مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٧

(الثاني) كل ما ينبت من الأرض ممّا يدخل (فيه خ ل) المكيال ، والميزان غير الأربعة ، يستحب فيه الزكاة إذا حصلت الشرائط (المذكورة خ) في الأربعة

______________________________________________________

قوله : «الثاني كل ما ينبت إلخ» يعني الثاني ممّا يستحب فيه الزكاة هو كل ما نبت من الأرض وكان مكيلا أو موزونا غير الغلات الأربع التي تجب فيها الزكاة مع الشرائط المعتبرة في الواجبة ـ لوجوبها ـ بعينها الّا انها معتبرة هناك للوجوب ، وهنا للاستحباب ، والمخرج ، المخرج مع التفصيل.

وكان ينبغي استثناء الخضراوات مثل البطيخ ، والقثّاء وغيرهما ، فكأنه احاله على الظاهر.

قال المصنف في المنتهى : لا يستحبّ الزكاة في الخضر كالبقول ، والبطيخ والفواكه ، وأشباهه الا ان يباع ويحول على ثمنه الحول إذا كان الثمن من أموال الزكاة بلا خلاف (انتهى).

ويدل عليه الخبر كما سيأتي.

واما دليل الاستحباب فيما يستحب ، فهو الاخبار ، مثل حسنة محمد بن مسلم ـ لإبراهيم ـ قال سألته عليه السلام عن الحرث (١) (٢) (الحبّ خ ل يب) ما يزكّى منه فقال : البرّ ، والشعير ، والذرة ، والدخن ، والأرز ، والسلت (٣) ، والعدس ، والسمسم كل هذا (ذلك خ ل يب) يزكّى وأشباهه.

وصحيحة زرارة ، عن ابى عبد الله عليه السلام مثله ، وقال : كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة ، وقال : جعل رسول الله صلى الله عليه وآله الصدقة في كل شي‌ء أنبتت الأرض الّا ما كان في الخضر والبقول ، وكل شي‌ء يفسد من يومه (٤).

__________________

(١) في الوسائل (عن الحبوب) بدل (عن الحرث) نعم في صحيحة أبي مريم كما هنا.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ٤ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٣) السلت بالضم ، الشعير أو ضرب منه أو الحامض منه (القاموس).

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

قال في الكافي (بعد صحيحة على بن مهزيار) : وروى أيضا عن ابى عبد الله عليه السلام انه قال : كلما دخل القفيز ، فهو يجرى مجرى الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، قال : فأخبرني ـ جعلت ـ فداك هل على هذا الأرز وما أشبهه من الحبوب ـ الحمص والعدس ـ زكاة؟ فوقّع عليه السلام : (صدقوا ، الزكاة) (١) في كل شي‌ء كيل (٢).

ويحتمل كونها ، عن على بن مهزيار كما هو الظاهر ، فتكون صحيحة أيضا وصحيحة محمد بن إسماعيل قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : ان لنا رطبة وأرزا ، فما الذي علينا فيها؟ فقال : عليه السلام : اما الرطبة فليس عليك فيها شي‌ء ، واما الأرز فما سقت السماء ، العشر ، وما سقى بالدلو ، فنصف العشر من كل ما (كلت) بالصاع (أو قال) : وكيل ، بالمكيال (٣).

وغير ذلك من الأخبار ، وحملت في غير الأربع في غير الخضراوات على الاستحباب جمعا بين الاخبار كما مر.

ويحتمل التعميم في غير الأربع كما في عبارة المتن ، ولكن نقل الإجماع المتقدم ينفيه.

وكذا الأصل والاخبار المعتبرة في عدم الزكاة في الخضراوات والفواكه ، ونقل في التهذيب الإجماع على ذلك عن الشيخ المفيد.

وأيضا روى في الصحيح ، عن عبد العزيز بن المهتدي (الثقة) قال : سئلت أبا الحسن عليه السلام ، عن القطن ، والزعفران ، أعليهما زكاة؟ قال : لا (٤).

__________________

(١) كذلك هو ـ يب.

(٢) الوسائل باب ٩ ذيل حديث ١ (صحيحة على بن مهزيار) والظاهر ان هذه القطعة من تتمة السؤال في المكاتبة التي صدرها : وكتب عبد الله : وروى إلخ فلاحظ الكافي ـ باب ما يزكى من الحبوب من كتاب الزكاة.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٢ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٤) الوسائل باب ١١ حديث ٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيده عدم كونهما مكيلا وحبوبا مع وجودهما في الروايات ، وان يشملهما بعض الروايات الأخر مثل صحيحة زرارة المتقدمة ولكن يخصّص بها لاعتبار سندها ، ولقول المصنف في المنتهى : ولا شي‌ء في الأزهار كالعصفر ، والزعفران ، ولا فيما ليس يجب كالقطن والكتّان وعليه علمائنا اجمع خلافا لبعض الجمهور.

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام : سئل عن الأشنان فيه زكاة؟ فقال : لا (١).

والظاهر ان السلت والعلس (٢) ، ممّا يستحبّ لشمول الأخبار لهما وخروجهما باخبار الحصر في التسعة ، لا لعدم تحقق كونهما حنطة وشعيرا كما قيل ، قال المصنف في المنتهى (بعد النقل عن الشيخ إلحاقهما بالحنطة والشعير ووجوب الضم) : وعندي في هذين اشكال وان قال بعده (في باب زكاة الغلة) بإلحاق العلس والسلت بهما في الوجوب.

ويؤيد عدم الإلحاق عدم ظهور الإطلاق لأن مع عطف السلت على البرّ والشعير في الروايات ، مثل ما تقدم من حسنة محمد بن مسلم (٣) وفي خبر آخر ، والسلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة (٤).

وادعى بعض الأصحاب أنهما نوع منهما كما نقله أهل اللغة ، والأصل عدم النقل.

وبالجملة الاحتياط يقتضي ذلك ، ويؤيده الأخبار الدالة على وجوب الإخراج عن الحبوب كلها (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٢) العلس محركة ضرب من البر ، يكون الحبّتان في قشر وهو طعام الصنعاء (القاموس).

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٤ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ١٠ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ولفظ الحديث هكذا : قلت لأبي عبد الله عليه السلام في الذرة شي‌ء فقال لي : الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير الخبر.

(٥) لاحظ الوسائل باب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب.

١٤٣

(الثالث) الخيل الإناث السائمة مع الحول ، يستحب عن كل فرس عتيق ديناران ، وبرذون دينار

______________________________________________________

وللتصريح بالوجوب فيه في بعض الروايات كالحسنة المتقدمة.

وكذا الإخراج عن كل الحبوب والمكيل عدا الخضراوات لما سمعت من الاخبار.

قوله : «الثالث الخيل الإناث إلخ» الظاهر ان تماميّة الملك ، والحول ، والسوم شرط عند الجميع.

قال المصنف في المنتهى : انها مجمع عليها عند القائل بالزكاة فيها استحبابا أو وجوبا واما الأنوثة فقال : إنها بإجماع أصحابنا.

ويدل عليها ، وعلى السوم حسنة زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : هل في البغال شي‌ء؟ فقال : لا ، فقلت : فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : لأنّ البغال لا تلقّح ، والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء ، قال : قلت : فما في الحمير؟ فقال : ليس فيها شي‌ء ، قال قلت : هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي‌ء؟ فقال : لا ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها (١) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فاما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء (٢).

ويمكن فهم اشتراط السوم في الكل ، لأن العبرة بعموم اللفظ ، واشتراط الحول أيضا.

واما كون المخرج ذلك وعدم النصاب فهو مجمع عليه ذكره في المنتهى ، ومفهوم من حسنة محمد وزرارة عنهما عليهما السلام جميعا قالا : وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية ، في كل فرس في كل عام دينارين ، وجعل

__________________

(١) والمرج الأرض الواسعة ذات نبات كثيرة تمرج فيه الدواب اى تخلى تسرح مختلطة كيف شاءت. ومنه الحديث إنما الصدقة إلخ (مجمع البحرين)

(٢) الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة

١٤٤

(الرابع) الحليّ المحرم.

______________________________________________________

على البراذين دينارا (١) وهي تدل على الحول والسوم أيضا (قيل) : المراد بالعتيق هو العربي ، وهو كريم الأبوين ، والبرذون خلافه.

واما اشتراط عدم العمل ، فالاعتبار يقتضيه ، والأصل ينفيه ، وعموم الأدلّة أيضا كما مر.

وانما حملت على الاستحباب لما تقدم من دليل الحصر في التسعة وخروجها عنها.

قوله : «الرابع الحليّ المحرم (٢) إلخ» قد مر ما يفهم ذلك منه ، وكذا اشتراط ما يشترط في النقدين غير السكة.

والظاهر عدم اشتراط كون الحلّي محرّما ـ للاستحباب ـ وانه فيما فرّ به من الزكاة آكد لقوله عليه السلام : ـ في خبران كان فرّ به فعليه الزكاة ـ (٣).

وفي آخر : ـ الّا ان فرّ به ـ (٤).

وحملتا على الاستحباب لعدم الصحّة ، وللجمع بينهما وبين غيرهما ممّا يدل على العدم مثل ما في حسنة هارون بن خارجة عن ابى عبد الله عليه السلام قال : ليس على الحليّ زكاة. وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه ،

__________________

(١) الوسائل باب ١٦ حديث ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٢) كالخلخال للرجل يستحب فيه الزكاة عند جماعة من الأصحاب ، وعند جماعة منهم الشيخ انه لا زكاة فيه (ذخيرة العباد للمحقق السبزواري رحمه الله) وقال الشيخ ره في الخلاف : مسئلة ١٠١ ـ الحلي على ضربين مباح وغير مباح ، فغير المباح أن يتخذ الرجل لنفسه حلي النساء كالسوار والخلخال والطوق ، وان تتخذ المرأة لنفسها حلّي الرجال كالمنطقة وحلية السيف وغيره ، فهذا عندنا لا زكاة فيه لانه مصاغ لا من حيث كان حليا ، وقد بينا أن السبائك ليس فيها زكاة ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا : فيه زكاة (الى ان قال) دليلنا إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه وأيضا الأصل برأيه الذمة انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٦ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

(٤) الوسائل باب ١١ حديث ٧ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ وفيه : ـ الا ما فرّ به.

١٤٥

والمال الغائب والمدفون إذا مضت عليه أحوال ثم عاد.

(الخامس) العقار المتخذة للنماء تخرج الزكاة من حاصله استحبابا ، ولو بلغ نصابا وحال عليه حول وجبت ،

ولا تستحب في المساكن والثياب ، ولا الآلات وأمتعة القنية

______________________________________________________

فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة (١) وغيرهما كما مر.

وقد مر الاستحباب في المال الغائب بسنة واحدة.

ويدل عليه حسنة رفاعة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ، ثم يأتيه فلا يرد (يزد خ ل يب) رأس المال كم يزكّيه قال : سنة واحدة (٢).

والمال المدفون بعد الاطلاع عليه ، مال غائب أيضا فيشمله دليله ـ فافهم ـ وفيه بخصوصه أيضا حديث سدير الصيرفي ـ في الكافي ـ قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع ، فلما حال عليه الحول ذهب (اليه ـ خ) ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظنّ ان المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ، ثم انه احتفر الموضع الذي من جوانبه كله (كلها خ) فوقع على المال بعينه كيف يزكيه؟ قال : يزكيه لسنة واحدة ، لأنه كان غائبا عنه وان كان احتسبه (٣) ، ويفيد العموم فتأمل.

قوله : «الخامس العقار إلخ» كالدكاكين والحمامات ، والخانات ، والمساكن وأمثالها ممّا أخذت للنماء والأجرة والفائدة.

وما رأيت له دليلا بخصوصه ، كأنه نوع من التجارة ، ولهذا قيل : يلحق بها ، وفي الصدق تأمل ، ولهذا ما اعتبر في نمائها الحول والنصاب عند الأكثر ، وقد صرح به في التذكرة على ما نقل واعتبرهما الشهيد في البيان.

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٤ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٣) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : والظاهر انه يشترط فيه الحول والنصاب عملا بالعموم ، ويحتمل عدم اشتراط الحول اجراء له مجرى الغلّات ، فعلى هذا لو حال الحول على نصاب منه وجبت ، ولا يمنعها إخراج الأوّل ، وحينئذ لو آجره بالنقد لم يتحقق الاستحباب على قولنا ، ولو آجره بالعوض وكان غير زكويّ تحقّق ، وفي التذكرة : لا يشترط النصاب ولا الحول ، بل يخرج ربع العشر مطلقا ولم يذكر عليه دليلا (انتهى).

وفي شمول أدلة الاشتراط له تأمّل ، لانه إما في النقد أو الغلات أو الانعام ، فلا عامّ بحيث يشمل نماء العقار مع الاستحباب ، نعم يشمله لو كان تجارة ، ولكن فيه تأمّل خصوصا مع قوله : اشتراط الحول والنصاب على الوجه المعتبر ، وكأن دليل التذكرة ، الأصل.

ولعل دليل الاستحباب ، الإجماع وعدم ظهور الخلاف ، والعبارات عامّة ، والأصل عدم الشرط والقيد ، والترك في العبارات التي فهمت منها المسئلة مؤيّد للعدم وأصل عدم الاستحباب واللحوق ، والإجماع على ذلك التقدير ، وعدمه على تقدير العدم مؤيّد للشرط.

وأخذ هذه المسئلة من عبارات القوم مع ترك الشرط فيها يرجح العدم.

قال في المنتهى : ويستحب الزكاة في المساكن ، والعقارات ، والدكاكين إذا كانت للغلّة يخرج من غلّتها (غلاتها خ ل) الزكاة ، اما إذا لم يكن دار غلّة ولا عقارا متخذا للأجرة لم يستحب الزكاة إجماعا ، ولا يستحب أيضا في الأقمشة والأثاث والفرش والأواني والرقيق وما أشبهها (الماشية خ ل) عدا ما تقدّم (انتهى).

وظاهر هذه العبارة دالة على الاستحباب في مجرد الغلة والنماء ، فلا يشترط غيرها فتأمّل.

والمخرج في العقار ربع العشر كالنقدين والتجارة صرح في الدروس وغيره ، وهو الظاهر لانه يخرج من نماء العقارات ، والغالب فيها النقدان ، ولأنها ملحقة بالتجارة.

١٤٧

«المقصد الثالث في المستحق»

يستحق الزكاة ثمانية (أصناف خ) الفقراء ، والمساكين

______________________________________________________

قوله : «يستحق الزكاة ثمانية أصناف إلخ» قال المصنف في المنتهى : المستحق للزكاة ثمانية أصناف بالنص والإجماع ، الأول والثاني الفقير والمسكين.

وقال أيضا : لا تميز بينهما مع الانفراد ، بل العرب استعملت كل واحد من اللفظين في معنى الآخر ، واما مع الاجتماع فلا بد من مائز كما في الآية ، وقد اختلف العلماء في أنّ أيّهما أسوء حالا من الآخر ، وذكر أدلة الطرفين.

ثم قال : وقد روى هذا القول عن أهل البيت عليهم السلام ، روى أبو بصير ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال : الفقير ، الذي لا يسئل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم (١) (انتهى).

وفي اشتراط عدم السؤال في الفقير تأمل ، ولعلّه لا قائل به مع عدم صحّة السند (٢) فالحجّية محل التأمل الّا ان تحمل على الأول فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب المستحقين وصدر الخبر هكذا عن ابى بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) قال : الفقير إلخ.

(٢) فإن سنده كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن احمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن عبد

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم قال : لا فائدة في تحقيق الحق من هذين القولين في هذا الباب لان كل واحد منهما له استحقاق وتدفع الزكاة الى كل واحد منهما ، بل الأصل في هذا عدم الغناء الشامل للمعنيين إذا تحقق تحقق استحقاق صاحبه للزكاة بلا خلاف (انتهى).

ولعل قوله ره : (في هذا الباب) إشارة الى ان له فائدة في باب آخر ، ويمكن ذلك بان ينذر أو يوقف أو يوصى ونحو ذلك للمسكين ، فهل يعطى من لم يكن عنده شي‌ء أصلا أو يعطى ولو كان عنده شي‌ء أيضا؟ قد يقال حينئذ : لا فرق ولا تميز كما مر ، ولو ضمّ اليه الفقراء وعيّن لكلّ شيئا غير ما عيّن للآخر ، فتظهر الفائدة في التحقيق.

والقول بمضمون الرواية غير بعيد لاعتبار سندها في الجملة ، مع نقله في المنتهى عن أهل اللغة أيضا.

قال : ولأن أهل اللغة نصّوا على ذلك ، قال يعقوب : رجل فقير ، له بلغة ، ومسكين اى لا شي‌ء له ، وبه قال يونس وأبو زيد ، وأبو عبيدة ، وابن دريد ، وقول هؤلاء حجّة ، قال يونس : قلت لأعرابيّ : أفقير أنت؟ قال لا والله بل مسكين (انتهى).

قال الشهيد الثاني في شرح الشرائع : وانما تظهر الفائدة نادرا فيما لو نذر أو وقف أو اوصى لا سوءهما حالا ، فان الآخر لا يدخل فيه ، بخلاف العكس (انتهى).

وفي الحصر تأمل ، بل في كون ما ذكره فائدة أيضا ، للتصريح بالاسوء ، فيعطى كلّ من كان متصفا بأنه أسوء ، سواء سمّى بالفقير أو بالمسكين ، بل في العكس أيضا تأمل.

واعلم انه نقل الفرق بينهما أيضا في الآية في التهذيب ، عن على بن إبراهيم بن هاشم صاحب كتاب التفسير تفصيل هذه الأصناف الثمانية فقال : فسر العالم عليه السلام فقال : الفقراء هم الذين لا يسئلون ، لقول الله عز وجل في سورة البقرة :

__________________

الله بن يحيى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن ابى بصير.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً) (١) ، والمساكين هم أهل الزمانات (٢) (الديانات خ يب) قد دخل فيهم الرجال ، والنساء والصبيان (٣).

وقال الصدوق : الفقراء ، وهم أهل الزمانة والحاجة والمساكين أهل الحاجة من غير الزمانة فتأمل.

والذي لا بد من تحقيقه هو تحقيق المراد بهما في استحقاق الزكاة ، ولا شك في ان الغنى مانع والفقر موجب.

ونقل المصنف في المنتهى عن الشيخ في الخلاف أن المراد به ملك نصاب يجب فيه الزكاة أو قيمته ، والفقر عدمه (٤).

ولعلّ دليل الخلاف حسنة زرارة وابن مسلم ـ لإبراهيم ـ قال زرارة : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : فان كان بالمصر غير واحد قال : أعطهم إن قدرت جميعا ، قال : ثم قال : لا تحل لمن كان عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها وان أخذها أخذها حراما ، وما ظهر هنا نقل ابن مسلم (٥).

ويمكن ان يقال : كون هذا المقدار مانعا مطلقا وعدمه موجبا كذلك بعيد ، وقد يكون هذا المقدار عنده ولم يكفه للسنة ، بل للشهر أو أقل ، فيلزم جعله محروما

__________________

(١) البقرة ـ الآية ٢٧٣.

(٢) الزمانة آفة في الحيوانات ورجل زمن اى مبتلى بين الزمانة (الصحاح).

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٤) الذي عثرنا عليه في الخلاف هو أن الشيخ ره نقل في الخلاف هذا المعنى للغنى ـ عن أبي حنيفة لا انه قوله : فقال : مسئلة ١١ (من كتاب الصدقات من الخلاف) الاستغناء بالكسب يقوم مقام الاستغناء بالمال في حرمان الصدقة (الى ان قال) : وقال أبو حنيفة : الصدقة لا تحرم على المكتسب ، وانما تحرم على من يملك نصابا من المال الذي يجب فيه الزكاة أو قدر النصاب من المال الذي لا يجب فيه الزكاة انتهى موضع الحاجة.

(٥) نقل في الوسائل صدره في باب ١٢ حديث ٥ من أبواب المستحقين وذيله باب ٢٨ حديث ٤ منها.

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وجواز الإعطاء لمن عنده أقل منه ولو بحبّة مع كفايته بها سنين فيعطى مع غناه عنه ولا يعطى الأوّل مع شدّة حاجته اليه وهو مناف للحكمة.

والرواية يمكن حملها على من كان عنده المؤنة كما يدل عليه بقائه طول الحول ، مع ان فيه اشتراط البقاء طول الحول ، ولعلّه لا قائل به ، ويمكن كون حرمة أخذ الزكاة له عقوبة ، لعدم صرفه مع الحاجة فتأمّل ، على ان أربعين درهما ليس بنصاب.

والمشهور الذي عليه أكثر العلماء هو ان الغنى المانع من أخذ الزكاة هو القدرة على كفاية ما يحتاج إليه في السنة من قوته وكسوته ومسكنه وكفاية من يلزمه نفقته وكسوته ومسكنه ، وهم الوالدان ، والولد ، والمملوك ، والمرأة ـ للإجماع والخبر ، مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا ، الأب ، والام ، والولد ، والمملوك ، والمرأة ـ وذلك انهم عياله لازمون له (١).

وفي حسنة حريز عنه عليه السلام : الذين يلزم نفقتهم ، الوالد ، والولد ، والزوجة (٢).

والفقر الموجب له عدمه ، والدليل عليه هو التبادر من الفقير والمسكين مع الشهرة وبطلان القول الأوّل مع حصره فيهما.

وما نقله على بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره ، فقال : فسّر العالم عليه السلام ، الفقراء ، هم الذين لا يسألون لقوله تعالى ـ في سورة البقرة ـ (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) (الى قوله) (لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً) (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب المستحقين للزكاة وباب ١١ حديث ١ من أبواب النفقات من كتاب الطلاق.

(٢) لفظ الحديث هكذا : حريز عن ابى عبد الله عليه السلام قال : قلت له : من الذي أجبر عليه وتلزمني نفقته؟ قال : الوالدان والولد والزوجة ـ الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب النفقات.

(٣) الوسائل باب ١ قطعة من حديث ٧ من أبواب المستحقين والآية في سورة البقرة ـ ٢٧٣.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

يدل على كون المراد بهم المحتاجون مع عدم السؤال ، وذلك ليس بمعتبر ، بل وصف زائد حسن بالإجماع.

وصحيحة على بن بلال ، قال : كتبت اليه اسئله هل يجوز أن ادفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي فكتب عليه السلام : لا تعط الصدقة والزكاة الا لأصحابك (١).

والظاهر انه عن الامام عليه السلام ، ويفهم ان الشرط الموجب ، هو الاحتياج ، وهو ما قلناه.

وحسنة أبي بصير ـ لإبراهيم ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

يأخذ الزكاة صاحب السبعمأة إذا لم يجد غيره ، قلت : فان صاحب السبعمأة تجب عليه الزكاة؟ فقال : زكاته صدقة على عياله ، ولا يأخذها الّا ان يكون إذا اعتمد على السبعمأة أنفذها في أقل من سنة ، فهذا يأخذها ، ولا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه الزكاة ان يأخذ الزكاة (٢).

وهذه مع اعتبار سندها ظاهرة في نفي الغنى بالنصاب ، وصريحة أيضا في اشتراط الكفاية سنة وانه لا يجوز لصاحب السبعمأة الا مع عدم كفايتها له سنة ، وانه لو كفته لم يأخذ وان لم يقدر على ان يعيش بربحه ، فتأمّل.

وأيضا في حسنة زرارة ـ كذلك (٣) عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : ان الصدقة لا تحل لمحترف ، ولا لذي مرة (٤) سوى قوى ، فتنزهوا عنها (٥) ، إشارة الى ان الاحتياج هو عدم القدرة على تحصيل القوت.

ورواية سماعة ، عن ابى عبد الله عليه السلام : قال قد تحلّ الزكاة

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٤ من أبواب المستحقين.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب المستحقين.

(٣) يعنى لإبراهيم.

(٤) قوله تعالى (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) ـ اى قوى في عقله ورأيه ومتانة في دينه وصحة جسمه (مجمع البحرين).

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب المستحقين للزكاة.

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لصاحب السبعمأة وتحرم على صاحب الخمسين درهما ، فقلت له : وكيف يكون هذا؟ فقال : ان كان صاحب السبعمأة له عيال كثير ، فلو قسمها بينهم لم تكفه وليعفّ عنها نفسه ، وليأخذها لعياله ، واما صاحب الخمسين فإنه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه ان شاء الله تعالى (١).

وفي قوله عليه السلام : ـ فلو قسمها إلخ ـ دلالة على انه لو كفى لم يأخذ ولو لم يبق منها شي‌ء ولم يربح ما يكفي ، فتأمّل.

وفي موثقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم فقال : نعم الّا ان تكون داره دار غلّة فخرجت له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه وعياله ، فان لم تكن الغلة تكفيه لنفسه ولعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم في غير إسراف فقد حلّت له الزكاة ، وان كانت غلتها تكفيهم فلا (٢).

ورواية هارون بن حمزة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يروى (روى خ) عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : لا تحل الصدقة لغني ولا الذي مرة سوى فقال لا تصلح لغني قال : قلت : الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة (عته خ) وله عيال ، فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها؟ قال : فلينظر ما يستفضل (يفضل خ ل) منها فليأكله هو ومن يسعه ذلك وليأخذ لمن يسعه من عياله (٣) وظاهر هذه أنه أنه يأخذها وان كان رأس المال يكفيه ، وقد صرح الأصحاب بذلك.

وفيه تأمل لعدم صراحة الحديث فيه ، وعدم الصّحة (٤) أيضا مع مخالفته

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٣) الوسائل باب ١٢ حديث ٤ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٤) وسنده كما في التهذيب هكذا : على بن الحسن بن فضال ، عن يزيد بن إسحاق عن هارون بن حمزة.

١٥٣

ويشملهما من يقصر ماله عن مؤنة السنة له ، ولعياله

______________________________________________________

للقوانين ، ولما مر من الاخبار ، فتأمّل ، فإن القول بما قالوه مشكل.

وصحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يروون عن النبي صلى الله عليه وآله : ان الصدقة لا تحل لغني : ولا لذي مرة سويّ ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : لا تصلح لغني (١).

والظاهر أنّ صاحب النّصاب لو كان لا يكفيه سنة أو شهرا أو أقل ، لا يقال له : غنى.

وبالجملة ، الظاهر هو القول المشهور كما اختاره في المتن.

كأنّه يريد بالمؤنة جميع ما يحتاج إليه في المعيشة فيدخل المسكن أو أجرته وغيره ، ويريد بالعيال من يجب عليه نفقته دون من يتبرع بنفقتهم أيضا لما مرّ نعم لو عالهم ونقص ما يكفى لهم ولمن يجب نفقته أوّلا عليه بان يصرف بعض الأشياء فيها ، يجوز له الأخذ حينئذ ، مع احتمال جواز الأخذ قبله للضيف ولمن يدخل عليه عرفا.

والأحوط أن يقتصر على تتمّته وان جاز له أخذ الزائد أيضا لوجود الاستحقاق كما فيمن لم يكن عنده شي‌ء أصلا يأخذ أكثر من قوت السنة.

وقد علم أيضا ممّا سبق أنه يجوز الإعطاء لصاحب الدار والخادم والفرس على تقدير الحاجة.

ويدل عليه أيضا ما روى ـ في الحسن ـ عن عمر بن أذينة ، عن غير واحد ، عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما السلام انهما سئلا عن الرجل له دار وخادم أو عبد أيقبل الزكاة؟ قالا : نعم ، إنّ الدار والخادم ليسا بمال (٢).

ورواية سعيد بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : تحلّ الزكاة لصاحب الدار والخادم (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٣ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ٢ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٤ من أبواب المستحقين للزكاة.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية إسماعيل بن عبد العزيز ، عن أبيه قال : دخلت انا وأبو بصير على أبي عبد الله عليه السلام فقال أبو بصير : ان لنا صديقا ، وهو رجل صدوق يدين الله بما ندين به ، فقال : من هذا يا أبا محمد الذي تزكّيه؟ فقال : العبّاس بن الوليد بن صبيح ، فقال : رحم الله الوليد بن صبيح ما له يا أبا محمد؟ قال : جعلت فداك له دار تسوى أربعة آلاف درهم ، وله جارية ، وله غلام يستقى على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل ، وله عيال ، إله أن يأخذ من الزكاة؟

قال : نعم ، قال : وله هذه العروض ، قال يا أبا محمد فتأمرني أن آمره ببيع داره ـ وهي عزه ومسقط رأسه؟ ، أو يبيع خادمه ، الذي يقيه الحر والبرد ويصون وجهه ووجه عياله؟ ، أو آمره ان يبيع غلامه وجمله ، وهو معيشته وقوته؟ بل يأخذ الزكاة وهي له حلال ، ولا يبيع داره ولا غلامه ، ولا جمله (١).

ولا يضر عدم صحّة السند (٢) ، لعملهم ، والتأييد بما يعتبر سنده ، مما مر ، مما يدل على جواز الأخذ مع الحاجة وعدم مؤنة السنة.

وهي شاملة لجميع ما يحتاج ، ولا شك في الاحتياج الى الدار ، والفرض ذلك وكذا الاحتياج إلى الجارية والخادم والجمل.

ويفهم منها جواز الأخذ للدار والخادم أيضا مع الحاجة ، وهو ظاهر ، ولانه من المؤن.

وانّه لا يجوز بيع البيت وان كان يسوى ثمنا يمكن المعيشة بالبعض مع شراء بيت آخر ، لان الظاهر من رواية إسماعيل ذلك حيث يسوى داره أربعة آلاف درهم ، والتعليل الذي يدل على انه لا يكلّف ببيع مسقط الرأس لتعلّق الصاحب به ويسر خاطره بذلك ، فهو يفيد العموم ، هكذا يفهم من كلامهم.

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٣ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن عبد العزيز عن أبيه قال إلخ.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والأولى والأحوط الاقتصاد (الاقتصار خ ل) والبيع والقناعة بما يمكن المعيشة على اىّ وجه ، إذ قد يكون أحوج منه الى الزكاة ، فلا يليق ان يحبس في بيت حسن ذي قيمة كثيرة ويأخذ من يحتاج الى قوت يوم ومسكن يسع بدنه فقط.

والرواية مع عدم صحّة السند ليست بواضحة ، إذ قد لا يكون هناك بيت أقل من ذلك حتى يبيع ويشترى آخر ، ويكفيه الباقي بمؤنة السنة أو يكون جلوسه في غير ذلك البيت يضر بحاله ، فتأمّل.

وأيضا قد علم عدم الاستحقاق لمن عنده ضيعة أو حرفة يقدر معها على تحصيل المؤنة ، بل من له قوّة وقدرة على تحصيلها بضيعة أو بمال يربح به أو عقار يأخذ أجرته أو غير ذلك ، وأقوى ما يدل عليه صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة (١) فتأمّل.

وأيضا انه من كان عنده مال يكفيه للسنة لا يجوز له الأخذ ، ولو لم يبق له بعد ذلك شي‌ء يصير محتاجا بالكلّية ، بل ولو لم يكن قادرا على تحصيل الرزق بوجه ، خلافا لما يفهم من كلام بعض الأصحاب (٢) كما مر.

اما لو كان قادرا على تحصيل المؤنة بكتابة ونحوها ويمنعه ذلك عن التفقه في الدين ، فقال المصنف في المنتهى : فالوجه عندي جواز أخذها لأنه مأمور بالتفقه في الدين إذا كان من اهله ، وهذا حسن.

والظاهر انه لو فرض أخذ الواجبة (٣) عليه بالتقليد ، فكذلك.

والظاهر ان الأمر في المعلّم كذلك.

ولا يبعد تجويز الأخذ لمن اشتغل عن الكسب القادر معه على تحصيل المؤن بالعلوم المندوبة ، مثل علم القرآن قراءة وتفسيرا ، أو الحديث والفقه ، مع فرض

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٣ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) كالشهيد وغيره في كتبهم قدس الله أرواحهم ـ من خطه رحمه الله.

(٣) اى الأحكام الواجبة بأن يكون أخذ الأحكام الواجبة بالتقليد متوقفا على ترك التكسب.

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستحباب.

بل مطلق العبادة ، مثل الحج ، والزيارة ، والصيام ، والصلاة ـ لأنه مستلزم لوقوع العبادة ونشر العلوم الدينيّة فلا يبعد إدخال إعطاء ـ المشتغلين بذلك وان كانوا قادرين على تحصيل المعيشة ، ولكنهم تركوا لتلك العبادة في سبيل الله تعالى ، إذ لا شك في كونها قربة ، والتصريح به في الحج (١) مؤيد فتأمل ، والاجتناب أحوط لكثرة المحتاجين ، بل الأحوج منهم.

ولا يبعد جواز الأخذ إذا لم يكن قادرا في بلد الزكاة مع قدرته على تحصيل المؤنة في غيره ، فلا يجب عليه السفر ، وتحصيلها هناك ، بل يجوز الجلوس هنا وأخذ الزكاة لصدق الفقر وعدم القدرة ، وأصل عدم تكليف السفر ، وأنه ضرر وحرج منفي خصوصا إذا كان في الجلوس هنا غرض صحيح.

وأيضا ، الظاهر انّ الذي يجب نفقته لا يجوز له أخذ الزكاة من الذي يجب عليه نفقته على تقدير يساره ، ولا يجوز له ان يعطيه الا من غير الزكاة ، وذلك واجب عليه.

ولو ينفق عليه أو يكون معسرا يجوز له الأخذ من غيره ، بل منه أيضا لسقوط النفقة حينئذ كما في الولد والوالدين.

واما في المملوك والزوجة فلا يبعد ذلك مع عجزه عن تحصيل نفقتهما خصوصا في الزوجة وفي المملوك تأمّل ، لاحتمال تكليفه ببيعه ووجوب ذلك حينئذ ، ولو فرض العجز عن ذلك فلا يبعد حينئذ فتأمل.

ويجوز إعطائهم من غير وجه الفقر كغرم ، وغزو ، وعمل ، وكل وجه لا يجب عليه الإعطاء في ذلك الوجه ، مثل مؤنة الحج.

وورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن ابى الحسن الأول عليه السلام ، قال : سئلته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو اخوه يكفيه مؤنته ، أيأخذ من

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤٢ من أبواب المستحقين للزكاة.

١٥٧

والعاملون عليها ، وهم السعاة لتحصيلها.

(وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ، وهم الكفار الذين يستمالون للجهاد.

______________________________________________________

الزكاة فيتوسع (فيوسع خ ل) به ان كانوا لا يوسّعون عليه في كل ما يحتاج اليه؟ فقال : لا بأس (١).

وقد استدل المصنف في المنتهى (٢) بها على أقربيّة جواز أخذ الزكاة لمن تجب نفقته كالولد والوالد مع كفايته بالمنفق من غيره ، ثم قال : فيه إشكال ، فتأمّل وفي رواية (٣) جواز الإعطاء ـ للتوسعة ـ من غير المنفق لو لم يوسّع.

ـ الثالث ـ العاملون عليها ، وهم السعاة في تحصيلها وجمعها وحفظها ، وكتابتها ، وقيل : الامام مخيّر بين ان يقرّ لهم الأجرة المعيّنة من الزكاة لمدة معيّنة للعمل ، وان يجعل لهم جعلا ، مثل من جاء بزكاة البلد الفلاني فله عشر ، ولو جاء بألف رطل مثلا ، فله كذا.

ـ الرابع ـ (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ، قال المصنف في المنتهى : أجمع علمائنا على أنّ من المشركين قوم مؤلّفة يستمالون بالزكاة لمعاونة المسلمين ، ونقل في التهذيب من تفسير على بن إبراهيم ، عن العالم عليه السلام انه قال : (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) قال : هم قوم وحّدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم ويعلمهم ويعرّفهم كيما (كما خ) يعرفوا ، فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا) (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) في المنتهى ص ٥١٩ : الحادي عشر الولد إذا كان مكتفيا بنفقة أبيه هل يجوز له أخذ الزكاة أمّا منه فلا إجماعا لما يأتي ، ولانه يدفع بذلك وجوب الإنفاق عليه واما من غيره فالأقرب عندي الجواز لانه فقير ويؤيده ما رواه الشيخ ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، وذكر الحديث ثم قال وفيه اشكال (انتهى).

(٣) راجع الوسائل باب ١٤ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٤) من قوله : (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) (الى قوله : ويرغبوا) كتبناه من نسخة التهذيب والّا ففي المنتهى هكذا : ان المؤلفة قلوبهم قوم كفّار (انتهى) ولعله نقله بالمعنى والله العالم ، وأورد في الوسائل في ضمن حديث ٧ من باب ١ من أبواب المستحقين فلاحظ.

١٥٨

(وَفِي الرِّقابِ) ، وهم المكاتبون ، والعبيد تحت الشدّة أو في غير شدة مع عدم المستحق

______________________________________________________

قال الشيخ في المبسوط : ولا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام ، وقال : (١) المؤلفة قسمان ، مسلمون ، ومشركون.

وظاهر اللغة عام ، قال في المنتهى : قال الشيخ : سهم المؤلفة الآن ساقط ، لأن الذي يتألفهم إنما يتألفهم للجهاد ، وامره موكول الى الامام عليه السلام ، وهو غائب ، ثم قال : ونحن نقول : قد يجب الجهاد حال الغيبة على المسلمين إذا هجمهم المشركون لدفع إذا هم عن المسلمين ، لا للدعاء إلى الإسلام ، فإن احتيج إلى التأليف حينئذ جاز صرف السهم إلى أربابه من المؤلفة.

ـ الخامس ـ الرقاب ، قال في المنتهى : الذي ذهب إليه علمائنا أنهم المكاتبون والعبيد إذا كانوا في ضر وشدّة يشترون ابتداء ويعتقون ، ويعطى المكاتبون ما يصرفونه في كتابتهم.

ولا نزاع في المكاتب ، واما اشتراط الضر والشدة ـ التي يعدّ في العرف كذلك ـ في العبيد فلصحيحة عمر وبن ابى نصر ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سئلته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستمائة يشترى بها نسمة ويعتقها؟ فقال : إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم ، ثم مكث مليا ثم قال : الا ان يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه (٢).

والدلالة صريحة ، والسند معتبر مع الشهرة ، فيمكن القول به وان كان

__________________

(١) هكذا في نسخة مخطوطة ، لكن في النسخة المطبوعة هكذا وقال المفيد : المؤلفة إلخ ولكن في المبسوط هكذا : (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) عندنا هم الكفار الذين يستمالون بشي‌ء من مال الصدقات إلى الإسلام ، ويتألفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك ، ولا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام الى ان قال) : وقال الشافعي : (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ضربان مسلمون ، ومشركون (انتهى).

(٢) الوسائل باب ٤٣ حديث ١ من أبواب المستحقين للزكاة لكن فيه : عمرو ، عن (ابى بصير) بدل (بن ابى بصير) ولعلّ ما هنا أصح فلاحظ الرجال.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر الآية عاما فيخصّص ، بل ليس بعام ، فإنه مجمل.

ونقل عن تفسير على ابن إبراهيم ـ في التهذيب ـ عن العالم عليه السلام انه قال : انهم قوم لزمتهم الكفارات في قتل الخطأ ، وفي الظهار ، وفي الأيمان ، وفي قتل الصيد في الحرم ، وليس عندهم ما يكفّرون وهم مؤمنون فجعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم (١).

وعمّم البعض في كل مملوك يشترى ويعتق ، قيّد البعض كما في المتن ، بالشدّة أو بعدم وجود المستحق كأن دليل العموم ظاهر الآية.

واما دليل اشتراط الشدّة فهو الصحيحة المتقدمة.

واما الإعتاق مطلقا مع عدم المستحقّ ، فلأنه لما لم يكن له محلّ فالأولى ذلك لرعاية ظاهر اللفظ في الجملة ، وحمل ما يفيد التخصيص على حال الوجود.

ويؤيده قوله عليه السلام في الدليل المخصّص : (فإذا يظلم قوما آخرين) (٢).

وأيضا لا شك أن العتق من القربات ، فمع عدم المستحق ينبغي اختياره ، لما مر ، ولكونه سبيل الله.

ولموثقة عبيد بن زرارة قال : سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم ولم يجد له موضعا يدفع ذلك اليه فنظر الى مملوك يباع فيمن يزيده ، فاشتراه بتلك الالف درهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه ، هل يجوز ذلك؟ قال : نعم لا بأس بذلك ، قلت (له خ) فإنه لما أن أعتق وصار حرّا اتجر واحترف فأصاب مالا كثيرا ثم مات وليس له وارث ، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ فقال : يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة لأنه انما اشترى بمالهم (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١ قطعة من حديث ٧ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل باب ٤٣ حديث ١ من أبواب المستحقين للزّكاة.

(٣) الوسائل باب ٤٣ حديث ٢ من أبواب المستحقين للزّكاة.

١٦٠