موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

في أيامه تعميرات مهمة .. وعطف نظره على الوزيرية فأحياها بعد أن أصابها الخراب ، وأنشأ الجسور ، ونظم الطرق. وأكثر من مراكز الشرطة ، مراعيا حالة المارين. وفتح نهر الحميدية في قضاء الحي وأنهار ومقاطعات أخرى عديدة .. وكذا أصلح المحل المسمى (بالعوينة) في نفس بغداد. (لا تزال على خرابها إلى أيامنا). وعمر معاهد عديدة. قالت ذلك الزوراء وزادت :

ذلك ما دعا أن يسخط الأهلون لقبول استقالته ، فطلبوا برقيا إعادته. ولا تزال المجالس تلهج بذكره إلى وقت قريب منا. وهذا الوالي مشتهر بالعلم والفضل ، وصاحب ضمير وقّاد. وكان موصوفا بشدة الذكاء ، وهو شيخ جليل.

وكان مدحه الأستاذ جميل الزهاوي بقصيدة عربية وهي أول قصيدة نظمها الأستاذ ، ذكرتها في التاريخ الأدبي. وكان عمره (١٥ سنة أو ١٦ سنة) كما مدحه آخرون.

كان يقيم في بغداد أيام ولايته في (قصر النجيبية) وهو المستشفى الملكي المعروف اليوم. وهذا القصر أنشىء للمرحوم ناصر الدين شاه أثناء سياحته في بغداد ، وفي أيام مصطفى عاصم باشا اتخذ مستشفى للبلدية ، وجعل (مستشفى الغرباء) في الكرخ مدرسة لدار المعلمين الابتدائية (١).

وفي أيام هذا الوزير كان القائد للفيلق السادس المشير هدايت باشا وهو صاحب همة خارقة وحمية فائقة (٢). كما أنه جرى في أيامه تعديل في الوزن ، و (عيار التقي) لا يزال معروفا وهو من وضعه. و (من

__________________

(١) الزوراء عدد ١٢٩٩ في ١٠ جمادى الأولى سنة ١٣٠٤ ه‍ وسياحت جرنالي ص ٦٣ و ٧٠.

(٢) كذا : الزوراء.

١٠١

التقي) ٥ حقة استنبول ، وهي تساوي ١٢٢٨ غراما ، وأما الوزنة البغدادية فتعتبر ٩٦ كيلو ، فجعلت ١٠٠ كيلو ، وهذه الوزنة تساوي ٧٨ حقة استنبول فجبرت إلى ٨٠ حقة ..

ثم أحيل إلى التقاعد وخرج من بغداد في ٤ رجب سنة ١٣٠٤ ه‍ (٢٩ آذار سنة ١٨٨٧ م) وذهب إلى استنبول من طريق حلب ووافاه الأجل المحتوم في ١٠ شهر رمضان سنة ١٣١٠ ه‍ وكان عالما شاعرا وكاتبا إلا أنه كان موصوفا بالبطش ، ومعروفا بالثراء (١).

وكان من أهل (كليس) ونشأته علمية وأسرته (آل المدرس) معروفة في حلب وبرزت رغبته في الإدارة وجربته الدولة في عدة مناصب.

حوادث أخرى :

١ ـ انقطاع المطر.

٢ ـ الجراد.

٣ ـ الثلج (الوفر). سقط في بغداد واشتد البرد.

٤ ـ نصب صالح باشا متصرفا لنجد.

الوالي مصطفى عاصم باشا

والي بغداد الجديد :

كانت الولاية قد عهدت إلى رفعت باشا والي (آيدين) السابق إلا أنه قبل سفره إلى بغداد تغيّر أمر تعيينه ، فصار والي (اشقودرة) الحاج مصطفى عاصم باشا واليا لبغداد. وكان الناس يرقبون مجيئه وأخبرت الزوراء بقدومه. وفي سلخ جمادى الثانية صباحا قرأ فرمانه مكتوبي

__________________

(١) سجل عثماني ج ٢ ص ٥٣.

١٠٢

الولاية صادق أفندي بمحضر من الوالي ومن ذي الدولة نافذ باشا مشير الفيلق السادس مع أركان الجيش والأمراء والأعيان ، وقرأ فضيلة المفتي الدعاء باللغة العربية (١).

وفي ١٤ رجب ذهب الوالي للنظر في عمليات سدة الهندية وأناب منابه فضيلة نائب بغداد عمر فهمي.

وإثر ورود الوالي وقيامه بما عهد إليه أنعم عليه السلطان بوسام مرصع عثماني ومدالية ذهبية وأضيف إلى راتبه ثمانية آلاف قرش (٢).

هذا ، ولم نتمكن أن نقف على أحوال هؤلاء الولاة بأكثر مما هو مدوّن في الصحف الرسمية والدولة كانت متكتمة ، فالاستزادة ضرورية من مصادر لم تكن معروفة أو من إلهام الحوادث. وذكر الأستاذ محمود الشاوي في تاريخه أن غالب هؤلاء لم يقع في أيامهم ما يستحق التدوين.

الهماوند :

كانوا منذ مائة سنة لا همّ لهم إلا السلب والنهب. عزمت الدولة مرارا على التنكيل بهم ، فلم تتمكن ، لأنهم لم يستقروا في مكان وكلما ضيقت الدولة الخناق عليهم مالوا إلى إيران. وفي هذه الأيام عاثوا في أنحاء بازيان وقراداغ. وعيّن القائد محمد فاضل باشا الداغستاني إلى أنحاء خانقين وتعاونت إيران مع الدولة فأرسلت حسام الملك أمير التومان حاكم كرمانشاه فضيقوا الخناق على رئيسهم جوامير. ومن فرقهم (سيته بسر) كان رئيسهم عزيز كاكي ورئيس رشوند محمود حاجي خان ، فقد نكل بهم. وقضت على الكثير من أكابر رجالهم. وكان شرهم مستطيرا ، ففي سنة ١٢٩٨ ه‍ ، و ١٣٠١ ه‍ تكررت وقائعهم. نهبوا زوّار

__________________

(١) الزوراء عدد ١٣٠٦.

(٢) الزوراء في جمادى الأولى سنة ١٣٠٤ ه‍ في بضعة أعداد منها.

١٠٣

إيران ، وسلبوا البريد قرب المنصورية (دلّي عباس) ، وكانت أعمالهم أمثال هذه لا تحصى.

ثم قدم بعض رؤسائهم محمود خضر وجماعته الدخالة لصاحب الدولة إسماعيل باشا مرافق السلطان وكان من المشيرين المأمورين بالإصلاح في كركوك ، فسلموا أسلحتهم وأنفسهم (١). وتوفي محمود خضر في الموصل في نحو سنة ١٩٢٣ م ، وقال عنه الأستاذ محمود الملاح : كان قائدا للجندرمة في الموصل ، وكان جميل الخلقة مهذبا لا يشبه الأشقياء ووقعت مصاهرة بينه وبين آل توحلة من أغوات الموصل ، وكان موقفه حميدا إثر قتل الشيخ سعيد فقد توقع الناس منه شرا فلم يقع منه شيء. ومنهم حمه مام سليمان وعزيز حيدر ، وفقي قادر (٢). والشيخ خسرو وولداه وأخوه أحمد (٣).

وكان القائد محمد فاضل باشا قد ألقى القبض على أحد رؤسائهم (حمه مام سليمان) في أنحاء خانقين ، وأنعم عليه بفرس وبندقية وأسكنه في خيمته وقام بضيافته وفي إحدى الليالي اغتنم فرصة وهرب فرسه وبندقيته.

ولما علم القائد بهروبه تبعه حتى تقرب منه فقال له (حمه مام) إن كنت رجلا فقف أمامي دون أن يحميك الجيش. فوافق القائد وتبدالا إطلاق الرصاص فرماه بطلقة أسقطت عمامته وهرب وتبعه القائد بفرسه ولم يتركه حتى سلّم نفسه في مقر الحكومة في كركوك. وعندئذ عاتبه على حسن ضيافته وإكرامه له فأجابه قائلا : ماذا يأمل القائد من (حمه مام) بعد أن ملك بندقية وفرسا؟!. وقال غازي باشا الداغستاني ابن

__________________

(١) الزوراء عدد ١٣١٠ في ٥ شعبان سنة ١٣٠٤ ه‍.

(٢) الزوراء عدد ١٣١١ في ١٧ شعبان سنة ١٣٠٤ ه‍.

(٣) الزوراء عدد ١٣١٢ في ١٩ شعبان سنة ١٣٠٤ ه‍.

١٠٤

القائد المومى إليه أنه سافر مع عائلته إلى كركوك ، ولما استشهد والده في حرب الكوت وفي أثناء عودتهم إلى بغداد قام أولاد (حمه مام) بحراستهم ومحافظتهم وفاء بحقوق القائد المشار إليه مما يدل على شهامتهم.

ومن الحوادث :

١ ـ تعمير مرقد الزبير وطلحة وأنس بن مالك (رض).

٢ ـ تعمير مرقد الشيخ أحمد الرفاعي.

٣ ـ بناء جامع شطرة العمارة.

٤ ـ خزانة كتب السيد نعمان خير الدين الآلوسي. وقف ألف كتاب من كتبه النفيسة النادرة لهذه الخزانة.

٥ ـ ورد السيد سلمان نقيب أشراف بغداد من استنبول يوم الثلاثاء ٦ شوال سنة ١٣٠٤ ه‍ واستقبل استقبالا رسميا كما أن أخاه السيد عبد الرحمن وسائر إخوته وأقاربه استقبلوه من مسافة عدة أيام (١).

٦ ـ سدة الكنعانية. بقرب الصقلاوية قد تضعضعت من شدة الفيضان فذهب الوالي لمشاهدتها بنفسه (٢).

٧ ـ ورد بغداد أمير شمر فرحان باشا (٣).

حوادث سنة ١٣٠٥ ه‍ ـ ١٨٨٧ م

عدة حوادث :

١ ـ إن قائد الفيلق الخامس أحمد توفيق باشا قد نقل إلى الفيلق

__________________

(١) الزوراء عدد ١٣١٧ في ٨ شوال سنة ١٣٠٤ ه‍.

(٢) الزوراء عدد ١٣١٧ في ٨ شوال سنة ١٣٠٤ ه‍.

(٣) الزوراء عدد ١٣١٨ في ١٥ شوال سنة ١٣٠٤ ه‍.

١٠٥

السادس في بغداد فوصل في ١٣ ربيع أول سنة ١٣٠٥ ه‍.

٢ ـ إن قائد الفيلق السادس نافذ باشا قد نقل إلى ولاية البصرة وذهب جماعة بينهم الوالي والأمراء والأعيان لتوديعه. وأودعت القيادة بالوكالة إلى قائد الرديف الفريق شعبان باشا.

٣ ـ وقع سوء استعمال في مزايدة في العمارة. ولعل تبديل الوالي كان معطوفا إلى هذا السبب.

٤ ـ وصل المهندس موسيو (غالان) لكشف سدة الهندية. وهو مهندس الطرق والمعابر في نظارة النافعة. وذلك بأمل إنشاء سدّها (١). ثم ذهب مع الوالي لكشف المحل وأنيب عن الوالي نائب بغداد عمر فهمي ، وعاد المهندس في ١٩ جمادى الأولى (٢).

إقبال الدولة :

توفي يوم الاثنين في ٨ ربيع الثاني (٣) سنة ١٣٠٥ ه‍ ـ ٢١ كانون الأول سنة ١٨٨٧ م في الكاظمية ودفن في داره بمحلة القطانة بوصية منه ، فتم دفنه في داره حسب منطوق وصيته المكتوبة بخط يده في ٩ ربيع الأول سنة ١٣٠٠ ه‍ يوم الخميس في گرارة. وسجلها في السفارة البريطانية باستنبول ، وأوصى أن يقوم بها رئيس الخدام الوكيل بعده أبو الحسن القندهاري وأولاده خضر وعباس ، ومحمد حسين وهذا مات قبل أن يصير وصيا ، وتوفي أبو الحسن القندهاري بعد إقبال الدولة بمدة قليلة. فصار الأوصياء بعده :

١ ـ خضر بن أبي الحسن القندهاري. توفي سنة ١٩١٣ م.

__________________

(١) الزوراء في ٢٥ المحرم سنة ١٣٠٥ ه‍.

(٢) الزوراء في ٧ صفر سنة ذ ١٣٠ ه‍.

(٣) كما ذكر لي أحد الأوصياء. في حين أن جريدة الزوراء لم تعينه بالضبط.

١٠٦

٢ ـ عباس بن أبي الحسن. توفي سنة ١٩٣٥ م.

٣ ـ آغا علي بن خضر بن أبي الحسن القندهاري ، توفي سنة ١٩٢٨ م وآلت الوصاية إلى ابنه آغا محمد.

٤ ـ محمد جواد بن خضر.

وتتضمن الوصية أن يقوم أبو الحسن القندهاري وخضر وإخوته وولده نسلا بعد نسل بأمور داره وخدمة قبره بشرط أن يكون عاقلا قابلا ، كاملا ولائقا فائقا ، تبقى هذه الخدمة في عقبه من سلالة أبي الحسن ممن هو قادر على القيام بهذا العمل بصورة صحيحة وكاملة إلى النهاية. وجعل القنصل البريطاني ببغداد وكيلا ووصيا وناظرا من بعده ، إلا أنه رفض ذلك لانشغاله بمهامه الرسمية. وأن يكون الناظر النواب ميرزا محمد حسين خان المدراسي الأركاتي ليقوم بأعماله باتفاق مع الأوصياء ، لا بنفاق. وهذا عزل ثم أعيد ، وصار وصيا أيضا آغا محمد جواد وتوفي ، ويقال إن للوصي القندهاري قربى بعيدة بإقبال الدولة إلا أنه كان يكتمها.

وهذا الأمير إقبال الدولة من أمراء الهند ، ويسمى (النواب سر إقبال الدولة) ابن النواب شمس الدين حيدر ابن سعادة علي خان ، وهم ملوك بنارس وكان ابن عمه (واجد علي شاه) (١) ملكا على العاصمة (لكناهور) ، والقطر التابع لها. فحارب (واجد علي شاه) الإنكليز فانتصروا عليه ، واعتقلوه في كلكتا ، وأعطوه أربعة ألكاك روبية شهريا (٣٠٠٠٠ دينار) ، وأخرجوا إقبال الدولة حذرا من أن يفسد عليهم أمرهم أو يولد زعازع ويحرض على القيام.

__________________

(١) كان ابنه وولي عهده منير الدولة توفي في لندن. وزوجته تاجدار بهو توفيت بلا ولد في كربلاء. ولها أوقاف وقفتها على نفسها ثم على أشخاص معينين وخولت المتولي حق نصب من يجعله متوليا. وهكذا.

١٠٧

وكان قد تزوج بنت ملك مليبار وهو (تيپو سلطان) المشهور بحرب الإنكليز مدة طويلة ، وولد له منها جلال الدين ميرزا وتوفي عن ١٤ سنة ودفن في روضة الكاظمية ، ومقبرته معلومة. وكان قد تمكن إقبال الدولة في العراق ، وسكن بغداد سنة ١٢٥١ ه‍. وقدم إعانة للدولة أيام حرب روسية ألف ليرة عثمانية.

وإقبال الدولة من أكابر الرجال وأديب فاضل معروف ، وشهرته كبيرة ، ولا يخلو من اتصال بأدباء العرب وعلمائهم ، فهو متمكن في الأدبين إلا أن الأدب الإيراني غالب عليه ، وإن كان يتلذذ بهما .. ومن أصدقائه الملازمين له دوما الأستاذ عبد الباقي العمري ، والأستاذ أبو الثناء محمود الآلوسي وبيته مجمع رجال الأدب وكل واحد من أدبائنا تظهر قدرته وتعرف مزاياه بما يقدمه. تكامل تهذيبه في تجولاته وتنقلاته من الهند إلى العراق ، والحجاز ، ثم الإقامة ببغداد ، وبعد ذلك كانت رحلاته إلى استنبول وأوروبا للحضور في المعارض ، وزيارة المتاحف فكانت من أجل ما انتفع منه. ولا ريب أن ذلك يؤدي حتما إلى تهذيب ونضج وانتباه لا مزيد عليه. وكانت سياحته الأولى بصحبة الأستاذ أبي الثناء الآلوسي سنة ١٢٦٧ ه‍ كما جاء في غرائب الاغتراب. وكانت سياحته الثانية إلى باريس وبعض عواصم أوروبا ، وبعودته إلى استنبول زار السلطان عبد الحميد الثاني ، وحصل على الوسام المجيدي من الرتبة الأولى ، كان خروجه من بغداد في ٥ رجب سنة ١٢٩٥ ه‍ ذهب من طريق ديار بكر ، وعاد منها إلى الموصل فوصل إلى بغداد ، يوم الأحد ٢٣ رجب سنة ١٢٩٦ ه‍ (١).

وكان قد ورد بغداد سنة ١٢٥٠ ه‍ ، وكتب رحلته إلى الحجاز في

__________________

(١) الزوراء عدد ٨٤٣ في ٥ رجب سنة ١٢٩٦ ه‍ وعدد ٦٣٨ في ٩ جمادى الآخرة سنة ١٢٩٣ ه‍ وعدد ٧٦٧ في ٦ رجب سنة ١٢٩٥ ه‍ ، وعدد ٨٣٥ و ٨٤١.

١٠٨

سنة ١٢٥١ ه‍ وهي مملوءة من الهزل واللطائف الكثيرة البديعة. عاش بعدها مدة طويلة قضى غالبها في العراق ، وله احترام زائد في نفوس الأهلين ، ومكانة مقبولة من الجميع ، وبيته مجمع الأدباء. ونوادره وأقواله ولطائفه لا تحصى ، يحفظ البغداديون الكثير منها. وتتداولها الألسن ، ومن المؤسف أنها لم تدوّن ، وقد حصلت على رحلته المذكورة ولعلها كتبت بأمر منه. وذكر الأستاذ يعقوب سركيس مكاتبات بينه وبين والده نعوم سركيس ، محفوظة لديه وفيها من الأدب المفضوح ما يمنع من نشرها ولا تخلو من لطيفة دقيقة ، فهو هزلي لما يترك الهزل حتى أواخر أيامه (١).

وكل ما يقال إنه لا يضيع اللطيفة ولو في أحرج المواقف. وكان قصره وبستانه في گرارة (قرارة) ، ثم بيع إلى سماحة السيد إبراهيم سيف الدين الگيلاني نقيب أشراف بغداد بمبلغ ثمانية آلاف ليرة ذهبا.

وهنا لا نمضي حتى ندوّن بعض ما قيل فيه فقد جاء في (سياحت ژورنالي) ما ترجمته :

«كان من أمراء الهند المشاهير ، هاجر إلى بغداد منذ نحو ٥٠ سنة ، فاختار الإقامة فيها ، فكان من تفرعات سياحتي إلى بغداد مشاهدتي له ، فقد ذهبت إلى داره بجوار الباب الشرقي على ساحل دجلة صحبة متصرف المركز ناظم بك ، والدفتري حسن رضا أفندي ، فواجهته والتقيت به ، وكان شيخا تجاوز السبعين من عمره ولا يزال قوي الفكرة ، حسن الصحبة جيدا ، يتكلم باللطائف. ولا تحدّ ثروته ، أو لا يمكن إحصاؤها من النقود والمجوهرات ملء الصناديق. وله في مصرف إنكلترة مبلغ ٢٥ مليون ليرة ولكن بخله وإقتاره مشهور فلا يعرف أنه أنفق دراهم

__________________

(١) (سياحت جرنالي).

١٠٩

في وجوه البر والخير لأهل بغداد التي اتخذها وطنا ثانيا له منذ ٥٠ سنة في حين أنه من جراء أملاكه الكثيرة يصرف جزافا لوكلاء الدعاوي ويعطي بلا حساب للمحامين وغيرهم مبالغ كثيرة ويقدم هدايا في سبيل ذلك مما لم يمنع منها بخله البالغ حده ، فقد وقع أن صرف فيما لا يعني ولأمر تافه ، نحو ٣٠٠ ليرة أو ٥٠٠ ، وإن داره مملوءة بجوار عديدة ، فلا تخرج واحدة منهن إلى خارج البيت ، ولا تتصل بالأسر الأخرى ولا بنساء الآخرين ، أو تتعرف لهن ولا تخرج واحدة منهن إلى الأزقة ، توفي بلا وارث وأنا في بغداد ، ولما كان من تبعة الدولة الإنكليزية وضعت القنصلية البريطانية يدها على تركته» (١).

ولا شك أن هذه الرحلة عينت أوضاعه وأن صاحبها ورد بغداد في ٥ تشرين الأول سنة ١٣٠١ رومية وما قاله لا يخلو من مبالغة نوعا ، ولا ينكر أنه شارك في إعانات عديدة. وصاحب هذه السياحة شاهده في آخر أيامه ، وأشار إلى قوة نشاط وهزل في جدّ وأدب جمّ إلى آخر ما هنالك ، فهو مشهور في مجالسه مرغوب في صحبته ، مقبول في رفاقته ..

وذكره الأستاذ أبو الثناء الآلوسي فقال :

«واتفق أن رافقنا في المسير ، غنيا عن رفاقه مأمور وأمير ، شامة وجنة الأحباب ، حضرة (إقبال) الدولة الشهير (بالنواب) وهو رجل من ملوك الهند سكن العراق ، ووافقه صباه وجنوبه غاية الوفاق ، وعرف الناس وعرفوه ، وألف الأخيار وألفوه ، حيث كان ذا خلق أرق من دمعة الصب ، وطبع ألطف من وابل غيث غب الجدب ، وله مع الأحبة منهاج ، لا تجد له ولو تتبعت من هاج ، ومزاج غير أجاج ، هو لمدام الأنس خير مزاج ، مع عراقة أصل ، ورجاحة عقل ، وكمال فضل ، يحب

__________________

(١) (سياحت جرنالي) ص ٧٣.

١١٠

بشراشره العترة الطاهرة ، وليس له رأس مال سوى ذلك في الآخرة ، ولا يقبل منقولا ، ما لم يكن لديه معقولا ، وله نظم في الفارسية الدريّة رائق ، ونثر كالنجوم الدرية فائق ، والذي أوجب سفره ، حب رؤية سوق لم يسبق مثله أحدث في لوندرة ، ومن عادته حبّ رؤية الغرائب ، ولو صرف لأجلها جل الرغائب ، على أن ما صرف ، ولو بلغ حدّ السرف ، قل من جل ، وغيض من فيض ، فقد يسر الله تعالى له تجارة رابحة ، وآتاه (مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ) [سورة القصص ، الآية : ٧٦] ، فليس عليه لأحد سوى الله تعالى منّة ، ولا يرى محنة ، تعالج بمراهم الدراهم محنة ، ولقد آنسنا برفاقته ، لغاية لطفه ونجابته ، لا زال يسرح في رياض النعم ، محفوظا من كل ألم ، بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم» اه (١).

وزاد المرحوم الأستاذ السيد أحمد شاكر ابن المؤلف ووالد الأستاذ المرحوم السيد محمد درويش الآلوسي في الهامش قوله :

«وقد عمر هذا الرجل عمرا طويلا ، يقال إنه تجاوز مائة سنة ، وتوفي في أوائل ربيع الثاني سنة ١٣٠٥ ه‍ ، ودفن في داره في قصبة الإمام موسى الكاظم رضي الله تعالى عنه ، وكان ذا ثروة عظيمة ، ترك شيئا كثيرا من العقار والأموال والنقود ، ولم يعقب ولدا ، وورثه بعض أقاربه وذوي أرحامه». اه.

برد في بغداد :

في ٢ شعبان سنة ١٣٠٥ ه‍ (١٤ نيسان سنة ١٨٨٨ م) سقط برد ولكنه لم يضر بأحد (٢).

__________________

(١) غرائب الاغتراب ونزهة الألباب ص ٤٧.

(٢) نقلا من مجموعة المرحوم الأستاذ محمد درويش بن عبد العزيز رئيس كتاب المحكمة الشرعية سابقا ومن محلة باب الشيخ. وتوفي في ٢١ آب سنة ١٩٣٨ م والد الأستاذ محمود فهمي درويش.

١١١

حوادث سنة ١٣٠٦ ه‍ ـ ١٨٨٨ م

آل الكيلاني ـ الوالي :

تدخل الوالي في أمر الأوقاف القادرية ، وأراد الوقيعة بالسيد سليمان النقيب. وناصر الأسرة كتّاب أفاضل مثل عبد الحميد الشاوي قدم شكاوى بقلمه ، فشنّع على الوالي.

وأشهر الحوادث الأخرى :

١ ـ الفيضان في دجلة والفرات.

٢ ـ زوابع شديدة.

٣ ـ ظهور الجراد.

٤ ـ احتفالات بجلوس السلطان وولادته ، أو ولادات أبناء السلطنة.

٥ ـ استقبال الولاة ، والاحتفال بهم ، وقراءة فرامينهم. وهذه أمور معتادة ، تقع دائما ، أو تتكرر أو تحدث لأزمنة وقتية.

٦ ـ الدفنية في المشاهد : كربلاء ، والنجف.

٧ ـ توسيع البريد. وإعلان ذلك بين حين وآخر.

٨ ـ تطبيق نظام الجدري على الموظفين.

٩ ـ السباق في ١٠ شعبان سنة ١٣٠٦ ه‍.

أعضاء مجلس الولاية :

انقضت المدة النظامية فاختير من حصل أكثر الآراء :

عبد الرزاق شيخ قادر. لا تزال أسرتهم معروفة.

مصطفى بن عبد الغني آل جميل.

١١٢

عبد القادر باشا ابن الحاج عبد الرزاق چلبي الخضيري من آل سبهان من قبائل شمر وهو تاجر وملاك وحصل على رتبة (باشا) أي (مير ميران) في ٢١ ذي الحجة ١٣١٨ ه‍ ، وعلى وسام (شير وخورشيد) من مظفر الدين شاه إيران سنة ١٣١٨ ه‍ وصدرت الإرادة السنية بحمله في ٥ محرم ١٣٢٠ ه‍ وأوسمة أخرى. وتوفي يوم ١٣ شوال سنة ١٣٤١ ه‍. والد الصديق علي صائب الخضيري.

محمد بك الربيعي ابن مصطفى (١) بك ابن علي (٢) بك ابن عبد الله (٣) بك ابن محمد (٤) أفندي ابن علي باشا الشهير بقدوم (٥) ابن محمد الطيار باشا (٦).

يوسف شنطوب اليهودي. هو والد مير شنطوب وعم حسقيل شنطوب.

بدروس الأرمني (٧).

نقيب البصرة :

السيد سعيد أفندي قائممقام نقيب الأشراف قد استعفى ، فخلفه ولده السيد رجب (٨). والد طالب باشا النقيب.

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد السادس ثم صار كتخدا والي بغداد عبدي باشا ـ غرائب الاغتراب ص ٤١.

(٢) ويودة ماردين سنة ١٢٠٠ ه‍.

(٣) الذي أعتق سليمان باشا الكبير تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد السادس.

(٤) ويودة ماردين تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد السادس.

(٥) تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الخامس.

(٦) تاريخ العراق بين احتلالين المجلد الرابع.

(٧) الزوراء عدد ١٣٩٦ ه‍ في ٢٩ شهر رمضان سنة ١٣٠٦ ه‍.

(٨) الزوراء عدد ١٣٩٨ في ٥ ذي القعدة سنة ١٣٠٦ ه‍.

١١٣

حوادث سنة ١٣٠٧ ه‍ ـ ١٨٨٩ م

الهيضة في بغداد :

ظهرت الهيضة ، وفرّ أكثر الأهلين لا سيما اليهود وأكابر البلد إلى القرى ، واستمر المرض ثلاثين يوما ، ثم أخذ بالتناقص. وبلغ مقدار الوفيات كل يوم ما ينوف على مائة وثلاثين نسمة وغلقت الأسواق ولم يبق إلا بعض الدكاكين (١).

موت الحاخام :

هذه أكبر أمرها الأجانب الذين لا شأن لهم إلا التنديد بأعمال الدولة وذمّ ولاتها. وفي بادىء أمرها كانت مسألة تافهة لا تستحق الرعاية والاهتمام. كنت رأيت في مجموعة الأستاذ محمد أمين العمري أن الحاخام أخرجت جثته قبل خروج مصطفى عاصم باشا بليلة واحدة أي يوم ١٧ ربيع الآخر سنة ١٣٠٧ ه‍. قال :

توفي حاخام باشي (رئيس الحاخامين) بهذه العلة (الهيضة) ، وخرج اليهود ليلا بجثته ، ودفنوه في كنيس النبي يوشع (ع) وذلك خلاف أمر الوالي مصطفى عاصم باشا وفي تلك الليلة وقعت منازعات بين اليهود وبين مأموري البلدية وضربوا رئيس البلدية عبد الله الزيبق وشتموه وذلك بمساعدة سعيد آغا أمير اللواء (الآي بگي) وكسروا باب تربة النبي يوشع ودفنوا الحاخام. ثم إن الوالي لم يرض بهذه الحالات وأدب اليهود وسجن من تجاسر على هذه الأفعال واستحصل أمرا من السلطان عبد الحميد بإخراج جثة اليهودي فأخرجت ليلا ودفنت في مقابر اليهود وصادف عزل الوالي قبل ورود هذا الأمر بيومين. وتحول الوالي إلى

__________________

(١) مجموعة الأستاذ محمد أمين العمري.

١١٤

ولاية أطنة (أذنة) وقبل أن يصل إليها صار والي الشام. ونصب وكيلا عنه المشير توفيق باشا.

وهذا أضيف إلى المجموعة من جانب ابن أخيه محمد كامل بن محمد طاهر بن يوسف العمري. وتحققت من مراجع أخرى أنه توفي الحاخام عبد الله أبراهام سوميخ في أيلول سنة ١٨٨٩ م في يوم الجمعة ليلة السبت ، فتأخر دفنه إلى يوم الأحد. وكان في هذا الموسم هيضة (قوليرا). وكان له موقع ممتاز بين أبناء طائفته ، ومحترم الجانب ، وله تدريس في (مدارش بيت زلخة) ، وتآليفه لا تتجاوز الأمور الدينية ، وله فضل وتقوى ، وأسرته (آل سوميخ) قديمة فاستأذن اليهود من الوالي أن يدفن في (تربة النبي يوشع (ع) وكان المفهوم أن يدفن في مقبرة اليهود خارج تربة النبي يوشع ، فأجري له الاحتفال ، وجلب الأنظار أكثر. وكان بعض اليهود المتهوسين ينوون أن يدفن في تربة النبي يوشع داخل المرقد ، فعارض السادن (الكليدار) ، وأن اليهود لم يقفوا عند حدود ذلك بل إن (إلياهو سموحة الصائغ) ، ومعه بعض الحاخامين أصروا على دفنه داخل المرقد ، فأدخلوه ودفنوه ، فحدثت بين أقارب الكليدار واليهود مناوشة ، فتدخلت الشرطة.

وزاد في الطين بلّة أن زوجة (عاشير سالم) دفنت في اليوم الثاني داخل سور المرقد ، فتجددت المشادة ، فأدت إلى شكاوى بينهما ، وصارت موضوع بحث في استنبول ، وتوصل اليهود إلى أن تتدخل أم السلطان في الأمر ، وكثرت المطالبات من اليهود.

وبعد ثلاثة أشهر أخرج الحاخام من مدفنه ليلا ونقل إلى مقابر اليهود في الجانب الشرقي من بغداد حذرا من تدخل الناس وتوتر الحالة. وهي بسيطة ، ومن السهل تدارك أمرها ، وكان في مقدمة اليهود (يهودا زلوف) ، و (شاؤول داود) وكان هذا كاتب الحاخامية وهو

١١٥

المحامي شاؤول داود ، وكانا يحسنان التركية فشاغبوا كثيرا وساعدهم القائد وكان يوصي كاتبه تحسين بك بمساعدة اليهود وكان يتصل بالمعلم نسيم. وعكروا بساطة القضية. وأبدى بعض الحاخامين زيادة في التعنّد. فأوصلوا خبرها إلى الغرب الذي يترقب مثل هذه الأمور ، فتدخل فيها بعض اليهود في فرانسة وكأنها من أمهات المسائل.

وجل ما هنالك أن الأنبياء محترمون عند المسلمين وأهل الأديان الأخرى فلا يمكن أن يدفن في مراقدهم من سائر الناس ، وأن الوالي أذن أن يدفن في مقبرة اليهود ، فتولدت المشادة.

أصدر الوالي أمره بتوقيف رئيس الحاخامين اليشاع ورفقائه من هيئة المجلس الجسماني بينهم يوسف شنطوب وصالح كاشي .. ذلك ما وسع نطاق المسألة ، ولكن الطائفة لم تستطع أن تبرىء ساحتها من مخالفة الأوامر في الدفن إلا أنها ادعت أن المسبب كان من الرعاع المتهور.

أنهيت القضية بعزل الوالي ، ونقله إلى (أطنة) ، وبعد ذلك نقل القائد توفيق باشا وحبس المتسبّبون سنة ، وسمحت الحكومة أن يكون محل السجن الكنيسة الإسرائيلية لأنهم روحانيون ، ويكتفي بتوقيف الوجوه ثلاثة أشهر ، هذا ما علمته من بعض اليهود العارفين. وعرفت الدولة خفايا القضية ، وما كان يجري وراء الستار من المشادة بين الوالي والقاضي.

وصول مهندسين :

لسدة الهندية ، وتطهير دجلة والفرات. موسيو (پول شندرفر) مهندس الطرق والمصالح ، ومعاونه (تيودور دروان).

جسر قرارة (كرارة):

لجميل صدقي الزهاوي قصيدة في جسر قرارة. منها :

١١٦

من ذاك جسر قد تمدّ

د فوق دجلة بالمهاره

في قرب بغداد بمع

برة يقال لها قراره

جمع المتانة والصيا

نة والرزانة والنضاره

أنشاه عاصم الذي ،

تزهو بطلعته الوزاره

وقال تاريخه :

إذ تمّ قلت مؤرخا

جسر تمدد في قراره

١٣٠٧ ه

وللأستاذ سليمان البستاني من أدباء بيروت ، مقطوعة فيه ، وكان مقيما في بغداد. وبعد مدة قليلة تخرب فلم يتقن عمله وكان صرف عليه مبلغ ١٦٠٠ ليرة.

عزل الوالي عاصم باشا

ذكر لي الفاضل المرحوم عبد المجيد بك القائممقام المتقاعد أن مصطفى عاصم باشا كان نزيها ، ومن الأخيار جاء برتبة مشير وهو فعال جدا ، وله مقدرة ، أحسن إدارة بغداد ، وكانت داره في شريعة الميدان في الدار المجاورة للقنصلية الإيرانية اليوم تجاه المدرسة الإعدادية. فارق بغداد يوم الخميس ١٨ ربيع الآخر سنة ١٣٠٧ ه‍ ، فذهب لتوديعه الأعيان والأمراء. وتوفي في ٨ ربيع الآخر سنة ١٣٠٩ ه‍ (١).

__________________

(١) الزوراء عدد ١٤١١ في ١٢ ربيع الآخر سنة ١٣٠٧ ه‍ وتقويم وقائع عدد ١٢٨ في ١٠ ربيع الآخر سنة ١٣٠٩ ه‍.

١١٧

١١٨

الوالي سري باشا

نال المنصب الوالي سري باشا في ٢٩ ربيع الأول سنة ١٣٠٧ ه‍ وكان والي (أطنة) وقدم بغداد في ٢٠ جمادى الأولى وأجريت المراسيم المعتادة. من الأمراء والأعيان ، فهنأوه. ثم ورد إليه منشور الوزارة يوم ٢٥ منه فقرىء بمراسمه المعتادة.

وهذا خطابه مترجما عن التركية :

«أيها السادة!

بشرى لكم بالفوز العظيم.

إن الله تعالى تفضل عليكم فجعل لكم ظل العدل ، والإحسان الظليل من حضرة أمير المؤمنين فتشكروا ، ثم لتشكروا الله لما أنالكم هذه النعمة. واعلموا أن كل ما أمر به أمير المؤمنين فهو واجب الامتثال ودليل سبل الرشد والهدى. وبالطاعة صلاح الدين والدنيا.

واعلموا أن ذلك وارث الملك ، ومتبوع كافة العثمانيين ، وإمامهم المقدس. وهو الذي منّ على عبده هذا. لولايتكم لطفا منه وعناية. فأرجو الله أن يوفقني لإدامة هذا اللطف والنظر.

واعلموا أن الوالي هو المتحمل أعباء الأهلين ، ولا شك أنه حمل ثقيل ، وأرجو من الله أن يخفف ذلك عنّي.

ثم اعلموا أن الولاية العلية أمانة ، والله الذي أودعنا هذه الأمانة قادر أن يخلق أسباب حفظها وصيانتها.

منع الأذى ، وحفظ الراحة ، وتعمير البلاد ، وترفيه العباد كلها من الوظائف الأصلية المتفرعة من تلك الولاية. وهذه أيضا وظيفة كبيرة خطيرة ومشكلة ، لكن لي ثلاثة مستندات كبار وهي الله ورسوله وسلطانه. وآمل في طاعتي للأوامر الإلهية ومتابعتي للسنة النبوية ، وحرمتي لآل

١١٩

النبوة ، وصداقتي للمليك يسهل بهن كل صعوبة بلطف منه تعالى وكرم. والتوفيق الإلهي معاضد الهمة والخلوص إليه تعالى.

والشريعة المطهرة هي حبل الله المتين ، وكانت ولا تزال مدار اعتصامنا حالا واستقبالا. والقانون لا ينحرف عن الشرع. وهما ميزان الاعتدال. وما دمتم ملازمين للصلاح ، فلكم أن تأملوا من عمّالكم خيرا ، وإن عمالكم أعمالكم كما ورد في الأثر. والكمال لله ، والعصمة مختصة بأنبيائه. فإذا اعترتني غفلة في أداء الواجب فأيقظوني ، وإن بدا منّي قصور فاخطروني ، وليس بعيب ظهور الخطأ من الإنسان ، وإنما العيب في الإصرار على الخطأ. والحق أحق أن يتبع. وهو بالالتفات أحرى ، وبالتلقي أولى. سوى إن وظيفتي من الأمور التي اتخذتها أقدس ما يكون في الدنيا. أحب وظيفتي وأودها وذلك منطبع عندي.

اعلموا أنه لا تكون رئاسة بلا سياسة.

وإني بمشيئة الله تعالى وعونه لا أبدي فتورا ولا ضعفا في إجراء السياسة ، وإيفاء حق الرئاسة اسم الخليفة الأعظم. طبق الحد الذي عينه الشرع والقانون وها أنا قد عاهدت الله ذا الجلال. وأعطيته ميثاقا على أن أسعى السعي البليغ فعلا لا قولا فقط بأنني ذلك العبد المخلص لولي نعمته. وإني من أصدق عبيده ، وأطوعهم ، وأصرف المجهود ، وأبذل المستطاع.

هذا. وإني آمل من رفاقي الكرام وأعيان الأهلين أن يؤازروني مؤازرة كاملة في هذا الأمر ، وأسأل الباري تعالى أن يزيد في عمر مولانا الملك. ويوفر شوكته ويؤيد ملكه. ويجعل توفيقاته دليل السداد ومنهاج الرشاد آمين.

وبعد أن أنهى الوالي خطابه شرع صاحب الفضيلة نعمان خير الدين الآلوسي يتلو دعاء بليغا ضمنه التوسل إلى الله بأن يزيد في عمر حضرة المولى الخليفة. وعقب هذا تلا وكيل بطريق ملة السريان أيضا

١٢٠