مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

صلى الله عليه وآله.

وأنّه يمكن أن يكون المراد برؤس الجبال وبطون الأودية والآجام كونها مطلقا في أيّ موضع كان حتى في أملاك الناس ، المحترم ما لهم كما هو ظاهر الروايات والعبارات.

ولكنه بعيد ، لان الظاهر أنّ ما كان في ملكهم وأيديهم ، لهم كسائر أموالهم الا ان يقال : الأرض لم تملك إلّا بالاحياء ، ولا احياء فيها غالبا وعلى تقدير الوجود المراد ، الموات منها.

ويمكن ان يكون المراد ما لا يكون في ملك الغير وتحت يده ، وقيّد به كالأموات منها وترك للظهور ، كما مرّ.

قال المصنف في المنتهى : قال ابن إدريس : المراد برؤس الجبال وبطون الأودية ما كان في ملكه عليه السلام ، والأرض المختصّة به عليه السلام ، فاما ما كان من ذلك في أرض مسلم ويد مسلم عليه فلا يستحقّه عليه السلام (انتهى).

ولم يردّه وسكت ، فيدل على رضاه ، ولكن ينبغي ان يقول بدل (ويد مسلم عليه) : (ما يكون في ملك من لما له حرمة) ومع ذلك يلزم (١) كون ذكر (بطون الأودية) ونحوها بعد ذكر (الأرض المختصّة به عليه السلام) لغوا ويمكن كونه لدفع توهم أنها لا تملك.

قال في شرح الشرائع : لا يخفى أن المراد بها ما كان في غير أرضه عليه السلام المتقدمة والمرجع في الجبال والأودية إلى العرف (انتهى) فيه تأمل.

وان (٢) المراد لقولهم : غير المغصوب ، الصفايا والقطائع التي لا تكون ملكا لملوك الكفار أو يكون ملكا لمن لا يجوز أخذ ماله ويكون له حرمة ، وهو ظاهر

__________________

ارتحال النبي صلى الله عليه وآله فلا ينافي عدم ذكر النبي صلى الله عليه وآله في التعريف.

(١) لا يخفى ان حق العبارة ان يقال : يلزم كون ذكر (الأرض المختصة به عليه السلام) بعد ذكر (بطون الأودية) لغوا ـ وذلك لان المنقول عن ابن إدريس ره (ذكر الأرض المختصة) بعد ذكر (بطون الأودية).

(٢) عطف على قوله قده : أن الأنفال كان له صلى الله عليه وآله إلخ وكذا قوله قده : وان ما يوجد إلخ.

٣٤١

وغنيمة من قاتل بغير اذنه عليه السلام ، له عليه السلام ، ثم ان كان ظاهرا تصرّف كيف شاء

______________________________________________________

وان ما يوجد في ملكه عليه السلام المتقدم ـ ممّا يجب فيه الخمس مثل المعادن والكنوز ـ يكون له عليه السلام ، لا للواجد ويخرج الخمس (١).

مع احتماله في غير ملكه المعمور وتحت يده بالفعل مثل داره وسائر ما في تصرفه كسائر تصرفات الناس ، للعموم (٢) الدال على ذلك كما مرّ وقلّة وجود ما يخمس حينئذ.

وهو بعيد ، ولا يبعد ذلك في زمان الغيبة ، لما سيجي‌ء من تجويزهم ذلك ، ولكن يحتمل عدم الخمس حينئذ أيضا لكون الموجود كالعطيّة التي تكون ملكا للإمام عليه السلام ويعطى كسائر عطاياه ، الناس منها ، لانه اما في ملكه ، أو ملك غيره ، أو الموات وهو في ملكه عليه السلام ، فلا خمس على كل التقدير فتأمّل والعمومات تدفعه مع احتمال التخصيص.

قوله : «وغنيمة من قاتل بغير اذنه عليه السلام له» كأنّها من جملة الأنفال ولكن تغيير الأسلوب وعدم عطفه على ما سبق حتى يكون تحته صريحا ، كأنّه لعدم ظهور دليله كغيره.

وكذا فعل في غير المتن أيضا (٣) ولكن لا بدّ من اعتبار قيد في تعريفها حق يخرجها ، وإلا فهي داخلة فيها وهو ظاهر ، ويحتمل كونها منها.

قال المصنف في المنتهى : وإذا قاتل قوم من غير اذن الامام عليه السلام

__________________

(١) يعنى لا ان ما يوجد في ملكه عليه السلام يكون للواجد مع وجوب إخراج خمسه ، بل يكون كله له عليه السلام.

(٢) تعليل للاحتمال المذكور يعنى ان عموم أدلة وجوب الخمس في مثل المعادن والكنوز شامل لما يخرج من ملكه عليه السلام أيضا.

(٣) كالشرائع فإنه بعد ذكر ان الأنفال خمسة وبيان الخمسة ـ قال : ما يغنمه المقاتلون بغير اذنه فهو له عليه السلام (انتهى).

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ففتحوا كانت الغنيمة للإمام عليه السلام ذهب اليه الشيخان والسيد المرتضى رحمهم الله واتباعهم ، وقال الشافعي : حكمها حكم الغنيمة مع اذن الامام لكنه مكروه (الى قوله) : وان كان قول الشافعي (فيه قويا) (١) انتهى ودليلهم رواية العباس الورّاق ، عن رجل سمّاه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا غزا قوم بغير اذن الامام عليه السلام ، فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام عليه السلام ، وإذا عزوا بأمر الإمام عليه السلام فغنموا كان للإمام عليه السلام الخمس (٢).

وفي السند (٣) «الحسن بن احمد بن بشار (يسار خ ل)» المجهول (ويعقوب) المشترك ، والإرسال المقبول (٤) والجبر بالعمل غير مسموع ، لعدم الدليل.

وما يدل على ملكيّة المال المأخوذ ممن لا حرمة لماله من الإجماع وغيره ، يدل على عدمه.

وكذا الأصل والظاهر ، وما يدل على حصر ماله عليه السلام فيما تقدم من الاخبار ، وانه لو كان لذكر فيها ، وظاهر (انما غنمتم) يدل على إخراج الخمس فقط ، فيكون الباقي للغانم ، لعدم استحقاق الغير بالاتفاق ، ولأنّ ظاهرها أن الباقي للغانمين ، كما يقال : في المعدن والكنز ، الخمس ، وهو الظاهر وأيضا يحتمل تخصيص الخبر بزمان ظهوره عليه السلام كما هو المتبادر من قوله عليه السلام : (من غير إذنه) لأنه يفهم منه انه (٥) ممكن ، إذ لا يقال في زمان الغيبة وعدم إمكان

__________________

(١) فيه قوة خ.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ١٦ من أبواب الأنفال.

(٣) سنده كما في التهذيب هكذا : محمد بن الحسن الصفار ، عن الحسن بن احمد بن بشار ، عن يعقوب ، عن العباس الوراق.

(٤) لعل المراد بالإرسال المقبول هو ان الراوي لما قال : عن رجل سمّاه يعنى ان يعقوب الراوي عن العباس ، يقول ان العباس سمى الرجل فسمى مقبولا لهذه الجهة والله العالم.

(٥) يعني اذن الامام عليه السلام.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاذن ذلك القول غالبا.

ثم الظاهر ـ على تقدير القول به مطلقا في الجملة ـ كونه فيما إذا قاتلوا فأخذوا بالحرب على الدعوة الى الإسلام ، والغزو ، كما هو ظاهر الخبر ، لا مطلق ما أخذوا منهم قهرا ، كما هو ظاهر بعض العبارات كالدروس (١) ونحوه.

فلو (٢) ذهب جماعة لنهب مال ونحوه ، ونهبوا أو أخذوا منهم شيئا قهرا وعلانية وغير ذلك لم يكن داخلا في الحكم (٣) ، لأن أخذ مال الكفار ليس بمشروط بإذن الإمام عليه السلام ، بل الجهاد (٤).

فالظاهر أنّ من خالفه عليه السلام فجاهد بغير اذنه عليه السلام يكون لما أخذ ، هذا الحكم (٥) ، ولا يكون حكمه حكم الغنيمة ولان الظاهر ان تخلف (٦) الحكم عنه لعدم اذن الامام عليه السلام ، وانه لو كان باذنه عليه السلام لكان غنيمة ، ومعلوم عدم ذلك (٧) في جميع الأخذ قهرا ، ولأنه بمنزلة السرقة والخدعة.

مع احتمال التعميم (٨) كما إذا كان بالقتال معهم في بلادهم.

وبالجملة هذا الحكم مخالف لبعض الأصول ، وليس له دليل واضح فالاختصار (الاقتصار ظ) على محلّ يكون كلامهم متفقا فيه غير محتمل للغير ، اولى

__________________

(١) لم نجد في الدروس ما يفيد هذا المعنى الذي نسب اليه الشارح قده : نعم ذكر في باب الأنفال ـ في عداد الأنفال : وهذا لفظه ، وغنيمة من غزا بغير اذنه (انتهى) ولعله مطلق يعم ما نسب اليه الشارح قده والله العالم.

(٢) الظاهر ان هذا تفريع على مختاره قده من اشتراط كون المقاتلة فقط على الإسلام بغير اذنه عليه السلام لا مطلق الأخذ قهرا.

(٣) يعنى لم يكن المأخوذ في هذا الفرض للإمام عليه السلام.

(٤) يعنى بل الجهاد مشروط بإذن الإمام عليه السلام لا مطلق أخذ المال من الكفار.

(٥) يعنى يكون المأخوذ حينئذ للإمام عليه السلام.

(٦) يعنى تخلف حكم الغنيمة عن هذا المأخوذ مستند الى عدم اذن الامام عليه السلام.

(٧) يعنى عدم تحقق مفهوم الغنيمة في جميع ما أخذ قهرا سواء كان بإذن الإمام عليه السلام أو لا بإذنه.

(٨) يعني تعميم الحكم بكون كل ما أخذ من الكفار بأي وجه كان فهو للإمام عليه السلام.

٣٤٤

ولا يجوز لغيره التصرف في حقه عليه السلام الّا بإذنه

______________________________________________________

ليوثق به في الجملة ، ولكن الاحتياط لا يترك.

قوله : «ولا يجوز لغيره التصرف إلخ» يعني لا يجوز التصرف في ماله خاصّة من الأنفال وغيرها مطلقا الا بإذنه مع حضوره عليه السلام وغيبته ، الّا ما استثناه من المناكح وأخويها حال الغيبة لنا (١) خاصّة ودليله واضح ، وهو عدم جواز التصرف في مال الغير عقلا ونقلا من الكتاب كقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (٢) وغيره.

والسنة ، مثل لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفس منه (٣) ـ وغير ذلك وسيجي‌ء في خصوص الخمس ـ والإجماع.

ولكن الظاهر اباحة بعض الأنفال ، مثل الأراضي حال الغيبة كما سيجي‌ء في كتاب الجهاد واحياء الموات ، والتصرف في مال من لا وارث له في بحث الميراث يصرفه الى المستحقين ، وصرف حصته من الخمس إلى أربابه كما سيجي‌ء.

قال في شرح الشرائع : في شرح قوله : (لا يجوز التصرف في ذلك بغير إذنه) أشار بذلك إلى الأنفال المذكورة ، ومنها ميراث من لا وارث له عندنا ، وظاهر العبارة تحريم التصرف في ذلك حالة حضوره وغيبته الّا ما نستثنيه ، وهو المناكح وقسيماه ، والأصحّ إباحة الأنفال ـ حالة الغيبة واختصاص المنع بالخمس عدا ما استثنى (انتهى).

ظاهر عبارته غير جيّدة ، لا شعارها (٤) بالخلاف في إباحة التصرف في الأراضي حال الغيبة ، بل (٥) ان عدم جواز التصرف مذهب المصنف ، والظاهر أنّه ليس كذلك كما سيظهر في كتاب الجهاد.

__________________

(١) هذا الاستثناء لنا معاشر الشيعة خاصة.

(٢) البقرة ـ ١٨٨.

(٣) الوسائل كتاب الصلاة باب (٣) من أبواب مكان المصلي.

(٤) بقرينة قوله رحمه الله : والأصحّ إباحة الأنفال إلخ.

(٥) فإن قوله الشارح بما هو شارح : والأصح كذلك ظاهر في ان الشارح قده مخالف للمصنف.

٣٤٥

ويجب عليه الوفاء فيما قاطع عليه

______________________________________________________

وبأن (١) الأصح إباحة كلّ الأنفال ، والظاهر أنه ليس كذلك ، لعدم اباحة الغنيمة ، والإرث بكل وجه الّا ان يريد في الجملة.

وبان التصرف (٢) في الخمس ممنوع حال الغيبة إلّا في المناكح ونحوها ، وظاهر جوازه عنده (٣) بالصرف الى المستحقين الا ان يجعل من المستثنى (٤) ، ولكن يأباه (٥) تفسيرا لاستثناء أوّلا ، أو يريد بكل الوجه (٦) فيشكل الميراث وغيره.

وبأن استثناء (٧) هذه الأشياء من الخمس ، والظاهر أنه عامّ وان لم يحتج اليه عنده وبالجملة ، العبارة غير جيّدة.

قوله : «ويجب عليه الوفاء إلخ» يعني يجب على الامام عليه السلام ان يوفى لمن قاطعه بإجارة أرض مثلا فيأخذ حقه الذي قاطع عليه ، ويترك الباقي له فيكون الفاضل مباحا له ، وللإمام عليه السلام ، والأجرة ، وهو ظاهر ، بل لا يحتاج

__________________

(١) عطف على قوله ره : بالخلاف في إباحة إلخ ، وكذا قوله : وبان التصرف ـ يعنى ان ظاهر عبارة شارح الشرائع إباحة جميع الأنفال مع خروج بعض الأفراد كالغنيمة والإرث فإنهما غير مباحي التصرف ولو حالة الغيبة.

(٢) بقرينة قوله رحمه الله : واختصاص المنع بالخمس عدا ما استثنى.

(٣) يعنى عند شارح الشرائع يجوز التصرف حالة الغيبة بصرفه الى المستحقين ، فان صرفه إليهم نوع من التصرف أيضا فلا يصح إطلاق الحكم بان التصرف في الخمس ممنوع.

(٤) الظاهر ان المراد : الّا ان يجعل التصرف في الخمس بالصرف الى المستحقين من المستثنى من هذا الحكم العام اى لا يجوز التصرف بوجه الّا ان يصرف الى المستحقين.

(٥) يعنى التصرف في الخمس بصرفه الى المستحقين من المستثنى حسن لو لم يفسر شارح الشرائع المستثنى بقوله رحمه الله : (الا في المناكح ونحوها) فإنه قرينة ان هذه الأمور مستثناة دون غيرها.

(٦) هذا توجيه ثان لتصحيح عبارة شارح الشرائع ، وهو ان يريد بالممنوعيّة ، الممنوعية من كل وجه ، فحينئذ ينقض أيضا بالميراث وغيره.

(٧) يعنى ان عبارة شارح الشرائع مشعرة بأن المناكح وأخويها مستثناة من خصوص الخمس ، مع ان الاستثناء غير مختص به ، بل هو عام له ولغيره من أموال الإمام عليه السلام.

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الى الذكر.

والعلم ان النفل ، وألفي يطلقان اصطلاحا ـ تخصيصا لهما ـ ببعض أفراد معناهما اللغوي ، على ما مر ممّا هو عيّنه الله تعالى لرسوله ، وبعده للإمام القائم مقامه ـ كما في سورة الأنفال (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ) (١) ، وما في سورة الحشر (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) (٢) وقد مر الأخبار الدالة على ذلك ، مثل خبر محمد بن مسلم ، عن ابى عبد الله عليه السلام إنه سمعه يقول : إنّ الأنفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة ، أو بطون أودية فهذا كلّه من الفي‌ء والأنفال ، لله وللرسول (٣).

ويدلّ (٤) على حمل الآية الثانية أيضا عليه ، وانه ليس بغنيمة ، لعدم الإيجاف اى السير السريع ، ولا تكون الغنيمة بدون ذلك وقد يطلقان أيضا على ما يرادف الغنيمة العسكريّة.

ونقل المعنيين للفي‌ء والأنفال في مجمع البيان (٥) وتدل على إطلاق الأنفال والفي‌ء بالمعنيين ، رواية محمد بن مسلم ، عن ابى جعفر عليه السلام ، قال : سمعته

__________________

(١) الأنفال ـ ١.

(٢) الحشر ـ ٦.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ١٠ من أبواب الأنفال.

(٤) يعني يدل هذا الخبر على أن المراد من الآية الثانية من الفي‌ء المفهوم من قوله تعالى (وَما أَفاءَ اللهُ) إلخ هو هذا ان الأمران المذكوران في هذه الرواية بقوله عليه السلام : ان الأنفال ما كان إلخ وقوله عليه السلام وما كان من أرض إلخ.

(٥) قال في مجمع البيان بعد ذكر آية الغنيمة : ما هذا لفظه الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال ، وهي هبة من الله تعالى للمسلمين ، والفي‌ء ما أخذ بغير قتال ، وهو قول عطا ومذهب الشافعي ، وسفيان ، وهو المروي عن أئمتنا عليهم السلام ، وقال قوم : الغنيمة وألفي واحد وادّعوا أن هذه الآية ناسخة للّتي في الحشر من قوله تعالى (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) الآية (انتهى).

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يقول : الفي‌ء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء ، وقوم صولحوا ، وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهو كلّه من الفي‌ء فهذا لله ولرسوله ، فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء ، وهو للإمام عليه السلام بعد الرسول صلى الله عليه وآله ، واما قوله (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ ، وَلا رِكابٍ ،) قال الا ترى؟ هو هذا وأمّا قوله (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ، فَلِلّهِ (١) وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى ، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، فهذا بمنزلة المغنم الحديث (٢).

ورواية أخرى ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : وسئل عن الأنفال ، فقال : كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لله عز وجل ، ونصفها يقسم بين الناس ، ونصفها لرسول الله صلى الله عليه وآله فما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله فهو للإمام عليه السلام (٣).

هذا ظاهر الّا أنّ كون هذه القرية غنيمة ومنقسمة على ستة أقسام غير منطبق على ذلك.

ويمكن كون القسمة أسداسا مخصوصا بهذه القرية ويمكن كونه هنا أيضا بمعنى الأنفال المتقدم ، فيكون التقدير (٤) لله والرسول ـ والقسمة على الوجه المذكور تكون مستحبة وتفضلا (٥) عنه صلوات الله عليه وآله ، على المساكين والفقراء من المستحقين من قرابته ـ وكذا الامام عليه السلام (٦) وهذه الفائدة تنفع في الجمع

__________________

(١) من قوله تعالى (فَلِلّهِ) الى آخر الآية غير مذكور في الوسائل ولا في التهذيب الذي نقله الخبر في الوسائل منه.

(٢) الوسائل باب ١ قطعة من حديث ١٢ من أبواب الأنفال.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب الأنفال.

(٤) يعني تكون لفظة (والرسول) مقدرة.

(٥) يعني قوله عليه السلام نصفها يقسم بين الناس تفضل منه صلى الله عليه وآله لا انه حقهم.

(٦) يعنى لله والرسول والامام عليه السلام.

٣٤٨

وان كان غائبا ساغ لنا خاصّة ، المناكح والمساكين ، والمتاجر في نصيبه.

ولا يجب صرف حصص الموجودين فيه ، واما غيرها فيجب صرف حصّة الأصناف إليهم.

وما يخصّه عليه السلام يحفظ له الى حين ظهوره أو يصرفه من له أهليّة الحكم بالنيابة عنه الى المحتاجين من الأصناف على سبيل التتمة ، ولو صرفه غير الحاكم ضمن

______________________________________________________

بين الأخبار والآيات ، فلا اختلاف ، فتأمّل.

ثم اعلم أن أمر الخمس مع وجوده صلوات الله عليه وآله ، اليه يفعل به ما يريد.

والظاهر لزوم صرف النصف في مستحقيه المفهومين من الآية ، والاخبار ، بمعنى عدم تملكه وصرفه في جميع حوائج نفسه.

نعم يجوز له ـ من جهة أنّ أمر المصالح كلها اليه عليه السلام ـ ان يفعل ما يرى فيه المصلحة وما لنفسه ، فيختار فيه ، ويفعل ما يريد ودليله ظاهر الآية ، والاخبار الكثيرة المتقدمة الدّالّة على كونه منصفا ، نصف له ، ونصف لغيره من الأصناف ، والأصل.

وما ورد في أنّ عليه النقص وله الفاضل يمكن حمله ـ مع عدم الصحة وعدم المقاومة وبتلك الآية والرواية الكثيرة مع عدم الخلاف والنزاع ـ على أنّ عليه من جهة الحكومة والمصلحة ، وله ان يحفظ ويلاحظ فيه ما يرى من المصلحة ، وكذا الامام القائم مقامه صلى الله عليه وآله ، وهو مذهب ابن إدريس.

وأيضا ان الظاهر جواز تقسيم الخمس ـ في غير الغنيمة ـ للمالك للأصل ، ولحصول الغرض كالزكاة ، نعم الغنيمة لما كان أمرها إليهم صلوات الله عليهم لا يجوز لغيرهم ذلك فتأمّل في الأول.

قوله : «وان كان غائبا ساغ لنا خاصّة إلخ» الظاهر ان اباحة هذه الأشياء من أموالهم عليهم السلام للشيعة ـ اى الاثنى عشريّة ـ مطلق ، سواء كان

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

من المال الذي فيه الخمس أو كان الكلّ لهم عليهم السلام كالأنفال ، مثل الغنيمة بغير إذنه عليه السلام ، فتخصيصه في شرح الشرائع (١) غير جيّد كما مرّ وكذا حال الغيبة والحضور.

والظاهر عدم الخلاف في المناكح ، قال في المنتهى : وقد أباح الأئمة عليهم السلام المناكح في حالتي ظهور الامام عليه السلام وغيبته ، وعليه علمائنا اجمع (انتهى).

بل الظاهر اباحة مطلق التصرف في أموالهم عليهم السلام للشيعة خصوصا مع الاحتياج ، لعموم الأدلة وهي روايات ، وقد تقدم البعض.

مثل ما في رواية حكيم مؤذّن بني عيس (عيسى خ ل) ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال : هي ـ أي الغنيمة ـ والله الإفادة يوما بيوم الا أنّ ابى جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا (٢).

وما في رواية عبد الله بن سنان ـ قد ادعى في المنتهى صحتها ـ : حتى الخيّاط ليخيط قميصا (ثوبا خ) بخمسة دوانيق فلنا منه دانق الّا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة (٣).

__________________

(١) لا يخفى ان ظاهر شرح الشرائع بل صريحه التعميم من حيث ما له عليه السلام ، فإنه قال : في شرح قول المحقق : (تثبت اباحة المناكح والمساكن والمتاجر حالة الغيبة إلخ) ما هذا لفظه :

المراد بالمناكح ، السراري المغنومة من أهل الحرب في حال الغيبة ، فإنه مباح لنا شرائها ووطئوها وان كانت بأجمعها للإمام عليه السلام على ما مرّ وبعضها على القول الآخر (الى ان قال) : والمراد بالمساكين ما يتخذه منها في الأرض المختصة به عليه السلام كالمملوكة بغير قتال ورؤس الجبال وهي مبنى على عدم اباحة مطلق الأنفال حال الغيبة (الى ان قال) : والمتاجر ما يشترى من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب حالة الغيبة وان كانت بأسرها أو بعضها للإمام عليه السلام أو ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس كالمخالف مع وجوب الخمس فيها (انتهى) نعم ما استشكله من تخصيصه بحال الغيبة حق فان هذه العبارة صريحة في الاختصاص ـ والله العالم.

(٢) الوسائل باب ٤ قطعة من حديث ٨ من أبواب الأنفال.

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام ـ في التهذيب والفقيه ـ قال : ان أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول : يا رب خمسي وقد طيّبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكوا أولادهم (١).

ولصحيحة ضريس الكناسي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : أتدري من اين دخل على الناس الزنا؟ فقلت : لا ادري ، فقال : من قبل خمسنا أهل البيت الّا شيعتنا الأطيبين ، فإنه محلّل لهم ولميلادهم (٢).

ولما في رواية ابى خديجة ، عن ابى عبد الله عليه السلام : انما يسئلك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيته ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب ، والميّت منهم والحي ، وما يولد منهم الى يوم القيامة فهو لهم حلال ، أما والله لا يحلّ الّا لمن أحللنا له إلخ (٣).

وهذه فيها عموم الآخذ والمأخوذ ، فليس بمخصوص بالمناكح وقسيميه ولا بزمان دون آخر.

وقوله عليه السلام لوالي البحرين ـ الحكم بن علبا بعد أن جاء بخمس ما حصل في ولاية البحرين بعد ان أنفق وتزوج واشترى الجواري من الأنفال ـ : اما انه كلّه لنا وقد قبلت ما جئت به وقد حلّلتك من أمّهات أولادك ونسائك ، وما أنفقت وضمنت لك علىّ ، وعلى ابى ، الجنة (٤).

وصحيحة أبي بصير وزرارة ، ومحمد بن مسلم كلّهم ، عن ابى جعفر عليه

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٥ من أبواب الأنفال.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٣ من أبواب الأنفال.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٤ من أبواب الأنفال ، وصدره هكذا : قال رجل وانا حاضر : حلّل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه السلام فقال له رجل : ليس يسألك ان يعترض الطريق انما يسألك إلخ.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ١٣ من أبواب الأنفال.

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام قال : قال أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام : هلك الناس في بطونهم وفروجهم ، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ، الا وان شيعتنا من ذلك وآبائهم في حلّ (١).

ورواية داود بن كثير الرقى ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : ان الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلّا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك (٢).

ورواية يونس بن يعقوب ـ قال في المختلف : موثقة وليست بظاهرة ، لوجود محمد بن سنان أو محمد بن سالم (٣) على اختلاف النسخ ، والأصح الأول ـ قال : كنت عند ابى عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين ، فقال : جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف (نعلم خ) أنّ حقّك فيها ثابت ، وانّا على ذلك مقصّرون ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم (٤).

وما في مكاتبة صحيحة على بن مهزيار قال ـ كأنّه أحمد بن محمد (٥) ، وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة ـ وانما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليه الحول ، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ، ولا في

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب الأنفال.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٧ من أبواب الأنفال.

(٣) فان سنده كما في التهذيب هكذا : سعد بن عبد الله ، عن ابى جعفر ، عن محمد بن سنان (سالم خ) عن يونس بن يعقوب.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ٦ من أبواب الأنفال.

(٥) يعني كأنّ القائل أحمد بن محمد الواقع في سند الحديث ، فان سنده هكذا كما في التهذيب : محمد بن الحسن الصفار ، عن احمد بن محمد وعبد الله بن محمد جميعا ، عن على بن مهزيار ، قال كتب إليه أبو جعفر عليه السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة إلخ ـ الوسائل باب ٨ قطعة من حديث ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

آنية ، ولا دوابّ ولا خدم ، ولا ربح ربحه في تجارة ، ولا ضيعة إلا في ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا منى عن مواليّ ، منّا منى عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينويهم (١) في ذاتهم الحديث.

وان كان فيها ما يدل على الوجوب أيضا ، وبعض الأمور المنافية للأصل مع عدم ظهور المكتوب إليه فتأمّل.

وصحيحة الحرث بن المغيرة النصري ، عن ابى عبد الله عليه السلام ، قال : قلت له : ان لنا أموالا من غلّات وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت ان لك فيها حقا قال فلم؟ (٢) أحللنا إذا لشيعتنا الا لتطيب (٣) ولادتهم ، وكل من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم من حقنا فليبلّغ الشاهد الغائب (٤).

وصحيحة على بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السلام ، من (٥) رجل يسأله لأن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس فكتب عليه السلام بخطه : من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل (٦).

ورواية الفضيل ـ كأنها صحيحة عن ابى عبد الله عليه السلام ، قال : من وجد برد حبنا في كبده (٧) فليحمد الله على أوّل النعم ، قال قلت : جعلت لداك ما أوّل النعم قال : طيب الولادة ، ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام : أحلّي نصيبك من الفي‌ء لاباء شيعتنا ليطيبوا ،

__________________

(١) اى ينزل به ويحدث من المهمات (مجمع البحرين).

(٢) يحتمل النفي ، والاستفهام.

(٣) يحتمل التنبيه والاستفهام.

(٤) الوسائل باب ٤ حديث ٩ من أبواب الأنفال.

(٥) متعلق بقوله : من كتاب يعنى هذا الكتاب كان من رجل إلخ.

(٦) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب الأنفال.

(٧) والكبد بكسر الباء واحد الاكباد والكبود ، والأمعاء معروف وهي أنثى وعن الفراء : يذكر ويؤنث ويجوز إسكان الباء كما قالوا في فخذ (مجمع البحرين) وقوله عليه السلام برد حبنا اى لذاذة حبنا.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : انا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا (١) ورواية معاذ بن كثير بيّاع الأكسية ، عن ابى عبد الله عليه السلام ، قال :

موسّع على شيعتنا ان ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف ، فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتوه به ويستعين به (٢).

وما في صحيحة مسمع بن عبد الملك ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال له : يا أبا سيّار قد طيبنا لك وحللناك منه فضم إليك مالك وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ومحلّل لهم ذلك الى ان يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان في أيدي سواهم ، فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة (٣).

وقال في المختلف : انها صحيحة الّا ان مسمع ما صرّح بتوثيقه ، بل مدح.

وما في رواية الحرث بن المغيرة النصري في حكاية نجيّة (٤) ، عن جعفر عليه السلام قال : يا نجيّة ان لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، وهما والله أوّل من ظلمنا حقنا في كتاب الله (الى قوله) : سمعنا في آخر دعائه يقول : اللهم انا قد أحللنا ذلك لشيعتنا ، قال : ثم اقبل علينا بوجهه فقال : يا نجيّة ما على فطرة إبراهيم (عليه وعلى نبينا وآله السلام) غيرنا وغير شيعتنا (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١٠ من أبواب الأنفال.

(٢) الطسق كفلس ، الوظيفة من خراج الأرض المقرر عليه فارسي معرب قاله الجوهري (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل باب ٤ قطعة من حديث ١٢ من أبواب الأنفال.

(٤) والحكاية هكذا كما في التهذيب قال (اى الحديث) : دخلت على أبي جعفر عليه السلام فجلست عنده فإذا نجيّة قد استأذن عليه فاذن له فجثا على ركبتيه ثم قال : جعلت فداك انى أريد أن اسئلك عن مسئلة والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار ، فكأنّه عليه السلام رقّ له فاستوى جالسا ، فقال : يا نجيّة سلني فلا تسئلنى عن شي‌ء إلا أخبرتك به ، قال : جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان قال : يا نجيّة ان لنا إلخ.

(٥) الوسائل باب ٤ قطعة من حديث ١٤ من أبواب الأنفال.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وما يدل على خلاف ذلك يمكن حمله على غير الشيعة أو غير محلّ الضرورة أو ردّ بالقلة وعدم الصحّة.

مثل ما في رواية محمد بن زيد (يزيد خ) الطبري ، قال : كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام : يسئله الاذن في الخمس (ان شاء الله خ) فكتب عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم إلخ (١) مضمونه وجوب الخمس ، وعدم السقوط وعدم حسن منع النفس عن الثواب ودعائهم عليهم السلام.

ورواية إبراهيم بن هاشم قال : كنت عند ابى جعفر الثاني عليه السلام ، إذ دخل عليه صالح بن محمد ابن سهل ، وكان يتولى له الوقف بقم ، فقال : يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ فانى قد أنفقتها ، فقال : أنت في حلّ ، فلما خرج صالح فقال أبو جعفر عليه السلام : أحدهم يثبت على أموال (حق خ ل) آل محمد وأيتامهم ، ومساكينهم ، وفقرائهم ، وأبناء سبيلهم فيأخذها ، ثم يجي‌ء فيقول : اجعلني في حلّ أتراه ظن اني أقول : لا افعل ، والله ليسئلنّهم الله تعالى يوم القيامة عن ذلك سئوالا حثيثا (٢).

وهذه مع كونها في الوقف ومال آل محمد (عليهم السلام) ليست صريحة في منع الشيعة واعلم أنّ عموم الاخبار الأول يدل على السقوط بالكلّية زمان الغيبة والحضور بمعنى عدم الوجوب الحتمي ، فكأنهم عليهم السلام أخبروا بذلك فعلم عدم الوجوب الحتمي.

__________________

(١) وتمامه : ان الله واسع كريم ضمن على العمل ، الثواب ، وعلى الضيق ، الهمّ لا يحل مال الّا من وجه أحلّه الله ، ان الخمس عوننا على ديننا ، وعلى عيالنا ، وعلى موالينا (أموالنا خ) وما نبذ له ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنا ، ولا تحرموا أنفسكم دعانا ما قدرتم عليه ، فان إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم ، والمسلم من يفي لله بما عهد اليه ، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب والسلام ـ الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب الأنفال.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب الأنفال.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يرد أنّه لا يجوز الإباحة لما بعد موتهم عليهم السلام ، فإنه مال الغير مع التصريح في البعض بالسقوط إلى القائم ويوم القيامة.

بل ظاهرها سقوط الخمس بالكلّية حتى حصّة الفقراء أيضا واباحة أكله مطلقا سواء أكل من في ماله ذلك أو غيره.

وهذه الاخبار هي التي دلّت على السقوط حال الغيبة وكون الإيصال مستحبا كما هو مذهب البعض.

مع ما مرّ من عدم تحقق محلّ الوجوب الّا قليلا ، لعدم دليل قوىّ على الأرباح والمكاسب وعدم الغنيمة.

وكون الكنوز والمعدن ان كان في ملك الواجد فهو له ، وان كان في ملك الغير فهو للغير ، وان كان في الموات فهو ملك الامام عليه السلام ، وقد مرّ حاله فتأمّل.

وعلى مذهب من يجعل البحر له عليه السلام أيضا كما فهم من رواية أبي سيّار في الغوص (١) فلا يكون في الغوص أيضا شي‌ء ، فتأمّل.

والحرام المختلط ما ظهر وجهه.

والأرض المشتراة من مسلم ، يمكن وجوده فيه ، لكنه قليل الوقوع ، وفي الاخبار الكثيرة (٢) أن إخراج الخمس من الحرام موجب لتطهيره.

وكذا أخذ مال الناصب وإخراج الخمس منه (٣).

والظاهر أنّها مأوّلة لعدم القائل به ، ولمخالفته للقواعد ، وانه قال في الفقيه : وسئل أبو الحسن عليه السلام (أبو عبد الله عليه السلام خ) عن الرجل يأخذ منه هؤلاء زكاة ماله أو خمس غنيمته أو خمس ما يخرج له من المعادن أيحسب ذلك له في

__________________

(١) الوسائل باب ٤ قطعة من حديث ١٢ من أبواب الأنفال.

(٢) راجع الوسائل باب ١٠ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(٣) عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه السلام قال : خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس ـ الوسائل باب ٢ حديث ٦ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

زكاته؟ وخمسه؟ ، فقال : نعم (١).

هذا ولكن ينبغي الاحتياط التام وعدم التقصير في إخراج الحقوق خصوصا حصة الأصناف الثلاثة من كل غنيمة عدّوها ، لاحتمال الآية (٢) على الظاهر ، وبعض الروايات ، وأصل عدم السقوط ، وبعد سقوط حقّهم ، مع تحريم الزكاة عليهم وكون ذلك عوضها (عوضا خ) ، وبعد إسقاطهم عليه السلام ذلك مع عدم كونه مخصوصا بهم عليهم السلام بظاهر الآية والأخبار.

وعدم صحّة كل الاخبار وصراحتها (٣) بذلك ، واحتمال الحمل على العاجز كما مرّ ، والتقيّة في البعض ، والتخصيص بحقوقهم بعد التصرف ، وعدم إمكان الإيصال وغير ذلك.

وكذا من باقي الأقسام (٤) مع الشرائط المذكورة من غير نظر الى ما ذكرناه من الشبهة المحتملة ، والعمل بالأمر الثابت (٥) حتى يعلم المسقط.

ولا يضر كونها في أرضه عليه السلام على ما فهم من الاخبار ، فلو صرفت حصّة الاشراف في المحتاجين منهم لا يكون فيه الحرج بوجه ، وهو ظاهر إنشاء الله.

بل لو صرف حصته عليه السلام أيضا في الذريّة العلوية أظن عدم البأس به وبراءة الذمة بذلك وان لم نقدر على الجزم بالوجوب والتضيق بذلك على صاحب الحق للاحتمالات المذكورة ، ولما ذكره الأصحاب من احتمال الدفن ، والإيصال وغير ذلك.

وبالجملة أظن كون صرفه في الذريّة المحتاجين أولى من باقي الاحتمالات لما فهم من الاخبار من عدم المؤاخذة بالتقصير مطلقا في ذلك والصرف في نفسه ،

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ٧ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) دليل لقوله قده : ينبغي الاحتياط يعنى انها قابلة للحمل على كل غنيمة على الظاهر.

(٣) يعنى عدم صراحتها في الاقساط.

(٤) من المعدن والكنز وغير ذلك.

(٥) المراد انه يستصحب حتى يعلم المسقط.

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فكيف يتصور المؤاخذة بالصرف فيهم ، مع ما مرّ من ثواب صلة الذرية (١) والمؤمن المحتاج ، وان صلة المؤمن صلتهم عليهم السلام (٢) فكيف إذا اجتمع معه الاحتياج ، والقرابة والاحتياط ، وكون الإيصال لله.

ويدل عليه أيضا ما مرّ من الأخبار الدالّة على صرفهم عليهم السلام حقوقهم فيهم (٣) وفعله صلى الله عليه وآله ذلك.

وأظن عدم المؤاخذة وان فعل ذلك المالك بنفسه من غير اذن الحاكم لما مرّ لكن ان أمكن الإيصال إلى الفقيه العدل المأمون فهو الأولى ، لما قال في المنتهى : إذا قلنا بصرف حصته عليه السلام في الأصناف : إنما يتولّاه من إليه النيابة عنه عليه السلام في الاحكام ـ وهو الفقيه ، المأمون المحتاط ، الجامع الشرائط الفتوى والحكم ـ على ما يأتي تفصيله ـ من فقهاء أهل البيت عليهم السلام ـ على جهة التتمة لمن يقصر عنه ما يصل اليه عمّا يضطر إليه ، لأنه نوع من الحكم الغائب فلا يتولّاه غير من ذكرناه (انتهى).

ولما قال في شرح الشرائع : لأنه نائب للإمام عليه السلام ومنصوبه فيتولى عنه الإتمام لباقي الأصناف مع إعواز نصيبهم كما يجب عليه عليه السلام ومنصور به ذلك مع حضوره والى ذلك أشار بقوله (٤) : (كما يتولى أداء ، ما يجب على الغائب).

ولو تولّى ذلك غيره كان ضامنا عند كل من أوجب صرفه إلى الأصناف (انتهى).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٧ من أبواب فعل المعروف.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٢ من أبواب فعل المعروف.

(٣) ففي مرسلة إسحاق عن ابى عبد الله عليه السلام (في حديث) قال : وسهم لذي القربى وهو لنا وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين ، وأبناء السبيل يقسم الامام عليه السلام بينهم الحديث ـ الوسائل باب ١ حديث ١٩ من أبواب قسمة الخمس ـ وغيره من الاخبار وراجع باب (٣) منها.

(٤) يعنى المحقق ره في الشرائع.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وان كان ذلك (١) غير ظاهر الدليل ، لما مرّ في في الاخبار.

والقول بان هذا حكم على الغائب ، غير مستحسن للزوم كونه عليه السلام محكوما عليه من رعيته ، بل الظاهر انه اذن ووكالة عنه عليه السلام مفهومة من الاخبار ، وفعله صلى الله عليه وآله ذلك من جهة الحكومة أيضا.

وعلى تقدير تسليم ذلك عند كلّ من يوجب ، يشكل القول بذلك (٢) مع تلك الأخبار الكثيرة.

نعم لا شك ان ذلك هو اولى كما في الزكاة مع الإمكان.

والظاهر انه لا ينبغي النزاع في وقت التعذر ، بل التعسر أيضا لما مرّ.

وبالجملة ، الاحتياط في الصرف اليه عليه السلام مع الوجود والإمكان والّا فبمصلحة بعض الطلبة المأمونين مع الاقتصار بالعطاء على سبيل التتمّة.

والأحوط الاقتصار على قدر الحاجة يوما فيوما أو قضاء ديونهم أو اشتراء كسوتهم ومسكنهم على تقدير الاحتياج التام خصوصا في الشتاء ، وكسوة الليل والنهار.

ولا يبعد الإعطاء لمؤنة السنة التي يحتاج اليه كما كان يفعله عليه السلام من إعطاء مؤنة السنة كما تقدم في الروايات.

وينبغي التعميم وملاحظة الأحوج والأعجز وتقديمهم على غيرهم ، ومراعاة النساء والأيتام أكثر من جميع أقسام الاحتياج من المسكن ، والملبس ، والمأكل ، والمشرب ، بل المنكح أيضا على تقدير الضرورة.

هذا ما وصل اليه النظر القاصر ، والله ولى التوفيق والعافي عن المقصر والقاصر.

فقد ظهر ممّا مرّ عدم حسن التخصيص بالثلاثة (٣) لما فهم من العموم.

__________________

(١) اى أولوية الإيصال إلى الفقيه.

(٢) يعنى الفتوى بلزوم الإيصال إلى الفقيه.

(٣) يعنى المناكح والمساكن والمتاجر.

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وان ليست العلّة المذكورة (١) في بعض الاخبار موجبة لذلك لانه كثيرا مّا يذكر علّة في الخبر ولا يكون إلّا في بعض الافراد ، ولا يقصر الحكم على وجودها ، وذلك ظاهر عند المتتبع الّا انها لا تقتضي تخصيص غيرها من العمومات.

وأنّ هذه العلة لا تصلح للعليّة إلا في بعض افراد المناكح ، مثل ان يأخذ الجارية من دار الحرب غنيمة بغير إذن الإمام عليه السلام ، أو يشترى جارية بعين مال الخمس أو يشترى جارية ماله أو ما فيه الخمس.

ولا يتم في تزويج النساء وان كان المهر عين ماله أو ما فيه الخمس ، وهو ظاهر على ما قالوا فتأمّل فيه.

ومعلوم عدم ذلك في المساكين والمتاجر بالطريق الاولى.

ولعل المراد بالعلّة في الجملة ، إذ لو حرمت أموالهم يدخل ما يوجب ذلك فيجي‌ء التحريم بل قد ينازع في إيجاب ما ذكرناه أيضا مطلقا لاحتمال كونه شبهة أو قليلا مّا يفعل مع العلم ، أو يقال : المراد التطيّب عن مطلق الحرام والشبهة ، ولو كان في الأكل والشرب وان لم يتم في مثل قوله عليه السلام (بما نكحوا) ، و (بما أبيحوا) (٢) فتأمّل.

واما المراد بالمناكح ، فكأنها السراري المغنومة من أهل الحرب في حال الغيبة ، فإنه يباح وطيها إذا أخذها بنفسه أو انتقل اليه بوجه آخر مثل الاتهاب أو الشراء أو غير ذلك ، وان كانت بأجمعها للإمام عليه السلام على ما مرّ أو بعضها على القول الآخر.

وربّما فسرت بالزوجات التي يكون مهرها من المال الذي يجب فيه الخمس والجواري التي تشترى بذلك المال ، ولا يجب إخراج خمس ذلك الثمن ، والمهر.

__________________

(١) هي مثل قولهم عليهم السلام : انا أحللنا لشيعتنا لتطيب ولادتهم ونحوها من العبارات.

(٢) لم نعثر الى الآن في الاخبار على هذين التعبيرين في هذه المسئلة ، نعم في رواية إسحاق بن يعقوب المنقولة عن الناحية المقدسة : واما الخمس فقد أبيح لشيعتنا ـ الوسائل باب ٤ حديث ١٦ من أبواب الأنفال.

٣٦٠