موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

الغالب لابن الرشيد. ثم علمت الدولة العثمانيد بأن الأمير مبارك الصباح كانت له علاقة حماية بالإنكليز. وهكذا كانت علاقات ابن الرشيد به في حروب دائمة في مساعدته لابن سعود في حادث الرياض الذي جهزت فيه الدولة (جيش العراق).

ولما كانت للأمير مبارك الصباح معارك مع ابن الرشيد في شهر رمضان سنة ١٣١٦ ه‍ ، وأخرى في المحرم سنة ١٣١٨ ه‍ ، وثالثة في ذي الحجة سنة ١٣٢١ ه‍ لم تر الدولة مندوحة من عقد معاهدة مع الإنكليز بالوجه المذكور ، وكانت المعاهدات بين الإنكليز والكويت تؤيد الحكم لأسرة آل صباح وأن لا تتفق الكويت مع دولة دون موافقة إنكلترا ، وأن هذه تحميها من الاعتداء الخارجي على أن لا تتدخل في أمورها الداخلية.

قانون الولايات الموقت :

أصدرته الدولة ، وطبع ببغداد بالتركية والعربية. وفي هذا ما يعيّن التشكيلات الإدارية والمجالس العمومية وأعمالها وسائر ما يتعلق بالإدارة.

اغتيال فريد وبديع نوري

أطلق بعض الأشقياء رصاصا على فريد بك آمر موقع البصرة ، وبديع نوري بك الجابري متصرف الناصرية فمات الأول حالا ، وأما الثاني فتوفي بعد بضع ساعات نهار الجمعة ٢٠ حزيران سنة ١٩١٣ م (شعبان سنة ١٣٣١ ه‍). ولم يعرف الجناة (١).

__________________

(١) لغة العرب ج ٣ ص ٥٦. ولم يعرف بديع نوري بك بالجابري وهو أخو الأستاذ ساطع بك المعروف بـ (الحصري) وهو المشهور.

٢٨١

وجاء في ثروت فنون : قائد البصرة الزعيم فريد بك قد اغتيل بوحشية مع المتصرف في لواء المنتفق بديع نوري بك. والمرحوم ولد في أرضروم (أرزن الروم) ، ودرس في المدرسة الابتدائية في مسقط رأسه ، وجاء إلى استنبول فتخرج في سنة ١٣١٤ رومية من المدرسة الحربية وفي سنة ١٣١٧ أكمل مدرسة الأركان فتخرج برتبة رئيس ، وبعد مدة أرسل إلى العراق ، وقضى حياته العسكرية فيه برتبة زعيم وكان غيورا ، متفاديا ، ومخلصا ، فهو جندي ثمين وإن الغدر به بصورة مفجعة من دواعي الألم عليه (١).

وجاء عن بديع نوري :

«اغتيل في ٧ حزيران مع الزعيم فريد بك عند مرورهما من جسر العشار من أشخاص مجهولين فاستشهد من أثر الجرح الذي أصابه كما أن فريد بك استشهد حالا إثر ضربه. وكان فاضلا كاملا ، وهو من أبناء المملكة الأفذاذ ، ولا شك أن من فتنوا بثقافته وعلمه وأدبه سيجرح قلوبهم خبر نعيه وفراقه ، وهو من المعروفين لقراء (ثروت فنون) ومن المحترمين في نظرهم ، وكان ما ينشره نتيجة وقوف وتدقيق وكذا في المجلات والجرائد الأخرى مما يدل على جوهر عرفانه ، وكمال ثقافته وهو ابن هلال الحلبي تخرج من المدرسة الملكية ، وعهدت إليه قائممقاميات في (روم ايلي) ، ونال مكتوبية (أدرنة) ومديرية التحرير بولاية استنبول وحصل على منصب مديرية البلدية في فاتح ثم إنه بطلب منه رجح أن يكون في محل بعيد لا قريب يحتاج إلى إعمار ، فوقع الاختيار أن يكون في لواء المنتفق». ا ه (٢).

__________________

(١) ثروت فنون عدد ١١٥٢ في ٢٩ رجب سنة ١٣٣١ ه‍ وص ١٨٤ وفيها تصويره.

(٢) (ثروت فنون) عدد ١١٥١ في ٢٢ رجب سنة ١٣٣١ ه‍.

٢٨٢

دار البريد والبرق :

في ١٦ كانون الأول سنة ١٩١١ م وضع الحجر الأساسي فتم بناؤها على الطراز الحديث ، وفي صباح نهار الأحد ٢٩ حزيران سنة ١٩١٣ م افتتحت بحضور الوالي وكبار الموظفين وغيرهم (١). ولا تزال عامرة ، وهي دار بريد أيضا لحد اليوم. وتقع تجاه الإعدادية المركزية للبنين.

الوالي حسين جلال بك

عيّن لولاية بغداد جلال بك والي ديار بكر كما أخبرت البرقية الواردة من وزارة الداخلية. جاء من طريق الموصل في يوم الأحد ١٧ رجب سنة ١٣٣١ ه‍ واحتفل به .. وقرىء فرمانه في ٣٠ رجب سنة ١٣٣١ ه‍.

وهذه ترجمته :

«افتخار الأعالي والأعاظم ، مختار الأكابر والأفاخم ، مستجمع جميع المعالي والمكارم ، المختص بمزيد عناية الملك الدائم ، والي ولاية ديار بكر الذي توجه وأحسن لعهدة أهليته منصب ولاية بغداد جلال بك دام علاه.

بوصول توقيعي الرفيع الهمايوني يصير معلومكم نسبة الموقع وأهميته وقابليته المخصوصة المعلومة لولاية بغداد ، يلزم تأمين الانضباط والانتظام وحصول الترقي والعمران لها ، وبموجب أحكام القانون الأساسي المنيفة ، أن تكون حقوق الأهالي متساوية لمظهر العدالة والرأفة ، وأن ينالوا الرفاه والسعادة وذلك أخص آمالي الملوكانية ، وحيث أنت الأمير المشار إليه ، ولكونك من مأموري السلطنة السنية

__________________

(١) لغة العرب ج ١ ص ١٧٩ وج ٣ ص ١١٢.

٢٨٣

الذي أنت من أرباب الأهلية والدراية ولك وقوف على أصول الإدارة ، فبناء على مأمولي ومنتظري الشاهاني يلزم منك ظهور الخدمات الحسنة والآثار الجميلة الموافقة للإيجابات المحلية ضمن الشرع الشريف والقوانين والنظامات الموضوعة ، وبموجب قرار مجلس الوكلاء الفخام الذي عقد في الخامس من شهر جمادى الآخرة لسنة ١٣٣١ ه‍ لدى الاستئذان إرادتي السنية الملوكانية التي صدرت قد توجهت لعهدة اقتداركم منصب ولاية بغداد ، وقد أصدر وأعطي هذا الأمر الجليل القدر من الديوان الهمايوني المتضمن لمأموريتكم وبمقتضى فطانتكم ومعرفتكم بكمال مهام الأمور التي أنت مفطور ومجبول عليها وعلى كل حال مع التمسك والتوسل بالشريعة المطهرة لحضرة سيد الأنام وتوفيقا لأحكام القوانين والنظامات الموضوعة أن تعمل همة وغيرة لإيفاء حسن الوظائف ، وتبسط جناح الرأفة والشفقة على صنوف الأهالي ، وأن تبعتي الملوكانية ينالون السعادة والحرية بصورة متساوية ويكونون مظهرا لأتم العدالة والحقانية ، وتتكمل الوسائل المهمة على عموم المأمورين أيضا بأن يطبقوا القوانين الموضوعة على أبناء الوطن متساويا بلا التزام طرف ، وتبدي المقدرة لأجل استجلاب الدعوات الخيرية من كل أحد لجانبي الملوكاني المستجمع المجد والشرف وتسارع بإنهاء الخصومات المتكونة إلى الباب العالي. تحريرا في اليوم السابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ١٣٣١ ه‍» ا ه (١). هذا ما قالته الزوراء وهي ترجمة سقيمة ثبتناها على حالها.

ترجمة خطاب الوالي :

«أريد أن أوضح ما أنويه وأبيّن عما يكنه ضميري ويحويه لدى

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٤١٨ في ٧ شعبان سنة ١٣٣١ ه‍. ومن هذا العدد ابتدأت بتوسيع صفحاتها وجعلت صفحتان منها للعربي ومثلها للتركي.

٢٨٤

٢٨٥

الأشراف المحترمة والأهالي المجتمعة بسبب تلاوة التوقيع الملوكي الصادر من حضرة ملاذ الخلافة بتوجيه العاجز واليا لولاية بغداد.

فيا أيها الحاضرون :

لا شك ولا مرية في أن الدنيا كانت تحسد هذه الخطة المباركة على ثروتها وغناها وتغبطها على سعادتها وعلاها إذ هي مهد العلوم والحضارة ومستودع المعارف والتجارة واليوم أمست بحالة يرثى لها من التدني لعلل تفصيلها يورث الملل وأسباب بسطها يستوجب الإطناب والإسهاب.

ومن ثمة وجب على الولاة الذين يقبلون ولاية بغداد أن يجعلوا نصب أبصارهم ويكون مطمح أنفسهم وأنظارهم إعادة السعادة لهذا المصر وإعمار ما دثر من هذا القطر ولذلك كانت الوظائف التي يتحملونها على عاتقهم شيء لا يطاق والأعباء الثقيلة التي تلزمهم ضيقة النطاق وأنا ممن يعلم كنه ذلك واقفا على حقائق هذه المسالك.

ولكنما الوطن ينتظر من كل فرد عثماني أن يجعل حليته العزم وزينته الحزم ليقاوم به كل مشكلة تعارضه ويطلب منه أن يقوم بخدمته عند كل مهمة تناهضه وأن لا يتردد ولا يفتر ليكون مرهما لجراحاته التي أبرزها الاستبداد في صدره وأظهرها سوء الإدارة في اقتبال عمره وما أولداه بطبعهما من سوء الأخلاق وقبح السيرة بين الرفاق. وها إني قد جئت إلى بغداد متقلدا هذه الوظيفة المهمة متجرئا على إيفائها باذلا وجودي فيها عند كل ملمة لأني أمين من أن أهل بغداد متحسسون بهذا الحس والهمة متلبسون بثياب الحمية والغيرة والذي ساقني إلى قبولها شيئان ، الأول : أداء ما أنا مكلف ومدين به من الخدمة للمملكة ومواطني. الثاني : اطمئناني الكامل بحصول المعاونة من الأهالي طرا وجميع رفقائي المأمورين فابتدأت بمباشرة وظائفي مستعينا بتوفيقه تعالى شأنه.

٢٨٦

وقبل الشروع في أصل المقصد أعدّ من الوظيفة التبريك لأهالي بغداد على ما أبدوه من المتانة والتأني وأظهروه من الاعتماد على الحكومة العثمانية ووقوفهم على صالح أعمالها وحسن أفعالها بمقصدها الأبوي ونظرها العلوي ليحصل الفرق بين جريان هذه المملكة في زمانه والجريان الذي ظهر ببعض الولايات المجاورة في غير أوانه.

فمن المعلوم المسلم عند العموم أن الترقي والتكامل لا يكون إلا تدريجيا فأي مملكة وأي ملّة حصلت على مساعدة فوق قابليتها وأكثر مما يتحمله عرفانها ولم تتأمل حاجاتها الحقيقة ولم تتبصر بما تمشيه من غلط الخطا فهي (لا سمح الله) تقع في هوّة لا تحمد عقباها ولا يسعها إذ ذاك تلافيها ، ومن يتحرك بخلاف هذه القاعدة الاجتماعية يكون قد ارتكب الخيانة لوطنه. والذي جرى في جهة منتهى غرب (روم إيلي) من الأحوال هو أصح دليل وأوضح برهان ولهذا المقصد اتخذت الحكومة السنية قرارات معقولة في غاية الإصابة ، وما ذاك إلا أن العثمانية المتشكلة من العناصر المختلفة وهي تحت مراقبة المجلس الملّي ووصايته الحافظة ونظارته الشفيقة صارت تتحرى الوسائل بالتدريج لتسير بإقدام التجربة وتنظر بعين البصيرة في طريق التكامل وسبل الترقي ، وقد أرسلت الآن قانون إدارة الولايات إلى مواضعه وسمحت فيه ببعض الامتيازات وأعطت المساعدات للمجالس العمومية في الولايات وقد أمرت بتطبيق اللسان المحلي في المكاتب والمحاكم بشرط أن يحافظوا على اللسان الرسمي للحكومة تأمينا للجامعة العثمانية خاصة.

فبناء على ذلك يجب على كل من يجب وطنه وقلبه مشحون بحس الحمية ورابطة الأخوة أن يكون معينا وظهيرا لتشبثات الحكومة وإجراءاتها بكمال الجد والصد وينتظر إن شاء الله باعتماد تام واطمئنان كامل عند ترقي عرفان الملة بأنها ستسمح لهم المساعدات المتناسبة مع عرفانهم ولا يعد هذا النوع من الاحتقار إذ هو عين الحقيقة فقد ذهب

٢٨٧

زمان الانخداع بالأوهام الباطلة والأماني الكاذبة.

وأي نوع من الترقي لا يحصل إلا بعد الاعتراف بالنقائص وحينئذ يمكن الاجتهاد بإصلاحه.

ولنرجع الآن إلى ما نحن بصدده : اعلموا أني ما دمت بين ظهرانيكم سيكون همي مصروفا إلى نقاط ثلاث :

الأولى : استتباب الراحة والأمن بكل طرف من أطراف الولاية.

الثانية : إعمار أراضيها وإحياء مواتها وهو بمنزلة نفخ الروح لهذه الخطة العراقية وإعادة رونق هذه الأراضي الميتة.

الثالثة : هي كيفية تزيين القوى المفكرة للناشئة الجديدة من أبناء الوطن بنور العلم والعرفان.

أما مسألة الأراضي فهو الاهتمام بعمليات الإرواء والإسقاء وتحري الأسباب لإحياء الموات من الأراضي الواسعة المنبتة العديمة المياه.

فالكل يعلمون أن الحكومة السنية بذلت مئات ألوف من الذهب منذ خمس سنوات لأجل الإسقاء والإرواء في سدة الهندية فبلطفه تعالى أن هذه الإنشاءات القريب إتمامها ستصل إلى الختام في زمن مأموريتي. وأسأله تعالى بفضله وكرمه أن ييسر لي ذلك ليكون لي نصيبا من الفرح والسرور من إغاثتي وإمدادي لأهالي الحلة والديوانية الذين قد حرموا الماء منذ سنين وساءت أحوالهم وضاقت بهم الأرض بما رحبت. ومن الأمور الطبيعية بعد إكمال سدة الهندية تتشبث بإكمال الإرواء شيئا فشيئا حسبما هو مسطور في المقررات.

وأما مسألة الأراضي فسأجتهد إلى آخر درجة في جعل الفلاحين أو من هو محروم من المعاونة والمظاهرة من فقراء الأهالي أن يكونوا

٢٨٨

أصحاب أراض يستفيدون من ترابها ، وإذا حصلت الموفقية في هذا الباب فإن الأمن والراحة يحصل ويحدث بطبيعته.

ولنأت إلى أمر المعارف لأن انتسابي وحبي إلى هذا المسلك من قبل وخدمتي فيه مدة ومظاهرة أعضاء المجلس العمومي أولو الحمية الذين لا يمكن أن يشتبه في تقديرهم وعلمهم بحاجات المملكة لأنهم أعلم الناس هنالك إذ بحسب قانون إدارة الولايات قد تركت للمواقع (كذا) يقويان أملي باقتطاف ثمراته النافعة بمدة قليلة وبرهة يسيرة ، لا أرى حاجة في بيان ما تصادفه الحكومة السنية ومأمور والمعارف من المشكلات في تطبيق ما أمرت به في تدريس العربي وندرة المتخصصين من معلميه حتى أنها في مضايقة شديدة من استحصالها كتابا مؤلفا على هذا المنوال. ولكنها ستصرف مجهودها في إتمام هذا النقصان في أقرب زمان وتسعى في تطبيق هذه الأصول في الدورة المقبلة علينا حسب الإمكان.

وهي تصادف هذه المشكلات بعينها في تطبيق العربي في المحاكم العدلية لأن الجميع يصدق أنه لا يمكن وجود كتبة يحسنون الضبط وينظمون الأعلام بالعربي في جميع المحاكم فضلا عن المأمورين ورؤساء المحاكم.

ومع ذلك كله فقد راجعت المقام العائد له هذا الأمر في تطبيق هذه الأصول واتخاذ معاملات العدلية باللسان المحلي من الآن في الأقضية التي أكثر أهاليها وزراعها عربان أو متشكلة من العشائر فهذا مما يجب بالصورة القطعية.

وبواسطة ما تكتسبه الكتبة والمأمورون من المكنة والممارسة في محاكم الأقضية سيمكن التطبيق لذلك الأمر في الألوية ومراكز الألوية وإلى ذلك الوقت يسهل على الحكومة انتخاب الرؤساء اللازمين.

٢٨٩

فالآن أكتفي بما أوضحته من تفويض الأراضي وما أبديته في حق المعارف وما صرحت به على طريق الاستطراد في أمر اللسان المحلي وألخص ذلك كله وإن كان مكررا من أني أوقفت وجودي على عمران البلدة وما تقتضيه أهالي المملكة من الاحتياجات في طريق رفاههم وسعادتهم وأن أذني صاغية لاستماع مطالعة كل فرد سواء كان صغيرا أو كبيرا يراجعني بلا استثناء ، وأعير سمعي له إذا بث شكواه أو بذل شكره. ومن الجملة اجتهد في استخلاص عراقنا العزيز من ربقة إساره الاقتصاد وأبذل وسعي واهتمامي في إعادة ثروته ومعموريته لمساعيه الذاتية وليطمئن كل منكم في صحة ما أقوله وأفوه به سائلا من المولى تعالى ذي الجلال أن يقرن مساعينا في هذا الباب بتوفيقاته الصمدانية إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير». ا ه (١).

هذا ما نطق به الوالي ، ولننظر ماذا يفعل؟ خصوصا ما يتعلق باللغة في التعليم والمحاكم ، ودرجة قيامه بأعمال الري والأراضي ، وما يعود للفلاحين وما يتعلق بالثقافة.

حوادث :

١ ـ عهد إلى الفريق الأول محمد فاضل باشا الداغستاني المتقاعد من العسكرية تفتيش الفيلق في ١٨ رجب سنة ١٣٣١ ه‍.

٢ ـ الإعدادي الملكي في بغداد تحوّل إلى مكتب سلطاني. وبذلك لم تشأ الحكومة أن تقلب تحصيله إلى عربي فكان ذلك تدبيرا اتخذته لإبقاء الحالة على ما هي عليه (٢). ومن هذا السبب لم تتمكن العربية الفصحى في البلاد.

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٤١٨ في ٧ شعبان سنة ١٣٣١ ه‍.

(٢) الزوراء عدد ٢٤٣٩ في ١٦ ذي الحجة سنة ١٣٣١ ه‍.

٢٩٠

٣ ـ تقرر قبول أربعين طالبا في دار المعلمين الليلي وأعلنت الشروط المطلوبة (١).

٤ ـ عزل والي البصرة علاء الدين بك الدروبي عن منصبه ، وأنيطت الأشغال بالآمر عزت باشا أمير اللواء الكركوكي الذي أصبح وزيرا للمواصلات والأشغال في الوزارة النقيبية.

٥ ـ ورد الأمر بتعيين قائد الفيلق في بغداد علي رضا باشا الركابي وكيلا لولاية البصرة ، وسافر إليها في ٢٧ تشرين الثاني سنة ١٩١٣ م. وهو والد الأستاذ علي حيدر الركابي.

٦ ـ زاد الشغب في البصرة كثيرا ، واضطرب حبل الأمن فعادت لا تصلح للسكنى خصوصا للموظفين الترك. وطالبوا بالإصلاح وقدموا عريضة لمقام الولاية.

٧ ـ أنشىء في أواخر آذار سنة ١٩١٣ م النادي العلمي في الكرخ. وصار يؤمه الناس.

عزل الوالي حسين جلال

عزل في أول يوم العيد الأضحى ١٠ أيلول سنة ١٩١٣ م وسافر إلى استنبول صباح الأربعاء ٢٦ ذي الحجة سنة ١٣٣١ ه‍ فخلفه في الولاية مفتش الفيلق محمد فاضل باشا الداغستاني بالوكالة اعتبارا من يوم سفره إلى يوم ٢٠ صف سنة ١٣٣٢ ه‍ (١٨ كانون الثاني سنة ١٩١٤ م) وهو يوم ورود الوالي الجديد جاويد باشا (٢).

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٤٣٩ في ١٦ ذي الحجة سنة ١٣٣١ ه‍.

(٢) الزوراء في ٣٠ ذي الحجة سنة ١٣٣١ ه‍ ، ولغة العرب ج ٣ ص ٣٣٤ و ٣٨٨.

٢٩١

وفيات

١ ـ توفي آغوب آل قيومچيان. يوم الأحد ١ شعبان سنة ١٣٣١ ه‍ وهو أحد أعضاء مجلس الإدارة ومن المعتبرين في بغداد (١).

٢ ـ السيد محمد الطباطبائي وهو المشهور بالحجة الطباطبائي توفي في شعبان سنة ١٣٣١ ه‍ (١٥ حزيران سنة ١٩١٣ م).

٣ ـ مزيد باشا السعدون سقط من ظهر ذلوله فتوفي بعد ستة أيام (٢).

٤ ـ السيد مصطفى نور الدين الواعظ توفي مساء الثلاثاء ودفن نهار الأربعاء في تكية البكري في ٢ نيسان سنة ١٩١٣ م (الموافق ٢٤ ربيع الآخر سنة ١٣٣١ ه‍) وكان من مبعوثي الديوانية سابقا ، ومن علماء بغداد المشهورين ، وهو صاحب عدة مؤلفات (٣).

في مجموعة الأستاذ محمد درويش أنه توفي بتاريخ ٢٣ ربيع الآخر سنة ١٣٣١ ه‍ في مساء يوم الثلاثاء عند الغروب ، وفي يوم الأربعاء صباحا شيع باحتفال لم يشاهد مثله ، واحتفاء عظيم ، ودفن في تكية الشيخ محمد البكري في مقبرتهم الخاصة وفي (الروض الأزهر) أنه توفي يوم الثلاثاء مساء ٢٤ جمادى الآخرة سنة ١٣٣١ ه‍ ودفن صبيحة يوم الأربعاء (٤) وهو والد الأستاذ السيد إبراهيم الواعظ.

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٤١٨.

(٢) لغة العرب ج ٢ ص ٥٣٥.

(٣) لغة العرب ج ٢ ص ٥٣٥ وترجمته التفصيلية في التاريخ العلمي والأدبي.

(٤) (الروض الأزهر) ص ٣٤٥ طبعة الاتحاد في الموصل سنة ١٣٦٨ ه‍ بتحقيق الأستاذ إبراهيم الواعظ.

٢٩٢

حوادث سنة ١٣٣٢ ه‍ ـ ١٩١٣ م

افتتاح سدة الهندية :

في عام ١٣٢٦ رومية ـ ١٣٢٨ ه‍ انتدبت الحكومة المهندس الشهير السير ويليام ويلكوكس الذي أحيا الأراضي المصرية ، فقدم تقريره بما يجب من إصلاح لإرواء أراضي الديوانية والحلة التي نالها ما نالها من خراب نظرا لتغيّر مجرى الفرات. وكذا تناول تقريره الخطة العراقية ونقل إلى العربية وطبع مع خرائطه سنة ١٩٢٧ م. وبنتيجة المزايدة أودع إلى شركة (جاكسون) للقيام به ، وباشرت العمل على الترتيب المقرر. ولما تم العمل أجري رسم الافتتاح نهار الجمعة (١٢ المحرم سنة ١٣٣٢ ه‍) حضور وكيل الوالي الفريق الأول محمد فاضل باشا والأعيان والأمراء ، فحضروا موقع العمليات وشهدوا المباني والمشروع ، ومن ثم فتحوا بعض الأبواب ، فجرى الماء في شط الحلة. وفي هذه الأثناء ألقى وكيل الوالي خطابا باللغة التركية ، وترجمته كما يلي :

«أيها الحضار الكرام :

كل منا يعلم ولا يمتري في أن أهم أقسام الخطة العراقية إنباتا وأكثرها عمرانا وأوفرها جدة وأعظمها خصبا هو لواء الديوانية والسبب الوحيد لما آلت إليه هذه القطعة الجسيمة من الخراب والانتكاس والعلة المنفردة فيما صارت إليه هذه البقعة الكريمة إلى الدمار والاندراس هو فعل الفرات بتبديل مجراه لأنه هو الضمين لذلك العمران والكفيل بحياة أولئك السكان.

ولما وقفت الحكومة السنية على حقيقة الحال أخذت بالأهبة والاهتمام على ما كان لديها من العوائل وما انتابها من المهام والمشاغل بإعادة ماء الفرات إلى مجراه القديم وإحياء ما مات من أراضي اللواء الجسيم وحفظ نفوسه من التوزع والتشتت فتفضلت وتعطفت بهذه

٢٩٣

العمليات الجسيمة وبذلت ما يقتضي من المبالغ الوفيرة لها وأسرعت في إنشائها فأثبتت بذلك درجة رأفتها على هؤلاء الأهالي وأبدت علو عاطفتها على سكان هذا القطر العالي ، أما هذا القسم من السد الذي يعود إلى الهندية وهو نصب أعيننا. فأني بكمال المسرة ابتهج به واستجيده وأشهد بهمة الهيئة الفنية ومهارتهم المصروفة في هذا الباب وحسن اتقانهم.

إلا أني أرى أن هذا المصراع المفتوح للمجرى القديم من الفرات والأبواب الستة التي أنشئت في صدر هذه الترعة لا تكفي لنفوس هذا اللواء الجسيم ولا يفي بإسقاء أراضيهم وإرواء مزارعهم ، ولذلك أتوكل على عون الباري سبحانه وتعالى وأعدكم بأني سأسعى بكل جهدي في إكمال ما نقص وإتمام ما يؤمن سعادة هذا اللواء ورد حياته بما يقتضيه من الأعمال. وها إني مستعينا بالله أفتتح هذه الترعة وأعرض شكري وأبدي منّتي لمن أجاب الدعوة بتشريفه من الحضار الكرام» ا ه (١).

وكان هذا العمل في الحقيقة كبيرا مع ضعف في الحكومة ، وضيق حالتها ، والأزمة التي أصابتها في إدارتها وحروبها المتوالية بحيث لم تهدأ لها أمورها.

عشائر السماوة :

ثارت على الحكومة ، فأرسل إليها قائممقام قضاء الهندية الأستاذ ناجي السويدي فنصح لهذه العشائر وأتم المهمة بأحسن وجه ، فنال تقدير الوالي ومجلس الإدارة. وكان قتل الرئيس خاچي في بعض المعارك ، وكانت العشائر الثائرة الزياد والظوالم والجياش والجبور (٢).

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٤٤١ في ١ المحرم سنة ١٣٣٢ ه‍.

(٢) الزوراء عدد ٢٤٤٢.

٢٩٤

والي بغداد جاويد باشا

قدم بغداد الوالي جاويد باشا في ١٨ كانون الثاني سنة ١٩١٤ م (٢١ صفر سنة ١٣٣٢ ه‍) وقدم معه بهاء الدين بك رئيس أركان الحرب و ١٨ ضابطا منهم ١١ عربيا والباقون من الترك وقدم معه فؤاد أفندي مدير الأملاك الأميرية سابقا في بغداد وعين مفتشا للأوقاف في العراق براتب (٥٠٠٠) قرش ولمعاونه مصطفى شفيق (٣٥٠٠) قرش ، والأستاذ حكمت بك سليمان قائممقام مركز بغداد وهو أخو محمود شوكت باشا الشهير ومعهم خليل هجري بك مدير تحرير الولاية ، وعبدي بك قائد الدرك في بغداد. فاستقبل وأطلقت له المدافع. وللوالي سيارة بقيمة ٦٠٠ ليرة.

ثم عين الوالي مفتشا لفيلق بغداد ، كان يسمى الفيلق السادس ولكن التقسيمات الأخيرة جعلته يدعى بـ (الفيلق الرابع عشر) (١).

وقبل ورود هذا الوالي شاغبت عليه الجرائد وتوسمت فيه الشر على العراق وأهله وأوجست خيفة منه ، وبالغت في أن المقصود الوقيعة بالعراقيين من جراء فعلاته بالألبانيين فكان ذلك داعية معاقبتهم على هذا التنديد (٢).

والملحوظ أن هذا الوالي لم يحمل فرمانا ، ولا نشرت الجرائد قراءة فرمانه ، فصار يعلن البرق عن تعيينه ، ويردد تنقله. ولعل فرمانه يحتوي على مطالب شعر بها الأهلون فلم ترق لأحد ، وحاذروا من إعلانها.

قام ببعض التجولات في الألوية التابعة لبغداد. ولم تمض مدة

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٤٤٦ ولغة العرب ج ٣ ص ٤٤٤ و ٦٠٤.

(٢) النهضة والمصباح.

٢٩٥

طويلة حتى أعلن النفير العام ، وتبعه إعلان الحرب ، وتبدلت الأمور ، واضطرب العالم أجمع واختل أمر العراق لما أصابه من حمل ثقيل.

جمعية الإصلاح في البصرة :

رئيسها السيد طالب باشا النقيب ، ونشر (الدستور) في عدد (٦٨) الخطة التي يجري عليها للبلوغ إلى المقصد.

تدريس العربية :

أبلغ والي الولاية جميع الألوية والأقضية التابعة لولاية بغداد بأن يكون التدريس عموما في دار المعلمين والحقوق والإعدادي باللغة العربية ما عدا بعض دروس تركية (١) .. ولكن الإعدادي الملكي قلب إلى مكتب سلطاني فحرم من تدريس اللغة العربية.

الأستاذ حكمت سليمان :

بعد أن شغل قائممقامية مركز بغداد مدة وجيزة ، صار مدير كلية الحقوق ، ووكيلا للمعارف بدل رفعت بك الذي ذهب إلى استنبول.

معاون الوالي :

عيّن لمعاونية الولاية في بغداد هجري بك مدير التحرير (مكتوبيا) ، وصار مكانه إسماعيل حقي رئيس مجلس إسكان العشائر (٢).

مدرسة ابتدائية :

حضر والي الولاية ، ووكيل مدير المعارف الأستاذ حكمت بك

__________________

(١) لغة العرب ج ٣ ص ٢٧٦.

(٢) الزوراء عدد ٢٤٥٩ في جمادى الأولى سنة ١٣٣٢ ه‍.

٢٩٦

سليمان وجماعة لوضع الحجر الأساسي في تأسيس مدرسة ابتدائية بالقرب من جامع الخاتون في بغداد في ٢٧ شعبان سنة ١٣٣٢ ه‍ (١). وهي الآن دار المعلمات الابتدائية.

الحرب العامة الأولى

وتعرف بـ (الحرب العظمى) ، وهذه من أشد الحروب هولا ، وأقساها ، ولدت في العالم ضجة وارتباكا ، وشوشت على الأمم أحوالها ولو لم تدخل معامعها ، ولم يكن بنجوة منها إلا القليل. وهذا أيضا لا يخلو من ضرر ما. فهي من أعظم ما رأت البشرية لحد إعلانها. وقد قيل (وما راء كمن سمعا) ، أو كما يقال (وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم) ...

أعلنت في أوائل آب سنة ١٩١٤ م فاشتبكت الدول العظمى فيما بينها بقتال عنيف ، طاحن وكانت ألمانيا في جهة ، والإنكليز وفرنسة وروسية في جهة أخرى ، ومالت دول أخرى لإحدى هاتين الجهتين بعامل المصالح.

كان التطاحن للسيطرة على البشرية والتحكم في العالم ، لتأمين المنافع الاقتصادية ، وباقي الأمم أصحاب أطماع ومصالح فلا ترى الربح إلا في الانحياز لإحدى هاتين الدولتين.

والدولة التي تربح هذه الحرب تأمن الغوائل ، وتنال السلطة على اقتصاديات الأقوام الضعيفة مشفوعة بالسيطرة السياسية أو التحكم. ولكن الحالة بعد الحرب العالمية الثانية برهنت على أن التسلط على الأمم غير ميسور ، وكل أمة تجادل عن نفسها.

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٤٧٤.

٢٩٧

ولم يدر هؤلاء أنهم عرضة للبلى ، على حد تعبير أبي العلاء :

روعتم السابح في لجّه

وهجتم في الجوّ ذات الجناح

هذا وأنتم عرضة للبلى

فكيف لو خلدتم يا وقاح

إعلان الحرب :

الدولة العثمانية في وضع لا يخلو من خطر بالنظر للدول العظمى ، وكل واحدة يخشى منها أن تخرق الحياد ، فتضطرها إلى الدخول في الحرب ، والبقاء على الحياد أمر لا يرتضيه المتحاربون ، فصاروا في الحرب العامة الثانية يدعون إلى أن تكون الدولة معهم ، أو في جانب عدوّهم ، ولا يعتبر هناك أمر ثالث. ولا شك أن الدولة العثمانية ليس لها أمل في ربح ، وهي من الضعف بمكانة ، فالتزمت الحياد ، وتأهبت للطوارىء بإعلان النفير العام في ١١ شهر رمضان سنة ١٣٣٢ ه‍ ـ ٣ آب (١) سنة ١٩١٤ م. ولم تر أن تدخل في المعمعة وربما كانت هي المقصودة من بين الدول التي تشملها أطماع المتحاربين ، أو ربما كانت العامل في تحريك شهوة الحرب. قبلت البدل النقدي من غير المسلمين ، وأجلت الديون ، وراعت كل التأهبات التي فعلتها الدول الغربية ، وتكاثر أمر الاهتمام بالحرب.

حدث النفير العام ، فضاق الأمر بالناس ووقع الاضطراب. وتوالى سوء الحالة. وبقي الترك على حيادهم إلى يوم ١٦ تشرين الأول سنة ١٣٣٠ رومية. وكانت الحرب على أشدها ولا شك أن العثمانيين كانوا حجر عثرة في المواصلة بين الروس وحلفائهم ، فلم يسهل أمر التعاون

__________________

(١) في مجموعة الأستاذ محمد درويش يوم الاثنين ٢ آب سنة ١٩١٤ م. والزوراء عدد ٢٤٧٦ ، وخاطرات جمال باشا ، و (عراق سفري) تأليف جاويد باشا ص ٧.

٢٩٨

فيما بينهم ويرون من الضروري اجتياز هذه العقبة ، فاتخذوا مناورة الأسطول العثماني في البحر الأسود وسيلة فتعقبوه ، وحاولوا وضع ألغام في مضيق البوسفور ، وأبدوا المخاصمة. وهذه ترجمة البلاغ.

«إن الأسطول الروسي كان يتعقب الأسطول التركي في كافة حركاته ، ويزعج الأوضاع فيما يقومون به من أعمال تطبيقية بصورة متمادية ، وفي (٢٩ تشرين الأول سنة ١٩١٤ م) ابتدر في الخصام. وبناء على تقدمهم بأعمال عدائية نحو المضيق (البوسفور) بحاملة (ألغام) ، وثلاثة زوارق (طوربيد) وسفينة فحم ، قامت السفينة الحربية (غوبن) فأغرقت حاملة الألغام ، وأوقع الخسار في طوربيد بصورة ثقيلة ، وضبطت السفينة حاملة الفحم ، وأسر ثلاثة ضباط ، و ٧٢ جنديا ، وقصفت (سيواستپول) بنجاح.

وإن حاملة الألغام كانت تحمل ٧٠٠ لغما ، و ٢٠٠ جندي ، فأنقذ بعضهم فوصلوا إلى استنبول في ٣٠ منه ، ومن إفادات الأسرى علم أن هؤلاء كان أملهم أن يبثوا الألغام داخل البوسفور ليتمكن الروس من تدمير الأسطول.

وأما (برسلاو) فإنه وافى شرقي مدخل (بحر آزاق) فخرب في مدينة (نوو راسيسق) نحو ٥٠ مخزنا للبترول ، ومخازن عديدة للأرزاق وأغرق ١٤ سفينة نقل عسكرية». ا ه (١).

ومن ثم لم يقبلوا كل معذرة ولا تفاهم من طريق السلم ، وعدوا العثمانيين في جانب الألمان من جراء سكة حديد بغداد ، فاضطرب الدولة على المقابلة ، ولم تدع مجالا للتدابير في التحقيق عن السبب

__________________

(١) (تركياده بش سنه) ص ٣٠ نقل البلاغ التركي الصادر من مقر القيادة العامة المؤرخ في ٣٠ تشرين الأول سنة ١٩١٤ وهو بلاغ قيادة الأسطول في ٢٩ منه.

٢٩٩

وماهيته ، ولا تيسرت مراجعة روسية للتفاهم ، فجلبت هذه سفيرها الكبير دون تأخير ، وتقدمت جيوشها وتجاوزت حدود أرضروم (أرزن الروم) في نقاط مختلفة وهكذا فعل الفرنسويون وكذا الإنكليز كانوا في انتظار الحرب معها ، فدعوا سفراءهم ، وابتدروا فعلا بالمخاصمات. ومن ثم صار (٢٩ تشرين الأول سنة ١٩١٤ م) تاريخ إعلان الحرب على الدولة العثمانية ، فدافعت الدولة عن نفسها واشتبكت أيضا في الحرب ..

قالوا : وجاءت نوايا هؤلاء مؤيدة باتفاقية (سازونوف) المتضمنة تقسيم الدولة العثمانية وتأهبات الإنكليز لانتظار هذا اليوم الذي اتخذ وسيلة ، وكذا الدول الأخرى بضرب (چناق قلعة) ، والفاو ، والدخول في المعارك الفعلية ، ودخلت في الحرب. وآمال كل دولة من هذه الدول مؤكدة بماضيها وأعمالها في حروب البلقان وغيرها (١).

يضاف إلى ذلك أن العثمانيين بينوا أن الحلفاء احتلوا استنبول ولم يستطيعوا أن يوضحوا الأسباب والعوامل ، وأكدوا أيضا بقولهم إن أطماع روسية كانت مصروفة إلى ابتلاع المملكة العثمانية ، وإن الوثائق التي نشرتها روسية بعد الانقلاب ، كانت تعد من الوثائق السرية المحرم نشرها وقد وردت في النشرة السابقة فأذاعت وثائق برقم ٦٨ و ٦٩ و ٧٠ ومنها يقطع بأن لا مجال لحياد العثمانيين ، وكان دخولهم ضرورة لا مندوحة منها ، ولا يمكن التخلي عنها بوجه (٢).

هذا ما بينه الترك في نشرياتهم من جرائد وصحف وكتب. وكانوا يرون هذه الحرب فرصة سانحة لأخذ الانتقام ، والرأي العام الأوروبي حانق على الدولة ، ويبغي القضاء عليها. فكان كتّاب الترك وأكابر

__________________

(١) (حرب عمومينك منشألري). مصدر بمقدمة طلعت بك وزير الداخلية.

(٢) (بيوك جريدة ترك حربي) ج ١ ص ٨ طبع سنة ١٩٢٧ م وهو مترجم عن الفرنسية وهذا النص مقتبس من مقال (آجوره أوغلي يوسف).

٣٠٠