٠.

(٥) قرب الاسناد : ١٧٠ ، التهذيب ٢ : ٣٧١ ح ١٥٤٥.

٣١

ويؤيده انّ أكثر العامة لا يراعي في الذبيحة الشروط التي اعتبرناها (١) ، مع الحكم بحل ما يذكّونه ، بناء على الغالب من القيام بتلك الشرائط. وأيضا فهم مجمعون على استحلال ذبائح أهل الكتاب واستعمال جلودها (٢) ، ولم يعتبر الأصحاب ذلك (٣) ؛ أخذا بالأغلب في بلاد الإسلام من استعمال ما ذكّاه المسلمون.

وثانيها : جلد غير المأكول وصوفه وشعره ووبره‌ ـ عدا الخز والسنجاب ـ ذكّي أو لا ، دبغ أو لا ؛ لما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطريق المقدام ابن معديكرب : انّه نهى عن جلود السباع والركوب عليها (٤) وهو شامل لغير الصلاة لكنه خرج بدليل آخر.

وروينا عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّه أخرج كتابا زعم انّه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّ الصلاة في كل شي‌ء حرم أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شي‌ء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلى في غيره » (٥).

قال في المعتبر : ولأنّ خروج الروح من الحي سبب الحكم بموته الذي هو سبب المنع من الانتفاع بالجلد ، ولا تنهض الذباحة مبيحة ما لم يمكن المحل قابلا. واعترض على نفسه بجواز استعماله في غير الصلاة ، وأجاب : بإمكان استعداده بالذبح لذلك دون الصلاة ، لعدم تمامية الاستعداد له (٦).

قلت : هذا تحكّم محض ؛ لأنّ الذكاة إن صدقت فيه أخرجته عن الميتة‌

__________________

(١) المغني ١١ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٧٥.

(٢) المغني ١١ : ٣٦ ، المجموع ٩ : ٧٨.

(٣) راجع : النهاية : ٩٧ ، شرائع الإسلام ٢ : ٧٨ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٩٤.

(٤) سنن أبي داود ٤ : ٦٨ ح ٤١٣١ ، سنن النسائي ٧ : ١٧٦ ، السنن الكبرى ١ : ٢١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ ح ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ ح ١٤٥٤.

(٦) المعتبر ٢ : ٧٩ ـ ٨٠.

٣٢

والاّ لم يجز الانتفاع ، ولأنّ تمامية الاستعداد عنده بكونه مأكول اللحم فيتخلف عند انتفاء أكل لحمه ، فليسند المنع من الصلاة فيه الى عدم أكل لحمه من غير توسط نقص الذكاة فيه.

هذا كله فيما يقع عليه الذكاة ـ كالسباع ـ وان اختلف فيها ، اما الذي لا يقع عليه الذكاة ـ كالكلب والخنزير ـ فبطريق الأولى ، لأنّه ميتة ودباغه لا يطهره عند أكثر العامة ؛ لنجاسة عينه (١). واما الحشرات فقد جزم كثير من الأصحاب بعدم وقوع الذكاة عليها (٢) فهي من هذا القبيل ، وعلى وقوع الذكاة هي من قبيل الأول.

واختلفوا أيضا في المسوخ ، وقد بينّا في شرح الإرشاد وقوع الذكاة عليها (٣) فالمانع إذن عدم أكل اللحم.

وقد روى محمد بن الحسن الأشعري عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « الفيل كان ملكا زنا ، والذئب كان أعرابيا ديوثا ، والأرنب كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط كان يسرق تمور الناس ، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت ، والجريث والضب فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى عليه‌السلام لم يؤمنوا فتاهوا ، فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر ، والفأرة هي الفويسقة ، والعقرب كان نمّاما ، والدب والوزغ والزنبور كان لحاما يسرق في الميزان » (٤).

وروى الصدوق في الخصال بإسناده إلى مغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جده : « المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا : القردة ، والخنازير ، والخفاش ، والضب ، والدب ، والفيل ، والدعموص ، والجريث‌

__________________

(١) المجموع ١ : ٢١٥ ، المغني ١ : ٨٤.

(٢) راجع : المعتبر ٢ : ٨٠ شرائع الإسلام ٣ : ٢١٠.

(٣) راجع : شرح الإرشاد : ٢٧٣ ، وقد اختار هناك عدم وقوع الذكاة عليها.

(٤) الكافي ٦ : ٢٤٦ ح ١٤ ، علل الشرائع : ٤٨٥ ، التهذيب ٩ : ٣٩ ح ١٦٦.

٣٣

والعقرب ، وسهيل ، والزهرة ، والعنكبوت ، والقنفذ » وذكر في القرد والخنزير ما مر « والخفاش امرأة سحرت ظئرها ، والضب أعرابي يقتل كل من مرّ به ، والفيل ناكح البهائم ، والدعموص زان » وهو دويبة تغوص في الماء وجمعه دعاميص ، « والجريث نمّام ، والعقرب همّاز ، والدب سارق الحاج ، وسهيل عشار صاحب مكس ، والزهرة امرأة افتتن بها الملكان (١) ، والعنكبوت امرأة سيئة الخلق عاصية لزوجها ، والقنفذ رجل سيئ الخلق » (٢).

وذكر بسند آخر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّ الفيل لوطي لا يدع رطبا ولا يابسا ، والدب مخنّث ، والجريث ديوث يدعو الى زوجته ، والضبّ أعرابي يسرق الحاج بمحجنه ، والوطواط سارق الثمار من رءوس النخل ، والدعموص نمام يفرق بين الأحبة ، والعقرب لدّاغ (٣) لا يسلم على لسانه أحد ، والعنكبوت امرأة خانت زوجها ، والأرنب امرأة لا تتطهر من حيض ولا غيره ، وسهيل عشار باليمن والزهرة نصرانية افتتن بها الملكان واسمها ناهيل » (٤).

قال الصدوق : الزهرة وسهيل دابتان في البحر وليسا نجمين ، ولكن سمي بهما النجمان كالحمل والثور.

قال : والمسوخ جميعها لم تبق أكثر من ثلاثة أيام ثم ماتت ولم تتوالد ، وهذه الحيوانات على صورها سميت مسوخا استعارة (٥).

__________________

(١) في المصدر زيادة : « هاروت وماروت ».

(٢) الخصال : ٤٩٣.

(٣) في المصدر وس : لذاع.

(٤) الخصال : ٤٩٤ ح ٢.

(٥) الخصال : ٤٩٤.

٣٤

تنبيهات :

الأول : أجمع الأصحاب على جواز الصلاة في وبر الخز الخالص. وقد روى معمر بن خلاد عن الرضا عليه‌السلام ، انّه سأله عن الصلاة في الخز ، فقال : « صل فيه » (١).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا بأس به » (٢).

وروى سليمان بن جعفر الجعفري : انّه رأى الرضا عليه‌السلام يصلي في جبّة خز (٣).

والظاهر انّ ذكاته إخراجه حيا ؛ لما رواه ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه كان عنده ودخل عليه رجل من الخزازين ، فقال له : جعلت فداك ، ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال : « لا بأس بالصلاة فيه ». فقال له الرجل : جعلت فداك انّه ميت وهو علاجي وأنا أعرفه فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : « أنا أعرف به منك ». فقال له الرجل : انّه علاجي وليس أحد أعرف به مني! فتبسّم أبو عبد الله عليه‌السلام ، ثم قال : « تقول انّه دابة تخرج من الماء ، أو تصاد من الماء ، فإذا فقد الماء مات ». فقال الرجل : صدقت جعلت فداك هكذا هو! فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « فإنك تقول : انّه دابة تمشي على أربع وليس هو في حدّ الحيتان ، فتكون ذكاته خروجه من الماء ». فقال الرجل : أي والله هكذا أقول! فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « فان الله تعالى أحلّه ، وجعل ذكاته موته ، كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١٢ ح ٨٢٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٢ ح ٨٣٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ ح ١٤٦٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٠ ح ٨٠٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٢ ح ٨٣٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٩ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٢١١ ح ٨٢٨.

٣٥

قال في المعتبر : عندي في هذه الرواية توقّف ؛ لأنّ في طريقها محمد ابن سليمان الديلمي وهو ضعيف. ولتضمّنها حلّه ، مع اتفاق الأصحاب على انّه لا يحلّ من حيوان البحر الا ماله فلس من السمك ، مع إجماعنا على جواز الصلاة فيه ، مذكّى كان أو ميتا ، لانّه طاهر في حال الحياة ولم ينجس بالموت (١).

قلت : مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضرّ ضعف الطريق. والحكم بحلّه جاز ان يستند الى حلّ استعماله في الصلاة وان لم يذك ، كما أحل الحيتان بخروجها من الماء حية ، فهو تشبيه للحل بالحل لا في جنس الحلال.

وكأنّ المحقق ـ رحمه‌الله ـ يرى انّه لا نفس له سائلة ، فلذلك حكم بطهارته لا باعتبار الرواية ، قال : حدثني جماعة من التجار انه القندس ولم أتحققه (٢).

قلت : لعلّه ما يسمى في زماننا بمصر : وبر السمك ، وهو مشهور هناك. ومن الناس من زعم انّه كلب الماء ، وعلى هذا يشكل ذكاته بدون الذبح ؛ لأنّ الظاهر انّه ذو نفس سائلة ، والله أعلم.

اما جلده فالأصح جواز الصلاة فيه ؛ لقول الرضا عليه‌السلام في خبر سعد بن سعد : « إذا حلّ وبره حلّ جلده » (٣). وأنكره ابن إدريس (٤) ولا وجه له ؛ لعدم افتراق الأوبار والجلود في الحكم غالبا.

واما المغشوش منه بالحرير فجائز ، إذ الحرام انما هو الحرير المحض ، وهو مروي عن الباقر عليه‌السلام في الحرير المخلوط بالخز ، ولحمته أو سداه‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٨٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٤.

(٣) الكافي ٦ : ٤٥٢ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٧٢ ح ١٥٤٧‌

(٤) السرائر : ٥٦.

٣٦

خز أو كتان ، أو قطن ، جائز (١).

ولا يجوز ما غش بوبر الأرانب والثعالب على الأشهر ، وادعى فيه بعض الأصحاب الإجماع (٢) وهو مروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام بطريقين الا انّ فيهما انقطاعا (٣).

ولا تعارضهما رواية داود الصرمي عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام بجوازه (٤) لاشتهارهما دونها ، وإمكان حملها على التقية.

الثاني : قال الشيخ في المبسوط : لا خلاف في جواز الصلاة في السنجاب والحواصل (٥).

وقيدها ابن حمزة وبعضهم بالخوارزمية (٦) تبعا لما ذكره في التهذيب عن بشير بن بشار ، قال سألته عن الصلاة في الفنك والسنجاب ، الى قوله عليه‌السلام : « صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية » (٧).

ومنع منه في النهاية (٨) ورواية زرارة السالفة تدلّ على المنع من حيث عدم أكل لحمه (٩) ـ وهو ظاهر الأكثر (١٠) ـ ولأن في صدر الرواية انه سأله عليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب.

ويعارضها صحيحة أبي علي بن راشد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٧ ح ١٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ح ١٤٦٨.

(٢) كابن زهرة في الغنية : ٤٩٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٢ ح ٨٣٠ ، ٨٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ ح ١٤٦٩ ، ١٤٧٠.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٠ ح ٨٠٥ ، التهذيب ٢ : ٢١٣ ح ٨٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ ح ١٤٧١.

(٥) المبسوط ١ : ٨٣.

(٦) الوسيلة : ٨٧ ، الفقيه ١ : ١٧٢ ، المقنع : ٢٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٢١٠ ح ٨٢٣ ، وفي الاستبصار ١ : ٣٨٤ ح ١٤٥٨ عن بشير بن يسار.

(٨) النهاية : ٥٨٧.

(٩) تقدمت في ص ٣٢ الهامش ٥.

(١٠) راجع : الفقيه ١ : ١٧٠ ، المهذب ١ : ٧٥ ، مختلف الشيعة : ٧٩.

٣٧

« صل في الفنك والسنجاب ، فامّا السمور فلا تصل فيه » (١). ورواية مقاتل عن أبي الحسن عليه‌السلام في الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب : « لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب ، فإنّه دابة لا تأكل اللحم » (٢).

قال المحقق : الخاص مقدم على العام. (٣).

قلت : يدفع عمومه ويجعله خاصا معارضا ما في صدره. نعم ، هو أسلم سندا ؛ لأنّ في طريق الأول ابن بكير (٤) وهو فاسد العقيدة وان كان ثقة.

والأقرب الجواز ، والخبر الأول لعلّه محمول على الكراهية في السنجاب وان حرم الباقي ، ويجوز استعمال المشترك في معنييه بقرينة.

فرع :

انما يجوز الصلاة فيه مع تذكيته ؛ لانّه ذو نفس قطعا ، والدباغ غير مطهر عندنا. وقد اشتهر بين التجار والمسافرين انّه غير مذكّى ، ولا عبرة بذلك ؛ حملا لتصرف المسلمين على ما هو الأغلب. نعم ، لو علم ذلك حرم استعماله.

الثالث : لا تجوز الصلاة في جلد الثعلب والأرنب والفنك والسمور ، ولا في وبره ، على الأشهر في الروايات والفتاوى ، لعدم حل اللحم ، ولتضمّن خبر زرارة ذلك (٥) ورواية ابن أبي زيد عن الرضا عليه‌السلام في الثعالب : « لا تصل فيها » (٦) ورواية علي بن مهزيار عن أبي الحسن الماضي كذلك (٧).

وروى سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه‌السلام : النهي عن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٠ ح ١٤ ، التهذيب ٢ : ٢١٠ ح ٨٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ ح ١٤٥٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠١ ح ١٦ ، التهذيب ٢ : ٢١٠ ح ٨٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ ح ١٤٥٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٨٦.

(٤) تقدم في ص ٣٢ الهامش ٥.

(٥) تقدم في ص ٣٢ الهامش ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٠٦ ح ٨٠٧ ، ٢١٠ ح ٨٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨١ ح ١٤٤٥.

(٧) الكافي ٣ : ٣٩٩ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٦ ح ٨٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨١ ح ١٤٤٦.

٣٨

الصلاة في السمور ، وذكر السائل انّه يأخذ الدجاج والحمام (١).

ويعارضها خبر عمار عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، سألته عن الفراء السمور والسنجاب والثعلب وأشباهه؟ قال : « لا بأس بالصلاة فيه » (٢). وخبر علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام في السمور والفنك والثعالب وجميع الجلود؟ قال : « لا بأس بذلك » (٣).

وأذعن بهذين الخبرين المحقق لوضوح سندهما ، وقال : لو عمل بهما عامل جاز ، وان كان الاحتياط للعبادة المنع (٤).

قلت : هذان الخبران مصرحان بالتقية ؛ لقوله في الأول : ( وأشباهه ) ، وفي الثاني : و( جميع الجلود ) ، وهذا العموم لا يقول به الأصحاب.

وهذه الاخبار لم تتضمن الأرنب ، لكن رواية الخز المغشوش دالة عليها (٥). وقد روى علي بن مهزيار قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب : « لا تجوز الصلاة فيها » (٦).

وفي المقنع : لا بأس بالصلاة في السنجاب والسمور والفنك (٧) لما روي في ذلك من الرخص.

الرابع : لا تجوز الصلاة في قلنسوة أو تكة متخذين من جلد غير المأكول‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١١ ح ٨٢٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ ح ١٤٦١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٠ ح ٨٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ ح ١٤٥٩ ، عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) التهذيب ٢ : ٢١١ ح ٨٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ ح ١٥٦٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٨٧.

(٥) تقدمت في ص ٣٧ الهامش ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٩٩ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٢٠٦ ح ٨٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ ح ١٤٥١.

(٧) المقنع : ٢٤.

٣٩

لتناول الأدلة لهما.

وفي التهذيب حمل رواية جميل بجواز الصلاة في جلود الثعالب الذكية على القلنسوة والتكة وشبههما مما لا تتم به الصلاة (١). فقضية كلامه الجواز ، والأشبه المنع ، واستثناء ذلك انما ثبت في النجاسة وهي مانع عرضي ، ومثل ذلك ما لو اتخذتا من وبر غير المأكول ؛ لما قلناه من العموم.

وفي رواية محمد بن عبد الجبار انّه كتب الى أبي محمد عليه‌السلام يسأله : هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه ، أو تكة حرير ، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب : « لا تحل الصلاة في الحرير المحض ، وان كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه » (٢).

وأجيب بضعف المكاتبة ، ولأنّها تضمّنت قلنسوة عليها وبر فلا يلزم منه جوازها من الوبر.

وثالثها : الحرير المحض للرجل في غير الحرب والضرورة ، وعليه إجماع علماء الإسلام. وتبطل الصلاة فيه عندنا ؛ للنهي الدالّ على فساد العبادة ، سواء كان هو الساتر للعورة أو غيره.

والأخبار بتحريم لبسه متظافرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام. وعن أبي الحرث عن الرضا عليه‌السلام النهي عن الصلاة فيه (٣) وقد تقدّمت المكاتبة (٤).

واما رواية محمد بن بزيع ، عن الرضا عليه‌السلام في الصلاة في ثوب ديباج : « لا بأس ما لم يكن فيه التماثيل » (٥) فحملها الشيخ على الحرب ، أو‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٧ ح ٨١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ ح ١٤٥٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٨ ح ٨١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ح ١٤٦٤.

(٤) راجع الهامش ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٨ ح ٨١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ح ١٤٦٥.

٤٠