ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

قلت : كأنّ الثامنة : « ترك الذنب حياء » يعني من الله ، أو من الملائكة ، أو من الناس ، كما انّ الخشية كذلك. ويجوز ان تكون الخشية من الله ، والحياء من الناس.

وعن إسماعيل بن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الاتكاء في المسجد رهبانية العرب ، المؤمن مجلسه مسجده ، وصومعته بيته » (١).

وفي مرسل علي بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من مشى الى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا يابس الا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة » (٢).

وعن السكوني ، عن جعفر عليه‌السلام ، عن أبيه ، قال : « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان القرآن حديثه ، والمسجد بيته ، بنى الله له بيتا في الجنة » (٣).

وبالإسناد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سمع النداء في المسجد ، فخرج منه من غير علة ، فهو منافق الا ان يريد الرجوع اليه » (٤).

وعن طلحة بن زيد ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام ، قال : « لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا » (٥).

الثالث : يستحب تعاهد النعل عند باب المسجد ، لما رواه الأصحاب‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٤٩ ح ٦٨٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٢ ح ٧٠٢ ، ثواب الاعمال : ٤٦ ، التهذيب ٣ : ٢٥٥ ح ٧٠٦.

(٣) ثواب الأعمال : ٤٧ ، أمالي الصدوق : ٤٠٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٥ ح ٧٠٧.

(٤) أمالي الصدوق : ٤٠٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦٢ ح ٧٤٠.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦١ ح ٧٣٥.

١٢١

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، وترك دخول من أكل شيئا من المؤذي ريحه ، لما رووه عن عليّ عليه‌السلام (٢).

الرابع : دخوله على طهارة ، وتقديم اليمين ، والدعاء بما رووه عند الدخول ، وهو : « بسم الله ، والسلام على رسول الله ، صلى الله وملائكته على محمد وآل محمد ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته. اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك ، واجعلني من عمّار مساجدك جل ثناء وجهك ». وعند الخروج : « اللهم اغفر لي ، وافتح لي أبواب فضلك ». (٣)

فإذا دخل فليصل ركعتين تحية المسجد ، لما رواه أبو قتادة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع » (٤) وليدع الله عقيبهما ، وليصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وان لم يصل جلس مستقبل القبلة ، وحمد الله ، وصلّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودعا الله وسأله حاجته.

الخامسة : يستحب ترك أحاديث الدنيا في المساجد ، للنهي عن ذلك (٥).

وترك الخذف بالحصى ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن فعل ذلك : « ما زالت تلعنه حتى وقعت » (٦) وفي النهاية : لا يجوز (٧).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ح ٧٠٩ ، مكارم الأخلاق : ١٢٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ح ٧٠٨.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ح ٧٤٤ ، ٧٤٥ ، مع تفاوت يسير.

(٤) الموطأ ١ : ١٦٢ ، المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٢٨ ح ١٦٧٣ ، مسند احمد ٥ : ٣٠٥ ، صحيح البخاري ١ : ١٢٠ ، صحيح مسلم ١ : ٤٩٥ ح ٧١٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٤ ح ١٠١٣.

(٥) تنبيه الخواطر ١ : ٦٩.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٦٢ ح ٧٤١.

(٧) النهاية : ١١٠.

١٢٢

وترك كشف السرة والفخذ والركبة ، وفي النهاية : لا يجوز (١).

ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سلّ السيف فيه وبري النبل (٢) وإنشاد الشعر وقال : « من سمعتموه ينشد الشعر في المسجد فقولوا : فض الله فاك ، وانما نصبت المساجد للقرآن » (٣).

وترك تصوير المساجد ، لقول أبي عبد الله عليه‌السلام وقد سأله عمرو ابن جميع عن الصلاة في المساجد المصورة ، فقال : « أكره ذلك ، ولكن لا يضركم اليوم ، ولو قام العدل رأيتم كيف يصنع في ذلك » (٤).

وترك زخرفتها ، والظاهر انه حرام ، وكذا نقشها ، لأنّ ذلك لم يفعل في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد الصحابة فيكون بدعة ، كذا قاله في المعتبر (٥). وحرّم بعض الأصحاب الصور أيضا (٦).

وترك الشرف ، لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : « انّه رأى مسجدا بالكوفة قد شرّف ، فقال : « كأنّه بيعة » ، وقال : « ان المساجد تبنى جمّا لا تشرّف » (٧).

وترك المحاريب ، لما في هذه الرواية : « انّ عليا عليه‌السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ، ويقول : كأنّها مذابح اليهود » (٨) قال الأصحاب : المراد بها المحاريب الداخلة (٩).

__________________

(١) النهاية : ١١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ح ٧٢٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ح ٧٢٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ح ٧٢٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٥١.

(٦) كالعلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ٩١.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٣ ح ٧٠٩ ، علل الشرائع : ٣٢٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ح ٦٩٦.

(٨) الفقيه ١ : ١٥٣ ح ٧٠٨ ، علل الشرائع : ٣٢٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ح ٦٩٧.

(٩) راجع : المبسوط ١ : ١٦٠ ، السرائر : ٦٠ ، المعتبر ٢ : ٤٥٢.

١٢٣

وترك البيع ، والشراء ، والمجانين ، والصبيان ، والاحكام ، والضالة ، والحدود ، ورفع الصوت ، رواه علي بن أسباط مرسلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

وروينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « جنبوا مساجدكم صبيانكم ، ومجانينكم ، وشراءكم ، وبيعكم ، واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم » (٢).

وروى لا بأس بإنشاد الضالة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ، وكذا قال : « لا بأس بإنشاد الشعر (٣) وهما مشعران بالبأس ، أو لنفي التحريم. وليس ببعيد حمل إباحة إنشاد الشعر على ما يقلّ منه وتكثير منفعته ، كبيت حكمة ، أو شاهد على لغة في كتاب الله ، أو سنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشبهه ، لانه من المعلوم انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينشد بين يديه البيت والأبيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك (٤).

وترك تظليلها ، لما رواه الحلبي قال : سألته عن المساجد المظللة ، يكره القيام فيها؟ قال : « نعم ، ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم » (٥). وقد سلف انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظلل مسجده (٦). ولعل المراد به تظليل جميع المسجد ، أو تظليل خاص ، أو في بعض البلدان ، والاّ فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع ، الحر والقر.

وترك تعليق السلاح في المسجد الأكبر (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٤ ح ٧١٦ ، علل الشرائع : ٣١٩ ، الخصال : ٤١٠ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ ح ٦٨٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٤ ح ٧٠٢.

(٣) قرب الاسناد : ١٢٠ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ ح ٦٨٣.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٢٢ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٣٢ ح ٢٤٨٥ ، سنن النسائي ٢ : ٤٨.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٢ ح ٧٠٦ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ ح ٦٩٥.

(٦) تقدم في ص ١١٧ الهامش ١.

(٧) راجع الهامش ٥.

١٢٤

وترك تطويل المنارة ، لما روى السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : « انه مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها ، ثم قال : لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد » (١). وكذا يكره جعل المنارة وسطها ، وفي النهاية : لا يجوز وسطها (٢).

وترك إخراج الحصى منها ، لرواية وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : « إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها مكانها ، أو في مسجد آخر ، فإنها تسبّح » (٣). وعدّه بعض الأصحاب من المحرّم (٤) ، لظاهر الأمر بالرد.

وترك البصاق فيه ، لرواية غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه : « انّ عليا عليه‌السلام قال : البزاق في المسجد خطيئة ، وكفارته دفنه » (٥).

وعن إسماعيل بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : « من وقّر بنخامته المسجد لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد أعطي كتابه بيمينه » (٦).

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من تنخع في المسجد ، ثم ردّها في جوفه ، لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته » (٧).

وقد روى في التهذيب عن عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام ، قلت له :

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٥ ح ٧٢٣. التهذيب ٣ : ٢٥٦ ح ٧١٠.

(٢) النهاية : ١٠٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٤ ح ٧١٨ ، علل الشرائع : ٣٢٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ ح ٧١١.

(٤) كالمحقق في شرائع الإسلام ١ : ١٢٨.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥٦ ح ٧١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ ح ١٧٠٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٥٦ ح ٧١٣ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ ح ١٧٠٥.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٢ ح ٧٠٠ ، ثواب الاعمال : ٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ ح ٧١٤.

١٢٥

الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد ان يبصق ، فقال : « عن يساره ، وان كان في غير صلاة فلا يبزق حذاء القبلة ، ويبزق عن يمينه وعن شماله » (١).

وعن طلحة بن زيد ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه : « لا يبصقن أحدكم في الصلاة قبل وجهه ، ولا عن يمينه ، وليبزق عن يساره وتحت قدمه اليسرى » (٢).

وعن محمد بن مهزيار ، قال : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام تفل في المسجد الحرام فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود ولم يدفنه (٣).

ثم قال الشيخ : في هذه الاخبار دلالة على نفي الإثم فلا تنافي (٤). ثم روى عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ان أبا جعفر عليه‌السلام كان يصلي في المسجد ، فيبصق أمامه وعن يمينه وعن شماله وخلفه ، على الحصى ، ولا يغطيه » (٥).

قلت : يجوز ان يفعل الامام المكروه في بعض الأحيان ، لبيان جوازه ، أو لضرورة ، فلا يكون للضرورة مكروها.

وترك الوضوء فيها من الغائط والبول ، لما رواه رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام من الكراهية (٦).

وترك النوم فيها ، وخصوصا في المسجدين ، قاله الجماعة (٧). وقد روى‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٧ ح ٧١٥ ، وفي الكافي ٣ : ٣٧٠ ح ١٢ ، والاستبصار ١ : ٤٤٢ ح ١٧٠٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٧ ح ٧١٦ ، وفي الفقيه ١ : ١٨٠ ح ٨٥٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٥٧ ح ٧١٧ ، وفي الكافي ٣ : ٣٧٠ ح ١٣ ، والاستبصار ١ : ٤٤٣ ح ١٧٠٨ عن علي بن مهزيار.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥٧ ح ١٨ ، الاستبصار ١ : ٤٤٣ ح ١٧٠٩.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٧ ح ٧١٩.

(٧) راجع : المبسوط ١ : ١٦١ ، السرائر : ٦٠ ، المعتبر ٢ : ٤٥٣.

١٢٦

زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في النوم في المساجد : « لا بأس إلا في المسجدين : مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمسجد الحرام ». قال : وكان يأخذ بيدي في بعض الليل ، فيتنحى ناحية ثم يجلس ، فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام ، فقلت له في ذلك ، فقال : « انما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاما في هذا الموضع فليس به بأس » (١).

وروي عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في النوم في المسجد ومسجد الرسول ، قال : « نعم ، أين ينام الناس! » (٢).

وربما استدل على كراهية النوم مطلقا بقوله تعالى ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) ، فعن زيد الشحام عن الصادق عليه‌السلام : « سكر النوم » (٣).

وترك قصع القمل ، قاله الجماعة رحمهم‌الله (٤).

وترك التكلم بالعجمية ، لرواية السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، بإسناده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّه نهى عن رطانة الأعاجم في المساجد » (٥).

وترك تعلية المساجد ، اتباعا لسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّه نهى عن رطانة الأعاجم في المساجد » (٦).

وترك تعلية المساجد ، اتباعا لسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فان مسجده كان قامة ، كما مر (٧).

وترك إقامة الحدود ، لخوف تلويث بحادث في المحدود.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٠ ح ١١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ح ٧٢١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ١٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ح ٧٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ١٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ح ٧٢٢ ، والآية في سورة النساء : ٤٣.

(٤) راجع : المبسوط ١ : ١٦١ ، شرائع الإسلام ١ : ١٢٨ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٩١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٢ ح ٧٣٩.

(٦) ، وبسند آخر في الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٧.

(٧) تقدم في ص : ١١٧ ، هامش ١.

١٢٧

وترك عمل الصنائع مطلقا ، قاله الأصحاب (١) ، وعليه نبّه حديث بري النبل : « انما بنى لغير ذلك » (٢) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انما نصبت المساجد للقرآن » (٣).

السادس : يستحب كنسها ، وخصوصا يوم الخميس وليلة الجمعة ، لرواية عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة ، فاخرج من التراب ما يذر في العين ، غفر له » (٤).

السابع : يستحب الإسراج فيها ، لما رواه في التهذيب بإسناده إلى أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا ، لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ، ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج » (٥) ولان فيه إعانة المتهجدين فيه على مآربهم ، وترغيبا للمترددين اليه فيؤمن الخراب عليه.

الثامن : يحرم إدخال النجاسة إليها وإزالتها ( فيها ) (٦) قاله الأصحاب (٧) لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جنبوا مساجدكم النجاسة » (٨) ولأن كراهية الوضوء من البول والغائط يشعر به.

__________________

(١) راجع : المبسوط ١ : ١٦١ ، السرائر : ٦٠ ، المعتبر ٢ : ٤٥٣ ، شرائع الإسلام ١ : ١٢٨ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٩١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ح ٧٢٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ح ٧٢٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٥٢ ح ٧٠١ ، أمالي الصدوق : ٤٠٥ ، ثواب الاعمال : ٥١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٤ ح ٧٠٣.

(٥) المحاسن : ٥٧ ، الفقيه ١ : ١٥٤ ح ٧١٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ ح ٧٣٣.

(٦) أثبتناها من ط.

(٧) راجع : المبسوط ١ : ١٦١ ، السرائر : ٦٠ ، المعتبر ٢ : ٤٥١.

(٨) المعتبر ٢ : ٤٥١ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٩١.

١٢٨

ولم أقف على اسناد هذا الحديث النبوي ، والظاهر انّ المسألة إجماعية ، ولأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتطهير مكان البول (١) ، ولظاهر : « فلا يقربوا المسجد » (٢) ، وللأمر بتعاهد النعل (٣).

نعم ، الأقرب عدم تحريم إدخال النجاسة غير ملوثة للمسجد وفرشه ، للإجماع على جواز دخول الصبيان والحيّض من النساء جوازا مع عدم انفكاكهم من نجاسة غالبا ، وقد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح والسلس والمستحاضة مع أمن التلويث ، وجواز القصاص في المساجد للمصلحة مع فرش ما يمنع من التلويث.

فرع :

لو كان في المساجد نجاسة ملوثة وجب إخراجها كفاية.

ولو أدخلها مكلّف تعيّن عليه الإخراج ، فلو أخرجها وصلى صحّت قطعا ، وكذا لو اشتغل بالصلاة عن الإخراج مع ضيق الوقت.

ولو كان مع السعة ، خرّج من انّ الأمر بالمضيق يقدّم امتثاله على الموسّع ، وان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده ، وانّ النهي مفسد ، فساد الصلاة. وليس بشي‌ء ، بل الأقرب الصحة على كل حال للإتيان بالعبادة موافقة لأمر الشارع ، ولم يثبت كون ذلك مانعا ، وقضية الأصل تنفيه.

والمقدمات في بعضها منع ، وهي القائلة : إن الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده ، فإنه ان أريد به الضد العام ـ أعني : الترك المطلق ـ فمسلّم ، ولا يلزم منه النهي عن فعل آخر ، وان أريد به الخاص فممنوع ، والا لزم وجوب المباح ، وتحقيقه في الأصول.

__________________

(١) مسند احمد ٣ : ١١٠ ، صحيح البخاري ١ : ٦٥ ، صحيح مسلم ١ : ٣٣٦ ح ٢٨٤ ، مسند أبي عوانة ١ : ٢١٤.

(٢) سورة التوبة : ٢٨.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٣٨٨ ح ١٥١٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٧٥ ح ٦٥٠.

١٢٩

التاسع : لا يجوز جعل المسجد أو بعضه في ملك أو طريق ، لأنّ الوقف للتأبيد ، وقد اتخذ للعبادة فلا يتصرف الى غيرها ، فلو أخذ وجب إعادته. ولا تزول المسجدية بزوال الآثار قطعا ، لأنّ العرصة داخلة في الوقف.

وكذا لا يجوز استعمال آلته في غيره إلا لمسجد (١) آخر ، لمكان الوقف. وانما يجوز في غيره من المساجد عند تعذّر وضعها فيه ، أو لكون المسجد الآخر أحوج إليها منه ، لكثرة المصلين أو لاستيلاء الخراب عليه.

نعم ، لا يجوز نقضها على حال ولو كان لبناء مسجد آخر أعظم أو أفضل ، لقوله تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها ) (٢).

فروع :

لو أريد توسعة المسجد ففي جواز النقض وجهان : من عموم المنع ، ومن انّ فيه إحداث مسجد ، ولاستقرار قول الصحابة على توسعة مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إنكارهم ، ولم يبلغنا إنكار علي عليه‌السلام ذلك ، وقد أوسع السلف المسجد الحرام ولم يبلغنا إنكار علماء ذلك العصر.

نعم ، الأقرب ان لا تنقض الاّ بعد الظن الغالب بوجود العمارة. ولو أخّر النقض إلى إتمامها كان أولى ، إلاّ مع الاحتياج الى الآلات.

ولو أريد إحداث باب فيه لمصلحة عامة ـ كازدحام المصلين في الخروج أو الدخول فتوسع عليهم ـ فالأقرب جوازه ، وتصرف آلاته في المسجد أو غيره. ولو كان لمصلحة خاصة ـ كقرب المسافة على بعض المصلين ـ احتمل جوازه أيضا ، لما فيه من الإعانة على القربة وفعل الخير.

__________________

(١) في س : في مسجد.

(٢) سورة البقرة : ١١٤.

١٣٠

وكذا يجوز فتح روزنة أو شباك للمصلحة العامة ، وفي جوازه للمصلحة الخاصة الوجهان.

العاشر : لا يجوز اتخاذ المساجد في المواضع المغصوبة ، ولا في الطرق المسلوكة المضرّة بالمارة. ولو كان الطريق أزيد من سبع أذرع فاتخذت فيه ، ولا يضرّ بالمارة ، فالظاهر الجواز.

ويجوز اتخاذها على الحش ، لقول الباقر عليه‌السلام في المكان يكون حشّا ثم ينظف ويجعل مسجدا : « يطرح عليه من التراب حتى يواريه » ، رواه عنه أبو الجارود (١) ومثله رواه مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه‌السلام ، وزاد : « ويقطع ريحه » (٢).

ويجوز اتخاذها في البيع والكنائس ، لرواية العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في البيع والكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال : « نعم » (٣).

فرع :

المراد بنقضها نقض ما لا بدّ منه في تحقّق المسجدية كالمحراب وشبهه ، ويحرم نقض الزائد ، لابتنائها للعبادة. ويحرم أيضا اتخاذها في ملك أو طريق ، لما فيه من تغيير الوقف المأمور بإقراره. وانما يجوز اتخاذها مساجد إذا باد أهلها ، أو كانوا أهل حرب ، فلو كانوا أهل ذمة حرم التعرّض لها.

الحادي عشر : الأقرب شرعية إتيان المساجد للنساء ، وقد رووه في صحاحهم (٤). نعم ، الأقرب انّ البيت أفضل لهن ، لما فيه من الاستتار ، وعدم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٨ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ح ٧٢٧ ، الاستبصار ١ : ٤٤١ ح ١٧٠١.

(٢) قرب الاسناد : ٣١ ، التهذيب ٣ : ٢٦٠ ح ٧٢٩ ، الاستبصار ١ : ٤٤١ ح ١٧٠٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٨ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٦٠ ح ٧٣٢.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٣٢٦ ح ٤٤٢ ، سنن النسائي ٢ : ٤٢.

١٣١

التعرّض للفتنة ، وقول الصادق عليه‌السلام : « خير مساجد نسائكم البيوت » (١).

الثاني عشر : لا يجوز الدفن في المساجد ، لما فيه من شغله بما لم يوضع له. ودفن فاطمة عليها‌السلام في الروضة (٢) ان صحّ فهو من خصوصياتها بما تقدم من نصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد روى البزنطي قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قبر فاطمة فقال : « دفنت في بيتها ، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد » (٣).

الثالث عشر : لا يجوز لأحد من المشركين دخول المساجد على الإطلاق ، ولا عبرة بإذن مسلم له ، لأنّ المانع نجاسته ، للآية (٤).

فإن قلت : لا تلويث هنا.

قلت : معرّض له غالبا ، وجاز اختصاص هذا التغليظ بالكافر. وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من دخل المسجد فهو آمن » (٥) منسوخ بالآية ، وكذا ربط ثمامة في المسجد (٦) ان صحّ.

الرابع عشر : يستحب الوقف على المساجد ، بل هو من أعظم المثوبات ، لتوقّف بقاء عمارتها غالبا عليه التي هي من أعظم مراد الشارع.

وروى ابن بابويه ان الصادق عليه‌السلام سئل عن الوقف على المساجد ، فقال : « لا يجوز ، لأنّ المجوس وقفوا على بيت النار » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٤ ح ٧١٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ح ٦٩٤.

(٢) راجع : الفقيه ٤ : ٣٤١ ، التهذيب ٦ : ٩ ، مصباح المتهجد : ٦٥٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٨ ح ٦٨٤ ، التهذيب ٣ : ٢٥٥ ح ٧٠٥.

(٤) سورة التوبة : ٢٨.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ١٦٢ ح ٣٠٢٢.

(٦) مسند احمد ٢ : ٤٥٢ ، صحيح البخاري ١ : ١٢٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٨٦ ح ١٧٦٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٥٧ ح ٢٦٧٩ ، السنن الكبرى ١ : ١٧١.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٤ ح ٧٢٠.

١٣٢

وأجاب بعض الأصحاب بأن الرواية مرسلة ، وبإمكان الحمل على ما هو محرّم فيها كالزخرفة والتصوير (١).

الخامس عشر : انما تصير البقعة مسجدا بالوقف ، اما بصيغة ( وقفت ) وشبهها ، واما بقوله : « جعلته مسجدا ) ويأذن في الصلاة فيه ، فإذا صلّى فيه واحد تمّ الوقف.

ولو قبضه الحاكم ، أو أذن في قبضه ، فالأقرب انه كذلك ، لأنّ له الولاية العامة. ولو صلّى فيه الواقف ، فالأقرب الاكتفاء بعد العقد.

ولو بناه بنيّة المسجد لم يصر مسجدا. نعم ، لو أذن للناس بالصلاة فيه بنية المسجدية ثم صلوا أمكن صيرورته مسجدا ، لأنّ معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة.

وقال الشيخ في المبسوط : إذا بنى مسجدا خارج داره في ملكه ، فان نوى به ان يكون مسجدا يصلّي فيه كل من أراده زال ملكه عنه ، وان لم ينو ذلك فملكه باق عليه ، سواء صلّى فيه أو لم يصل (٢). فظاهره الاكتفاء بالنية ، وأولى منه إذا صلّي فيه ، وليس في كلامه دلالة على التلفظ ، ولعلّه الأقرب.

وقال ابن إدريس : ان وقفه ونوى القربة ، وصلّى فيه الناس ودخلوه ، زال ملكه عنه (٣).

ولو اتخذ في داره مسجدا له ولعياله ، ولم يتلفظ بالوقف ولا نواه ، جاز له تغييره وتوسيعه وتضييقه ، لما رواه أبو الجارود عن الباقر عليه‌السلام في المسجد يكون في البيت فيريد أهل البيت ان يتوسعوا بطائفة منه ، أو يحولوه الى غير مكانه ، قال : « لا بأس بذلك » (٤).

__________________

(١) ذكره العلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ٩١.

(٢) المبسوط ١ : ١٦٢.

(٣) السرائر : ٦٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٨ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ح ٧٢٧.

١٣٣

خاتمة :

روى الشيخ في التهذيب بإسناده إلى إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قلت له : ان رجلا يصلي بنا نقتدي به ، فهو أحب إليك أو في المسجد؟ قال : « المسجد أحبّ إليّ » (١).

قلت : هذا يحتمل أمرين :

أحدهما : ان صلاتهم في المسجد جماعة أفضل ، وهذا لا اشكال فيه ، لأنّ فيه جمعا بين الجماعة والمسجد.

والثاني : ان تكون الصلاة في المسجد لا جماعة أفضل من الصلاة في غيره جماعة ، كما هو ظاهر الحديث ، لأنّ تضاعف الصلاة في المسجد أعظم غالبا من تضاعفها بالجماعة ، إذ ورد في الجماعة خمس وعشرون وسبع وعشرون (٢) وفي المساجد ما مرّ (٣). ويعارضه ما روي عن الرضا عليه‌السلام من أفضلية الصلاة جماعة على الصلاة في مسجد الكوفة فرادى (٤).

وقال ابن الجنيد : روي عن الصادق عليه‌السلام انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا صلاة لمن لم يصل في المسجد مع المسلمين الا من علّة ، ولا غيبة لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته ووجب هجرانه ، وان رفع الى امام المسلمين أنذره وحذّره. ومن لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته ، وثبتت عدالته. ومن‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦١ ح ٧٣٤.

(٢) لاحظ : الكافي ٣ : ٣٧١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ح ٨٢ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٥٠ ح ٥٦٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٥٩ ح ٧٨٩ ، السنن الكبرى ١ : ٥٩.

(٣) تقدم في ص : ١٠٧ وما بعدها.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥ ح ٨٨.

١٣٤

قربت داره من المسجد لزمه من حضور الجماعة ما لا يلزم من بعد منه » (١).

قال : ويستحب ان يقرأ في دخوله المسجد ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) إلى قوله ( لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ) تمام خمس آيات ، وآية الكرسي ، والمعوذتين ، وآية السخرة. ويحمد الله ، ويصلّي على محمد وآله وأنبياء الله وملائكته ورسله ، ويسأل الله الدخول في رحمته ، ويسلّم على الحاضرين فيه وان كانوا في صلاة ، فإن كانوا ممن ينكر ذلك سلّم خفيا على الملائكة ، ويصلي ركعتين قبل جلوسه.

ولا بأس بقتل الحية والعقرب فيه ، ولا يتخذه متجرا ، ولا مجلس حديث ، ولا يتحدّث فيه بالهزل ، ولا بمآثر الجاهلية ، ولا يرفع فيه الصوت الا بذكر الله تعالى ، ولا يشهر فيه السلاح.

قال : ويستحب ان يجعل الإنسان لنفسه حظا من صلاته النوافل في منزله ، ولا يجعله كالقبر له.

وقال الشيخ في المبسوط : لا تجوز ان تكون مزخرفة ، أو مذهّبة ، أو فيها شي‌ء من التصاوير. وإذا استهدم مسجد استحب نقضه وإعادته إذا أمكن وكان بحيث ينتابه الناس فيصلون فيه. ولا بأس باستعمال آلته في إعادته ، أو في بناء غيره من المساجد ، ولا يجوز بيع آلته بحال (٢).

قلت : جوّزه في المختلف عند الحاجة الى عمارته ، أو عمارة غيره مع عدم الانتفاع بها ، ويتولاه الحاكم (٣) وهو حسن. وكذا لو استغني عنها ، وخيف عليها التلف مع البقاء ، فالأقرب الجواز تحصيلا للمصلحة.

قال الشيخ : ويكره ان يتخذ المسجد طريقا ، إلا لضرورة. ونصّ على‌

__________________

(١) صدر الحديث في : التهذيب ٦ : ٢٤١ ح ٥٩٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢ ح ٣٣.

(٢) المبسوط ١ : ١٦٠.

(٣) مختلف الشيعة : ١٦١.

١٣٥

كراهية إخراج الحصى ، ولا يتنعّل قائما بل جالسا. وقال : لا يقصع القمل ، فان فعل دفنها في التراب (١).

وقال الجعفي : ويكره زخرفة المساجد ، وتكره المقصورة والمنارة ، الاّ ان تكون مع سطح المسجد.

وقال ابن إدريس : لا يجوز ان تكون مزخرفة ولا مذهّبة ، أو فيها شي‌ء من التصاوير ، أو مشرّفة بل المستحب ان تبنى جمّا (٢). وفي كلامه هذا إجمال بين حمل عدم الجواز على الكراهية أو التحريم ، لانّه جعل بإزائه المستحب. وفي النهاية : لا يجوز ان تبنى مشرّفة (٣).

قال ابن إدريس : ولا بأس بالأحكام فيها (٤) كما قاله الشيخ في الخلاف (٥) قال ابن إدريس : لأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام حكم في جامع الكوفة وقضى فيه بين الناس بلا خلاف ، ودكّة القضاء الى يومنا هذا معروفة (٦).

قال الراوندي ـ رحمه‌الله ـ الحكم المنهي عنه في المساجد ما كان فيه جدل وخصومة (٧).

وفي المختلف : يحتمل ان يراد إنفاذ الأحكام ـ كالحبس على الحقوق ـ والملازمة فيها عليها (٨).

وربما قيل : دوام الحكم فيها مكروه ، واما إذا اتفق في بعض الأحيان‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٦٠ ـ ١٦١.

(٢) السرائر : ٦٠.

(٣) النهاية : ١٠٨.

(٤) السرائر : ٦٠.

(٥) الخلاف ٦ : ٢١٠ المسألة ٣.

(٦) السرائر : ٦٠.

(٧) مختلف الشيعة : ١٦٠.

(٨) مختلف الشيعة : ١٦٠.

١٣٦

فلا.

وقال الشيخ في النهاية ـ وتبعه ابن إدريس ـ : لا يجوز التوضؤ من الغائط والبول في المساجد ، ولا بأس بالوضوء فيها من غير ذلك (١).

وسوّى ابن إدريس بين المنع من الوضوء عن البول والغائط والمنع من إزالة النجاسة فيها (٢).

وفي المبسوط : لا يجوز إزالة النجاسة في المساجد ، ولا الاستنجاء من البول والغائط فيها ، وغسل الأعضاء في الوضوء لا بأس به فيها (٣). فكأنّه فسّر الرواية بالاستنجاء ، ولعلّه مراده في النهاية (٤) وهو حسن.

ومنع ابن إدريس من جعل الميضاة وسطه (٥) وهو حق ان لم تسبق المسجد.

__________________

(١) النهاية : ١٠٩ ، السرائر : ٦٠.

(٢) السرائر : ٦٠.

(٣) المبسوط ١ : ١٦١.

(٤) النهاية : ١٠٩ حيث قال : لا يجوز التوضّؤ من الغائط والبول في المساجد.

(٥) السرائر : ٦٠.

١٣٧

الفصل الرابع : فيما يسجد عليه‌

وفيه مسائل :

الاولى : أطبق الأصحاب على انّه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ، ولا ما ينبت منها ـ كالجلد ، والصوف ، والشعر ، والحرير ـ واجمع العامة على جوازه.

لنا ما رووه في الصحاح عن أنس ، قال : كنا نصلي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شدّة الحرّ ، فإذا لم يستطع أحدنا ان يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه (١). فدل على انهم كانوا يسجدون على الأرض ، وانما يعدلون الى الثوب للضرورة.

وعن خباب ، قال : شكونا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة في الرمضاء فلم يشكنا (٢). وفي بعضها : شكونا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّ الرمضاء في جباهنا وآنفنا فلم يشكنا (٣). فلو كان السجود جائزا على غير الأرض ـ من ثوب ونحوه ـ لم يجنحوا الى الشكاية ، ولكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشكيهم.

والآنف ـ بالمد ـ جمع أنف ، ويجمع على أنوف وآناف.

وعن رافع بن أبي رافع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضّأ كما أمر الله ، ثم يسجد ممكنا جبهته من الأرض » (٤) ،

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٣٣ ح ٦٢٠. مسند احمد ٣ : ١٠٠ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٩ ح ١٠٣٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٧٧ ح ٦٦٠.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٣٣ ح ٦١٩. سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٢ ح ٦٧٥ ، مسند احمد ٥ : ١٠٨.

(٣) السنن الكبرى ٢ : ١٠٥ ، ١٠٧.

(٤) سنن أبي داود ١ : ٢٢٧ ح ٨٥٨ ، السنن الكبرى ٢ : ١٠٢ ، وفي الجميع : عن رفاعة بن رافع.

١٣٨

والأرض حقيقة في المعهودة لا فيما أقل مطلقا.

واما ما رواه الخاصة فكثير :

فعن هشام بن الحكم قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عما يجوز السجود عليه وما لا يجوز؟ قال : « السجود لا يجوز الا على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض » (١).

وعن الحلبي عنه عليه‌السلام : سألته عن الصلاة على البساط من الشعر والطنافس ، قال : « لا تسجد عليه ، وان بسطت عليه الحصير وسجدت على الحصير فلا بأس » (٢).

وفي التهذيب بإسناده إلى الرضا عليه‌السلام ، قال : « لا تسجد على القفر ، ولا على القير ، ولا على الصاروج » (٣).

الثانية : لا يجوز السجود على ما خرج بالاستحالة عن اسم الأرض ـ كالمعادن ـ لزوال الاسم ، وروى يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تسجد على الذهب والفضة » (٤) وفي مكاتبة أبي الحسن الماضي عليه‌السلام : « لا تصل على الزجاج ، لانّه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان » (٥) ولان المعهود من صاحب الشرع مواظبة السجود على الأرض لا على شي‌ء من المعادن.

الثالثة : لا يجوز السجود على المأكول عادة كالثمار ، ولا على الملبوس عادة ، لما روى هشام ، والفضل بن عبد الملك ، وحماد بن عثمان ، عن أبي‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٧ ح ٨٤٠ ، علل الشرائع : ٣٤١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ح ٩٢٥.

(٢) أوردها المحقق في المعتبر ٢ : ١١٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٤ ح ١٢٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ح ١٢٥٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٢ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ح ١٢٢٩.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٢ ح ١٤ ، علل الشرائع : ٣٤٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ح ١٢٣١ ، باختصار في الألفاظ.

١٣٩

عبد الله عليه‌السلام : « لا يجوز السجود الا على الأرض ، وما أنبتته الأرض ، الا ما أكل أو لبس » (١).

وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « لا بأس بالصلاة على البورياء والخصفة ، وكلّ نبات ، إلاّ الثمرة » (٢).

قلت : البورياء ـ بضم الباء الموحدة والمدّ مع كسر الراء ـ فارسية ، وهي : الباري بالعربية ، قاله ابن قتيبة.

وعن زرارة عنه عليه‌السلام في السجود على الزفت ـ يعني : القير ـ فقال : « لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ، ولا على شي‌ء من الرياش » (٣).

نعم ، روى داود الصرمي قال : سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام هل يجوز السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال : « جائز » (٤) ، وبه روايات أخر (٥) حملها الشيخ على الضرورة من حر أو برد ونحوهما ، وعلى التقية (٦).

والمرتضى ـ رحمه‌الله ـ في الموصلية أو المصرية الثانية عمل بها ، وحمل رواية المنع على الكراهية (٧) وحسّنه الشيخ المحقق في المعتبر (٨).

وقال الفاضل في المختلف ـ في المنع من السجود على القطن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٠ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٧٤ ح ٨٢٦ ، ١٧٧ ح ٨٤٠ ، علل الشرائع : ٣٤١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ح ٩٢٤ ، ٩٢٥ ، ٣٠٣ ح ١٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ح ١٢٤١.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٩ ح ٨٠٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ح ١٢٦٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ح ١٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ح ١٢٤٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٠٧ ح ١٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ح ١٢٤٦.

(٥) لاحظ : التهذيب ٢ : ٣٠٧ ح ١٢٤٧ ، ١٢٤٨ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ح ١٢٤٧ ، ١٢٤٨.

(٦) المصدر السابق.

(٧) المسائل الموصليات الثانية ١ : ١٧٤.

(٨) المعتبر ٢ : ١١٩.

١٤٠