ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

ولا يحتاج المصلي هنا إلى سترة ، لبقاء القبلة حقيقة. وكذا لو صلّى داخلها الى الباب المفتوح لم يحتج الى ذلك ، سواء كانت العتبة باقية أو لا ، وكذا على سطحها ، بل يبرز بين يديه في الموضعين قليلا منها ، بحيث إذا سجد بقي أمامه جزء يسير.

والشيخ في الخلاف يوجب على المصلّي في السطح الاستلقاء ـ كما سلف محتجا بالإجماع. ويشكل بمخالفته في المبسوط (١) ، وبالرواية عن الرضا عليه‌السلام (٢). وقد مرّ الجواب في المكان (٣).

والخلاف في السطح في الفريضة كالخلاف في جوفها ، ومع الضرورة تجوز الفريضة (٤) فيهما إجماعا. وإذا صلّى وسطها استقبل أي جدرانها شاء ، قال في الفقيه : الأفضل ان يقف بين العمودين على البلاطة الحمراء ، ويستقبل الحجر الأسود (٥).

فرع :

لو استطال صف المأمومين مع المشاهدة حتى خرج عن الكعبة ، بطلت صلاة الخارج ، لعدم أجزاء الجهة هنا. ولو استداروا صحّ ، للإجماع عليه عملا في كل الأعصار السالفة. نعم ، يشترط ان لا يكون المأموم أقرب الى الكعبة من الامام.

السادسة : يتوجه أهل كل إقليم إلى جهة ركنهم ، ولكل علامات مشهورة ، والمأمور عن أهل البيت عليهم‌السلام ذكر علامة أهل المشرق ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨٥.

(٢) الخلاف ١ : ٤٤١ المسألة : ١٨٨.

وتقدمت رواية الرضا عليه‌السلام في ص ٨٧ الهامش ٢.

(٣) تقدم في ص ٨٧.

(٤) في س : الصلاة.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٨.

١٦١

بحسب سؤال أهله إذ أكثر الرواة منهم.

روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام حيث سأله عن القبلة ، فقال : « ضع الجدي في قفاك وصل » (١).

وقال في الفقيه : قال رجل للصادق عليه‌السلام : اني أكون في السفر ولا أهتدي للقبلة ، فقال له : « أتعرف الكوكب الذي يقال له الجدي ». قال : نعم. قال : « اجعله على يمينك ، فإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين الكتفين » (٢).

ومن أمارات المشرق موازاة المنكب الأيسر للفجر ، والأيمن للشفق. ومنها كون عين الشمس عند الزوال على الحاجب الأيمن.

واما غيرهم فقد ذكر الأصحاب وغيرهم (٣) لهم أمارات أكثرها مأخوذ من علم الهيئة ، وهي مفيدة للظن الغالب بالعين وللقطع بالجهة ، وهي تارة بالكواكب وتارة بالرياح ، وأضعفها الرياح لاضطراب هبوبها ، والمعوّل عليه منها أربع :

الجنوب : ومحلها ما بين مطلع سهيل الى مطلع الشمس في الاعتدالين ، والظاهر انّها في البلاد الشامية تستقبل بطن كتف المصلّي الأيسر مما يلي وجهه الى يمينه ، ويجعلها اليمني على مرجع الكتف اليمنى.

وثانيها : الصبا ، ومحلها ما بين مطلع الشمس الى الجدي ، وهي قد تقع على ظهر المصلّي ، وقد يقال ان مبدأ هبوبها من مطلع الشمس يجعله الشامي على الخد الأيسر.

وثالثها : الشمال ، ومحلها من الجدي إلى مغرب الشمس في الاعتدال ، وتمرّ الى مهب الجنوب كما ان الجنوب تمرّ الى مهب الشمال ، ويجعلها الشامي على الكتف اليمني.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٥ ح ١٤٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٨١ ح ٨٦٠.

(٣) راجع المبسوط ١ : ٧٧ ، المعتبر ٢ : ٦٩ ، التذكرة ١ : ١٠١ ، المغني ١ : ٤٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢١.

١٦٢

ورابعها : الدبور ، وهي من مغرب الشمس الى سهيل ، وهي مقابلة للصبا ، وتكون على صفحة وجه المصلي اليمني.

وهذه العلامات يتقارب فيها أهل العراق والشام ، لاتساع زوايا الرياح.

وأما الكواكب فأوثق من الرياح ، قال تعالى ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (١). فأقواها القطب الشمالي ، وهو نقطة مخصوصة يدور عليها الفلك ، وأقرب الكواكب إليها نجم خفي في بنات نعش الصغرى حوله أنجم دائرة ، في أحد طرفيها الفرقدان وفي الآخر الجدي ، وبين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق وثلاثة من أسفل ، تدور حول القطب في كل يوم وليلة دورة واحدة ، فيكون الجدي عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبها.

وذلك النجم الخفي لا يكاد يراه الا حديد النظر ، وهو لا يتغير عن مكانه الا يسيرا لا يتبين للحس ، إذا استدبر في الأرض الشامية حصل الاستقبال ، وينحرف في مشارق الشام ـ كدمشق وما قاربها ـ الى اليسار قليلا ، وكلما قرب الى المغرب كان انحرافه أكثر ، وفي حران وما يواليها يكون القطب خلف ظهره معتدلا من غير انحراف ، ويجعله العراقي بحذاء ظهر اذنه اليمنى على علوها فيكون مستقبلا باب الكعبة.

ويخلف القطب الجدي ـ مكبرا ، وأهل الهيئة يصغرونه ليتميز عن البرج ـ فيجعله العراقي إذا كان في موازاة القطب خلف منكبه الأيمن والشامي خلف الكتف اليسرى واليمني يجعله بين العينين ، والمغربي على الخدّ الأيسر.

وتعلم استقامة الجدي إذا كان الى الأرض ، والفرقدان الى السماء ، وبالعكس. اما إذا كان أحدهما في المشرق ، أو فيما بين المشرق والمغرب ، فالاعتبار بالقطب.

والقطب ـ كما مر ـ في أنجم دائرة حوله على هيئة السمكة ، الجدي‌

__________________

(١) سورة النحل : ١٦.

١٦٣

رأسها والفرقدان ذنبها ، فمتى كانت السمكة منتصبة رأسها مما يلي السماء ، وذنبها مما يلي الأرض ، أو بالعكس ، فالجدي حينئذ علامة. وإذا استقبل الجدي في هذه الحالة ، أو القطب في العراق وكان على مؤخر العين اليسرى ، فذلك دبر القبلة.

ومن العلامات : سهيل ، وهو يكون وقت طلوعه بين عيني الشامي ، ووقت غيبوبته على عينه اليمينى ، ويجعله اليمني غائبا بين كتفيه.

ومنها : بنات نعش ، فيجعلها الشامي غائبة خلف الاذن اليمنى.

ومنها : الثريّا والعيوق ، فيجعلهما المغربي على اليمين واليسار عند طلوعهما.

ومنها : الشمس ، وهي تكون متوسطة شتاء في قبلة المصلي تقريبا ، وصيفا مسامتة لرأسه.

ومنها : القمر ، وهو يكون عند الغروب ليلة السابع من الشهر مقارنا للقبلة أو مائلا عنها يسيرا ، ويكون عند طلوع الفجر قبلة أيضا تقريبا ليلة احدى وعشرين.

فائدة :

ذكر الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي ـ وهو من أجلاء فقهائنا ـ في كتاب ( إزاحة العلة في معرفة القبلة ) : ان العراق وخراسان وما كان في حدود ـ مثل : الكوفة ، وبغداد ، وحلوان ، إلى الري ، ومرو ، وخوارزم ـ يستقبلون الباب والمقام. ويستدل عليها بجعل الجدي إذا طلع خلف المنكب الأيمن ، والهقعة (١) إذا طلعت بين الكتفين ، والدبور مقابلة الصبا على يمينه ، والجنوب على يساره.

__________________

(١) في البحار ٨٤ : ٧٧ عن إزاحة العلة « الهنعة ».

وانظر لسان العرب ٨ : ٣٧٣ ، ٣٧٧.

١٦٤

وأهل سميساط (١) والجزيرة الى باب الأبواب يتوجهون الى حيث يقابل ما بين الركن الشامي إلى نحو المقام. وعلامتهم جعل بنات نعش خلف الاذن اليمنى ، والعيوق إذا طلع خلف الاذن اليسرى ، وسهيل إذا بدا للمغيب بين العينين ، والجدي إذا طلع بين الكتفين ، والمشرق على يده اليسرى ، والصبا على مرجع الكتف اليسرى ، والشمال على صفحة الخد الأيمن ، والدبور على العين اليمنى ، والجنوب على العين اليسرى.

وأهل الشام الى منتهى حدوده ، يستقبلون الميزاب الى الركن الشامي. وعلامتهم جعل بنات نعش غائبة خلف الاذن اليمنى ، والجدي طالعا خلف الكتف اليسرى ، ومغيب سهيل على العين اليمنى ، وطلوعه بين العينين ، والمشرق على عينه اليسرى ، والصبا على الخد الأيسر ، والشمال على الكتف اليمنى ، والدبور على صفحة الخد الأيمن ، والجنوب مستقبل الوجه.

وأهل مصر والإسكندرية والقيروان الى السوس الأقصى ، من المغرب الى البحر الأسود ، يستقبلون ما بين الركن الغربي إلى الميزاب. وعلامتهم جعل الصليب إذا طلع بين العينين ، وبنات نعش إذا غابت بين الكتفين ، والجدي إذا طلع خلف الاذن اليسرى ، والصبا على المنكب الأيسر ، والشمال بين العينين ، والدبور على اليمنى من اليدين ، والجنوب على اليسرى من العينين.

وأهل الحبشة والنوبة ، يستقبلون ما بين الركن الغربي واليماني ، وعلامتهم جعل الثريا والعيوق طالعين على اليمين والشمال ، والشولة إذا غابت بين الكتفين ، والجدي على صفحة الخد الأيسر ، والمشرق بين العينين ، والصبا على العين اليسرى ، والدبور على المنكب الأيمن ، والجنوب على‌

__________________

(١) في معاجم البلدان : بلدان متقاربان هما شمشاط وسميساط.

انظر مراصد الاطلاع ٢ : ٧٤١ ، ٨١١ وغيره.

١٦٥

العين اليمنى.

وأهل الصين واليمن والتهائم الى صنعاء وعدن وحضرموت الى البحر الأسود ، يستقبلون المستجار والركن اليماني. وعلامتهم جعل الجدي إذا طلع بين العينين ، وسهيل إذا غاب بين الكتفين ، والمشرق على الاذن اليمنى ، والصبا على صفحة الخد الأيمن ، والشمال على العين اليسرى ، والدبور على المنكب الأيسر ، والجنوب على مرجع الكتف اليمنى.

وأهل السند والهند والملتان ، يستقبلون ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود. وعلامتهم جعل بنات نعش طالعة على الخد الأيمن ، والجدي إذا طلع على الاذن اليمنى ، والثريا إذا غابت على العين اليسرى ، وسهيل إذا طلع خلف الاذن اليسرى ، والمشرق على اليد اليمنى ، والصبا على صفحة الخد الأيمن ، والشمال قبالة الوجه ، والدبور على المنكب الأيسر ، والجنوب بين الكتفين.

وأهل البصرة والأهواز وفارس وسجستان الى التبت الى الصين ، يستقبلون ما بين الباب والحجر الأسود. وعلامتهم جعل النسر الطائر إذا طلع بين الكتفين ، والجدي إذا طلع على الخد الأيمن ، والشولة إذا نزلت للمغيب بين عينيه ، والمشرق على أصل المنكب الأيمن ، والصبا على الاذن اليمنى ، والشمال على العين اليمنى ، والدبور على الخد الأيسر ، والجنوب بين العينين.

تنبيهات :

الأول : أكثر الأصحاب ذكر خراسان في قبلة أهل العراق ، وحكم باتحاد العلامات (١). وبلغني أن بها محرابا للإمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فان صحّ النقل فلا عدول عنه ، والا فالأولى جواز الاجتهاد في التيامن والتياسر وان كان الاستقبال الى الركن العراقي ، وكلام الأصحاب لا ينافيه.

__________________

(١) راجع : المقنعة : ١٤ ، النهاية : ٦٣ ، المراسم : ٦١.

١٦٦

الثاني : لا اجتهاد في محراب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جهة القبلة ، ولا في التيامن والتياسر ، فإنّه منزّل منزلة الكعبة ، وروي انّه لما أراد نصبه زويت له الأرض فجعله بإزاء الميزاب (١) ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم لا يتصوّر منه الخطأ ، وعند من جوز من العامة لا يقرّ عليه ، فهو صواب قطعا ، فيستقبله معاينة وتنصب المحاريب هناك عليه. وفي معنى المدينة كل موضع تواتر انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى فيها إلى جهة معينة مضبوطة الآن.

وكذا لا اجتهاد في المسجد الأعظم بالكوفة في التيامن ولا في التياسر ، لمثل ما قلناه في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لوجوب عصمة الإمام كالنبي صلّى الله عليهما ، وقد نصبه أمير المؤمنين وصلّى اليه هو والحسن والحسين عليهم‌السلام.

واما محراب مسجد البصرة فنصبه عتبة بن غزوان ، فهو كسائر محاريب الإسلام. وربما قيل بمساواته مسجد الكوفة ، لأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام صلّى فيه وجمع من الصحابة ، فكما لا اجتهاد في مسجد الكوفة فكذا في مسجد البصرة ، وهو قوي.

واما مسجد المدائن فصلّى فيه الحسن عليه‌السلام ، فان كان المحراب مضبوطا فكذلك.

وبمشهد سرّ من رأى صلوات الله على مشرفيه مسجد منسوب الى الامام الهادي عليه‌السلام فلا اجتهاد في قبلته أيضا ان كانت مضبوطة.

ولو تخيّل الماهر في أدلّة القبلة تيامنا وتياسرا في محراب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومحراب أمير المؤمنين عليه‌السلام فخياله باطل ، لا يجوز له ولا لغيره العمل به.

__________________

(١) وفاء الوفا ١ : ٣٦٥ عن ابن النجار.

١٦٧

الثالث : المحاريب المنصوبة في مساجد المسلمين ، وفي الطرق التي هي جادتهم ، يتعيّن التوجّه إليها ، ولا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعا.

وهل يجوز في التيامن والتياسر؟ الأقرب جوازه ، لأنّ الخطأ في الجهة مع استمرار الخلق واتفاقهم ممتنع ، أما الخطأ في التيامن والتياسر فغير بعيد ، وعن عبد الله بن المبارك انّه أمر أهل مرو بالتياسر بعد رجوعه من الحج (١). ووجه المنع : انّ احتمال اصابة الخلق الكثير أقرب من احتمال اصابة الواحد ، وقد وقع في زماننا اجتهاد بعض علماء الهيئة في قبلة مسجد دمشق وان فيها تياسرا عن القبلة ، مع انطواء الأعصار الماضية على عدم ذلك.

وجاز ترك الخلق الكثير الاجتهاد في ذلك لانّه غير واجب عليهم ، فلا تدل مجرد صلاتهم على تحريم اجتهاد غيرهم ، وانما يعارض اجتهاد العارف ان لو ثبت وجوب الاجتهاد على الكثير أو ثبت وقوعه ، وكلاهما في حيز المنع ، بل لا يجب الاجتهاد قطعا ، بل لو كانت قرية صغيرة نشأ فيها قرون من المسلمين لم يجتهد في قبلتها.

نعم ، يجب الاجتهاد في العلامات المنصوبة في الطرق النادر مرور المسلمين بها ، أو يستوي فيها مرور المسلمين والكفار ، وكذا في قرية خربة لا يدرى انّها من بناء المسلمين أو الكفار.

الرابع : الأقرب انّ قبور المسلمين بمثابة العلامات المنصوبة‌ في الطرق المسلوكة للمسلمين ، ولو شك في القبر فلا تعويل ، وهذا كله مع عدم علم الغلط في ذلك ، فلو علمه وجب الاجتهاد في مواضعه.

ولا فرق بين محراب صلاة العيد وغيرها من الصلوات ، إذ اجتماع المسلمين حاصل في الجميع.

الخامس : القائم بمكة للصلاة تجب عليه مشاهدة الكعبة ، لقدرته على‌

__________________

(١) راجع فتح العزيز ٣ : ٢٢٤.

١٦٨

اليقين. وفي حكم المعاينة إذا نصب محرابا بعد المعاينة ، فإنه يصلي إليه دائما ، لأنّه يتيقن الصواب. وكذا الذي نشأ بمكة ويتيقن الإصابة ، ولو شك وجبت المعاينة بالترقي إلى سطح الدار.

ولا يكفي الاجتهاد هنا بالعلامات ، لانّه عدول من يقين الى ظن مع قدرته على اليقين ، وانه غير جائز.

نعم ، لو تعذر عليه ذلك ـ كالمحبوس ، أو خائف ضيق الوقت ـ جاز الاجتهاد ، وكذا من هو في نواحي الحرم ، فلا يكلف للصعود الى الجبال ليرى الكعبة ، ولا الصلاة في المسجد ليراها ، للحرج ، بخلاف الصعود على السطح ، ولان الغرض هنا المعاينة قبل حدوث الحائل فلا يتغير بما طرأ منه.

قالوا : فيه مشقة (١).

قلنا : مطلق المشقة ليست مانعة ، والا لارتفع التكليف.

وأوجب الشيخ والفاضل صعود الجبل مع القدرة (٢) وهو بعيد ، والاّ لم تجز الصلاة في الأبطح وشبهه من المنازل الا بعد مشاهدة الكعبة ، لأنه متمكن ولعله أسهل من صعود الجبل.

السادس : ظاهر كلام الأصحاب انّ الحجر من الكعبة بأسره (٣) وقد دل عليه النقل انه كان منها في زمن إبراهيم وإسماعيل الى أن بنت قريش الكعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه ، وكان كذلك في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة (٤) وبذلك احتج ابن الزبير حيث أدخله فيها ثم أخرجه الحجاج بعده ورده الى ما‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢١٣.

(٢) المبسوط ١ : ٧٨ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٠١.

(٣) راجع : المبسوط ١ : ٣٥٧ ، المهذب ١ : ٢٣٣ ، شرائع الإسلام ١ : ٢٦٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٧٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٦٨ ح ١٣٣٣ ، الجامع الصحيح ٣ : ٢٢٥ ح ٨٧٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢١٦.

١٦٩

كان (١) ولأنّ الطواف يجب خارجه.

وللعامة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه أو بعضه أو ليس منها (٢) وفي الطواف خارجه (٣). وبعض الأصحاب له فيه كلام أيضا (٤) مع إجماعنا على وجوب إدخاله في الطواف. وانّما الفائدة في جواز استقباله في الصلاة بمجرده ، فعلى القطع بأنّه من الكعبة يصح والا امتنع ، لانه عدول عن اليقين الى الظن.

السابع : لو وقف المصلّي على طرف من أطراف الكعبة ، فحاذاها ببعض بدنه والبعض الآخر خارج عن المحاذاة ، فليس بمستقبل ، لصدق انه انما استقبل ببعضه. ولبعض العامة وجه بالصحة اكتفاء باستقباله بوجهه (٥) وهو ضعيف ، لأنّ الوجه بعضه.

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٨ ح ١٣٣٣.

(٢) راجع : المجموع ٨ : ٢٥ ، المغني ٣ : ٤٠٢.

(٣) راجع : المجموع ٨ : ٢٥ ، المغني ٣ : ٤٠٢.

(٤) لعله العلامة في التذكرة ١ : ٣٦ حجري.

وانظر الحدائق الناظرة ١٦ : ١٠٤ وما بعدها وجواهر الكلام ١٩ : ٢٩٢.

(٥) المجموع ٣ : ٢٠٠.

١٧٠

الفصل الثاني : في المستقبل‌.

وفيه مسائل.

الأولى : لا يجوز الاجتهاد للقادر على العلم ، لانّه عدول عن اليقين. ولا يجوز للقادر على الاجتهاد التقليد ، إذ الحجة أقوى من قول الغير ، ولرواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة » (١) والإجماع منعقد على انه يبني على غلبة ظنه ، قاله في التذكرة (٢).

وفي مضمر سماعة ـ بطريقين في التهذيب ـ : « اجتهد رأيك وتعمّد القبلة جهدك » (٣) وظاهر الشيخ فيه ان الاجتهاد لا يكون الا عند الضرورة (٤) ، وكأنّه يريد بها عند تعذّر الصلاة الى أربع جهات ، كما هو ظاهره في الخلاف (٥).

ولو اجتهد وأخبر بخلافه ، أمكن العمل على أقوى الظنّين ، لانه راجح ، وهو قريب. ووجه المنع انّه ليس من أهل التقليد.

ونعني بالمجتهد هنا العارف بأدلة القبلة المذكورة وغيرها.

ولو خاف فوت الوقت بالاجتهاد أمكن جواز التقليد ، لانّه موضع ضرورة.

وظاهر الأصحاب وجوب الصلاة الى أربع جهات مع الإمكان ، والاّ فإلى المحتمل (٦) لمرسلة خداش عن الصادق عليه‌السلام ، قلت : انّ هؤلاء المخالفين يقولون : إذا أطبقت علينا وأظلمت ولم نعرف السماء كنا وأنتم سواء‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٥ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٤٥ ح ١٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ ح ١٠٨٧.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٤٦ ح ١٤٧ ، ١٤٨ ، وفي الكافي ٣ : ٢٨٤ ح ١ ، والفقيه ١ : ١٤٣ ح ٦٦٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٤٥.

(٥) الخلاف ١ : ٣٠٢ ، المسألة ٤٩.

(٦) المبسوط ١ : ٧٨ ، المعتبر ٢ : ٧٠ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٣.

١٧١

في الاجتهاد! فقال : « ليس كما يقولون ، إذا كان كذلك فليصل لأربع وجوه » (١). والأول يلوح من المختلف (٢).

ولو خفيت الأمارات على المجتهد للغيم وشبهه ، أو تعارضت عنده فتحيّر ، احتمل جواز التقليد أيضا ، لعجزه عن تحصيل الجهة فهو كالعاجز عن الاجتهاد ، واختاره في المختلف (٣).

والظاهر : وجوب الأربع ، لأنّ القدرة على أصل الاجتهاد حاصلة ، والعارض سريع الزوال.

ولو قلنا : بجواز تقليده غيره فلا قضاء عندنا ، إذ هو في معنى العاجز عن الاجتهاد ، وله الصلاة في أول الوقت وان توقّع زوال العذر ، كما مرّ في اولي الاعذار.

ويجي‌ء على قول المرتضى وجوب التأخير (٤) مع إمكان القطع هنا بوجوب التأخير ، لأنّ العارض عرضة للزوال ، فهو أبلغ من تأخير فاقد الماء لتوقعه ، وحينئذ تؤخّر إلى قدر الجهات الأربع فيصلي إليها. ولو منع عن الصلاة الى بعض الجهات سقطت.

الثانية : العاجز عن الاجتهاد : اما ان لا يمكنه التعلم ـ كالمكفوف ـ فالأقرب جواز التقليد له ، إذ هو كالعامي في الأحكام الشرعية ، إذ أدلة القبلة مرئية ولا طريق إلى الرؤية.

وفي الخلاف : يصلي الى أربع ، وقال فيه وفي العامي : إذا كان الحال ضرورة جاز أن يرجعا الى غيرهما ، وان خالفاه كان لهما ذلك (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٥ ح ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ ح ١٠٨٥.

(٢) مختلف الشيعة : ٧٧.

(٣) مختلف الشيعة : ٧٨.

(٤) الناصريات : ٢٢٥ المسألة ٥١ ، جمل العلم والعمل ٣ : ٢٥.

(٥) الخلاف ١ : ٣٠٢ المسألة ٤٩.

١٧٢

وان قلنا بالتقليد ـ وهو الأصح ـ فليقلد المسلم العدل العارف بالأمارات ، رجلا كان أو امرأة ، حرا أو عبدا ، لأنّ المعتبر بالمعرفة والعدالة وليس من الشهادة في شي‌ء.

فان تعذّر العدل فالمستور ، فان تعذّر ففي جواز الركون الى الفاسق مع ظن صدقه تردد ، من قوله تعالى ( فَتَبَيَّنُوا ) (١) ومن أصالة صحة اخبار المسلم. اما لو لم يجد سوى الكافر ، ففيه وجهان مرتبان ، واولى بالمنع ، لأنّ قبول قوله ركون إليه وهو منهي عنه. ويقوى فيهما الجواز ، إذ رجحان الظن يقوم مقام العلم في العبادات. وأطلق في المبسوط المنع من قبول الفاسق والكافر (٢).

ثم التقليد هو قبول قول الغير المستند الى الاجتهاد ، فلو أخبر العدل عن يقين القبلة ـ كما في المواقف المفيدة لليقين في التيامن والتياسر ـ فهو من باب الاخبار ، ويجوز التعويل عليه بطريق الاولى. ولو أخبر المكفوف بصير بمحل القطب منه وهو عالم بدلالته ، فهو إخبار أيضا.

ولو وجد مجتهدين ، فالأقرب الرجوع الى الأعلم والأوثق عنده ، فان تساويا تخيّر. ويحتمل وجوب الصلاة الى الجهتين ، جمعا بين التقليدين.

ويحتمل التخيير مطلقا ، لوجود الأهلية في كل منهما ، ويضعف بأنه رجوع الى المرجوح مع وجود الراجح فامتنع كالفتاوى. وعلى القول : بسقوط التقليد من أصله ، يصلي الى أربع.

وفي معنى المكفوف : العامي الذي لا أهلية عنده لمعرفة الأدلة ، لأنّ فقد البصيرة أشدّ من فقد البصر ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٣). وفي‌

__________________

(١) سورة الحجرات : ٦.

(٢) المبسوط ١ : ٨٠.

(٣) المبسوط ١ : ٧٩.

١٧٣

الخلاف يصلي الى الأربع (١). وأطلق أبو الصلاح وجوب الأربع لمن لا يعلم الجهة ولا يظنها (٢).

وان أمكنه تعلّم الأدلة وجب عليه التعلم ، والأقرب انّه من فروض الأعيان لتوقّف صحة فرض العين عليه فهو كباقي شرائط الصلاة ، سواء كان يريد السفر أو لا ، لأنّ الحاجة إليه قد تعرض بمجرد مفارقة الوطن. ويحتمل كون ذلك من فروض الكفاية كالعلم بالأحكام الشرعية ، ولندور الاحتياج إلى مراعاة العلامات فلا يكلف آحاد الناس بها ، ولانّه لم ينقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة بعده إلزام آحاد الناس بذلك.

إذا تقرر ذلك ، فان قلنا بأنّه من فروض الكفاية ، فللعامي أن يقلد ـ كالمكفوف ـ ولا قضاء عليه. وان قلنا بالأول ، وجب تعلّم الأدلة ما دام الوقت ، فإذا ضاق الوقت ولم يستوف المحتاج اليه صلّى إلى أربع ، أو قلّد على الخلاف ولا قضاء.

ويحتمل قويا وجوب تعلم الأمارات عند عروض حاجته إليها عينا ، بخلاف ما قبله ، لأنّ توقع ذلك وان كان حاصلا لكنه نادر.

وعلى كل حال فصلاة غير المتعلم عند عدم الحاجة صحيحة ولو قلنا بالوجوب العيني ، لأنّه موسّع على الاحتمال القوي إلى عروض الحاجة ، ويكفي في الحاجة إرادة السفر عن بلده ولو كان بقربه مما يخفى عليه فيه جهة القبلة أو التيامن والتياسر. ولو قلنا بأنه واجب مضيّق عينا ، لم يقدح تركه في صحة الصلاة ، لأنّه إخلال بواجب لم تثبت مشروطية الصلاة به.

الثالثة : لو وجد العاجز من يخبره عن علم وآخر عن اجتهاد ، رجع الى الأول ، لأنّه أوثق.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٧ المسألة ٤٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٣٩.

١٧٤

ولو وجد القادر على الاجتهاد مخبرا عن علم ، ففي جواز الاجتهاد وجهان. وقطع بعض العامة بمنعه (١) ، لأنّ مثار الاجتهاد زائل ، لأنّ غايته الظن ، والاخبار هنا عن القطع. ووجه الجواز انّ قول الغير انما يفيد الظن إذ هو خبر محتمل للأمرين في نفسه ، والظن باعتبار القرينة ، وان الظاهر صدق مخبره ، وذلك الظن مثله يحصل باجتهاده. والفرق بيّن ، إذ الاجتهاد ظني في طريقه وغايته ، واخبار المتيقن ظني في طريقه لا في غايته.

ولو لم يجد المقلّد سوى صبي مميز أمكن الرجوع إليه ، لإفادة قوله الظن ، وخصوصا إذا أخبر عن قطع ، وهو قول المبسوط (٢).

ولو منعنا المتمكن من العوام من التقليد وجبت الصلاة عليه إلى أربع جهات ، لأنّ القطع يحصل به ، وهو الذي اختاره الشيخ في أحد القولين (٣).

وحيث قلنا بجواز التقليد ، لو عدم المخبر وجبت الصلاة الى أربع قطعا ان احتمل ، والاّ فإلى المحتمل.

الرابعة : لو اجتهد لصلاة فدخل وقت أخرى ، فإن عرض شك وجب تجديد الاجتهاد ، والا فالأقرب البناء على الأول ، إذ الأصل استمرار الظن السابق حتى يتبيّن خلافه.

وأوجب الشيخ التجديد دائما ما لم تحضره الأمارات (٤) للسعي في إصابة الحق ، ولأنّ الاجتهاد الثاني ان خالف الأول وجب المصير إليه ، لأنّ تغير الاجتهاد لا يكون إلا لأمارة أقوى من الاولى ، وأقوى الظنين أقرب الى اليقين ، وان وافقه تأكد الظن.

وهذان الاحتمالان جاريان في طلب المتيمم عند دخول وقت صلاة‌

__________________

(١) كالشافعي ، راجع : الوجيز ١ : ٣٨.

(٢) المبسوط ١ : ٨٠.

(٣) المبسوط ١ : ٧٩ ، ٨٠ ، النهاية : ٦٣.

(٤) المبسوط ١ : ٨١.

١٧٥

اخرى ، وفي المجتهد إذا سئل عن واقعة اجتهد فيها.

فرع :

لا فرق بين تجديد الاجتهاد هنا بين صلاة الفريضة والنافلة ، إلاّ عند من جوّزها من الأصحاب حضرا الى غير القبلة (١) فلا حاجة الى الاجتهاد. ولا فرق أيضا بين تغيّر المكان وعدمه ، لأن أدلة القبلة لا تختلف بحسب الأمكنة ، بخلاف مكان المتيمم. ولو ظهر خطأ الاجتهاد بالاجتهاد فلا إعادة للأول ، قال الفاضل : ولا نعلم فيه خلافا (٢).

الخامسة : لو خالف المجتهد اجتهاده وصلّى فصادف القبلة ، فالأقرب عدم الاجزاء ، لعدم إتيانه بالمأمور به. وفي المبسوط يجزئه (٣) لأن المأمور به هو التوجه إلى القبلة وقد أتى به.

وفي التعويل على قبلة النصارى واليهود نظر ، من انّه ركون إليهم ، ومن الظن الغالب باستقبالهم الجهة المعينة.

السادسة : لو اختلف المجتهدون صلّوا فرادى لا جماعة ، لأن المأموم ان كان محقا في الجهة فسدت صلاة إمامه والا فصلاته ، فيقطع بفساد صلاة المأموم على التقديرين.

واحتمل الفاضل صحة الاقتداء كالمصلين حال شدة الخوف ، ولأنهم كالقائمين حول الكعبة ، يستقبل كل واحد منهم جهة غير الآخر مع صحة الصلاة جماعة (٤).

ويمكن الجواب بمنع الاقتداء حالة الشدة مع اختلاف الجهة ، ولو سلم فالاستقبال هنا ساقط بالكلية بخلاف المجتهدين ، والفرق بين المصلّين إلى نواحي‌

__________________

(١) حكاه العلامة في مختلف الشيعة عن بعض المتأخرين : ٧٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٣.

(٣) المبسوط ١ : ٨٠.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٢.

١٧٦

الكعبة وبين المجتهدين ظاهر ، للقطع بان كل جهة قبلة هناك ، والقطع بخطإ واحد هنا ، وكذا نقول في صلاة الشدة ان كل جهة قبلة.

السابعة : لو صلّى جماعة في بيت مظلم بالاجتهاد ، ثم تبين لهم تخالفهم في الجهة ولم يعلموا الى أي جهة صلّى الامام ، رجّح الفاضل صحة صلاتهم ، لانّه لا يعلم الخطأ في فعل امامه (١).

والأقرب ان نقول : ان كانت تلك الصلاة مغنية عن القضاء كما لو كانت الجهات ليس فيها استدبارا ، أو قلنا : ان الاستدبار لا يوجب القضاء ، فصلاتهم صحيحة ، والتخالف هنا في جهة الإمام غير ضائر ، لأن غايته انّه صلّى خلف من صلاته غير صحيحة في نفس الأمر وهو لا يعلم بالفساد ، ولا يقدح ذلك في صحة صلاة المأموم وان وجب إعادة الصلاة ، اما أداء مع بقاء الوقت أو قضاء مع خروجه. وكل من تعين له موجب الاستدراك وجب عليه ، وكل من لم يتعين له لم يجب التدارك ، سواء كان ذلك لمصادفته القبلة ، أو التيامن والتياسر يسيرا ، أو لأنه لم يدر هل جهته صحيحة أو فاسدة.

ولو اتفق جهلهم أجمع بفساد الجهة فلا إعادة. ولو علموا انّ فيهم من تجب عليه الإعادة أو القضاء واشتبه ، فالأقرب : انه لا اعادة ولا قضاء ، لأصالة صحة صلاة كل واحد منهم وهو شاك في مفسدها ، كالواجدين منيا على ثوب مشترك. ويحتمل إعادتهم أجمع ، لتيقن الخروج عن العهدة.

الثامنة : لو اختلف الامام والمأموم في التيامن والتياسر ، فالأقرب : جواز الاقتداء ، لأنّ صلاة كل منهما صحيحة مغنية عن القضاء والاختلاف هنا يسير ، ولأنّ الواجب مع البعد الجهة وهي حاصلة هنا ، والتكليف بالعين مع البعد ضعيف.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٢ ـ ١٠٣.

١٧٧

وقوّى في التذكرة عدم الجواز ، وبناه على انّ الواجب اصابة العين (١) ، مع انّه صدر باب القبلة بعدم وجوبه (٢).

التاسعة : لو تغيّر اجتهاد أحد المأمومين انحرف ونوى الانفراد إذا كان ذلك غير يسير. ولو تغيّر اجتهاد الامام انحرف وأتمّ المأمومون منفردين ، أو مؤتمين ببعضهم.

العاشرة : لو ضاق الوقت الا عن صلاة ، وادّى اجتهاد أحدهم إلى جهة ، جاز للآخر الاقتداء به إذا قلّده وان كان مجتهدا ، لتعذّره حينئذ.

وهل يجب تقليده؟ الأقرب : نعم ، لعجزه ، وظن صدق الآخر. ووجه المنع ان الشرع جعل فرضه عند ضيق الوقت التخيير فليس عليه سواه ، وفيه منع ظاهر ، إذ التخيير انما يكون عند عدم المرجّح.

الحادية عشرة : لو نصب مبصر للمكفوف علامة ، جاز التعويل عليها وقت كل صلاة ما لم يغلب ظنه على تغيّرها. ولو مسّ الكعبة بيده أو محراب مسجد لا يشك فيه فكذلك.

ولو عوّل على رأيه المجرّد مع إمكان المقلّد أعاد إن أخطأ ، ولو أصاب قال في المبسوط : أجزأه (٣) والأقرب المنع ، لانّه دخل دخولا غير مشروع.

وأطلق في المبسوط الاجزاء مع ضيق الوقت (٤) وهو بعيد مع كونه مخطئا ، الا ان يكون المقلّد مفقودا ، ولم يصلّ الى دبر القبلة عند الشيخ (٥) ولو أصاب هنا فكالأول فيما قاله الشيخ وقلناه. نعم ، لو فقد المقلّد صحّ هنا قطعا.

ولو صلى مقلّدا ثم أبصر في الأثناء ، فإن كان عاميا استمر ، وان كان‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٠.

(٣) المبسوط ١ : ٨٠.

(٤) المبسوط ١ : ٨٠.

(٥) المبسوط ١ : ٨١.

١٧٨

مجتهدا اجتهد ، فان وافق أو انحرف يسيرا صح فيستقيم حينئذ ، وان كان الى نفس اليمين أو اليسار أعاد ، وأولى منه إذا كان مستدبرا.

ولو افتقر في اجتهاده الى زمان كثير لا يتسامح في الصلاة بمثله ، فالأقرب : البناء وسقوط الاجتهاد ، لأنّه في معنى العامي ، لتحريم قطع الصلاة والظاهر اصابة المخبر ، ويقوى مع كونه مخبرا عن علم ، بل يمكن هنا عدم الاجتهاد لما سلف.

واحتاط في المعتبر بالاستئناف مع افتقاره إلى تأمل كثير (١) وهو احتياط المبسوط ، وقال : وان قلنا له يمضي فيها لانّه لا دليل على انتقاله كان قويا (٢).

ولو صلّى بصيرا فكف في الأثناء بنى ، فان انحراف قصدا بطلت إن خرج عن السمت ، وان كان اتفاق وأمكنه علم الاستقامة استقام ما لم يكن قد خرج الى حد الابطال بالخروج عن الجهة ، وان لم يمكنه فان اتفق مسدّد عوّل عليه وينتظره إن لم يخرج عن كونه مصليا ، والا فالأقرب البطلان إذا توقع مسدّدا بعد ، ولو ضاق الزمان عن التوقع كان بقي مقدار أربع جهات صلّى إليها ، وكذا يصلى الى الأربع مع السعة وعدم توقع المسدّد.

وهل يحتسب بتلك الصلاة منها؟ نظر من حيث وقوعها في جهتين فلا تكون صحيحة ، ومن صحة ما سبق منها قطعا ، وجواز ابتدائها الآن الى هذه الجهة بأجمعها فالبعض أولى.

وحينئذ هل له الانحراف إلى جهة أخرى غير ما هو قائم إليها؟ يحتمل ذلك ، تنزيلا للإتمام منزلة الابتداء. والأقرب المنع ، تقليلا للاختلاف والاضطراب في الصلاة ، ولتخيّل القرب إلى الجهة الأولى بهذا الموقف ، بخلاف العدول إلى جهة أخرى.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧١.

(٢) المبسوط ١ : ٨١.

١٧٩

الثانية عشرة : لو صلى بالاجتهاد إلى جهة أو لضيق الوقت ، ثم تبين الانحراف يسيرا استقام ، بناء على انّ القبلة هي الجهة ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « ما بين المشرق والمغرب قبلة » (١).

ولو تبين الانحراف الكثير استأنف ، وظاهر كلام الأصحاب انّ الكثير ما كان الى سمت اليمين أو اليسار أو الاستدبار (٢) لرواية عمار عن الصادق عليه‌السلام في رجل صلّى الى غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة : « ان كان متوجها ما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم ، وان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة » (٣).

وعقل منه الشيخ إعادة المستدبر وان خرج الوقت (٤) ولعل المراد به مع بقاء الوقت ، لأنّ ظاهر من ( هو في الصلاة ) ان الوقت باق.

ويمكن ان يحتج برواية معمر بن يحيى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيمن صلّى الى غير القبلة ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى ، قال : « يصليها قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها ، الاّ ان يخاف فوت التي دخل وقتها » (٥). فالجمع بينها وبين ما يأتي بالحمل على الاستدبار ، وطريقها ضعيف ، وحملت على من صلّى بغير اجتهاد ولا تقليد إلى جهة واحدة مع سعة الوقت (٦).

وكذا الحكم لو تبيّن الحال بعد الفراغ من الصلاة ، فيعيد في الوقت لا‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٩ ح ٨٤٦ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ح ١٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٥.

(٢) راجع : المعتبر ٢ : ٧٢ ، مختلف الشيعة : ٧٨.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٥ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ح ١٥٩ ، ١٤٢ ح ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ ح ١١٠٠.

(٤) الخلاف ١ : ٣٠٣. المسألة ٥١ ، المبسوط ١ : ٨٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٤٦ ح ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٩.

(٦) حملها المحقق في المعتبر ٢ : ٧٤.

١٨٠