ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

الرابع : يستحب قراءة الجمعة والأعلى في عشاء ليلة الجمعة ، لرواية أبي الصباح أيضا عنه عليه‌السلام (١) ورواه أبو بصير عنه أيضا (٢).

وقال ابن أبي عقيل : يقرأ في الثانية المنافقين ، وأوفق في الأولى على الجمعة (٣) لرواية حريز السالفة (٤). والأول أشهر وأظهر في الفتوى.

الخامس : اختلف الأصحاب ـ رضي الله عنهم ـ في الجهر بالظهر يوم الجمعة ، مع اتفاقهم على استحباب الجهر في صلاة الجمعة. فاستحب الجهر في الظهر الشيخ ـ رحمه‌الله ـ (٥) ورواه الحلبي عن الصادق (٦) ومحمد ابن مروان عنه (٧) وعمران الحلبي عنه (٨) ومحمد بن مسلم عنه (٩).

وقال ابن بابويه : الجهر فيها رخصة يجوز الأخذ بها ، والأصل انه انما يجهر فيها إذا كانت خطبة ، فإذا صلاها وحده فهي كصلاة الظهر في سائر الأيام يخفى فيها القراءة. وكذلك في السفر من صلّى الجمعة جماعة بغير خطبة جهر بالقراءة وان أنكر ذلك عليه. وكذلك إذا صلّى ركعتين بخطبة في السفر جهر فيها (١٠).

والمرتضى ـ رحمه‌الله ـ قال : والمنفرد بصلاة الظهر يوم الجمعة روي انه يجهر بالقراءة استحبابا. وروي ان الجهر انما يستحب ان صليت مقصورة بخطبة ، أو صليت ظهرا أربعا في جماعة ، ولا جهر على المنفرد (١١). وقوّى ابن‌

__________________

(١) تقدمت في الهامش ٧.

(٢) تقدمت في الهامش ٨.

(٣) مختلف الشيعة : ٩٤.

(٤) تقدمت في ص ٤٢٨ الهامش ٨.

(٥) المبسوط ١ : ١٥١ ، النهاية : ١٠٧ ، الخلاف ١ : ٦٣٢ المسألة : ٤٠٧.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٥ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ١٤ ح ٤٩ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٣.

(٧) التهذيب ٣ : ١٥ ح ٥٠ ـ ٥٢ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٤ ـ ١٥٩٦.

(٨) التهذيب ٣ : ١٥ ح ٥٠ ـ ٥٢ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٤ ـ ١٥٩٦.

(٩) التهذيب ٣ : ١٥ ح ٥٠ ـ ٥٢ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٤ ـ ١٥٩٦.

(١٠) الفقيه ١ : ٢٦٩.

(١١) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٦٥ ، والعلامة في مختلف الشيعة : ٩٥.

٣٤١

إدريس هذا الأخير ، محتجا بعدم الدليل والاحتياط (١).

وقد روى جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الجماعة يوم الجمعة في السفر ، قال : « يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ، ولا يجهر الإمام إنما يجهر إذا كانت خطبة » (٢). وروى محمد بن مسلم ، قال : سألته عن صلاة الجمعة في السفر ، قال : « يصنعون كما يصنعون في الظهر ، ولا يجهر الإمام بالقراءة إنما يجهر إذا كانت خطبة » (٣). وحملهما الشيخ على التقية (٤).

وفي كلام ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ إشارة الى ان الجمعة تصلّى سفرا بغير خطبة ، وانها يجهر بها. فإن أراد به الجمعة الحقيقية أشكلت بعدم انعقادها سفرا وبغير خطبة ، وكلامه يدل على انعقادها سفرا بخطبة وغيرها. وان أراد الظهر المقصورة أشعر بأن الجهر تابع لصلاتها جماعة ، وهو ينافي قوله : ( انما يجهر فيها إذا كانت خطبة ) ، وفي بعض النسخ : ( انما يجهر إذا كانت جماعة ) ، وحينئذ لا تنافي.

وقد دل على تسمية ما في السفر جمعة رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، انه قال : « صلوا في السفر جمعة جماعة بغير خطبة واجهروا بالقراءة » (٥). والظاهر انه أراد ان الجهر تابع للجماعة ، سواء صليت ظهرا أو جمعة ، كما حكاه المرتضى واختاره ابن إدريس (٦).

__________________

(١) السرائر : ٦٥.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥ ح ٥٣ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٧.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥ ح ٥٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٨.

(٤) الهامش السابق.

(٥) التهذيب ٣ : ١٥ ح ٥١ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٥.

(٦) راجع ص ٣٤١ ـ ٣٤٢ الهامش ١١ ، ١.

٣٤٢

وقال في المعتبر : من الأصحاب من منع الجهر إلاّ في الجمعة خاصة.

ثم ذكر روايتي جميل ومحمد بن مسلم ، وقال : هما أولى وأشبه بالمذهب ، واستضعف تأويل الشيخ إياهما بالتقية (١).

فحصل من هذا ثلاثة أقوال :

الأول : عدم استحباب الجهر في الظهر مطلقا ، وهو اختياره في المعتبر ، ولعله الأقرب.

الثاني : استحبابه فيها مطلقا ، وهو قول الشيخ ومن تبعه ، ومنهم الفاضل في المختلف (٢).

الثالث : استحبابه فيها إذا صليت جماعة لا انفرادا ، وهو ظاهر الصدوق ، ومختار ابن إدريس.

ومنها : استحباب تطويل قراءة الركعة الأولى على الثانية ، قاله في المعتبر ، لما روى أبو قتادة : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقرأ في الأوليين من الظهر فاتحة الكتاب وسورتين ، يطول في الاولى ويقصر في الأخرى ، وكذا في العصر والصبح. قال : وهو منقول عن الأئمة عليهم‌السلام (٣).

قلت : لم أر هذا القول لغيره ـ رحمه‌الله ـ وهذا الحديث من طرق العامة ، وقد رووا أيضا عن أبي سعيد الخدري : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية ، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(٢) مختلف الشيعة : ٩٥.

(٣) المعتبر ٢ : ١٧٤.

والرواية في صحيح البخاري ١ : ١٩٣ ، صحيح مسلم ١ : ٣٣٣ ح ٤٥١ ، سنن النسائي ٢ : ١٦٥ ، السنن الكبرى ٢ : ٦٦.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٣٣٤ ح ٤٥٢ ، السنن الكبرى ٢ : ٦٤.

٣٤٣

وقال الشيخ في الخلاف : لا ترجيح بين الركعتين ، محتجا بعدم الدليل ، وعموم الاخبار في قراءة سورة مع الحمد. والعامة مختلفون في ذلك (١).

ومنها : استحباب مغايرة السورة في الركعتين ، وكراهة تكرار الواحدة في الركعتين إذا أحسن غيرها ، فان لم يحسن غيرها فلا بأس ، روى ذلك علي بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام (٢).

واما كون السورة الثانية بعد الاولى على ترتيب المصحف فلا تعرفه الأصحاب ، فلا يكره عندهم التقديم والتأخير. نعم ، الروايات المتضمنة للتعيين غالبها على ترتيب القرآن ، وقد روي تقديم التوحيد على الجحد في المواضع السبعة كما مر (٣).

ومنها : ما رواه محسن الميثمي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « يقرأ في صلاة الزوال في الركعة الأولى التوحيد ، وفي الثانية الجحد ، وفي الثالثة التوحيد وآية الكرسي ، وفي الرابعة التوحيد و ( آمَنَ الرَّسُولُ ) الى آخر البقرة ، وفي الخامسة التوحيد والخمس من آل عمران ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ ) الى ( الْمِيعادَ ) ، وفي السادسة التوحيد وثلاث آيات السخرة ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) إلى ( الْمُحْسِنِينَ ) ، وفي السابعة التوحيد والآيات من سورة الانعام ( وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ ) الى ( اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) ، وفي الثامنة التوحيد وآخر سورة الحشر ( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ ) الى آخرها » (٤).

ومنها : استحباب قول المأموم عند فراغ الامام من الحمد ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، روى ذلك جميل عن الصادق عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٣٨ المسألة : ٨٩.

وراجع : المجموع ٣ : ٣٨٦ ، عمدة القارئ ٦ : ٩.

(٢) قرب الاسناد : ٩٥ ، التهذيب ٢ : ٧١ ح ٢٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٥ ح ١١٧٤.

(٣) تقدم في ص ٣٣٨ الهامش ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٣ ح ٢٧٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٧٤ ح ٢٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ ح ١١٨٥.

٣٤٤

النظر الثالث : في اللواحق :

وفيه مسائل :

الأولى : المشهور بين الأصحاب تحريم قول آمين عقيب الحمد ، حتى انه تبطل بعمده الصلاة لغير تقية.

وادعى بعضهم الإجماع عليه ، فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف : قول آمين يقطع الصلاة ، سواء كان ذلك سرا أو جهرا ، آخر الحمد أو قبلها ، للإمام والمأموم ، وعلى كل حال. واحتج بإجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في انّ ذلك يبطل الصلاة ، وبقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميين » وقول آمين من كلام الآدميين ، وبرواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام انه سأله أقول آمين إذا فرغت من فاتحة الكتاب؟ قال : « لا » (١).

وقال ابن بابويه : ولا يجوز ان يقال بعد فاتحة الكتاب آمين ، لان ذلك كان يقوله النصارى (٢).

وقال المفيد والمرتضى ـ رحمهما الله ـ : يحرم قول آمين آخر الحمد ، ويقولان : تبطل الصلاة به (٣) وتبعهما جمهور الأصحاب (٤).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٣٤ المسألة : ٨٤.

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في : مسند الطيالسي : ١٥٠ ح ١١٠٥ ، المصنف لابن أبي شيبة ٢ : ٤٣٢ ، مسند احمد ٥ : ٤٤٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٣ ، صحيح مسلم ١ : ٣٨١ ح ٥٣٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٤ ح ٩٣٠ ، سنن النسائي ٣ : ١٤ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٤٩.

ورواية الحلبي في التهذيب ٢ : ٧٤ ح ٢٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ ح ١١٨٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٥.

(٣) المقنعة : ١٦ ، الانتصار : ٤٢.

(٤) راجع : الوسيلة : ٩٧ ، المعتبر ٢ : ١٨٥.

٣٤٥

قال ابن زهرة ـ رحمه‌الله ـ : يحرم بالإجماع والاحتياط ، وبأنها عمل كثير خارج عن الصلاة ، وبأنها انما تكون على دعاء تقدمها والقارئ لا يجب عليه قصد الدعاء مع القراءة فلا معنى لها حينئذ ، وإذا انتفى جوازها عند عدم القصد انتفى عند قصد القراءة والدعاء ، لأن أحدا لم يفرق بينهما (١).

والشيخ في التبيان يمنع من قصد القراءة والدعاء ، للزوم استعمال المشترك في معنييه ، وهو غير جائز (٢).

وفي المعتبر صدّر كلامه بالمنع منها ، محتجا بحديث الآدميين ، وبقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انما هي التسبيح ، والتكبير ، وقراءة القرآن » و« انما » للحصر وليس التأمين أحدها ، لأن معناها : اللهمّ استجب ، ولو نطق بذلك أبطل صلاته فكذا ما قام مقامه.

ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم الصلاة جماعة ولم يذكر التأمين ، وبان أبا حميد الساعدي لما وصف صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يذكره ، وكذا أبو قتادة.

ولانه لو كان النطق بها تأمينا لم تجز الا لمن قصد الدعاء ، لكن ذلك ليس شرطا بالإجماع ، اما عندنا فللمنع مطلقا ، واما عند الجمهور فللاستحباب مطلقا.

ولأنّ التأمين يستدعي سبق دعاء ، ولا يتحقق الدعاء الاّ مع قصده ، فعلى تقدير عدم القصد يخرج التأمين عن حقيقته فيكون لغوا (٣).

__________________

(١) الغنية : ٤٩٦.

(٢) التبيان : ١ : ٤٦.

(٣) المعتبر ٢ : ١٨٥.

وحديث الآدميين وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدم في ص ٣٤٥ الهامش ١.

ورواية أبي حميد في : سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٠ ح ٨٦٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٩٤ ح ٧٣٠ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٤.

٣٤٦

ثم ذكر تمسك العامة برواية أبي هريرة : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « إذا قال الامام ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ ) فقولوا : آمين ، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر الله له » ، وبرواية وائل بن حجر قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قال ( وَلَا الضّالِّينَ ) قال : آمين ، ورفع صوته بها ، وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبلال : « لا تسبقني » (١).

وأجاب : بأنّ أبا هريرة شهد عليه عمر بأنّه عدو الله وعدو المسلمين ، وحكم عليه بالخيانة في مال البحرين ، وأوجب عليه عشرة آلاف دينار ، فكيف يسكن الى نقله! ولان ذلك لو قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يختص به أبو هريرة ووائل ، وخصوصا إذا كان يرفع صوته بها ، ولان مالكا أنكر التأمين في رواية عنه فلو كان مشهورا لم يخف عليه (٢).

ثم قال في المعتبر : ويمكن ان يقال بالكراهية ، ويحتج بما رواه ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين ، قال : « ما أحسنها ، واخفض الصوت بها ». وطعن في الرواية بالمنع بأن في طريقها في التهذيب محمد بن‌

__________________

ورواية أبي قتادة في : سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٩ ح ٨٥٩ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٥.

(١) المعتبر ٢ : ١٨٧.

ورواية أبي هريرة في الموطأ ١ : ٨٧ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٨١ ح ٢٢٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٩٨ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٧ ح ٤١٠ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٦ ح ٩٣٥.

ورواية وائل في سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٨ ح ٨٥٥ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٦ ح ٩٣٢ ، الجامع الصحيح ٢ : ٢٧ ح ٣٤٨ ، السنن الكبرى ٢ : ٥٧.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبلال في المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٩٦ ح ٦٢٣٦ ، السنن الكبرى ٢ : ٥٦.

(٢) المعتبر ٢ : ١٨٧.

لاحظ في اتهام أبي هريرة : الطبقات الكبرى لابن سعد ٤ : ٣٣٥.

وراجع في إنكار مالك : المغني ١ : ٥٦٤ ، حلية العلماء ١ : ٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٤٦.

٣٤٧

سنان وهو مطعون فيه ، وفي طريقها في جامع البزنطي عبد الكريم وليس كابن أبي عمير (١).

قلت : استدلاله على الكراهة بهذه الرواية غير متّجه ، لان استحسانها على سبيل التعجب ينفي كراهيتها ، والحق ان هذه الرواية تنادي على نفسها بالتقية ، لأن الأخبار مصرحة بالنهي عنها ، ولو حملت هذه على استحبابها كان تناقضا ظاهرا فلم تبق التقية.

وكذا ما روى معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقول آمين إذا قال الامام ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ )؟ قال : « هم اليهود والنصارى » (٢) مؤذن بالتقية ، لأنه عدل عن الجواب عن المسئول عنه الى غيره ، وهذا صريح في التقية ، كذا قاله الشيخ (٣). وقد يتوهّم ان قوله : « هم اليهود والنصارى » جواب ، أي : هم القائلون آمين ، كما قاله ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ (٤).

والعجب كيف لم يستشهد المحقق بكلام ابن الجنيد هنا ، إذ يقول في كتاب الإمامة : ولا يصل الإمام ولا غيره قراءة ( وَلَا الضّالِّينَ ) بآمين ، لأنّ ذلك يجري مجرى الزيادة في القرآن مما ليس منه ، وربما سمعها الجاهل قرأها من التنزيل ، وقد روى سمرة وأبي بن كعب السكتتين ، ولم يذكرا فيها آمين (٥).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨٦.

ورواية جميل في التهذيب ٢ : ٧٥ ح ٢٧٧ ، والاستبصار ١ : ٣١٨ ح ١١٨٧.

ورواية التهذيب رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن محمد الحلبي ، وقد تقدمت في ص ٣٤٥ الهامش ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٥ ح ٢٧٨ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ ح ١١٨٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٥.

(٥) تقدمت رواية سمرة وأبيّ في ص ٣٣٦ الهامش ١.

٣٤٨

ثم قال : ولو قال المأموم في نفسه : اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم ، كان أحب إليّ ، لأن ذلك ابتداء دعاء منه. وإذا قال : آمين تأمينا على ما تلاه الامام ، صرف القراءة إلى الدعاء الذي يؤمن عليه سامعه.

وقال ـ في حدود الصلاة ـ : ويستحب ان يجهر به الإمام ـ يعني القنوت ـ في جميع الصلاة ، ليؤمن من خلفه على دعائه. فظاهره جواز التأمين عقيب الحمد وغيرها.

قلت : المعتمد تحريمها وإبطال الصلاة بفعلها ، عملا بقول الأكثر ، ودعوى الإجماع من أكابر الأصحاب (١). ورواية جميل المذكورة محمولة على التقية ، لأنه نفسه روى عن الصادق عليه‌السلام بطريق آخر : « إذا كنت خلف الإمام ، فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها ، فقل أنت : الحمد لله رب العالمين ، ولا تقل : آمين » (٢) وهو نهي والأصل فيه التحريم ، وهذه الرواية صحيحة السند ، لا يرد عليها ما ذكره في المعتبر في حديث الحلبي من الطعن.

وأمّا ما جرى في تضاعيف الحجة من قول الشيخ : ان قصد الدعاء والقراءة غير جائز لأنه استعمال للمشترك في المعنيين ، فضعيف ، فان المعنى هنا متحد وهو الدعاء المنزّل قرآنا ، ومن المعلوم ان الله تعالى انما كلف المكلفين بهذه الصيغة لإرادة الدعاء ، فيكف تبطل الصلاة بقصده!

ومن قول المحقق « انما هي التسبيح » الى آخره ، فان الحصر غير مراد منه ، لخروج معظم أفعال الصلاة منه ، كالركوع والسجود والتشهد والدعاء. وكذا قوله ببطلان الصلاة بقوله : اللهم استجب ، ضعيف ، فان الدعاء بالمباح جائز في الصلاة بإجماعنا ، وهذا دعاء عام في طلب استجابة جميع ما يدعى به. وقد تابعه على هذا الفاضل في التذكرة (٣) وليس بذاك.

__________________

(١) كالمرتضى في الانتصار : ٤٢ ، والطوسي في الخلاف ١ : ٣٣٤ المسألة : ٨٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٧٤ ح ٢٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ ح ١١٨٥.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١١٨.

٣٤٩

وكثير من الأصحاب لم أقف له على التأمين بنفي ولا إثبات ، كابن أبي عقيل ، والجعفي في الفاخر ، وأبي الصلاح ـ رحمهم‌الله.

الثانية : تستحب السورة في النافلة عقيب الحمد بالإجماع ، ولتكن من طوال السور في نوافل الليل ـ كالأنعام والكهف والحم ـ ومن قصارها في نوافل النهار.

قال في المبسوط : والاقتصار على سورة الإخلاص أفضل ، يعني : في نوافل النهار (١). ويستحب الإخفات فيها ، والجهر في نوافل الليل عند علمائنا أجمع ، لما تقدم من قول الصادق عليه‌السلام : « السنة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنّة في صلاة الليل بالإجهار » (٢).

وروى العامة عن أبي هريرة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في الصلاة النهار ، فارجموه بالبعر » (٣).

وذكر بعض العامة ضابطا للجهر والإخفات ـ وتبعهم عليه بعض الأصحاب (٤) ـ وهو : انّ كل صلاة تختص بالنهار ، ولا نظير لها بالليل ، فجهر كالصبح. وكل صلاة تختص بالليل ، ولا نظير لها بالنهار ، فجهر أيضا كالمغرب. وكل صلاة تفعل نهارا ، ولها نظير بالليل ، فما تفعل بالنهار فسّر كالظهرين ، وما تفعل ليلا فجهر كالعشاء.

فعلى هذا صلاة الجمعة والعيد يسنّ الإجهار بهما ، لأنهما تفعلان نهارا ، ولا نظير لهما ليلا. والكسوف يستحب فيها الإسرار ، لأنها تفعل نهارا ، ولها نظير بالليل وهي الخسوف ، فيجهر فيه. والأصل فيه قوله صلّى الله عليه‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٩ ح ١١٦١ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ح ١١٦٥.

(٣) المصنّف ( لابن أبي شيبة ) ١ : ٣٦٥ عن يحيى بن أبي كثير ، المهذّب ( لأبي إسحاق الشيرازي ) ١ : ٨١ ، المعتبر ٢ : ١٨٤.

(٤) كالعلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١١٧.

٣٥٠

وآله : « صلاة النهار عجماء » (١).

وهذا قياس محض لا أصل له عندنا ، وقد نصّ الأصحاب على الجهر بصلاة الكسوف كالخسوف (٢). ويلزم ان صلاة الاستسقاء سر ، وقد نص الجماعة على انها كالعيد ، والعيد جهر (٣). ويلزم أيضا أن يكون القضاء تابعا لليل والنهار ، والإجماع واقع من الأصحاب على انّه يقضى كما فات ، لعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فليقضها كما فاتته » (٤) وكذا قضاء النوافل يجهر فيه ويسرّ على ما كان ، نصّ عليه الشيخ في الخلاف ، ولم يحتج بالإجماع بل بالحديث (٥).

فرع :

إذا قلنا بأن المأموم يقرأ ندبا ، فلا جهر عليه في الجهرية ، لما مر في رواية إسماع الإمام الأذكار للمأموم دون العكس (٦) ، ولان بعض الصحابة جهر خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما فرغ من الصلاة قال : « ما بالي أنازع القرآن » (٧) وفيه إشارة الى انّ الجهر فيه تشويش قراءة الإمام.

__________________

(١) المصنّف ( لابن أبي شيبة ) ١ : ٣٦٤ عن الحسن وأبي عبيدة ، غريب الحديث ( لأبي عبيد ) ١ : ١٧٠ عن الحسن ، وراجع : المهذب ١ : ٨١ ، المجموع ٣ : ٣٨٩.

(٢) راجع : المراسم : ٨٠ ، السرائر : ٧٢ ، الغنية : ٥٠٠ ، المعتبر ٢ : ٢٣٩.

(٣) راجع : المقنعة : ٢٤ ، المبسوط ١ : ١٣٤ ، المراسم : ٨٣ ، السرائر : ٧٢.

(٤) عوالي اللئالي ٣ : ١٠٧ ح ١٥٠.

(٥) الخلاف ١ : ٣٨٧ المسألة : ١٤٠.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ٥ ، والفقيه ١ : ٢٦٠ ح ١١٨٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٢ ح ٣٨٣ و ٣٨٤.

(٧) الموطأ ١ : ٨٦ ، مسند احمد ٢ : ٤٨٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ ح ٨٤٨ ، سنن أبي داود ١ : ٢١٨ ح ٨٢٦ ، الجامع الصحيح ٢ : ١١٨ ح ٣١٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٤١ ، شرح معاني الآثار ١ : ٢١٧ ، السنن الكبرى ٢ : ١٥٧.

٣٥١

تنبيه :

قال ابن أبي عقيل : يجهر في صلوات السنن التي تكون في الجماعة ، وأطلق.

الثالثة : القراءة ليست ركنا على الصحيح من المذهب ، ونقل فيه الشيخ الإجماع في الخلاف (١) لان المعني به : ما تبطل الصلاة بالإخلال به نسيانا والقراءة ليست كذلك ، لما روي ان منصور بن حازم سأل الصادق عليه‌السلام : اني صليت المكتوبة ونسيت ان أقرأ في صلاتي كلها ، فقال : « أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ » قلت : بلى. فقال : « تمت صلاتك » (٢) ويقرب منه رواية معاوية بن عمار عنه عليه‌السلام (٣).

ونقل في المبسوط عن بعض الأصحاب ركنيتها (٤) وهو أيضا قول جماعة من العامة (٥) لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب » (٦) ولرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام في الذي لا يقرأ الفاتحة : « لا صلاة له ، الاّ ان يقرأ بها في جهر أو إخفات » (٧).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٠٩ المسألة : ١٥٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٨ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٥٣ ح ١٣٣٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ح ١٣٣٧ ، السرائر : ٤٨٤.

(٤) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٥) كالشافعي ومالك وغيرهم ، راجع : المجموع ٣ : ٣٢٧ ، المغني ١ : ٥٥٥ ، فتح العزيز ٣ : ٣٠٨.

(٦) مسند احمد ٥ : ٣١٦ ، صحيح البخاري ١ : ١٩٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٩٥ ح ٣٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٣ ح ٨٣٧ ، الجامع الصحيح ٢ : ٢٥ ح ٢٤٧ ، سنن النسائي ٢ : ١٣٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٢١ ، السنن الكبرى ٢ : ١٦٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ح ١٣٣٩.

٣٥٢

والجواب : المراد نفي الكمال ، توفيقا بين الروايات.

ويحتج على العامة بما روي : ان عمر صلّى المغرب فلم يقرأ ، فلما فرغ قيل له في ذلك فقال : كيف كان الركوع والسجود. قالوا : حسنا. فقال : فلا بأس ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة (١) فدل على اشتهاره بينهم.

الرابعة : يجوز العدول من سورة إلى أخرى في الفريضة والنافلة ما لم يتجاوز نصفها ، فلا يجوز في الفريضة ـ قاله الشيخان (٢) ـ إلا في سورتي التوحيد والجحد ، فلا عدول عنهما بالشروع ، لرواية عمرو بن أبي نصر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يرجع من كل سورة الا من قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون (٣) ومثله روى الحلبي عنه عليه‌السلام (٤).

ولم أقف الآن على اعتبار النصف ، لكن روى عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ غيرها ، فقال : « له ان يرجع ما بينه وبين ان يقرأ ثلثيها » (٥).

والشيخ في التهذيب لما حكى كلام المفيد بتجاوز النصف ، لم يذكر له شاهدا سوى ما رواه أبو بصير عنه في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ، ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ، ثم يذكر قبل أن يركع ، قال : « يركع ولا يضره » (٦). وهذا لا دلالة فيه على اعتبار النصف ، إذ مفهوم الاسم ليس فيه حجة. نعم ، يظهر منه على بعد استحباب قراءة السورة.

__________________

(١) الام ٧ : ٢٣٧ ، المصنف لعبد الرزاق ٢ : ١٢٢ ح ٢٧٤٨ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٣٩٦ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٨١.

(٢) المقنعة : ٢٤ ، المبسوط ١ : ١٠٧ ، النهاية : ٧٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ٢٥ ، التهذيب ٢ : ١٩٠ ح ٧٥٢ ، ٢٩٠ ح ١١٦٦.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩٠ ح ٧٥٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ح ١١٨٠.

(٦) التهذيب ٢ : ١٩٠ والحديث فيه برقم ٧٥٤.

٣٥٣

وفي المعتبر نقل عن المرتضى تحريم الرجوع عن التوحيد والجحد ، ثم قال : والوجه الكراهية ، لقوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ). قال : ولا تبلغ الرواية قوة في تخصيص الآية (١).

وقال ابن بابويه في الفقيه : فان نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر ـ يعني به الجمعة والمنافقين ـ ثم ذكرت ، فارجع إليهما ما لم تقرأ نصف السورة ، فإن قرأت نصف السورة فتممها واجعلها ركعتي نافلة (٢). ولم يشترط هنا تجاوز النصف ، بل اكتفى بقراءة النصف.

وقال ابن بابويه أيضا : من أراد أن يقرأ في صلاته بسورة فقرأ غيرها فليرجع منها الى غيرها ، الا ان تكون السورة قل هو الله أحد فلا يرجع منها الى غيرها ، الا يوم الجمعة في صلاة الظهر ، فإنه يرجع منها إلى سورة الجمعة والمنافقين (٣). وكأنّه بناه على مذهبه من وجوب السورتين ، فلذلك عدل عن التوحيد ولم يذكر الجحد.

وقد روى الكليني عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يريد ان يقرأ سورة الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد ، قال : « يرجع الى سورة الجمعة » (٤) قال : وروي أيضا : « يتمها ركعتين ثم يستأنف » (٥).

وقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : يجوز الانتقال من سورة إلى غيرها ما لم يتجاوز نصفها إلاّ سورة الكافرين والإخلاص ، فإنّه لا ينتقل عنهما إلا في الظهر يوم الجمعة ، فإنّه يجوز له الانتقال عنهما إلى الجمعة والمنافقين (٦).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٩١.

والآية في سورة المزمل : ٢٠.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٠ ، المقنع : ٤٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٨.

(٤) الكافي ٣ : ٤٢٦ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٨ ح ٢٢ ، ٢٤١ ح ٦٤٩.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢٦ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٨ ح ٢٢ ، ٢٤١ ح ٦٤٩.

(٦) المبسوط ١ : ١٠٧ ، النهاية : ٧٧.

٣٥٤

وقال الجعفي ـ رحمه‌الله ـ : وان أخذت في سورة وبدا لك في غيرها ، فاقطعها ما لم تقرأ نصفها الاّ قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون ، فان كنت في صلاة الجمعة والصبح يومئذ أو العشاء ليلة الجمعة فاقطعهما وخذ في سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون. فعمّم الحكم في الصلوات الثلاث.

وقال ابن إدريس ـ في باب القراءة : للمصلي إذا بدأ بسورة ان يرجع عنها ما لم يبلغ نصفها ، الاّ التوحيد والجحد فإنه لا يرجع عنهما (١) وأطلق ، وكذا قال المحقق في الشرائع ـ رحمهما الله (٢).

وقال ابن إدريس ـ في باب الجمعة ـ بجواز الرجوع من الجحد والإخلاص إلى الجمعة والمنافقين في ظهر الجمعة ما لم يبلغ النصف (٣).

وقال ابن الجنيد : لا يستحب للمصلي أن يرجع عن قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون إذا بدأ بهما ، وله ان يرجع عن غيرهما إليهما ما لم يبلغ النصف.

فتبيّن ان الأكثر اعتبروا النصف ، والشيخ اعتبر مجاوزة النصف ، ولعل مراده بلوغ النصف.

فرع :

متى انتقل وجب إعادة البسملة ، تحقيقا للجزئية. ولو بسمل بقصد الإطلاق ، أو لا بقصد سورة ، لم يجز بل تجب البسملة عند القصد. اما لو جرى لسانه على بسملة وسورة ، فالأقرب الإجزاء ، لرواية أبي بصير السالفة (٤) ولصدق الامتثال.

__________________

(١) السرائر : ٤٦.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٩٩.

(٣) السرائر : ٦٥.

(٤) تقدمت في ص ٣٥٣ الهامش ٦.

٣٥٥

وروى البزنطي عن أبي العباس في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ في أخرى ، قال : « يرجع الى التي يريد وان بلغ النصف » (١).

قلت : هذا حسن ، ويحمل كلام الأصحاب والروايات على من لم يكن مريدا غير هذه السورة ، لأنه إذا قرأ غير ما اراده لم يعتد به ، ولهذا قال : « يرجع » فظاهره تعيين الرجوع.

الخامسة : قال ابن أبي عقيل ـ رحمه‌الله ـ : لا يقرأ في الفريضة ببعض السورة ، ولا بسورة فيها سجدة ، مع قوله بأنّ السورة غير واجبة (٢).

وقال أيضا : من قرأ في صلوات السنن في الركعة الأولى ببعض السورة ، وقام في الركعة الأخرى ، ابتدأ من حيث بلغ ولم يقرأ بالفاتحة (٣) وهو غريب ، والمشهور قراءة الحمد.

وقد روى سعد بن سعد عن الرضا عليه‌السلام فيمن قرأ الحمد ونصف سورة ، هل يجزئه في الثانية أن لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ فقال : « يقرأ الحمد ، ويقرأ ما بقي من السورة » (٤) والظاهر انّه في النافلة.

السادسة : أجمع علماؤنا وأكثر العامة على انّ المعوذتين ـ بكسر الواو ـ من القرآن العزيز ، وانه يجوز القراءة بهما في فرض الصلاة ونفلها.

وروى منصور بن حازم قال : أمرني أبو عبد الله عليه‌السلام ان اقرأ المعوذتين في المكتوبة (٥).

وعن مولى سام قال : أمّنا أبو عبد الله عليه‌السلام في صلاة المغرب فقرأ‌

__________________

(١) وعن الذكرى أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٦١ عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) حكى عنه العلامة في مختلف الشيعة : ٩١ وجوب السورة.

(٣) مختلف الشيعة : ٩٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ح ١١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣١٦ ح ١١٧٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٦ ح ٣٥٦.

٣٥٦

المعوذتين (١).

وعن ابن مسعود : انهما ليستا من القرآن ، وانما أنزلتا لتعويذ الحسن والحسين عليهما‌السلام (٢) وخلافه انقرض ، واستقر الإجماع الآن من العامة والخاصة على ذلك.

السابعة : لا قراءة عندنا في الأخيرتين زائدا على الحمد فرضا ، ولا نفلا ، وعليه الإجماع منا.

وفي الجعفريات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انه كان يقرأ في ثالثة المغرب ( رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا ، وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ ) (٣) وهو محمول على إيرادها دعاء ، لا انها جزء من الصلاة.

الثامنة : قال ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ : قال الرضا عليه‌السلام : « انما جعل القراءة في الركعتين الأوليين والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله تعالى من عنده ، وبين ما فرضه من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤).

وسأل محمد بن حمران أبا عبد الله عليه‌السلام عن علة الجهر فيما يجهر فيه والإخفات في غيره ، وعن علة أفضلية التسبيح في الأخيرتين. فقال : « لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اسري به الى السماء كان أول صلاة افترض الله جل اسمه عليه الظهر يوم الجمعة ، فأضاف الله تعالى إليه الملائكة تصلي خلفه ، وأمر نبيه ليجهر لهم بالقراءة ليبين لهم فضله. ثم افترض عليه العصر ولم يضف إليه أحدا من الملائكة ، وأمره أن يخفى القراءة ، لأنه لم يكن وراءه أحد. ثم افترض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة وأمره بالإجهار ، وكذلك‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٩٦ ح ٣٥٧ ، عن صابر مولى بسام.

(٢) مسند احمد ٥ : ١٢٩ ، وفي الدار المنثور ٦ : ٤١٦ عن احمد والبزار والطبراني وابن مردويه.

(٣) الجعفريات : ٤١.

والآية في سورة آل عمران : ٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٢ ح ٩٢٤ ، علل الشرائع : ٢٦٢ ، عيون اخبار الرضا ٢ : ١٠٩.

٣٥٧

العشاء الآخرة والفجر. وصار التسبيح أفضل ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان في الأخيرتين ذكر ما كان فيه من عظمة الله تعالى ، فدهش وقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله » (١).

قال : وسأل يحيى بن أكثم القاضي أبا الحسن عليه‌السلام عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار ، فقال : « لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يغلّس بها » (٢).

وفي علل ابن شاذان عن الرضا عليه‌السلام انّه قال : « أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا ، وليكون محفوظا مدروسا. وانما بدأ بالحمد لانّه ليس شي‌ء من القرآن والكلام جمع فيه جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد ، وذلك انّ قوله تبارك وتعالى :

( الْحَمْدُ لِلّهِ ) انما هو أداء لما أوجب الله على خلقه من الشكر ، وشكر لما وفق عبده من الخير.

( رَبِّ الْعالَمِينَ ) توحيد له وتحميد وإقرار بأنّه الخالق المالك لا غيره.

( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) استعطاف وذكر آلائه ونعمائه على جميع خلقه.

( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) إقرار بالبعث والحساب والمجازاة ، وإيجاب ملك الآخرة له كإيجاب ملك الدنيا.

( إِيّاكَ نَعْبُدُ ) رغبة وتقرب الى الله تعالى ، وإخلاص له بالعمل دون غيره.

( وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) استزادة من توفيقه وعبادته واستدامة لما أنعم عليه.

( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) استرشاد (٣) واعتصام بحبله ، واستزادة في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٢ ح ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٢٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٣ ح ٩٢٦ ، علل الشرائع : ٣٢٢.

(٣) في الفقيه زيادة : « لدينه » ، وفي العلل والعيون : « لأدبه ».

٣٥٨

المعرفة لربه عز وجل ولعظمته وكبريائه.

( صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) توكيد في السؤال والرغبة ، وذكر لما تقدم من نعمه على أوليائه ، ورغبة في مثل تلك النعم.

( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به وبأمره ونهيه.

( وَلَا الضّالِّينَ ) اعتصام من أن يكون من الذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة فهم يحسبون انهم يحسنون صنعا » (١).

وذكر العلة في الجهر : « انّ الصلوات التي يجهر فيها في أوقات مظلمة ، فجهر فيها ليعلم المارّ ان هناك جماعة فيصلي معهم ، والتي يخافت فيها يكفي فيها مشاهدة المصلي لأنها بالنهار » (٢).

تتمّة :

روى في التهذيب عن زرارة قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلي بقل هو الله أحد؟ فقال : « نعم ، قد صلّى رسول الله عليه وآله في كلتا الركعتين بقل هو الله أحد لم يصل قبلها ولا بعدها بقل هو الله أحد أتم منها » (٣).

قلت : تقدم كراهة ان يقرأ بالسورة الواحدة في الركعتين ، فيمكن ان تستثنى من ذلك قل هو الله أحد لهذا الحديث ، ولاختصاصها بمزيد الشرف ، أو فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبيان جوازه.

وروى الكليني عن محمد بن يحيى بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٣ ح ٩٢٧ ، علل الشرائع : ٢٦٠ ، عيون اخبار الرضا ٢ : ١٠٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٣ ح ٩٢٧ ، علل الشرائع : ٢٦٣ ، عيون اخبار الرضا ٢ : ١٠٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٦ ح ٣٥٩.

٣٥٩

قال : « يكره أن يقرأ قل هو الله أحد بنفس واحد » (١).

وروى أبو حمزة الثمالي عن زين العابدين عليه‌السلام ، انه قال له : « انّ الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان الى قرين الامام فيقول : هل ذكر ربه؟ فان قال نعم تركه ، وان قال لا ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا ». قال : فقلت : جعلت فداك أليس يقرءون القرآن ، قال : « بلى ، ليس حيث تذهب يا ثمالي انما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (٢).

قلت : لعل الموجب للجهر بها يحتج بهذا الحديث.

وروى السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال في الرجل يصلي في موضع يريد أن يتقدّم ، قال : « يكفّ عن القراءة في مشيه ، حتى يتقدم الى الموضع الذي يريد ثمّ يقرأ » (٣).

قلت : هذا الحكم مشهور بين الأصحاب (٤). وهل الكف واجب؟ توقّف فيه بعض المتأخرين (٥) ، والأقرب وجوبه ، لظاهر الرواية ، وان القرار شرط في القيام.

وروى حريز بن عبد الله قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل قرأ سورة في ركعة فغلط ، يدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قرائته ، أو يدع تلك السورة ويتحول منها الى غيرها؟ فقال : « كل ذلك لا بأس به ، وان قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع » (٦).

قلت : وهو محمول على النافلة ، لما مر ، قاله الشيخ ـ رحمه‌الله ـ (٧)

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٤ ح ١١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٠ ح ١١٦٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٦ ح ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ ح ١١٦٥.

(٤) راجع : المبسوط ١ : ١٠٩ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١١٨.

(٥) كالعلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١١٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ح ١١٨١.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٩٤.

٣٦٠