ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

والكتان ـ : انه قول علمائنا أجمع ، فلا يعتد بخلاف المرتضى ، مع فتواه بالموافقة في الجمل ، والانتصار ، والمصرية الثالثة. والأخبار محمولة على التقية حتى الأخبار المتضمنة لعدم التقية ، أو على الضرورة ، كما قاله الشيخ (١). وعلى هذا العمل إن شاء الله.

الرابعة : يجوز السجود على ما منع منه عند التقية والضرورة. روى عيينة عن الصادق عليه‌السلام جواز السجود على الثوب لشدّة الحرّ (٢). ومثله مكاتبة أبي الحسن عليه‌السلام في السجود على الثوب للحر أو البرد أو لترك ما يكره السجود عليه (٣).

وعليه تحمل رواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام بجواز السجود على القير والصهروج (٤) لمعارضة الرواية السالفة (٥).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام في خائف الرمضاء : يسجد على ثوبه ، ومع عدم ثوب على ظهر كفه ، قال : « فإنها أحد المساجد » (٦).

وروى علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام في السجود على المسح ـ بكسر الميم ـ وهو : البلاس ـ بفتح الباء وكسرها ـ والبساط ، فقال : « لا بأس في حال التقية » (٧).

ولا إشكال في جواز السجود على النبات غير المأكول ، لما مرّ ، ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسجد على الخمرة (٨) ـ بضم الخاء المعجمة‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٨٦ ، وراجع : جمل العلم والعمل ٣ : ٢٩ ، الانتصار : ٣٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ح ١٢٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٢ ح ١٢٤٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٧ ح ١٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ح ١٢٥٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٥ ح ٨٢٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ح ١٢٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ح ١٢٥٥.

(٥) تقدمت في ص ١٣٩ الهامش ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ح ١٢٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ح ١٢٤٩.

(٧) الفقيه ١ : ١٧٦ ح ٨٣١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٧ ح ١٢٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ح ١٢٤٤.

(٨) مسند احمد ١ : ٢٦٩ ، صحيح البخاري ١ : ١٠٦ ، صحيح مسلم ١ : ٤٥٨ ح ٢٧٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٨ ح ١٠٢٨ ، الجامع الصحيح ٢ : ١٥١ ح ٣٣١.

١٤١

وسكون الميم ـ : شي‌ء منسوج من السعف أصغر من المصلّى ، قاله الفارابي (١).

وقال الهروي : هي سجادة ، بقدر ما يضع عليه الرجل حرّ وجهه في سجوده ، من حصير ، أو نسيجة من خوص.

وروى حمران بن أعين عن أحدهما عليهما‌السلام انّه قال : « كان أبي يصلي على الخمرة ، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد » (٢).

تنبيهان :

الأول : لو عملت الخمرة بخيوط من جنس ما يجوز السجود عليه ، فلا إشكال في جواز السجود عليها. ولو عملت بسيور ، فإن كانت مغطاة بحيث تقع الجبهة على الخوص صحّ السجود أيضا ، ولو وقعت على السيور لم يجز ، وعليه دلّت رواية محمد بن علي بن الريان ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر عليه‌السلام يسأله عن الصلاة على الخمرة المدنية ، فكتب الجواز فيما كان معمولا بخيوط لا بسيور (٣).

وأطلق في المبسوط جواز السجود على المعمولة بالخيوط (٤).

الثاني : علم من ذلك عدم كراهة السجود على شي‌ء ليس عليه سائر الجسد. ورواية غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام بالكراهة (٥) متروكة مع ضعف السند.

__________________

(١) ديوان الأدب ١ : ١٦٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٢ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ح ١٢٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ ح ١٥٢٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣١ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠٦ ح ١٢٣٨ ، عن علي بن الريان.

(٤) المبسوط ١ : ٩٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٢ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ح ١٢٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ ح ١٢٦١.

١٤٢

الخامسة : لا يمنع حمل المصلّي شيئا من جنس ما يسجد عليه من جواز السجود عليه على الأصح ، لدخوله في العموم ، وأصالة الجواز. فلو كانت قلنسوته نباتا غير القطن والكتان ، أو كان بين جبهته وبين العمامة ما يصحّ السجود عليه ، صحّ.

ومنع الشيخ من السجود على ما هو حامل له ، ككور العمامة ـ بفتح الكاف ـ وطرف الرداء (١). فان قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق ، وان جعل المانع نفس الحمل ـ كمذهب بعض العامة (٢) ـ طولب بدليل المنع ، مع انّه قد روى أبو بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام في خائف الرمضاء : « يسجد على بعض ثوبه » ، فقال : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله (٣). وروى أحمد بن عمر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحر والبرد أو على ردائه ، فقال : « لا بأس به » (٤).

وان احتج برواية الأصحاب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام في السجود على العمامة : « لا يجزئه حتى تصل جبهته إلى الأرض » (٥).

قلنا : لا دلالة فيه على كون المانع الحمل ، بل جاز لفقد كونه مما يسجد عليه ، وكذا ما رواه طلحة بن زيد ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : « انّه كان لا يسجد على الكمّ ، ولا على العمامة » (٦).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٥٧ المسألة : ١١٣.

(٢) كمالك وأبي حنيفة ، راجع : المجموع ٣ : ٤٢٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ح ١٢٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ح ١٢٤٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ح ١٢٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ح ١٢٥١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٦ ح ٣١٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٣١٠ ح ١٢٥٥.

١٤٣

نعم ، كونه منفصلا أفضل ، عملا بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة بعده ، بل السجود على الأرض أفضل منه على النبات ـ كالحصر والبواري ـ إلا مع المانع من الأرض ، لرواية إسحاق بن الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في السجود على الحصر والبواري ، فقال : « لا بأس ، وان تسجد على الأرض أحبّ إليّ ، فانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحبّ ان يمكّن جبهته من الأرض ، فأنا أحبّ لك ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبه » (١).

السادسة : لا كراهة في السجود على المروحة والسواك والعود ، لأنّها في معنى الخمرة. وقد روى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام جوازه ، وقال : « انما كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي تعبد من دون الله ، وانّا لم نعبد غير الله قط ، فاسجد على المروحة أو على عود أو سواك » (٢). والأصل في ذلك ما تقدم في جواز السجود على ما ليس عليه سائر الجسد.

السابعة : لا يجوز السجود على ما لا تتمكن الجبهة عليه ، من نحو القطن والرمل المنهال والوحل ، لأن حقيقة الخضوع لا تتم الا بتمكين الجبهة ، ولما مرّ من رواية رافع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ، ولوجوب الطمأنينة وذلك مانع منها. هذا مع الاختيار.

وروى عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد فيه ، ما هو؟ قال : « إذا عرفت الجبهة ولم تثبت على الأرض » (٤).

ويستحب زيادة التمكّن ، لما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال علي عليه‌السلام : اني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١١ ح ١٢٦٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٣٩ ، التهذيب ٢ : ٣١١ ح ١٢٦٤.

(٣) تقدم في ص ١٣٨ الهامش ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٠ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٨٦ ح ١٣٠١ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ ح ١٥٦٢.

١٤٤

أثر السجود » (١).

الثامنة : روى داود بن فرقد عن أبي الحسن عليه‌السلام جواز السجود على القراطيس والكواغد المكتوب عليها (٢).

وروى صفوان الجمال : انّه رأى أبا عبد الله عليه‌السلام في المحمل يسجد على قرطاس (٣) وفي رواية جميل بن دراج عنه عليه‌السلام : انه كره ان يسجد على قرطاس عليه كتاب (٤) لاشتغاله بقراءته.

ولا يكره في حق الأميّ ، ولا في القارئ إذا كان هناك مانع من البصر ، كذا قاله الشيخ ـ في المبسوط ـ وابن إدريس (٥).

وفي النفس من القرطاس شي‌ء ، من حيث اشتماله على النورة المستحيلة ، الا ان نقول : الغالب جوهر القرطاس ، أو نقول : جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض.

ويختص المكتوب بان أجرام الحبر مشتملة غالبا على شي‌ء من المعادن ، الا ان يكون هناك بياض يصدق عليه الاسم. وربما تخيّل ان لون الحبر عرض ، والسجود في الحقيقة انما هو على القرطاس. وليس بشي‌ء ، لأنّ العرض لا يقوم بغير حامله ، والمداد أجسام محسوسة مشتملة على اللون.

وينسحب البحث في كل مصبوغ من النبات ، وفيه نظر.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٣ ح ١٣٧٥.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٣٤ ح ١٢٥٧. وفي التهذيب ٢ : ٢٣٥ ح ٩٢٩ ، ٣٠٩ ح ١٢٥٠ عن داود بن يزيد ، وفي الفقيه ١ : ١٧٦ ح ٨٣٠ عن داود بن أبي يزيد. راجع في ذلك معجم رجال الحديث ٧ : ٩٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٩ ح ١٢٥١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ح ١٢٥٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٢ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ح ١٢٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ح ١٢٥٦.

(٥) المبسوط ١ : ٩٠ ، السرائر : ٥٧.

١٤٥

فرع :

الأكثر اتخاذ القرطاس من القنب ، فلو اتخذ من الإبريسم فالظاهر المنع ، الاّ ان يقال : ما اشتمل عليه من أخلاط النورة مجوّز له ، وفيه بعد ، لاستحالتها عن اسم الأرض.

ولو اتخذ من القطن أو الكتان ، أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما ، وقد سلف. وأمكن انّ المانع اللبس ، حملا للقطن والكتان المطلقين على المقيّد ، فحينئذ يجوز السجود على القرطاس وان كان منهما ، لعدم اعتياد لبسه ، وعليه يخرج جواز السجود على ما لم يصلح للبس من القطن والكتان.

التاسعة : لو وقعت الجبهة على ما لا يصحّ السجود عليه ، فان كان أعلى من لبنة رفعها ثم سجد ، لعدم صدق مسمّى السجود. وان كان لبنة فما دون ، فالأولى ان تجرّ ولا ترفع ، لئلا يلزم تعدّد السجود.

وعلى ذلك دلت رواية الحسين بن حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في السجود على المكان المرتفع ، قال : « ارفع رأسك ثم ضعه » (١).

وروى معاوية بن عمار عنه عليه‌السلام : « إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ، ولكن جرّها على الأرض » (٢). النبكة ـ بالنون المفتوحة والباء الموحدة المفتوحة والكاف ـ : واحدة النبك ، وهي اكمة حديدة الرأس. فيحمل على كونه لبنة فما دون ، مع انّه قد روى الحسين بن حماد أيضا عنه عليه‌السلام في الرجل يسجد على الحصى : « يرفع رأسه حتى يستمكن » (٣) ، ويمكن حمله على المرتفع.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠٢ ح ١٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ ح ١٢٣٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ ح ١٢٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ ح ١٢٣٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٠ ح ١٢٦٠.

١٤٦

ويجوز تسوية موضع السجود في أثناء الصلاة ، لأنّ ذلك من إعمال الصلاة مع انه ليس بكثير. وروى يونس بن يعقوب انه رأى الصادق عليه‌السلام يسوّي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين (١). وفي رواية طلحة بن زيد ، عنه عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام : « ان عليا عليه‌السلام كره تنظيم الحصى في الصلاة » (٢). فيمكن الجواب من وجهين :

أحدهما : حمل التسوية على كونها طريقا الى تمكّن الجبهة ، والتنظيم على مجرّد التحسين.

وثانيهما : حمل التنظيم على ترتيب خاص زائد على التسوية ، مع انّ طلحة بتري أو عامي.

ويجوز مسح الجبهة في الصلاة من التراب ، كما رواه حماد بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام ، وقال عليه‌السلام : انّ أباه كان يفعله (٣). نعم ، الأفضل تأخيره إلى الفراغ من الصلاة ، وحينئذ المستحب إزالته ، حذرا من النسبة إلى الرياء ، ولما فيه من تشويه الخلق.

العاشرة : روى إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه‌السلام جواز الصلاة على سرير من ساج والسجود عليه (٤) ، وفي رواية أخرى : لا بأس بالصلاة على سرير وان قدر على الأرض (٥). والظاهر انّ الأرض أفضل ، لما سلف ، ولفظة « لا بأس » مشعرة بذلك.

وروى الحسن بن محبوب عن أبي الحسن عليه‌السلام في الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ويجصص به المسجد ، أيسجد عليه؟ فكتب إليّ‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٦ ح ٨٣٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠١ ح ١٢١٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٨ ح ١٢٠٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠١ ح ١٢١٦ ، عن حماد بن عثمان عن عبيد الله الحلبي.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٩ ح ٧٩٩ ، التهذيب ٢ : ٣١٠ ح ١٢٥٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٠ ح ١٢٥٨.

١٤٧

بخطه : « انّ الماء والنار قد طهراه » (١).

وفيه إشارة إلى جواز السجود على الجص ، وفي الفرق بينه وبين الصاروج تردّد ، وقد سبق النهي عنه ، وكذا في طهارته بالماء والنار ، لأنّ الاستحالة إن حصلت بالنار لم يجز السجود والا لم يطهر ، والماء ينجس بوقوعه عليه فكيف يطهّر؟ إلاّ أن يقال : الماء مطهر مطلقا ، سواء كان واردا أو مورودا عليه ، وفي الحديث إشارة اليه. ولعل إزالة النار الأجزاء المائية مطهر وان لم تقع الاستحالة ، وقد سبق.

وروى داود الصرمي عن أبي الحسن عليه‌السلام : « ان أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه ، وان لم يمكنك فسوّه واسجد عليه » (٢). وهذا يحتمل ان يضع فوقه ما يصح السجود عليه مع الإمكان ، ومع التعذّر يسجد عليه.

ولو وجد ملبوسا من نبات الأرض فهو أولى من الثلج ، لأنّ المانع هنا عرضي بخلاف الثلج. وقد روى ذلك منصور بن حازم ، عن غير واحد من الأصحاب ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج ، أفنسجد عليه؟ فقال : « لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئا ، قطنا أو كتانا » (٣).

الحادية عشرة : جميع ما ذكرناه انما هو في موضع الجبهة خاصة دون باقي المساجد.

والواجب فيه مسماه ، روى ذلك جماعة منهم : زرارة وبريد ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « الجبهة إلى الأنف ، أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٠ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ ح ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ ح ٩٢٨ ، ٣٠٦ ح ١٢٣٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٠ ح ١٤ ، الفقيه ١ : ١٦٩ ح ٧٩٨ ، التهذيب ٢ : ٣١٠ ح ١٢٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ ح ١٢٦٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٨ ح ١٢٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ح ١٢٤٧.

١٤٨

أجزأك ، والسجود عليه كله أفضل » (١).

وعورض برواية علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه‌السلام في المرأة تطول قصّتها وإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر ، هل يجوز ذلك؟ قال : « لا ، حتى تضع جبهتها على الأرض » (٢).

قلت : القصّة ـ بضم القاف وتشديد الصاد المهملة ـ : شعر الناصية.

وقد يجاب بحمله على الاستحباب ، أو على كون الواصل إلى الأرض ينقص عن المسمى ، ومثله ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يسجد وعليه العمامة لا تصيب جبهته الأرض : « لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض » (٣) لأن المطلق يحمل على المقيد ، فيراد به شي‌ء من الجبهة.

وقدّره في الفقيه ـ في موضعين ـ بدرهم (٤) وكذا في المقنع (٥). واختاره ابن إدريس رحمه‌الله ، وصدّر المسألة بما إذا كان في جبهته علّة (٦) فكأنّه يرى ان الاجتزاء بالدرهم مع تعذّر الأكثر. وقد روى في الكافي عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود ، فأيما سقط من ذلك على الأرض أجزأك ، مقدار الدرهم ، ومقدار طرف الأنملة » (٧).

الثانية عشرة : لا يجوز ان يكون موضع سجوده أرفع من موقفه بما يزيد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٨ ح ١١٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ ح ١٢٢١.

(٢) قرب الاسناد : ١٠١ ، التهذيب ٢ : ٣١٣ ح ١٢٧٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٦ ح ٣١٩.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٥ ، ٢٠٥.

(٥) المقنع : ٢٦.

(٦) السرائر : ٤٧.

(٧) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ١.

١٤٩

عن لبنة ، ويجوز قدر لبنة ، قاله الأصحاب (١) ورواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس » (٢) ، ومفهوم الشرط يدل على المنع من الزائد ، ولانّه يخرج به عن مسمى الساجد.

وفي رواية عمار عنه عليه‌السلام في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض ، فقال : « إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له ان يقوم عليه ويسجد على الأرض ، وان كان أكثر من ذلك فلا » (٣) وهو دليل على مساواة النزول العلو في موضع الجبهة.

والمستحب تساوي المساجد ، لرواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ليكن مستويا » وقد سأله عن موضع الجبهة يرتفع عن مقامه (٤).

وعن أبي بصير عنه عليه‌السلام : « اني أحبّ ان أضع وجهي في موضع قدمي » وكره ان يرفع موضع الجبهة (٥).

فرع :

اللبنة والآجرة هي المعتادة في بلد صاحب الشرع وأهل بيته ، والمراد به ان تكون موضوعة على أكبر سطوحها ، فسمكها جائز علوه وانخفاضه ، وقدّرت بأربع أصابع تقريبا.

الثالثة عشرة : تشترط طهارة موضع الجبهة إجماعا ، وفي باقي المساجد خلاف سلف ، والمشتبه بالنجس كالنجس إذا كان محصورا. ويشترط في الجميع كونه مملوكا أو مأذونا فيه ، لحرمة التصرّف في مال الغير ، فلو سجد على‌

__________________

(١) راجع : النهاية : ٨٣ ، شرائع الإسلام ١ : ٨٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٣ ح ١٢٧١.

(٣) الكافي ٣ : ٤١١ ح ١٣ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ ح ٩٤٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٦.

١٥٠

النجس أو المغصوب فكالصلاة في النجس أو في المكان المغصوب في جميع الاحكام.

ولو سجد على غير الأرض ونباتها ، أو على المأكول أو الملبوس متعمّدا ، بطل ولو جهل الحكم. ولو ظنه غيره أو نسي ، فالأقرب الصحة ، ولا يجب التدارك ولو كان في محل السجود بل لا يجوز ، ولو كان ساجدا جرّ الجبهة.

الرابعة عشرة : المشهور كراهة نفخ موضع السجود ، وقد روى النهي محمد ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام (١) وهو محمول على الكراهية ، لما رواه أبو بكر الحضرمي عنه عليه‌السلام : « لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحدا » (٢).

وفي مرسل إسحاق بن عمار عنه عليه‌السلام : لا بأس بنفخ موضع السجود (٣) ، فيحمل على نفي التحريم ، أو على ما لم يؤذ.

ولو ادّى الى النطق بحرفين كان حراما قاطعا للصلاة.

الخامسة عشرة : لو كان في ظلمة ، وخاف من السجود على الأرض حية أو عقربا أو مؤذيا ، ولم يكن عنده شي‌ء يسجد عليه غير الثوب ، جاز السجود عليه ، للرواية (٤) ولوجوب التحرّز من الضرر المظنون كالمعلوم.

ولو تعذّر الثوب وخاف على بقية الأعضاء جاز الإيماء ، وكذا في كل موضع يتعذّر ما يسجد عليه. والأقرب وجوب الإيماء الى ما يقارب السجود الحقيقي ، لأنّه أقرب اليه.

وروى عمار عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يومئ في المكتوبة إذا لم يجد ما يسجد عليه ، ولم يكن له موضع يسجد فيه ، قال : « إذا كان هكذا فليومئ‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠٢ ح ١٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٩ ح ١٢٣٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٩ ح ١٣٥١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ ح ١٢٣٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٧ ح ٨٣٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ ح ١٢٢٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٩ ح ١٢٣٤.

(٤) فقه الرضا : ١١٤.

١٥١

في الصلاة كلها » (١).

وروى أيضا عنه في الرجل يصيبه مطر وهو في موضع لا يقدر ان يسجد فيه من الطين ، ولا يجد موضعا جافا ، قال : « يفتتح الصلاة ، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى ، فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ بالسجود إيماء وهو قائم ، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة » (٢) ويحمل على عدم تمكنه من الجلوس.

وروى في التهذيب : « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى في يوم وحل ومطر في المحمل » (٣) رواه جميل بن دراج عن الصادق عليه‌السلام. وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام : « صلّى الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على راحلته الفريضة في يوم مطير » (٤). وقيّده في مكاتبة أبي الحسن عليه‌السلام بـ « الضرورة الشديدة » (٥).

وروى أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من كان في مكان لا يقدر على الأرض فليومئ إيماء » (٦). وفي مضمر سماعة في الأسير يمنع من الصلاة ، قال : « يومئ إيماء » (٧).

السادسة عشرة : قال ابن بابويه في الفقيه : قال الصادق عليه‌السلام : « السجود على الأرض فريضة ، وعلى غير ذلك سنة » (٨) والظاهر انّ المراد بالسنة هنا الجائز لا انّه أفضل.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١١ ح ١٢٦٥ ، ٣ : ١٧٥ ح ٣٨٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٢ ح ١٢٦٦ ، ٣ : ١٧٥ ح ٣٩٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٢ ح ٦٠٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٥ ح ١٢٩٤ ، التهذيب ٣ : ٢٣١ ح ٥٩٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣١ ح ٦٠٠.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٩ ح ٧٤٥ ، التهذيب ٣ : ١٧٥ ح ٣٨٨.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٩ ح ٧٤٦ ، وفي التهذيب ٢ : ٣٨٢ ح ١٥٩٢ عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٨) الفقيه ١ : ١٧٤ ح ٨٢٤ ، وفي التهذيب ٢ : ٢٣٥ ح ٩٢٦.

١٥٢

قال : وقال عليه‌السلام : « السجود على طين قبر الحسين عليه‌السلام ينوّر إلى الأرض السابعة ، ومن كانت معه سبحة من طين قبره عليه‌السلام كتب مسبحا وان لم يكن يسبّح بها » (١).

قال : وروى عن علي بن يحيى انّه قال : رأيت جعفر بن محمد عليه‌السلام كلما سجد ورفع رأسه أخذ الحصى من جبهته فوضعه على الأرض (٢).

قال : وقال هشام بن الحكم لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما العلة في ذلك؟ يعني المنع من السجود على ما أكل أو لبس ، قال عليه‌السلام : « لأنّ السجود هو الخضوع لله ، وأبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله تعالى لا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها ، والسجود على الأرض أفضل ، لأنّه أبلغ في التواضع والخضوع لله عز وجل » (٣).

السابعة عشرة : جوّز الفاضل السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن ، لأنّ القشر حاجز بين المأكول والجبهة (٤).

ويشكل بجريان العادة بأكلها غير منخولة وخصوصا الحنطة ، وخصوصا الصدر الأول ، فالأقرب المنع.

وقوّى جواز السجود على الكتان قبل غزله ونسجه ، وتوقّف فيه بعد غزله (٥). وجوّز السجود على القنب ، لعدم اعتياد لبسه ، وتوقف فيما لو اتخذ منه ثوب. والظاهر القطع بالمنع ، لانّه معتاد اللبس في بعض البلدان.

ومنع الشيخ في المبسوط من السجود على الرماد ، والمنع من السجود‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٤ ح ٨٢٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٦ ح ٨٣٥ عن علي بن بجيل.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٧ ح ٨٤٠ ، وفي علل الشرائع : ٣٤١.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٩٢.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ٩٢.

١٥٣

على الصاروج (١) يستلزم المنع من السجود على النورة بطريق الأولى.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨٩ ـ ٩٠.

١٥٤

الباب السادس :

في القبلة‌

وفصوله ثلاثة :

الأول : في الماهية.

قال الله تعالى : ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (١).

روى علي بن إبراهيم بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام : « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بمكة إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة ، وبعد هجرته صلّى بالمدينة إليه سبعة أشهر ، ثم وجّهه الله الى الكعبة ، وذلك ان اليهود كانوا يعيرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون له : أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا. فاغتمّ لذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخرج في جوف الليل ينظر الى آفاق السماء ينتظر من الله تعالى في ذلك أمرا ، فلما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام فأخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة وانزل عليه ( قَدْ نَرى ) الآية ، فكان صلى ركعتين الى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة » (٢).

وفي الفقيه مثله ، الا انّه قال : « صلّى بالمدينة تسعة عشر شهرا » ، وزاد : « انه بلغ قوما بمسجد المدينة وقد صلوا من العصر ركعتين فتحولوا » ، قال : ويسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين (٣).

وروى الشيخ في التهذيب بإسناده إلى معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) البقرة : ١٤٤.

(٢) تفسير القمي ١ : ٦٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٨ ح ٨٤٣.

١٥٥

عليه‌السلام : ان صرفه إلى الكعبة كان بعد رجوعه من بدر (١).

وعن الحلبي عنه عليه‌السلام : « ان بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة قد صلوا ركعتين الى بيت المقدس ، فقيل لهم : انّ نبيكم قد صرف إلى الكعبة ، فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء ، وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة ، فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين » (٢).

وروى العامة ما يقرب من هذا ، وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحول في أثناء صلاته بمسجد بني سلمة ، وقد صلى ركعتين بأصحابه من صلاة الظهر (٣) ولكن في رواية أنس : تسعة أشهر أو عشرة أشهر (٤) تقدير ما صلّى بالمدينة إلى بيت المقدس. وفي رواية البراء بن عازب : ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا (٥). وعن معاذ بن جبل : ثلاثة عشر شهرا (٦).

وفي مسند مسلم ان ابن عمر قال : بينما الناس في صلاة الصبح بقبا إذ جاءهم آت فقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد انزل عليه الليلة وقد أمر ان تستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم الى الشام فاستداروا إلى الكعبة (٧).

وعن أنس : فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلّوا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٣ ح ١٣٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٤٣ ح ١٣٨ ، عن أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام.

(٣) الطبقات الكبرى ١ : ٢٤١.

(٤) جامع البيان ٢ : ٤.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١١٠ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٤ ح ٥٢٥ ، الجامع الصحيح ٢ : ١٦٩ ح ٣٤٠ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ ، السنن الكبرى ٢ : ١.

(٦) جامع البيان ٢ : ٤.

(٧) صحيح البخاري ١ : ١١١ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٥ ح ٥٢٦ ، سنن النسائي ٢ : ٦١ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣.

١٥٦

ركعتين (١) ، فنادى : الا انّ القبلة قد حولت ، فمالوا هم كما هم نحو القبلة (٢).

وزعم بعض العامة ان ذلك كان في رجب بعد زوال الشمس قبل بدر بشهرين (٣).

وروى المفسرون : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بمكة إذا استقبل بيت المقدس جعل الكعبة امامه ليستقبلها أيضا ، وأسندوه الى ابن عباس (٤).

ونقلوا أيضا : انّ قبلته بمكة كانت الكعبة ، فلما هاجر أمر باستقبال بيت المقدس ، فكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوقع من ربّه أن يحوله إلى الكعبة ، لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه‌السلام وهي أسبق القبلتين ، ولان ذلك أدعى للعرب الى الايمان ، لأنّ الكعبة مفخرهم ومطافهم ومزارهم ، ولمخالفة اليهود (٥).

والمراد بالشطر : النحو ، قال (٦) :

وأطعن بالقوم شطر الملوك

حتى إذا حقق المجدح

ثم هنا مسائل :

الأولى : يجب التوجه إلى الكعبة‌ إجماعا ، وللنص. وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) : « أمر أن يقيم وجهه للقبلة ، ليس فيه شي‌ء من عبادة الأوثان » (٧).

وروي عنه أيضا في قوله تعالى ( أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) أنّه إلى القبلة (٨).

__________________

(١) كذا ، وفي المصادر : ركعة.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٣٧٥ ح ٥٢٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢٧٤ ح ١٠٤٥.

(٣) جامع البيان ٢ : ٣.

(٤) التفسير الكبير ٤ : ١٢٤ ، مجمع البيان ١ : ٢٢٧.

(٥) التفسير الكبير ٤ : ١٢٤ ، مجمع البيان ١ : ٢٢٧.

(٦) القائل هو درهم بن زيد الأنصاري ، راجع لسان العرب ٢ : ٤٢١.

(٧) التهذيب ٢ : ٤٢ ح ١٣٣ ، والآية في سورة الروم : ٣٠.

(٨) التهذيب ٢ : ٤٣ ح ١٣٤ ، والآية في سورة الأعراف : ٢٨.

١٥٧

وروى أسامة : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما صلى خرج من الكعبة ، قال : « هذه القبلة » (١).

الثانية : تختلف مقامات المصلّي ، فالقائم في وسطها يستقبل أي جزء شاء منها ، وكذا القائم على سطحها ، ويبرز بين يديه شيئا منها.

والمصلّي ورائها مشاهدا يستقبل أي جدرانها شاء.

والمصلّي في سرداب يجب عليه استقبال جهتها ، وكذا المصلّي على أعلى منها ـ كجبل أبي قبيس ، وروى في التهذيب بإسناده إلى خالد عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة ، فقال : « لا بأس » (٢). وروى عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام انه سئل عن الصلاة فوق أبي قبيس هل تجزئ؟ فقال : « نعم ، انها قبلة من موضعها الى السماء » (٣) ـ والمصلي من غير مشاهدة ولا حكمها.

الثالثة : يجب معرفة القبلة على الأعيان ، لتوقف الواجب عينا عليها ، وكفاية في مواضع فروض الكفاية ، ويستحب في مواضع الاستحباب ، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.

الرابعة : الأصح ان الجهة معتبرة لغير المشاهد ومن بحكمه ، لأنّ الشطر النحو كما مرّ ، ولانّه لو اعتبرت العين مع البعد لزم بطلان صلاة الصف المستطيل الذي يخرج عن سمت الكعبة ، واعتبار المسجد لأهل الحرم يلزم منه بطلان صلاة صف في الحرم يزيد طوله على مساحة المسجد ، واعتبار الحرم للخارج يلزم منه ذلك ، لأنّ قبلة كل إقليم واحدة ، ومعلوم خروج سعتهم عن سعة الحرم.

__________________

(١) مسند احمد ٥ : ٢٠١ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٦٨ ح ١٣٣٠ ، سنن النسائي ٥ : ٢٢٠ ، السنن الكبرى ٢ : ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩١ ح ١٩ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ ح ١٥٦٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٨٣ ح ١٥٩٨.

١٥٨

وأكثر الأصحاب على انّ الكعبة قبلة أهل المسجد الذي هو قبلة أهل الحرم الذي هو قبلة أهل الدنيا (١) ، حتى ادّعى الشيخ فيه الإجماع (٢).

وقد روي من طريق العامة عن مكحول بسنده انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الكعبة قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الدنيا » (٣).

ومن طريق الخاصة رواه أبو الوليد الجعفي عن الصادق عليه‌السلام (٤) وأرسله عبد الله بن محمد الحجال عنه عليه‌السلام (٥) ، والمفضل بن عمر (٦) وسيأتي حديثه.

وأجاب في المعتبر : بأن الإجماع كيف يتحقق مع مخالفة جماعة من أعيان فضلائنا ـ يعني به كالمرتضى وابن الجنيد ، وتبعهما أبو الصلاح وابن إدريس ـ واما الاخبار فضعيفة الإسناد (٧).

قلت : لعل ذكر المسجد والحرم إشارة إلى الجهة فيرتفع الخلاف ، والاخبار إذا اشتهرت بين الأصحاب لا سبيل الى ردّها.

فإن قلت : عين الحرم غير كافية لما مر.

قلت : ذكره على سبيل التقريب الى إفهام المكلفين ، وإظهار لسعة الجهة ، وان لم يكن ملتزما. ولأنّ كل مصل انما عليه سمته المخصوص ،

__________________

(١) راجع : المبسوط ١ : ٧٧ ، النهاية : ٦٢ ، المهذب ١ : ٨٤ ، الوسيلة : ٨٢ ، المراسم : ٦٠ ، الغنية : ٤٩٤.

(٢) الخلاف ١ : ٢٩٥ المسألة ٤١.

(٣) السنن الكبرى ٢ : ١٠ عن ابن عباس.

(٤) التهذيب ٢ : ٤٤ ح ١٤٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٧ ح ٨٤١ ، التهذيب ٢ : ٤٤ ح ١٣٩.

(٦) الفقيه ١ : ١٧٨ ح ٨٤٢ ، التهذيب ٢ : ٤٤ ح ١٤٢.

(٧) المعتبر ٢ : ٦٦. وراجع : جمل العلم والعمل ٣ : ٢٩ ، الكافي في الفقه : ١٣٨ ، السرائر : ٤٢.

١٥٩

وليس عليه اعتبار طول الصف أو قصره ، مع ان الجرم الصغير كلما ازداد القوم عنه بعدا ازدادوا له محاذاة.

وقد روى معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انّه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا ، قال : « قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة » (١).

وفي الفقيه عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام انّه قال : « لا صلاة الاّ الى القبلة ». قلت : واين حدّ القبلة؟ فقال : « ما بين المشرق والمغرب كله قبلة » (٢).

وهذا نص على الجهة.

فرع :

المراد بالجهة السمت الذي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة كما قال بعض العامة : انّ الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس ، والمشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس (٣) لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة ، وهو ممتنع. على انّ الخلاف هنا قليل الجدوى ، لأنّه ان أريد به قصد المصلّي فالواجب عليه التوجه وان لم يخطر قصد الجهة أو العين بباله ، وان أريد به تحقيق موقف المصلّي فلا يحصل بهذا الخلاف مغايرة فيه ، وان أريد به تحقيق التياسر الذي يأتي فسيأتي ما فيه.

الخامسة : العين انما تعتبر مع المشاهدة إذا كانت موجودة ، فلو زالت ـ والعياذ بالله ـ كفت جهتها أيضا ، وتعتبر حينئذ الجهة التي تشتمل على العين لا أزيد منها. فلو لم يبق لها رسم ، ولا من يعلم مقدارها ، فطريق الاحتياط لا يخفى.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٩ ح ٨٤٦ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ح ١٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٠ ح ٨٥٥.

(٣) قاله أبو حنيفة ، لاحظ : فتح العزيز ٣ : ٢٤٢.

١٦٠