موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

ومما قاله عبد الرحمن إبراهيم المصري في خليل بك :

يا قائدا جيش العراق لك الثنا

والحمد والشكران والإطراء

بك لا بغيرك نسترد بلادنا

وبسيف عزمك تمحق الأعداء

فإليك فأل الخير أنشد قائلا

ولديه بالعام الجديد وفاء

(يأتي الخليل على يديه مؤكدا)

أرخ تعود البصرة الفيحاء (١)

سنة ١٣٣٤ ه

حوادث :

١ ـ ورد دوق مكلنبورغ إلى بغداد يوم الثلاثاء ١٦ جمادى الأولى سنة ١٣٣٤ ه‍.

٢ ـ تشكلت تحت رئاسة مصطفى باشا ابن عثمان باشا باجلان جمعية معاونة الجرحى (٢). وهو رئيس عشيرة باجلان وبوفاته آلت الرئاسة إلى أخيه عبد الله بك وبوفاته آلت الرئاسة إلى شوكت بك ابن عبد الله بك.

٣ ـ أحيل المفتي محمد سعيد أفندي الزهاوي إلى التقاعد بناء على الأمر البرقي من المشيخة الجليلة بسبب تجاوزه الحد النظامي (٣).

٤ ـ حاول الإنكليز تخليص المحصورين في الكوت ، فجرت معركة

__________________

(١) صدى الإسلام عدد ١٨٢ في ١٩ ربيع الثاني سنة ١٣٣٤ ه‍.

(٢) الزوراء عدد ٢٥٦١.

(٣) الزوراء عدد ٢٥٦٣ و ١١ جمادى الآخرة سنة ١٣٣٤ ه‍.

٣٤١

دامية في الفلاحية وأخذت منهم غنائم وافرة. ورجعوا ، وقتل الكثير. والعثمانيون اعتادوا أن لا يتحركوا من مكانهم ، وأن يلازموا خطوط الحرب لا يفارقونها.

٥ ـ الهندية. أبدلت تسميتها بـ (هنديه بندي) أو كما نقول (سدة الهندية) (١).

٦ ـ في ١٢ جمادى الأولى سنة ١٣٣٤ ه‍ فاضت دجلة يوم السبت ، وتجاوز حده يوم الاثنين ١٣ منه فأحاط الماء ببغداد من جميع الجوانب ، ودخل الماء إدارة الأملاك الأميرية وفي ١٤ منه حدثت كسرات في الرستمية ، وفي الكريعات وفي اليوم التالي أحاط ببغداد الماء من كل الجوانب وحدثت ما يسمى بـ (الدفرة).

وفاة فون در غولج باشا

إن هذا المشير كانت له مزايا عسكرية ، وكان معلما فاضلا ، ثم صار مرافق السلطان الخاص ، ومن هنا ولي قيادة الفيلق السادس فجاء بغداد وإن فيلقه في الفلاحية دمر جيش الإنكليز وفي ١٩ نيسان سنة ١٩١٦ م ، (١٦ جمادى الثانية سنة ١٣٣٤ ه‍) توفي بمرض التيفوس ودام مرضه عشرة أيام. وفي ٢١ نيسان جرى الاحتفال بصورة مهيبة (٢). ودفن في المحل المسمى بالسن بصورة أمانة ومؤقتا (٣) ، وبعد عشرين يوما من وفاته نقل نعشه إلى محل دفنه في الباب الشرقي (٤).

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٥٦٤ و ١٨ جمادى الآخرة سنة ١٣٣٤ ه‍.

(٢) الزوراء عدد ٢٥٦٥ في ٢٥ جمادى الآخرة سنة ١٣٣٤ ه‍.

(٣) مجموعة الأستاذ محمد درويش.

(٤) السن قرب محل البنزين من الباب الشرقي على نهر دجلة وأصبح مكانه الجسر الحديدي الجديد.

٣٤٢

كوت الإمارة :

في ٢٨ رجب سنة ١٣٣٤ ه‍ سلم جيش الإنكليز المحصور في كوت الإمارة بعد أن حاولوا التخلص مرارا ، أو إنقاذهم من جيوش إنكليزية عديدة ، فاضطروا بعد أن فاوضوا في تأدية مبالغ ، فلم يوافق القائد العثماني.

سلّم طاونسند ومعه خمسة جنرالية ، و ٢٧٧ ضابطا انكليزيا و ٢٧٤ ضابطا هنديا و ١٣٣٠٠ جندي.

وجرت الاحتفالات في هذه الموفقية في برلين وفي سائر الممالك المتفقة وأجريت مظاهرات في النمسة ولهجت الجرائد في الانتصار الباهر.

وإن السلطان بلغ سلامه وقدم التبريك للجيش ، وقرأ الفاتحة للشهداء وترحم عليهم ، وذلك على أثر وصوله الخبر. وقدم إمبراطور (النمسة والمجر) وسام الصليب الحديدي إلى خليل باشا مع مدالية الحرب من الرتبة الأولى.

طائرات الإنكليز :

في هذه السنة حلقت فوق بغداد طائرات الإنكليز :

١ ـ في ٣ المحرم سنة ١٣٣٤ ه‍ الخميس وقت الظهر وردت طائرتان في آن واحد.

٢ ـ في ٤ المحرم سنة ١٣٣٤ ه‍ الجمعة قبيل الظهر.

٣ ـ في ٥ منه يوم السبت الساعة ٦ والدقيقة ٤٠.

أنور باشا :

وصل إلى بغداد وكيل رئيس القيادة العامة وناظر الحربية أنور باشا

٣٤٣

بقطار خاص في ١٧ رجب سنة ١٣٣٤ ه‍ وفي ١٩ مايس سنة ١٩١٦ فأجريت له المراسم. وصلى الجمعة في حضرة الشيخ عبد القادر الگيلاني ، وأهدى لجامعه مصحفا غلافه ذهب مرصع بالجواهر ، والدرة اليتيمة .. وكذا للأعظمية والكاظمية وقدم لكل منهما مصحفا بعد أن زارهما ..

ثم زار جبهات الحرب ، وفي ٢٥ مايس سنة ١٩١٦ م و ٢٣ رجب سنة ١٣٣٤ ه‍ عاد وكانت مدة بقائه خمسة أيام أو ستة أيام ، وقدم مائة ليرة للمراقد التي زارها لتصرف على الفقراء (١) ، وكان لوروده وقع كبير في نفوس الأهلين.

محمد فاضل باشا الداغستاني :

كتب أنور باشا وكيل القائد العام إلى الفريق محمد فاضل باشا يشعر بتعيينه قائدا على جيش العشائر وأن يقوم بمهمته ويذهب إلى محل عمله. ورأيت هذا الكتاب لدى نجله غازي باشا.

الثلج :

بعد طلوع الشمس نهار الجمعة السادس عشر من شهر ربيع الأول سنة ١٣٣٤ ه‍ الموافق ٢٢ كانون الثاني سنة ١٩١٦ م سقط الثلج في بغداد واستمر نحو أربع ساعات (٢). وفي مجموعة الأستاذ محمد درويش :

هب الهواء من الشمال الغربي فتساقط الوفر وارتفع نحو شبر ، وفي بعض المواطن لم يذب في خلال ٤٠ ساعة. وذلك في يوم الجمعة

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٥٦٨.

(٢) الزوراء عدد ٢٥٧٨ في ٢٦ شهر رمضان سنة ١٣٣٤ ه‍.

٣٤٤

١٥ ربيع الأول سنة ١٣٣٤ ه‍ و ٢١ كانون الثاني سنة ١٩١٦ م.

جادة خليل باشا :

فتحت بعرض ١٦ مترا وفي مدة وجيزة ، وتبتدىء من الدباغخانة العسكرية ، إلى باب الأعظمية ، وجرى افتتاحها يوم عيد إعلان الدستور ٢٣ تموز سنة ١٩١٦ م وفي ٢٢ شهر رمضان سنة ١٣٣٤ ه‍ (١). والملحوظ أنه كتب لوح بالكاشي وبني في الجدار المطل على الشارع من جامع السيد سلطان علي وبعد احتلال بغداد أزيل ، وسمي الشارع بـ (شارع الرشيد).

حوادث :

١ ـ في ٦ المحرم أعدم ناحوم شلومو ولد ساسون عبد الله وفي ٢٣ المحرم أعدم كل من منشي حسقيل وسلمان عبد الله كچرو لفرارهم من فوج العملة (فوج الشغل) وفي ٢٢ صفر أعدم داود ساسون وعبد الله قطان لهروبهما من سرية الخيالة (٢).

٢ ـ ظهر مرض يسمى عند الترك بـ (لكه لي حما) وهو (التيفوس) أي الحمى النمشية فأمرت الحكومة موظفيها أي يلقحوا.

٣ ـ نقل جسر بغداد صباح يوم الاثنين ٢٥ صفر إلى جبهة سلمان باك التي انسحب الفيلق إليها ، فعملت الولاية غيره وبسعته وكلفها مبلغ ٣٥٠٠ ليرة ونصب فأجريت مراسم الاحتفال وبدأ العبور عليه في ١٥ ربيع الأول سنة ١٣٣٤ ه‍ (٢١ كانون الثاني سنة ١٩١٦ م).

٤ ـ في ١٧ جمادى الثانية سنة ١٣٣٤ ه‍ صار يعمل بقانون

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٥٧٨ في ٢٦ شهر رمضان سنة ١٣٣٤ ه‍.

(٢) صدى الإسلام.

٣٤٥

المسكوكات وبموجبه تعتبر الليرة ١٠٠ قرش والمجيدي ٢٠ قرشا وأقسامه قرشان وقرش فشرع الناس بتداولها.

٥ ـ ورد إلى بغداد خليل باشا في ٤ رجب سنة ١٣٣٤ ه‍ بعد العصر بمركب سلمان باشا من كوت الإمارة.

فاستقبله الأمراء والأركان والأعيان وطلاب المدارس والجيش والشرطة (١).

٦ ـ في ٩ شعبان سنة ١٣٣٤ ه‍ ـ ١١ حزيران سنة ١٩١٦ م أعلن العرب استقلالهم وصار يعد من أعياد الأمة العربية يحتفل به في كل عام.

وفيات :

١ ـ مبارك الصباح أمير الكويت. توفي في ١٢ المحرم سنة ١٣٣٤ ه‍ فخلفه ابنه جابر الثاني (٢).

٢ ـ نعمان بك ابن سليمان فائق بك ، أخو محمود شوكت باشا وفخامة الأستاذ حكمت سليمان. توفي في ١١ صفر سنة ١٣٣٤ ه‍ وكان من أنصار الخير والإحسان ، ومن الرجال المعروفين بالتقوى والصلاح (٣).

٣ ـ في نهار الأربعاء الخامس من ربيع الآخر سنة ١٣٣٤ ه‍ أصيب محمد بك ابن لطف الله بك برصاصة مسدس خطأ وهو في دائرة النفوس الموظف فيها أصابه ابن أمين أفندي أحد رفقائه في الدائرة ، وكان يلعب به فثار وأصاب محمد بك في بطنه. توفي في الساعة التاسعة من ليلته ودفن في مقبرة الشيخ عبد القادر الگيلاني ، وكان أخوه

__________________

(١) مجموعة الأستاذ محمد درويش.

(٢) تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد السابع ، وفيه تفصيل.

(٣) صدى الإسلام عدد ١٢٥.

٣٤٦

يوسف بك من الضباط استشهد في أطراف الجعارة (ناحية الحيرة) وكلاهما من أبناء بنت العم المحروم عبد الله الآلوسي فلم يتزوجا وأدركهما الأجل وهما في سن الشباب (١).

٤ ـ في العاشر من ربيع الآخر سنة ١٣٣٤ ه‍ توفي عارف حكمت الآلوسي متصرف (فزان) الأسبق عن نيف وستين عاما. فإن ولادته سنة ١٢٧١ ه‍ وكان فاضلا عالما رصين الإيمان شافعي المذهب ، خلوقا ، رقيق القلب بارا كثير الخير ، مواظبا على العبادة ، وحفظ القرآن وحج ، وأول نشأته في محاسبة الولاية في بغداد ثم صار قائممقام (راوندوز) ، ثم (حرام) و (بيره جك) في ولاية حلب ثم متصرفية (فزان) ثم اكتفى بمعاش المعزولية وبقي باستنبول إلى أن أدركه الأجل وترك ابنين هما أحمد هاشم بك من أساتذة المكتب السلطاني ، وله نظم بالتركية مقبول جدا عند أهليها والآخر الأستاذ عبد الله موفق دخل في السلك العسكري بمقتضى القرعة وهو الآن في الجهاد بجهة (چناق قلعة) ، وله بنت اسمها فاطمة تزوجها ضابط في الأخبار. وكان من مهرة علماء الحساب وأوجب فقده الحزن والأسف (٢) ..

٥ ـ عبد المهدي آل حافظ الكربلائي في كربلاء توفي في ربيع الآخر سنة ١٣٣٤ ه‍ وكان مبعوث كربلاء الأسبق ، ذكيا تعلم اللسان الإفرنسي جيدا فأحسن القراءة والكتابة فيه ، وكان ذا سلطة وجرأة. وفي

__________________

(١) نقلا من تعليق على معجم البلدان في الغلاف للأستاذ الحاج علي علاء الدين الآلوسي.

(٢) عن الحاج علي علاء الدين من تعليق في غلاف المعجم ج ٨. والأستاذ أحمد هاشم من شعراء الترك المعاصرين توفي في استنبول والأستاذ عبد الله موفق تخرج من كلية الحقوق في باريس وصار أستاذا بكلية الحقوق في بغداد ثم عميدا فيها وتقلد عدة مناصب. وسافر إلى المملكة العربية السعودية وشغل عدة مناصب كبيرة فيها.

٣٤٧

مقدمة القيام على مأموري الحكومة في كربلاء وإخراجهم منها بعد نهب أموالهم وإهانتهم حتى أعيدوا إليها بمظاهرة الولاية وسكنت الفتنة أثناء الحرب العامة الأولى (١).

٦ ـ في أواخر ربيع الآخر سنة ١٣٣٤ ه‍ وردت برقية بوفاة (شوكت باشا ابن رفعت بك) مبعوث ولاية بغداد في استنبول عن عمر يزيد على الستين عاما ، وكان حسن الاعتقاد مسلما ، وقضى أيامه في خدمة الحكومة ، ومنشأه في قلم مكتوبي بغداد ، ثم صار قائممقام الكوت والحلة ، ومكتوبيا في بغداد ، ثم صار قائممقام الحلة ثانيا ، ثم انتخب في عهد الدستور مبعوثا (نائبا) عن لواء الديوانية وانتخب ثانية عن ولاية بغداد بعد انخراطه في سلك جمعية الاتحاد. وأعقب أولادا هم ناجي وسامي وصائب ورفعت وأختهم زوجة منير بك ابن عباس بك الديار بكري (٢).

٧ ـ محمد فاضل باشا الداغستاني :

استشهد في ٦ جمادى الأولى سنة ١٣٣٤ ه‍ المرحوم الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني. وذلك أنه وقعت في اليوم المذكور حرب بين قطعاتنا الأمامية وبين الجيش الإنكليزي الذي حاول التقدم بقصد رفع الحصار عن كوت الإمارة ، وانتهت الحرب بانتصارنا. وفي هذه الحرب أحرز الفريق الأول المشار إليه رتبة الشهادة ، وكان في ميدان القتال (٣).

أجريت في ٧ منه المراسم اللائقة لتشييع جنازة المرحوم ، وحضر

__________________

(١) عن المرحوم الأستاذ الحاج علي علاء الدين الآلوسي من تعليق على غلاف المعجم ج ٨.

(٢) كذا ..

(٣) صدى الإسلام : ملخص البلاغ الرسمي عدد ١٩٦ في ٧ جمادى الأولى سنة ١٣٣٤ ه‍.

٣٤٨

التشييع معاون الوالي وقائد الفيلق وأمراء عسكريون وملكيون ، فكان مهيبا فاشترك فيه الأهلون (١) ..

وهذا الرجل من أفاضل الرجال ، وهو المعروف بـ (محمد باشا الداغستاني) اشتهر بحروبه ، وحسن قيادته ، وعهدت إليه مرات عديدة وكالة ولاية بغداد وفي كل أعماله موضع الحفاوة والاحترام ، ويحبّه الأهلون حبّا جما ، فأحدث ضياعه ألما على الأهلين .. ورثاه الأستاذ عبد الوهاب النائب (٢). والأستاذ جميل صدقي الزهاوي وغيرهما.

حوادث سنة ١٣٣٥ ه‍ ـ ١٩١٦ م

ساءت حالة الأهلين وبلغ بهم الضيق والجهد حدهما ، وكانوا يعانون الأمرين من جراء النقود والتعامل بالأوراق النقدية وهدّدوا بلزوم تقديم الذهب إلى رئيس لوازم الفيلق ، ومن وجد عنده هدمت داره. ومنع التعامل بالنقود المعدنية ، وأمروا بتداول الأوراق النقدية ، وأنها لا تفترق عن الذهب ونشرت من الأوراق النقدية الترتيب الرابع .. وهدد المخالف تهديدا مرا ، وتوالت الأوامر ..

وأعلن أيضا للأهلين بأنه من كانت أماكنه مواطن حرب فلا يسوغ له أن يذهب من محل إلى آخر بلا رخصة. وجمعت تبرعات ممن كان يؤمل أنه يستطيع أداءها بوجه ..

وعلى كل حال كانت أيام بغداد بلغت منتهاها من الضيق والجور لضرورة الحرب وصعوبة تسيير الأمور.

كان معاون الوالي سعاد بك ، فتعين وكيلا لولاية (بتليس) ، وصار

__________________

(١) صدى الإسلام عدد ١٩٧ في ٨ منه.

(٢) ترجمته بقلم سليمان نظيف بك : (بطاريه ايله اتش) ص ٤٦ ومجموعة النائب المخطوطة في خزانتي.

٣٤٩

مكانه فائق بك قائممقام خراسان (لواء ديالى) ، وهو سيىء السيرة ، قاس على الأهلين ، لا يبالي بهم ، ويستهين بأمورهم.

التاريخ الرومي :

إن الدولة ألغت التاريخ الرومي وأمرت بتاريخ ٧ ربيع الثاني سنة ١٣٣٥ ه‍ باستعمال التاريخ الجديد وقد وردت برقية جاء فيها :

«لما كان التاريخ المستعمل في البلاد العثمانية لا قيمة فنية له ودوام استعماله نقيصة عزمت الدولة عزما أكيدا أن تتبوا مكانا خاصا في ذروة المدنية العصرية ، اقترحت الحكومة على مجلس النواب العثماني إهمال التقويم المذكور واستعمال التقويم المستعمل من جميع العالم المتمدن فقبل المجلس اللائحة المذكورة. وبناء على ذلك فسيصير اليوم السادس عشر من شباط سنة ١٣٣٢ اليوم الأول من آذار سنة ١٣٣٣ (١)». هذا وأن التواريخ الرومية أبدلت بعربية وميلادية ليسهل تفهمها.

الوالي خليل بك

هذا الوالي انهمك انهماكا شائنا في بعض المومسات فتسلطت عليه ، وسلبته لبّه ، أو أنها ألهته عن الأمر المهم ، وشاع أنه قال لها : (أنا قائد الجبهة وأنت الحاكم المطلق علي) ولم يتحاش من صرف كلمات أمثال هذه مما لا يليق بمقامه ومكانته وأمره الأهم .. فلم يبال بالوضع ، واشتغل في لذائذه ، وأهوائه النفسية. والناس في ريب من أمرهم ، ولبس من حالتهم ، وما يدرون ما تضمره لهم الأيام ..

__________________

(١) التفصيل في تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد السابع.

٣٥٠

حادثة الحلة :

في ٣ المحرم سنة ١٣٣٥ ه‍ الموافق ٣١ تشرين الأول سنة ١٩١٦ م كانت الحكومة عازمة على سوق متعب ورفقائه إلى الديوانية. وهم في سجن الحلة فقام بعض رجالهم ، ولحقهم عصاة من الأهلين بإغراء منهم ، فبلغوا المئات فهاجموا دار الحكومة معتمدين على ما عندهم من سلاح ، وكذا هاجموا الثكنة في الحلة أيضا ، فنهبوا ما هناك من أوراق رسمية ونقود ، وسلبوا الضباط ونهبوا ما عندهم ، وأخذوا أموال التجار ، وهكذا قاموا بكسر السجن وفك المسجونين وبينهم المذكورون.

وفي حين أن الدولة مشغولة بمقارعة الأعداء في الخارج والنضال معهم ، عصى هؤلاء على الدولة وأجبروها على ما أوقعوا من أعمال. نهبوا أرزاق الجيش ولم يبالوا بالصدام العنيف مع العدو ، وكان يفادي بنفسه في سوح القتال ، الأمر الذي دعا أن أصدر أمري في تأديب أهالي الحلة الذين ارتكبوا تلك الدناءات ، ووجهت مفرزة بقيادة عاكف بك قائممقام الخيالة ، وهذه متكونة من صنوف مختلفة ، فسارت في ١٤ تشرين الثاني سنة ١٩١٦ م (١٧ المحرم سنة ١٣٣٥ ه‍). وهذه القوة شغلت دار الحكومة والمباني والمؤسسات الأميرية ولم يترك العصاة في هذه الحالة السلاح ولا يزالون موقدين نيران الشر ، فاضطروا إلى قصف محلاتهم وهي الجامعين ، والطاقة ، وجبران ، فشغلها الجيش. وفي هذه الواقعة قتل من العصاة (٥٠) وقبض على مائة. وخربت مواطن (أكواخ) بعضهم ، ومن البساتين حاول العصاة الدخول إلى البلد ، فقتل الكثير منهم ، وقتل أحد أفراد الجندرمة الذي سلّم سلاحه إلى والده. وإن طائراتنا قصفت العصاة المتجمعين بين النخيل وألقت عليهم القنابل ، فقتلت ثمانية منهم. وإن خيالتنا تعقبوا العصاة وقتلوا منهم ستة أشخاص. وفي ١٧ تشرين الثاني سنة ١٩١٦ م (٢٠ المحرم سنة ١٣٣٥ ه‍) جمعت القوة أسلحة الأهلين واستمرت في تخريب بيوت العصاة.

٣٥١

وأعدم كل من كان يولد العصيان ويستغل كل فرصة لإيقاع التشويش وهم الذين قاموا بهذا الأمر ساقوا إليه من رؤسائهم وهم محي آغا ، وعبد الوهاب ، ومهدي النقشبندي ، وحاجي أمين علوش ، وصالح المهدي ، وحاجي علي ، وشيخ حسين وملا إبراهيم ، ومختار محلة جبران محمد الحاج سعيد ، وستة أشخاص آخرين كانوا نهبوا النقود ، وبلغوا سبعة عشر شخصا ، قتلوا صلبا في هذا اليوم والتأديبات مستمرة. العشائر المجاورة مطيعة وهادئة. في ٢٠ تشرين الثاني سنة ١٩١٦ م (٢٣ المحرم سنة ١٣٣٥ ه‍) بتوقيع قائد الفيلق السادس (خليل) (١).

ثم إن الحكومة سحبت عاكف بك وبعثت عبد المجيد بك القائممقام وهذا طيب خاطر الأهلين ، ورأف بهم ، وأرسلت هيئة تحقيقية لبيان سبب ما جرى لإخماد نيران العداء. فكان المرحوم عبد المجيد بك خير مرهم لتسكين الحالة. وكان في شعبة التجنيد وإدارة المستشفى في الكاظمية ، وهو من الأخيار. ووالد المرحومين رشدي وكمال.

حادث ضياع بغداد

نحن في هذه الحالة يهمنا أن ندون واقعة بغداد أو بالتعبير الأولى يجب أن نستعرض وقائع العراق بعد حادث (سلمان باك) المشهور حتى احتلال بغداد من الإنكليز ، وحينئذ خلص العراق تقريبا لهم ولم يبق إلا تصفية ما هنالك.

كان حادث سلمان باك ولّد في النفوس أملا ، وتيقّن الناس أن الإنكليز غلبوا ، وأصابتهم الضربة القوية فلا يستطيعون العودة مرة أخرى .. ومن أيام محاصرة الكوت حدثت وقائع تخليصية لمرات عديدة ، فلم تفلح الدولة الإنكليزية في هجومها ، لا سيما أن الجيش

__________________

(١) مجموعة الأستاذ محمد درويش.

٣٥٢

التركي اتخذ خطة الدفاع ، فسببت هذه الهجومات المتوالية ضائعات كبيرة على الإنكليز حتى انقطع الأمل ..

وأعقب ذلك الاستيلاء على (الكوت) بتاريخ ١٩ نيسان سنة ١٩١٦ م وأخذها من الإنكليز ووقوع أسرى كثيرين بيد العثمانيين بينهم الجنرال تاونسند ، وهم نحو ١٣ ألف أسير ووردوا بغداد ، وشاهدهم الناس عيانا فقوي الرجاء أكثر ، وزاد الأمل. ولكن الوقائع التالية أودت بالجيش التركي ، فقد جاء الإنكليز بقوة أكبر ، وضربوا (شيخ سعد) ضربة قوية فلّت منه ودمرت حصانته ، وهكذا مضت بوقائع تالية ، ومتوالية بلا انقطاع وجرت حروب في أنحاء (سلمان باك) للمرة الثانية ، ورافقت هذه الحروب رياح قوية مع غبار كاد المرء لا يرى فيه راحته فساعد هذا الريح الشرقي الزعزع ، وانتهت بـ (واقعة بغداد) ، وحادث سقوطها على يد الإنكليز ، في ١١ آذار سنة ١٩١٧ م (١٧ جمادى الأولى سنة ١٣٣٥ ه‍) الساعة ١٢ أذانية.

ويهمنا أن نقول إن التدابير كانت ناقصة ، بل إن القيادة قصرت في تفريق قسم كبير من الجيش المرابط وإرساله إلى إيران ، ولم تراع القوات الاحتياطية وكأنها بالاستيلاء على القوى المحاصرة في الكوت أمنت الأخطار ومن ثم داهم الخطر ، فصال الإنكليز صولة عظيمة ، فاكتسحوا الكوت ، ومنه مضوا إلى سلمان باك فبغداد.

ومن الكتب المعول عليها في توضيح هذا الحادث ، والحوادث الأخرى من أوائل الحرب وحرب الفلاحية والكوت ، وسلمان باك ، وبغداد غير ما ذكر :

١ ـ (بغداد وصوك حادثة ضياعي). تأليف محمد أمين بك المقدم الركن ، ومدير شعبة الاستخبارات في الفيلق السادس للعراق. طبع باستنبول في المطبعة العسكرية سنة ١٣٣٨ ـ ١٣٤١ كتب باللغة التركية.

٣٥٣

٢ ـ (عراق سفرينه دائر إفشاءات). ترجم إلى التركية من اللغة الإنكليزية باسم (الكتاب الأبيض) ، مترجمه رحمي بك الرئيس من أركان البحرية في شعبة الاستخبارات. طبع باستنبول سنة ١٣٣٢.

٣ ـ (بغداده طوغرو وبغدادك ضبطنده كي موفقيتسز لك). مترجم من جريدة تايمس عن تاريخ الحرب تأليف (الكابتن چندلر) ترجمه حسام الدين من أركان الحرب البحريين من شعبة الاستخبارات. طبع سنة ١٣٣٣.

٤ ـ (عراق راپوري). وهو تقرير رسمي كتبه قائد جيش الإنكليز في العراق الجنرال (سرپرسي لايك). ويتضمن الأخطاء العسكرية سنة ١٩١٥ م ـ ١٩١٦ م نشر في جريدة (التايمس) سنة ١٩١٧ م وترجمه حسام الدين وطبع باستنبول سنة ١٩٣٣ م.

٥ ـ (كوت الإمارة محاصره سي ، وحركات تخليصيه نك أدوار وصفحاتي). وهو تقرير الفريق الأول قائد الجيوش الإنكليزية في العراق (السر برسي لايك). ترجمه حسام الدين المذكور طبع سنة ١٣٣٢.

٦ ـ (إنكليز قوه سفريه سنك بصره كورفزيله خطه عراقيه ده كي حركات حربيه ستدن باحث راپورلر). وهو يتضمن بيان المدة من أواسط تشرين الأول سنة ١٩١٥ م إلى أواسط نيسان سنة ١٩١٦ م وفيه بيان الأوضاع والوقائع الحربية. ترجمه رحمي بك المذكور. طبع سنة ١٩٣٣ م.

٧ ـ كتاب ويلسن. عن حالة العراق منذ الحرب إلى آخر أيام الثورة. وكان مؤلفه الحاكم السياسي العام في العراق المستر ويلسن ، كتبه بالإنكليزية ، وترجمت بعض فصوله.

٨ ـ أسفار الإنكليز في الشرق الأدنى. في الإنكليزية.

٣٥٤

٩ ـ السفر الطويل نحو بغداد. في الإنكليزية.

١٠ ـ (بيوك جريده تورك حربي). في ثلاثة مجلدات تأليف العقيد الركن م. لارشه الفرنسي. ترجمه إلى التركية محمد نهاد وطبع سنة ١٩٢٨ م وفيه مقدمة وتعليقات مهمة لا يستغنى عنها بوجه.

١١ ـ (بيلديرم). تأليف حسين حسني أمير اللواء في حروب العراق وفلسطين. طبع سنة ١٣٣٧ باستنبول.

١٢ ـ (بيلديرمك عاقبتي). تأليف أمير اللواء سداد. طبع سنة ١٩٢٧ م وهو ذيل على سابقه.

١٣ ـ حرب العراق. تأليف فخامة الأستاذ العميد طه باشا الهاشمي ، طبع ثانية سنة ١٩٣٦ م في بغداد.

هذه تعين وجهة نظر الإنكليز والترك والحالة معروفة إجمالا إلا أن تفصيل الوقائع يهم في توضيح القوى ، وبيان القواد ، وحالات الحرب بالنظر لكل من الطرفين ، وبين هذه الآثار مؤلفات محمد أمين بك من العارفين بالوقائع والمدركين للحالة ، ووجهة الترك وآراؤهم ، والآثار الأخرى أو أكثرها تبين وجهة نظر الإنكليز. من رجال زاولوا الحرب ، وعرفوا أوضاعها ، وصوروا نفسياتهم وأدركوا النقائص فكان لنظراتهم قيمتها. وإن كانت لا تخلو من توجيه. وهناك وثائق أخرى.

ونحن في هذه الحالة تهمنا النتائج ، فقد سقطت بغداد بتاريخ ١١ آذار سنة ١٩١٧ م الموافق ١٧ جمادى الأولى سنة ١٣٣٥ ه‍ يوم الأحد ، فاستولى عليها الإنكليز ، ولم يكونوا ليحلموا بهذا الاستيلاء بعد نكبة الكوت التي أعقبت مخذوليتهم في سلمان باك وما ذلك إلا لأن الأخبار وصلت بانفصال قوة كبيرة من الجيش التركي بعد سقوط الكوت بأيديهم ، فظنوا أنهم أمنوا الغوائل. فجاء من هنا الخطر العظيم ، فلم يجد تدبير.

٣٥٥

حوادث :

١ ـ طيارات الإنكليز حلقت فوق بغداد في ٢٦ ربيع الأول سنة ١٣٣٥ ه‍ ، ظهرت ثلاث طائرات في آن واحد في الساعة ٦ والدقيقة ٤٠ أذانية وألقت ٧ قنابل على الولاية وواحدة على الثكنة وواحدة على المدرسة النعمانية قرب دائرة البريد وواحدة في الشط قرب مركب (پنير) للألمان وواحدة على المحطة. وإن التي سقطت في قشلة المدفعية أصابت واحدا فقتلته وآخر جرحته والتي ألقيت على القشلة سقطت وراء البلدية في دار أيوب القلمجي التاجر في التبغ فخربت الدار وكسرت زجاج الشبابيك للدور المجاورة.

٢ ـ في ٥ جمادى الأولى سنة ١٣٣٥ ه‍ و ٢٧ شباط سنة ١٩١٧ م تبين أن العدو يبلغ جيشه مائتي ألف ، وليس لنا أكثر من خمسة آلاف محارب فأمرت الدولة بنقل ما عندها من سجلات ونقود ومهمات أخرى إلى سامراء في القطار. وفي ١٢ جمادى الأولى و ٦ آذار سنة ١٩١٧ م صدر الأمر للموظفين بالنزوح من بغداد فسافر كثير منهم. وذلك لما علموا أن القوة لا تستطيع المقاومة ، وأن الإمداد لم يصل في حينه (١).

الحوادث بعد احتلال بغداد

بعد واقعة بغداد تبعثر الجيش العثماني وانحل انحلالا كبيرا إلا أنه لا يزال يحارب في المؤخرة ، ويوقع بالجيش الإنكليزي خسائر فادحة إلا أنه لا يؤمل منه استعادة مكانته. توزعت جيوشه إلى جبهات عديدة لا يدري من أيها يأتيه الخطر.

__________________

(١) مجموعة الأستاذ محمد درويش.

٣٥٦

١ ـ جبهة الفرات :

انسحب منها من السماوة إلى الفلوجة في ١٧ آذار سنة ١٩١٧ م. وفي ١٩ منه تعرض له الإنكليز وشغلوا الفلوجة فاضطر إلى الانسحاب إلى الرمادي. وهذه بقيت هادئة.

وفي ١١ تموز سنة ١٩١٧ م هاجمها الإنكليز إلا أن الحر منعه من التقدم ولم يعد إلى الحرب إلا في ٢٨ أيلول سنة ١٩١٧ م وكانت الحرب سجالا. وعرقل الأمر قضية النساطرة وحركاتهم والأرمن وعصيانهم فكانت خطرا على الجيش. وهذه أقلقته بضعة أشهر. وفي ٢١ تشرين الأول سنة ١٩١٧ م قتل ضابط ألماني من يد مجهولة فاضطر علي إحسان باشا إلى الاستقالة.

وبعد أن تبعثر الجيش ولم يبق منه إلا القليل وأسر أكثره ومزقت الجبهة وصارت فيما وراء عانة. سقطت دمشق في هذه الأثناء وصارت (دير الزور) مهددة بخطر مهاجمة العشائر.

٢ ـ جبهة السندية ـ خان النهروان (جبهة سامراء):

هاجمها الإنكليز في ٢٩ آذار سنة ١٩١٧ م بقوة فائقة فانسحبت قوة العثمانيين إلى نهر العظيم. وبعد أن توجه الجيش الإنكليزي نحو خانقين متصلا بالجيش العثماني جرت واقعة (حماية) في جبل حمرين فتكبد الإنكليز خسائر عظيمة في ٢٥ آذار سنة ١٩١٧ م ومن ثم اتصل (القول اردو ١٣) بجيش سامراء. وحدثت واقعة العظيم في ١٨ نيسان سنة ١٩١٧ م وعادت المفرزة من العظيم إلى سامراء. وهكذا حدثت حوادث في خرائب الدهوية) بقرب العظيم. وفي ٣٠ نيسان سنة ١٩١٧ م اضطر (القول اردو ١٣) إلى الانسحاب إلى الشمال إلى (دواجنات) بعد أن كبد الإنكليز ضايعات كثيرة.

٣٥٧

وفي جبهة سامراء نفسها كان قد رجع الجيش إلى اصطبلات. وفي ٢١ نيسان سنة ١٩١٧ م تعرض الإنكليز له بقوى كبيرة فضايقه واضطره أن ينسحب ولم يثبت على القصف الشديد من العدو.

ترك سامراء ومحطة القطار. وهذه الواقعة تعرف بـ (واقعة السكر) لأن لدى الجيش العثماني في المحطة مقدارا كبيرا من السكر ثم حدثت واقعة (رويضات). وبعدها في أمام دور حدثت معركة في صباح تشرين الأول سنة ١٩١٧ م فاضطرت إلى الانسحاب إلى تكريت وفي ٢ تشرين الثاني حدثت معركة فاضطرت الجيش العثماني إلى أخذ مواقع في الفتحة. والغريب أن الإنكليز بعد أن ربحوا المعركة رجعوا إلى سامراء لما أصابهم من ضايعات كبيرة فعادت خيالة الجيش العثماني فشغلت تكريت.

٣ ـ جبهة السليمانية :

إن الجيش في السليمانية صد هجوم الروس الذين جاؤوا من أنحاء سنة فلم يتجاوزوا الحدود. وذلك في ٨ مايس سنة ١٩١٧ م في جوار مريوان.

وكانت حروب الروس في نهر ديالى في العشرة الأولى من مايس عبروا نهر ديالى. وهناك أسرع (القول اردو ١٣) لاتخاذ التدابير. وفي خلال يومين تمكن من صدهم فرجعوا من حيث أتوا. ولم يعد الروس مرة أخرى.

ولكن بعض الوقائع جرت في أنحاء السليمانية في أواخر مايس وفي تموز سنة ١٩١٧ م واستولوا على (پنجوين) بعد التضييق الزائد وأن (القول اردو ١٣) جاء لإمداد القوة هناك لدفع العدو إلى أنحاء (بانة) و (سنة) وأخذ منه بعض الأسرى مع مدافع ورشاشات.

٣٥٨

٤ ـ جبهة كركوك :

في ٣ كانون الأول سنة ١٩١٧ م هاجم الإنكليز الجيش العثماني وبسهولة استولوا على مواقعه في ديالى من جراء ضيق الإعاشة واستولى الإنكليز على جبل حمرين. وربح الإنكليز المعركة إلا أنهم انسحبوا. وكانوا يخشون من حركة التفاف فرجعوا بانتظام في ٨ كانون الأول سنة ١٩١٧ م واستعاد العثمانيون مواقعهم.

وهكذا كانت الجبهة في أنحاء الموصل في (رايت) ، وفي الفرات في (هيت). والجبهات الأخرى كما ذكر.

٥ ـ المتاركة مع الروس :

عقدت المتاركة مع رئاسة القيادة في ٧ كانون الأول سنة ١٩١٧ م ، وأن مرخصي (مندوبي) الطرفين اجتمعوا في الموصل وعينوا الشروط الخاصة والخطوط الفاصلة ، فانتهت هذه الغائلة وأمن العثمانيون جهتهم.

هذا ، وفي سنة ١٩١٨ م كان الجيش في حالة سيئة لما أصاب البلاد من قحط ، وما استولى على الجيش من أمراض ، وكثر الفارون الهاربون ، وزادت الوفيات وهكذا تولدت عصابات في مواطن عديدة ، فأدت إلى ثورات ، وزال الأمن في البلاد كما أن الإنكليز استولوا على هيت في ٦ آذار سنة ١٩١٨ م وفي ٢٦ آذار وقف الجيش وصمد أمام هجوم الإنكليز وتعرضه العنيف ، فأحاط بالجند العثمانيين وأسرهم.

وهكذا كان الأمر في قره تپه فقد استولى عليها الإنكليز في أواخر نيسان سنة ١٩١٨ م وضيق الإنكليز على الجيش العثماني في (طوزخورماتو) فخسروا ضايعات كثيرة وأسر قسم منهم ، فهربوا بصورة مبعثرة إلى كركوك.

٣٥٩

وفي ٧ مايس سنة ١٩١٨ م انسحب الجيش من كركوك إلى (التون كوپري) ودخلوها.

ثم انسحب الإنكليز عن كركوك فشغلها الترك في ٢٧ مايس سنة ١٩١٨ م. وفي هذه الحالة كان الجيش العثماني مقطوع الأمل إلا أنه جاءته قوة فزاد أمله وقوي رجاؤه وذلك في تموز سنة ١٩١٨ م ، فتولى خليل باشا قيادة الفيالق الشرقية. وهذا جعل القائد علي إحسان باشا وكيله وصار قائد (القول اردو ١٣).

وإن علي إحسان باشا ورد الموصل في ١١ أيلول سنة ١٩١٨ م. وتولى أمر القيادة فيها.

ثم هاجمه الإنكليز فلم يقدر أن يصمد في وجههم وكان هجومهم قويا. فاستولوا على كركوك للمرة الثانية في ٢٨ تشرين الأول سنة ١٩١٨ م وانسحب العثمانيون إلى (التون كوپري).

أما الإنكليز فإنهم لم يدعوا الجيش مستقرا في (الفتحة) ، فقد زادوا في قوتهم وضاعفوها. تقدموا فاضطر العثمانيون أن يتركوا مواقعهم ومضوا إلى مصب الزاب. ولم يمهلهم الإنكليز فهاجموه بقوة فائقة ، فلم ير بدا من الانسحاب إلى الشرقاط في ٢٥ تشرين الأول سنة ١٩١٨ م تقدم فيلق الإنكليز بخيالته وسياراته المدرعة فمضى إلى (وادي جرناف) فحاول قطع خط رجعة الجيش العثماني.

وكان الاشتباك بقوات العثمانيين مستمرا إلى ٢٨ منه وفي صباح هذا اليوم قطع خط رجعته وبعد أن حوصر الجيش جاءه الإمداد وحدات متعاقبة إلى جنود القيادة فأصابهم عين ما أصاب أولئك.

وهذه الحالة بعثرت الجيش وجعلته غير قادر على الدفاع فكانت واقعته فادحة وخساراته عظيمة ، فلم يبق ما يصح الاستناد إليه.

٣٦٠