موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

الأخرى كقانون العقوبات وغيره ... (١).

ورسوم الاحتساب تؤخذ من :

١ ـ رسوم التمغا (الطمغة). تؤخذ على معمولات الولاية اثنان ونصف من كل ما يساوي مائة على أساس الزكاة. من قيمتها. ثم توسع الموظفون. وتجاوزوا الحد. وكانت هذه تأتي بمبالغ وافرة ، وتعطى كسائر الرسوم بالالتزام وكان آخر الملتزمين السيد عواد والد الفاضل السيد علي السيد عواد. وكانت تؤخذ من الأموال التجارية التي تباع في الأسواق من مفروشات وبضائع. وكانت مؤسسة من أيام داود باشا (٢). والصواب أنها قبل ذلك بكثير.

٢ ـ رسوم الدلالية. وهذه أيضا تعطى بالتزام.

٣ ـ القبانية. رسوم تجارية لما يوزن في (القبّان).

٤ ـ الأرضية. عما يباع في الميادين العامة.

٥ ـ الذبحية. وهذه (رسوم المجازر).

٦ ـ الرسوم عن كل (قفّة) أو (كلك) أو (شختور) أو سفينة أو طرادة بالنظر لما يحمله من رقي أو بطيخ ، أو مخضرات ، أو أحطاب ، أو بقالية ، أو حبوبات أو فواكه.

٧ ـ أحمال الدواب من بعير وبغل وحمار تبعا لنوع المحمول من حنطة أو شعير أو ماش أو باقلاء.

ويهمنا أن نقول إن الحكومة كانت تضع الرسوم بصورة متوالية

__________________

(١) كتبت مقالا في مجلة (العالم الإسلامي) ببغداد بعنوان (الحسبة في الإسلام) فصلت فيه هذا البحث.

(٢) صدى بابل عدد ٤١ في ١٨ جمادى الأولى سنة ١٣٢٨ ه‍.

٢٤١

وتنوي إلغاء ما سبق من رسوم ولكنها تطمع في إبقاء الاثنين وهكذا حتى تولدت أنواع الضرائب. تنفس الناس الصعداء من جراء إلغاء (رسوم الاحتساب) مع أن الحكومة لم تقم بأمر ديني أو مدني لتتقاضى عنه هذه الرسوم. وصار يعد الجباة في نظر الأهلين (زبانية جهنم).

وكلاء الدعاوى :

جرى في المحاكم الشرعية تحقيق أحوالهم فقبل الوالي منهم ستة أشخاص ونقم الناس منهم كثيرا ، واشتهروا حتى صاروا مضرب المثل في التزوير والاحتيال (١).

مستشفى مير إلياهو (إلياس):

احتفل الوالي بفتحه خارج باب المعظم بدعوة من حاخام اليهود داود پاپو والمؤسس ، ففتح الوالي بيده بابه ، وحضر الاحتفال جملة من الأشراف والأعيان في يوم ١٩ شعبان سنة ١٣٢٨ ه‍ (٢). وإن مؤسسه مير إلياهو توفي بعد مدة قصيرة (٣).

والي البصرة ـ السيد طالب النقيب :

حصلت بينهما مشاجرة ، وكل واحد كتب على الآخر برقية شكوى ، وكان السيد طالب باشا النقيب مبعوث البصرة. وعلى الأثر استقال الوالي سليمان نظيف بك ، فلم يستطع أن يقوم بأعمال مرضية لما رأى من المعاكسات من أهل النفوذ وفي مقدمتهم السيد طالب فقد كان الحاكم بأمره ، أو الحاكم المطلق.

__________________

(١) الرقيب عدد ١٣٩.

(٢) الرقيب عدد ١٥٣.

(٣) صدى بابل عدد ٦٢ في ١٢ شوال سنة ١٣٢٨ ه‍.

٢٤٢

قبلت استقالته ، فخلفه جلال بك متصرف لواء كربلاء. وكان سليمان نظيف بك فائقا في قدرته العلمية والأدبية ، وفي انتباهه للوقائع السياسية ، وفي كل أعماله مقبول الإدارة مرضي السلوك ولكن البصرة كانت ملتهبة بالفتن ، فلم يتمكن أن ينجح فيها (١).

حوادث أخرى :

١ ـ الأستاذ ناجي السويدي كان رئيس محكمة التجارة في البصرة وجرى تحويله بطلب منه إلى عضوية محكمة الاستئناف في بغداد (٢).

٢ ـ فتحت الجادة الرشادية في البصرة (٣).

٣ ـ أجريت التنسيقات في المعلمين (مدرسي مدارس الحكومة).

٤ ـ عمّر قبر القائد الكبير سليمان باشا الكائن بقرب الإمام أبي يوسف. في الكاظمية. وابنه سامي بك من أصدقاء سليمان نظيف بك وبسببه جرى تعميره.

٥ ـ هبت ريح عاصفة في ١٥ جمادى الأولى سنة ١٣٢٨ ه‍ وكانت زعزعا ، ظنها الناس في بادىء الأمر غمامة سوداء. كما حجبت الشمس عن الأبصار وكانت هبت ريح مثلها عصر يوم ٢٧ شهر رمضان سنة ١٢٧٤ ه‍.

٦ ـ عهد إلى محمود شوكت باشا منصب وزارة الدفاع.

٧ ـ تأسس في بغداد مكتب الجندرمة. في (باب المعظم) وهو اليوم مديرية السجون العامة.

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٢٧٢ في ١٣ شهر رمضان سنة ١٣٢٨ ه‍.

(٢) التهذيب البصرية عدد ٣١ في ٣ المحرم سنة ١٣٢٨ ه‍.

(٣) التهذيب البصرية عدد ٣٢ في ١٠ المحرم سنة ١٣٢٨ ه‍.

٢٤٣

٨ ـ توسيع سوق العطارين (١).

٩ ـ الأستاذ جميل صدقي الزهاوي. حدثت ضجة عليه بسبب ما كتب عن المرأة وحقوقها في الإسلام ، واعترض على حكم (للذكر مثل حظ الأنثيين) فانبرى للرد عليه الشيخ سعيد النقشبندي في رسالة سماها (السيف البارق في عنق المارق) وآخرون.

١٠ ـ ظهور الهواء الأصفر أو الهيضة (كوليرا) (٢).

١١ ـ أدخلت وزارة المعارف في برامجها تدريس اللغة العربية (٣).

وفيات :

١ ـ الأستاذ عبد الرزاق الأعظمي. وكيل مدرس المدرسة المرجانية. توفي يوم الخميس ٢ المحرم سنة ١٣٢٨ ه‍ وعمره يناهز الخمسين سنة وكان أول من قرأت عليه في بداية تحصيلي العلمي. ومن أولاده هاشم ومكي.

٢ ـ الشيخ رضا الطالباني. الشاعر الأديب المعروف في العربية والتركية والفارسية والكردية ، ويعدّ في الكردية من أبلغ الشعراء. توفي عصر الخميس ٩ المحرم سنة ١٣٢٨ ه‍ وقد رثاه جماعة. وطبع ديوانه للمرة الثانية في بغداد سنة ١٩٤٦ م. وله ولدان الشيخ محمد والشيخ عبد الله المتوفى سنة ١٩٤١ م وهذا أولاده الشيخ رحمة الله وسعادة الأستاذ حسن والأستاذ علي.

٣ ـ الأستاذ العلامة طه الشواف ابن الأستاذ عبد الرزاق الشواف. من العلماء الأدباء ، وله شعر جيد ، توفي في البصرة ودفن في مقبرة

__________________

(١) صدى بابل عدد ٦٠ في ١٠ شوال سنة ١٣٢٨ ه‍.

(٢) صدى بابل عدد ٦٢ في ١٨ شوال سنة ١٣٢٨ ه‍.

(٣) صدى بابل عدد ٦٢ في ١٨ شوال ١٣٢٨ ه‍.

٢٤٤

الحسن البصري في الزبير يوم الخميس ٤ صفر سنة ١٣٢٨ ه‍. وكان مفتي البصرة من سنة ١٣١٧ ه‍ ، وأبناؤه الأساتذة : عبد الملك (١) والحاج علي ، وإبراهيم. ورثاه جماعة (٢).

٤ ـ السيد محمد جابر الطبقچه لي. توفي في الحلة (٣).

٥ ـ الحاج محمد صالح الشابندر. توفي في ٢٣ ربيع الآخر سنة ١٣٢٨ ه‍ كما أخبرت برقية بذلك وهو عم معالي إبراهيم وموسى الشابندر.

٦ ـ توفي العلامة الشيخ حسن المعروف بـ (ابن الشيخ) يوم الاثنين ٦ جمادى الأولى سنة ١٣٢٨ ه‍ عن عمر يناهز الثمانين.

٧ ـ الحاج محمد صالح بن عبد الوهاب ابن الحاج عبد الرزاق (من العلماء) ابن الحاج حسين ابن الحاج عثمان البرزانلي. توفي ليلة الأربعاء في ١٨ شعبان سنة ١٣٢٨ ه‍ وتوفي ولده عبد الرزاق في ٢٦ ذي القعدة سنة ١٣٥٨ ه‍. وحفيده محمد ناجي والعائلة تشتغل بالتجارة ، وجاء في جريدة الرقيب : أنه كان موصوفا بحسن المعاشرة والدعة والتودد.

حوادث سنة ١٣٢٩ ه‍ ـ ١٩١١ م

الوالي ناظم باشا

انفصل الوالي ناظم باشا من بغداد ، وأودعت الولاية بالوكالة إلى

__________________

(١) توفي صباح يوم الثلاثاء ٣ شباط سنة ١٩٥٣ م الموافق ١٨ جمادى الأولى سنة ١٣٧٢ ه‍. وكان قاضيا ببغداد ثم صار رئيس مجلس التمييز الشرعي.

(٢) الرقيب في ٩ صفر سنة ١٣٢٨ ه‍ وصدى بابل عدد ٣٠ في ١١ مارت سنة ١٩١٠ م.

(٣) الرقيب عدد ١٠٦ في ٤ ربيع الآخر سنة ١٣٢٨ ه‍. وصدى بابل عدد ٣٠ في ٩ صفر سنة ١٣٢٨ ه‍.

٢٤٥

الفريق يوسف آكاه باشا في يوم الجمعة ١٦ ربيع الأول سنة ١٣٢٩ ه‍ ، وفي يوم الثلاثاء صباحا ١٩ ربيع الأول ذهب إلى استنبول من طريق البصرة في أحد مراكب شركة (لنج) (١) ، وخلف أثرا في النفوس ، وكانت أعماله جليلة وفاضلة إلا أنه لم تطلق يده ، ثم أودعت إليه وزارة الدفاع إقرارا بفضله ، واعتمادا على مقدرته ، ثم جاء نبأ برقيّ يشعر بأنه قتل ومعه اثنان في ٢٤ شباط سنة ١٩١٣ م ودفن الجميع بأبّهة عظيمة ، وفي خاطرات جمال باشا أنه قتل في ٢٣ كانون الثاني سنة ١٩١٣ م ، ولم تدفن جنازته إلا في اليوم التالي.

وكتب المعلم داود صليوا في حياته رسالة سماها (المحاق في ترجمة شهيد الإصلاح ناظم عقد العراق) جعلها ملحقا لمجلة الغرائب العدد الرابع الصادر في ٣٠ ربيع الآخر سنة ١٣٣١ ه‍ وطبعت بمطبعة الآداب في بغداد. كما أنني سمعت أنه كتبت رواية تتضمن ذمه ، في حادث سارة خاتون.

متصرفية نجد :

أودعت إلى مدير تحرير ولاية البحر الأبيض المتوسط ولم يسمّه (٢).

كلية الأعظمية :

في أوائل حزيران (أوائل جمادى الآخرة سنة ١٣٢٩ ه‍) تمّ تخطيط كلية العراق الإسلامية المعروفة بـ (الكلية الأعظمية). ولا زالت عناية الوالي دولة يوسف باشا مصروفة إلى إخراج هذه الكلية إلى عالم المثال. وهي تلك الكلية التي رفعت إلى هذه المرتبة نهار الجمعة ٢٦

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٢٩٩ في ٢٣ ربيع الأول سنة ١٣٢٩ ه‍ ولغة العرب ج ٢ ص ٤٢٣.

(٢) الزوراء عدد ٢٣٠٠ في ١ ربيع الثاني سنة ١٣٢٩ ه‍.

٢٤٦

أيار (١٨ جمادى الأولى سنة ١٣٢٩ ه‍) وحضر حفلة افتتاحها جمّ غفير من أكابر البلدة ورجالها الأماثل من عسكريين وملكيين ومدنيين (١) ..

هذا. وقد حصلت معارضات في تكوينها مما أخر العمل ، لما قام به أهل الشغب من المعارضة (٢).

الوالي جمال بك

جمال بك كان كسائر الولاة المهمين ترد الأخبار عن حركاته في طريقه إلى بغداد حتى وصل يوم السبت في ١ شهر رمضان سنة ١٣٢٩ ه‍ فخرج لاستقباله إلى الفلوجة معاون الوالي لطفي بك وغيره. واستقبله من الأعظمية :

١ ـ الفريق يوسف أكاه (٣) باشا وكيل الوالي ووكيل مفتش الفيلق الرابع الذي انتهت وكالته بورود علي رضا باشا الركابي قائد الفيلق الثالث عشر.

٢ ـ الأمراء والأشراف.

٣ ـ ضربت له المدافع كالمعتاد.

وإثر وصوله كتب إلى الملحقات برقيا يخبر بأنه باشر أعماله ، فأوصى الموظفين بلزوم الاهتمام بوظائفهم وأن يقوموا بما يتعلق بالأمن والراحة ، وطلب أن يثابروا على أداء الواجب ، ويؤدوا أعمالهم كما يرام.

__________________

(١) لغة العرب ج ١ ص ٣٢.

(٢) لغة العرب ج ١ ص ٢٤٦.

(٣) الزوراء عدد ٢٣٢١ في ٢ شهر رمضان سنة ١٣٢٩ ه‍ وجاء في لغة العرب ج ٢ ص ٥٨٦ ، يوسف آكاه باشا جركسي الأصل. توفي باستنبول في ربيع الثاني سنة ١٣٣١ ه‍ (١٩١٣ م) ، وابنه كامل بك كان ضابطا في الجيش ببغداد وفي الحرب ذهب إلى استنبول فلم يعد.

٢٤٧

٢٤٨

قراءة الفرمان :

يوم الأربعاء في ٥ شهر رمضان سنة ١٣٢٩ ه‍ قرىء باحتفال في الساعة ٥ ـ وكان الجمع حاشدا ، وبعد قراءة الفرمان تكلم الوالي عن عمارة الخطة العراقية سابقا ، وما اعتراها من خراب في هذه الأيام وأوضح ما تستدعيه من الجهود لإعادة حالتها ..

ترجمة الفرمان :

«افتخار الأعالي والأعاظم ، مستجمع جميع المعالي والمفاخم ، المختص بمزيد عناية الملك الدائم والي أطنة جمال بك الذي وجه منصب ولاية بغداد وأودع لعهدة استيهاله دام علوه.

ليكن معلوما أنه يصل توقيعي الرفيع الهمايوني أن بغداد تقبل الترقي والعمران بقدر الاستعداد ونسبة القابلية ، فتصبح متوافرة التجارة والثراء عندما تكون مظهر العدل والرأفة بصورة متساوية بين صنوف الأهلين ومن ثم تنال الرفاه والسعادة. فاقتضى ذلك أن تودع هذه الولاية لمن جربت درايته وأهليته ، فأنت لما كنت متصفا بكمال الحمية والرويّة ، وواقفا على أمور الإدارة ، وأنك من متميزي الموظفين في سلطنتي السنية ، فإني أودع هذه الولاية ليد اقتدارك بناء على الاستيذان الواقع ، فأصدرت إرادتي السنية الملوكية.

وبوصولك ـ بمنه تعالى ـ إلى هناك أن تسحب يد أي موظف يتبين لكم أنه لم يكن حائزا للأوصاف المطلوبة عدا الموظفين العدليين والشرعيين ، فإنهم مستثنون ، وأن تعينوا مكانهم من يليق حسب الأصول ، وتخبروا عاجلا بما يتمّ للدوائر المتعلقة بهم.

وإن التدابير اللازمة للإصلاح والعمران في بغداد والبصرة إذا مسّت الحاجة تدعون والي البصرة للمذاكرة معه فتوحدوا الفكرة والحركة ، وتقرروا ما يقتضي بصورة مشتركة ، وأن تقوموا بالمهمة بسرعة

٢٤٩

كاملة للتنفيذ ، وكل ما يطلب من جانبك من أي نوع من الوسائط السابحة والتجهيزات الأخرى تجري مبايعتها وترسل.

هذا ومن اللازم تنسيق الجندرمة أيضا في بغداد والبصرة وإصلاح شؤونها وأن ترتبط هيئة التنسيق والتفتيش بمقام الولاية رأسا ، وأن يكون قائد كردوس الجندرمة ولجنة التفتيش تنحصر مخابراتهم مع قيادة الجندرمة والمفتشية العامة بواسطة مقام الولاية حصرا ، وتنفيذ أمور التنسيق بسرعة ، وهكذا قضية التسليمات والتجهيزات للجندرمة ، وأن تروج الإشعارات التي تقع من الولاية بخصوص إسكان العشائر ، وأن تنسق أمور الشرطة في بغداد والبصرة بتأسيس مكتب لهم ، وأن يراعى الانتظام فيه ، وأن يكون تحت نظارتك ، وأن تهتم بأمور الشرطة والمفوضين ، وما يتعلق بهم من معاشات وتجيهزات ، وما يقتضي لتزييدها حسب اللزوم الذي تراه ، وإكمال النواقص.

وإن من أهم القضايا الاجتماعية قضية الأراضي في بغداد ، فهذه سوف يصدر بها قانون ، وقد عزم على تنظيمه ، فعليك أن تدققه بالسرعة الممكنة وأن تبدي الملاحظات من جميع أطرافها ، وتبين نتائجها المستقاة.

وهكذا تنظر الطرق عدا الشوارع العامة. تعمل ذلك ، وتقوم بأمر تطهير الأنهار ، وكل ما هو لازم من الأمور النافعة. وللقيام بذلك خصص سنويا على الأقل ٤٠ ألف ليرا ، ويصح إبلاغها إلى ما هو أزيد بتقرير من رجال الفن ، تقرر ذلك كله ، وجرت التبليغات اللازمة للدوائر المختصة. فعليك وأنت ذو الحصافة والإخلاص المسلّم به أن تقوم بواجبك ، وما يترتب من معاملات ووظائف بالوجه اللائق والأتم ، وأن ينال الأهلون على اختلاف صنوفهم وفقا للقانون الأساسي أتم العدل ، وتتحقق لديهم المساواة والحرية ، وكل ما هو يهمهم ، فالعناية العناية

٢٥٠

بذلك ، وهو المطلوب المنتظر من سلطنتي ، وعلى كل حال استمد من روحانية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقم بوظائفك أحسن قيام ، واهتم بها خير اهتمام. تحريرا في اليوم الحادي والعشرين من شهر رجب الفرد لسنة ١٣٢٩ ه‍» ا ه.

وهذه ترجمة خطابه :

«أيها الوطنيون المحترمون!

لقد تلي عليكم الآن بكمال التعظيم التوقيع السلطاني بتوديع زمام إدارة أمور ولاية بغداد لعهدة العاجز ، فها أنا أفتح أعمالي باسمه تعالى ملتجئا بالعناية الصمدانية ، ومتوكلا بروحانية الرسول صلى الله عليه وسلم فأقول : أرى نفسي مضطرة أن تذكر لكم ما أحسه قلبي ، وأوضح ما حواه صدري عند لقائي أبناء وطني العراقيين ، وهو أول لقاء يباهى به في هذا اليوم.

أيها السادة :

أجدني متحسسا بثلاث إحساسات تعود إلى مملكتكم.

الأول ـ حسن الاحترام والحيرة العائدة إلى الحال السابق لمملكتكم المباركة.

الثاني ـ حسن التأثر والأسف الذي يعود إلى حالها الحاضر.

الثالث ـ هو عائد لاستقبالها إلا أن هذا الاستقبال الشريف ذا الشأن هو وترقي العثمانيين وتعاليمهم توأمان.

أما الذي يتعلق بماضي هذه المملكة المباركة فمن قرأ تاريخها لا يسعه إلا أن يطيل وقوفه حائرا إذ بحرارة هذه الشمس انتشأت أدمغة نسل ذلك البشر الذي استبانت خدماته الكبيرة لعالم الإنسانية والمدنية في الأدوار البعيدة الماضية قبل أن تشرق أنوار الإسلامية على الدنيا ، وبعد ظور الإسلام فمدنية الخطة العراقية وصلت إلى نقطة وانتهت إلى غاية لم

٢٥١

يتيسر الوصول إليها لقطر من أقطار العالم كله. ولما كانت جميع الأقطار تنمحق تحت ظلام كابوس الجهالة فالخطة العراقية كانت إذ ذاك مستغرقة بأنوار الفنون والعلوم ، مشرقة عليها الأشعة المختلفة حتى بدت كأنها روضة غناء ولذلك تركت أنظار العالم معطوفة محتارة بالتدقيق على ما يعود لذلك الزمان.

فالذي أوجد الساعة لتنظيم أوقات البشر ، والذي أثبت كروية الأرض ، والذي عيّن دائرة نصف النهار ، ومن خلّد آثارا كثيرة بحيث لا تعد ولا تحصى في الطب والفلسفة ، والأدب والعلوم الرياضية والهيئة هم علماء الإسلام الذين كانوا قد نشأوا بهذه الخطة وتنفسوا بهوائها واصطلوا بذكائها ، وارتووا بمائها ، وانتعشوا بما استحضرت هذه الخطة لعالم البشر من المواد الطبيعية فيها.

ولكن الذي يؤسف له هو أن الأخلاف الذين نشأوا بعد ذلك لما أهملوا أمر اقتفاء أثر أسلافهم المبجلين أخذت تلك الشمس المشرقة بالعلوم والفضائل بالتضاؤل شيئا فشيئا حتى أفلت (١) ، فاضمحل ما كان بأيديهم من الثراء والغناء ، واستولى عليهم الجهل وبدلوا الحضارة بالبداوة ، والاجتماع بالتفرق والتشتت ، وتعوضوا عن الهدوء والراحة بالفتن. فمن يقول بأن خراب المملكة بالحاضر هو ناشىء من ال ٣٣ سنة التي هي الدور الحميدي ، ويعطفه على ذلك الزمن لم يك صادقا في دعواه إذ قد ابتدأ انحطاط الخطة العراقية منذ خمسمائة سنة أو ستمائة تقريبا غير أن الدور الحميدي أوصله غايته ، وأبلغه نهايته ، مع ما فيه أيها السادة فالملّة بحمد الله لما استردت حقوقها بعد هذا الانقلاب الأخير ، وتأسست حكومتنا المشروعة والمشروطة فكما أن الخطة العراقية هي

__________________

(١) أفلت بسبب ما رأت من أطماع وقسوة من أقوام عديدة وهذه ولدت الخمول والأفول. وسلبت ما كان بأيديهم ، فدعا أن يستولي الجهل.

٢٥٢

عين تلك الخطة والهواء ذلك الهواء والشمس تلك الشمس والنهران اللذان يجريان فضة وذهبا الفرات ودجلة هما أيضا ذلك الفرات ودجلة والأهلون هم أيضا في عين ذلك المحيط ينشأون تحت ذلك المؤثر ، وفيه يعيشون آمنين ومطمئنين إلى أن يشرق مستقبل هذه القطعة المباركة ، وحسب وسعي ما دمت فيما بينكم أجد وأجتهد في إيصال هذا الأمر إلى الدرجة القصوى.

هذا وإني أمين من جميع الوطنيين من أن يعضدوني ، ويؤازروني في إخراج هذه الوظيفة المهمة التي أودعنيها حضرة الخليفة الأعظم من القوة إلى الفعل ، لأن قوة الحكومة المشروطة ومدار استنادها هو المجموع المتشكل من الأفراد ، ومن أجل ذلك كانت الحكومة والملّة شيئا واحدا ، متحد الوجود ، وفي التشبث للعمران ينبغي أن يكون كل منها ظهيرا ومعينا للآخر ، فالملّة ينبغي لها أن يكون جميعها في شكل جمع واحد في مقابلة من يهاجمها حتى يسعها أن تكتسب الحياة وتفوز بالقدرة ولذلك تصمّم على كسر أيدي الخائنين والمنافقين الذين يمدون أيديهم ليورثوا الخراب والخسار لذلك المجتمع المتحد المحترم.

فالهيئة العثمانية المتركبة من أفراد الملّة لا يفرق بين فقيرهم وغنيّهم ولا تفاوت بين كبيرهم وصغيرهم في نظر الحكومة والقانون ، إذ كلهم متساوون ، ويحافظ على حقوق كل منهم ، أما مأمورو الحكومة فقد تعينوا لتأمين المناسبات الدائمة الحسنة بين الأفراد ، ومن أجل ذلك إن معاشاتهم تؤخذ من الأفراد ، هم خدم الملة ، فبناء على ذلك ينبغي إن يعلم كل أحد أن باب الحكومة مفتوح لكل أحد ولا تمس حاجة بقدر الذرة إلى توسيط زيد وعمرو عند المراجعة للحكومة.

أيها السادة :

أريد أن أوضح لكم هذا أيضا قبل أن أختم مقالي اعلموا أن

٢٥٣

الخطة العراقية باب من حديد للخلافة المعظمة الإسلامية في مقابلة الجنوب ، فالأنظار التي تتوجه أو الأيدي التي تمد من الجنوب نحو الخلافة الإسلامية والسلطة العثمانية يلزم الاجتهاد لمنع دخولهما من هذا الباب وهو وظيفة عموم العثمانيين بيد أنها وظيفة مبجلة لهم بحيث يجتهدون ويكونون متحدين على أمنية واحدة حتى يفدوا بأرواحهم.

فإذا اجتهدنا لهذا كنا قد هيأنا للإسلامية منافذ تخدم للإشراق نحو الشرق وأسأل الله العظيم أن يجعل التوفيق رفيقنا طرّا آمين (١).» ا ه.

وجاء خطاب الوالي موضحا لمضمون الفرمان ، ولكن المطالب عامة ، وكانت له صلاحية كبيرة في عزل الموظفين عدا العدليين والشرعيين ، وأن الدولة شعرت بأن الموظفين السابقين لا يصلح غالبهم للعمل ، أو أنهم اشتهروا بأمور من شأنها أن تجعل الدولة في وضع منفور وأنها مجموعة سفهاء وأشرار ، وخوّل الوالي هذه الصلاحية ولم تقف الدولة عند حدود الفرمان والخطاب ، وإنما بعثت نظارة الداخلية له الخطة التي يسير عليها ، فلا تريد أن تدعه يقوم بأعمال كهذه خطيرة دون أن توجه أعماله. وفي هذا ما يشعر بأن الخطة العراقية تحتاج إلى اهتمام زائد ، ومن الضروري أن يكون الموظفون قد حازوا الأوصاف اللازمة. وفي ذلك حث على السرعة ، وأن يتداول مع والي البصرة ، فيكون العمل مشتركا.

ولم نجد عملا مثمرا من هذا الاهتمام ، ولا صلاحا من الفرمان ، ولا من الخطاب ولا من أمر وزارة الداخلية ، فكلها ذهبت هباء. وهذه الأمور تذكرنا بحكاية (حمارة القاضي) ، فإنه طلب أن تكون أوصافها مقبولة. فأجابه المكلف باختيارها بأن هذه الأوصاف لا توجد في أحد الناس.

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٣٢٢.

٢٥٤

هذا. ولا نعجل بإبداء الفكرة في هذا الوالي حتى نتبين ما قام به من الأعمال في أيام ولايته ، ومن ثم ندرك النتائج ، ودرجة تنفيذ ما أمر به ، أو ما نطق هو به من منهاج عهد على نفسه السير بموجبه ، والعمل بمقتضاه ، فنقطع بالنتائج ، ونعلم بالأوضاع. أو لا نقف عند ذلك وإنما نتجاوز موضوع الولاية ، ونلاحظ ما هنالك من تيارات معاكسة ، وحالات معارضة أو موافقة وهكذا حتى نعلم ما في القطر من صفحات وتيارات نافعة ومهمة جدا ...

ورحب بقدومه شاعرنا الشعبي الشيخ علي البغدادي المعمار قال :

مذ حلّ بغداد (جمال) العلى

بطلعة تخجل بدر التمام

قد قرّ فيه طرفها بعد ما

قد كاد مما نابها لا ينام (١)

وكان أطراه صاحب (سبيل الرشاد) ونسب إليه تأسيس كلية الإمام الأعظم ، وجميع الإصلاحات وعده المصلح الوحيد.

هذا. والملحوظ أن الفرامين لها أسلوب خاص في التحرير ، وألفاظها التفخيمية تختلف عن سائر الكتابات ، فهي تابعة لمراسم وأوضاع معتادة ، وكذا خطها يكون ديوانيا ، وخطاطوها يجب أن يكونوا مختصين بهذا الخط ، ومن الماهرين فيه ، وبينهم من برع فيه بحيث لا يكاد يحسن سواه ، أو أنه مهر فيه ، وأتقنه بصورة خاصة ، فكان يعد من أساتذته وتمتاز هذه الفرامين وأمثالها بما تحتوي من التواقيع السلطانية المسماة بـ (الطغرا) ، وهي من اختصاص خطاطين عارفين بهذه المهمة بعناية لا مزيد عليها ، ويلقب الواحد منهم بـ (طغراكش) وقديما

__________________

(١) مجلة (سبيل الرشاد) ج ١ ص ٣.

٢٥٥

بالطغرائي ، وهو الموقع لها ، ولا يصح أن تقلّد ، أو تحتذى ، أو تزوّر ، فالخطاط القائم بها لا يستطيع أن يوازيه أحد. وعرف بهذا المنصب أشخاص اشتهروا بهذا اللقب ، تعرضت لذكرهم في (تاريخ الخط العربي في العراق) وانتشاره في الأقطار الإسلامية التركية والإيرانية وغيرهما.

الغزو :

أيد هذا الوالي ما كان عمله الوالي ناظم باشا ونشر بيانا في الزوراء عدد ٢٣٢٣ في ١٥ شهر رمضان سنة ١٣٢٩ ه‍ أعلنه للعشائر كما فعل ناظم باشا مهدّدا لهم بأن الغزو أمر مرذول ، ولا يجوز الإقدام عليه كما ثبت بالفتاوى من العلماء ، ومؤكدا لزوم الكف عنه ، وأبدى ما يترتب عليه من أمور مقبوحة من إزهاق نفوس ، وسلب أموال بالباطل ، وتيتم أولاد ، وقتل أبناء الأمة. وهكذا.

وهذا نص بيانه :

«تعيّنت واليا على بغداد تلك البلدة التي كانت في سالف عهدها بفضل أولي السعي والآباء من السلف المحترم موطن علوم شتى أخذت في عصر الحضارة هذا تسرع في التقدم إسراع البرق المتألق ، ومنبت الثراء والغنى ، وجنّة للعمران دانية القطوف ، والتي فقدت بعد تلك الأيام سالف مجدها ، وخسرت باهر غناها وزاهر عمرانها عندما توانى الخلف فلم يتبع خطوات سلفه في المشي في طريق الحياة الكثيرة التعاريج والعقبات وأظهر عزا يشين عن مقاومة ما طرأ عليها من العوارض والمصائب فجئت إليها قبل أسبوع وباشرت وظيفتي مستعينا بتوفيق الله تعالى.

ولما بحثت عن البواعث التي قضت أن يفتقر هذا القطر الغني بقابليته بل وأن تخرب هذه البقعة المباركة التي جمعت بين حدّيها كل وسيلة لرفاه أهليها وغناهم وسعادتهم وتحرّيت الأسباب التي ولّدت

٢٥٦

ضرورة أبنائها وأطالت أيام شقائهم المؤلم وجدت أحدها وأكبرها ما اعتدتموه مدفوعين إليه بالجهل من القتل والنهب اللذين تسمونهما (الغزو).

فأردت أن أقول لكم في بلاغي هذا كلمات تفهمكم ما لهذا الاعتياد الذميم من الضرر الفادح وتنذركم لو نفعكم الإنذار بما له من وخيم العاقبة وسوء المصير.

هلّا فهم رؤساؤكم وعقلاؤكم في كل هذه السنين أن الغزوات التي تنتهي تارة بالغلبة وأخرى بالخيبة والفشل تحرم كثيرا من الأبناء آباءهم وكثيرا من الآباء أبناءهم وتسلب الأموال والمواشي من أيدي أصحابها سلبا قاسيا وتتلفهما إتلافا مستمرّا.

كلكم بحمد الله تعالى موحّدون ألا يجب أن تعرفوا أن جزاء الذي يقتل النفس التي حرم الله وينهب أموال الناس ويعيث في الأرض فسادا أن يذوق يوم القيامة عذاب الجحيم ويصلى سعيرا.

هل يتصور وجود مسلم عاقل يقرأ بعيني بصيرته قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا ..) [الحجرات : ١٠] ثم هو لا يدعو الناس إلى السلم والوفاق أو مؤمن يقرأ وعيده بقوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ..) [النساء : ٩٣] ثم هو يتجرأ على سفك دم أخيه المؤمن.

إنكم بعملكم الفظيع هذا لتستحقون غضب المنتقم الجبّار وإنكم بعملكم هذا لتخسرون في يوم واحد بل في ساعة واحدة جلّ أموالكم التي جمعتموها بأتعاب أعوام طوال تفقدون أبناءكم الذين ربيتموهم على أفخاذكم وفي أحضان أمهاتهم وزوجاتكم طوال السنين حتى شبّوا فكانوا رجالا.

وإذا كنتم مسلمين وعثمانيين معا فإنكم بعملكم هذا المجحف

٢٥٧

بالجامعتين الإسلامية والعثمانية لتضرون الدولة والأمة وتضرون الإسلام والمسلمين أضرارا كبيرة وأنتم لا تعلمون.

وإنكم بما تأتونه من الشقاق والنزاع لتقربون الوسائل بأيديكم لتلقوا وطنكم العزيز في خطر الاستيلاء من قبل أعداء دينكم. وهل يرضى من كان ذا قلب سليم أو أوتي قليلا من العقل بدوام هذه الحال المطيلة لأيام النكبات والمصائب؟!

ولعلكم فقهتم مما قدمته من الإيضاح أني مأمور دينا ووظيفة بمنع ما يتمادى بينكم من قتل الأنفس وشنّ الغارات ونهب الأموال.

ولذلك أرسلت إليكم في آخر بلاغي هذا صور الفتاوى الشرعية التي بلغكم إياها في السنة الماضية حضرة سلفي المبجّل والمحترم ناظم باشا بعد أن استحصلها من مشاهير العلماء الراسخين والمشايخ الواصلين مؤكدا بذلك لأحكامها الشرعية القطعية إذ ربما كنتم قد نسيتموها لبعد الزمن ، وداعيا لكم إلى صراط الحق وسبيل الرشاد وإلى السكينة والأمن والوحدة والاتفاق فإن المملكة اليوم في حاجة كبرى إلى كل ذلك.

وإني لموصيكم أن لا يعتدي بعد هذا اليوم بعضكم على بعض وأن ترجعوا إلى باب الحكومة الرحيب وعدالتها في فصل ما عسى أن تحدثه الميول البشرية من الخلف بينكم وإن أصررتم على غيّكم ، وتماديتم في وحشتكم القديمة من نهب هذا ، وقتل ذاك ، فاعلموا أن الحكومة السنية تنزل بالمعتدين عقابا شديدا ، وتؤدبهم تأديبا يكبح من جماحهم ولا تسامحهم أبدا ، وقد أعذر من أنذر.» ا ه (١).

نشر هذا البيان باللغة التركية ، مع ترجمته العربية ، وأذيع ، ولكن

__________________

(١) الزوراء.

٢٥٨

هل يكفي هذا للقضاء على أمر الغزو؟ في حين أن ذلك يحتاج إلى حراسة وإلى مراعاة سيطرة كاملة تجتثه من أصله ، والحكومة كانت من الضعف بمكانة ، ومن الوهن بحيث لا تستطيع تأمين داخلية المدن فضلا عن الخارج.

ذهب هذا الأمر سدى وبلا فائدة كالنصيحة من ضعيف ، أو التوصية من واعظ ليس له سلطة ولا قدرة على تعديل في الرأي لمتعنت باغ.

ومن ثم كان أول عمل لهذا الوالي أن جهز قوة عسكرية بقيادة الرئيس الأول عسكري بك (وصار مؤخرا قائد الجيش في الحرب العامة) ، فقام بحرب عشائر الغزالات وآل إبراهيم والفتلة والشبل وصارت تحصل على الضرائب بالقوة.

وهل قضى الجيش على الغوائل كلها ، أو أصابت العشائر رهبة فأذعنوا بالطاعة؟؟

حرب إيطالية :

أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية في ١٨ شوال سنة ١٣٢٩ ه‍ الموافق ٢٩ أيلول سنة ١٩١٢ م للاستيلاء على طرابلس الغرب وبنغازي ، وحصلت مظاهرات في كل مكان وتجمع الناس في دار الحكومة ، وأبدوا السخط على أعمال إيطاليا فتكلم الوالي بخطاب بليغ ، وخطب الأستاذ جميل الزهاوي باللغة العربية وحث على الحرب ، فاحتشدت الجموع وجاءت البرقيات من كل صوب مظهرة استياء الأمة. فتوالت وقائعها واستمرت حروبها مدة. فانتهت بالاستيلاء عليها.

تجولات الوالي :

لتفتيش أمور الولاية والملحقات. ذهب الوالي إلى المسيب ، فالهندية إلى السدة ثم إلى الحلة ، والديوانية والشنافية ، وإلى أبي صخير الذي هو مركز الشامية ، ثم إلى النجف ، وكربلاء. ثم عاد ، فاستقبله

٢٥٩

بعودته الناس في جسر الخر (المسعودي) وفي رحلته هذه شاهد عمليات السدة ، والحفريات في كويرش وبابل ، وزار المدارس وأعان بعض الطلاب بالكتب والألبسة. وهكذا شاهد حفريات الجدول المعروف بـ (رشادية) القريب من الديوانية (١).

كلية الحقوق :

نشر الوالي بيانا حول هذه المدرسة وما شاع من عزم الحكومة على إلغائها. وهذا البيان يتضمن أن المدارس في سقامة تدريس ، وأن نوايا الحكومة مصروفة إلى إصلاح المدارس الموجودة وترقيتها من الناحية المادية والمعنوية لتكون صالحة لإخراج طلاب أكفاء لمدرسة الحقوق وبسط هذه النوايا بتأسيس مدرسة دار المعلمين ومدارس رشدية للذكور والأناث ، وإصلاح المدرسة الإعدادية ، ولكنه في الوقت نفسه بين أن المدارس الموجودة لم تكن فيها التدريسات نافعة ولا تستحق أن تسمى تدريسات. فولد آمالا معسولة ، فكأنه قام بالمهمة ، ولا نزال نسمع أمثالها. والعراق لم يقنع من هذا البيان ، ولكنه أبدى أن الولاية لم تتصور إلغاءها وإنما تقصد إصلاحها (٢).

والملحوظ أن التدابير كانت سائرة في طريق الإلغاء ، ندمت على تأسيسها ... القضاء عليها ، ولما رأت التيار قويا في المعارضة أبدت المعاذير وسكتت ، ولم تجر أي إصلاح فيها.

حوادث :

١ ـ دهم الغرق بغداد ، فأحاط الماء بها من كل جانب ، وتولدت

__________________

(١) الزوراء ٢٣٢٩ في ٢٩ شوال ١٣٢٩ ه‍.

(٢) الزوراء عدد ٢٣٣٥ في ٩ ذي الحجة سنة ١٣٢٩ ه‍.

٢٦٠