مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لأن الزكاة حق مالي في يد المالك للفقراء وللإمام عليه السلام الإجبار على قسمة المشترك وتسليمها لأهلها فجاز له الانفراد مع امتناع المالك ، وتصح النيابة في تسليمها بخلاف الصلاة ، ولأنها لو لم تجز لم يجز له أخذها أو وجب عليه أخذها ثانية وثالثة ، وهكذا الى ان ينفد ماله ، لأن الأخذ ان كان للإجزاء فهو لا يحصل بدون النيّة ، وان كان لوجوبها فالوجوب باق بعد الأخذ ، واما (إذا أخذها طوعا) ولم ينو المالك فقد قال الشيخ : لا يجزيه فيما بينه وبين الله غير أنه ليس للإمام مطالبته بها دفعة ثانية ، وقال الشافعي : يجزيه (الى قوله) : وما ذكره الشافعي قويّ لان الاجزاء لو لم يتحقق لما جاز للإمام عليه السلام أخذها أو له أخذها دائما ، ولأن الإمام كالوكيل ، وهذه عبادة يصحّ فيها النيابة فاعتبرت نيّة النائب كالحج (انتهى).

واعلم انّ الحكمين (١) غير بعيدين وان كان في بعض الأدلة مناقشة فلا يضرّ.

ويمكن ان يقال (٢) : لو أخذت قهرا ينبغي عدم النزاع في حصول براءة ذمته لما مر ، ولأنها تصير مباحة لمستحقها ، ولو لم تكن زكاة ، وليس عليه حق آخر لم يكن كذلك.

واما حصول الثواب ففيه ينبغي النزاع والظاهر عدمه ، بل العقاب بالمنع وترك الرضا وعدم الإنفاق مع الإخلاص الذي هو شرط والإنفاق مع الإكراه (٣) المذموم في الآية ولا يبعد حصول البراءة مع عدم الثواب كما في قضاء الديون

__________________

(١) اى حكم المأخوذ كرها والمأخوذ طوعا.

(٢) هذا تفصيل من الشارح قده للحكمين المذكورين في عبارة المنتهى.

(٣) لعل المراد هو ما قال الله تعالى : في سورة التوبة آية ٥٤ (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلّا وَهُمْ كارِهُونَ) ـ قال الطبرسي (صاحب مجمع البيان) في تفسير هذه الجملة : (لأنهم إنما يصلّون وينفقون للرياء والتستر بالإسلام لا لابتغاء مرضاة الله تعالى) انتهى.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

واسترداد المغصوب كرها أو مع عدم النيّة ، نعم ذلك بعيد في العبادة المحضة.

فحينئذ ، الظاهر انها يتعيّن زكاة بمجرد الأخذ وتبرء ذمة المالك بذلك ولا يحتاج الى نيتهما (١) أيضا ، بل صار حقهم فيوصل إليهم.

ولو أخذت طوعا فالظاهر أنّ إعطائه بقصد الزكاة واعتقاد أنها الزكاة الواجبة لله ، كاف في النية كما مر.

ولو فرض ـ على بعد ـ خلو ذهنه من ذلك بالكلية مع إعطائه الزكاة الواجبة طوعا ورغبة ـ والظاهر انه غير ممكن الا باعتبار المقارنة التي يفعلونها ويعتبرونها ـ فان علم (٢) الإمام أو الساعي ذلك مع وجوب المقارنة المذكورة وعدم كفاية ذلك في التوكيل فلا يجوز الأخذ حينئذ بدون ذلك ، بل ينبغي اعلامه وتعليمه ثم الأخذ على وجه مبرء للذمة.

فلو لم يعلما (٣) بل أخذها زكاة بالنيّة فأعطاها بغير النيّة ـ لو أمكن ـ يكون مبرءا لذمته ظاهرا مع جهله أيضا بذلك.

فان علم بعد ذلك بالحال يحتمل وجوب الدفع ثانيا.

واما لو قصد بجعل ذلك الإعطاء ـ توكيلا أو يكون مجرّد ذلك الإعطاء توكيلا ، يكون مجزيا ومبرأ ظاهرا وباطنا ، والذي أظن انه على تقدير أخذ الإمام عليه السلام لم يوقعه الّا على وجه يكون مجزيا مبرأ واما الساعي فيمكن فيه الاشتباه.

والذي أظن أنّ إعطائه طوعا (له خ) لا يخلو عن نيّة ، ولو فرض عدمها للفصل بين الاذن بالأخذ زكاة وبين الأخذ ووجوب المقارنة ، فالظاهر حينئذ انه ينوي

__________________

(١) أي نية الإمام أو الساعي.

(٢) جواب لقوله قده : ولو فرض على بعد.

(٣) يحتمل ارادة التخفيف يعنى لو لم يعلم الإمام أو الساعي خلو ذهنه وبالتثقيل أو الأفعال يعني لو لم يتحقق الإعلام أو التعليم من الامام أو الساعي.

٢٢٢

ولو نوى بعد الدفع احتمل الإجزاء.

______________________________________________________

الساعي أو الإمام عليه السلام لمعرفتهم بالمسئلة الّا مع النسيان أو الجهل للساعي ، فلا استبعد الاجزاء حينئذ أيضا لمعرفة الله بكون الإعطاء زكاة ، والله يعلم.

وقد مر الإجماع على الإجزاء مع وقوع النيّة من المالك حين الدفع الى الوكيل مع نيته حين الدفع الى الفقير ، والخلاف في الأخير فقط.

وان الظاهر انه على تقدير صحّة الوكالة ـ كما يظهر ـ أجزاء نيته ، وقد مر تحقيقه أيضا.

وان ظاهر المتن إجزاء نيّة الدافع عن الدفع سواء كان الى الامام عليه السلام أو المستحق أو وكيلهما ، وسواء كان الدافع مالكا أو وكيله أو الإمام عليه السلام أو وكيله ، بل ظاهره ، وجوبها واشتراطها عند الدفع من الدافع.

وانه يفهم منه اجزاء نيّة المالك مطلقا وان لم يكن عند الدفع ولم ينو الدافع (وفيه) بحث تقدم ومناف لما قبله (١) (قبيله خ ل) أيضا ، الّا ان يجعل قوله : ولو كان الدافع غير المالك إلخ) بمنزلة الاستثناء عما قبله ، ويكون ذلك مذهبه كما هو مذهب البعض مع ما فيه على ما تقدم فتذكر.

قوله : «ولو نوى بعد الدفع إلخ» لو كانت العين باقية في يد المستحق ينبغي الاجزاء لانه مال له موجود عند المستحق ومقبوض له فينوي كونه زكاة فتصير وجود المقارنة ظاهرا ، وانه مقبوض كما قيل في الهبة للمال المقبوض ، لتحقق القبض فيها.

وكذا مع التلف وكونه مضمونا على المستحق وبقاء استحقاقه فيكون مثل المقاصّة ، وحساب الدين ، زكاتا ولا مانع من ذلك وقد مر مرارا.

ويحتمل عدم الاجزاء لاشتراط النية عند الدفع ، ولا يسمّى النيّة بعد القبض انه عند الدفع.

والجواب ان سلّم ذلك ففيما إذا لم يكن مدفوعا ، وان المراد منه عند التملك

__________________

(١) وهو قوله قدس سره : وتجب النية عند الدفع إلخ

٢٢٣

ولو قال : ان كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته ، وان كان تالفا فنافلة صح ولو قال أو نافلة بطل. ولو اخرج عن أحد ماليه من غير تعيين صح.

______________________________________________________

وهو موجود (أو) أنّ الغرض عدم تقدم النيّة على الدفع والقبض ، وذلك حاصل في المقبوض بالطريق الاولى كما قلناه في الهبة ، والظاهر أنّ مراده ، مع بقاء العين ، وتنظّر في الاجزاء في المنتهى.

قوله : «ولو قال : ان كان مالي الغائب إلخ» وجه الصحة أنه نوى وجزم ـ على تقدير البقاء ـ بأنها فرضه وزكاته ، ولا يضرّه ذكر الشرط الذي لو لم يذاكره لكان الاجزاء على ذلك التقدير أيضا ، فإنه لو قال : هذه زكاته ، فمعلوم انه لا يضرّ ذلك (الّا خ) مع تقدير البقاء.

وأيضا لا يضر ، جعله نافلة على تقدير عدمه فإنه على ذلك التقدير يكون ماله فيصح كونها نافلة لعين ما ذكر.

وكذا الكلام في الترديد في غيرها ، مثل نيّة صوم الشك وقضاء (صوم خ) يوم وجوبا على تقدير كونه في الذّمة ، والا نافلة ، وبعض ، الاحتياط (١) ، فتأمل.

اما لو قال : (أو نافلة) من غير تقدير شرط لها ، فالظاهر البطلان ، لان كون الترديد بين فريضة أو نافلة على تقدير كون المال موجودا ، موجب لعدم الجزم بأنه زكاة واجبة ، مع وجوب الجزم في النيّة مع الإمكان.

وكذا لو قيل : هذه إمّا فريضة أو نافلة ، الّا أن يريد كلّ واحد على التقدير الذي مرّ وهذا واضح على تقدير وجوب الوجه ، وامّا على تقدير عدم الوجوب فيحتمل البطلان أيضا لأنه وان لم يجب الوجه ، ولكن الظاهر أنه يجب عدم قصد ما لم يكن عليه وعدم ما يضرّ بالجزم على ما عليه ، وهنا يلزم عدم الجزم بما عليه للترديد ، وكذا الحكم في أمثالهما ، فتأمّل.

قوله : «ولو اخرج عن أحد ماليه إلخ» لو كان عنده أربعون شاة

__________________

(١) هكذا في النسخ التي عندنا في المخطوطة والمطبوعة ، لكن الصواب ان تكون العبارة هكذا : وقال بعض بالاحتياط ، والله العالم.

٢٢٤

ولو اخرج عن الغائب ان كان سالما فبان تالفا جاز النقل.

ولو نوى عمّا يصل لم يجز ، وان وصل.

ولو نوى الدافع لا المالك صح طوعا كان الأخذ أو كرها.

______________________________________________________

وخمسين إبل مثلا وأخرجت شاة تصلح زكاة لهما ولم يعين كونهما من الإبل أو الغنم صحّ ذلك ، وينبغي كونه إجماعيا لعدم شرطيّة التعيين إجماعا على ما قاله في المنتهى كما مر.

قوله : «ولو اخرج عن الغائب إلخ» أي لو دفع الزكاة إلى المستحق ، وقصد في النيّة : ان كان سالما ، فبان تالفا ـ اى عدم بقائه على صفة يجب زكاته حين الدفع ـ يجوز للمالك نقل ما أعطاه زكاة إلى غيره من أربابها ، أو نقلها إلى زكاة مال آخر عند ذلك المستحق أو نقله الى ملكه.

وذلك كله ظاهر على تقدير بقاء العين مطلقا ، وعلى تقدير عدمها أيضا على تقدير علم المستحق بالحال ، واما مع الجهل والتلف فالظاهر انه لا يمكن الأخذ عنه ظاهرا شرعا.

وهل يجوز الأخذ منه خفية أو قهرا على تقدير القدرة ، والظاهر العدم ، لانه سلّطه عليه على وجه لا يكون عليه الضمان فتضمينه ظلم ، نعم يمكن جواز احتسابه عليه بينه وبين الله بزكاة مال آخر أو خمس أو كفارة أو واجب آخر ، وفيه أيضا تأمل.

قوله : «ولو نوى عمّا يصل إلخ» يعني لا يجزى إخراج الزكاة عن مال لم يكن واصلا به سواء كان مملوكا غير متمكن من التصرف أو لم يكن مملوكا أصلا حتى يصير مملوكا ومتمكنا منه كما هو شرط في الزكاة ، سواء وصل وحصل الشرائط أم لا ، وسواء قيّد بقوله : ـ ان وصل فهذا زكاته ـ أم لا ، لأن الزكاة قبل الوجوب لم تصح كسائر العبادات الموقتة ، ويدل عليه أخبار معتبرة ، وقد مر ذكرها في بيان الحول (١).

قوله : «ولو نوى الدافع لا المالك» يعنى لو نوى دافع الزكاة إلى المستحق

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٥١ وبعض احاديث باب ٤٩ من أبواب المستحقين للزكاة.

٢٢٥

ولو مات من أعتق من الزكاة ولا وارث له فميراثه للإمام على رأى.

واجرة الكيل والوزن على المالك.

ويكره تملكه لما يتصدق به اختيارا ولا كراهية في الميراث وشبهه

______________________________________________________

فقط وما نوى مالك المال الذي يجب زكاته وكان الدافع مأذونا شرعا بدفعها كوكيله أو الإمام أو وكيله تجزى تلك الزكاة وتبرأ ذمة المالك ، سواء كان المالك مكرها في إخراجها ـ أي أخذها الإمام عنه قهرا ـ أو مطاعا ـ اى أعطاها باختياره إليهم ـ وقد مر تحقيق البحث وتفصيله.

قوله : «ولو مات من أعتق من الزكاة» قد مر ان المشهور ان الميراث لمستحق الزكاة ، بل يظهر انه مجمع عليه.

قال في المنتهى : ذهب إليه علمائنا ، ويدل عليه أيضا حسنة عبيد بن زرارة المتقدمة التي هي دليل جواز العتق من الزكاة مع التعليل بأنه اشترى بما لهم (١) ـ فتذكر ـ فقوله : هنا محل التأمل الا ان يحمل على عدم مستحق الزكاة أيضا فتأمّل.

قوله : «واجرة الكيل إلخ» الظاهر أنّ دليله أنّ إخراج الزكاة واجب عليه مطلقا من غير اشتراط كيل ووزن وما يتوقف عليه الواجب المطلق الذي هو واجب كذلك بالنسبة إليه واجب ، وتحقيقه في الأصول.

ويمكن الاجزاء لو اعطى ما اشتمل على الزكاة يقينا وقصد زكويّة المقدار المعيّن فيه كما في كيل بيع معيّن من صبرة مشتملة عليه ثم تسامح الفقير في إقباض الكلّ ويقبض الكلّ بقبض الزكاة ثم يقسّم أو يصالح وغير ذلك فتأمّل.

قوله : «ويكره إلخ» يعني يكره لمالك الزكاة ان يتملك ما أخرجه إلى المستحق زكاة ، اختيارا ببيع وصلح واجرة عمل وقبول هبة وغير ذلك.

ولا يكره تملّكه والتصرف فيه لو دخل في ملكه بغير اختيار بان اعطى زكاته إلى أخيه مثلا ثم توفي وانتقل اليه بالميراث ونحوه.

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ٤٣ حديث ٢ من أبواب المستحقين للزكاة

٢٢٦

وينبغي وسم النعم في المنكشف الصلب

______________________________________________________

وكذا لو اشتراه وكيله أو هو من غير علمه على الظاهر.

ودليل الكراهة كأنه الإجماع ، قال في المنتهى : ذهب إليه علمائنا اجمع وأكثر أهل العلم ، وعن احمد ومالك عدم الجواز.

ودليل الجواز مع الإجماع عموم الآيات والاخبار الدالة على جواز بيع الشي‌ء بالتراضي مثلا ، والغرض تحققه.

وخصوص ما في حسنة محمد بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال : فإذا أخرجها ـ يعنى الشاة ـ فليقسمها فيمن يريد ، فإذا قامت على ثمن ، فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها ، وان لم يردها فليبعها (١).

ودليل المرجوحيّة الإجماع ، ورواية (٢) عن العامة ، محمولة على الكراهيّة لعدم الصحّة ، والإجماع والظاهر ان الكراهيّة في الصدقة فقط ، قال في المنتهى : ولو اشترى ما وهبه لم يكن مكروها ، وانه لو عاد بميراث لا كراهة بلا خلاف الا من الحسن ، وانه لو احتاج الى شرائها ـ بأن يكون الفرض جزء من حيوان لا يتمكن الفقير من الانتفاع به ، ولا يشترى غير المالك أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره جاز شرائها وزالت الكراهيّة إجماعا.

قوله : «وينبغي وسم النعم في المنكشف الصلب» يعنى يستحبّ ان يكون وسم ما أخذ من الحيوان للزكاة والجزية في موضع ظاهر صلب لئلّا يضر بالحيوان ، ففي الإبل والبقر على أفخاذهما ، وفي الغنم في أصول آذانها.

وينبغي ان يكون ميسمها أصغر من ميسمهما لأنها أضعف ، وان يكتب على الميسم ما أخذت له ، ففي إبل الصدقة ـ صدقة ـ أو ـ زكاة ـ وفي الجزية ـ جزية ـ

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ قطعة من ذيل حديث ٣ من أبواب زكاة الأنعام.

(٢) عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يبتاعه فسأل رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عن ذلك فقال : لا تبتعه ولا تعد في صدقتك سنن ابى داود ج ٢ ص ١٠٨ باب الرجل يبتاع صدقته.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أو ـ صغار (١) ـ وينبغي ان يكتب فيه اسم الله تعالى تبركا ، قال : كلّ ذلك في المنتهى (٢) ، واحتج على الاستحباب برواية دالّة على وسمه صلى الله عليه وآله في آذان الغنم (٣) ، وفي اخرى انه صلى الله عليه وآله كان يسم إبل في إفخاذها ، وبإجماع الصحابة على ذلك ، وبفائدة تميّزها عن غيرها فتعرف لو شردت ، فتردّ الى موضعها ، وبامتناع المالك من شرائها.

«فرعان»

(الأول) قال في المنتهى : يكره لمستحق الزكاة مع الحاجة منعها وعدم قبولها للضرورة ، ولما مر من رواية عبد الله بن هلال بن خاقان (٤).

وظاهرها التحريم الّا انها حملت على الكراهيّة لعدم الصحّة (٥) ، وكأنه للإجماع على عدم الوجوب وعدم القائل به.

ويدل على الكراهيّة أيضا الأخبار المتقدمة فيمن يستحي من أخذ الزكاة فافهمه (٦).

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة التوبة ـ ٢٩ (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (الى قوله تعالى) (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ).

(٢) راجع المنتهى ص ٥١٥.

(٣) قال ص ٥١٥ : لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله انه كان يسم الإبل في إفخاذها ، وعن أنس انه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يسم الغنم في آذانها.

(٤) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : تارك الزكاة وقد وجبت له مثل مانعها وقد وجبت عليه الوسائل باب ٥٧ حديث ٢ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٥) وسند الحديث كما في الكافي هكذا : محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد بن عيسى عن الهيثم بن ابى مسروق ، عن على بن الحسن بن على ، عن مروان بن مسلم ، عن عبد الله بن هلال بن خاقان قال : سمعت إلخ.

(٦) لاحظ الوسائل باب ٥٧ وباب ٥٨ من أبواب المستحقين للزكاة.

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

(الثاني) لو أعطى أحد الزكاة أو غيرها من الأموال ليفرقها على الفقراء أو غيرهم من الأصناف ـ وكان هو متصفا بالصفة التي اتصفت من أمر بإعطائهم ولم يعيّن جماعة بأعيانهم ـ جاز له ان يأخذ مثل ما يعطى غيره ، لانه مال متعلّق بالمستحقين مثلا وهو من جملتهم فرضا ، فكان داخلا تحتهم ، فيكون من جملة من جوز لهم.

ويدل عليه صحيحة سعيد بن يسار ـ الثقة ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها في أصحابه أيأخذ منها شيئا قال : نعم (١).

وفي الطريق (٢) ابان بن عثمان ، ولا يضر ، وكذا اشتراك على بن الحكم ، لظهور كونهما ثقتين وحسنة الحسين بن عثمان ـ الثقة ـ (لإبراهيم) عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل اعطى مالا يفرقه فيمن يحلّ له ، إله أن يأخذ منه شيئا لنفسه وان لم يسمّ له؟ قال : يأخذ منها لنفسه مثل ما يعطى غيره (٣).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطى الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممن تحل له الصدقة ، قال : لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطى غيره ، قال : ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلا باذنه (٤).

ولا يضر وجود (محمد بن عيسى ، عن يونس) في الطريق (٥) لان الظاهر أنهما

__________________

(١) الوسائل باب ٤٠ حديث ١ من أبواب المستحقين للزكاة وباب ٨٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٢) وطريقه كما في الكافي هكذا : محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن ابان بن عثمان ، عن سعيد بن يسار.

(٣) الوسائل باب ٤٠ حديث ٢ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٤) الوسائل باب ٤٠ حديث ٣ من أبواب المستحقين وباب ٨٤ حديث ٣ من أبواب ما يكتسب به.

(٥) طريقه كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الرحمن بن الحجاج.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثقتان ، مع انه ليس ممّا ينفرد بنقله حتى يضر عدم قبول ابى جعفر بن بابويه (١) ، ذلك.

(وما يتخيّل) من عدم الجواز لان الظاهر من امره بصرفه الصرف الى غيره لا الى نفسه ، ولصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سئلته ، عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسّمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال : لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه (٢).

(بعيد) لان الظهور ممنوع ، لأنّ الإعطاء لنفسه هو أيضا صرف في المحاويج ، فالآتي به آت بالمأمور به ، وعلى تقدير التسليم يخرج عنه للأخبار المقبولة ، والرواية مضمرة ، مع ان ابن الحجاج نقل خلافها كما مر.

ويحتمل حملها على تعيين المواضع ولو كان باعتبار القرائن التي فهم منها ابن الحجّاج (أو) على العلم بعدم ارادته ولو كان بمثل تعيين حصّة له (أو) على أخذ الزيادة عمّا يعطى لغيره لوجوب حمل المطلق على المقيد (أو) على الكراهيّة كما حملها عليها الشيخ في الكتابين.

ثم اعلم ان الظاهر عدم جواز أخذ الزيادة ، مع انه لا يجب التسوية الّا ان تكون مفهومة من أمر المالك ، على ان الاخبار ليست بصريحة في عدم جواز أخذ الزيادة لإطلاق الاولى والتقييد ب (مثل ما يعطي) في الثانية و (كما يعطي غيره) في الثالثة لا يفيد ذلك صريحا لجواز كون المماثلة والتشبيه في نفس الإعطاء ، لا في المقدار ، وهو في الثالثة أظهر.

ويفهم كون عدم الجواز مذهب الأصحاب كلّهم ، قال في المنتهى : وهل

__________________

(١) قال في الفهرست (يعنى الشيخ ره) : محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ضعيف استثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة وقال : لا اروى ما يختصّ بروايته ـ تنقيح المقال للعلامة الرجالي المامقاني ـ ج ٣ ص ١٦٧.

(٢) الوسائل باب ٨٤ حديث ٣ من أبواب ما يكتسب به.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

له أن يأخذ أكثر ممّا يعطي غيره أو يأخذه بأسره ويمنع؟ غيره منع الأصحاب منه لدلالة الحديث عليه (أشار الى الثانية) (١).

وأن الظاهر (٢) جواز أخذه مثل الأكثر نصيبا على تقدير التفاضل ، والاحتياط معلوم هذا كله على تقدير عدم فهم اختصاص الغير وفهم دخول المأمور فيهم وان هذا البحث عام لا خصوصية له بالزكاة ونحوها ، فيمكن اجراء هذا الحكم في تفريق جميع ما أمر بالتفريق ولو كان وصيا في التفريق ، وهو ظاهر ومفهوم من بعض ما تقدم (٣).

بل يمكن ذلك في جميع الاحكام من أمثاله ، مثل أن يأمر بإجارة شخص لعمل (أو) يوصى الى شخص بإخراج حجّ وعبادات وكان الوصي ممن يجوز له ذلك ولا يفهم أن مقصوده كون الفاعل غيره.

وكذا إذا وكله في بيع شي‌ء أو شرائه فيبيع لنفسه عليه ويشترى له من نفسه وكذا إذا وكلّت في تزويجها من أناس بحيث يشمل الوكيل (٤) ، وأمثال ذلك كثيرة جدا.

وقد منع بعض الأصحاب في الشراء والبيع الّا ان يأذن له بالصريح ، وكذا في التزويج وفيه تأمّل ، لعدم الفرق وظهور جريان الدليل ، فيمكن حمل ما يدل على المنع على الوجوه المتقدمة (٥) ، والاحتياط واضح.

__________________

(١) هذا كلام الشارح قده يعنى أشار العلامة ره في المنتهى بقوله : لدلالة الحديث إلى الرواية الثانية المتقدمة في كلام الشارح آنفا وهي حسنة الحسين بن عثمان.

(٢) عطف على قوله قده : الظاهر عدم جواز إلخ وكذا قوله : وان هذا البحث إلخ.

(٣) والظاهر ان مراده قده من بعض ما تقدم حسنة الحسين بن عثمان المتقدمة آنفا ، وكذا قوله قده : وانه إذا كان الأمر الذي إلخ.

(٤) لكن راجع الوسائل باب ٥ حديث ١ من كتاب الوكالة فإنه يدل على خلاف ما استظهره قده في مسئلة التزويج.

(٥) وهي الأربعة المتقدمة من الحمل على تعيين المواضع أو على العلم بعدم إرادته أو على أخذ الزيادة أو على الكراهة.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنه (إذا كان) الأمر الذي أمر به ممّا يحتاج إلى البيّنة والقبض فقط مثل الزكاة فينوي عن المالك ويقبضها لنفسه ، الظاهر لا اشكال فيه.

(وان كان) يحتاج الى عقد وطرفين ، فان جوز كونهما (١) من شخص واحد ، فالأمر واضح ، والّا وكل لنفسه شخصا ليكون طرفا آخر ويكون هو الطرف الآمر.

ولو كان التوكيل عنه أيضا جائزا يجوز أن يوكّل له ويكون هو طرفا لنفسه ، بل لو عمل في الصورة الأولى أيضا مثل ما هنا يكون أحوط ولا يخرج عنه بوجه.

__________________

(١) يعنى طرفي العقد ، الإيجاب والقبول

٢٣٢

«النظر الثاني في زكاة الفطرة»

«النظر الثاني في زكاة الفطرة» يجب عند هلال شوّال إخراج (١) صاع من القوت الغالب كالحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والأرز ، واللبن ، والأقط إلى مستحق زكاة المال

______________________________________________________

قوله : «يجب عند هلال شوّال إلخ» فيه مباحث (الأول) في وجوب زكاة الفطرة.

ودليله ، الإجماع المدّعى في المنتهى ، والآية ، مثل قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى) (٢).

قال فيه : قال علماء أهل البيت عليهم السلام : المراد زكاة الفطرة ، فيدل بالمفهوم على عدم فلاح من لم يؤدّ زكاة الفطرة ، فتكون واجبة ، ويدل عليه الاخبار أيضا كما ستسمع.

__________________

(١) يأتي شرح هذا الكلام (الى قوله) زكاة المال عند قول الشارح قده : الرابع في تعيين إلخ.

(٢) الأعلى ـ ١٤.

٢٣٣

على كل مكلف حر متمكن من قوت السنة له ولعياله عنه

______________________________________________________

الثاني فيمن تجب عليه

ويشترط فيه أمور (الأوّل) البلوغ ، فلا يجب على الطفل لا في ذمته ، ولا في ماله (الثاني) العقل فلا تجب على المجنون كذلك ، ودليلهما ، الإجماع المدّعى في المنتهى ، والعقل والنقل الدالين على رفع القلم (١).

وقد استدلّ بما مرّ من الاخبار الدالّة على عدم وجوب الزكاة في مالهما ، وفيه تأمّل.

نعم ، رواية محمد بن القاسم بن الفضيل البصري انه كتب الى ابى الحسن الرضا عليه السلام قال : كتبت إليه : الوصي يزكى عن اليتامى زكاة الفطرة إذا كان لهم مال فكتب : لا زكاة على يتيم (٢) ـ تدل على عدمها على يتيم أصلا.

(الثالث) الحرية فلا يجب على المملوك ، ودليله أيضا الإجماع المدّعى فيه.

وقد استدلّ أيضا بفقره ، لعدم تملكه ملكا تامّا مع اشتراط الغنى والملك التام.

نعم يجب الإخراج عنهم على من يعولهم ، وعلى السيد على تقدير عدم عيلولته (٣) أيضا بشرط عدم عيلولته عند الغير أيضا وحملت الروايات ـ الدّالّة على وجوبها على العبد والصغير (٤) ـ على وجوبها عنهم على من يعولهم ، وعلى المولى.

وفي مكاتبة القاسم المتقدمة ـ وعن المملوك يموت مولاه وهو عنه غائب في بلد آخر وفي يده مال لمولاه ويحضر الفطر يزكّى عن نفسه من مال مولاه وقد صار

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١٢ من أبواب مقدمات العبادات.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب زكاة الفطرة.

(٣) في بعض النسخ المخطوطة التي عندنا : وعلى السيد على تقدير عيلولته بحذف لفظة (عدم).

(٤) لاحظ الوسائل باب ٥ من أبواب زكاة الفطرة.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لليتامى؟ فقال : نعم (١).

وفيها دلالة على جواز إخراج من يجب عنه إذا لم يكن من يجب عليه حاضرا ، ووجوبها في مال اليتيم عمن يعول فتأمّل للتأويل.

(الرابع) الغنى وهو القدرة على مؤنة السنة لنفسه ولعياله الواجبة نفقتهم ، قال في المنتهى : وهو إجماع علمائنا إلا ابن الجنيد ، فإنه قال : يجب على من فضل مؤنته ومؤنة عياله ليوم وليلة صاع (انتهى).

والظاهر انه يجب عليه حينئذ إخراج ما عنده من الزائد ، فلو كان الزائد صاعا فقط فلا يجب عليه الّا ذلك عن نفسه ـ لا أزيد ـ بعدد من يعوله فيستدين ويخرج عنهم.

ثم نقل (٢) عن الشيخ في الخلاف أن الّذي يوجب الفطرة ـ هو تملك نصاب زكاتي أو قيمته ، وقال في المبسوط أن يملك ما يجب فيه زكاة المال ، وقال ابن إدريس : من ملك نصابا تجب فيه الزكاة لا قيمته وادعى عليه الإجماع (انتهى).

دليله (٣) الشهرة القريبة من الإجماع ، والأصل عدم الوجوب ، خرج ذلك بالإجماع ، لعدم الخلاف في الوجوب عليه وبقي الباقي تحته ، وعدم دليل واضح على غير ذلك.

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟ قال : لا (٤).

لعل المراد ، من الفقراء (٥) كما هو المتبادر ، ومعلوم ان الذي يجد صاعا

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٣ من أبواب زكاة الفطرة.

(٢) يعني نقل في المنتهى عن الشيخ.

(٣) يعنى دليل اشتراط الغنى بالمعنى المشهور.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب زكاة الفطرة.

(٥) يعنى ان المراد من قوله : عن رجل يأخذ إلخ رجل من الفقراء يأخذ إلخ.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فاضلا عن قوت يوم وليله يأخذ الزكاة ، وكذا من يملك نصابا أو قيمته على تقدير عدم كفاية ذلك لسنته على ما مرّ.

فدلت الصحيحة على نفى المذاهب وثبوت المذهب المشهور المطلوب.

ولو فرض كفاية ذلك لقوت السنة يخرج عن الفقر ويدخل تحت الغنى فيقال بالوجوب عليه وأيضا ما في صحيحة عبد الله بن ميمون (الثقة) (في حديث) : وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج (١).

وفي دلالتها تأمّل.

ورواية إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال : ليس عليه فطرة (٢) ، ومثلها في الصحيح ، عن إسحاق بن المبارك (٣) (المجهول) ومثلها رواية يزيد بن فرقد (٤).

قال في المنتهى إنّها صحيحة إسحاق بن عمار لعله يريد إلى إسحاق (٥) ، وهو كثير فيه ، مع ان إسحاق بن عمار لا بأس به على ما أظن.

ولكن دلالتها لا تخلو عن إجمال ، إذ قد ينازع في تسمية من كان عنده نصاب وما يكفي لسنته ـ انه محتاج لكن الظاهر انه مرادف للفقير كما ادّعاه المصنف في بحث الفقير.

ورواية يزيد بن فرقد (المجهول) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سمعه يقول : من أخذ الزّكاة فليس عليه الفطرة ، قال : وقال ابن عمار : إنّ أبا عبد الله

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب زكاة الفطرة.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٦ من أبواب زكاة الفطرة.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب زكاة الفطرة.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ٤ من أبواب زكاة الفطرة.

(٥) لكن في المنتهى أيضا عبّر بهذا التعبير فإنه قال ص ٥٣٢ : وفي الصحيح ، عن إسحاق بن عمار إلخ ولم يقل : صحيحة إسحاق بالإضافة ـ كي يرد عليه الاشكال ويحتاج الى الجواب.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السلام قال : لا فطرة على من أخذ الزّكاة (١) وفي الطريق إسماعيل بن سهل (٢) المجهول أيضا ، قال في الفهرست : له كتاب.

ورواية أخرى ليزيد بن فرقد قال : سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يقبل الزكاة هل عليه صدقة الفطرة؟ قال : لا (٣) ورواية الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : لمن تحلّ الفطرة؟ قال : لمن لا يجد ، ومن حلّت له لم تحلّ عليه ، ومن حلت عليه لم تحل له (٤).

وفي السند إسماعيل (٥) المتقدم ، وفي الدلالة إجمال ، ومع ذلك استدل بها في المنتهى وقال : انّها صحيحة ثم قال : والأخبار في ذلك كثيرة ، ولأنّ الزّكاة معونة للمحتاجين وإرفاق للفقراء ، فأخذها من الفقير مضادّ للحكمة ومناف للغرض (انتهى).

ولقد أشار الى ما ذكرناه من الأخبار التي ما ذكرها.

والمنع على قوله : (ولأن الزكاة إلخ) قد يرد بل البعض (٦) ، فإن الزكاة قد تجب على الفقير بالمعنى المذكور.

ولعل الغرض التأييد في الجملة ، والاعتماد على الأصل ، وصحيحة الحلبي (٧) ، والشهرة ، وعدم دليل على غيره من المذاهب بخصوصه كما سيجي‌ء.

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ٨ من أبواب زكاة الفطرة.

(٢) وسنده كما في التهذيب هكذا : على بن مهزيار ، عن إسماعيل بن سهل ، عن حماد ، عن حريز عن يزيد بن فرقد.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٥ من أبواب الفطرة.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ١٠ من أبواب الفطرة.

(٥) تقدم ذكر السند آنفا.

(٦) هكذا في النسخ كلها ، ولعل المراد (والله العالم) ان تعليل المنتهى صحيح في بعض الموارد لا مطلقا فإن الزكاة قد تجب على الفقير إلخ ـ ويحتمل ان يكون لفظة (النقض) بدل (البعض).

(٧) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الفطرة.

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وامّا ما يدلّ على غيره (١) فهو عموم الكتاب (٢) والسنة الدالة على وجوبها على كل أحد.

مثل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك ، الصغير ، والكبير ، والحرّ ، والمملوك ، والغنى ، والفقير ، عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين ، وقال : التمر أحبّ ذلك الىّ (٣).

وما يدل على وجوبها على من يأخذ زكاة المال ، مثل رواية الفضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أعلى من قبل زكاة المال زكاة؟ قال : اما من قبل زكاة المال فان عليه زكاة الفطرة ، وليس عليه لما قبله زكاة ، وليس على من يقبل الفطرة فطرة (٤). وفي السند إسماعيل المتقدم (٥).

وقريب منها رواية زرارة (٦) مع الإضمار ، ووجود على بن الحسن بن فضال (٧) ، وعدم صحة الطريق اليه (٨) وحسنة زرارة ـ لإبراهيم ـ (٩) ، قال : قال

__________________

(١) يعنى غير المذهب المشهور من سائر المذاهب.

(٢) الظاهر ان المراد من الكتاب قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى) المفسر في الروايات بزكاة الفطرة.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ١ وباب ٥ حديث ١٠ وباب ٦ حديث ١١ وباب ١٠ حديث ١ من أبواب زكاة الفطرة.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ١٠ من أبواب الفطرة.

(٥) وقد تقدم نقل السند عند قول الشارح آنفا : ورواية يزيد بن فرقد (المجهول) عن أبي عبد الله عليه السلام.

(٦) الوسائل باب ٢ نحو حديث ١٠ من أبواب الفطرة.

(٧) طريقه كما في التهذيب هكذا : على بن الحسن بن فضال ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن حماد ، عن حريز عن زرارة.

(٨) طريق الشيخ الى على بن الحسن بن فضال كما في مشيخة التهذيب الى على بن الحسن هكذا :

وما ذكرته في هذا الكتاب ، عن على بن الحسن بن فضال فقد أخبرني بن أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا منه وإجازة ، عن على بن محمد بن الزبير ، عن على بن الحسن بن فضال.

(٩) سند هذه الرواية ـ كما في الكافي والتهذيب هكذا : على بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ـ ولا يخفي عدم وجود إبراهيم ـ في سند هذا الحديث.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قلت : الفقير الذي يتصدق عليه هل عليه صدقة الفطرة؟ فقال : نعم يعطى ممّا يتصدق به عليه (١).

وهذه مقطوعة.

ورواية إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل لا يكون عنده شي‌ء من الفطرة إلّا ما يؤدى عن نفسه وحدها أيعطيه غريبا (عنها خ) أو يأكل هو وعياله؟ قال : يعطى بعض عياله ثم يعطى الآخر عن نفسه يترددونها (يرددونها خ) فتكون عنهم جميعا فطرة واحدة (٢).

فيه عبد الله بن محمد المشترك ، عن على بن الحكم كذلك (٣) ، مع القول في إسحاق.

ويمكن الجواب ، عن عموم الكتاب ان كان (٤) ـ لأنّ الآية المنقولة ليست بصريحة ولا ظاهرة فيها ـ بأنها تخصّص بالأخبار المتقدمة.

وكذا عن عموم السنّة.

وعن مثل خبر الحلبي : أنّ الظاهر منه أنّ المراد الوجوب عليه ، عن جميع من يعوله من غنى أو فقير وهو ظاهر ومصرّح في الاخبار الأخر كما مرّ وسيجي‌ء أيضا ، والا يلزم الوجوب على الصغير والمملوك والفقير الّذي ليس عنده شي‌ء أصلا ، والظاهر أنه لم يذهب إليه أحد وليس بمذهب للمستدلين من الأصحاب الّذين ذكروا ، مع اشتماله على نصف صاع من حنطة وهو خلاف المشهور.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب الفطرة.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب زكاة الفطرة.

(٣) وسنده كما في باب الفطرة من الكافي ـ هكذا : محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن الحكم عن داود بن النعمان وسيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمار.

(٤) كناية عن عدم كون القرآن دالا على حكم الفطرة كما نبهنا عليه سابقا.

٢٣٩

وعن كل من يعوله وجوبا أو تبرعا ، مسلما كان المعال أو كافرا ، حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا عند الهلال.

______________________________________________________

وعن مثل خبر الفضيل ، مع ما مرّ (١) ، انه غير صحيح في المطلوب ، لاحتمال أنّ المراد وجوبها على من قبل زكاة المال مقدار القوت الّذي هو الشرط قبل الهلال ، فيجب عليه الفطرة لوجود الشرط دون زكاة المال ، مع أنها مشتملة على ما ينافيه ، وهو قوله عليه السلام : وليس على من يقبل الفطرة فتأمّل.

وكذا عمّا في حسنة زرارة المتقدمة : (يعطي ممّا يتصدق به عليه).

وعن خبر إسحاق أيضا مع ما مرّ ، الحمل على الاستحباب كما فعله الشيخ للجمع بين الاخبار ، مع عدم صراحته في مذهب من المذاهب المتقدمة لعدم ظهور كون الصاع فاضلا عن قوت يوم وليلة كما شرطه ابن الجنيد ، وعدم انطباقه على مذهب مثل ابن إدريس واضح وكذا غيرها من الاخبار المتقدمة فإنّها غير ظاهرة الانطباق وحملها أيضا الشيخ على الاستحباب والعجب ان الشيخ ما جعل رواية الفضيل بن يسار ومقطوعة زرارة خلاف الأوّل وأوّلهما ، بل نقلهما في سياق الاخبار الأول.

واما الإجماع الّذي ادّعى ابن إدريس على مذهبه ، فقال : المصنف في المنتهى : ما نحقّقه ، ويؤيّده انه لو كان ، ما كان يخفى على غيره من الجماعة الكثيرين مع الطلب والاجتهاد.

الثالث فيمن يجب الإخراج عنه

الظاهر وجوبها عن جميع من يعوله ـ اى يمونه ، قال في المنتهى : ذهب إليه علمائنا اجمع ، وهو قول أكثر أهل العلم ، ويدل عليه بعض الاخبار المتقدمة وسيجي‌ء أيضا.

ومثل صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، (قال) :

__________________

(١) من وجود إسماعيل المتقدم.

٢٤٠