ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

وكلامه هذا يشتمل على أشياء لا تعدّ من المذهب. منها : التكبيرة الواحدة بين السجدتين. ومنها : القصر على الشهادة في الجلسة الأولى. ومنها : وجوب التسليم على النبي. واما البدل عن القراءة فيريد به مع الاضطرار ، صرّح بذلك في غير هذا الموضع.

وقال في موضع آخر : من شهد الشهادتين وأحدث أو أعجلته حاجة ، فانصرف قبل أن يسلم إمامه ، أو قبل ان يسلّم هو ان كان وحده ، فقد تمت صلاته.

ثم قال : يسلّم إن كان إماما بواحدة تلقاء وجهه في القبلة ( السلام عليكم ) يرفع بها صوته ، وإذا كانوا صفوفا خلف امام سلّم القوم على ايمانهم وعلى شمائلهم ، ومن كان في آخر الصفّ فعليه ان يسلّم على يمينه فقط ، ومن كان وحده أجزأ عنه السلام الذي في آخر التشهد ، ويزيد في آخره ( السلام عليكم ) يميل انفه عن يمينه قليلا.

وعنى بالذي في آخر التشهد قوله : السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أهل بيته ، السلام على نبي الله السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين ورسول رب العالمين ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام على الأئمة المهديين الراشدين ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

فظاهره الخروج بقوله ( السلام عليكم ) وانه واجب ، الا انّ حكمه بصحة صلاة المحدث قبله ينافيه ، الاّ ان يكون مصيرا الى مثل قول أبي حنيفة.

وقال الراوندي ـ رحمه‌الله ـ في الرائع ـ ورام الجمع بين قولي من قال بوجوب التسليم وندبه ـ : إذا قال ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ) ونحو ذلك ، فالتسليم الذي يخرج به من الصلاة حينئذ مسنون ، وقام هذا التسليم المندوب مقام قول المصلي إذا خرج من صلاته : ( السلام عليكم ورحمة الله ) ،

٤٢١

وان لم يكن ذكر ذلك في التشهد يكون التسليم فرضا. وسيأتي ان السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخرج من الصلاة ، فلا يتمّ كلامه.

وأمّا مشايخنا الحلّيون ـ رحمهم‌الله ـ :

فقال ابن إدريس بندبه مصرّحا بذلك (١).

وقال سبطه الشيخ يحيى بن سعيد في الجامع : والتسليم الواجب الذي يخرج به من الصلاة ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) (٢). وقال في موضع آخر : ينوي الخروج به من الصلاة (٣). وظاهره حصر الواجب في هذه الصيغة ـ ولا أعلم له موافقا ـ ووجوب نيّة الخروج ، وسيأتي البحث فيها ان شاء الله تعالى.

وقال الشيخ المحقق نجم الدين بن سعيد في المعتبر ما خلاصته مع حسنه بأجمعه : لنا : على وجوبه مواظبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقتصاره في الخروج من الصلاة عليه ، وذلك امتثال للأمر المطلق فيكون بيانا. وكذا فعل الصحابة والتابعين ، ولم ينقل عن أحدهم الخروج من الصلاة بغيره. ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم » حصر التحلل فيه لوجهين :

أحدهما : انه مصدر مضاف إلى الصلاة ، فيعمّ كل تحلل يضاف عليها.

وثانيهما : ان التسليم وقع خبرا عن التحليل ، لان هذا من المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر ، وإذا كان خبرا وجب ان يكون مساويا للمبتدإ أو أعم منه ، فلو تحلل بغيره كان المبتدأ أعم من الخبر ، ولان الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ ، بمعنى تساويهما في الصدق لا المفهوم (٤).

__________________

(١) السرائر : ٤٨.

(٢) الجامع للشرائع : ٨٤.

(٣) الجامع للشرائع : ٧٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٣٣.

٤٢٢

قال : ويلزم من الخروج بما ينافيها وقوع الحدث في الصلاة ، لانه قبله اما ان يخرج من الصلاة أو لا ، ويلزم من الأول الخروج بغير المنافي ، ومن الثاني وقوع الحدث في الصلاة بتقدير ان يحدث (١).

قال : واما الأصحاب ، فظاهر كلام المفيد ان آخر الصلاة الصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام ، فلو أحدث بعد ذلك لم تبطل. والشيخ في المبسوط يوجب ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) ويجعله آخر الصلاة ، ويشير بالاستحباب الى قوله ( السلام عليكم ورحمة الله ) ومنهم من عيّن ( السلام عليكم ورحمة الله ) للخروج وهو المرتضى وأبو الصلاح (٢).

قال : والذي نراه نحن انه لا يخرج من الصلاة إلا بأحد التسليمين ، اما ( السلام عليكم ) أو ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) وبأيهما بدأ كان خارجا من الصلاة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « وتحليلها التسليم » وهو صادق عليهما. ويؤيد ذلك رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلّم على النبي عليه‌السلام ، وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ، ثم تؤذن القوم وأنت مستقبل القبلة فتقول : السلام عليكم » (٣).

لا يقال : إن اعتبر مسمّى التسليم خرج بالسلام على النبي.

__________________

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدم في ص ٤١٨ الهامش ٢.

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٣٤.

وظاهر المفيد في المقنعة : ٢٣.

وقول الشيخ في المبسوط ١ : ١١٦.

وقولي المرتضى وأبي الصلاح تقدما في ص ٤١٨ ـ ٤٢٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٢٤.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدم في ص ٤١٨ الهامش ٢.

ورواية أبي بصير في : التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ح ١٣٠٧.

٤٢٣

فنقول : هذا من جملة أذكار الصلاة جار مجرى الدعاء والثناء على الله سبحانه ، لرواية أبي كهمس عن الصادق عليه‌السلام وسأله عن ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) انصراف هو؟ قال : « لا ، ولكن إذا قلت : ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) فهو انصراف ». وعن الحلبي عنه عليه‌السلام : « فان قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقد انصرفت من الصلاة » (١).

قال : واما انّه لو قال ( السلام عليكم ورحمة الله ) خرج به فعليه علماء الإسلام كافة لا يختلفون فيه ، وانما الخلاف في تعيّنه للخروج.

لا يقال : ما ذكرتم من ( السلام علينا ) خروج عن الإجماع ، لانحصاره بين ( السلام عليكم ) وفعل المنافي.

قلنا : لا نسلم ذلك ، والمنقول عن أهل البيت ما ذكرناه ، وقد صرح الشيخ بما ذكرناه في التهذيب ، فإنه قال : عندنا من قال ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) فقد انقطعت صلاته ، فان قال بعد ذلك ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) جاز ، ولو لم يقل جاز أيضا.

لا يقال : احتججتم بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يخرج الا بقوله « السلام عليكم ورحمة الله » فيجب الاقتصار عليه.

فنقول : دل على الجواز قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وتحليلها التسليم » ، وهو صادق على كل ما يسمى تسليما ، عدا ما يقصد به الدعاء للنبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام. ثم يبطل قول من قال باستحباب التسليم بالنقل والفتوى ببطلان صلاة المسافر إذا أتمّ ، لأنه لو خرج بآخر التشهد لم تضر الزيادة ، وكذا من زاد في الصلاة سهوا أو عمدا (٢).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٢٤.

ورواية أبي كهمس في : الفقيه ١ : ٢٢٩ ح ١٠١٤ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ح ١٢٩٢

ورواية الحلبي في : الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ٦ ، التهذيب ٣١٦ ح ١٢٩٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٣٥.

وقول الشيخ في التهذيب ٢ : ١٢٩.

٤٢٤

قال : فان اقتصر على ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) فلا يجزئ ترجمتها ولا نكسها ، فتبطل صلاته لو تعمّده ، لانه كلام في الصلاة غير مشروع ، وان بدأ بـ ( السلام عليكم ) أجزأت. وقال أبو الصلاح : الفرض ان يقول : ( السلام عليكم ورحمة الله ) (١).

وبما قلناه قال ابن بابويه وابن أبي عقيل. وابن الجنيد قال : يقول : ( السلام عليكم ) ، فان قال : ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) كان حسنا (٢).

لنا : ما روي ان عليا عليه‌السلام كان يسلم عن يمينه وشماله ( السلام عليكم ، السلام عليكم ). ومن طريق الخاصة ما رواه البزنطي عن عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام في تسليم الامام وهو مستقبل القبلة ، قال : « يقول : السلام عليكم ». وما رواه أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام : « فتقول السلام عليكم » (٣).

قال : والتحقيق انه ان بدأ بـ ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) كان التسليم الآخر مستحبا فيأتي بأحسن ما قيل ، وان بدأ بـ ( السلام عليكم ) أجزأه هذا اللفظ وكان قوله ( ورحمة الله وبركاته ) مستحبا يأتي منه بما شاء. ولو قال ( سلام عليكم ) ونوى به الخروج ، فالأشبه الاجزاء ، لصدق التسليم عليه ، ولأنها كلمة ورد القرآن بصورتها فتكون مجزئة. ولو نكس لم يجز ، لانه خلاف المنقول ، وخلاف تحية القرآن ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لرجل : « لا‌

__________________

وفعله وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدما في ص ٤٩٨ الهامش ١.

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

وقول أبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١١٩.

(٢) وقول ابن بابويه في الفقيه ١ : ٢١٠ ، المقنع : ٢٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

وفعل علي عليه‌السلام في : المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٢١٩ ح ٣١٣١ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٣٠٢ ، السنن الكبرى ٢ : ١٧٨.

ورواية أبي بصير في : التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ح ١٣٠٧.

٤٢٥

تقل : عليك السلام » (١).

قلت : هذا الكلام مع متانته فيه مناقشات :

منها : المطالبة بصحة حديث « وتحليلها التسليم » ، فانا لم نره مسندا في أخبار الأصحاب وانما هو من طريق العامة.

فإن قال : ذكره المرتضى والشيخ (٢).

قلنا : المطالبة أيضا متوجهة إليهما.

واما مواظبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهي أعمّ من الوجوب ، والعام لا يستلزم الخاص.

ومنها : انّ المفيد ـ رحمه‌الله ـ مع ما نقل عنه المحقق وتصريحه بان التسليم سنة ـ قال في المقنعة بعد التسليم المعهود ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) : وينحرف بعينه الى يمينه ، فإذا فعل ذلك فقد فرغ من صلاته وخرج منها بهذا السلام (٣) ولما عدّ واجبات الصلاة جعل آخرها الصلاة على النبي وآله (٤) ، وكان قد ذكر في سياق النوافل ( السلام عليكم ورحمة الله ) وقال : فإذا سلّم فقد خرج من الركعتين (٥). وهذا الكلام ظاهره توقف الخروج على التسليم وان كان سنّة.

ومنها : نقله عن الشيخ في المبسوط الوجوب ، فإنه منظور فيه ، لأن عبارة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في : المصنف لعبد الرزاق ١٠ : ٣٨٤ ح ١٩٤٣٤ ، المصنف لابن أبي شيبة ٨ : ٤٢٩ ، سنن أبي داود ٤ : ٣٥٣ ح ٥٢٠٩ ، الجامع الصحيح ٥ : ٧٢ ح ٢٧٢١.

(٢) الناصريات : ٢٣٢ المسألة ٨٢ ، الخلاف ١ : ٧٥ المسألة ٨١.

(٣) المقنعة : ١٨.

(٤) المقنعة : ٢٢.

(٥) المقنعة : ١٧.

٤٢٦

الشيخ هذه : والسادس : التسليم ـ فمن أصحابنا من جعله فرضا ، ومنهم من جعله نفلا. ثم قال : ومن قال من أصحابنا ان التسليم سنّة يقول : إذا قال : ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) فقد خرج من الصلاة ، ولا يجوز التلفظ بذلك في التشهد الأول. ومن قال انه فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة ، وينبغي ان ينوي بها ذلك ، والثانية ينوي بها السلام على الملائكة أو على من في يساره (١). وهذا تصريح منه بما نقلناه عن المفيد ان ( السلام علينا ) سنّة ومخرج ، وهو ظاهر الروايات وظاهر كل من قال بندب التسليم.

ومنها : إلزامه بوجوب صيغة ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) تخييرا ، وهذا قول حدث في زمانه فيما أظنه أو قبله بيسير ، لان بعض شراح رسالة سلار أومأ اليه. واحتجاجه عليه بصدق اسم التسليم عليه محل النزاع. ولأن راوي هذا الخبر ـ مسندا من العامة أو مرسلا من الخاصة ـ يزعم ان اللام في التسليم للعهد وهو التسليم المعروف المخرج من الصلاة عندهم لا غيره. ولأن عبارة التسليم قد صارت متعارفة بين الخاصة والعامة في ( السلام عليكم ) ، يعلم ذلك بتتبع الأخبار والتصانيف ، حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبة ثم يقال بعدها وبعد ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) : ثم يسلم ، وهذا تصريح منهم بان اسم التسليم الشرعي مختص بصيغة ( السلام عليكم ).

ومن القواطع في ذلك كلام الشيخ في الخلاف ، وهذا لفظه : الأظهر من مذهب أصحابنا أنّ التسليم في الصلاة مسنون وليس بركن ولا واجب ، ومنهم من قال هو واجب. دليلنا على المذهب الأول : ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلّم على النبي عليه‌السلام وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ، ثم تؤذن القوم وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم ». ومن‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٥ ، ١١٦.

٤٢٧

نصر الأخير استدل بما رواه أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم » (١).

وهذا تصريح بان التسليم الذي هو خبر التحليل هو ( السلام عليكم ) ، وتصريح بان ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) يقطع الصلاة ، وظاهر انه ليس بواجب ولا يسمّى تسليما. وقد صرّح بذلك في كتبه كلها ، فإنه يذكر صيغة ( السلام علينا ) في سياق التسليم المندوب والخروج بها من الصلاة ، ثم يحكم بعد ذلك بأن الواجب الشهادتان لا غير (٢) ، وكذا غيره ممن تبعه (٣).

ومنه يظهر الجواب عن نقله ما في التهذيب ، فان الشيخ قائل بأنه قاطع مع انّه مستحب.

وبالجملة انّ هنا مقدمتين :

إحداهما : ان ( السلام علينا ) يقطع الصلاة ، وهذه دل عليها الاخبار وكلام الأصحاب.

والثانية : انه واجب على هذا التقدير ، وهذا لم يذهب إليه أحد من القدماء ، فكيف نجعل قولهم دليلا على وجوبه!

لا يقال : لا ريب في وجوب الخروج من الصلاة ، وإذا كان هذا مخرجا منها كان واجبا في الجملة ، فيكون الحق ما ذهب إليه القائل بوجوبه ولا يبالي بقول القدماء بندبه ، لأنهم ليسوا جميع الإمامية حتى يتعيّن المصير إليهم.

لأنّا نقول : قد دلت الأخبار الصحيحة على ان الحديث قبله لا يبطل الصلاة ، منها : خبر زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : قال سألته عن رجل يصلي‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٧٦ المسألة : ١٣٤.

ورواية أبي بصير في التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ح ١٣٠٧.

ورواية الامام علي عليه‌السلام تقدمت في ص ٤١٨ الهامش ٢.

(٢) المبسوط ١ : ١١٦ ، النهاية : ٨٤ ، الجمل والعقود : ١٨١.

(٣) راجع : المهذب ١ : ٩٧ ، السرائر : ٤٤.

٤٢٨

ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلّم ، قال : « تمت صلاته » (١). وبهذا الحديث احتجّ في الاستبصار والتهذيب على ان التسليم ليس بفرض (٢).

ومنها : خبر زرارة أيضا عنه ، قال : سألته عن رجل صلّى خمسا ، فقال : « ان كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته » (٣).

وإذا كان كذلك امتنع كون ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) جزءا واجبا من الصلاة.

لا يقال : ما المانع من ان يكون الحدث مخرجا كما ان التسليم مخرج ، ولا ينافي ذلك وجوبه تخييرا؟

لأنا نقول : لم يصر الى هذا أحد من الأصحاب ، بل ولا من المسلمين غير أبي حنيفة ، فيمتنع القول به ، لاستلزامه الخروج عن إجماع الإمامية.

وهنا سؤال وهو : ان القائلين باستحباب الصيغتين يذهبون الى انّ آخر الصلاة الصلاة على النبي وآله ، كما صرح به الشيخ في الاستبصار (٤) وهو ظاهر الباقين ، وبه خبر صحيح رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، وان كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأ » (٥) فما معنى انقطاع الصلاة بصيغة ( السلام علينا ) الى آخرها؟ وقد انقطعت بانتهائها فلا تحتاج الى قاطع ، وقد دلت الاخبار على انّ ( السلام علينا ) قاطع كما مر.

ويزيد عليه ما رواه في التهذيب عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « إذا نسي الرجل ان يسلّم ، فإذا ولّى وجهه عن القبلة وقال : السلام علينا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٠ ح ١٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ح ١٣٠١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩٤ ح ٧٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٧ ح ١٤٣١.

(٤) الاستبصار ١ : ٣٤٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٧ ح ١٢٩٨ ، عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم.

٤٢٩

وعلى عباد الله الصالحين ، فقد فرغ من صلاته » (١).

وبهذا الخبر استدل في التهذيب على قول الشيخ المفيد ـ رحمه‌الله ـ : والسلام في الصلاة سنّة ، وليس بفرض يفسد تركه الصلاة (٢). وفيه تصريح بانّ السلام المتنازع فيه هو ( السلام عليكم ) ، وبانّ الفراغ من الصلاة موقوف عليه ، فقبلها يكون في الصلاة.

واستدل أيضا في التهذيب برواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا نسي أن يسلّم خلف الإمام أجزأه تسليم الامام » (٣).

وروى الشيخ بإسناده إلى ميسر عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم : قول الرجل : تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، وانما هو شي‌ء قاله الجن بجهالة فحكى الله عنهم. وقول الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » (٤). وهذا يدلّ أيضا على انّ الصلاة موصوفة بالصحة قبل هذه الصيغة.

ولا جواب (٥) عنه الا بالتزام انّ المصلي قبل هذه الصيغة يكون في مستحبات الصلاة وان كانت الواجبات قد مضت ، وبعد هذه الصيغة لا يبقى للصلاة أثر ويبقى ما بعدها تعقيبا لا صلاة. وقد أشعر به رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كل ما ذكرت الله والنبي فهو من الصلاة ، فإذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقد انصرفت » (٦).

وبهذا يظهر عدم المنافاة بين القول بندبيته وانه مخرج من الصلاة ، الاّ انه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٩ ح ٦٢٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٩ ، ولا حظ : المقنعة : ٢٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٦٠ ح ٦٢٧.

(٤) الخصال : ٥٠ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ح ١٢٩٠.

(٥) الجواب عن السؤال المار الذكر.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ح ١٢٩٣.

٤٣٠

يلزم منه بقاؤه في الصلاة بدون الصيغتين وان طال ، ولا استبعاد فيه حتى يخرج عن كونه مصليا أو يأتي بمناف.

فان قلت : البقاء في الصلاة يلزمه تحريم ما يجب تركه ، ووجوب ما يجب فعله ، والأمران منفيان هنا ، فينتفي ملزومهما وهو البقاء في الصلاة.

قلت : لا نسلم انحصار البقاء فيها في هذين اللازمين على الإطلاق ، انما ذلك قبل فراغ الواجبات ، اما مع فراغها فينتفي هذان اللازمان وتبقى باقي اللوازم من المحافظة على الشروط وثواب المصلي واستجابة الدعاء.

وقال صاحب البشرى السيد جمال الدين بن طاوس رحمه‌الله ـ وهو مضطلع بعلم الحديث وطرقه ورجاله ـ : لا مانع ان يكون الخروج بـ ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) ، وان يجب ( السلام عليكم ورحمة الله وبركات ) بعده ، للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق عليه‌السلام في وصف صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السماء : انّه لما صلّى أمر أن يقول للملائكة : « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » (١) الاّ ان يقال : هذا في الإمام دون غيره.

قال : وممّا يؤكد وجوبه رواية زرارة ومحمد بن مسلم ، وأورد التي ذكرناها آنفا (٢). قال : وحديث حماد الطويل (٣). وروى ابن بابويه في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : انما جعل التسليم تحليلا ولم يجعل تكبيرا وتسبيحا ، لأنّ الدخول في الصلاة يحرم الكلام فيكون التحليل في الكلام (٤). ولان الخروج من الصلاة واجب اما لصلاة واجبة أو لغيرها ، ولما كان التسليم وسيلة إلى الواجب كان واجبا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٢ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢.

(٢) تقدمت في ص ٤٢٩ الهامش ٥.

(٣) تقدم في ص ٤١٨ ـ ٢٨١ الهامش ١.

(٤) عيون اخبار الرضا ٢ : ١٠٨ ، علل الشرائع : ٢٦٢.

٤٣١

ثم قال ـ رحمه‌الله ـ : وبعد هذا فالذي يظهر لي انّ القول بالندبية وجه.

أقول ـ وبالله التوفيق ـ : هذه المسألة من مهمات الصلاة ، وقد طال عبارة الكلام فيها ، ولزم منه أمور ستة.

أحدها : القول بندبية التسليم بمعنييه ، كما هو مذهب أكثر القدماء.

وينافيه تواتر النقل عن النبي وأهل بيته بقولهم ( السلام عليكم ) من غير بيان ندبيته ، مع انه امتثال للأمر بالواجب ، وقد روى الشيخ بإسناده الى أبي بصير ـ بطريق موثق ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في رجل صلّى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل ان يستشهد رعف ، قال : « فليخرج فليغسل انفه ثم ليرجع فليتم صلاته ، فان آخر الصلاة التسليم » (١). ومثله كثير ، وحمله الشيخ على الأفضل (٢) ، حتى انّ قول سلف الأمة ( السلام عليكم ) عقيب الصلاة داخل في ضروريات الدين ، وانما الشأن في الندبية أو الوجوب.

الثاني : وجوبه بمعنييه ، اما ( السلام عليكم ) فلإجماع الأمة ، واما الصيغة الأخرى فلما مرّ من الأخبار التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها ، لكنه لم يقل به أحد فيما علمته.

الثالث : وجوب ( السلام علينا ) عينا ، وقد تقدم القائل به (٣) وفيه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله.

الرابع : وجوب ( السلام عليكم ) عينا ، لإجماع الأمة على فعله. وينافيه ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة الأخرى مما لا سبيل الى ردّه ، فكيف يجب بعد الخروج من الصلاة!

الخامس : وجوب الصيغتين تخييرا ، جمعا بين ما دلّ عليه إجماع الأمة واخبار الإمامية ، وهو قوي متين الاّ انه لا قائل به من القدماء ، وكيف يخفى‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٠ ح ١٣٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ح ١٣٠٢.

(٢) راجع الهامش السابق.

(٣) تقدم في ص ٤٢٢ الهامش ٢.

٤٣٢

عليهم مثله لو كان حقا!

السادس : وجوب ( السلام عليكم ) أو المنافي تخييرا ، وهو قول شنيع ، وأشنع منه وجوب احدى الصيغتين أو المنافي.

وبعد هذا كله ، فالاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين جمعا بين القولين ، وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه ، بادئا بـ ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) لا بالعكس ، فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنّف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق ـ رحمه‌الله ـ (١). ويعتقد ندب ( السلام علينا ) ووجوب الصيغة الأخرى ، وان أبى المصلي إلاّ إحدى الصيغتين ف ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) مخرجة بالإجماع.

وهنا مسائل :

الأولى : المصلّي حال التسليم اما منفرد ، أو إمام ، أو مؤتم.

فالمنفرد يسلّم واحدة بصيغة ( السلام عليكم ) وهو مستقبل القبلة ، ويومئ بمؤخر عينه عن يمينه ، لرواية عبد الحميد بن عوارض عن الصادق عليه‌السلام : « وان كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة » (٢). وروى البزنطي بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام : « إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك » (٣).

والامام كذلك الاّ انه يومئ بصفحة وجهه ، لرواية عبد الحميد : « ان كنت إماما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك » (٤). ويدل على انه يكون مستقبل القبلة رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « ثم تؤذن القوم وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم » (٥) ذكره في سياق الامام. وروى العامة عن عائشة : ان النبي‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ٨٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٢ ح ٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ح ١٣٠٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٣٧ عن جامع البزنطي.

(٤) راجع الهامش ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ح ١٣٠٧.

٤٣٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسلّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه (١).

وقال ابن الجنيد : ان كان الإمام في صف سلم عن جانبيه. وروى علي ابن جعفر : انه رأى إخوته موسى وإسحاق ومحمد يسلمون عن الجانبين ( السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ) (٢). ويبعد ان تختص الرؤية بهم مأمومين لا غير بل الظاهر الإطلاق ، وخصوصا وفيهم الامام عليه‌السلام ، ففيه دلالة على استحباب التسليمتين للإمام والمنفرد أيضا ، غير ان الأشهر الواحدة فيهما.

اما المأموم ، فإن كان على يساره غيره سلّم مرتين بصيغة ( السلام عليكم ) أيضا عن جانبيه يمينا وشمالا ، لما في رواية عبد الحميد : « وان كنت مع امام فبتسليمتين » (٣) وان لم يكن على يساره أحد فواحدة ، لما في هذه الرواية : « وان لم يكن على يسارك أحد فسلم واحدة » (٤).

وجعل ابنا بابويه الحائط عن يساره كافيا في التسليمتين للمأموم (٥) ، فلا بأس باتباعهما لأنهما جليلان لا يقولان الاّ عن ثبت.

وفي رواية معمر بن يحيى عن الباقر عليه‌السلام : « تسليمة واحدة إماما كان أو غيره » (٦) ، وهي محمولة على الواجب ، أو على انّ المأموم ليس على يساره أحد ، كما قاله الشيخ في التهذيب (٧).

__________________

(١) تقدم في ص ٤١٨ الهامش ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٧ ح ١٢٩٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٢ ح ٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ح ١٣٠٣.

(٤) هذا المقطع من الرواية ليس في رواية عبد الحميد ولا في الروايات التي سبقتها ، وانما هو في رواية منصور ، والتي تأتي في تسلسل روايات التهذيب والاستبصار بعد رواية عبد الحميد مباشرة ، فلا حظ.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٠ ، المقنع ٢٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ح ١٣٠٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٩٣.

٤٣٤

الثانية : يستحب ان يقصد الامام التسليم على الأنبياء والأئمة والحفظة والمأمومين ، لذكر أولئك وحضور هؤلاء ، والصيغة صيغة خطاب.

والمأموم يقصد بأولى التسليمتين الردّ على الامام ، فيحتمل ان يكون على سبيل الوجوب ، لعموم قوله تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (١). ويحتمل ان يكون على سبيل الاستحباب ، لانه لا يقصد به التحية وانما الغرض بها الإيذان بالانصراف ، من الصلاة ، كما مرّ في خبر أبي بصير (٢) وجاء في خبر عمار بن موسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسليم ما هو؟ فقال : « هو اذن » (٣). والوجهان ينسحبان في رد المأموم على مأموم آخر ، وروى العامة عن سمرة قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان نسلّم على أنفسنا ، وان يسلّم بعضها على بعض (٤).

وعلى القول بوجوب الردّ يكفي في القيام به واحد ، فيستحب للباقين. وإذا اقترن تسليم المأموم والامام أجزأ ولا ردّ هنا ، وكذلك إذا اقترن تسليم والمأمومين ، لتكافؤهم في التحية.

ويقصد المأموم بالثانية الأنبياء والأئمة والحفظة والمأمومين.

واما المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك. ولو أضاف الجميع إلى ذلك ، قصد الملائكة أجمعين ومن على الجانبين من مسلمي الجن والانس ، كان حسنا.

وقال ابن بابويه : يردّ المأموم على الإمام بواحدة ، ثم يسلّم عن جانبيه تسليمتين (٥). وكأنه يرى ان التسليمتين ليستا للردّ بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة ، ولما كان الردّ واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم الصلاة وانما‌

__________________

(١) سورة النساء : ٨٦.

(٢) تقدم في ص ٤٣٣ الهامش ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٧ ح ١٢٩٦.

(٤) سنن أبي داود : ٢٦٣ ح ١٠٠١ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٦٠ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٠ ، المقنع : ٢٩.

٤٣٥

قدّم الردّ ، لانه واجب مضيق إذ هو حق لآدمي.

والأصحاب يقولون : ان التسليمة تؤدي وظيفتي الردّ والتعبّد به في الصلاة ، كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع بالتحميد عن العطسة وعن وظيفة الصلاة. وهذا يتم حسنا على القول باستحباب التسليم ، واما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب ان الاولى من المأموم للردّ على الامام ، والثانية للإخراج من الصلاة ، ولهذا احتاج الى تسليمتين.

ويمكن ان يقال ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الاولى ردّا والثانية مخرجة ، لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه وكانت محصّلة للردّ والخروج من الصلاة ، وانما شرعية الثانية ليعم السلام من على الجانبين لأنه بصيغة الخطاب ، فإذا وجّهه الى أحد الجانبين اختص به وبقي الجانب الآخر بغير تسليم ، ولما كان الامام غالبا ليس على جانبيه أحد اختص بالواحدة ، وكذلك المنفرد ، ولهذا حكم ابن الجنيد بما تقدم من تسليم الإمام إذا كان في صف عن جانبيه.

فرع :

لا إيماء إلى القبلة بشي‌ء من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس ولا بغيره إجماعا. وانما المنفرد والامام يسلّمان تجاه القبلة بغير إيماء. واما المأموم فالظاهر أنه يبتدأ به مستقبل القبلة ، ثم يكمله بالإيماء إلى الجانب الأيمن أو الأيسر. وفيه دلالة ما على استحباب التسليم ، أو على انّ التسليم وان وجب لا يعد جزءا من الصلاة إذ يكره الالتفات في الصلاة عن الجانبين ، ويحرم ان استلزم استدبارا. ويمكن ان يقال : التسليم وان كان جزءا من الصلاة الاّ انّه خرج من حكم استقبال القبلة بدليل من خارج.

ويستحب عند ذكر النبي بالتسليم عليه الإيماء إلى القبلة بالرأس ، قاله‌

٤٣٦

المفيد وسلار (١) ـ كما مر ـ وهو حسن في البلاد التي يكون قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قبلة المصلي.

الثالثة : الجالس للتسليم كهيئة المتشهد في جميع ما تقدم من هيئات الجلوس للتشهد الواجبة والمستحبة والمكروهة ـ كالاقعاء ـ لدلالة فحوى الكلام عليه ، ولأنه مأمور بتلك الهيئة حتى يفرغ من الصلاة فيدخل فيها التسليم.

وتجب الطمأنينة بقدره ، والإتيان بصيغته مراعيا فيها الألفاظ المخصوصة باللفظ العربي والترتيب الشرعي ، لأنه المتلقّى عن صاحب الشرع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولو جهل العربية ، وجب عليه التعلم ، ومع ضيق الوقت تجزئ الترجمة كباقي الأذكار غير القراءة ، ثم يجب التعلم لما يستقبل من الصلاة.

الرابعة : يستحب قبل التسليم ما ذكره جميع الأصحاب وعدوّه من المستحب ، ورواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، انه إذا فرغ من التشهد الأخير ـ كما مرّ في روايته ـ من الواجب والمستحب يقول بعد قوله : ( وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً ) : « السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام على أنبياء الله ورسله ، السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقربين ، السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » (٢).

قال أكثر القدماء : ثم يسلم (٣) وهو تصريح بان التسليم اسم لقولنا ( السلام عليكم ).

وروى العامة عن علي عليه‌السلام ، قال : « كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) المقنعة : ١٨ ، المراسم : ٧٣.

(٢) تقدم في ص ٤١٠ الهامش ١.

والآية في سورة نوح : ٢٨.

(٣) راجع : جمل العلم والعمل ٣ : ٣٤ ، الكافي في الفقه : ١٢٤.

٤٣٧

يصلي قبل الظهر ». الى قوله : « يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين » (١).

الخامسة : هل يجب في التسليم نيّة الخروج على تقدير القول بوجوبه؟

قال في المبسوط : ينبغي ان ينوي بها ذلك (٢) وليس بصريح في الوجوب.

ووجه الوجوب ان نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو خطاب للآدميين ، ومن ثم تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامدا ، وإذا لم تقترن به نية تصرفه الى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا لها.

ووجه عدم الوجوب قضية الأصل ، وان نيّة الصلاة اشتملت عليه وان كان مخرجا منها ، ولان جميع العبادات لا تتوقف على نيّة الخروج بل الانفصال منها كاف في الخروج ، ولان مناط النيّة الإقدام على الافعال لا الترك لها.

ومبنى الوجوب على انه جزء من الصلاة ـ كما اختاره المرتضى (٣) ـ أو خارج عنها. فعلى الأول يتوجّه عدم وجوب نيّة الخروج به. وعلى الثاني يتوجّه وجوب النيّة ، ولأن الأصحاب ـ وخصوصا المتأخرين ـ يوجبون على المعتمر والحاج نيّة التحلل بجميع المحللات فليكن التسليم كذلك ، لانه محلل من الصلاة بالنص.

فروع :

الأول : إن قلنا بوجوب نيّة الخروج فهي بسيطة ، لا يشترط فيها تعيين ما‌

__________________

(١) المصنف لابن أبي شيبة ٢ : ٢٠٢ ، مسند احمد ١ : ١٦٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٦٧ ح ١١٦١ ، الجامع الصحيح ٢ : ٤٩٣ ح ٥٩٨ ، سنن النسائي ٢ : ١١٩ ، مسند أبي يعلى ١ : ٢٦٩ ح ٣١٨.

(٢) المبسوط ١ : ١١٦.

(٣) الناصريات : ٢٣١ المسألة ٨٢.

٤٣٨

وجب تعيينه في نيّة الصلاة ، إذ الخروج انما هو عما نواه وتشخّص. ويحتمل ان ينوي الوجوب والقربة لا تعيين الصلاة والأداء ، لأن الأفعال تقع على وجوه وغايات ، واما تعيّن الصلاة والأداء فيكفي فيه ما تقدم من نيّتها وارادة الخروج عنها الآن.

الثاني : ان اعتبرنا نيّة الخروج ، وعيّن الخروج عن صلاة ليس متلبسا بها ، فان كان عمدا بطلت الصلاة ، لفعل مناقضها.

وان كان غلطا ففيه إشكال ، منشؤه النظر الى قصده في الحال فتبطل الصلاة ، والى انه في حكم الساهي. والأقرب صحة الصلاة ان قلنا بعدم وجوب نيّة الخروج ، لأنها على ما افتتحت عليه. وان قلنا بوجوب نيّة الخروج احتمل ذلك أيضا ، صرفا للنية إلى الممكن ، وان الغالط كالقاصد الى ما هو بصدده.

وان كان سهوا ، فالأقرب أنه كالتسليم ناسيا في أثناء الصلاة ، فتجب له سجدتا السهو ، ثم يجب التسليم ثانيا بنيّة الخروج.

ولو قلنا : لا تجب نيّة الخروج ، لم يضر الخطأ في التعيين نسيانا كالغلط ، اما العمد فمبطل على تقديري القول بوجوب نية الخروج والقول بعدمه.

وكذا لو سلّم بنيّة عدم الخروج به ، فإنّه يبطل على القولين.

الثالث : وقت النيّة ، على القول بوجوبها ، عند التسليم مقارنة له. فلو نوى الخروج قبل التسليم بطلت الصلاة ، لوجوب استمرار حكم النيّة. ولو نوى قبله الخروج عنده لم تبطل ، لأنه قضية الصلاة ، الا انه لا تكفيه هذه النيّة بل تجب عليه النيّة مقارنة لأوله.

الرابع : هذه النيّة لا يجوز التلفظ بها قطعا ، لاشتمالها على ألفاظ ليست من أذكار الصلاة ، وكذا نية العدول في أثناء الفريضة إلى فريضة أخرى لا يجوز التلفظ بها ، وان جاز التلفظ بالنيّة في ابتداء الصلاة.

٤٣٩

الخامس : لو تذكر في أثنائه صلاة سابقة ، وجب العدول إليها ، والأقرب انه لا يجب فيه تجديد نيّة الخروج ، ولا إحداث نيّة التعيين في الخروج لهذه الصلاة التي فرضه الخروج منها ـ كما لا يجب في الصلاة المبتدأة التعيين ـ لأن نيّة العدول صيّرت التسليم لها. وهذا العدول انما يتم لو قلنا بان التسليم جزء من الصلاة ، ولو حكمنا بخروجه لم يجز قطعا.

المسألة السادسة : قال في المعتبر : لو قال : ( سلام عليكم ) ناويا به الخروج ، فالأشبه أنه يجزئ ، لانه يقع عليه اسم التسليم ، ولأنها كلمة ورد القرآن بصورتها (١). وفيه بعد ، لانه مخالف للمنقول عن صاحب الشرع ، ولا نسلم وقوع اسم التسليم الشرعي عليه ، ولا يلزم من وروده في القرآن التعبّد به في الصلاة.

اما لو قال : ( عليكم السلام ) فإنه لا يجزئ قطعا ، لمخالفته ما جاء في القرآن ، ولما روي انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تقل : عليك السلام ».

تتمّة :

قال أكثر الأصحاب المرأة كالرجل في الصلاة ، إلاّ في مواضع تضمن خبر زرارة أكثرها ، وهو ما رواه الكليني بإسناده إلى زرارة ، قال : « إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرج بينهما ، وتضمّ يديها الى صدرها لمكان ثدييها ، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تتطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها ، فإذا جلست فعلى ألييها ليس كما يقعد الرجل ، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض ، فإذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها ورفعت ركبتيها في الأرض ، وإذا نهضت‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدم في ص ٤٢٦ الهامش ١.

٤٤٠