ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

والأصح انّ التكبير يبتدأ به في ابتداء الرفع ، وينتهي عند انتهاء الرفع ـ لا في حال القرار مرفوعتين ولا حال إرسالهما ، كما قاله بعض الأصحاب (١) ـ لقول عمار : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (٢). ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك ، ولا بين صلاة الفرض والنفل.

ويتأكد استحباب الرفع في تكبيرة الإحرام ، وكذا يتأكد استحباب الرفع في التكبير كلّه للإمام.

الثامنة : يستحب ترك الاعراب في آخره ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « التكبير جزم » (٣).

ويستحب الجهر بها للإمام ليعلم من خلفه افتتاحه ، والاسرار للمأموم ، أما المنفرد فله الخيرة في ذلك. وأطلق الجعفي رفع الصوت بها.

والتوجّه بست غيرها أو أربع أو اثنتين ، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « إذا افتتحت الصلاة فكبّر ، إن شئت واحدة ، وان شئت ثلاثا ، وان شئت خمسا ، وان شئت سبعا ، كل ذلك مجزئ غير انك إذا كنت إماما لم تجهر إلاّ بتكبيرة واحدة » (٤).

وليدع عقيب الثالثة بما روى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « اللهم أنت الملك الحق ، لا إله إلاّ أنت سبحانك ، اني ظلمت نفسي فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت. ثم يكبر تكبيرتين ويقول : لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، والشر ليس إليك ، والمهدي من هديت ، لا ملجأ منك إلاّ إليك ، سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت. ثم يكبر اثنتين‌

__________________

(١) نسبه الى بعض العلماء العلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١١٣ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤٥٧.

(٢) مثله في التهذيب ٢ : ٦٦ ح ٢٣٦ عن ابن سنان.

(٣) سنن الترمذي ٢ : ٩٥ ح ٢٩٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٦ ح ٢٣٩.

وآخره اقتباس من الآية ٧٩ من سورة الانعام.

٢٦١

ويقول : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، حنيفا مسلما وما أنا من المشركين » (١).

وروى زرارة عن الباقر عليه‌السلام في التوجّه : « ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) على ملة إبراهيم ، ( حَنِيفاً ) مسلما ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمين » (٢).

وقد ورد الدعاء عقيب السادسة بقوله : « يا محسن قد أتاك المسي‌ء ، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي‌ء ، وأنت المحسن وأنا المسي‌ء ، فصل على محمد وآله ، وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني » (٣).

وورد أيضا انه يقول : « رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي » (٤) الآية. وكل حسن.

قال الأصحاب : ويتخيّر المصلّي في تعيين تكبيرة الإحرام من هذه ، والأفضل جعلها الأخيرة (٥).

والأقرب عموم استحباب السبع في جميع الصلوات. وقال علي بن بابويه : تختص بالمواضع الستة : أول كل فريضة ، وأول صلاة الليل ، والوتر ، وأول نافلة الزوال ، وأول نافلة المغرب ، وأول ركعتي الإحرام (٦) وزاد الشيخان :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ ح ٢٤٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٧ ح ٢٤٥.

وآخره اقتباس من الآيتين ١٦٢ ، ١٦٣ من سورة الانعام.

(٣) فلاح السائل : ١٥٥ ، وراجع البحار ٨٤ : ٣٧٥.

(٤) أورد عن شرح النفلية في : مستدرك الوسائل ٤ : ١٤٣ ح ٧.

والآية في سورة إبراهيم : ٤٠.

(٥) كالطوسي في المبسوط ١ : ١٠٤ ، والعلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٥٨.

(٦) الفقيه ١ : ٣٠٧.

٢٦٢

الوتيرة (١).

لنا : انه ذكر الله تعالى ، والأخبار مطلقة فالتخصيص يحتاج الى دليل.

ويجوز الولاء ، بينهما ، لما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام « استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء » (٢).

وزاد ابن الجنيد بعد التوجّه : استحباب تكبيرات سبع ، و( سبحان الله ) سبعا ، و( الحمد لله ) سبعا ، و( لا إله إلاّ الله ) سبعا ، من غير رفع يديه ، ونسبه الى الأئمة عليهم‌السلام (٣).

وروى زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « إذا كبرت في أول الصلاة بعد الاستفتاح احدى وعشرين تكبيرة ، ثم نسيت التكبير ، أجزأك » (٤).

فرع :

لو لحق المأموم الإمام حال القراءة استحب له التوجّه بالسبع ، ثم يقرأ مستحبا في الإخفاتية ـ كما يأتي إن شاء الله ـ ولو خاف فوت القراءة ترك التوجّه ، قاله في المبسوط (٥).

فائدة :

روى زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « ان الحسين عليه‌السلام أبطأ عن الكلام ، فخرج به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الصلاة فأقامه عن يمينه ، وافتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكبّر الحسين عليه‌السلام ، فأعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التكبير فأعاد الحسين عليه‌السلام ، وهكذا سبعا ، فجرت‌

__________________

(١) المقنعة : ١٧ ، المبسوط ١ : ١٠٤ ، النهاية : ٧٣.

(٢) الخصال : ٣٤٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨٧ ح ١١٥٢.

(٣) مختلف الشيعة : ٩٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٧ ح ١٠٠٢ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ ح ٥٦٤.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٤.

٢٦٣

السنّة بذلك » (١).

وروى هشام بن الحكم عن الكاظم عليه‌السلام علّة أخرى ، وهي : « انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اسري به الى السماء قطع سبعة حجب ، فكبّر عند كل حجاب تكبيرة ، حتى وصل الى منتهى الكرامة » (٢).

وروى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام : « انما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا ، لأن أصل الصلاة ركعتان واستفتاحهما بسبع تكبيرات : للافتتاح والركوع وتكبيرتين للسجود ، فإذا كبّر سبعا أولا لم يضره السهو عن بعض التكبيرات » (٣).

قال ابن بابويه : لا تناقض في هذه العلل ، بل كثرتها مؤكدة (٤).

قال : وسأل رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن معنى رفع اليدين في التكبيرة الأولى ، فقال : « معناه الله أكبر الواحد الأحد ليس كمثله شي‌ء ، لا يلمس بالأخماس ، ولا يدرك بالحواس » (٥).

تنبيهات :

الأول : روى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : انّ الامام يسرّ في الستّ الزائدة ، ويجهر بالواجبة (٦).

الثاني : لا يستحب رفع اليدين بالدعاء بين التكبيرات ، ولا بعدها ، قاله ابن الجنيد : وظاهر الأصحاب انه لا يرفع يديه بدعاء في الصلاة ، إلاّ دعاء القنوت.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٩ ح ٩١٨ ، علل الشرائع : ٣٣٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٩٩ ح ٩١٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٠ ح ٩٢٠ ، علل الشرائع : ٢٦١ ، عيون اخبار الرضا ١ : ١٠٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢٠٠ ح ٩٢٢.

(٦) الخصال : ٣٤٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨٧ ح ١١٥١.

٢٦٤

الثالث : لا فرق في استحباب التكبيرات بين المنفرد والامام والمأموم. وظاهر ابن الجنيد اختصاص المنفرد بالاستحباب ، وهو شاذ.

التاسعة : يكبّر المأموم بعد تكبير الامام ، تحقيقا للقدوة. فلو كبّر معه قطع الشيخ بالصحة في المبسوط (١) كما يجوز أن يساوقه في بقية الافعال ، وان كان تأخره في التكبير أفضل.

ومنع منه في الخلاف ، لأنّ معنى الاقتداء أن يفعل الفعل كما فعله الامام ، وذلك لا يكون الا بعد فراغ الامام ، ولما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنما الامام مؤتم به ، فإذا كبّر فكبّروا » وهو نص (٢). فان كبّر قبله لم يصح ، ووجب قطعها بتسليمة ويستأنف بعده.

قال : وكذا لو كان قد صلّى شيئا من الصلاة وأراد ان يدخل مع الامام قطعها واستأنف معه (٣) (٤).

والظاهر انّ هذا القطع في الموضعين مستحب ، تحصيلا لفضيلة الجماعة. واما وجوب كونه بتسليمة كما ذكره الشيخ فمشكل على مذهبه من ندبية التسليم (٥) ويمكن أن يراد به الوجوب التخييري بينه وبين فعل باقي المنافيات وان كان التسليم أفضل ، أما وجوبه عينا فلا ، وخصوصا عند القائلين بندبيّة التسليم.

الواجب الثالث : القيام ، وانما أخّر عن النية والتكبير ليتمحض جزءا من‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠٣.

(٢) الخلاف ١ : ٣١٨ المسألة : ٦٩.

(٣) الخلاف ١ : ٣١٨ المسألة : ٧٠.

(٤) وراجع في الحديث النبوي : المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٤٦١ ح ٤٠٨٢ ، مسند احمد ٢ : ٣١٤ ، صحيح البخاري ١ : ١٧٥ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ح ٤١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ ح ٨٤٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٤ ح ٦٠٣ ، سنن النسائي ٢ : ٨٣ ، مسند أبي يعلى ١٠ : ٣١٥ ح ٥٩٠٩ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٧١ ح ٢١٠٤.

(٥) الخلاف ١ : ٣٧٦ المسألة : ١٣٤.

٢٦٥

الصلاة ، إذ هو قبلهما شرط محض ، وفي أثنائهما متردد بين الشرط والجزء. ولو قدم البحث فيه عليهما جاز ، كما فعله جماعة منهم : الشيخ في المبسوط.

والكلام إما في واجباته ، أو في مستحبّاته ، وفي الواجبات مسائل.

الأولى : على وجوب القيام إجماع العلماء ، وقوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (١) أي : مطيعين.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال لعمران بن الحصين : « صل قائما ، فان لم تستطع فقاعدا ، فان لم تستطع فعلى جنب » (٢).

وروى أبو حمزة عن الباقر عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) : « الصحيح يصلّي قائما ، والمريض يصلّي جالسا ، والأضعف من المريض يصلّي على جنبه » (٣).

الثانية : حدّ القيام الانتصاب مع الإقلال ، ولا يخلّ بالانتصاب اطراق الرأس ، إذ المعتبر نصب الفقار. ويخلّ به الميل الى اليمين أو اليسار اختيارا بحيث يزول عن سنن القيام ، وكذا إذا انحنى ولو لم يبلغ حدّ الراكع لم يجزئه. اما من تقوس ظهره لكبر أو زمانة فإنه يجزئه تلك الحالة ، بل يجب عليه القيام كذلك ، ولا يجوز له القعود عندنا.

والمراد بالإقلال ان يكون غير مستند إلى شي‌ء ، بحيث لو رفع السناد سقط.

وروى علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام في الاستناد إلى حائط المسجد ، ووضع اليد عليه من غير مرض ولا علّة ، فقال : « لا بأس » وكذا لو‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٨.

(٢) مسند احمد ٤ : ٤٢٦ ، صحيح البخاري ٢ : ٦٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٦ ح ١٢٢٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٠ ح ٩٥٢ الجامع الصحيح ٢ : ٢٠٨ ح ٣٧٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٨٠.

(٣) الكافي ٣ : ٤١١ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ح ٦٧٢ ، ٣ : ١٧٦ ح ٣٩٦.

والآية في سورة آل عمران : ١٩١.

٢٦٦

استعان على القيام بتناول جانب المسجد من غير علّة (١).

وأخذ أبو الصلاح بظاهر الخبر ، وعدّ الاعتماد على ما يجاور المصلّي من الأبنية مكروها (٢) والخبر لا يدل على الاعتماد صريحا ، إذ الاستناد يغايره وليس بمستلزم له ، اما مع الضرورة فلا شك في جواز الاعتماد.

ولو عجز عن الركوع والسجود وقدر على القيام ، لم يسقط بعجزه عنهما ، ووجب القيام ثم الإتيان بما قدر منهما ، فان تعذّرا أومأ بالرأس ، فإن تعذّر فبطرفه. ولو قدر على القيام في بعض القراءة وجب.

الثالثة : لو عجز عن القيام أصلا قعد ، ولا عبرة بقدرته على المشي مقدار صلاته إذا كان يتعذّر عليه القيام للصلاة ، لقول الباقر عليه‌السلام : « ذاك اليه ، هو أعلم بنفسه » (٣). وروى جميل عن الصادق عليه‌السلام : « هو أعلم بنفسه ، إذا قوي فليقم » (٤).

وفي رواية سليمان المروزي عن الفقيه : « المريض انما يصلي قاعدا إذا صار الى الحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته » (٥). وتحمل على من يتمكن من القيام إذا قدر على المشي ، للتلازم بينهما غالبا ، فلا يرد جواز انفكاكهما.

فرع :

لو قدر على القيام ، ولما يقدر على المشي ، وجب.

ولو عجز عن القيام مستقرا ، وقدر على القيام ماشيا أو مضطربا من غير‌

__________________

(١) قرب الاسناد : ٩٤ ، الفقيه ١ : ٢٣٧ ح ١٠٤٥ ، التهذيب ٢ : ٣٢٦ ح ١٣٣٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٢٥.

(٣) التهذيب ٣ : ١٧٧ ح ٣٩٩. وفي الكافي ٤ : ١١٨ ح ٢ ، والتهذيب ٤ : ٢٥٦ ح ٧٥٨ عن الامام الصادق عليه‌السلام.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ح ٧٧٣ ، ٣ : ١٧٧ ح ٤٠٠.

(٥) التهذيب ٣ : ١٧٨ ح ٤٠٢.

٢٦٧

معاون ، ففي ترجيحه على القيام ساكنا بمعاون ، أو على القعود لو تعذر المعاون ، نظر ، أقربه ترجيحهما عليه ، لأنّ الاستقرار ركن في القيام إذ هو المعهود من صاحب الشرع.

وقال الفاضل : يجب المشي ، ولا يصلّي قاعدا (١).

الرابعة : إذا انتقل فرضه الى القعود ، قعد كيف شاء.

والأفضل أن يتربع قارئا ، ويثني رجليه راكعا ، ويتورك بين السجدتين ومتشهدا. فقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه لما صلّى جالسا تربع (٢).

وروى حمران بن أعين عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « كان أبي عليه‌السلام إذا صلّى جالسا تربع ، فإذا ركع ثنى رجليه » (٣) وهو شامل للفريضة والنافلة.

وانما حملناه على الندب ، لما رواه معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه‌السلام في المصلّي جالسا يتربع أو يبسط رجله : « لا بأس بذلك » (٤).

نعم ، يكره الإقعاء ، لما روي انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تقع إقعاء الكلاب » (٥).

وفسره الأصحاب : بأن يفرش رجليه ، ويضع أليتيه على عقبيه (٦).

وفسره أبو عبيد : بان يجلس على وركيه ، وينصب فخذيه وركبتيه ، ويضع يديه على الأرض ، لأن الكلب كذا يصنع (٧).

وقال بعض الأصحاب : ان يقعد على عقبيه ، ويجعل يديه على‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١١٠.

(٢) سنن الدار قطني ١ : ٣٩٧ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢٤ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٥٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٨ ح ١٠٤٩ ، التهذيب ٢ : ١٧١ ح ٦٧٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٨ ح ١٠٥٠ ، التهذيب ٢ : ١٧٠ ح ٦٧٨.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٩ ح ٨٩٤ ، ٨٩٥.

(٦) العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٣٨.

(٧) غريب الحديث ١ : ٢١٠.

٢٦٨

الأرض (١).

والمراد بثني الرجلين : أن يفترشهما تحته ، ويقعد على صدورهما بغير إقعاء.

الخامسة : احتمل بعض الأصحاب في كيفية ركوع القاعد وجهين ذكرهما العامة ، وهما متقاربان.

الأول : أن ينحني حتى يصير بالإضافة إلى القاعد المنتصب ، كالراكع قائما بالإضافة إلى القائم المنتصب ، فتعرف النسبة بين حالة الانتصاب وبين الركوع قائما ، ويقدر كأن الماثل من شخصه عند القعود هو قدر قامته ، فينحني بمثل تلك النسبة.

الثاني : أن ينحني إلى حد تكون النسبة بينه وبين السجود ، كالنسبة بينهما في حال القيام. ومعناه : انّ أكمل الركوع عند القيام ان ينحني بحيث يستوي ظهره وعنقه ويمدهما ، وحينئذ تحاذي جبهته موضع سجوده. وأقله : أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه ، وحينئذ يقابل وجهه أو بعض الوجه ما وراء ركبتيه من الأرض ، وتبقى بين الموضع المقابل وموضع السجود مسافة ، فيراعي هذه النسبة في حال القعود.

فأكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده ، وأقله أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض.

فروع :

الأول : قدر القاعد على الانحناء إلى أقل ركوع مثله ، ولم يقدر على الزيادة عليه ، فيجب عليه الإتيان به للركوع مرة وللسجود اخرى ، وليس له أن ينقص منه للركوع ليصير السجود أخفض ، لانّه يستلزم ترك الركوع للقادر عليه ، وهو غير جائز.

__________________

(١) لم نعثر على القائل ، وانظر مفتاح الكرامة ٢ : ٤٤٩.

٢٦٩

الثاني : قدر على أكمل ركوع القاعد من غير زيادة ، فالأقرب المساواة للأول وان أتى به مرتين. لكن يجوز هنا الاقتصار في الركوع على الأقل وإيثار السجود بالزائد ، والظاهر انه لا يجب ذلك ، لبعد المنع من الركوع الكامل للقادر عليه.

الثالث : قدر على أكمل الركوع وزيادة ، فيجب هنا إيثار السجود بالزائد قطعا ، لأنّ الفرق بينهما واجب مع الإمكان وقد أمكن ، وهو معنى قولهم : يجب ان يكون السجود أخفض.

الرابع : قدر على زيادة الخفض في السجود ، ولا ريب في وجوبه ، حتى لو امكنه السجود على أحد الجبينين أو الصدغين أو الذقن أو عظم الرأس وجب ، والاّ وجب إدناء رأسه من الأرض بحسب الطاقة ـ ولو افتقر الى رفع ما يسجد عليه وجب ـ لما سبق في باب ما يسجد عليه من رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام (١).

الخامس : ركع أكمل الركوع ، فلما رفع تعذّر ذلك للسجود ، اقتصر على المقدور ، لأنّ الأخفضية انما تجب مع الإمكان. ولو علم من نفسه انّه إذا ركع أكمل الركوع عجز عن أخفضية السجود ، اقتصر على أقل الركوع.

المسألة السادسة : يجوز القعود مع القدرة على القيام لخائف التلف من القيام ، أو زيادة المرض ، أو العدو ، أو المشقة الشديدة ، أو قصر السقف. ولو أمكن الانحناء قدّم على القعود. ولو أمكن في البعض حالة أكمل ، وجبت بحسب المكنة.

السابعة : الأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معا في القيام ، ولا تجزئ الواحدة مع القدرة ، لعدم الاستقرار ، وللتأسي بصاحب الشرع. ولا يجوز تباعدهما بما يخرجه عن حدّ القيام.

__________________

(١) تقدمت في ص ١٥٠ ، الهامش ٥.

٢٧٠

ولو تردّد الأمر بين الانحناء وبين تفريق الرجلين تعارض القول بقيام النصف الأعلى والأسفل ، ففي ترجيح أحدهما نظر ، أقربه ترجيح قيام الأعلى ، لأن به يتحقق الفرق بين الركوع والقيام ، ولبقاء مسمّى القيام معه ، ولانه كقصر القامة.

الثامنة : لو عجز عن القعود وقدر على القيام والاضطجاع ، فالأقرب الإيماء للسجود قائما ، وكذا يجعل مكان جلوسه بين السجدتين قيامه ، ولا يجعل سجوده وجلوسه مضطجعا ، لأنّ القيام أكمل ، ويجب [ زيادة ] انخفاضه في السجود عن الانخفاض في الركوع ان أمكن.

التاسعة : لو عجز عن القعود مستقلا وجب معتمدا على شي‌ء ، فان عجز صلّى مضطجعا على جانبه الأيمن ـ كالملحود ـ مستقبلا بوجهه القبلة ، لما مر ، ولقول الصادق عليه‌السلام في رواية حماد : « المريض إذا لم يقدر ان يصلّي قاعدا يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده ، وينام على جنبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة ، فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة (١). وفيها دلالة على ان الجانب الأيمن مقدّم على الأيسر ، وعلى‌

__________________

(١) أخرجها المحقق في المعتبر ٢ : ١٦١.

وروى الشيخ في التهذيب بإسناده عن عمار عن أبي عبد الله ٧ قال : « المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا كيف قدر صلّى ، اما ان يوجّه فيومئ إيماء » وقال : « يوجّهه كما يوجّه .. » إلخ وكما في المتن عن حماد.

قال المجلسي في بحار الأنوار ٨٤ : ٣٣٧ بعد إيراده الروايتين عن التهذيب والمعتبر : وتشابه الخبرين في أكثر الألفاظ يوهم اشتباه عمار بحماد منه ; أو من النساخ ، وتغيير عبارة الخبر لتصحيح مضمونه نقلا بالمعنى ، وجلالته تقتضي كونه خبرا آخر ، واشتباه النساخ بعيد لاتفاق ما رأينا من النسخ على حماد ، وسائر أجزاء الخبر كما نقلنا ، الا ان يكون من الناسخ الأول ، والله اعلم.

وقال البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٧٦ بعد ردّه على من قال بوحدة الروايتين : فالظاهر عندي ان رواية حماد مستقلة متنا وسندا. ومثله قال العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣١٢.

٢٧١

انّه لو عجز عن الأيمن أجزأه الأيسر ، ومن الأصحاب من خيّر بين الجنبين.

ويومئ برأسه للركوع والسجود. ولو أمكن تقريب مسجد اليه ليضع عليه جبهته ويكون بصورة الساجد ، وجب.

وقد روى الشيخ ـ في باب صلاة المضطر ـ عن سماعة ، قال : سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : « فليصل وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنّه يجزئ عنه ، ولن يكلفه الله ما لا طاقة له به » (١).

قلت : يمكن أن يراد به مع اعتماده على ذلك الشي‌ء ، وهذا لا ريب في وجوبه. ويمكن أن يراد به على الإطلاق ، اما مع الاعتماد فظاهر ، واما مع عدمه فلأنّ السجود عبارة عن الانحناء وملاقاة الجبهة ما يصح السجود عليه باعتماد ، فإذا تعذّر ذانك وملاقاة الجبهة ممكنة وجب تحصيله ، لان « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) فان قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي.

اما المومئ قائما ، فيجب اعتماد جبهته على ما يصح السجود عليه مع إمكانه قطعا ، وان عجز صلّى مستلقيا ، لمرسلة محمد بن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام : « المريض إذا لم يقدر على الصلاة جالسا صلّى مستلقيا يكبّر ثم يقرأ ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبّح ، فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتحه عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد ان يسجد غمض عينيه ثم سبّح ، فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتحه عينيه رفع رأسه من السجود ، ثم يتشهد وينصرف » (٣).

والجمع بين الروايتين بالحمل على التقية ، أو بأنّه ترك ذكر الجنب لعلمه بفهم المخاطب. هذا مع انّ الأولى أجود سندا ، ومعتضدة بقوله تعالى :

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠٦ ح ٩٤٤.

(٢) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٥.

(٣) الكافي ٣ : ٤١١ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٥ ح ١٠٣٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ح ٦٧١ ، ٣ : ١٧٦ ح ٣٩٣.

٢٧٢

( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) (١) وبعمل الأصحاب ، وبما رواه في الفقيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المريض يصلّي قائما ، فان لم يستطع صلّى جالسا ، فان لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن ، فان لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر ، فان لم يستطع استلقى وأومأ إيماء ، وجعل وجهه نحو القبلة ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه » (٢).

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأله مريض من الأنصار وقد دخل عليه كيف يصلي ، فقال : ان استطعتم ان تجلسوه ، والاّ فوجهوه إلى القبلة ، ومروه فليومئ برأسه إيماء ، ويجعل السجود أخفض من الركوع ، وان كان لا يستطيع أن يقرأ فاقرؤا عنده وأسمعوه » (٣).

فروع :

المستلقي كالمحتضر في استقباله بوجهه وأخمصيه القبلة. والأقرب انّ الإيماء بالطرف انما يكون مع العجز عن الرأس ، لأنّه أقرب الى السجود.

ويجوز الاستلقاء للعلاج وإيقاع الصلاة فيه وان قدر على القيام ، سواء كان العلاج للعين أو غيرها ، إذا حكم الطبيب باحتياجه اليه ، لقول الصادق عليه‌السلام وسأله سماعة بن مهران : عن الرجل يكون في عينيه الماء فينزع الماء منها ، فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر ، فيمتنع من الصلاة إلا إيماء وهو على حاله ، فقال : « لا بأس بذلك » (٤).

وسأله بزيع المؤذن فقال له : اني أريد أن أقدح عيني ، فقال : « افعل ». فقلت : انهم يزعمون انه يلقى على قفاه كذا وكذا يوما لا يصلّي قاعدا! قال :

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٩١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٣٧.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٣٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٥ ح ١٠٣٥ ، التهذيب ٣ : ٣٠٦ ح ٩٤٥.

٢٧٣

« افعل » (١) ومثله رواه محمد بن مسلم عنه عليه‌السلام (٢). ولقول الصادق عليه‌السلام : « ليس من شي‌ء حرم الله الاّ وقد أباحه لمن اضطر اليه » (٣).

قالوا : لم يرخّص الصحابة لابن عباس في الاستلقاء لعلاج العين ، وكان قد قال له الأطباء : ان مكثت سبعا عالجناك ، وكان فيمن أفتاه بالمنع أم سلمة وعائشة وأبو هريرة ، فترك العلاج فكفّ بصره (٤).

قلنا لعلّه لم يكن البرء مظنونا.

ولو تمكّن من حالة عليا منفردا ، وإذا اقتدى لم يتمكن ، صلى منفردا ، كمن يتمكن من القيام وحده ولا يتمكن مع الامام لتطويله. ويحتمل جواز القدوة ، فيجلس إذا عجز إذا كان الجلوس بعد استيفاء واجب القراءة ولم يستلزم الإخلال بركن من الأركان ، لأنّه ليس فيه أكثر من التخلف عن الامام لعذر ، وهو جائز إذا فاجأه العذر ، كالمزاحم عن السجود.

المسألة العاشرة : ينتقل كل من القادر إذا تجدّد عجزه ، والعاجز إذا تجدّدت قدرته ، الى ما يقدر عليه مستمرا ولا يستأنف ، لأصالة الصحة ، وللامتثال المقتضي للإجزاء.

فالقائم إذا عجز اعتمد ، ثم قعد ، ثم اضطجع ، ثم استلقى ، ولا يعدّ هذا فعلا كثيرا. وكذا لو قدر المستلقي اضطجع ، ثم قعد ، ثم اعتمد ، ثم قام مستقبلا. ولو قدر المستلقي على القيام التام وجب من غير توسط غيره ، وكذا لو عجز القائم عن الوسائط استلقى.

قال الأصحاب : ويقرأ في انتقاله الى ما هو أدنى ، لأنّ تلك الحالة أقرب‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٣٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ٣ : ١٧٧ ح ٣٩٧.

(٤) السنن الكبرى ٢ : ٣٠٩ ، وراجع : تلخيص الحبير ٣ : ٣٠١.

٢٧٤

الى ما كان عليه (١).

ويشكل بانّ الاستقرار شرط مع القدرة ولم يحصل ، وتنبّه عليه رواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام في المصلي يريد التقدّم ، قال : « يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم ثم يقرأ » (٢) ، وقد عمل الأصحاب بمضمون الرواية (٣).

ولا يقرأ المنتقل إلى الأعلى قطعا ، لأنّ فرضه انتقل إلى الحالة العليا ، فلو كان قد قرأ بعضا بنى ، ويجوز الاستئناف بل هو أفضل ، لتقع جميع القراءة متتالية في الحال الأعلى.

ولو خفّ بعد القراءة وجب القيام للركوع. وله تجب الطمأنينة في هذا القيام قبل الهوي؟ قال الفاضل : لا تجب (٤) بناء على انّ القيام انما تجب الطمأنينة فيه لأجل القراءة وقد سقطت. ويحتمل الوجوب :

اما أولا : فلضرورة كون الحركتين المتضادتين في الصعود والهبوط بينهما سكون ، فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما.

واما ثانيا : فلأنّ ركوع القائم يجب ان يكون عن طمأنينة ، وهذا ركوع قائم.

واما ثالثا : فلأنّ معه يتيقن الخروج عن العهدة. ولا تستحب إعادة القراءة هنا ، لعدم الأمر بتكرارها في الركعة الواحدة وجوبا ولا ندبا.

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ٨٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٦ ح ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ ح ١١٦٥.

(٣) قال العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٣١٥ بعد حكاية قول المصنف هذا : ان نسبة ذلك الى الأصحاب لا يخلو من ريبة ، لأنا لم نجد أحدا من القدماء صرح بذلك ، وقد تتبعت .. فلم أجد في موضع منها التصريح بذلك .. اللهم الا ان يكونوا ذكروا ذلك في مطاوي كلامهم مما زاغ عنه النظر ، أو يكون الشهيد أراد مشايخه كالفخر والعميد والعلامة والآبي وغيرهم ممن شاهدهم أو نقل له ذلك عنهم ، فليتأمل.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ١١٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٤٢.

٢٧٥

ولو خفّ في ركوعه قاعدا قبل الطمأنينة وجب إكماله ، بأن يرتفع منحنيا الى حدّ الراكع ، وليس له الانتصاب لئلا يزيد ركوعا ، ثم يأتي بالذكر قائما لأنّه لم يكن أكمله ، فإن اجتزأنا بالتسبيحة الواحدة لم يجز البناء ، لعدم سبق كلام تام الا ان نقول : هذا الفصل لا يقدح في الموالاة ، وان أوجبنا التعدد أتى بما بقي قطعا.

ولو خفّ بعد الطمأنينة ، قام للاعتدال من الركوع ، ووجبت الطمأنينة في الاعتدال.

ولو خفّ بعد الاعتدال من الركوع قبل الطمأنينة فيه ، قام ليطمئن.

ولو خفّ بعد الطمأنينة في الاعتدال ، فالأقرب وجوب القيام ، ليسجد عن قيام كسجود القائم. وفي وجوب الطمأنينة في هذا القيام بعد ، إلا إذا عللنا بتحصيل الفصل الظاهر بين الحركتين ، فتجب الطمأنينة.

ولو ركع القائم فعجز عن الطمأنينة ، فالأقرب الاجتزاء به ، ويأتي بالذكر فيه وبعده ، وليس له الجلوس ليركع ركوع الجالس مطمئنا. وحينئذ ان تمكّن من الاعتدال والطمأنينة وجب ، وان تمكن من مجرد الاعتدال فالظاهر وجوبه وتسقط الطمأنينة ، مع احتمال جلوسه للاعتدال والطمأنينة فيه.

الحادية عشرة : قد سبق جواز النافلة قاعدا للقادر على القيام ، والأقرب عدم جواز الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القعود والقيام ، لعدم ثبوت النقل فيه ، مع أصالة عدم التشريع. والاعتذار بأنّ الكيفية تابعة للأصل فلا تجب كالأصل مردود ، لأنّ الوجوب هنا بمعنى الشرط ، كالطهارة في النافلة وترتيب الافعال فيها.

الكلام في مستحبات القيام ، وهي أمور :

منها : ان يقول ما قاله الصادق عليه‌السلام في خبر ابان ، قال : « إذا قمت إلى الصلاة فقل : اللهم إني أقدّم إليك محمدا بين يدي حاجتي ، وأتوجّه به إليك فاجعلني به وجيها في الدنيا والآخرة ، ومن المقربين ، واجعل صلاتي به متقبلة ،

٢٧٦

وذنبي به مغفورا ، ودعائي به مستجابا ، انك أنت الغفور الرحيم » (١).

ومنها : ما قاله ابن بابويه ، قال : إذا قمت إلى الصلاة فلا تأتها متكاسلا ولا متناعسا ولا مستعجلا ، ولكن على سكون ووقار ، فإذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشع والإقبال على صلاتك ، واخشع ببصرك ( الى الله عز وجل ) (٢) ولا ترفعه الى السماء ، وليكن نظرك الى موضع سجودك ، وأشغل قلبك بصلاتك ، فإنّه لا يقبل من صلاتك الا ما أقبلت عليه منها بقلبك ، حتى انّه ربما قبل من صلاة العبد ربعها وثلثها ونصفها (٣).

قلت : روى زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، وروى محمد بن مسلم في الصحيح عنه عليه‌السلام : « ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها وخمسها ، فما يرفع له الاّ ما اقبل عليه منها بقلبه ، وانما أمروا بالنوافل ليتمّم لهم ما نقصوا من الفريضة » (٤).

وفي الصحيح عن الفضيل بن يسار عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : « انما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها ، فإن أوهمها كلها أو غفل عن أدائها لفّت فضرب بها وجه صاحبها » (٥).

وقال : ليكن قيامك في الصلاة قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، ولا تقدّم رجلا على رجل ، وراوح بين قدميك واجعل بينهما قدر ثلاث أصابع إلى شبر (٦). وفي المبسوط : أربع أصابع إلى شبر (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٩ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٩٧ ح ٩١٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨٧ ح ١١٤٩.

(٢) ليست في المصدر.

(٣) الفقيه ١ : ١٩٧.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٩ ح ١ ، ٣٦٣ ح ٢ ، علل الشرائع : ٣٢٨ ، ٣٥٨ ، التهذيب ٢ : ٣٤١ ح ١٤١٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٤٢ ح ١٤١٧.

(٦) الفقيه ١ : ١٩٨.

(٧) المبسوط ١ : ١٠١.

٢٧٧

وأكثر هذه مسند عنهم عليهم‌السلام في التهذيب ، مع ان ابن بابويه ضمن في كتابه الحكم بصحة ما يورده (١).

ومنها : الاعتدال في القيام واقامة النحر ، لمرسلة حريز عن الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قال : « النحر الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه ونحره » (٢).

وقال أبو الصلاح : يرخي ذقنه على صدره (٣).

ومنها : أن يثبت على قدميه ، ولا يطأ مرّة على هذه ومرّة على هذه ، ولا يتقدم مرة ويتأخّر اخرى ، قالهما الجعفي.

ولنورد هنا حديثين مشهورين معتبري الاسناد يشتملان على معظم أفعال الصلاة.

أحدهما : رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ، دع بينهما إصبعا أقل ذلك الى شبر أكثره. واسدل منكبيك ، وأرسل يديك ، ولا تشبك أصابعك ، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك ، وليكن نظرك موضع سجودك.

فإذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك ، تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكّن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلّغ بأطراف أصابعك في ركوعك عين الركبة ، وفرّج أصابعك إذا وضعتهما على ركبتيك ، فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك الى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب إليّ ان تمكّن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينهما ، وأقم صلبك ، ومدّ عنقك ، وليكن نظرك الى ما بين‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٦ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ ح ٣٠٩.

والآية في سورة الكوثر : ٢.

(٣) الكافي في الفقه : ١٤٢.

٢٧٨

قدميك.

فإذا أردت أن تسجد ، فارفع يديك بالتكبير وخرّ ساجدا ، وابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك وتضعهما معا ، ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعه ، ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح بمرفقيك ، ولا تلزق كفيك بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك ، ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا ، وابسطهما على الأرض بسطا واقبضهما إليك قبضا ، وان كان تحتهما ثوب فلا يضرك ، وان أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل ، ولا تفرجنّ بين أصابعك في سجودك ولكن ضمهن جميعا.

قال : وإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرّج بينهما شيئا ، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وألياك على الأرض ، وطرف إبهامك اليمنى على الأرض. وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ، ولا تكون قاعدا على الأرض انما قعد بعضك على بعض ، فلا تصبر للتشهد والدعاء » (١).

الثاني : رواه حماد بن عيسى ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يوما : « يا حماد أتحسن أن تصلي ». قال : فقلت يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة. قال : « لا عليك يا حماد قم فصل ». قال : فقمت بين يديه متوجها الى القبلة فاستفتحت الصلاة ، فركعت وسجدت. فقال : « يا حماد لا تحسن أن تصلي ، ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون أو سبعون سنة ، فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة!

قال حماد : فأصابني في نفسي الذل ، فقلت : جعلت فداك فعلّمني الصلاة. فقام أبو عبد الله عليه‌السلام مستقبل القبلة منتصبا ، فأرسل يديه جميعا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٨.

٢٧٩

على فخذيه ، قد ضمّ أصابعه وقرّب بين قدميه ، حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات ، واستقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يحرفهما عن القبلة ، وقال بخشوع : « الله أكبر » ثم قرأ الحمد ـ بترتيل ـ وقل هو الله أحد.

ثم صبر هنيئة بقدر ما يتنفس وهو قائم ، ثم رفع يديه حيال وجهه وقال : « الله أكبر » وهو قائم ، ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه متفرجات ، وردّ ركبتيه الى خلفه حتى استوى ظهره ، حتى لو صبّ عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه وغمّض عينيه ثم سبّح ثلاثا بترتيل ، فقال : « سبحان ربي العظيم وبحمده ».

ثم استوى قائما ، فلما استمكن من القيام قال : « سمع الله لمن حمده » ثم كبّر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ، ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه ، فقال : « سبحان ربي الأعلى وبحمده » ثلاث مرات ، ولم يضع شيئا من جسده على شي‌ء منه ، وسجد على ثمانية أعظم : الكفين ، والركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والجبهة ، والأنف ، وقال : « سبعة منها فرض يسجد عليها ، وهي التي ذكرها الله في كتابه فقال : ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) (١) وهي : الجبهة ، والكفان ، والركبتان (٢) ، والإبهامان ، ووضع الأنف على الأرض سنّة ».

ثم رفع رأسه من السجود ، فلما استوى جالسا قال : « الله أكبر » ثم قعد على فخذه الأيسر ، قد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر ، فقال : « استغفر (٣) ربي وأتوب إليه » ثم كبّر وهو جالس وسجد السجدة الثانية ، وقال كما قال في الاولى ، ولم يضع شيئا من بدنه على شي‌ء منه في ركوع ولا سجود ، وكان مجنّحا ولم يضع ذراعيه على الأرض. فصلى ركعتين على هذا ، ويداه‌

__________________

(١) سورة الجن : ١٧.

(٢) أثبتناها من ط والمصادر.

(٣) في ط والمصادر زيادة : « الله ».

٢٨٠