موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦

١
٢

٣
٤

مقدمة الناشر

ألحق المؤلف بهذا الجزء تعليقات على الأجزاء ١ و ٢ و ٣ من هذا الكتاب. وقد رأينا أن نبقي مقدمة هذا المحقق وما تبعها من تعليقات على المجلدين الأول وبعضا مما يخص الثاني ذيلا لهذا الجزء ونضع التعليقات في المجلد الثالث في مواضعها منه.

كما أن المؤلف وضع تعليقات واستدراكات على هذا الجزء وألحق قسما منها في الجزء الخامس ، سماه (الملحق الرابع) والآخر في الجزء السادس سماه (الملحق الخامس) وقد رأينا ان نضعهما في مواضعهما التي أشار إليها المؤلف من هذا الجزء. كي تضم المعلومات إلى بعضها لئلا يزهق القارىء في تتبعها في أكثر من موضع من هذا الكتاب.

الدار العربية للموسوعات

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد فإن العراق كان أصابته الضربة القاسية من المغول سنة ٦٥٦ ه‍ ـ ١٢٥٨ م فلم يصح منها حتى أعقبته أخرى وأخرى ولا يزال إلى هذا العهد. تداولته الأيدي القاهرة وتناوبته الأحداث المزعجة ، فلم يتمكن من استعادة مجده واستقلاله ، بل تواترت عليه الإحن وتوالت النكبات ، فعبثت به ولم تدع له مجالا للتفكير بشؤونه ، بل لم يتنفس الصعداء إلا في ٢٤ جمادى الأول سنة ٩٤١ ه‍ ـ ١٥٣٤ م إبان الفتح العثماني. دام هذا لأمد محدود ، ثم اختلت إدارته بما حدث من حروب بين العراق وإيران ، فرأى ضروب الضيم ، وأنواع الحيف من الإدارات العاتية. في خلالها خنع مرة ، وأبدى الشموس أخرى. لكنه كان مهيض الجناح ، متأثرا بأوضاع دولته في غالب أحواله وإن كانت له خصوصيته إلى أن حدث احتلال بغداد في ١٧ جمادى الأولى سنة ١٣٣٥ ه‍ ـ ١١ آذار سنة ١٩١٧ م. وفي هذا التاريخ انتهى الحكم العثماني ، فقطعت العلاقة بيننا وبينه كما أنه بعد مدة وجيزة زال من البين ، وخلفته (الجمهورية التركية).

٧

والدولة العثمانية واحدة في أصلها متنوعة في مظاهر إدارتها نظرا لطول عمرها. ولا يمكن بوجه أن تسرد وقائعها من أولها إلى آخرها ولكن حالتها القطعية يصح أن توزع إلى فصول بما حدث من وقائع جليلة وتقسم على أشهر الحوادث وما حصل من أهم الوقائع وتعتبر هذه وقفات مهمة.

وموضوع بحثنا مقصور على ما كان بين فتح بغداد على يد السلطان سليمان القانوني وبين استعادتها للمرة الثانية أيام السلطان مراد الرابع في ١٨ شعبان سنة ١٠٤٨ ه‍ ـ ١٦٣٨ م. وهو الحكم المباشر الأول.

المراجع والمآخذ (١)

حدثت في هذا العهد وقائع عظيمة في العراق ، وتعاقبت إدارات مختلفة متأثرة بالدولة أو بشخصية الوزراء. وفي خلال ذلك ضاعت حوادث عديدة ، وكثرت فترات متسببة عن انحلال في الدولة ، واضطراب في الحكم ، وتدمير للوثائق ، فنحن في أشد الحاجة إلى معرفة ما ضاع ، والحصول على ما فات والتماسه من مظانه ... والنهم العلمي لا يهدأ عن الاستزادة ، ولا يمنع من نشر الميسور على أن نكون في تثبيت لما يعثر عليه. ولعل في المعروف ما يبصر بالحالة.

ولا شك أن الوثائق كثيرة والمؤلفات عديدة إلا أنها لا تعين إلا علاقة حروب أو صلة بالحكومة أو بالأهلين فلا تبين أحوال القطر مفصلا بل نراه مبتور الحوادث ، تتخلله فواصل فلا نجد الوقائع متسلسلة

__________________

(١) لم أتعرض في المراجع لما ليس له علاقة مثل كتاب (الدر المسلوك) للحر العاملي وعندي نسخة منه بخط مؤلفها وهي وحيدة ، وهكذا الرحلات يجب ان يبين فيها ما فات ، أو أغفل ذكره من وقائع أو مشاهدات وإلا فليس الحل إيراد أسمائها ، والأغلاط الفاضحة ليست موضوع البحث فلا محل للإطالة بما لا طائل له.

٨

للولاة وإن كانت متعلقة بالحكومة. والكتب التاريخية المعول عليها لا تذكر الولاة على التوالي بل إن مراجعة النصوص المتعددة تكشف النقاب عن ولاة غير من ذكروا في (گلشن خلفاء) أو في (تاريخ الغرابي) مع أنهما من المؤلفات المحلية. وبينهم من تكررت ولايته فلم يتعرض لها ، أو من ولي العراق ولم نشاهد له ذكرا للفاصلة التي تخللت الحكم العثماني بالمتغلبة وبالمجاورين مع قرب العهد ممن كتبوا. شاهدنا في الوثائق بعض الخلل ولا سبب إلا اختلاف الإدارة ، وتعاقب الحكومات وتلف المصادر من جراء ما حدث من ثورات أو استيلاء ...

ومن الضروري أن نرجع إلى مؤلفات عديدة لرفع الجهالة وأن نكشف الستار عن الثقافة نوعا ونزيل الخفاء بقدر الإمكان عن وقائع هذا القطر الذي له مكانته عندنا ، وعند الأقطار العربية والإسلامية جمعاء.

وهذه التواريخ متفرقة المادة ، تهتم بالحكومة وعلاقاتها ، ولم تذكر الشعب وأوضاعه ، ولا تسلسل الوقائع واطرادها ، بل نراها مقصورة على حياة الولاة أحيانا دون سواهم ، وأخلت في الكثير منها. وهذا النقص مشهود إلا أننا من مجموعها حصل لنا ما نعده وافرا فتمكنا من تدوينه مترقبين غيره.

نهجنا نهجا علميا في تسجيل ما عرف وراعينا حالات مسهلة أو موضحة بقدر الإمكان.

اتخذنا الوقائع السياسية الكبرى وسيلة لجمع الحوادث وربطها مع ملاحظة العلاقات مما نعتقد أن لها أثرا بالغا في المعرفة.

وموضوعنا محدد بما بين السلطان سليمان القانوني من أول إدارة العثمانيين في العراق والسلطان مراد الرابع. وقد مر بنا من المراجع في الأجزاء السابقة ما تمتد حوادثها إلى هذا العهد ، وهذه لا نعيد القول فيها من جراء استمرارها في هذا الجزء أيضا.

٩

وهذه أشهر مراجعنا الجديدة :

١ ـ المراجع المحلية :

وهذه تهمنا في الدرجة الأولى لما تحويه من إيضاح وضبط للوقائع أو علاقة بالحوادث. وهي على قلتها جليلة الفائدة عظيمة الأثر لا يصح إهمالها بوجه بل الاستزادة لما يتجدد منها ضرورية. ولما كانت هذه المراجع موضوع بحثنا في خلال سطور الكتاب قد أوضحتها واستوعبت ذكرها في (كتاب التعريف بالمؤرخين) فلا أرى ضرورة للتفصيل هنا. وإنما أذكر من المراجع المحلية :

(١) تاريخ آل افراسياب.

(٢) زاد المسافر.

(٣) ديوان فضولي.

(٤) ديوان روحي.

(٥) گلشن شعرا.

(٦) تاريخ الغرابي.

(٧) گلشن خلفا.

وكل هذه أوسعنا القول فيها عند ورود بحثها في حينه ، فلا نرى العجلة لا سيما وقد وجدنا بعضها يتأخر الكلام عليه إلى الأجزاء التالية من هذا التاريخ.

٢ ـ المراجع الأخرى :

وهذه من التواريخ الأجنبية وهي كثيرة جدا. ومنها للمجاورين أو للأقطار العربية الأخرى. وهذه أشهرها :

١٠

(١) تاريخ مطراقي :

يتضمن (فتح السلطان سليمان) بغداد ولعله المعروف بـ (تحفة غزاة) ، يذكر منازل سفر هذا السلطان إلى العراقين ذهابا وإيابا. وفيه ألواح مهمة ، وصفحات في تصاوير البلدان العراقية ومراقدها المباركة مما لم يبق له اليوم ذكر ، أو رسم إلا قليلا والكتاب رأيته في (خزانة الجامعة) باستانبول بين نفائس كتب السلطان عبد الحميد الثاني كتب سنة ٩٤٤ ه‍ أي بعد فتح بغداد بثلاث سنوات ، قدم للسلطان سليمان القانوني والكتاب ينبىء عن معرفة المؤلف بالرسم والتصوير ، وبالتاريخ كما أنه جامع للفنون الجميلة ومعلوم أن المؤلف مؤسس لنوع من أنواع الخطوط يقال له (چپ) فيوصف بأنه (چپ نويس) وهذا الخط قريب من الديواني ... وعصر هذا السلطان نظرا لعظم حكومته وصولتها يجب أن لا يخلو من أمثال هذا المؤرخ واطلاعاته القويمة وإتقانه للرسم. وتصاوير الكتاب تعين صناعة ذلك العصر وكأننا نراها كتبت حديثا لصحة ألوانها وثبوتها ودوامها إلى هذه المدة ... ولعلها خيالية أكثر منها حقيقية. فالكتاب من نفائس الآثار. ومن الضروري أن نحتفظ بأمثال هذه الخواطر في العراق كذكرى للماضي سواء من ناحية تصوير البلدان العراقية ، أو المراقد المباركة ، بأن ننقل التصاوير عينا ، ونحصل على نفس التاريخ بالاستعانة برسامين ماهرين ... واستنساخه بوضعه الحالي. كتب عليه إنه (بيان منازل سفر العراقين) و (كتاب تواريخ آل عثمان) لأيام السلطان سليمان. كتبه باللغة التركية نصوح السلاحي المطراقي من رجال السلطان سليمان ...

والمؤلف معدود من المؤرخين العثمانيين. كتب تاريخا في مجلد واحد عن أيام السلطان سليمان القانوني. من حين جلوسه إلى سنة ٩٥٤ ه‍ ثم شرع في تدوين ما بعد هذا التاريخ إلا أنه لم يوفق لإكماله ... وسمي بالمطراقي لإتقانه لعبة المطراق ومهارته فيها. وهي نوع لعب

١١

بالسلاح يقال له مطراق (١). ويقال إن كتاب الديوان آنئذ كان يقال لصنف منهم (مطراقي) ...

ومن مؤلفاته (فتحنامه قره بغدادى) ، ونقل تاريخ الطبري إلى التركية باسم السلطان سليمان سنة ٩٢٦ ه‍ وسماه (مجمع التواريخ) وهذه غير الترجمة المطبوعة ومخالفة لها تماما ... ويعد أيضا من مشاهير الرياضيين ... وله مؤلفات في الرياضيات وأشعار سلسة وغزل رقيق وأساليب خاصة لا يكاد يضارع فيها. ومن مؤلفاته (تقويم نصوحي) في علم النجوم (٢).

(٢) تاريخ السلطان سليمان :

تأليف فردي. وهو مما اعتمده هامر في تاريخ الدولة العثمانية ، ويقال له (سليماننامه).

(٣) سليماننامه :

تاريخ تركي لعهد السلطان سليمان القانوني. وفيه ذكر وقائعه من حين سلطنته إلى يوم وفاته ، وبيان علماء عصره ووزرائه ...

طبع ببولاق مصر سنة ١٢٤٨ ه‍ بإذن والي مصر محمد علي باشا الكبير. والكتاب من تأليفات عبد العزيز آل قره چلبي المتوفى سنة ١٠٦٨. وهذا التاريخ عولنا عليه في كثير من الحوادث.

قال صاحب عثمانلي مؤلفلري : وهناك سليماننامات أخرى إحداها لشمسي البرسي من القضاة وأخرى لفردي من الشعراء (٣) ...

وللمؤلف (روضة الأبرار المبين لحقائق الأخبار). طبع في بولاق

__________________

(١) لعل هذه اللعبة هي المعروفة عندنا (بالطابق).

(٢) تذكره سهى ص ١٠٠ وعثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ١٥١ و ٣٠٠٠.

(٣) عثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ١٢٠.

١٢

أيضا سنة ١٢٤٨ ه‍. والفصل الرابع منه في دولة آل عثمان.

وله أيضا (روضة الأبرار في فتح بغداد أيام السلطان مراد الرابع) وسماها صاحب (عثمانلي مؤلفلري) بـ (ظفرنامه).

وهذه من المراجع المهمة.

(٤) مرآة الممالك :

رحلة تركية لسيدي علي رئيس المتوفى سنة ٩٧٠ ه‍ ـ ١٥٦٣ م. سار من بغداد إلى البصرة بأمل الذهاب إلى مصر بأمر من السلطان سليمان القانوني ليتولى قيادة الأسطول هناك فلقي في طريقه البورتغال فحاربهم ، ولم يطق المقاومة بل دمرت غالب سفنه ، فاضطر أن يميل إلى الهند ومن هناك ساح برّا حتى عاد إلى بغداد حاكيا ما رآه في طريقه. وسياحته مهمة جدا تنبىء عن عصر غمضت وقائعه ... وفيها حوادث كثيرة عن العراق وبيان عن المشاهد وعن الطريق التي مر بها. وصف بعض أحواله وعلاقة العثمانيين به وما جرى عليه في سفره من عناء ...

طبعت هذه الرحلة في مطبعة إقدام عام ١٣١٣ ه‍ فسدّت ثلمة في تاريخ العراق ... كان أتم رحلته في (غلطة) في أوائل شعبان سنة ٩٦٤ ه‍ ـ ١٥٥٧ م وأبرزها في أواسط صفر سنة ٩٦٥ ه‍. أشار إلى ذلك في آخرها.

والمؤلف قائد بحري مشهور ، عارف بأمور البحرية معرفة تامة وكاتب أديب شاعر ماهر ويلقب بـ (الكاتبي الرومي) (١) ... وله مؤلف جمع فيه رسائل ابن ماجد الربان العربي المعروف وغيرها. سماه (المحيط) يتعلق بالبحرية وأحوال بحر الهند المسمى (بحر عمان) كتبه في أحمد آباد باللغة التركية ونقله إلى اللغة الألمانية آل (بارون هامر) ونشر في ويانة (فينة) عاصمة النمسة كما نقلت رحلته إلى الإنكليزية نقلها (ا. فامبيري) عن التركية

__________________

(١) الكاتبي القزويني كان في عهد المغول وهو معروف ... والوصف بالرومي للتفريق بينهما. وعرف آخرون بـ (الكاتبي) ويفرق بينهم بما يدفع اللبس.

١٣

وطبعت في لندن سنة ١٨٩٩ م (١). وكذا نقلت إلى الفرنسية.

وله مؤلفات منها (مرآة كائنات) في الاسطرلاب ، والربع المجيب ، والمقنطرات ، ومعدل ذات الكرسي.

(٥) فذلكة أقوال الأخيار في علم التاريخ والأخبار :

مجلد في التاريخ عربي العبارة لكاتب چلبي ، مصطفى بن عبد الله صاحب كشف الظنون ، منه نسخة رأيتها في المكتبة العامة باستانبول في كافة دول الإسلام وفيها معلومات وافرة عن حكومة قراقوينلو والعثمانيين والصفويين وغيرهم ... أولها : الحمد لله الذي أرشد الأولياء إلى إحاطة أخبار الزمان الخ بخط يده. لخص بها تواريخ عديدة وتكلم على كل حكومة برأسها وبدأ في فصل عن التاريخ وآخر عن الكتب المؤلفة فيه ثم في بدء الخليقة ، وفي الأنبياء ، وفي سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وغزواته وفي الخلفاء ومن وليهم على توالي القرون ... يذكر النصوص التي جعلها أساس بحثه بالفارسية أو غيرها عينا في هامش الكتاب. رأيته باستانبول. وهذه النسخة هي التي وصفها صاحب عثمانلي مؤلفلري. قال : «هذا الكتاب طولاني ، في قطع متوسط ، عربي العبارة ، وتاريخ عام يحتوي على مقدمة ، وثلاثة فصول ، وخاتمة وفي آخره بعض فوائد تاريخية وفي تتمته ألقاب الملوك والدول مرتبة على حروف الهجاء ...» ا ه (٢).

ومن مؤلفاته المهمة (جهاننما) في الجغرافيا. طبع إبراهيم متفرقة. وتاريخ الفذلكة التركي (٣) اعتمدناها. وله (ميزان الحق) ... توفي سنة

__________________

(١) ترجمته في كتاب أسفار بحريه عثمانية ، وفي عثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ٢٧٠ وهنا ذكر مؤلفاته.

(٢) عثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ١٢٩.

(٣) تبتدىء حوادثه بسنة ١٠٠٠ ه‍ ، وتنتهي بسنة ١٠٦٥ ه‍ ، طبع في مطبعة جريدة الحوادث باستانبول سنة ١٢٨٧ ه‍. وعندي نسخته المطبوعة.

١٤

١٠٦٧ ه‍. وفي الطبعة الجديدة من كشف الظنون تفصيل حياته.

(٦) روضة الحسين في أخبار الخافقين (تاريخ نعيما):

تاريخ تركي ، في الدولة العثمانية تأليف «نعيما أفندي». وله قيمة أدبية ، وأسلوب خاص عند الترك ، ولد مؤلفه سنة ١٠٦٥ ه‍ في مدينة حلب وأصل اسمه مصطفى. ورد استانبول بعد أن حصل العلوم ونال مناصب عديدة.

وكان عموجه زاده حسين پاشا ميالا إلى التاريخ فجيء إليه بكتاب كان في حالة مسودة كتبه أحمد أفندي من أبناء أحد العلماء محمد أفندي (شارح المنار) يتناول الحوادث من عهد السلطان أحمد الأول إلى أيام محمد باشا الكوپريلي ، وإن أحمد أفندي الموما إليه لم تتح له الفرصة أن يبيض المسودة فتوفي فكلف عموجه زادة المترجم نعيما أن يتم هذا الكتاب ، ويدون الوقائع الرسمية فيكون (وقعه نويس) أي (محرر الوقائع).

ومن ثم اتخذ نعيما ذلك الأثر أصلا ، وراجع تواريخ ووثائق وحقق ما سمع ، ودون ما شاهد فأضاف ما علم ... ولم يتحاش من نقد سلفه ، فأبرز كتابه. وسماه (روضة الحسين في أخبار الخافقين) إلا أنه عرف (بتاريخ نعيما).

وهذا التاريخ كتب في عهد انحطاط العثمانيين ، صور عصره فأبدع تصويره ، فلم يتجاوز الحقيقة ... وتبتدىء حوادثه من الألف وتنتهي بسنة ١٠٦٥ ه‍ ـ ١٦٥٥ م. وهذا التاريخ قدمه إلى الصدر الأعظم عموجه زاده. وبعد وفاة هذا الصدر أتم حوادثه إلى سنة ١٠٧٠ ه‍ ـ ١٦٦٠ م ، أيام داماد حسن باشا الصدر الأعظم.

وفي مقدمته بين ما يجب على المؤرخ مراعاته ... وبذا عين نهجه التاريخي وخطته التي سار عليها موضحا أن يكون المؤرخ صادق اللهجة ، لا يلتفت إلى الأقاويل الزائغة ، وأن يكون ملما بالوقائع عن

١٥

علم، ولا لتفت إل ما شع عل ألسنة الناس من الأراجف، وأن عتمد الثقات، ودون الصحح لا أن ستهوه الرأي العام بأباطيله، وأن لايتعصب، وأن يترك تزويق الألفاظ وتنميقها بحيث يرتبك الأمر بأن يستخدم البساطة أو قل الفصاحة في البان، وأن همل طرقة العتبي ووصاف ... فراعي النصائح المفدة (١) التي لا تبلي جدتها الأيام ... طبع في مطبعة إبراهيم متفرقة وطبعات أخرى.

(٧) منشآت السلاطين :

وهي المعروفة بمنشآت فريدون ، (فريدون أحمد باشا) المتوفى سنة ٩٩٠ ه‍ ـ ١٥٨٢ م والمؤلف من الكتاب القدماء ومن أشهرهم ، كان رئيس الكتاب لدى الوزير الأعظم صوقوللي محمد باشا. فهو مرجع تاريخي للوقائع ومثال مشاهد للآداب في عصره. طبع في مجلدين. وفيه وثائق كثيرة تخص العراق سواء منها ما يتعلق بفتح العراق وغير ذلك ...

والكتاب لا يخلو من غمز ، فإنه نسب منشآت عديدة للعثمانيين ، منقولة من مراسلات كانت للخوارزميين وغيرهم فقلبها ، أو عدل فيها ونسبها إلى السلاطين العثمانيين ، وربما كان كتاب الدواوين اتخذوا تلك المراسلات أصلا في مدوناتهم السلطانية.

ومن مؤلفاته الأخرى (نزهة الأخبار). يتضمن وقائع سنتين حدثتا بعد واقعة سكتوار. وله (مفتاح جنت) في الأخلاق ... (٢).

(٨) تاريخ رمضان زادة :

تاريخ تركي أوله : الحمد لله على ألطافه السنية الخ عندي نسخة

__________________

(١) نعيما تاريخي.

(٢) عثمانلي مؤلفلري ج ٢ ص ٣٦٣ ـ ٣٦٤.

١٦

خطية منه كتبت سنة ١٠٠٦ ه‍ ، وفيها بعض التعليقات وتواريخ بعض السلاطين وأخرى مطبوعة ... يتكلم فيه عن أوائل التاريخ ، ثم عن العثمانيين وفصل تاريخهم أكثر. وفيه بيان عن الوزراء والمشاهير والعلماء في أيامهم ...

ومؤلفه رمضان زاده نشانچي محمد بك من رجال السلطان سليمان القانوني ومن مشاهير المؤرخين. أصله مرزيفوني كان رئيس الكتاب ثم أمين الدفتر ... كان يكتب الطغراء في المناشير ويوقع التواقيع السلطانية ، ويحرر الطوامير الصادر من الخاقان. وتاريخه معروف بتاريخ (محمد باشا النشانجي) أي من الرماة وله (سبحة الأخيار وتحفة الأخبار) في أنساب الأنبياء والملوك إلى زمن السلطان سليمان القانوني ... توفي سنة ٩٧٩ ه‍ ـ ١٥٧٢ م في استانبول (١).

(٩) تاريخ صولاق زادة :

في مجلد واحد تأليف محمد همدمي چلبي المعروف بصولاق زادة. كتبه من أول تأسيس الدولة العثمانية إلى آخر أيام السلطان سليمان القانوني بإفادة سهلة بسيطة. لم يحو التفصيلات المهمة. طبع عام ١٢٩٨ ه‍ باستانبول ونسخه الخطية نادرة ... أوله : الحمد لله الذي خلق الخلق وهداهم إلى الصراط المستقيم الخ .. توفي عام ١٠٦٨ ه‍ في استانبول وله مؤلفات أخرى. منها (فهرست شاهان) منظومة في تواريخ آل عثمان ، ذيل عليها بعض الأدباء وجاء ذكرها في مقدمة التاريخ. وله تاريخ عام أيضا كما نقل عنه صاحب تذكرة صفائي وله اطلاع واسع على الموسيقى (٢).

__________________

(١) عثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ٥٣.

(٢) صولاق زاده. وعثمانلي مؤلفلري.

١٧

(١٠) مرآة كائنات :

لمحمد القدسي المعروف بـ (رمضان زادة). من أحفاد سابقه وهو محمد بن أحمد بن محمد بن رمضان وكان من العلماء. ولي قضاء بغداد لمرتين. وتوفي سنة ١٠٣١ ه‍. وتاريخه ينتهي بسلطنة السلطان سليمان القانوني. طبع سنة ١٢٦٩ ه‍.

(١١) تاريخ عالم آراي عباسي :

من الكتب التاريخية المهمة في اللغة الفارسية. وكنا بينا في المجلدات السابقة بعض التواريخ التي تمتد حوادثها إلى هذه الأيام. وهذا التاريخ يتكلم في الدولة الصفوية من ابتدائها مجملا ثم يمضي في أيام الشاه عباس الكبير بتفصيل وسماه باسمه. ومؤلفه اسكندر بك التركماني المنشي. شرع بتأليفه سنة ١٠٢٥ ه‍ وأتمه بوفاة الشاه عباس الكبير في ٢٤ جمادى الثانية سنة ١٠٣٨ ه‍. طبع على الحجر سنة ١٣١٤ ه‍. وفيه توضيح وقائع العراق لما يتصل بإيران.

(١٢) الإعلام بأعلام بيت الله الحرام

للشيخ قطب الدين المكي (محمد بن أحمد المكي النهروالي) الحنفي المتوفى سنة ٩٨٨ ه‍ ـ ١٥٨٥ م وفي تاريخ الغرابي توفي سنة ٩٩٠ ه‍ و (الإعلام بأعلام بيت الله الحرام) ألفه سنة ٩٧٩ ه‍ ـ ١٥٧٢ م وأهداه إلى السلطان مراد. وفيه ما يخرج به عن موضوعه مما يتعلق بالخلافة العباسية في مصر ومكانتها ، وبين هذه ما يتعلق بالعراق ، وبالصفويين. نقله إلى التركية المولى عبد الباقي الشاعر المعروف المتوفى سنة ١٠٠٨ ه‍ ـ ١٦٠٠ م. ذكر فيه أن الوزير محمد باشا العتيق طلب إليه ذلك فلبى الطلب.

طبع الأصل العربي في أوروبا ، وفي مصر إلا أن طبعة مصر مغلوطة بأغلاط كثيرة.

١٨

وله : (البرق اليماني في الفتح العثماني) ألفه للوزير سنان باشا ، فكان كسابقه أحد مراجعنا ومن مباحثه الصلات البحرية بالبرتغال ونقله إلى التركية المولى مصطفى بن محمد المعروف بـ (خسرو زاده) المتوفى سنة ٩٩٨ ه‍. وله مجموعة الفوائد (رحلته) إلى استانبول رأيتها في خزانة ولي أفندي برقم ٢٤٤٠ ، نقلها الأستاذ معلم رفعت الكليسي الفاضل المعروف إلى اللغة التركية (١). ومن مؤلفاته أذكار الحج والعمرة. وله الكنز الأسمى في فن المعمى ، وديوان شعر مما لا يخص التاريخ.

وهناك مراجع أخرى مثل النور السافر والكواكب السائرة ، وخلاصة الأثر وكتب أخرى عديدة أوضحنا عنها في كتابنا (التعريف بالمؤرخين للعهد العثماني). ومن أهم المراجع (منظومة آل افراسياب) تأتي في حينها. والغرض الاستفادة لا التعداد.

وأما بعض الكتب المعاصرة فإنها كتبت لمهمة سياسية لا للتاريخ المجرد فلا تكون موضوع البحث هنا.

نظرة عامة

في ٢٤ جمادى الأولى سنة ٩٤١ ه‍ ـ ١٥٣٤ م استولى السلطان سليمان القانوني على بغداد فقضى على الحكم الإيراني. وكانت (الأوضاع السياسية العامة) في تلك الأيام تدعو إلى معرفة توصل العثمانيين إلى إبادة حكم العجم من العراق.

كانت بلاد الشرق الأدنى إثر انحلال إدارة المغول تناوبت عليها حكومات متعددة وتولت إدارتها جملة سلاطين كل منهم يحكم صقعا. وفي الأيام الأخيرة كانت الإدارة موزعة بين آق قويونلو وبعض

__________________

(١) كشف الظنون طبعة استانبول الجديدة.

١٩

الحكومات أو الإمارات الصغيرة. أما العثمانيون فلم يكن لهم أمل في هذه الأنحاء ، بل كانت آمالهم معطوفة إلى التوسع في جهات الروم والبلقان وما جاورهما فتوغلوا فيها كثيرا.

وبعد انقراض حكومة (آق قويونلو) قامت الدولة (الصفوية) في إيران بقوة هائلة مستمدة سلطتها من التأثير الديني باعتناق مؤسسها الشاه اسماعيل طريقة (التصوف الغالي) مقرونة بمذهب الشيعة. كما أنه حرك الشعور الوطني القومي الإيراني فتزايد نفوذه وكثر أعوانه وشعر في نفسه بقدرة فتاكة وحكومة عظيمة هددت كيان الحكومات المجاورة ... بل إن قوتها فاقت المجاورين في كثير من حروبها وظهرت عليهم ظهورا بينا لكنها لم تكن في الدرجة التي تصورها هذا الشاه الشاب الممتلىء نشاطا ، المغرور بقوته وبما ربح من بعض الوقائع ، لما رأيناه في الحكومة العثمانية من الانتصار الهائل عليه وكان حكم العثمانيين سابقا لحكمه. وإن هذه الدولة ممرنة على الحروب والإدارة والتزام السياسة المكينة. أرعبت الشرق والغرب وأرهبت المجاورين ، وعاملت الشعوب والملل المحكومة بالحسنى.

ـ نعم لم تر الحكومة الصفوية مزاحما لها بعد انقراض حكومة آق قويونلو سوى (الدولة العثمانية) (١). فحاولت القضاء عليها ليصفو الجو

__________________

(١) إن الترك يتكلمون باثنتي عشرة لغة. ومنهم التركمان. خرجوا من ما وراء النهر وجاؤوا إلى بلاد الروم زرافات وبأسماء مختلفة مثل دانشمندي ، وأق قوينلو ، وسلجوق ... فجاسوا خلال هذه الديار واستولوا عليها ... ولهم لهجات متنوعة ، وإن اللغة التركمانية متشعبة من التتارية ، ولهم اصطلاحات في لهجاتهم خاصة ولغات غريبة ، لا يفهم بعضهم بعضا إلا بترجمان ، وإن الجغتاي أفصحها ، وإن تركمان آل عثمان من هؤلاء ... أما تتار قالماق أي الصين والخطا والختن فإنهم غير أولئك وإنما هم تتار آخرون ... ولهم اثنتا عشرة لغة بعدد ملوكهم ، فلا يتفاهم بعضهم مع بعض إلا بترجمان. (أوليا چلبي ج ٣ ص ١٧١).

٢٠