ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

الفصل الثالث : في مستحبات المكان.

وتنتظمها مطالب ثلاثة.

الأول : تستحب السترة ـ بضم السين ـ في قبلة المصلي إجماعا ، فإن كان في مسجد أو بيت فحائطه أو سارية ، وان كان في فضاء أو طريق جعل شاخصا بين يديه.

وهنا مسائل :

الأولى : يجوز الاستتار بكل ما يعدّ ساترا ولو عنزة ، فقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تركز له الحربة فيصلي إليها (١) ويعرض البعير فيصلي اليه (٢) وركزت له العنزة فصلّى الظهر يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع (٣).

والعنزة : العصا في أسفلها حديد. والأولى بلوغها ذراع ، قاله الجعفي ، والفاضل وزاد : فما زاد (٤).

وقد روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان طول رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذراعا ، وكان إذا صلّى وضعه بين يديه ، يستتر به ممن يمرّ بين يديه » (٥).

وروى أيضا عنه عليه‌السلام : « ان كان بين يديك قدر ذراع رافع من‌

__________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٣٢٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٣٣ ، صحيح مسلم ١ : ٣٥٩ ح ٥٠١ ، سنن النسائي ٢ : ٦٢ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٦٩.

(٢) سنن الدارمي ١ : ٣٢٨ ، صحيح مسلم ١ : ٣٥٩ ح ٥٠٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٤ ح ٦٩٢ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٦٩.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ١٧ ح ٢٣١٤ ، مسند احمد ٤ : ٣٠٧ ، صحيح البخاري ١ : ١٣٣ ، صحيح مسلم ١ : ٣٦٠ ح ٥٠٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٣ ح ٦٨٨ ، سنن النسائي ٢ : ٧٣.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٩.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٦ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ ح ١٣١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ح ١٥٤٩.

١٠١

الأرض فقد استترت » (١).

ويجوز الاستتار بالسهم والخشبة ، وكل ما كان أعرض فهو أفضل. وروى معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « كان رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى » (٢).

وروى السكوني عن الصادق عليه‌السلام بإسناده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة ، فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل فان لم يجد فحجرا ، فان لم يجد فسهما ، فان لم يجد فيخطّ في الأرض بين يديه » (٣).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام برواية غياث : « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع قلنسوة وصلّى إليها » (٤).

وعن محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه‌السلام : « تكون بين يديه كومة من تراب ، أو يخط بين يديه بخط » (٥).

وروى العامة الخط عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) وأنكره بعض العامة (٧). ثم هو عرضا ، وبعض العامة طولا ، أو مدوّرا ، أو كالهلال (٨).

الثانية : إذا نصب بين يديه عنزة أو عودا لم يستحب الانحراف عنه يمينا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٧ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ح ١٣١٩ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ح ١٥٥١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٦ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ ح ١٣١٦ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ح ١٥٤٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٨ ح ١٥٧٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠٧ ح ١٥٥٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٣ ح ١٣٢٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ح ١٥٥٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧٨ ح ١٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٠٧ ح ١٥٥٥.

(٦) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ١٢ ح ٢٢٨٦ ، مسند احمد ٢ : ٢٤٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٠٣ ح ٩٤٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٣ ح ٦٨٩ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٧٠.

(٧) كمالك وأبي حنيفة ، راجع : المدونة ١ : ١١٣ ، المغني ٢ : ٧١.

(٨) راجع : المغني ٢ : ٧١.

١٠٢

ولا يسارا ، قاله في التذكرة (١).

وقال ابن الجنيد : يجعله على جانبه الأيمن ولا يتوسطها فيجعلها مقصده تمثيلا بالكعبة.

وقال بعض العامة : لتكن على الأيمن أو الأيسر (٢).

الثالثة : يستحب الدنو من السترة ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا صلى أحدكم إلى سترة ، فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته » (٣).

وقدّره ابن الجنيد بمربض الشاة ـ لما صحّ من خبر سهل بن سعد الساعدي ، قال : « كان بين مصلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين الجدار ممر الشاة » (٤) ـ وبعض العامة بثلاث أذرع (٥).

ويجوز الاستتار بالحيوان ، لما مر. ويجزئ إلقاء العصا عرضا إذا لم يمكن (٦) نصبها ، لأنّه أولى من الخط.

الرابعة : سترة الإمام سترة لمن خلفه ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر المؤتمين بسترة ولان ظهر كل واحد منهم سترة لصاحبه.

ولو كانت السترة مغصوبة ، لم يحصل الامتثال عند الفاضل ، لعدم الإتيان بالمأمور به شرعا (٧).

ويشكل : بأنّ المأمور به الصلاة الى سترة وقد حصل ، ونصبها أمر خارج‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٩.

(٢) كابن حنبل ، راجع : المغني ٢ : ٧١.

(٣) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٧٩ ، مسند احمد ٤ : ٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٥ ح ٦٩٥ ، سنن النسائي ٢ : ٦٢ ، شرح معاني الآثار ١ : ٤٥٨.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٣٣ ، صحيح مسلم ١ : ٣٦٤ ح ٥٠٨ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٥ ح ٦٩٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٤ : ٤٩ ح ٢٣٦٨ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٧٢.

(٥) كالشافعي ، راجع : المجموع ٣ : ٢٤٧ ، المغني ٢ : ٧٠ ، الشرح الكبير ١ : ٦٦٠.

(٦) في م ، ط : يكن.

(٧) تذكرة الفقهاء ١ : ٩٠.

١٠٣

عن الصلاة ، كالوضوء من الإناء المغصوب.

اما لو كانت نجسة لم تضرّ ، الا مع نجاسة ظاهرة.

الخامسة : قال في التذكرة : لا بأس ان يصلّي في مكة الى غير سترة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى هناك وليس بينه وبين الطّواف سترة ، ولأنّ الناس يكثرون هناك لأجل المناسك ويزدحمون ، وبه سميت بكة لتباك الناس فيها ، فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه ضاق على الناس (١).

قال : وحكم الحرم كله كذلك ، لأنّ ابن عباس قال : أقبلت راكبا على حمار أتان والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي بالناس بمنى الى غير جدار ، ولأنّ الحرم محل المشاعر والمناسك (٢).

قلت : وقد روي في الصحاح : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بالأبطح فركزت له عنزة ، رواه أنس وأبو جحيفة (٣) ولو قيل : السترة مستحبة مطلقا ، ولكن لا يمنع المار في مثل هذه الأماكن لما ذكر ، كان وجها.

السادسة : يستحب دفع المار بين يديه ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يقطع الصلاة شي‌ء ، فادرؤوا ما استطعتم » (٤) وروى ابن أبي يعفور والحلبي عن الصادق عليه‌السلام مثله (٥).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٩٠.

وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في : سنن أبي داود ٢ : ٢١١ ح ٢٠١٦ ، شرح معاني الآثار ١ : ٤٦١.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٩٠.

ورواية ابن عباس في : صحيح البخاري ١ : ١٣٢ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٧٧.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ١٧ ح ٢٣١٤ ، مسند احمد ٤ : ٣٠٧ ، صحيح البخاري ١ : ١٣٣ ، صحيح مسلم ١ : ٣٦٠ ح ٥٠٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٣ ح ٦٨٨ ، سنن النسائي ٢ : ٧٣.

(٤) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٨٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٩١ ح ٧١٩ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٧٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٥ ح ١٠ ، ٢٩٧ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ ح ١٣١٨ ، ١٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ح ١٥٥٢ ، ١٥٥٣.

١٠٤

وعن أبي بصير عنه عليه‌السلام : « لا يقطع الصلاة شي‌ء : كلب ولا حمار ولا امرأة ، ولكن استتروا بشي‌ء » (١).

وروى سفيان بن خالد عنه عليه‌السلام : « انّ الذي أصلي له أقرب اليّ من الذي قدّامي » (٢).

وفي الكليني عن محمد بن مسلم : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال له : رأيت ابنك موسى يصلّي والناس يمرون بين يديه ، فلا ينهاهم وفيه ما فيه. فقال : « ادعوه لي » ، فقال له في ذلك ، فقال : « ان الذي كنت أصلي له كان أقرب إليّ منهم ، يقول الله عز وجل ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) » فضمّه الى نفسه ثم قال : « بأبي أنت وأمي يا مودع الأسرار » (٣).

ولا يقطع الصلاة مرور الكلب الأسود والمرأة والحمار ، لما مرّ. ورواية أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك (٤) منسوخة ان صحت. وروت عائشة : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي صلاة الليل كلها وانا معترضة بينه وبين القبلة (٥).

السابعة : يكره المرور بين يدي المصلّي ، سواء كان له سترة أم لا ، لما فيه من شغل قلبه ، وتعريضه للدفع.

وحرّمه بعض العامة (٦) لما صحّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رواية أبي جهيم الأنصاري : « لو يعلم المار بين يدي المصلي ما ذا عليه ، لكان أن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٧ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ح ١٣١٩ ، الاستبصار ١ : ٤٠٦ ح ١٥٥١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٣ ح ١٣٢١ ، الاستبصار ١ : ٤٠٧ ح ١٥٥٤.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٧ ح ٤.

والآية في سورة ق : ١٦.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٣٦٥ ح ٥١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٠٦ ح ٩٥٠ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٧٤.

(٥) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٣٢ ح ٢٣٧٤ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٨٠ ، مسند احمد ٦ : ١٩٩ ، سنن الدارمي ١ : ٣٢٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٣٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٦٦ ح ٥١٢.

(٦) كابن حنبل ، راجع : المغني ٢ : ٧٦.

١٠٥

يقف أربعين ، خيرا له من ان يمرّ بين يديه » ، شك أحد الرواة بين اليوم أو الشهر أو السنة (١). وهو محمول على التغليظ ، لانّه صحّ في خبر ابن عباس انّه مرّ بين يدي الصف راكبا ولم ينكر عليه ذلك (٢).

فإن قلت : في الرواية وانا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، فترك الإنكار لعدم البلوغ (٣).

قلت : الصبي ينكر عليه المحرمات والمكروهات على سبيل التأديب.

الثامنة : لو احتاج في الدفع الى القتال لم يجز ، ورواية أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فان أبي فليقاتله ، فإنما هو شيطان » (٤) للتغليظ أيضا ، أو تحمل على دفاع مغلظ لا يؤدي إلى جرح ولا ضرر.

التاسعة : هل كراهة المرور وجواز الدفع مختص بمن استتر أو مطلقا؟ نظر ، من حيث تقصيره وتضييعه حق نفسه (٥) ، وفي كثير من الأخبار التقييد بما إذا كان له سترة ثم لا يضره ما مر بين يديه (٦) ، ومن إطلاق باقي الاخبار. ويمكن‌

__________________

(١) الموطأ ١ : ١٥٤ ، سنن الدارمي ١ : ٣٢٩ ، صحيح البخاري ١ : ١٣٦ ، صحيح مسلم ١ : ٣٦٣ ح ٥٠٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٦ ح ٧٠١ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٦٨.

(٢) الموطأ ١ : ١٥٥ ، صحيح البخاري ١ : ١٣٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٦١ ح ٥٠٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٩٠ ح ٧١٥ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٧٧.

(٣) في م : البلاغ.

(٤) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٧٩ ، مسند احمد ٣ : ٦٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٠٧ ح ٩٥٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٩١ ح ٧١٨ ، شرح معاني الآثار ١ : ٤٦٠.

وراجع الهامش ٧. وانظر الهامش ١ : ، مع الصحفة ١٠٧.

(٥) لاحظ : صحيح مسلم ١ : ٣٦٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٥ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٦٧ ، أبواب : منع المار بين يدي المصلي.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٣٥٨ ح ٤٩٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٨٣ ح ٦٨٥ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٦٩.

١٠٦

ان يقال بحمل المطلق على المقيد.

ولو بعد عن السترة فهو كفاقدها. ولو كان في الصف الأول فرجة ، جاز التخطي بين الصف الثاني ، لتقصيرهم بإهمالها. ولو لم يجد المار سبيلا سوى ذلك لم يدفع ، لامتناع التكليف بالمحال ، أو الحكم بعطلة الناس عن حاجاتهم.

وغلا بعض العامة في ذلك وجوز الدفع مطلقا ، لحديث أبي سعيد الخدري ، ودفعه الشاب مرتين ولم يكن له مساغ (١).

قلنا : ان صح النقل فهو رأي رآه ، والحديث الذي رواه : « إذا صلى أحدكم إلى شي‌ء يستره من الناس ، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه ، فليدفع في نحره. وان أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان » (٢) ليس فيه تصريح بعدم المساغ ، فيحمل على وجود المساغ.

ولا يجب نصب السترة إجماعا ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تركها في بعض الأحيان ، كما روى الفضل بن عباس : أتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن في بادية لنا ، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة ، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالي بذلك (٣).

وليست شرطا في صحة الصلاة أيضا بالإجماع ، وانما هي من كمال الصلاة.

( المطلب الثاني ) (٤) : تستحب المكتوبة في المساجد والمشاهد‌

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٢٠ ح ٢٣٢٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٣٥ ، صحيح مسلم ١ : ٣٦٢ ح ٥٠٥.

(٢) تقدم في ص ١٠٦ الهامش ٤.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٢٨ ح ٢٣٥٨ ، سنن أبي داود ١ : ١٩١ ح ٧١٨ ، سنن النسائي ٢ : ٦٥ ، شرح معاني الآثار ١ : ٤٥٨ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٧٨.

(٤) أثبتناها من ط ، وفي م ، س : العاشرة.

١٠٧

الشريفة ، وقد ورد فيها فضائل جمّة سبق بعض ما روي في المشاهد.

وروى الشيخ في التهذيب ـ في باب المزار ـ في الصحيح عن معاوية ابن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصلاة في مسجدي كألف في غيره الا المسجد الحرام ، فإنّ صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي » (١).

وعن خالد القلانسي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « مكة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام ، الصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم. والمدينة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ ابن أبي طالب عليهما‌السلام ، الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة ، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم. والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب ، الصلاة فيها بألف صلاة » (٢).

وعن نجم بن حطيم عن الباقر عليه‌السلام : « لو يعلم الناس ما في مسجد الكوفة لأعدّوا له الزاد والرواحل من مكان بعيد ، ان صلاة فريضة فيه تعدل حجة ، وصلاة نافلة تعدل عمرة » (٣).

وعن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « النافلة في هذا المسجد تعدل عمرة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والفريضة تعدل حجة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد صلى فيه ألف نبي وألف وصي » (٤).

وعن هارون بن خارجة عن الصادق عليه‌السلام : « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى في مسجد الكوفة ليلة الإسراء ركعتين ، وان المكتوبة‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٤ ح ٣٠ ، وفي الفقيه ١ : ١٤٧ ح ٦٨١.

(٢) الكافي ٤ : ٥٨٦ ح ١ ، كامل الزيارات : ٢٩ ، الفقيه ١ : ١٤٧ ح ٦٧٩ ، التهذيب ٦ : ٣١ ح ٥٨.

(٣) كامل الزيارات : ٢٨ ، التهذيب ٦ : ٣٢ ح ٦٠.

(٤) كامل الزيارات : ٢٨ ، التهذيب ٦ : ٣٢ ح ٦١.

١٠٨

فيه بألف صلاة ، والنافلة بخمسمائة ، وان الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة » (١).

وعن إسماعيل بن زيد عن الصادق عليه‌السلام : ان أمير المؤمنين عليه‌السلام منع رجلا من السفر الى المسجد الأقصى ، وامره بلزوم مسجد الكوفة والصلاة فيه ، فان المكتوبة فيه حجة مبرورة ، والنافلة عمرة مبرورة (٢).

وروى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال : « صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة ، وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة ، وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا وعشرين ، وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في منزله صلاة واحدة » (٣).

وروى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني لأكره الصلاة في مساجدهم ، قال : « لا تكره ، فما من مسجد بني الاّ على قبر نبي أو وصي نبي ، قتل فأصاب تلك البقعة رشة من دمه ، فأحب الله ان يذكر فيها ، فأدّ فيها الفريضة والنوافل واقض ما فاتك » (٤).

وعن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : المسجد الذي أسّس على التقوى مسجد قباء (٥).

وروى العامة في الصحاح بعدة أسانيد ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ، الا المسجد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩٠ ح ١ ، كامل الزيارات : ٢٨ ، أمالي الصدوق : ٣١٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ ح ٦٨٨ ، ٦ : ٣٢ ح ٦٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٩١ ح ٢ ، كامل الزيارات : ٣٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥١ ح ٦٨٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٢ ح ٧٠٣ ، وفي ثواب الاعمال : ٥١ ، والتهذيب ٣ : ٢٥٣ ح ٦٩٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٠ ح ١٤ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ح ٧٢٣.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٦ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ ح ٧٣٦.

١٠٩

الحرام » (١).

ومعناه عند الأكثر : انّ استثناء المسجد الحرام يدل على أفضليته على مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعند الأقل : ان الاستثناء من التضعيف ، اي ان المسجد الحرام لا يزيد عليه مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بألف بل بأقل من ذلك (٢) ، وهو خلاف الظاهر. وبناه على معتقده من أفضلية المدينة ومسجدها على مكة ومسجدها ، وقد بيّنا في القواعد ضعفه (٣).

وعن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تشدّ الرحال الا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، ومسجد الحرام ، ومسجد الأقصى » (٤). وفي لفظ آخر عن أبي هريرة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « انما يسافر إلى ثلاثة مساجد : مسجد الكعبة ، ومسجدي ، ومسجد إيلياء » (٥).

وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تشدّ الرحال الا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجدي ، ومسجد الأقصى » (٦).

قلت : أجمع العلماء ـ الا من شذ ـ على انّ المراد بهذا النفي بالنسبة إلى المساجد ، أي : لا يصلح ذلك الى مسجد غير هذه الثلاثة ؛ لتقارب‌

__________________

(١) الموطأ ١ : ١٩٦ ، المصنف لعبد الرزاق ٥ : ١٢٠ ح ٩١٣١ ، مسند احمد ٢ : ٢٣٩ ، سنن الدارمي ١ : ٣٣٠ ، صحيح البخاري ٢ : ٧٦ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠١٢ ح ١٣٩٤.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٩ : ١٦٣.

(٣) القواعد والفوائد ٢ : ١٢١ ضمن القاعدة ١٨٩.

(٤) المصنف لعبد الرزاق ٥ : ١٣٢ ح ٩١٥٨ ، مسند احمد ٢ : ٢٧٨ ، صحيح البخاري ٢ : ٧٦ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠١٤ ح ١٣٩٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٥٢ ح ١٤٠٩ ، سنن النسائي ٢ : ٣٧.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ١٠١٥ ح ١٣٩٧ ، السنن الكبرى ٥ : ٢٤٤.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٧٧ ، الجامع الصحيح ٢ : ١٤٨ ح ٣٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٥٢ ح ١٤١٠ ، المصنف لعبد الرزاق ٥ : ١٣٢ ح ٩١٥٩ ، مسند احمد ٣ : ٧٧ ، صحيح البخاري ٢ : ٧٧ ، مسند أبي يعلى ٢ : ٣٨٨ ح ١١٦٠.

١١٠

المساجد سواها في الفضل ، فليس سفره الى مسجد بلد آخر ليصلي فيه بأولى من مقامه عند مسجد بلده والصلاة فيه. وهذا النهي يراد به نهي التنزيه ؛ لانعقاد الإجماع على عدم تحريم السفر الى غير المساجد المذكورة لتجارة أو قربة من القرب.

وقال بعضهم : المراد : لا يستحب شدّ الرحال الا الى هذه ، ولا يلزم من نفي الاستحباب نفي الجواز (١).

وارتكب واحد من العامة تحريم زيارة الأنبياء والأئمة والصالحين عليهم‌السلام ، متمسّكا بهذا الخبر على مطلوبه ، ذاهبا إلى أنّه لا بدّ من إضمار شي‌ء هنا ولتكن العبادة ، لأنّ الاسفار المطلقة ليست حراما (٢).

وهو تحكّم محض ؛ لأنّ إباحة الشدّ للأسفار المطلقة يستلزم أولوية إباحته لما هو عبادة ، إذ العبادة أرجح في نظر الشرع من السفر المباح ، ويلزمه‌

__________________

(١) القائل بهذا هو : أبو محمّد بن قدامة المقدسي الحنبلي ، وهو ممن يجوّز السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين ، ويراه ـ كسائر علماء المسلمين ـ ليس بمحرّم ، لعموم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « زوروا القبور ».

وقد احتج لذلك بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يزور مسجد قباء.

وأما عن حديث : « لا تشد الرحال .. » فقد أجاب عنه : بأن ذلك محمول على نفي الاستحباب.

كذا حكاه عنه ابن تيمية في كتابه الزيارة ، المسألة الثانية ص ١٩ ـ ٢٠.

(٢) من ارتكب هذا هو ابن تيمية قدوة الفرقة الوهابية ، قال ـ بعد أن عدّ زيارة قبر الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جنس الشرك وأسبابه!!! ـ :

وهل يجوز السفر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين؟

لا يجوز ذلك ، لما ورد في الصحيحين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : « لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى » انتهى.

وهذا كلام باطل خيّل لأتباعه انّه حقّ فحرّموا على أنفسهم ـ لجهلهم وتحجّر عقولهم ـ أعظم القربات إلى الله تعالى وأكثرها ثوابا ، وعلى خلافهم جرت سيرة المسلمين وإجماع علمائهم كما سنشير إليه فلا حظ.

١١١

عدم الشدّ لزيارة احياء العلماء وطلب العلم وصلة الرحم ، وقد جاء : « من زار عالما فكمن زار بيت المقدس » (١) وورد : « اطلبوا العلم ولو بالصين » (٢) ، و« سر سنتين برّ والديك » (٣) ، ولا يخالف أحد في إباحة هذا مع انه عبادة ، فتعيّن ان المراد بالحديث : لا يستحق ، أو لا يتأكد ، أو لا أولى بالشد ، من هذه الثلاثة ، أو يضمر المساجد ، كما سبق ذكره.

وهذا القائل كلامه صريح في نفي مطلق زيارة قبور الأنبياء والصلحاء ، لانّه احتج بأنه لم يثبت في الزيارة خبر صحيح ، بل كل ما ورد فيها موضوع بزعمه (٤). وكل هذا مراغمة للفرقة المحقّة والطائفة الناجية ، الذين يرون تعظيم‌

__________________

(١) الكامل لابن عدي ٤ : ١٤٣٨ ، تاريخ بغداد ٩ : ٣٦٤ ، فردوس الاخبار ١ : ١٠١ ح ٢٠٥.

(٢) الكامل لابن عدي ٤ : ١٤٣٨ ، تاريخ بغداد ٩ : ٣٦٤ ، فردوس الاخبار ١ : ١٠١ ح ٢٠٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٦٠.

(٤) كذا زعم ابن تيمية الحرّاني في كتابه الزيارة ، إذ قال فيه : ليس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في زيارة قبره ولا قبر الخليل حديثا ثابتا أصلا. كتاب الزيارة : المسألة الأولى ص ١٢ ـ ١٣.

وقال أيضا : والأحاديث الكثيرة المروية في زيارة قبره كلها ضعيفة ، بل موضوعة ، لم يرو الأئمة ولا أصحاب السنن المتبعة ـ كسنن أبي داود والنسائي ونحوهما ـ فيها شيئا. كتاب الزيارة : المسألة الرابعة ص : ٣٨.

وقال أيضا : ما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فكلّها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث ، بل هي موضوعة ، لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها ، ولم يحتج أحد من الأئمة بشي‌ء منها. كتاب الزيارة : المسألة الثانية ص ٢٢.

وهذه الطريقة في التشويش على السذج والبسطاء من المسلمين تمثل منهجا عامّا لابن تيمية في عرض عقائده وآرائه في سائر كتبه ، إذ كل ما خالف اعتقاده فلا بدّ وأن يذيّله بنحو هذه العبارات.

والعجب من ابن تيمية أنه أغفل كلامه قبل هذا وتناساه تماما ، إذ ذكر بنفسه ـ وقبل صفحتين من كلامه المذكور ـ بعض من جوّز السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين ، كأبي حامد الغزالي الشافعي ، وأبي الحسن بن عبدوس الحرّاني الحنبلي ، وأبي محمّد بن قدامة المقدسي الحنبلي. مع أنّه لم يذكر عالما ولا جاهلا أيّده على حرمة الزيارة هذا فضلا عن

١١٢

الزيارات والمزارات ، ويهاجرون إليها ويجاورون ، وفي رضى الله تعالى لأهلهم وديارهم يفارقون ، انعقد إجماع سلفهم وخلفهم على ذلك ، وفيهم أهل البيت عليهم‌السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ويروون في ذلك أخبارا تفوت العدّ ، وتتجاوز الإحصاء ، بالغة حد التواتر ، وقد روى منها الحافظ ابن عساكر من العامة طرفا صالحا ، منها حديث : « وستكون حثالة من العامة يعيّرون شيعتكم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها » (١) وغيره.

__________________

توافر أحاديث زيارة القبور في السنن وغيرها.

انظر : سنن الدار قطني ١ : ٢١٧ ـ ٢٦٦٧ باب المواقيت في الحج ، عن ابن عمر : « من حجّ فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي » ، أخرجه من طريق عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز ، وفي حديث ٢٦٦٩ ، عن ابن عمر : « من زار قبري وجبت له شفاعتي » ، أخرجه من طريق القاضي المحاملي ، وفي حديث ٢٦٦٨ ، عن حاطب « من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي » ، أخرجه من طريق أبي عبيد ، والقاضي أبي عبد الله ، وابن مخلّد.

وسنن النسائي بشرح السيوطي ٤ : ٨٩ ، عن بريدة « اني كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحي إلاّ ثلاثة فكلوا .. ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرا » ، وفي ٤ : ٩٠ ، عن أبي هريرة مرفوعا : « فزوروا القبور فإنّها تذكّركم الموت ». وقد علمت كذب ابن تيمية على النسائي بأنّه لم يذكر شيئا من زيارة القبور.

هذا فضلا عن وجود أحاديث أخرى في الزيارة تجدها في السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ٢٤٥ و ٢٤٦ ، وشعب الايمان ٣ : ٤٨٨ حديث ٤١٥١ و ٤١٥٢ و ٤١٥٣ و ٤١٥٤ والمعجم الكبير للطبراني ١٢ : ٤٠٧ ، والمطالب العالية لابن حجر ح ١٢٥٣ و ١٢٥٤ ، ومجمع الزوائد ٤ : ٢ ، ومشكاة المصابيح ح ٢٧٥٦ ، والدر المنثور ١ : ٢٣٧ ، وارواء الغليلي ٤ : ٣٣٥ ، وكنز العمال ح ١٢٣٦٨ و ١٢٣٦٩ و ٤٢٥٨٢ وغيرها.

وأمّا عن استحباب الزيارة من طرق الشيعة عن أهل البيت عليهم‌السلام فقد بلغت فوق حدّ التواتر وألّفت فيها كتب كثيرة.

هذا ، وفي كتاب ( ابن تيمية ـ حياته وعقائده ) للأستاذ صائب عبد الحميد ص ١٨١ ـ ١٨٦ كلام في غاية الأهمية عن زيارة القبور وإثبات استحبابها وصحة الأحاديث الواردة فيها مع تهافت ابن تيميّة بشأنها ، فراجع.

(١) اعلم أنه لا يوجد على ظهر الأرض من يكفّر المسلمين على زيارتهم قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى فرقة الوهابية التي أخذت بمن حكم علماء أهل السنة أنفسهم

١١٣

__________________

على ضلالته وهو ابن تيمية. ومن هنا يعلم أنّ المراد بتلك الحثالة : هم الوهابية ، تلك الفرقة التي ظهرت بعد أكثر من الف عام من عمر الإسلام على يد محمّد بن عبد الوهاب ، الذي حكم أخوه عليه ـ وهو أقرب الناس إليه ـ بالانحراف والضلال ، وله كتاب معروف في تكفير أخيه وتحذير الناس من بعده وعلى رأسها حرمة زيارة قبر النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويكفي أن تعلم أن في معجم مؤلفات الأمة الإسلامية في الرد على الفرقة الوهابية أكثر من ٢٥٠ كتابا لأهل السنة أنفسهم ، [ وانظر : فصلية تراثنا العدد : ١٧ والصادرة عن مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ] وكتاب الزيارة لابن تيمية الذي يتبجح به الوهابيون اليوم قد نسفه أهل السنة نسفا ونقضوه حرفا بحرف ، فقد ألّف العلاّمة السبكي الشافعي علي بن عبد الكافي ( ٦٨٣ ـ ٧٥٦ ه‍ ) كتابا نقض فيه جميع مزاعم ابن تيمية ويعرف كتابه بـ : ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) كما يعرف بعنوان : ( شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة ).

قال الصفدي : فرأته عليه بالقاهرة وكتبت عليه نظما ، منه :

لقول ابن تيمية زخرف

أتى في زيارة خير الأنام

فجاءت نفوس الورى تشتكي

إلى خير حبر وأزكى إمام

فصنّف هذا وداواهم

فكان يقينا شفاء السقام

انظر : طبقات الشافعية الكبرى ١٠ : ١٦٧ ، ٣٠٨ ، والوافي بالوفيات ٢١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦.

وبما أنّ هذه الفرقة المنحرفة عن الحق بمخالفتها لإجماع الأمة على ضرورة تعظيم قبور الأنبياء والأولياء والصالحين ووضوح هذه المخالفة بتهديم تلك القبور وتكفير زائريها ، فلا عجب أن ينبري العلماء من كل مذهب للرّد على هذه الفرقة التي سيطرت بجهود الاستعمار ودعمه على الحرمين الشريفين ( مكة المشرفة والمدينة المنورة ).

ونتيجة لتلك السيطرة فقد حاول الحجاج من مشارق الأرض ومغاربها أن يتّقوا الوهابية ومجازرها في مراسم الحج والعمرة على الرغم ممّا في نفوسهم من الشوق العظيم لتقبيل المكان الذي ضمّ جسد خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نعم يتقونهم أخذا بالحديث الذي رواه أهل السنة أنفسهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا حثالة؟ وشبّك بين أصابعه. قالوا : كيف نصنع؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اصبروا وخالقوا الناس بأخلاقهم وخالفوهم في أعمالهم » ، كشف الأستار للهيثمي ٤ : ١٣٣ ح ٢٣٢٤.

ترى هل تجد بعد هذا مصداقا للحثالة غير فرقة الوهابية؟!

١١٤

مع ان جميع المسلمين مجمعون على زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ نقله الله الى دار عفوه ومحل كرامته الى هذا الزمان ، ففي كل سنة يعملون المطي ويشدون الرحال ولا ينصرفون الا بعد السلام عليه ، وانعقاد الإجماع في هذه الأعصار قبل ظهور صاحب هذه المقالة الشنيعة وبعده حجة قاطعة على هذا المقام ، وأي حجة أقوى من إجماع جميع أهل الإسلام على زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، باعمال المطي وشدّ الرحال في كل عام.

واما الاخبار الواردة في زيارته فهي كثيرة جدا ، قد ضمّنها العلماء في كتبهم المأثورة وسننهم المشهورة ، مثل ما رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « ما من رجل يسلم عليّ ، الاّ رد الله عليّ روحي حتى أردّ عليه‌السلام » (١).

ولم يزل الصحابة والتابعون كلما دخلوا المسجد يسلمون على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا حاجة الى الاستدلال بالاخبار في هذا المقام المجمع عليه ، فإنه عدول من يقين الى شك ، ومن علم الى ظن.

تتمة :

روى العامة في صحاحهم عن أبي ذر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أول مسجد وضع على الأرض المسجد الحرام ، ثم ، المسجد الأقصى بعده بأربعين سنة ، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد » (٢).

وعن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : كان كل نبي يبعث الى قومه خاصة‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٢١٨ ح ٢٠٤١ ، السنن الكبرى ٥ : ٢٤٥ ، مجمع الزوائد ١٠ : ١٦٢ عن الطبراني في الأوسط.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٧٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٠ ح ٥٢٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٨ ح ٧٥٣ ، سنن النسائي ٢ : ٣٢.

١١٥

وبعثت الى كل أحمر وأسود ، وأحلت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي ، وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلّى حيث كان ، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر ، وأعطيت الشفاعة » (١).

وعن حذيفة قال الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء » (٢).

وعن أنس : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ، فنزل في علو المدينة في بني عمرو بن عوف ، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ، ثم أرسل الى ملأ بني النجار فجاؤا متقلدين بسيوفهم ، فجاء معهم حتى القى بفناء أبي أيوب. وكان يصلّي حيث أدركته الصلاة ، ويصلي في مرابض الغنم ، ثم قال : « يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا ». وقالوا : لا والله ما نطلب ثمنه الاّ الى الله. وكان فيه نخل وقبول المشركين ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنخل فقطع ، وبقبور المشركين فنبشت ، وبالخرب فسويت. قال : فصفوا النخل قبلة وجعلوا عضادتيه حجارة (٣).

والخرب : جمع خربة ، وهي : النقب في الأرض ، كأنّه أراد تسوية الحفر.

وروى الأصحاب بالإسناد إلى عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام انّه قال : « الأرض كلها مسجد ، إلا بئر غائط أو مقبرة » (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١١٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٠ ح ٥٢١ ، سنن النسائي ١ : ٢١٠ ، مسند أبي عوانة ١ : ٣٩٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨ : ١٠٤ ح ٦٣٦٤.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٣٧١ ح ٥٢٢ ، السنن الكبرى ١ : ٢٢٣.

(٣) مسند احمد ٣ : ٢١١ ، صحيح البخاري ١ : ١١٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٣ ح ٥٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٥ ح ٧٤٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٢٣ ح ٤٥٣ ، سنن النسائي ٢ : ٣٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٩ ح ٧٢٨ ، الاستبصار ١ : ٤٤١ ح ١٦٩٩.

١١٦

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام انّه قال : « انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنى مسجده بالسميط ، ثم ان المسلمين كثروا ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه. فقال : « نعم » فأمر به فزيد فيه وبناه بالسعيدة.

ثم ان المسلمين كثروا ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه. فقال : « نعم » فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالأنثى والذكر. ثم اشتد عليهم الحر فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلّل. قال : « نعم » فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر.

فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطيّن. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، عريش كعريش موسى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكان جداره قبل ان يظلل قامة ، فكان إذا كان الفي‌ء ذراعا ـ وهو قدر مربض عنز ـ صلى الظهر ، وإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر ». وقال : السميط : لبنة لبنة ، والسعيدة : لبنة ونصف ، والأنثى والذكر : لبنتان متخالفتان (١).

وعن عبد الأعلى مولى آل سام قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كم كان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : « كان ثلاثة آلاف وستمائة ذراع تكسيرا » (٢).

تنبيه :

من المساجد الشريفة مسجد الغدير ، وهو يقرب الجحفة ، جدرانه باقية‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٥ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ ح ٧٣٨.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٦ ح ٢ ، ٤ : ٥٥٥ ح ٧ ، الفقيه ١ : ١٤٧ ح ٦٨٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ ح ٧٣٧.

١١٧

الى اليوم ، وهو مشهور بيّن ، وقد كان طريق الحج عليه غالبا.

وروى حسان الجمال ، قال : حملت أبا عبد الله عليه‌السلام من المدينة إلى مكة ، فلما انتهينا الى مسجد الغدير نظر في ميسرة المسجد ، فقال : « ذلك موضع قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه. ثم نظر في الجانب الآخر فقال : « ذلك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح ، فلما أن رأوه رافعا يده قال بعضهم : انظروا الى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون ، فنزل جبرئيل بقوله تعالى ( وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ ) إلى آخر السورة (١).

ومنها : مسجد براثا في غربي بغداد ، وهو باق الى الآن ، رأيته وصليت فيه.

روى الجماعة عن جابر الأنصاري ، قال : صلّى بنا علي عليه‌السلام ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة ونحن زهاء مائة ألف رجل ، فنزل نصراني من صومعته فقال : اين عميد هذا الجيش؟ فقلنا : هذا. فاقبل عليه وسلم عليه ثم قال : يا سيدي أنت نبي؟ قال : « لا ، النبي سيدي قد مات ». قال : أفأنت وصي نبي؟ قال : « نعم ». فقال : انما بنيت الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثا ، وقرأت في الكتب المنزلة انه لا يصلي في هذا الموضع بذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي ، ثم أسلم. فقال له علي عليه‌السلام : « من صلى ها هنا؟ ». قال : صلى بن عيسى بن مريم وامه. فقال له علي عليه‌السلام : « والخليل عليه‌السلام » (٢).

ومنها : مسجد السهلة. روى عبد الرحمن بن سعيد الخزاز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « بالكوفة مسجد يقال له : مسجد السهلة ، لو انّ عمّي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٦٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١٤٨ ح ٦٨٨ ، التهذيب ٣ : ٢٦٣ ح ٧٤٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٥١ ح ٦٩٩ ، التهذيب ٣ : ٢٦٤ ح ٧٤٧.

١١٨

زيدا أتاه فصلّى فيه واستجار الله جار الله له عشرين سنة. فيه مناخ الراكب ، وبيت إدريس النبي. وما أتاه مكروب قط ، فصلّى فيه ما بين العشاءين فدعا الله عز وجل ، الا فرّج الله كربته » (١).

وعن صالح بن أبي الأسود ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « اما انّه منزل صاحبنا إذا أقام بأهله » (٢).

وروى حبة العرني ، قال : خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام الى الحيرة ، فقال : « لتتصلن هذه بهذه » ، وأومأ بيده الى الكوفة والحيرة : « حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير ، وليبنينّ بالحيرة مسجد له خمسمائة باب ، يصلي فيه خليفة القائم لأنّ مسجد الكوفة ليضيق عنهم ، وليصلينّ فيه اثنا عشر اماما عدلا ». قلت : يا أمير المؤمنين : ويسع مسجد الكوفة الناس يومئذ؟ قال : « تبنى له أربع مساجد : مسجد الكوفة أصغرها ، وهذا ، ومسجدان في طرف الكوفة من هذا الجانب وهذا الجانب » (٣).

ومنها : مسجد غني ، ومسجد الحمراء ، ومسجد جعفي ، الثلاثة بالكوفة. جعلها أبو جعفر الباقر عليه‌السلام مباركة ، رواه محمد بن مسلم ، وذكر فيها مساجد ملعونة : مسجد ثقيف ، ومسجد الأشعث ، ومسجد جرير بن عبد الله البجلي ، ومسجد سماك ، ومسجد شبث بن ربعي (٤). وان هذه الأربعة الأخيرة جدّدت بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه‌السلام ، رواه هشام بن سالم عن أبي جعفر عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩٥ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ح ٦٩٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٩٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ح ٦٩٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٥٣ ح ٦٩٩.

(٤) الكافي ٣ : ٤٨٩ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ ح ٦٨٥ ، وفيهما بدل ( مسجد شبث بن ربعي ) : ( مسجد بالخمراء ) في الكافي ، و( مسجد الحمراء ) في التهذيب.

(٥) الكافي ٣ : ٤٩٠ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ ح ٦٨٧.

١١٩

المطلب الثالث : في مباحث المساجد.

الأول : يستحب بناؤها‌ استحبابا مؤكدا بالإجماع.

قال الله تعالى ( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (١). وقال تعالى ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ ) (٢).

وروى أبو عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة » ـ وفي بعض الأخبار : « كمفحص قطاة » (٣) ـ قال أبو عبيدة : فمر بي أبو عبد الله عليه‌السلام في طريق مكة وقد سويت أحجارا لمسجد ، فقلت : جعلت فداك نرجوا ان يكون هذا من ذاك فقال : « نعم » (٤).

وروى العامة في الصحاح عن عثمان ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من بني مسجدا بنى الله له في الجنة مثله » (٥).

الثاني : يستحب كثرة الاختلاف إليها‌ روى الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من اختلف الى المسجد أصاب إحدى الثمان : أخا مستفادا في الله ، أو علما مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو يسمع كلمة تدلّه على هدى ، أو كلمة تردّه عن ردى ، أو رحمة منتظرة ، أو يترك ذنبا خشية أو حياء » (٦).

__________________

(١) سورة التوبة : ١٨.

(٢) سورة الجن : ١٨.

(٣) المحاسن : ٥٥ ، الفقيه ١ : ١٥٢ ح ٧٠٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٨ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦٤ ح ٧٤٨.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٢٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٨ ح ٥٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٣ ح ٧٣٦ ، الجامع الصحيح ٣ : ١٣٤ ح ٣١٨ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٦٨ ح ١٦٠٧.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٣ ح ٧١٤ ، الخصال : ٤٠٩ ، ثواب الاعمال : ٤٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤٨ ح ٦٨١.

١٢٠