موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

٣٠١

رجالهم يوصون قبل الحرب بأن الرأي العام الأوروبي في تحامل عظيم عليهم ، وحانق للانتقام منهم ، فلا طريق لمقاومة هذا التيار إلا بالانتصار للأحزاب المعارضة وتقويتها ، وفيها ما يمكن من إيقاف ذلك التيار عند حده!. ورأوا الفرصة سانحة ، ولعلها السبب في دخولهم ويظهر أن الألمان هم السبب في إثارتها وكانوا قد أعلنوا الحياد فأوقعوهم ، وأن استخدام القواد الألمان في السفن البحرية الألمانية المشتراة كان خطأ. ومن المراجع الألمانية أن الروس كانوا يراقبون الحالة وينتهزون فرصة بث الألغام .. ومع هذا ليس لهم من القدرة ما يقف في وجه الدول إلا بالتزام الحياد ، وانتظار النتائج ، لتأخذ الدولة راحة. ومع هذا لم تنجح في مسعاها وكان الإنكليز وضعوا اليد على السفن الحربية المشتراة منهم ، ولما اشترت الدولة العثمانية (غوبن) و (برسلاو) قامت قيامتها. فلم تدعها تعوض ما امتنعت من تسليمه وإثر أخذ هذين المركبين الحربيين فإن روسية أيضا لم تتحمل عمل تركية ، وكأنها دولة غير مستقلة وتابعة لهؤلاء ومنقادة لإدارتهم .. حنق الترك على الروس من جراء تدخلهم ومثلهم الإنكليز وذلك لأن الترك اتفقوا مع الألمان على سكة الحديد وغير ذلك مما أدى إلى الميل إلى الألمان (١) ..

وبعد انتهاء الحرب العظمى بمخذولية الترك والألمان صار يتمسك المعارضون للاتحاديين بأدلة خصومهم أن الألمان هم المعتدون ، ونسبوا دخول الحرب إليهم. ولكنهم لم يدعوا فرصة للتحقيق ، والتفاهم من طريقه. وهذا جاويد باشا بيّن أن الميل إلى الألمان جلب سخط الإنكليز

__________________

(١) كتاب (حرب عمومينك منشألري) وفي كتاب (ماضي يه برنظر) تأليف محمود مختار باشا تفصيل حنق الإنكليز على العثمانيين قبل الحرب بسنين. وفي هذا الكتاب العوامل الكثيرة في بيان الحالة التي عليها الأفكار الأوروبية تجاه العثمانيين وكانوا قد أنهكتهم الحروب ، فلم يدخلوا الحرب عن رغبة ، وليس لهم قوة ..

٣٠٢

واضطرابهم لما لهم من الآمال في العراق ، وفي طريق الهند ، فكان خط بغداد مبدأ السخط ، وهو الذي سبب أن تميل الدولة الإنكليزية إلى مساعدة البلقانيين ، والإيطاليين في أعمالهم. بل إن البلقان واستقلاله في نظر الإنكليز سيكون سدا مانعا من تسلط الألمان على الهند. كما أن حماية الهند ، وآبار النفط في عبادان مما يستدعي أن تكون لها سلطة على العراق ، وأن ذلك هو السبب في الدخول بحرب العراق ، بل تجاوز ذلك وكاد يعد أصل الحرب اتفاق الترك والألمان ، وخط حديد (بغداد ـ برلين) ، والآمال التركية سارت في خيال واسع ، تريد أن تستولي على قفقاسية وتركستان والهند .. مما لا تستطيع الوصول إليه (١).

وعلى رأي جاويد باشا رجال آخرون من الترك يناوئون الاتحاديين. ولا تزال لم تحل هذه القضية والآراء مضطربة فيها ، وغالبها لا تخلو من ميل للإنكليز ، أو عداء لهم. وإلا فلا يسوغ لدولة أن تتحكم في أخرى. وتجري طبق رغبتها. فتقول لها لا تتفقي مع عدوي. وهذا ما نقوله من أن الدول لا تعرف الحياد ، وأن تكون دولة تراعي مصلحة كل الدول بقدر الإمكان ، وتكون حرة في عقودها واتفاقياتها. ولا سبب لذلك إلا الضعف والقوة ، أو الحكم لمن غلب. واختلاف الوجهات في التعليل لا يغير الواقع.

وفي كتاب (بطاريه ايله آتش) أيد وجهة الدولة العثمانية في لزوم الحرب ، وعدد ويلاتها وما جرت إليه ، وبين أن هذه الحرب على ما فيها من مصائب أنقذت الأمة الإسلامية من عتوّ الروس وتحكمهم بالبلاد وقهرهم للأمم الإسلامية فلما سدّ العثمانيون البوسفور خذلوا ، فدخلهم الاضطراب فتبدل شكل الحكم ، وتكوّنت دويلات عديدة فلم تكن دولة موحدة ، إلا أن الأيام كشفت بطلان هذه الفكرة ، وأن روسية عادت إلى

__________________

(١) عراق سفري : جاويد باشا ص ١ ـ ٨.

٣٠٣

ما كانت تفكر فيه قديما ... وأعادوا قضية الاستيلاء للذاكرة ... فكان قوله حلما لذيذا وراحة واستراحة لأمد قصير جدا ... ومثل هذا سمعنا عن فريد بك الداماد ما سمعنا من أنهم حرّروا دولا عديدة ...

ومهما كان من أمر ، فقد دخلت الدولة العثمانية الحرب ، وحافظت على المضايق فلم تمكن من اجتيازها أحدا ووقائعها في (چناق قلعة) من أعظم الحروب العالمية ، أوقفت الإنكليز والفرنسيين وغيرهم عند حدودهم ، نرى ضعفا في قوة ، وتدميرا في هزيمة. وربما كانوا السبب في انحلال روسية بعد الحرب ، لعدم الاتصال بينها وبين متفقيها ، وكان وضعهم أضر بالإنكليز ومتفقيهم ، فصار عليهم بثمن غال ، وخطرهم من جراء إعلان الجهاد كان كبيرا جدا ..

ولا يهمنا تفصيل الأوضاع الحربية ، وجبهات المعارك ، وإنما يدعونا الواجب أن نقرر أوضاعنا في جبهتنا الحربية خاصة .. وسوف نراعي سني الحرب بالتوالي مع ملاحظة ارتباط المباحث بقدر الإمكان .. سوى أننا نقول إن الحرب العامة نفرها الأهلون ، وصاروا لا يبالون بالهزيمة ، وشاع على لسانهم (سفر برلك) بلفظ (سفر علّلك) أي (نفير الهزيمة) لا نفير الحرب .. وصاروا يذهبون إلى خط الحرب مكبلين ولا يبالون أن ينهزموا في أحرج المواقف .. فعجزت الحكومة من ضبطهم .. وتوالى عدد الفارين وتكاثر .. إلا أن الضباط صبروا على الحرب واستمروا حتى النهاية ، وبقوا صامدين مخلصين للدولة ، وكثير منهم داموا على ذلك حتى آخر أيامهم .. فكانوا مضرب المثل في الحرب والبطولة.

نواب البصرة :

ورد بغداد من استنبول نواب البصرة عبد الرزاق النعمة ، والحاج عيسى روحي الإمام صباح الأحد ١٦ شوال سنة ١٣٣٢ ه‍ ومكثا يوما

٣٠٤

وليلة ثم سافرا إلى البصرة (١).

الامتيازات القديمة :

هذه الامتيازات لا أصل لها في الحقيقة ، وإنما هي منح ، فصارت (وجائب قانونية) ، فألغيت ، وتعد حدثا عظيما في الدولة استفادة من الحرب الطاحنة بين الدول العظمى ، إلا أن بعض الدول لم توافق على هذا الإلغاء (٢) ، ولكنه قبل مؤخرا ، ولم يعد للامتيازات ذكر في الدولة العثمانية ولا في الجمهورية التركية ..

عزل قاضي بغداد :

في ٢ رجب سنة ١٣٣٢ ه‍ وردت برقية بعزل قاضي بغداد السيد علي وهبي. جاءت من والي بغداد محمد جاويد باشا مؤرخة في ٢٩ جمادى الآخرة. وكانت حدثت عليه شكاوى من جراء أنه طرد وكلاء الدعاوي ولم تفد مراجعاتهم. وهو مشهور بالفقه ولم يكن من أهل الرشوة. وكان عفيفا في غاية العفة (٣).

مديرية دار المعلمين :

عين لوكالة دار المعلمين الأستاذ حسن رضا ، وهو من متخرجي كلية الحقوق بدرجة (عليّ الأعلى) (٤). وهو اليوم عضو محكمة تمييز العراق.

وفيات

١ ـ الأستاذ إسماعيل حقي بك بابان. توفي فجأة أثناء التدريس

__________________

(١) مجموعة ابن حموشي.

(٢) الزوراء عدد ٢٤٨٢ في ٢٦ شوال ١٣٣٢ ه‍.

(٣) مجموعة ابن حموشي.

(٤) الزوراء.

٣٠٥

في الكلية الشاهانية. وكان شهما فاضلا وكاتبا ضليعا وأستاذا بارعا. دفن في جامع بايزيد ، وكان نائبا عن العراق ، وهو من أسرة بابان (١).

ورد نعيه في صفر سنة ١٣٣٢ ه‍ ورثاه الأستاذ جميل صدقي الزهاوي بقصيدة مذكورة في ديوانه ص ١٦١ أثنى على أدبه وعلمه ورجاحة عقله. وله آثار حقوقية مهمة منها (حقوق أساسية) باللغة التركية وكان من أساتذة الحقوق باستنبول. وهو ابن مصطفى ذهني باشا متصرف طرابلس ، ووالي ولاية الحجاز. قال الأمير شكيب أرسلان : وإسماعيل حقي بك أحد أركان جمعية الاتحاد والترقي ، مات في حياة والده. وأخوه نعيم بك من أعضاء مجلس الأعيان في الدولة العثمانية ، وكان من الفضلاء ، ونقل الأمير عن نعيم بك أنهم وإن كانوا رؤساء الأكراد في السليمانية فنسبهم عربي صريح يرجع إلى خالد بن الوليد (رض) (٢).

٢ ـ توفي الحاج حمد العسافي في الزبير. يوم الثلاثاء ٩ صفر سنة ١٣٣٢ ه‍. وله من العمر ٦٩ سنة وكان يشتغل بالتجارة وبوفاة والده استمر بالاشتغال بالتجارة سنتين مع أخيه الحاج صالح ثم اقتسما الميراث واشتغل كل على حدة. وفي شوال ١٣٢٧ ه‍ ترك الحاج حمد الاشتغال بالتجارة واختار العزلة عن الناس وترك من الأولاد الحاج عبد الله والحاج محمد وعبد اللطيف وعبد الصمد. وكان والدهم حريصا على تعليمهم العلوم الدينية فأرسلهم إلى مدرسة مرجان وكان الحاج محمد المانع مفتش معارف المملكة العربية السعودية يدرسان لدى الأستاذ المرحوم الحاج علي علاء الدين الآلوسي.

وإن الحاج محمد واصل دراسته العلمية وشغل وظائف علمية دينية وآخر وظيفة شغلها التدريس في جامع العادلية الكبير.

__________________

(١) لغة العرب ج ٣ ص ٣٩٢.

(٢) السيد محمد رشيد رضا (اخاء أربعين سنة) ص ١٠١.

٣٠٦

وأما الحاج صالح أخو الحاج حمد فإنه استمر في التجارة وتوفي في شهر صفر سنة ١٣٣٥ ه‍ وعمره (٨٥) سنة وترك ولديه الحاج عبد الرحمن وعبد العزيز العسافي المتوفى ٣٠ آب سنة ١٩٤٥ م.

٣ ـ توفي صباح الأحد ١٤ صفر سنة ١٣٣٢ ه‍ الملا أحمد ابن المرحوم الحاج فليح بن حسن العساف فجأة في سوق البقالين. وكان خطاطا معروفا.

دار آل جميل :

في ٣ شوال سنة ١٣٣٢ ه‍ شب الحريق في دار آل جميل ليلة الثلاثاء ، فلم يبق شيء لا من أثاث ولا من كتب ، كما كانت قد احترقت أيام الوالي علي رضا باشا ولم يبق من الكتب وكانت نفيسة جدا.

حوادث سنة ١٣٣٣ ه‍ ـ ١٩١٤ م

الحرب ـ المناوشات الأولى :

كانت الدولة الإنكليزية في أوائل تشرين الأول سنة ١٩١٤ م اتخذت التدابير لمقارعة العثمانيين ، وفي الحقيقة كان تأهبهم للدخول في الحرب من حين اشتركوا في النضال مع الألمان ، لا لحماية نفط عبادان ، بل لرعاية مصالحهم في هذه الأنحاء ، والبلاد العربية الأخرى بل لآمال أكبر من المحافظة ، فأرسلت جيشا مختلطا ، مؤلفا من القوات الهندية والإنكليزية برية وبحرية .. وكانت تعلم الدولة الإنكليزية يقينا أن العثمانيين في جهة الألمان ..

تجمعت قوتهم في البحرين ، وهي في انتظار إعلان الحرب ، وتمرنت على حركات الإنزال. وأعلنت الحرب على تركية ، وجاء إلى القيادة هناك بإعلامهم في اليوم الأول من تشرين الثاني سنة ١٩١٤ م وكان القائد للحركات الجنرال (ديلامين) وفي ٦ تشرين الثاني سنة

٣٠٧

١٩١٤ م دخل الطراد (أودن) شط العرب تتقدمه رافعات الألغام ، وتعقبه بواخر النقل والزوارق الأخرى فكانت هذه مبادىء الحملة الإنكليزية في العراق.

وقعت المعركة في ذلك اليوم ، وكانت هذه المعركة حامية دامت نحو ٤٠ دقيقة ، وأسفرت عن إسكات البطرية التركية. وعلى أثر ذلك تقدمت البواخر النقلية المؤلفة من الباخرتين البحريتين (فاير فلاي) ـ (أوماديا وفاريلا) وبعض الزوارق المسلحة ، والأخرى البخارية للبارجة (أوشن) تحمل جيوشا للإنزال ..

وتتألف هذه من ٦٠٠ جندي من المشاة ، وزهاء (١٠٠) جندي من بحارة البارجة أوشن) وبعض رشاشات ماكسيم وبطرية الساحل وحضيرة مدفعية جبلية. وهذه القوة نزلت قرب محطة البرق فاحتلت مواضع الجيش التركي دون أن تجابه مقاومة ، وقطعت آنئذ مسافة لا بأس بها من شط العرب. وكان (الطراد اسبيكل) على بعد ٢٠ ميلا قطعها من شط العرب.

وإن العثمانيين لم تكن لهم من القوة كفاية ، فأمكن للانكليز إنزال جيوشهم ، فلم تلق مقاومة وفي ١٤ تشرين الثاني سنة ١٩١٤ م وصل (السر ارثر يارت) مع الفرقة ١٨ الهندية ليستلم قيادة العراق ، وجرت عمليات إنزال الجيوش بسرعة ، وبلا مقاومة ، فعضدوا القوة البرية ، وحصل تماسك كبير بينهما. وحصلت مصادمة مع العثمانيين في ١٥ منه وأوقعت خسائر كبيرة بالجيش العثماني ، ثم عززت القوة البحرية بالطراد (لورانس) وكان مسلحا بثمانية مدافع.

احتلال البصرة :

وفي يوم ١٦ تشرين الثاني سنة ١٩١٤ م عقد البريطانيون اجتماعا قرروا فيه مواصلة الزحف في اليوم التالي وهو ١٧ منه. أخذت القوات

٣٠٨

البريطانية تتقدم في زحفها نحو البصرة يسند جناحها الأيمن النهر وفيه الاسبيكل والأودن (١).

وكانت القوة كبيرة بالنظر للقوة العثمانية التي تعد تجاه القوة الإنكليزية لا شيء ، وكان يظن أن المدفعية في الفاو تستطيع صد هجوم البحرية وإيقافها عند حدها وأن عشائر العراق وحدها في استطاعتها المقاومة ، فلا تدعه يطأ أرض العراق ، أو بالتعبير الأولى لم تهتم الحكومة بالعراق ، وكان خوفها من أنحاء قفقاسية ، ومن سورية وچناق قلعة ، فلم تهتم بهذه الجبهة. وسيق الجيش العراقي إلى قفقاسية والجهات الأخرى ولم يرجع منه إلا القليل ، وأصابته أمراض قاسية وحروب ماحقة لا يكاد يحصيها قلم. فأخلى الترك البصرة قبل أن يدخلها الإنكليز بثلاثة أيام مما لم يكن ليحلم به الإنكليز. وكانوا قد استولوا على سيحان وكوت الزين بمقاومة قليلة من الجيش العثماني. ومن ثم احتل الإنكليز المدينة بلا مقاومة ، فقد كانت قوة العثمانيين ضعيفة ، ولم تستطع البقاء. فكان احتلالها يوم ١٧ تشرين الثاني سنة ١٩١٤ م ويعد أول دخولهم العراق ، ومن ثم ابتدأت حروبهم الطاحنة ، والجيش العثماني أعزل من كل نجدة ، ولا قدرة له على المقاومة إلا بقدر ما عنده من أعتدة حربية ومهمات ، فكانت هذه الحرب تجهز أحد طرفيها بأسلحة جديدة والآخر لا يزال على حالته القديمة إلا قليلا.

ولا محل للموازنة بين قوى الجيش العثماني ، والجيش الإنكليزي ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى :

١ ـ حرب العراق تأليف (طاونسند). ترجم إلى التركية والعربية.

__________________

(١) معارك السفن الحربية على ضفاف دجلة ص ١٦ وفيه بيان القوة الإنكليزية. تأليف (الفايس أميرال ونفر دنن) نقله إلى العربية الأستاذ الملازم فخري عمر. طبع سنة ١٩٣٨ م.

٣٠٩

٢ ـ معارك السفن الحربية على ضفاف دجلة.

٣ ـ عراق سفري (خواطر). تأليف جاويد باشا والي بغداد والقائد العام.

٤ ـ (عثمانلي جبهه لري وقائعي). تأليف العقيد الركن محمد أمين بك (هو معالي الأستاذ محمد أمين زكي وزير المواصلات والأشغال والمعارف) وتوفي سنة ١٩٤٨ م.

ومن هذه وغيرها نعلم أن الدولة العثمانية أهملت أمر إدارة العراق من الناحية العسكرية ، فلم تترك قوة كافية تستطيع الوقوف في وجه الإنكليز لصد هجومهم ، وإيقافهم عند حدهم.

ولا شك أن ذلك نتيجة لازمة لسقوط البصرة. ولكن الحكومة وجهت اللوم على جاويد باشا القائد العام لأنه لم يقدر على صد صولة الإنكليز.

والوقائع الأخرى التي تلت هذه الحادثة مؤلمة أكثر. فإن الإنكليز اتخذوا كل تدبير للوصول إلى الغرض بالقضاء على الجيش العثماني ، وكانوا يظنون أن سوف يكون الأمر بردا وسلاما ، وبلا مقاومة كبيرة.

ومن جهة أخرى إن الإنكليز اتخذوا تدابير تجاه ما ستتخذه الدولة العثمانية من إعلان الجهاد ، وإبداء لزوم ما يقوم به كل فرد بالنظر لما يستطيع من قدرة. فلم يدعوا وسيلة إلا توسلوا بها. وهذا نص ما أعلنوه للعشائر العربية :

إعلان لحكام وشيوخ العرب ولرعاياهم

في خليج فارس

«قد صدرت من الدولة العثمانية في زماننا هذا أعمال وأفعال متفرقة خلافا لمصالح التجار الإنكليز ومنافعهم ويعرف هذا من تحريض

٣١٠

الألمانيين وتداخلهم في السياسة العثمانية إلى أن تقربنا لقضية الحرب بين الدولة العثمانية والدولة البريطانية مع الدول المتحدة يعني فرنسا والبلجيك والجابان وغيرها. وقبل الستين سنة ولما وقع الحرب بين الدولة العثمانية والدولة الروسية كانت الدولة الإنكليزية والدولة الفرنساوية تساعد الباب العالي بعساكرهما وحفظت استقلال الدولة العثمانية ، وإبقاء بلادها وممالكها من أعظم مقاصد الدولة الإنكليزية في أمورها السياسية وأما الحين رجال الدولة العثمانية من عدم الفروسية يريدون يدخلون دولتهم في المناقشة الصائرة بين الدولة وغيرها من الدول وبعزة قوتها في ورطة الفناء حتى لا يبقى إبقاء مملكتها على صحتها بعده إذا صارت نتيجة هذه الأفعال أن الدولة العثمانية ساقت الدولة البريطانية إلى الحرب مع العثمانيين. فإن الواجب على جميع شيوخ بلاد العرب تأمل على حالتهم مع الظالم الذي يدعو لنفسه بأنه حافظ المسلمين وحاميهم كان أهل الإسلام محتاجين لحافظ إلى الله سبحانه وتعالى.

وأما الشيوخ الذين قد جربوا الظلم والتعدي من الدولة العثمانية لكون بلادهم متصلة ببلادها فلا تحصى حالتهم معها لأن المخالفة بينهم وإياها كانت موجودة من زمان وهم لا يزالون مجتهدين لاستخلاص أنفسهم من تسلطها وقد حصل لبعضهم الاستقلال وبعضهم باغون عليها الآن.

ولا يخفى على شيوخ الخليج العجمي أن الدولة البهية الإنكليزية لا تتعرض أبدا لدين المسلمين ولا تخالفه في شيء وإنما تجتهد لإقامة الصلح والأمان في جميع البلاد وتشديد روابط الصداقة والاتفاق مع جيرانها وصار لها مرارا فرصة للاستيلاء على بعض البلاد ولكنها ما انتهزت الفرصة وإن تعلقاتكم مع الدولة البهية الإنكليزية كانت من زمان فأوعدتكم بأنا سنجتهد في كل أمر متعلق بالحرب الجارية لحماية حريتكم الذاتية والدينية ولا نفعل فعلا يضر هاتين الحريتين اللتين هما

٣١١

حب الإنسان من الحياة البشرية. أما ما قد وقع في جميع البلاد في تعب واشتداد من تكبر رجال الدولة العثمانية وحماقتهم ، ولا نريد شيئا من جنابكم إلا حفظ السكينة والأمان في بلادكم وأن تأذن للجهال من رعاياكم الذين أن الدولة البهية قد حماهم من زمان من تعدي الظالمين في ارتكاب أعمال تخل السكينة البلاد أو تضر المصالح الانكليزية فإن سلك جنابكم هذا الطريق مستخرج عن قريب من المسائل المحيطة بكم في حال الصحة بل أقوى وأحرى مما كنت من قبل ولا تأذن لرعاياكم في الالتفات إلى كلام الجهال داعين إلى الجهاد لأنه ليس في الحرب الجارية ما يتعلق بالأديان إلا أنه مفيد لجميع الأديان استئصال الرجال المتكبرين والظالمين وتقوية حالات الرجال المطمئنين الذين لا يرون شيئا إلّا الاستقلال والسكون في بلادهم المألوفة بالصلح والأمان» ا ه (١) بنصه وفصه.

ومن فحواه يفهم أن الإنكليز لم يهدأوا للأمر ولا تهاونوا فيه ، وإنما اتخذوا التدابير اللازمة لتوجيه الرأي العام العشائري إلى جهتهم. ومعارضة فتاوى المشيخة الإسلامية ولم يكونوا يأملون أن ينالوا البصرة بهذه السهولة فوقعت بأيديهم.

كانت أرسلت الدولة العثمانية بعض الفتاوى إلى الأنحاء المختلفة وبعض الرسل إلى ابن سعود وإلى الأفغان ولكن مع هذا كانت أعمالها فاشلة ، وسياستها بالنظر للمملكة ، وللإمارات العربية غير حكيمة ، وإن تدارك الأمور في حينها ضروري ، فلم يفطنوا إلا بعد فوات الفرصة وأنهم كانوا من الضعف بمكانة ... ومن أمثلة ذلك أن ابن سعود كتب إلى المرحوم محمد فاضل باشا الداغستاني جوابا لكتاب بعث به إليه جاء فيه :

__________________

(١) (عراق سفري) جاويد باشا ص ١٣.

٣١٢

«إن الحكومة الاتحادية أعطت ابن الرشيد ما طلب ، ولكنها لم تراعني ، ولا أبدت لي من الحرمة كشيخ بدوي نال ما نال. فلا اعتماد لي على دولة متكوّنة من أوغاد». ا ه.

قال جاويد باشا : وفي البيانات التي عثر عليها في العراق «إن اتباعنا للترك أو للإنكليز واحد ، كلها أسر ، وإن الترك باعوا بلادنا ، وأخذوا أولادنا إلى أرضروم ، وكذا دوابنا ، وأطعمتنا وبقيت نساؤنا أرامل ، وساقوا أبناءنا إلى جهة مجهولة فأهلكوهم في الحروب ، اقتلوا ضباط الأتراك ، وعودوا إلى أوطانكم ...» ا ه.

هذه أراها مختلقة على الأهلين ، وإنما هي صادرة من الإنكليز على لسانهم ، ليخوفوهم من العرب ، ويشتد التوتر بين الطرفين ، ولكن الأهلين نالهم العناء الكبير فصبروا ، وملوا الإدارة التركية. أو بالتعبير الأولى كما قلت أساؤوا التدابير للسياسة الداخلية ، وللعرب. ومن ثم حصل التوتر ، وقويت المشادة في البصرة وغيرها وفي أثناء الحرب صار يفر الجند العرب من صفوف القتال .. وما قاله جاويد باشا عن الكرد وطلبه متطوعين منهم في أنحاء دهوك بواسطة والي الموصل سليمان نظيف بك ، وأنه جمع نحو ٧٠٠ متطوع فلما علموا أنهم يحاربون الإنكليز أبوا. أمر مبالغ فيه كثيرا ، فهؤلاء لا يعرفون الإنكليز ولا علاقة لهم بهم ..!

فيضان وغرق :

في المحرم سنة ١٣٣٣ ه‍ (في ١٥ و ١٦ تشرين الثاني سنة ١٩١٤ م) استولى الماء على أطراف بغداد بصورة لم يسبق لها مثيل حتى دخل الأزقة ، وكانت حادثة مؤلمة ، وصادف أيام سقوط البصرة واهتمام الجيش بإيقاف جيش الإنكليز عند حده.

وفي هذا استولت المياه على مقر الجيش ، وعلى مواطن عديدة ،

٣١٣

وصارت تخريبات وافرة حينما كان عزت الفارسي رئيس بلدية ، فقد أزال السدة القديمة فدخلت المياه بغداد ، فعزل وتعين للوكالة رفعت بك الچادرچي ، واشترك الأهلون بالسد ، فلم يجد نفعا.

وقائع موحشة :

لم يعلم الأهلون عن حادث البصرة. ولا أعلن خبرها رسميا إلا أن الحكومة اتخذت تأهبات كبيرة ، وجعلت مقر الجيش في جهة الباب الشرقي خارج بغداد ، واستعدت للأمر ، وأخذت الجيوش وساقتهم بكل سرعة لما ورد من الأخبار أن الإنكليز تقدموا والجيش انسحب إلى (العزير).

وجلية الخبر أن الجيش العثماني بعد أن ترك البصرة انسحب قسم منه إلى القرنة والآخر إلى الناصرية وأن قائد الفرقة ٣٨ اتخذ القرنة محل دفاع له فتحصن فيها بقسم من قوته وتبلغ نحو ألف ، وكان معه ثلاثة مدافع ، والتزم حالة الدفاع ، ولكن العدو في ٢١ و ٢٦ تشرين الثاني سنة ١٣٣٠ تعرض به ، وأمطر عليه بوابل من نيرانه ، فلم يستطع أن يقاوم ، واضطر على التسليم ، فوقع أسيرا بيد العدو .. (١) فلم يكن أمام الإنكليز قوة تدفعهم أو توقفهم ، ولكنهم لا يزالون يوجسون خوفا من قوة مكتوبة أو حركة التفاف ، أو من كمين.

وفي هذه الأثناء كان الفيضان ، فاجتمع الأمران معا الفيضان والحرب ولكن هذه الحرب أشبه بجهنم متحركة ، والهول كان شديدا ، فلم يقدر أن يقوى عليه جيشنا.

__________________

(١) (حرب جبهه لري وقعه لري) ، والزوراء عدد ٢٤٩٣ في ٢٢ المحرم سنة ١٣٣٣ ه‍.

٣١٤

سفر إلى ابن سعود :

في ١٠ المحرم يوم السبت سافر الأساتذة السيد محمود شكري الآلوسي وابن عمه الحاج علي علاء الدين الآلوسي ومعهما الأستاذ الحاج نعمان الأعظمي لأجل الإصلاح وتقريب ابن سعود وإمالته لجهة الدولة ، والاتفاق معها على الإنكليز وذلك سنة ١٣٣٣ ه‍ فعادوا في ٢٧ جمادى الأولى ولم تنجح مساعيهم (١). وإنما تعهد لهم ابن سعود بأنه يكون على الحياد.

فتاوى المشيخة :

أصدرت المشيخة الإسلامية فتاوى شريفة ، قرئت في كافة الممالك الإسلامية ، وفي جوامع بغداد جميعها في ٢٣ المحرم سنة ١٣٣٣ ه‍ عقب الخطبة من يوم الجمعة. وهذه تتضمن مداهمة الخطر للبلاد الإسلامية وتدعو إلى لزوم جهاد الأعداء من جميع المسلمين. ونصوصها معروفة. وجاء بيان الإنكليز حذرا على انتشاره بين الأهلين.

سفر إلى الأفغان :

في ٣ جمادى الأولى سنة ١٣٣٣ ه‍ ذهب السيد محيي الدين ابن سماحة نقيب أشراف بغداد السيد عبد الرحمن النقيب إلى الأفغان. ثم عاد إلى بغداد (٢).

حروب العراق :

لا يهمنا التعرض لحروب الدولة العثمانية أو الحرب العامة بكل تفاصيلها ، ولا ذكر انتصارات العثمانيين في چناق قلعة أو دفاعهم عنها

__________________

(١) مجموعة ابن حموشي.

(٢) مجموعة ابن حموشي.

٣١٥

دفاع الأبطال ، ولا ما لاقته من الويلات من جراء هذه الحرب إلا أننا نقول إن مصيبة العراق كانت كبيرة جدا ، فمن أول إعلان النفير العام ساقوا أبناء العراق إلى أنحاء قفقاسية وإلى جهات (وان) وما جاورها ، فنالهم عناء كبير ولحقهم ضرر لا يستهان به.

نتعرض لما يخصنا ، ونقرر شعور أهلينا ، ونتائج الحرب بالنظر لما شاهدنا وسمعنا ، ولما نطقت به الوثائق. والملحوظ أن الجرائد العراقية كانت بلاغاتها الرسمية غير صحيحة ، وظهر أنها خلاف الواقع ، كانت تكتم الأخبار الموثوقة لأنها مخذوليات متوالية وكوارث فظيعة في الجبهة العراقية.

نعم أصابت الإنكليز صدمات من الجيش ، أوقعت به خسارا كبيرا. ولكنها لم تثمر شيئا ولا تمكنت من صدّ الإنكليز من التقدم إلا مدة وما أكسبته في النفوس وفي المعدات لم يؤد إلى تدميره وقهره. وفي هذه ربح العثمانيون بعض المعارك ولو لم يكن كذلك لعادت الدولة العثمانية في خبر كان. فالجيش مغلوب ولكنه يعارك عراك الأبطال ويقاوم بشدة ، وبسبب أضرارا كبيرة ، ولقي الإنكليز من العثمانيين ما لم يلقوه من أمة في حروبها ، ورأوا العطب من قتالهم ، وكادوا يخذلون في غالب المواقف إلا أن القدرة المالية والسلاح القوي كان يبعث فيهم الآمال. فيعودون إلى قوتهم ، ولكنهم لم ينسوا تلك الضربات ، فصاروا في حذر ، يخشون الهزيمة ، ويخافون المقاومة الأمر الذي دعا أن يتأنوا كثيرا ويعدوا العدة ، ويتطلبوا الوقت المناسب وهكذا ..

عزل الوالي جاويد باشا

جاءتنا أخبار البصرة غامضة ، ولم يعلن احتلالها ، ولا ما أصاب العراق من وقائع ، وإنما جرى الهمس ، والكلام الخفي في أن البصرة سقطت وأن المحاربات في (العزير) ، والناس بين مصدق ومكذب ، فكان عزل الوالي ضرورة لازمة لما وقع ..

٣١٦

وكان هذا الوالي قد ولي منصب ولاية بغداد ومفتشية الفيلق الرابع ، وهو من الأركان الحربية برتبة أمير لواء ، وكتب سنة ١٣٣٤ رومية كتابا عن أوضاع الحرب العامة والتدابير المتخذة في بغداد سمّاه (عراق سفري) أي (حرب العراق) ، وجه على دولته من الذم ما شاء أن يوجه ، ويعد كتابه وثيقة من وثائق الحرب في العراق طبع في السنة المذكورة بمطبعة (مدافعة) في استنبول.

وفي مذكراته هذه يبرر موقفه وينحو باللائمة على الإدارة الاتحادية وسوء تصرفاتها في الجيش والإدارة وما ماثل من صنوف السياسة ، ونعت إدارتهم بالظلم ، وأن المشروطية كانت زائفة ، وأن سقوط البصرة بل والعراق كان من سوء هذه الإدارة والسياسة الخرقاء والحرب التي لا مبرر لإثارتها ..

وفي كتابه هذا عين اضطراب الإنكليز لتدخل الألمان في أمور الدولة العثمانية ، ومدهم السكة الحديدية نحو البصرة ، ورأوا أن قد تهدد كيانهم فقاموا بأعمال ضد الدولة العثمانية لما فعلته من الميل إلى الألمان. كما أن إعلان الجهاد للعالم الإسلامي صار يهدّد مركز الإنكليز في عبادان ، وكذا السفن الحربية كوبن وبرسلاو والتجائهما إلى الدولة العثمانية واشترائهما ، وتعدّي الألمان في المناورة على السفن الروسية. كل هذه أسباب النضال الإنكليزي ، والتقدم في الأنحاء العراقية حربا تبعيدا للألمان عن العراق.

والدولة العثمانية لم تتخذ أي تدبير من شأنه الوقوف في وجه العدو ، وإنما أهملت شأنه بما بينه من قوى الطرفين ، فحاول تبرير موقفه ، وترقيع خساراته في البصرة وما جاورها. والصحيح أن من أهمها سحب الجيوش العراقية إلى جبهة روسية وتعيين أوضاع الإنكليز في تأمين منافعهم في العراق وما جاوره ، واتخاذ سد منيع لمحافظة الهند من

٣١٧

الخطر. وما ماثل من أمور يتوسل بها أصحاب الأعذار للقضاء على حرية الشعوب وإلا كان الأولى بهم أن يكونوا قد حرروا الشعب ، ونفضوا يدهم منه إلا بمساعدة وما ماثل ..! ولكن جرى الأمر على خلاف المفروض ، وما كان يعلن ، فحصل الطمع ..

وعلى كل حال عزل من القيادة في الجيش ، ومن ولاية بغداد .. فلم يعد يصلح أن يتولى أمرا مهما مثل هذا ، وكان الأولى به أن يهتم للأمر ، ويتوقع ما رآه ويتأهب بقدر الحاجة ، وما يتيسر من أمر. ولا شأن له بإيراد ما أورد من جهة أنه قائد عسكري وتابع للأوامر وتنفيذها.

قيادة الجيش :

جاء في الزوراء ما نصه : «قد تعين سليمان عسكري بك المقدم من أركان الحرب واليا للبصرة ، وقائدا لفرقتها. والموما إليه من أعاظم الرجال المشتهرين بالدراية والاقتدار والبسالة (١)».

وسبب ذلك الوقائع المؤلمة التي جرت بالانسحاب من البصرة ، وأدت إلى واقعة القرنة ، فرجع باقي الجيش إلى شطرة العمارة ، وهم نحو ١٨٠٠ نفر ، فأمد هؤلاء ببعض الأفراد ، وزاد في القوة ، ثم انحدر إلى الجنوب ، فوجد العدو لم يتجاوز القرنة ، فتماسّ به بصورة ضعيفة. ذلك ما جعل مقر القيادة العامة ترتبك للحوادث ، وتغير في القيادة ظنا منها أن ذلك كان من خرق القيادة ، فأودعت ولاية البصرة إلى المقدم سليمان عسكري. ورفعته فجعلته قائد الجبهة العراقية ، وفي ٣ كانون الثاني سنة ١٩١٥ م تولى القيادة وزاولها فعلا في (العزير).

وكان هذا القائد يحسب أنه بالعشائر يقضي على قوة الإنكليز ، ويفلّ جيشهم ، ويقهر قيادتهم ، ولا سبب لذلك إلا أنه كان يجد دولته لم

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٤٩٥ في ٧ صفر سنة ١٣٣٣ ه‍ ـ ٢٤ كانون الأول سنة ١٩١٤ م.

٣١٨

تستطع أن تقهر العشائر في زمان فظن أنهم يقدرون على التنكيل بالإنكليز ، ويخرجونهم من هذه الديار ، أو أن المقصود تجهيز جيش العشائر لإيقافهم لمدة.

والي بغداد سليمان نظيف بك

بعد انفصال جاويد باشا ، ومفارقته بغداد عهد بوكالة الولاية إلى رشيد بك معاون الوالي ، ولما ورد سليمان نظيف بك واليا على بغداد في ١٨ صفر سنة ١٣٣٣ ه‍ ٥ كانون الثاني سنة ١٩١٥ م ذهب إلى الموصل رشيد بك واليا عليها. وصدرت الإرادة الملكية بتاريخ ١٠ صفر سنة ١٣٣٣ ه‍ بتعيين قائد الجندرمة المقدم أحمد بك معاونا للوالي ، وكان في بغداد.

وهذه ترجمة الفرمان بولايته :

«افتخار الأعالي والأعاظم ، مختار الأكابر والأفاخم ، مستجمع جميع المعالي والمكارم ، المختص بمزيد عناية الملك الدائم ، والي ولاية الموصل ، وقد أحسن ووجه إلى عهدة استيهاله أن يكون واليا لولاية بغداد ، سليمان نظيف بك دام علوه.

فليكن معلوما لدى وصول توقيعي الرفيع السلطاني أن من الواضح ما لموقع ولاية بغداد من الأهمية وما اختصت به من القابلية ، وبتلك النسبة نخبة آمالي الملوكية تأمين انضباطها وحصول ترقيها وعمرانها ، وأن تكون صنوف أهاليها متساوين في ظهور العدل عليهم ، والرأفة بهم حسب الأحكام المبينة في القانون الأساسي ، وأن يفوزوا بالرفاه ويحوزوا السعادة.

ومن حيث أنت يا أيها الأمير المشار إليه من المتصفين بكمال الحمية والروية ، والواقفين على أصول الإدارة من متميزي مأموري

٣١٩

سلطنتي السنية ، وبناء على مأمولي الملوكي فيك ، وما تنتظره سلطنتي منك أن تظهر الخدمات الحسنة والآثار الجميلة الموافقة للإيجاب المحلي في دائرة الشرع الشريف والقوانين الموضوعة والنظامات قد أصدر من ديوان سلطنتي هذا الأمر الجليل القدر المتضمن لمأموريتك بتوجيه ولاية بغداد التي ذكرت لعهدة اقتدارك بموجب إرادتي السنية الملوكية الصادرة بالشرف على القرار الذي استأذن فيه مجلس الوكلاء الفخام في اليوم الحادي عشر من شهر صفر الخير سنة ١٣٣٣ ه‍ ، فبمقتضى ما جبلت وفطرت عليه من المعرفة بمهام الأمور أن تهتم على كل حال بالتوسل والتمسك بشريعة حضرة سيد الأنام المطهرة ، وتبذل الغيرة في توفيق حسن إيفاء الوظائف حسب أحكام القوانين والنظامات الموضوعة ، وتبسط جناح الرأفة والشفقة على صنوف الأهالي ، وأن ينال جميع تبعة سلطنتي السعادة والحرية وبالصورة المتساوية وأن يكونوا مظهرا لنعم العدالة والحقانية وأن تستكملوا الوسائل المهمة أيضا في تطبيق القوانين الموضوعة على السواء من قبل عموم المأمورين في حق عامة المواطنين بكمال الحياد وأن تصرفوا وتبذلوا اقتداركم في استجلاب الدعوات الخيرية لطرفي الملوكي المستجمع للمجد والشرف ، وتسارعوا بالإشعار فيما يقتضي إنهاؤه إلى (بابنا العالي) وذلك تحريرا في اليوم الثالث عشر من شهر صفر سنة ١٣٣٣ ه‍) اه.

وبعد قراءة الفرمان على الأصول المعتادة يوم السبت ١٩ ربيع الآخر سنة ١٣٣٣ ه‍ ـ ٧ آذار سنة ١٩١٥ م. أجريت مراسم التبريك. وأعقب ذلك الوالي بخطاب ألقاه هذه ترجمته :

«أشكرك اللهم على ما مننت به عليّ من تتويج طالعي بنصيب من كرمك إذ جعلتني ممن يسعه إيفاء الخدمة في مثل هذا الزمن المستثنى المهم في هذه القطعة المباركة التي انطبع على تربتها الطاهرة الخاطرات الإسلامية والعثمانية الحرية بالإعزاز جدا ويتلوه شكرا على ما تفضل به

٣٢٠