موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٨

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

عليّ حضرة السلطان الأعظم حيث أعدني ومكنني من أداء هذه الخدمة المهمة.

أنا منذ زمن قديم خبير نوعا عارف بهذه الديار لأني كنت مأمورا على البصرة قبل خمس سنوات ونصف وعلى الموصل قبل سنة ونصف السنة وحينما جئت البصرة كان إذ ذاك الانقلاب العثماني جديدا عهد انفلاق ولذلك كان يوقد أنواع المشاعل والمصابيح في آفاقنا الملية وعندما أمّرت على الموصل أتيتها وأعصابي ترتعش وترتجف بالمصائب البلقانية ولما أخذت زمام الإدارة في ولايات العراق وأنا بين حسّين متضادين أي تضاد متجليين متعاندين أي عناد على أني لم أنخدع وأغتر في الأولى للآمال والخيال ولم أكن في الثانية مقهورا لليأس والملال.

فالعدو الذي مدّ يد اعتدائه في هذا اليوم إلى بصرتنا التي أهداها وضمّها حضرة عمر الفاروق رضي الله عنه إلى الإقليم الإسلامي هو في ذلك الوقت كان يجد ويجتهد على الدوام بسعي خائف بحيث لا يكل ولا يمل وكنت أرى إذ ذاك أن غيوم الهواجس لم تزل تزداد كثافة دقيقة منذ عصر ونصف في تلك الآفاق ولا بد وأنها ستحدث في النهاية أعاصير وزوابع.

فها إن هاتيك الأعاصير والزوابع حدثت وثارت غير أن الصفحات الزائلة من هذه الحال لا يسعها أن تطرق باب اطمئناننا الأزلي بنوع من التزلزل ففي النتيجة سيرى العالم طرا آمال أي الطرفين ستخيب.

فمن الواجب اللازم علينا أن لا نتشكى من الوقائع التي تسوقنا إلى مدافعة ديننا ووطننا بانتباه حقيقي بك نكون ممنونين بذلك فلو لم تحدث هذه الوقائع الأخيرة لأضعنا وقتنا وقوتنا وتركنا حياتنا فيما بين الاختلافات المذهبية والغائلات وها نحن اليوم قد تنبهنا من رقدتنا واستيقظنا من سباتنا واجتمعنا مطمئني البال منشرحي الصدر مثل اجتماع

٣٢١

آل العبا تحت رداء الجهاد والشفقة من نبينا صلى الله عليه وسلم ولا بد من أن نظفر بالعدو ونظهر عليه ونركز الهلال العثماني لا في البصرة فقط إذ هي مآلنا بل نركزها في الأقطار البعيدة والمواطن الشاسعة ولا تستطيع يد الوقائع أبدا أن تستخرج الراية العثمانية التي ركزت أو التي ستركز في المواقع من تلك الأقطار الإسلامية أقول مقالتي هذه ولست ببانيها على ما تسوله الظنون أو تتوهمه المخيلات بل هي مبتنية على المشهودات والمحققات ، كيف لا وأنّا قبل أشهر معدودات كنّا نشاهد ما في خليج البصرة وفي حوالي السواحل من الشقاق والنفاق ينشآن وينموان على التمادي بأيد خفية إلا أن الألواح التي لمعت عند انكشافها أمام بصائرنا في هذه الأيام أهدت إلينا عبرا وطدت بها الاطمئنان في أفئدتنا هؤلاء شجعان الأتراك وأشاوسها قد جاؤوا مسرعين من شمالي أقسام الوطن يحثون السير ليدافعوا بدمائهم عن القسم الجنوبي منه تحت قيادة قائد شاب لا ندّ له متين منور الفكر يحتقر الحياة بحيث ترك أساطير الأبطال متحيرة بما يبديه من الشجاعة والبسالة وفي جانب هذه الكتيبة المجسمة من الحمية من أبناء العرب والأكراد الذين جمعهم الإخلاص والإيمان وجادوا بأرواحهم منادين به الدولة والدين فدونك هذا قسم الفيلق الشريف السلطاني الزاحف إلى البصرة فيلزمنا أن نحيّي أولئك الأسود الضياغم في هذا اليوم بتحايا التبجيل ونلقي إليهم الشكر والتمجيد من مكاننا هذا.

وها أن قلبي ما فاز بما أمله من الآمال النسبية قبل خمس سنوات ونصف في البصرة إلا أنه قد وجد نوعا من جوهر الانشراح في الموصل فإني لما حللتها كانت النوائب تدوي من جهة البلقان فتحدث إذ ذاك عكوسا وزلازل تستلب بها صموت تلك الآفاق المتوكلة وسكونها حيث إن بعض الأراذل وشرذمة من الأنذال العارين عن الوطنية الخالين عن الإيمان الألداء على سكونة التربة التي ولدوا عليها والمحل الذي نشأوا

٣٢٢

فيه كانوا يجهدون بأن يجعلوا تلك الأرض أيضا مخدعا للخيانة بيد أنهم غير مرتبطين بحسّ وطن من الأوطان ولا متحمسين بشعار قوم من الأقوام ومع ذلك فإنه قد خاب ظنهم وظل سعيهم حيث إنهم ما وجدوا فسحة ولا انتهزوا فرصة لإفسادهم وإضلالهم في وجدان تلك الولاية المعصومة. لقد كانت دولتنا أعلنت التهيؤ لأسباب حقة جدا ومشروعة ، وبعد ذلك بقليل أعلنت الحرب وها أن قلبي حتى الآن ممتلىء شكرا ويرتجف من صوت التلبية الصاعد من أعماق قلوب الموصليين إجابة للدعوة التي وقعت من قبل سلطاننا الأعظم للحضور.

فيا أبناء العراق النجباء :

لا يجهل أحد من العالم معرفة خلفائكم وسلاطينكم وملوككم القدم الذين كانت الملوك والحكام تمشي في مواكب احتشامهم وكل يعظم أولئك الرجال العظام ويبجلهم إذ كانوا يلقون بأشعة دينهم ويوجهون بمصابيح علومهم إلى جميع الجهات من الدنيا قريبها ، وبعيدها فلنكن الآن جاعلين ذلك محتضنا في حجر توقير التاريخ ولنفكر فيما يتعاطونه اليوم من أبنائكم وإخوانكم ومصارعاتهم الموت في الحدود والثغور وقفقاسية وبمقربة ترعة السويس وأطراف البصرة ولنفخر بذلك وحده.

ومن العادات القديمة للولاة أنهم يأتون ببعض الخطب بعد تلاوة أمر نصبهم يذكرون فيه خطتهم التي يرمون انتهاجها ولكني لا يسعني إلا أن أتجرأ على تعيين ما سأسلك به في معرض الحادثات من هذا المحشر الحاضر إذ نحن الآن مصارعون ومجادلون مع عدوّنا الألد لديننا وعرقنا نريد أن نحفظ بذلك موجودية ديننا ونصون ملتنا عن التعرض منه فإذا انتصرنا في النتيجة (وذلك حاصل إن شاء الله ولا بد منه) فكل من يوجد في مقام الولاية حينئذ سيسعى في ما يحتاج هذا القطر الفياض والإقليم

٣٢٣

المهمل من العمران والرفاه وها إني أتمنى التوفيق عموما وخصوصا.

وبقيت لي كلمة أخرى أني كنت بدأت بخطابي هذا بعبارة أتيت بها جامعا بين الإسلامية والعثمانية في هذه الأسطر نعم : أن العثمانية كما كانت في الماضي والحال فهي في المستقبل أيضا قوامها وقدرتها بالإسلامية ولو لم تكن كذلك لانمحت والعياذ بالله ومع ذلك يجب علينا أن نعترف بالإنصاف ونقول أن الذي حمل عرش إجلال الإسلامية على كتف حمايته منذ ستمائة سنة هو الدولة العثمانية ولو لم تكن هذه الدولة لبقيت الإسلامية يتيمة فيما بين البشر فلندع المولى تعالى بتعالي شأنهما ولنعمل بالجد والاجتهاد.» ا ه (١).

وهذه الخطبة تعين الحالة الحربية ، وما يكابده المسلمون والأقوام الشرقية من ألم وحرب وويلات ، كانوا هم المقصودين من إثارتها. ولكن الله تعالى لم يشأ أن يهلك الإسلام ، ولا أن يذله تجاه الظلم والقسوة. خرجت الدولة العثمانية مخذولة ولكنها استعادت نشاطها بعد مدة يسيرة ، وحافظت على استقلالها ، ولا تزال الأمم تجادل عن نفسها.

وسليمان نظيف بك من الأدباء الأفاضل والكتاب المشاهير ، وأصحاب الإدارة الفائقة والعلم الجمّ ، والبصيرة بالأمور ، ويعد معتدلا في أوضاعه ، ولم نشاهد منه معاكسة لرغبات الأهلين ، ولكن الاستفادة منه كانت قليلة من جراء حالة الحرب ، والأوضاع الرديئة الناجمة منها. لم يعلم عنه سوء إدارة ، ولا ما شوهد من الولاة الآخرين. وللأسف جاء إلى العراق بل إلى بغداد في وقت عصيب. ويعين حبّه للعراق ما كتبه من آثار بعد ذلك ، ومن ثم يفهم ما كان يضمره من نوايا طيبة ، وما يتألم به من فراق.

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٥٠٦ في ٢٤ ربيع الآخر سنة ١٣٣٣ ه‍.

٣٢٤

وهذا الوالي ابن سعيد باشا الديار بكري ، وكان كتب الدكتور عبد الله جودت بك في جريدة (ترجمان حقيقت) أنه كردي الأصل ، فأجابه سليمان نظيف بك بأنه من الترك وليس هناك ما يبعده عنهم في حسّه وفكرته (١) ويريد أنه غير مانع أن يكون متأثرا بالترك فيما أبدى. وهذا لا يخل بعنصريته. ولذا لم ينكرها. والذي أعلمه أن أمه يزيدية ، وأعاد إليهم (طاووس ملك).

ومن مؤلفاته :

١ ـ (فراق عراق). أثر أدبي بليغ.

٢ ـ (چالنمش أولكه). في الأراضي السنية المسماة أخيرا بـ (الأملاك المدورة).

٣ ـ (ناصر الدين شاه وبابيلر).

٤ ـ (بطاريه ايله آتش) : من مؤلفاته بعد الحرب. وفيه وقائع مهمة عن العراق والحرب العظمى. طبع باستنبول في المطبعة العامرة سنة ١٣٣٥ ه‍ وفيه بحث خاص بـ (محمد فاضل باشا الداغستاني) وانقلاب الروس ومباحث أخرى عديدة.

وكل هذه مما يخص العراق ، ويوضح أوضاعه ، ويبين الصالح من أموره. فهو شاعر بالعراق وملتفت إليه ، ومنتبه إلى أحواله. ونعته صاحب (الزهور) بأنه مشتهر بالإقدام ، والجد في الأعمال (٢).

__________________

(١) (بطاريه ايله آتش) ص ١٦٤. والدكتور صاحب جريدة (اجتهاد) وله مؤلفات مشهورة بين علماء الأتراك وأدبائهم منها ترجمة ديوان الخيام. وردت الأنباء من استنبول بوفاته في ٢٧ كانون أول سنة ١٩٣٢ م.

(٢) لغة العرب ج ٣ ص ٣٣٦.

٣٢٥

حوادث :

ليس للناس إلا حديث الحروب ونتائجها وانتهائها فلا يؤمل أن يقوم الوالي بأعمال مدنية ، فكان همّ الوالي مصروفا لخدمة الجيش ، وتسهيل وسائطه وجمع الإعانات للهلال الأحمر وما شابه. فلم يظهر له عمل مدني ، بل ولا يتصور أن يظهر مثل ذلك.

ومن أهم الحوادث التي جلبت الانتباه في بغداد :

١ ـ إعدام يامين بن يعقوب من محلة قنبر علي لفراره من رأس قطعته ، وأجري هذا الأمر للتأديب ، ولكثرة ما كان يقع من قضايا الفرار من الجيش (١). وشاهدت عيانا الحادث وأن الحضيرة التي ضربته لم تضربه في محل قاتل فعوقبت من جراء ذلك بالرياضة فكادت تهلك مما أصابها.

٢ ـ إعدام أشخاص صلبا في رأس القرية لثبوت التجسس في حقهم وهم : شكوري التاجر ، وعزيز شماس جرجيس ، وسليم شماس جرجيس ، في الموصل وهؤلاء من أهل ماردين ، وكامل عبد المسيح (٢).

٣ ـ أوسمة. أنعم بها السلطان على :

(١) السيد حسن الكليدار في النجف.

(٢) السيد جعفر عطيفة. في الكاظمية.

(٣) فالح وعبد الكريم وحاتم أولاد صيهود المنشد الخليفة.

(٤) زبون اليسر الفيصل الخليفة.

وهؤلاء رؤساء البو محمد.

(٥) الشيخ غضبان الخلف الغصيبة ، رئيس عشيرة العزة أنعم عليه بمدالية الافتخار.

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٥٠٤ في ١٠ ربيع الآخر سنة ١٣٣٣ ه‍.

(٢) الزوراء ٢٥١٢ في ٧ جمادى الآخرة سنة ١٣٣٣ ه‍.

٣٢٦

٤ ـ أنعم على الوالي سليمان نظيف بك بمدالية اللياقة الذهبية بناء على ما قام به من خدمات منذ ولي الموصل ، وما عرف به من الأيادي المنيفة في حب الوطن ، والتفادي في سبيل خدمته ، أو قل مساعداته للجيش بجمع الإعانات ، وعرف بالعفة والاستقامة.

واقعة الشعيبة

كانت خطط القائد سليمان عسكري مصروفة إلى قهر الإنكليز وإخراجهم من العراق ، ومن تدابيره في ذلك أنه جعل قوة صغيرة جدا أمامه في ساحل دجلة للأشغال فقط ، وتثبيت العدو في محله وراعى عين الطريقة في أنحاء كارون للتهديد من المحمرة ، وأن يشغل قوة كبيرة هناك فيوزع قدرته ، ويتعرض بقواه الكبيرة في البصرة من جهة الفرات أو بالتعبير الأولى من أطراف (الشعيبة).

وهذه الواقعة كان الخطر فيها ناجما من الهجوم ، ولم تلتزم الدفاع ، فنكبت نكبة مرة ، وحادثها صار مؤلما جدا.

كانت هذه تصاميمه أو خططه الحربية ، ومن ثم تعرض الإنكليز به في ٢٠ كانون الثاني سنة ١٩١٥ م في استقامة (الروطة) ، فدفع كشفهم التعرضي ، ثم حاول تنفيذ خطته المذكورة ، وفي هذه المصادمة العنيفة جرح سليمان عسكري بك القائد في رجله ، فعاد إلى بغداد للتداوي ، ومنها صار يدير أمر الحركات العسكرية لضرورة اقتضت ذلك. وهو في المستشفى على فراش المرض.

وفي بادىء الأمر جعل فوجين ومدفعين ، ثم قواهما في جبهة الحويزة وهي الجبهة اليسرى ، وفي ٣ آذار سنة ١٩١٥ م جرت معركة من الإنكليز أمام ناصرية العجم (الأهواز) ، فحصلت القوة العثمانية انتصارا نوعا ، إلا أنها بقيت في محلها ولم تتمكن أن تتقدم خطوة واحدة. واستولت على مدفع بين النهرين.

٣٢٧

وفي دجلة في القلب (مركز فولي) أي رتل المركز كانت تهاجم القوة القرنة بين آونة وأخرى فكانت تنوي تعجيز الخصم وإزعاجه ، فوقفته عند حده. وأما الميمنة فكان سواد العشائر فيها كثيرا جدا ، وهم من المتطوعة ، وهناك الخطة للحركات الأصلية وتحوي نحو عشرة آلاف جندي منتظم ، ومثله من العشائر ، وهذه طالت مدة انتظارها إلا أن استحضاراتها كانت ناقصة ، ولم تكن متأهبة تماما ، وتعوزها المادة ، فتقدمت في ١٣ نيسان سنة ١٩١٥ م نحو الشعيبة ، ودامت المحاربات نهارين وليلتين ، ومن ثم ظهر ضعف هذه القوة وعدم استطاعتها على التقدم ، فرجعت منهزمة بخيبة.

وكان هذا القائد راكبا عربة ، ولا يزال مضطربا من جرحه وينتقل من مكان إلى آخر فيسوق الجيش ويديره ، ولكنه بعد أن رأى الجيش موليا الأدبار انتحر في ١٤ نيسان سنة ١٩١٥ م فطوي خبره.

ومن ثم خاب ما كان يأمل من العشائر وسوادها من جهة ، ومن أخرى كان الأولى به أن يدرك حقيقة قوته ، وقوة عدوه فيتخذ التدابير للدفاع لا للهجوم ، وأن تتداخله خيالات فيفكر بعد الانتصار كيف يصل إلى الهند هل يسير من طريق إيران ـ الأفغان أو من البحر؟!

عجمي باشا السعدون :

نال رتبة مير ميران (أمير لواء) مكافأة لخدماته المشهورة وأفعاله الوطنية المبرورة. وهو رئيس عشائر المنتفق واشتهر أكثر في هذه الأيام (١).

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٥١٧ في ١٣ رجب سنة ١٣٣٣ ه‍.

٣٢٨

المبعوثون :

١ ـ الأستاذ جميل صدقي الزهاوي.

٢ ـ توفيق بك الخالدي.

٣ ـ نوري بك البغدادي. رئيس تحرير القسم التركي من جريدة الزهور.

٤ ـ شوكت باشا والد فخامة الأستاذ ناجي شوكت. والأساتذة عبد المجيد الشاوي ، ومعروف الرصافي ذهبوا إلى استنبول الواحد بعد الآخر (١).

الوالي نور الدين بك

إن الوالي سليمان نظيف بك لم يستطع أن يقوم بأعمال إدارية ملكية والسلطة للجيش ، والوضع حربي والكلمة فيه لقواد الجيش ، فكان من الضروري توحيد السلطتين العسكرية والملكية ، ومن ثم أودعت القيادة العامة في العراق ، وولاية بغداد أيضا إلى (نور الدين بك) ، وفارق (سليمان نظيف بك) بغداد يوم الأربعاء ٢٤ شعبان سنة ١٣٣٣ ه‍ (٦ تموز سنة ١٩١٥ م) وكان عزله في ١٧ شعبان سنة ١٣٣٣ ه‍ ذهب متوجها نحو استنبول وكان في توديعه في المحل المعروف بـ (المسعودي) كل من وكيل الوالي والقائد يوسف ضياء بك ، والفريق الأول محمد فاضل باشا الداغستاني ، والأعيان والأشراف. وتوفي في آذار سنة ١٩٢٧ م وجاءت ترجمة حياته في مجلة (سويملي آي) وفيها تصاويره.

أما نور الدين بك فهو الميرالاي ابن المشير إبراهيم باشا والي

__________________

(١) صدى الإسلام عدد ٢٩ في ١٥ شوال ١٣٣٣ ه‍.

٣٢٩

طرابلس وقائدها. وبقي في استنبول أكثر من سنة قائد فرقة في (أدرنة) ، ثم عين لولاية بغداد ، وقيادة عموم الجبهات العراقية (١).

هذا وكان معاون الوالي شفيق بك ، ولما كانت الوقائع الحربية تبلغ بواسطة الجرائد المحلية فلا تعين الحوادث الحقيقية ، فمن الضروري الرجوع إلى الآثار التي برزت بعد انتهاء الحرب.

جعلت وكالة القيادة إلى المقدم علي بك وبقي فيها حتى ورود القائد نور الدين بك بغداد فجاء بعد أمد قصير.

تحديد الأسعار :

سعرت الحكومة الوقية من السكر بـ (٥ ، ٤) قروش والكبريت كل دستة (١٢ عددا) بقرش ونصف وكل صندوق من النفط في ٣٦ قرشا ووقية البن في ثلاثين قرشا إلى آخر ما هناك (٢) ..

حريق :

في الساعة الثالثة من نهار السبت سلخ رجب احترق خان العوينة الموضوع فيه النفط واستمر ثلاثة أيام فصارت الصفائح نهبا بين الأهلين.

النساطرة ـ الروس :

كانت روسية عينت لهم قنا أي أميرا وأبدوا العداء فنكل بهم الجيش تنكيلا مرّا ، واستشهد من العشائر ١٦ وجرح ٨٠ شخصا ، والنسطوريون التجأوا إلى روسية إلى محل يقال له (جولمرك) ، وكانت هذه الطائفة ابتدأت بتخريب القرى الإسلامية (٣).

__________________

(١) صدى الإسلام عدد ١٣٢ في ٢٠ صفر سنة ١٣٣٤ ه‍.

(٢) الزوراء عدد ٢٥٢٥ في ١٠ شهر رمضان سنة ١٣٣٣ ه‍.

(٣) الزوراء عدد ٢٥٣٧ في ٤ ذي الحجة سنة ١٣٣٣ ه‍.

٣٣٠

حروب ووقائع قاسية :

من أيام سليمان عسكري بك وانتحاره في ١٤ نيسان سنة ١٩١٥ م توغل الإنكليز في العراق لحد أنهم استولوا على العمارة والناصرية ، وكان آخر ما استولوا عليه الكوت في ٢٨ أيلول سنة ١٩١٥ م ، وداهم الخطر العثمانيين من جراء هذا التوغل والحروب العثمانية كانت تطحن الإنكليز حتى في حالة الهزيمة مما لم يعهد له مثيل في جيش.

نعم أضاعت القيادة العامة في العراق الكوت ، واضطرت إلى الرجوع إلى (سلمان بك) ، وبناء على الأمر الصادر كانت هذه الرجعة لمسافة طويلة تبلغ ١٥٠ كيلو مترا في حين أن هناك مواقع تصلح للتحصن ، وتعد حربية ، وترجح على ما اختارته القيادة. ولعل السبب أن العدو ـ كما يفهم من حروبه ـ لا يجتاز بسرعة ، ولم تكن حروبه خاطفة ، وكان يراعي التدابير القطعية ، فلا يجازف ولا يخاطر. ومثل هذا البعد يحتاج إلى زمان لتنظيم أمره وحذر من القبائل وبسط سياسة حكيمة كما أن الجيش التركي لا يلجأ إلى محل قريب مثل البغيلة والعزيزية من جهة أنه لا يستطيع تحكيمها في مدة قليلة خصوصا أن قوة العزم في الجيش ضعيفة لما تناوبته من مصائب ونكبات حتى صار يخشى من الإنكليز وقصفهم الذي لا يطاق. فمن المحتمل أنه لو اتخذ المواقع المذكورة لخذل. ومن أهم ما هنالك أن تموين الجيش بالإعاشة والمواد الحربية يسهل له مهمة الدفاع ، ويناضل أكثر ..!

وعلى كل حال اختارت القيادة العراقية هذا المحل على خلاف رضى القيادة العامة للدولة التركية. نظرا لقربه من بغداد وسهولة تموينه.

وجاء من قائد العراق العام نور الدين بك بيان إلى الولاية في ٣١ أيلول سنة ١٩١٥ م (٢٢ ذي القعدة سنة ١٣٣٣ ه‍) مصدرا من بيت عدّاي (بيت عدّاي الجريان) يفيد أن الانسحاب من الكوت إلى غيره لم

٣٣١

يكن نتيجة مغلوبية ، وإنما كان للاستفادة من الوضع العام ، فهو تدبير متخذ ، ووسيلة لعرقلة أوضاع العدو وجعلها عقيمة ، ولله الحمد ليس هناك ما يوجب التشويش ، وليفهم الأهلون أن لا موجب للاضطراب ، وإنما يدعون للسكينة والعزم والصلابة الدينية. بلغوا الأهلين ذلك ، والنصر ـ إن شاء الله ـ للإسلام (١).

واقعة سلمان باك :

من أشهر الوقائع المشرفة للدولة العثمانية ، ولم تربح حربا ، ولا انتصرت في معركة ، ولكنها عرفت عدوها بمكانتها الحربية حتى في حالة هزيمتها وانكسارها. وفي هذه المعركة حطمت الجيش الإنكليزي وبعثرته بحيث عاد لا يلوي على شيء ، وصار في خطر كبير ، بل في ريب من أمره في حين أنه كان يظن أنه منتصر قطعا على العراق في كافة حروبه ، فأصابته هذه الضربة القاسية ، ولم يقف إلا في الكوت ، وكادت هذه النكبة تجعلهم في ريب من البقاء ، فلم يستطيعوا الهرب إلى ما وراء ذلك ، فتحصنوا في الكوت ..

إن العدو بعد أن استولى على الكوت في حملته الأولى مضى إلى العزيزية في طريقه فتمكن من أخذها بعد أربعة أيام أو خمسة فمكث من ٣ تشرين الأول إلى ٢١ تشرين الثاني سنة ١٩١٥ م أي ٤٩ يوما لأسباب سياسية وعسكرية ، وأوصى القائد (طاونسند) بلزوم البقاء والتأخر ، بل منع رسميا في ٥ تشرين الأول سنة ١٩١٥ م بأن لا يتحرك نحو بغداد ، ولكن آمال افتتاحها لا تزال حية إلا أنها مملوءة بالتردد والحذر ، وأن المشاورة بين رجال الجيش والسياسة بهذه المكانة.

تحرك الإنكليز في ١١ تشرين الثاني سنة ١٩١٥ م نحو سلمان باك واشتبكت المعركة في ٢٢ منه ، وهذا التأخر كان ناجما من قلة الوسائط

__________________

(١) مجموعة الأستاذ محمد درويش.

٣٣٢

أو أنها غير كافية نظرا لانخفاض ماء دجلة إلى حد كبير ، فحدثت مشاكل مما أدى إلى أن تتقوى ناحية الدفاع التركي وتأتي قوى جديدة. والملحوظ أنهم في حروبهم هذه اعتبارا من الشعيبة صاروا مدافعين ، وذهبت آمال الهجوم منهم. وبهذا لم يتعرضوا للخطر ، ولكنهم اكتسبوا انتظاما واقتبسوا من الإنكليز ما كان أساسا للدفاع والهجوم .. وكانت التحكيمات قوية لحد أن القائد (طاونسند) كان يعتقد أن الجيش صار بإدارة الألمان فاكتسب هذا النجاح في حين أنه لم يكن من الألمان من تدخل في الحرب وفي سوق الجيش.

وفي كتاب (طاونسند) تفصيل لقوة الإنكليز كما أن (كتاب حرب سلمان باك) للعقيد الركن محمد أمين بك تفصيل لقوة الجيش العثماني. ومن رأيه الانسحاب إلى سلمان باك دون توقف في المواقع الأخرى. ومهما يكن فقد ابتدأ الإنكليز في التعرض ، واكتسبت الحرب شكل ميدان في ٢٢ تشرين الثاني سنة ١٩١٥ م ، ودامت أربعة أيام بما لم يسبق لها مثيل وكأن هذه الحرب جهنم متحركة ، فكان هولها عظيما. وهلكت فيها نفوس كثيرة من الطرفين. وتزلزلت الأقدام ، واضطربت حالة الجيشين المتحاربين ، وصار يظن كل قائد في جيشه الظنون. بل اعتقد كل واحد أن جيشه خسر المعركة ، ووجب أن ينسحب فأعطى أوامره بالانسحاب.

إن الجيش العثماني أمر بالرجوع والانسحاب وبعد ١٢ ساعة علم أن عدوّه رجع ، ومن ثم عاد إلى مواقعه ، ولم يكن يعلم عن وضع الإنكليز شيئا ، ظنوا أن قد وصل إلى الجيش مدد ، فأمروا بالرجعة فانهزم جيشهم هزيمة فاحشة ، وبذلك لم يحصل على النتائج التي كان يتطلبها ، بل حصلت واقعة (الدلابحة) و (أم الطبول) وما تلاها ، فلم ير له ملجأ إلا أن يعود إلى (كوت الإمارة) فيتحاصر بها ، وقامت عليه العشائر من كل صوب ، ودمرته من كل جانب. وبقي محاصرا.

٣٣٣

وبهذا حصل الترك أول انتصار على الإنكليز. ولكن هذا الانتصار كاد يعود بالخيبة على الجيش ، لو لا أن (فون در غولچ باشا) أدركهم ومنع من تضييق الحصار ، وأن يكونوا بعيدين عن مدى الطلقات والمرمى. وأن يقوموا بضربه كلما حاول الخروج. وجاءت جيوش إنكليزية للإنقاذ وحاولت فك الحصار فلم تفلح ، وكبدت خسائر عظيمة.

والترك لازموا الدفاع كعادتهم ..

الحوادث الأخرى :

١ ـ حكم بالإعدام :

(١) على خضير بن عباس وأربعة من رفقائه في ١٥ شوال سنة ١٣٣٣ ه‍.

(٢) على عبد بن كاظم من عشيرة بني طرف. للتجسس.

(٣) في ١٨ شوال على سلمان بن حسين العاني لفراره.

(٤) في ١ ذي القعدة على علوان بن حسين لفراره.

(٥) في ١٢ منه على عبو بن منصور النصراني من محلة السراجخانة في الموصل.

(٦) في ١٥ ذي الحجة على الشقي مطلك بن خلف البكر.

(٧) في ٢١ ذي الحجة على محمد بن مهدي من الكاظمية من محلة الباغات.

٢ ـ وردت الطائرات الإنكليزية :

(١) في ٢٧ ذي القعدة سنة ١٣٣٣ ه‍ يوم الأربعاء لأول مرة في الساعة ١٠ أذانية والدقيقة ١٥.

(٢) في ٨ ذي الحجة سنة ١٣٣٣ ه‍ يوم الأحد الساعة ٤ والدقيقة ٤٠.

٣٣٤

(٣) في ٢٣ منه يوم الاثنين الساعة ٧ والدقيقة ٤٥.

(٤) في ٢٧ منه صباح الجمعة الساعة ٣ والدقيقة ١٥.

(٥) في ٣٠ منه يوم الاثنين الساعة ٦.

٣ ـ في ١ ذي الحجة سنة ١٣٣٣ ه‍ يوم الأحد مساء ألقي القبض على الأستاذ عبد اللطيف چلبي ثنيان ، ويوم الثلاثاء الساعة الرابعة أبعد إلى الموصل بقصد أن ينفى إلى (درسم) من ملحقات معمورة العزيز. وفي ١ جمادى الثانية سنة ١٣٣٤ ه‍ أعيد إلى بغداد ، لصدور العفو بحقه.

٤ ـ في ٢١ ذي الحجة أجريت مهرجانات ، ولهجت الجرائد بدخول الدولة الحرب ، ومرور سنة على ذلك لما أبرزته في خلال المدة من تفاد وعمل جليل. ويصادف ١٧ تشرين الأول سنة ١٣٣١.

٥ ـ قبض في ٢١ ذي الحجة ليلة الأحد على يوسف في قلم النافعة وعلى أخيه المحامي فرج أوفي وجبوري كسبرخان التاجر وسيقوا إلى الإدارة العرفية ، وفي ٢٤ ذي الحجة في الساعة ٥ ، ١١ غروبية مساء قبض على النصراني كاتب المخصصات في المحاسبة.

٦ ـ في ٢٥ ذي الحجة أبعد إلى الموصل عبد الجبار غلام والأستاذ إبراهيم أحمد صالح شكر والأستاذ إبراهيم حلمي العمر وشلال ابن حاجي حبيب الأفغاني ، وميخائيل ياغچي وأخوه يوسف وعبد الأحد صاحب الأوتيل وحسقيل طويق ، وإبراهيم حييم وسلمان عنبر ، وعزرا سحيق وأخوه وآخرون بلغوا ٦٥ شخصا لينفوا إلى (درسم) ، فذهبوا إلى الموصل (١). ثم صدر العفو عنهم فعادوا إلى بغداد في ٦ جمادى الأولى سنة ١٣٣٤ ه‍ يوم الجمعة.

__________________

(١) مجموعة الأستاذ محمد درويش.

٣٣٥

وفيات :

١ ـ توفي السيد عبد الجبار ابن السيد مراد ليلة الاثنين في الساعة السابعة والنصف غروبية في غرة ربيع الآخر سنة ١٣٣٣ ه‍ وكان ولد سنة ١٢٦٧ ه‍. وقبره في الجرة التي يسكنها إمام الشافعية (١). مات بلا عقب وهو عم فخامة الأستاذ رشيد عالي الگيلاني.

٢ ـ توفي عبد الجبار خان زاده رئيس كتاب إدارة الأوقاف في ٥ شوال. ودفن في تكية عرب مع أبيه وأمه. وهو ابن الحاج عبد القادر الأفغاني قال ابن حموشي ويلقب (آخون زاده) وكان احيل إلى التقاعد في شعبان سنة ١٣٣١ ه‍ في تموز سنة ١٣٢٩ رومية وصار مكانه أحد كتبة الأوقاف عبد العزيز غدارة (سمي باسم والدته) وبعد سنة في تموز أيضا من سنة ١٣٣٠ رومية عزل وصار مكانه السيد محمد رشيد آل السيد مراد الگيلاني (هو فخامة الأستاذ رشيد عالي).

وكان دخل قلم الأوقاف سنة ١٣٠٢ رومية. فبلغت خدماته ٢٧ سنة ولما أحيل للتقاعد كان مدير الأوقاف أحمد خيري. وكان للمتوفى خزانة كتب عظيمة لا ندري أين ذهبت فلم يعرف لها عين ولا أثر.

حوادث سنة ١٣٣٤ ه‍ ـ ١٩١٥ م

الوالي نور الدين بك

القائد العام للجبهة العراقية ، نال وسام الحرب الذهبي لما توج به من مظفريات (٢). وإثر ذلك وقع فصله. وهذا القائد ابن المشير إبراهيم باشا والي طرابلس الغرب وقائدها ، ولد في (بروسه) سنة ١٢٩١ ه‍.

__________________

(١) مجموعة ابن حموشي.

(٢) الزوراء عدد ٢٥٤٤ في ٢٤ المحرم سنة ١٣٣٤ ه‍ و ٢ كانون الأول سنة ١٩١٥ م و (سلمان باك محاربه سي) ص ١٤٤ وغيرها.

٣٣٦

وتخرج من المدرسة الحربية ملازما ثانيا ، ثم دخل دائرة الفيلق الأول ، وفي ١٣١٣ ه‍ صار مرافقا لعثمان باشا الغازي مشير المابين الهمايوني ، فذهب إلى سلانيك ، وعاد إلى استنبول ، فدخل ضمن مرافقي السلطان. وبعد إعلان المشروطية كان قائممقاما في (مقري كوي) ، ثم صار قائد كردوس في (قرق كليسا) ، ثم ذهب بكردوسه إلى اليمن ، وهناك تولى قيادة الفرقة فقضى أكثر من سنتين في مواقع مختلفة منها. ولما عاد إلى استنبول وبقي فيها مدة أكثر من سنة قائد فرقة في (أدرنة) ثم عيّن لولاية بغداد وقيادة عموم الجبهات العراقية (١).

فون در غولج باشا :

فون در غولچ باشا تعين لقيادة الجيش السادس ، وأجريت له المراسم لاستقباله ورد بغداد سلخ المحرم سنة ١٣٣٤ ه‍ (٢) ، وممن استقبله وكيل الوالي شفيق بك ، وقائد الفيلق يوسف ضيا بك. ثم أجري له احتفال ، وخطب في القوم وجاء طلاب المدارس ، وحضروا المراسم.

وكان مشتهرا معروفا بعلمه وقدرته الحربية وكان له الأثر الكبير في الأوساط العلمية والعسكرية.

جاء في صدى الإسلام :

«شرف حاضرتنا في المحطة بطريق السكة واستقبله أركان الملكية والعسكرية. وكانت إصلاحاته في الجيش العثماني كبيرة .. فأدخل التنسيق في المدرسة الحربية ، وكان عاملا مهما في تنظيم الجيش.

__________________

(١) في مجموعة الأستاذ محمد درويش أنه ورد بغداد يوم الاثنين ٢٨ المحرم سنة ١٣٣٤ ه‍ وأجريت له الاحتفالات.

(٢) الزوراء عدد ٢٥٤٥ في ٢ صفر سنة ١٣٣٤ ه‍ و ٩ كانون الأول سنة ١٩١٥ م.

٣٣٧

وكانت إدارته رشيدة ، وجاء مندوبا عسكريا من قبل القيصر حينما تبادل سلطاننا معه الوداد ..

ولد الجنرال فيلد مارشال قرابه فون در غولچ باشا في ١٢ آب سنة ١٨٤٣ م وهو الآن في ٧٢ من العمر ، نشأ ضابطا بعد تخرجه من المدرسة الحربية ودخل حروبا منها حرب السبعين وفي سنة ١٨٨٣ م دخل في خدمة الدولة العثمانية بصفة مفتش للمكاتب العسكرية.

ولما توفي (فون كه هله ر) باشا رئيس أركان حربيتنا الثاني أضيف إلى وظيفة الرئاسة الثانية سنة ١٨٨٦ م ، فنظم التجنيد ، فأجاد العمل ١٠ سنوات عاد إلى خدمة بروسية العسكرية سنة ١٨٩٦ م وتولى منصب قيادة الفرقة الخامسة ، وهكذا تقلد مناصب عديدة حتى حصل على رتبة (فلد مارشال). وفي ٢٣ آب سنة ١٩١٤ م صار واليا عاما على بلچيكا ، ثم في تشرين الثاني من السنة الماضية تعين إلى المعية الملوكية بصفته مندوبا عسكريا فوق العادة.

وله من الآثار العسكرية (كتاب الملة المسلحة) (١) ، و (كتاب وظائف الأركان الحربية) ، و (وظائف الأركان الحربية العملية) ، و (مخطرة للضباط في الحضر والسفر) ، و (كتاب الخدمة السفرية) ، و (تاريخ محاربات القلاع) وغيرها التي ألفها باسم الجيش العثماني ، وأهداها تذكارا للمدرسة الحربية.

ثم إنه تقديرا لخدماته أمر القيصر أن تسمى المدينة التي ولد فيها

__________________

(١) في أصول الجندية وأحوالها العصرية ترجمه إلى التركية معاونه الرئيس محمد طاهر وطبع لأول مرة سنة ١٣٠١ باستنبول. وفيه مباحث عن الحروب الحاضرة ، وتشكيلات الفيالق ، وإدارة الحروب ، ورجال الحرب ، والخطط الحربية ، والتعرض والدفاع والمعارك الكبرى ، والقلاع وأثرها في الحروب ، وإدارة معيشة الجيش ، ونتائج الحروب ومقدراتها. وكان مؤلفه أمير اللواء.

٣٣٨

باسمه وهي مدينة (أولينغ يلكه ن) الملحقة بمتصرفية (لابيه ن) الألمانية مسقط رأسه (١).

أسرى الإنكليز :

في ٥ كانون الأول سنة ١٩١٥ م ـ ٢٧ المحرم سنة ١٣٣٤ ه‍ وصل إلى بغداد مساء الساعة ١ والدقيقة ١٥ جملة أسرى من الإنكليز ، وبلغوا ٨ ضباط و ٥٢٠ أسيرا ، والناس بين مصدق ومكذب لكثرة ما أشيع من الأخبار ، وتوالت هزائمهم ، وجاءت البشائر بانتصارات في (چناق قلعة) وهكذا ضيق الجيش الحصار على الإنكليز في الكوت ، وعاقوا كل تقدم لتخليصهم من الحصار. وفي ٢٩ المحرم سنة ١٣٣٤ ه‍ و ٧ كانون الأول سنة ١٩١٥ م وصل أسيران أيضا. وفي ١ صف سنة ١٣٣٤ ه‍ ـ ٩ كانون الأول سنة ١٩١٥ م وصل أسيران أيضا. وفي ١ صف سنة ١٣٣٤ ه‍ ـ ٩ كانون الأول سنة ١٩١٥ م وصل ظابطان من الإنكليز و ١٤ أسيرا آخر ، وفي ٦ صفر سنة ١٣٣٤ ه‍ يوم الثلاثاء وصل ٣٢ أسيرا مع مركب (فاير كلاس) الذي سمي بـ (سلمان باشا). وكان المركب يحمل ٩ مدافع ورشاشات. وبروجكتور (كشاف) وفي ٧ صفر سنة ١٣٣٤ ه‍ وصل نحو ستمائة أسير في الساعة الخامسة من يوم الأربعاء ومركب يعرف بأبي السلة وسمي (سلمان باك) ، وعمر في ١٧ صفر سنة ١٣٣٤ ه‍ وفي ٢٢ منه ذهب لخط الحرب.

صد الجيوش :

في يوم الاثنين ١٢ صفر سنة ١٣٣٤ ه‍ جاءت بغداد بواسطة مركب بغداد من كوت الإمارة مفرزة من المقر العام لصد الجيوش الروسية والإنكليزية من ناحية الحدود الإيرانية فحلّت في بستان أم البير في محلة

__________________

(١) صدى الإسلام عدد ١٩٩ في ١٠ جمادى الأولى سنة ١٣٣٤ ه‍.

٣٣٩

باب الشيخ ومنهم نزلوا غرف حضرة الشيخ. وهي ثلاثة أفواج و ٤ مدافع متراليوز (رشاش).

تجولات فوندر غولج باشا :

ذهب في ٢٢ صفر سنة ١٣٣٤ ه‍ إلى كرمانشاه وعاد في ٢٣ منه لتفتيش الوضع الحربي. وفي ٤ ربيع الأول ذهب إلى الجبهة راكبا مركب برهانية في كوت الإمارة. وهذه هي المرة الثانية التي ذهب بها إلى ساحة القتال. ومنها كتب إلى الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني يشكره فيه على ما قام به من خدمات وبسالة فائقة وشهامة. وفيه من المدح والإطراء ما لا مزيد عليه. وهذا الكتاب مؤرخ ٧ كانون الثاني سنة ١٩١٦ م. وعنوانه (غولچ مرافق السلطان وقائد الفيلق السادس). رأيته لدى نجله غازي باشا أمير اللواء الركن.

معاون الوالي ووكيله :

هو شفيق بك. نال مدالية الحرب لما بذل من همة في جمع الإعانات وتسهيل مهمة الجيش في تموينه وما شابه (١).

والي بغداد :

ولي بغداد الزعيم خليل بك ، وكذا قيادة الجبهة في ٦ ربيع الأول سنة ١٣٣٤ ه‍ الموافق ١٢ كانون الثاني سنة ١٩١٦ م وكان خليل بك قائد الفيلق الثامن عشر وذلك أن القائد السابق أراد الانسحاب إلى سلمان باك فنجح في مسعاه ، ولكنه لم يرق للقيادة العامة إبقاؤه (٢).

__________________

(١) الزوراء عدد ٢٥٥٥ وتاريخ ١٣ ربيع الآخر سنة ١٣٣٤ ه‍ ـ ١٧ شباط ١٩١٦ م.

(٢) (حرب جبهه لري وقائعي) ، وفي مجموعة الأستاذ محمد درويش أن خليل بك عين قائدا للعراق وحواليه وواليا على بغداد والبصرة في ٥ ربيع الأول سنة ١٣٣٤ ه‍.

٣٤٠