مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٧

لكن يخرج بالنسبة من كلّ واحد ان لم يتطوّع بالأرغب

______________________________________________________

الرضوية المأمونية يضمّ أحدهما إلى الآخر.

فعلى هذا لو لم يكن التساوي (١) لكان أولى ، فإنه يوهم الاختصاص بصورة التساوي ، مع انه ليس كذلك ، فإنه لا يشترط ذلك ، فلو لم يتساوى في القيمة والعيار أيضا ، فالحكم كذلك ، إذ يجب ضمّ المتجانسين مطلقا وعدم النظر إلى القيمة والرغبة بل الى الجنس فقط.

نعم لا تجمع المختلفات مطلقا وتجمع المتفقات كذلك على ما هو مقتضى الأصول.

والاخبار في ذلك كثيرة (٢) لا يحتاج الى النقل للوضوح.

ويمكن ان يكون المراد (مع التساوي) في حصول الشرائط من كونهما مسكوكين بسكة يعامل بها ، والحول.

فإن اخرج من الأعلى قيمة فلا كلام والّا فيخرج من الأعلى مقدار حصته ، ومن الأدنى كذلك ، فإذا كان النصاب منهما على السوية فالفريضة تنصّف ، والا فبالنسبة الموجودة وهو مقتضى تعلقها بالعين.

ويمكن ان يقال : يكفى ما يصدق عليه نصف درهم كما قيل : مثله في زكاة الغنم حتى نقلنا عن المصنف والدروس اجزاء الجذعة من الضأن والثنيّة من المعز عن زكاة الغنم مطلقا مع العلم بكونه حوليا بخلافهما.

على ان صدق الغنم والشاة أيضا عليهما غير ظاهر مع ورودهما في دليل الفريضة ، وهنا لا شك في صدق الفضّة لأنه المفروض ، ولا شك ان الاولى والأحوط الإخراج من العين ، وبعده المساوي في القيمة ، بل المساوي في الرغبة أيضا مع التساوي في القيمة فافهم.

__________________

(١) يعنى لو لم يكن لفظة (مع التساوي) في عبارة المصنف لكان اولى.

(٢) راجع الوسائل باب ١ من أبواب زكاة الانعام وباب ٥ و ٧ من أبواب زكاة الذهب والفضة وباب ٢ من أبواب زكاة الغلات.

١٠١

«المطلب الثالث في زكاة الغلّات»

انما تجب في الغلات الأربع إذا ملكت بالزراعة ، لا بالابتياع وغيره إذا بلغت النصاب ، وهو خمسة أوسق

______________________________________________________

قوله : «انما تجب في الغلّات» قد مر حصر الواجب في الأربع وبعض الشرائط العامّة وأشار هنا الى بعض الشرائط الخاصّة مع بعض الأحكام.

(الأول) كونها مملوكة بالزراعة بمعنى حصول بدوّ صلاحها في ملكه عند من يوجب حينئذ وقبل التسمية حنطة وشعيرا وتمرا وزبيبا عند الموجب حينئذ بأي نوع تمليك كان فلا يجب على المشتري لو اشترى بعده بل على البائع ولو باع قبله في موضع يصح يجب على المشتري دون البائع كما مر.

ولعل دليله الإجماع ، قال في المنتهى ، لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلا إذا نمت في ملكه ، فلو ابتاع غلة أو استوهب أو ورث بعد بدوّ الصلاح لم يجب عليه الزكاة وهو قول العلماء كافّة ، وإذا أخرج الزكاة منها لم يتكرر عليه وان بقيت أحوالا وهو إجماع العلماء الّا الحسن البصري ، ولا اعتداد بخلافه لأنها غير معدّة للنماء فلا يجب فيها الزكاة كالنبات (الثياب خ ل) ويؤيّده ما رواه الشيخ في الحسن (لإبراهيم) عن زرارة وعبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه السلام قال : أيّما رجل كان له حرث أو تمر فصدقها فليس عليه فيه شي‌ء وان حال عليها الحول عنده الا ان يحوله مالا وان فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه ان يزكّيه والّا فلا شي‌ء عليه وان ثبت

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك ـ كا) ألف عام إذا كان بعينه ، فإنما عليه فيها صدقة العشر ، فإذا أدّاها مرة واحدة فلا شي‌ء عليه فيها حتى يحوله مالا ويحول عليه الحول وهو عنده (١) (انتهى).

فظهر منه الإجماع على عدم الزكاة فيها إلّا مرة واحدة ، ودل عليه الخبر أيضا ، وانه لا يجب على المشتري ولا المتهب بعد بدوّ الصلاح ، بل على الواهب والبائع كما مر هذا بناء على مذهبه (٢).

وأيضا قال في المنتهى : لو مات المالك وعليه دين فظهرت الثمرة وبلغت لم تجب الزكاة على الوارث لتعلق الدين بها ، ولو قضى الدين وفضل منها نصاب لم يجب الزكاة فإنه على حكم مال الميّت (انتهى).

وفيه تأمل لاحتمال وجوبها على الوارث (٣) لا بمعنى انه يتعلق حينئذ في ملكه ، بل لانه انتقل اليه مال تعلق الزكاة به بعينه مع عدم صلاحيّة انتقالها إلى ذمة المالك الأوّل مثل الأولين (٤) فلا ينبغي سقوط حق الفقراء.

فتأمل فإنه قد يقال : لزم السقوط قهرا لعدم الوجوب على الميّت وعدم استقرارها في المال وعدم وجوب الإخراج لخروجه عن صلاحيّة الملك قبل وقت الإخراج ولا يجب على الوارث لعدم النّمو في ملكه الذي هو شرط بالإجماع.

وسيجي‌ء في المتن وجوبها على الوارث مع بلوغ النصاب بعد قضاء الدين ولا يبعد الوجوب في الكل (٥) لو قضى الدين من غير الغلّة ، والأحوط الإخراج ، هذا على المذهب الأوّل (٦) واما على الثاني (٧) فلا شك في وجوبها على الوارث

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب زكاة الغلات.

(٢) في هامش بعض النسخ المخطوطة : لا على مذهب الغير ، فدعواه غير ظاهر ـ منه رحمه الله.

(٣) في النصاب الزائد على الدين ـ منه رحمه الله.

(٤) يعنى الاستيهاب والاتساع قبل بدوّ الصلاح ـ منه رحمه الله.

(٥) يعني في كل الغلّة حتى فيما قابل الدين.

(٦) وهو ان محل الوجوب حين البدوّ ـ كذا في هامش بعض النسخ المخطوطة.

(٧) وهو ان محل تعلق الوجوب حين تسميته.

١٠٣

والوسق ستون صاعا ، والصاع أربعة أمداد ، والمدّ رطلان وربع بالعراقي ،

______________________________________________________

والمتهب والمشتري دون الأوّل (١).

(الثاني) النصاب ، ودليله إجماع الطّائفة ، قال المصنف في المنتهى : واما النصاب فقد اتفق أكثر أهل العلم عليه ، ولا نعلم فيه خلافا الا عن مجاهد وابى حنيفة (انتهى) حيث ما نقل الخلاف إلّا عن بعض المخالفين.

والاخبار الكثيرة المعتبرة ـ مثل صحيحة زرارة ، عن ابى جعفر عليه السلام ، قال : ما أنبتت الأرض من الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، ما بلغ خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر وما كان منه يسقى بالرّشا ، والدّوالي والنواضح ، ففيه نصف العشر ، وما سقت السّماء أو السّيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما ، وليس فيما دون الثلاثمأة صاع شي‌ء ، وليس فيما أنبتت الأرض شي‌ء إلّا في هذه الأربعة أشياء (٢) ـ وغيرها من الأخبار وقد تقدمت.

وما يدل على أقل من ذلك فيأوّل أو يطرح للنّدرة ، بل عدم القائل به على الظاهر والإجماع على عدمه كما قال في المنتهى (بعد نقل خلاف أبي حنيفة في أصل النصاب) : وباقي العلماء اشترطوا بلوغها خمسة أوسق ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء (انتهى) ثم نقل الاخبار من طرقهم وطرقنا.

قوله : «والوسق ستون صاعا إلخ» قال المصنف في المنتهى : والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وآله يكون مقدار النصاب ثلاثمائة صاع ، والصاع أربعة أمداد ، وهذان الحكمان مجمع عليهما ، والمد رطلان وربع بالبغدادي ويكون الصاع تسعة أرطال ، وهو قول أكثر علمائنا ، وقال ابن ابى نصر : المدّ رطل وربع (انتهى).

ويدل على الأوّل (٣) ، صحيحة زرارة ، عن ابى جعفر عليه السلام قال :

__________________

(١) اى البائع والواهب والميت

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٥ من أبواب زكاة الغلات

(٣) يعنى يدل على كون الصاع تسعة أرطال

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ بمدّ ويغتسل بصاع ، والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال (١).

وكأنه عليه السلام يريد رطل المدينة ، فيكون تسعة أرطال بالعراقي ، فإن المدني واحد ونصف من العراقي.

واستدل لابن ابى نصر برواية سماعة ، قال : سئلته عن الذي يجزى من الماء للغسل؟ فقال : اغتسل رسول الله صلى الله عليه وآله بصاع وتوضأ بمدّ ، قال : كان الصاع على عهده خمسة أمداد ، وكان المدّ قدر رطل وثلاث أواق (٢).

وأجاب بأنه فطحي (٣) ، وما نقل عن الامام عليه السلام أيضا (٤).

وقال في الخلاصة : انه واقفيّ ثقة.

وفي الدلالة على مطلوبه أيضا تأمّل ، وفي قوله : (خمسة أمداد) أيضا مناف لما سبق من الإجماع ، ولكنه موجود في خبر سليمان بن حفص المروزي ، عن ابى الحسن عليه السلام (٥).

فلا بد من التأويل للتوافق ، فتأمّل.

ثم قال (٦) : وقد كتب موسى بن جعفر عليهما السلام : الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي (٧).

__________________

(١) الوسائل باب ٥٠ حديث ١ من أبواب الوضوء من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل باب ٥٠ حديث ٤ من أبواب الوضوء.

(٣) الظاهر ان لفظة (فطحي) سهو من النساخ ، ففي تنقيح المقال للمامقانى ره ج ٢ ص ٦٧ ، ما هذا لفظه : واما ما عن المولى الصالح من ان سماعة فطحي فاشتباه قطعا ، إذ لم يقل به احد قبله ولا بعده (انتهى) أقول : قد سمعت ان العلامة الذي هو قبل المولى صالح بكثير قد قال انه فطحي.

(٤) هذا اشكال آخر وحاصله انها مضمرة.

(٥) الوسائل باب ٥٠ حديث ٣ من أبواب الوضوء.

(٦) يعني العلامة ره في المنتهى ، وكذا قوله : ثم قال : الرطل إلخ.

(٧) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب زكاة الفطرة.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وذلك نصّ في لباب ، نعم ، ولكن هذه المكاتبة غير معلومة السند (١) وانه من نقله فتأمّل.

ثم قال ره : الرطل العراقي مأة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وهو تسعون مثقالا ، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم ، وقد روى الشيخ ، عن سليمان بن حفص المروزي ، عن ابى الحسن عليه السلام : ان الصاع خمسة أمداد ، والمدّ وزن مأتين وثمانين درهما ، والدّرهم ستون دانقا ، والدانق ستة حبّات ، والحبّة وزن حبتي شعير من أوساط الحبّ لا من صغاره ، ولا من كباره (٢).

ونقل (٣) هذه الرواية المنقولة في (باب غسل الجنابة من التهذيب) والاختصار عليها يدل على رضاه بمضمونها ، مع انه قد تقدم (٤) ان الدانق ثمانية حبّات وذكر أيضا في بحث الفطرة من المنتهى انه ثمانية حبات.

على ان الرواية غير صحيحة ، ومشتملة على ضد ما ثبت بالخبر الصحيح المقرون بدعوى الإجماع من كون الصاع أربعة أمداد (٥) وهو (٦) ان الصاع خمسة أمداد ، وخلاف المشهور فيما بينهم في المدّ أيضا.

ولكن غيرها من الروايات الدالة على التفصيل المشهور غير ظاهر الا ان الأصحاب نقلوها ، ولعله لا يكون الّا عن سند.

__________________

(١) وسندها كما في باب الفطرة ـ آخر كتاب الصوم ـ في الكافي هكذا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن احمد بن يحيى ئل ، عن جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني ـ وكان معنا حاجا ـ قال : كتب الى ابى الحسن عليه السلام على يدي أبي : جعلت فداك ان أصحابنا اختلفوا في الصاع فبعضهم يقول : الفطرة بصاع المدني ، وبعضهم يقول : بصاع العراقي ، فكتب عليه السلام الىّ : الصاع إلخ.

(٢) الوسائل باب ٥٠ حديث ٣ من أبواب الوضوء.

(٣) يعني العلامة ره في المنتهى.

(٤) آنفا من العلامة ره في المنتهى في ذيل قول المصنف : والدرهم ستة دوانيق إلخ فراجع.

(٥) الوسائل باب ٦ حديث ١٢ من أبواب الفطرة.

(٦) يعني ضد ما ثبت بالخبر.

١٠٦

وفيه العشر ان سقى سيحا أو بعلا أو عذبا ، ونصف العشر إن سقى بالغرب والدوالي

______________________________________________________

وبالجملة قد ظهر كون النصاب ألفين وسبعمأة رطل بالعراقي بالدليل ، لانه خمسة أوسق ، وكل وسق ستون صاعا ، وكل صاع أربعة أمداد ، وكل مد رطلان وربع بالعراقي وقد ظهر دليل الكل.

وبقي مقدار الرطل غير معلوم بالدليل ، مثل الدرهم ، والمثقال ، والدانق ، والحبات حتى يفتح الله دليله علينا ، وعلى كل طالبه ، ولعلّ نقل الأصحاب كاف في ذلك كله.

قوله : «وفيه العشر إلخ» قد ظهر دليل كون الفريضة ، العشر في كل من الغلات الأربعة بعد بلوغ النصاب وان لم يكن الّا النصاب فقط ـ (ان سقيت سيحا) والمراد به الماء الجاري ، وهو في الأصل مصدر (أو بعلا) والمراد به ما شرب بعروقه في الأرض التي يقرب الماء من وجهها فيصل الى عروقه ، فلا يحتاج إلى السقي (أو عذبا) بكسر العين ما سقته السماء.

والتقدير (١) ، سقي بالسيح ـ بان (اجرى اليه الماء الجاري سواء كان قبل الزرع أو بعده أو سقى بعروقه ، أو سقي بالسماء).

والحاصل انه استغنى عن مؤنة السقي بسبب الماء الجاري على الأرض ، أو بشرب عروقه الماء ، أو بالمطر ، فالعبارة (٢) لا تخلو عن مسامحة.

ونصف العشر ان كان في سقيه مؤنة مثل ان سقى بالغرب وهو بفتح الغين المعجمة والراء ، القربة ، ونقل عن الصحاح انه دلو عظيم ، أو بالدوالي وهي جمع دالية وهي الدولاب ، ومثلها ، الناعور ، والفرق ان الدالية تديرها الدواب ، والناعور يديرها الماء ، كذا قيل.

__________________

(١) يعنى تقدير كلام المصنف.

(٢) يعني عبارة المصنف حيث قال : ان سقى سيحا إلخ فإن المراد عدم الحاجة الى السقي أصلا بوجود السيح أو البعل أو العذب لا السقي بسبب المذكورات.

١٠٧

وما يلزمه مؤنته.

بعد إخراج المؤن من حصّة سلطان (السلطان خ) وأكّار وبذر وغيره

______________________________________________________

وكذا سائر ما يحتاج الى المؤنة مثل النواضح جمع ناضحة وهو البعير الذي يستقى عليه.

فقوله : «وما يلزمه مؤنته» كأنّه من عطف العامّ على الخاصّ ، وهو الدالية والغرب.

وقوله : «بعد إخراج المؤن» ظرف بلوغ النصاب يعنى اشترط في بلوغ النصاب كونه بعد إخراج ما يحتاج اليه الزرع ، ويتوقف عليه مثل حصة السلطان ـ فإنه لو لم يعط ما يمكن الزرع لأنهم ما يخلّون ـ (١) ـ سواء كان ظلما ، أو حقا ، وفي الأول (٢) تأمّل.

وكذا حصّة العاملين فيه ، وكذا البذر وغير ذلك من مؤنة الأخشاب ، والحديد وأجرة صانعها ومصلحها ، وأجرة العوامل من الدواب وغيرها.

وظاهر المتن عدم الفرق ـ في إخراج المؤن ـ بين ان تكون قبل البدوّ أو بعده ـ في اعتبار النصاب بعد إخراجها ، قال في المنتهى ص ٥٠٠ (٣) : وزكاة الزرع والثمار بعد المؤنة كأجرة السقي والعمارة ، والحصاد والجذاذ والحافظ ، وبعد حصرمه ، وبه قال أكثر أصحابنا واختار الشيخ أيضا في النهاية وذهب اليه عطا ، وقال في المبسوط والخلاف (٤) : المؤنة على ربّ المال دون الفقراء وهو قول الفقهاء الأربعة.

وقيل : النصاب يعتبر بعد المؤن السابقة (٥) دون اللاحقة فتعدّ في النصاب

__________________

(١) حاصل الكلام أنّ المؤنة هنا يراد ما يتوقف عليه الزرع والمفروض أنّ حصّة السلطان ممّا يتوقف عليه الزرع ولو بملاحظة أن الرعايا لا يخلون وطبعهم بل مأخوذون بحصة بحيث لو لم يعطوا لمنعوهم عن الزرع.

(٢) المراد بالأوّل ما يأخذه السلطان ظلما بقرينة التصريح به بقوله فيما يأتي : نعم ظاهر الأدلة إلخ.

(٣) نقل هذه العبارة للاستشهاد على تعميم المراد بالمؤنة فان المثالين الأوّلين لما قبل البدو والثلاثة الأخيرة لما قبله.

(٤) في الخلاف م ٧٧ من الزكاة كل مؤنة تلحق الغلات الى وقت إخراج الزكاة على رب المال ، وبه قال جميع الفقهاء الإعطاء فإنه قال : المؤنة على رب المال والمساكين بالحصة.

(٥) اى على البدو.

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم تخرج الزكاة عما سواها وان قلّ.

وعموم الأدلة الدالة على الإخراج بعد بلوغ النصاب يؤيّد الثاني وعدم إخراج المؤنة أصلا ، بل الإخراج عن المؤنة أيضا إلّا ما خرج بدليل الإجماع لو كان ، ونحوه من لزوم الضيق والحرج على المالك ، وظاهر اهتمام الشارع بحال المالك ، وتبادر ان الغرض وصول ما يصل إليه (١) إلى النصاب لا ما يأخذه الغير خصوصا ما كان موقوفا عليه الزرع.

نعم ظاهر الأدلة عدم احتساب مؤنة الظالم الذي يأخذه ظلما بل وجوب الزكاة عنه أيضا ، إذا الظلم على أحد لا يمنع بقاء مال الآخر عليه الّا إذا صار كالحق اللازم في العين ، ولا يمكن الزرع بغيره ، ولا دفعه ، وما (٢) فرط المالك فيه ، فكأنه بمنزلة التلف من العين من غير اختيار أحد فينبغي عده معدوما وتالفا ويكون مال المالك والفقراء في ذمته (٣) كما هو مقتضى تعلق الزكاة بالعين والشركة.

ولا يبعد عدم تعلّق الزكاة بالمؤن كلّها كالخراج ونحوه لما مرّ ، قال في المنتهى ص ٥٠٠ (٤) : الأقرب الأول ـ وهو كون الزكاة بعد إخراج المؤن ـ لنا انه مال مشترك بين المالك والفقراء فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة ، (ولأنّ) المؤنة سبب في الزيادة فيكون على الجميع ، و (لأنّ) إلزام المالك بالمؤنة كلها حيف عليه وإضرار به وهو منفي ، (ولأنّ) الزكاة مواساة فلا تتعقب الضرر ، (ولأنّها) في الغلات تجب في النماء وإسقاط حق الفقراء من المؤنة مناف (انتهى) ويؤيده (٥) ما رواه الشيخ في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن ابى عبد الله

__________________

(١) اى إلى المالك.

(٢) يعنى لم يقصّر المالك في حفظه يعنى ، نحن فيه من أخذ الظالم بمنزلة المال التالف قهرا من غير تقصير المالك

(٣) يعني ذمة الظالم.

(٤) تقدم صدره آنفا قبيل هذا من قوله : زكاة الزرع والثمار إلخ.

(٥) يعني يؤيد كون الزكاة بعد إخراج المؤن ما رواه إلخ.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السلام قال : ويترك للخارص (خ ل) ، العذق والعذقان ، والحارس يكون في النخل ينظره ويترك ذلك لعياله (١).

فإذا ثبت ذلك في الحارس ثبت في غيره ، ضرورة عدم القائل بالفرق ولحسنة (٢) محمد بن مسلم وابى بصير الآتية الصريحة في ذلك ، والاخبار التي تدل على احتساب ما يأخذه الظالم زكاة (٣) ، والاخبار التي تدل على كون الخمس بعد المؤنة (٤) وغيرها فتأمّل.

ويحتمل اعتبار ما أخذه السلطان مطلقا في النصاب وإسقاط الزكاة عنه كما هو ظاهر بعض العبارات من ان الإخراج ـ بعد المؤنة ـ لا النصاب (٥) ، فتأمل واحتط ، ولا شك انه أحوط واحفظ.

والأحوط إخراج الزكاة عنها أيضا (٦) والوجوب (٧) غير معلوم ، قال في المنتهى (٨) : المؤنة تخرج وسطا من المالك والفقراء ، فما فضل وبلغ نصابا أخذ منه العشر أو نصفه (انتهى) ولا يخفى وجود النص والإجماع على الفرق المذكور بالعشر ونصفه على التفصيل فانّ المصنف (٩) قال في المنتهى : إذا بلغت الغلات نصابا وجب فيها العشر ان لم يفتقر سقيها إلى مؤنة كالسقي سيحا (الى قوله) : وعليه فقهاء الإسلام والنص قد مر مثل ما في صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام : ما كان

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٣ من أبواب زكاة الغلات.

(٢) عطف على قوله ره : ضرورة عدم القائل إلخ.

(٣) راجع الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب زكاة الغلات.

(٤) راجع الوسائل باب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس من كتاب الخمس.

(٥) يعنى لا انه يعتبر النصاب بعد المؤنة ـ كذا في هامش بعض النسخ المخطوطة.

(٦) أي عن المؤنة.

(٧) يعنى وجوب إخراج الزكاة عن المؤنة غير معلوم.

(٨) نقل هذه العبارة لتأييد عدم وجوب إخراج الزكاة عن المؤنة بل المؤنة تخرج أوّلا ثم يزكى الباقي.

(٩) يعنى العبارة المتقدمة آنفا الى قوله : الفقهاء الأربعة.

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

منه يسقى بالرشا والدوالي ، والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا (١).

وما في صحيحة زرارة وبكير ، عن ابى جعفر عليه السلام قال في الزكاة : فإذا كان يعالج بالرشا والنضح والدلاء ففيه نصف العشر ، وان كان يسقى بغير علاج بنهر أو عين ، أو بعل ، أو سماء ، ففيه العشر تاما (٢) ـ وغير ذلك فلا وجه للإيراد عليه بان (٣) الزكاة بعد المؤنة مطلقا فلا وجه للفرق بالعشر ونصفه على التفصيل.

على انه قد يقال : قد يكون الفرق بسبب تعب تحصيل المؤنة على المالك ، وقد يفعل ذلك بنفسه أو بغير اجرة ، فلا يحصل الفرق حينئذ بإخراج المؤنة ، إذ لا مؤنة ، ولا معنى لإخراج عمل نفسه شيئا أو الذي فعل له قربة أو صداقة أو ليعوضه بعمل ونحوه.

وقال المصنف في المنتهى : قد يكون لتعجيل التعب والخسارة فتأمل.

واعلم ان المصنف ادّعى الإجماع في المنتهى ص ٥٠٠ على اعتبار النصاب بعد الخراج وعدم الزكاة فيه ، قال : خراج الأرض يخرج وسطا ، ثم يزكى ما بقي ان بلغ نصابا إذا كان المالك مسلما ، وهو مذهب علمائنا وأكثر الجمهور (انتهى).

(واحترز بالمسلم عن الذمي ، فإن الجزية ليست كالخراج عنده كما يظهر).

وقال أبو حنيفة : (٤) (لا زكاة في الأرض الخراجيّة).

فيعلم انه لا كلام في عدم الزكاة في الخراج وعدم اعتباره في النصاب ، انما الكلام في سقوط الزكاة عن الأرض الخراجيّة مطلقا ـ أي المأخوذة عنوة ـ

__________________

(١) الوسائل باب ١ ذيل حديث ٥ من أبواب زكاة الغلات.

(٢) الوسائل باب ١ ذيل حديث ٨ من أبواب زكاة الغلات.

(٣) بيان للإيراد توضيحه انا إذا قلنا : ان الزكاة بعد المؤنة مطلقا فلازمه زيادة مؤنة بالدوالي ونحوها ، وبعد استثناء المؤنة لا وجه لنصف العشر ، بل لا بد من العشر مطلقا وجوابه ان الوجه ورود النص وقيام الإجماع.

(٤) هذا من تتمة كلام المنتهى ـ بعد قوله : وأكثر الجمهور.

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

والاكتفاء (١) عن الزكاة بالخراج وجعله زكاة.

ثم استدل عليه بعموم آية الزكاة واخبارها (٢) ، وبخصوص حسنة أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن ابى جعفر عليه السلام أنهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال : كل ارض دفعها إليك السلطان (سلطان ـ يب) ، فما حرثته فيها ، فعليك ممّا (فيما خ ل) اخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر انما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك (٣).

هذه ـ مع اعتبار سندها ـ صريحة في عدم وجوب الزكاة في الخراج وظاهرة في عدم حسابه بل سائر المؤن أيضا من النصاب فتأمّل.

ورواية صفوان (بن يحيى ئل) واحمد بن محمد بن أبي نصر ، قالا : ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته؟ فقال : من أسلم طوعا تركت أرضه في يده ، وأخذ منه العشر فيما (ممّا ـ ئل) سقتت السماء والأنهار ، ونصف العشر فيما كان بالرشا فيما عمروه منها ، وما لم يعمروا منها أخذه الإمام فقبّله ممن يعمره ، وكان للمسلمين ، وعلى المتقبلين في حصصهم ، العشر ، ونصف العشر ، وليس في أقلّ من خمسة أوساق شي‌ء من الزكاة ، وما أخذ بالسيف فذلك الى الامام عليه السلام يقبّله بالذي يراه كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله : بخيبر ، قبّل سوادها وبياضها ـ يعني أرضها ونخلها ـ والناس يقولون : لا يصحّ قبالة الأرض والنخل ، وقد قبّل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر ، وعلى المسلمين (المتقبلين خ

__________________

(١) عطف على قوله : سقوط الزكاة.

(٢) قال في المنتهى : (لنا) قوله تعالى (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ـ) (البقرة ـ ٢٦٧) ، وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيما سقت السماء ، العشر وذلك عام ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ في الحسن عن ابى بصير ومحمد بن مسلم إلخ.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب زكاة الغلات.

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ل) سوى قبالة الأرض ، العشر ونصف العشر في حصصهم ، وقال : ان أهل الطائف أسلموا ، وجعلوا عليهم العشر ، ونصف العشر ، وان أهل مكة لما دخلها رسول الله صلى الله عليه وآله عنوة وكانوا أسراء في يده ، فأعتقهم ، وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء (١).

هذه فيها ، على بن احمد بن أشيم المجهول ، مع كونها مضمرة فسندها (٢) غير جيد الا انها مؤيدة للعمومات والخاصة المتقدمة ، وفيها بعض أحكام الأرضين.

ولكن هنا ما يدل على عدم وجوب الزكاة بعد أخذ الخراج كما نقل عن أبي حنيفة ، مثل صحيحة رفاعة بن موسى ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدى خراجها الى السلطان هل عليه (فيها ـ يب) عشر؟ قال : لا (٣) ورواية أبي كهمش (كهمس خ ل) ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه (٤).

وقد حملها الشيخ ـ في التهذيب ـ على الأرضين الخراجيّة (٥) ، فيفهم منه قوله بعدم وجوب الزكاة فيها كأبي حنيفة ، فإجماع المصنف في محلّ المنع.

ولكن في حمله شي‌ء ، لصراحة الزكاة في الأرض الخراجيّة في رواية صفوان (٦) ويدل عليه أيضا صحيحة سليمان بن خالد ـ في الكافي ـ قال : سمعت

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب زكاة الغلات.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن على بن احمد بن أشيم ، عن صفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن ابى نصر قالا إلخ.

(٣) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب زكاة الغلات.

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب زكاة الغلات.

(٥) فإنه قال : فامّا ما رواه ثم نقل الخبرين وقال : وما يجرى مجرى هذين الخبرين فمقصور على الأرضين الخراجيّة (انتهى).

(٦) يعنى صفوان واحمد بن محمد بن ابى نصر المتقدمة آنفا حيث قال عليه السلام : وعلى المسلمين (المتقبلين خ ل) سوى قبالة الأرض ، العشر ونصف العشر.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أبا عبد الله عليه السلام يقول : ان أصحاب أبي أتوه فسئلوه عمّا يأخذ السلطان فرقّ لهم ، وانه ليعلم أن الزكاة لا تحل إلا لأهلها ، فأمرهم أن يحتسبوا به فجال فكرى ـ والله ـ لهم ، فقلت (له كا) يا أبه (أبت خ ل) انهم ان سمعوا إذا لم يزك احد ، فقال : يا بنى حق أحب الله ان يظهره (١).

وصحيحة يعقوب بن شعيب قال : سئلت أبا عبد الله عليه السلام ، عن العشور التي تؤخذ من الرجل أتحتسب لها من زكاته؟ قال : نعم ان شاء (٢).

وروى رفاعة بن موسى ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سئلته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدى خراجها الى السلطان هل عليه فيها عشر؟ قال : لا (٣).

وصحيحة العيص بن القاسم ، عن ابى عبد الله عليه السلام في الزكاة قال : ما أخذوا منكم بنو أميّة فاحتسبوا به ، ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم ، فان المال لا يبقى على هذا ان يزكّيه مرتين (٤).

ورواية سهل بن اليسع انه حيث أنشأ سهل‌آباد سئل أبا الحسن موسى عليه السلام عما يخرج منها ما عليه؟ فقال : ان كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي‌ء وان لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها (٥).

ورواية السكوني ، عن جعفر ، عن آبائه عليهم السلام قال : ما أخذه منك العاشر وطرحه في كوزة فهو من زكاتك ، وما لم يطرح في الكوز فلا تحتسبه من زكاتك (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ٤ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٣) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب زكاة الغلات.

(٤) الوسائل باب ٢٠ حديث ٣ من أبواب المستحقين.

(٥) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب زكاة الغلات.

(٦) الوسائل باب ٢٠ حديث ٢ من أبواب المستحقين للزكاة.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال الشيخ ـ في التهذيب في تأويل خبر (١) فيه (وليس على أهل الأرض اليوم زكاة الّا على من كان في يده شي‌ء ممّا أقطعه إلخ) : اما ما تضمن هذا الحديث من قوله :

(وليس على أهل الأرض اليوم زكاة) (٢) فإنه قد رخّص اليوم لمن وجب عليه الزكاة وأخذ منه السلطان الجائر ان يحتسب به من الزكاة وان كان الأفضل إخراجه ثانيا لان ذلك ظلم ظلم به (انتهى).

واستدل (٣) على الرخصة برواية سليمان (٤) ورواية العيص بن القاسم المتقدمين ، وبصحيحة الحلبي قال : سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن صدقة المال يأخذها السلطان فقال : لا آمرك ان تعيد (٥).

واستدل على كونها الأولى والأفضل مرّة أخرى برواية أبي أسامة (كأنها صحيحة) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ان هؤلاء المصدقين يأتونا فيأخذون منا من الصدقة فنعطيهم ايّاها أيجزي عنا؟ قال : لا إنما هؤلاء قوم غصبوكم ، أو قال. ظلموكم أموالكم ، وانما الصدقة لأهلها (٦).

__________________

(١) وهو خبر عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام فقوله ره : وليس على أهل الأرض إلخ جزء الخبر وقوله ره : واما ما تضمن إلخ كلام الشيخ.

(٢) والحديث كما في التهذيب سندا ومتنا هكذا : علي بن الحسن بن فضال ، عن أخويه ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما السلام قال : في زكاة الأرض إذا قبلها النبي صلى الله عليه وآله والامام عليه السلام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه ، وليس على المتقبل زكاة الا ان يشترط صاحب الأرض ان الزكاة على المتقبل ، فان اشترط فإن الزكاة عليهم ، وليس على أهل الأرض اليوم زكاة الأعلى من كان في يده شي‌ء مما اقطعه الرسول صلى الله عليه وآله ـ أورده في الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب زكاة الغلات.

(٣) يعنى استدل الشيخ في التهذيب.

(٤) في هامش بعض النسخ المخطوطة : والا حسن ان يقال : بصحيحة سليمان وصحيحة العيص.

(٥) الوسائل باب ٢٠ حديث ٥ من أبواب المستحقين.

(٦) الوسائل باب ٢٠ حديث ٦ من أبواب المستحقين للزكاة.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : فهذا الخبر يدل على ان الاولى على ما ذكرناه من ان الاولى إعادتها ، ويحتمل ان يكون المراد بقوله : ـ لا تجزى ـ انه لا تجزى عن غير ذلك المال لأنهم إذا أخذوا زكاة الغلات أكثر ممّا يستحق فلا يجوز له ان يحتسب الزائد من زكاة الذهب والفضة وغيرهما بل يجب إخراجه على حده وانما أبيح ورخّص أن لا يخرج من نفس ما أخذ منه ثانيا (انتهى).

والحاصل أنه يفهم من كلام الشيخ عدم وجوب الزكاة بعد أخذ الخراج عن الأرض الخراجيّة تارة ، ومطلقا اخرى ، والاخبار كثيرة معتبرة كما سمعت ، فإجماع المصنف في محلّ التأمّل ، بل فتواه أيضا.

ويمكن الجمع بينهما بأنه ان أخذ الظالم الخراج على وجه الزكاة قهرا يحتسب ويبرأ ذمة المالك ويبقى في ذمتهم ، فكأنهم أخذوا مال الفقراء المودوع عند المالك قهرا ومن غير تفريط ، وفي قوله عليه السلام : (لا آمرك ان تعيد) (١) و (ان تزكيه مرتين في المال) (٢) إشعار بأن المأخوذ على وجه الزكاة ، ولا يفهم الخصوصيّة بالأرض الخراجيّة فكان الغير بالطريق الأولى ، إذ لا خراج هناك ، ويحمل إجماع المصنف أيضا على وجه الزكاة.

واعلم أن في هذه الأخبار دلالة واضحة على عدم جواز أخذ الزكاة والخراج للسلطان الجائر ، وأن للمالك منعه وعدم الإعطاء مهما أمكن والدفع فلا يبعد السرقة من السلطان الجائر ولو كانت الأرض خراجيّة ، وعدم دفع شي‌ء اليه على اى وجه أمكنهم وذلك كان صريحا في حكاية بنى أميّة.

(فنقل الشيخ علىّ) ـ في الخراجيّة ـ وجوب الإعطاء إلى الظالم ـ مع عدم جواز أخذه ـ ، وعدم (٣) جواز إخفاء شي‌ء من الخراج والمقاسمة عنه وتحريم سرقتهما

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ٥ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٣ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٣) عطف على قوله : وجوب الإعطاء.

١١٦

ولو سقى بهما اعتبر الأغلب.

فإن تساويا قسّط

______________________________________________________

في محلّ التأمل والمنع الواضح) (١) فتأمّل.

وكذا اباحة أخذه من الجائر وتوقفه على اذنه بالطريق الأولى فإنه إذا لم يبح له فكيف تتوقف الإباحة لغيره وهو أهله على أخذه أو اذنه وهو ظاهر.

وقد فصّلناه في بعض التعليقات على الخراجيّة فارجع إليه ، فتأمّل وأيضا ان ظاهر الاخبار كون الخراج زكاة ، فلا معنى لتجويز الأخذ لكل احد من الجائر الذي أخذه له حرام ، وتوقفه على اذنه ، وإيجاب إعطائه له وعدم الإخفاء عنه فتأمّل.

قوله : «ولو سقى بهما اعتبر الأغلب إلخ» يعني إذا سقي تارة بما يوجب العشر ، وتارة بما يوجب نصف العشر فأيّهما كان أغلب فالاعتبار في الإخراج به ، فان كان ما يوجب العشر هو الأغلب يؤخذ ذلك ، والا فنصف العشر ، ولو تساويا فيخرج المساوي من النصف نصف العشر ، ومن النصف الآخر العشر ، فيكفي إخراج ثلاثة أرباع العشر من الكل.

اما دليل التساوي فظاهر مع نقل إجماع العلماء على ذلك في المنتهى.

ويدل عليه أيضا ما رواه في صحيح معاوية بن شريح ـ المجهول ـ (٢) عن ابى عبد الله عليه السلام قال : فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا ، فالعشر ، فامّا ما سقتت السواني (٣) والدوالي فنصف العشر ، فقلت له : فالأرض تكون عندنا تسقى

__________________

(١) قال المحقق الشيخ على الكركي قده في أواخر الرسالة الخراجية ما هذا لفظه : وما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم ـ لا سيما شيخنا الأعظم على بن هلال قدس الله روحه ـ غالب ظني أنه بغير واسطة بل بالمشافهة ـ : انه لا يجوز لمن عليه الخراج والمقاسمة سرقته ، ولا جحوده ، ولا منعه ، ولا شيئا منه لان ذلك حق عليه والله أعلم بحقائق الأمور (انتهى كلامه رفع مقامه).

(٢) في هامش بعض النسخ المخطوطة هكذا : كأنه معاوية بن ميسرة بن شريح ، وهو مذكور في كتاب ابن داود من غير مدح ولا قدح في القسم الأول بخطه رحمه الله.

(٣) السانية ، الناضحة ، وهي الناقة التي يسني عليها ـ أي يستقى عليها من البئر ، ومنه حديث الزكاة : فيما سقت السواني نصف العشر (مجمع البحرين).

١١٧

ثم تجب في الزائد مطلقا وان قل

______________________________________________________

بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى سيحا ، فقال : ان ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت : نعم ، قال : النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ، ونصف بالعشر ، فقلت : الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا قال : وكم تسقى السقية والسقيتين سيحا.

قلت : في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة وقد مكثت (مضت ـ كا) قبل ذلك في الأرض ستة أشهر ، سبعة أشهر ، قال : نصف العشر (١).

واما دليل العمل بالأغلب فهو عمل الأصحاب ، وعدم ظهور المخالف إلا الشافعي فإنه يقسط فهو بالاعتبار انسب مع التأييد بالرواية المتقدمة حيث أوجب نصف العشر مع وجود السقية والسقيتين بالسيح.

ويؤيّده أيضا أن أكثر الأحكام مبنىّ على الغالب ولا ينظر الى النادر هذا واضح فيما إذا كان المغلوب قليلا جدا ، واما مع التفاوت القليل فهو محلّ التأمّل ولا يستفاد من الرواية أيضا.

ثم ان الظاهر من الرواية وكلام أكثر الأصحاب أن الاعتبار بالزمان وعدد السقي لا نفع السقية كما اعتبره البعض نظرا الى ان الاعتبار في السقي بالنفع للزرع فكلّ ما كان نفعه أغلب فهو المعتبر وفيه تأمّل يفهم ممّا سبق ، ومن أن ذلك إرفاق من الشارع باعتبار كثرة التعب والمؤنة وقلتهما ، وذلك انما يظهر في العدد والزمان لا النفع ، وهو واضح.

قوله : «ثم تجب في الزائد مطلقا وان قل» لعلّه يريد انه بعد كمال النصاب تجب الزكاة في الزائد ، بلغ النصاب أولا أو في أيّ غلّة كانت من غير فرق بين الزرع وغيره كما هو موجود في بعض الروايات (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب زكاة الغلات.

(٢) لاحظ الوسائل باب ٢ من أبواب زكاة الغلات.

١١٨

ويتعلق الوجوب عند بدوّ الصلاح وهو انعقاد الحصرم ، واشتداد الحب ، واحمرار الثمرة واصفرارها ، والإخراج عند التصفية ، والجذاذ ، والصرام ولا يجب بعد ذلك زكاة وان بقي أحوالا بخلاف باقي النصب.

وتضم الثمار في البلاد المتباعدة وان اختلفت في الإدراك والطلع الثاني إلى الأول فيما يطلع مرّتين في السنة.

ولو اشترى ثمرة قبل البدوّ فالزكاة عليه ، وبعده على البائع.

______________________________________________________

ومثل هذه العبارة موجودة في أكثر الكتب أظن انها لو لم تكن لكان أولى ، فإنّ مضمونه فهم ممّا سبق (١).

مع ان قوله : (في الزائد) يشعر بعدم الوجوب في النصاب ، بل في الزائد على ذلك.

وظاهر انه ليس كذلك ، فإنه بعد بلوغ النصاب تجب فيه ، وفي الزائد ـ ولو قليلا ـ الزكاة كما هو ظاهر الأدلّة واشتراط النصاب ، فان النصاب داخل في غيره من الزكويّة فافهم.

وقد عرفت شرح قوله : «ويتعلق الوجوب (الى قوله) : بخلاف باقي النصب» قوله : «وتضم الثمار» قال المصنف في المنتهى : لو كان له نخل يتفاوت إدراكه بالسرعة والبطوء (الى قوله) : فإنه يضم الثمرتان إذا كان العام واحدا وان كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر (إلى قوله) : ولا نعرف في هذا خلافا (انتهى).

فكأنّ دليله الإجماع ، وما مرّ من الجمع بين المتجانسين ، وصدق وجود النصاب عند مالك (المالك خ) فيجري الأدلّة بعمومها وخصوصها.

وكذا الكلام في ضمّ ما يطلع من الثمرة أوّلا الى ما يطلع ثانيا فيما إذا كان ممّا يثمر مرتين في السنة الواحدة ، فإنها بمنزلة ما يختلف إدراكها ، وبمنزلة بستانين.

قوله : «ولو اشترى ثمرة إلخ» قد مر تحقيقه ، وانه مبنى على مذهبه.

__________________

(١) وهو وجوب الزكاة بشرط النصاب فيعلم الوجوب فيما تجاوز عنه أيّ شي‌ء كان

١١٩

ويجزى الرطب والعنب عن مثله ، لا عن التمر والزبيب ، ولا يجزى المعيب ـ كالمسوس ـ عن الصحيح.

ولو مات المديون بعد بدوّ الصلاح أخرجت الزكاة وان ضاقت التركة عن الدين ، ولو مات قبله صرفت في الدين ان استوعب التركة ، والّا وجب على الوارث ان فضل النصاب بعد تقسيط الدين على جميع التركة.

______________________________________________________

قوله : «ويجزى الرطب والعنب إلخ» ذلك ظاهر للمماثلة ، وعدم التفاوت ، ولظهور التفاوت عند الجفاف ، فإذا أخرج الرطب عن الجاف ، لم يجز الا ان يتحقق الفريضة فيه ، فلا بد من التخمين حتى يصل الى النصاب زبيبا أو تمرا ومعلوم عدم اجزاء المسوس (١) ـ أي الذي وقع فيه الدود ـ عن الصحيح لانه خبيث (٢) ، مع وجوب الزكاة في العين ، ومنه يعلم صحته عن مثله ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو مات المديون إلخ» وجوب الإخراج مقدما على الدين لو كان الموت بعد بدوّ الصلاح سواء ضاقت التركة عن الدين أم لا ظاهر ، بناء على مذهبه من استقرار وجوب الزكاة قبل تعلق الدين بالمال ، فإنه حين حياة المالك كان الدين متعلقا بالذمة ، والزكاة بالعين ، وبعد الموت ما بقي للدّين محلّ في المال ليتعلق به.

واما لو مات قبل البدوّ فتصرف الغلّة في الدين ، فان استوعب الدين التركة فلا زكاة لتعلّق الدين بالعين واستقراره ، وعدم انتقال المال الى الوارث ملكا تامّا قبل البدوّ بإجماع.

وان لم يستوعب وبقي مقدار النصاب عند وارث واحد ، قال المصنف هنا :

__________________

(١) السوسة والسوس دود (يقع في الصوف والطعام ، ومنه قوله حنطة مسوّسة بكسر الواو والمشدّدة ـ وساس الطعام من باب قال ، وساس يساس من باب تعب (مجمع البحرين) ج ٤ ص ٧٨.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) البقرة ـ ٢٦٧.

١٢٠