مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٦

ولو اشتبه النّجس من إلا نائين اجتنبا وتيمّم.

______________________________________________________

(فمنع الشهيد) (١) في الذكرى كون البدعة حراما (في الاحتجاج على كون الأذان الثاني في يوم الجمعة حراما) بأنه بدعة على ما ورد في الخبر ، فإن البدعة ما لم يكن في عهده صلى الله عليه وآله ، وهي تنقسم إلى محرّمة ومكروهة ، فلا دلالة لها على التحريم لأنها أعم (بعيد).

(فدليل) عدم الجواز في الطهارة اختيارا واضطرارا (ما) مرّ وكأنه الإجماع أيضا وبعض الاخبار الدال على اشتراط طهارة الماء المستعمل في الطهارات.

(ودليل) جواز شربه اضطرارا وعدمه اختيارا (لعله) الإجماع ، (وما) يدل على تحريم القذر والخبيث وبعض الآيات مثل ما يدل على تحريم الرجس وهو النجس على ما هو المشهور (ووجوب) حفظ النفس المستفاد من العقل والنقل (يدل) على الجواز اضطرارا كاساغة اللقمة أو دفع العطش المهلك ولو للانقطاع بسببه عن الرفقة فيهلك ، ولقوله تعالى (إِلّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (٢).

ولا يبعد جواز استعماله اختيارا أيضا في غسل الثياب وشرب الدواء والطير وغير ذلك ممّا لا يشترط فيه الطهارة للأصل وعدم ثبوت التحريم صرّح به في الشرح وغيره ، ويدل عليه تقييدهم بالطهارة ، والأصل دليل واضح قوى ما لم يظهر خلافه بعد التفتيش المتعارف المفيد للاطلاع عليه على تقديره غالبا.

قوله : «(ولو اشتبه إلخ)» ان دليله خبران غير معتبرين (أحدهما) موثق (٣) (والآخر) ضعيف (٤).

لكن الظاهر أنهما مؤيدان بالشهرة ، بل بالإجماع على الظاهر ، وعدم ظهور الخلاف ، وبان التكليف بالطهارة بالماء الطاهر محقق والخروج عنه انما يتحقق باليقين أو الظن المعتبر شرعا وليس هنا ، وفيه تأمل.

__________________

(١) حاصل الكلام انه استدل على حرمة الأذان الثاني يوم الجمعة بأنه بدعة وكل بدعة حرام وأجاب الشهيد الثاني بأن مجرد ذلك لا يوجب الحرمة فإن أصل البدعة عبارة عما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله سواء كان محرما أو مكروها فلا يدل الأعم على الأخص وأجاب الشارح ره هنا بأنه بعيد.

(٢) الأنعام ـ ١١٩.

(٣) ئل باب ٨ حديث ٢ من أبواب الماء المطلق.

(٤) ئل باب ٨ حديث ١٤ منها.

٢٨١

ويستحب تباعد البئر عن البالوعة بسبع أذرع ان كانت الأرض سهلة أو كانت البالوعة فوقها والّا فخمس.

______________________________________________________

والظاهر بناء على اعتبار قوانين الأصول واعتبار العلم بالنجاسة جواز استعمال أيهما أراد على تقدير التساوي ، والراجح مع الرجحان كما يقال مثله في واجدي المني في الثوب المشترك من عدم وجوب الغسل على أحدهما مع جريان الدليل بعينه ، وهذا هو الموافق للقوانين والشريعة السهلة الّا ان العدول عن قول الأصحاب مع عدم الشريك يحتاج إلى جرأة تامة ، وصرّح في الفروع والأصول في كتب العامة والخاصة بعدم الجواز ، والا لم يكن دليلهم على ذلك أيضا واضحا فإنه خلاف الإجماع وهو غير ظاهر.

وبالجملة المسئلة مشكلة ، ولكن دعوى الإجماع في المختلف في مثل هذه المسئلة مع ما تقدم من الخبرين وعدم الخلاف ، يقتضي وجوب الاجتناب لو أمكن وهو يقتضي إراقة الماء ثم التيمم لوجودها في دليل الأصل ، ويحتمل الحمل على الاجتناب ، ولهذا قلنا بالاحتياط دون الوجوب كما قال به الشيخ ، ويفهم من كتاب الصدوق.

ولو كان الاشتباه بالمضاف ، فالظاهر وجوب الطهارة بهما مع عدم ماء آخر ويغتفر عدم الجزم في النيّة لعدم الإمكان ، مع انه قد يقال بوجوده لوجوب الوضوء وهو لا يحصل الا بهما.

ولو كان واحدا وجب التيمم والوضوء على الظاهر لما مر ، والاحتياط.

ولا يبعد وجوب إكمال الناقص بالمضاف ما لم يخرج عن الإطلاق لما مر.

قوله : «(ويستحب تباعد إلخ)» لعل دليله بعض الروايات الغير الصحيحة مع الأصل حيث ورد في أحدهما ان كان سهلة فسبعة أذرع وان كان جبلا فخمسة (١) ، وفي الآخر ان كانت (أي البالوعة) أسفل من البئر فخمس وان كانت فوق البئر فسبعة (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٢ من أبواب الماء المطلق.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ٣ من أبواب الماء المطلق.

٢٨٢

وأسئار الحيوان كلّها طاهرة عدا الكلب ، والخنزير ، والكافر ، والناصب

______________________________________________________

ويحتمل الفوقيّة بحسب القرار كما هو الظاهر أو بحسب الجهة لما يدل بعض الاخبار على ان جهة الشمال فوق البئر وانها مهبّ المياه (١).

وخبر حسن يدل على نجاسة البئر (إذا كان بينها وبين البالوعة ثلثة أذرع أو أربعة وكون البئر في أعلى الوادي ومجرى البول من تحتها) (٢) وهو غير معلوم ، بل غير مفهوم أيضا لأن متنه لا يخلو عن اشكال واضطراب ، مع ان الأصل وسائر الأدلة يدفعه.

وبالجملة ما لم يعلم تغيّر البئر من البالوعة النجسة لا يحكم بها وهو الموافق للأدلة سيّما ما هنا من حديث محمد بن القاسم عن ابى الحسن عليه السلام في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها؟ قال : ليس يكره من قرب ولا بد ، يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء (٣).

وبالجملة عدم صحة الأدلة شغلنا عن تفصيل البحث عن البئر ووجوب النزح للاشتباه لكل واحد واحد ، وكذا عن تفصيل البعد بينهما.

قوله : «(وأسئار الحيوان إلخ)» الظاهر ان المراد به هنا ماء قليل لاقاه جزء حيوان خال عن نجاسة طارئة (ظاهرية ـ خ ل) ولا شك انه تابع له في الطهارة والنجاسة ، واما في الكراهة فغير واضح المعنى وان قاله البعض.

والمراد بالكافر مطلقه ولو بالارتداد قولا أو فعلا ، والنصب والغلو والخروج وبإنكار حقيقة ما ثبت عنده انه من الشرع ، ولعله المراد بإنكار الضروري ، فذكر الناصب من عطف الخاص على العام (أو) المراد بالكافر غير الناصب (أو) المراد بالكافر ، الكافر الأصلي ، وبالناصب هو ونحوه ، ولكن في نجاسة الجميع

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٦ من أبواب الماء المطلق لكن لفظ الحديث هكذا قال : ان مجرى العيون كلها مع (من خ ل) مهبّ الشمال فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرها الحديث.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من أبواب الماء المطلق والحديث المنقول في الشرح منقول بالمعنى.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ٧ من أبواب الماء المطلق.

٢٨٣

والمستعمل في رفع الحدث طاهر ومطهر.

______________________________________________________

تأمل ، بل انما المتفق على الظاهر نجاسة الكافر الأصلي والخارجي والغالي والناصب واما المجسمة الحقيقيّة والمشبهة وغيرهما فغير ظاهر ويظهر بالتأمل في الدليل في محلّه.

قوله : «(والمستعمل في رفع الحدث طاهر ومطهر)» دليلها الإجماع على الظاهر والاخبار والاستصحاب ، والأصل ، وكذا كونه مطهرا ان كان المرفوع ، الأصغر واما ان كان الأكبر فكذلك وهو مذهب الأكثر وعليه الأصحاب (الاستصحاب ـ خ ل ـ) وصدق الآيات والاخبار الدالة على انه طهور ، وكون الطهور بمعنى ما يتكرر منه التطهير كما قاله الشيخ القائل بالخروج عنه ، وبعض العمومات ، وما نقل في صحيحتي الفضيل (الثقة) عنه عليه السلام عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض الماء في إنائه فقال : لا بأس (١).

ولو كان غير مطهر لكان به بأس فتأمل ، ولا يخفى ان دلالته على الطهارة أوضح وقال المصنف في المنتهى : لا خلاف في كونه مطهرا من الخبث ، بل الحدث فقط ، والظاهر ان الخبث أغلظ ولهذا نجس المستعمل فيه ، وبالجملة الطهورية ثابتة بدليل شرعي ولا ترتفع الا به وليس ، إذ ما نقل فيه الشيخ : على ما رأيت إلا خبرا (ضعيفا بأحمد بن هلال) قال في الخلاصة انه غال : وورد فيه ذم كثير من سيدنا ابى محمد العسكري عليه السلام ، وقال الشيخ في الفهرست : كان غاليا متهما في دينه مع اشتراك الحسن بن على كأنه ابن فضّال الفطحي مع اضطراب في المتن حيث قال.

عن ابى عبد الله عليه السلام قال : لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل فقال : الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه وأشباهه إلخ (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل حديث ١ ـ ٥ بزيادة قوله (ع) فيما نقله الشيخ ره : هذا مما قال الله عز وجل (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ـ وتمامه : واما الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شي‌ء نظيف فلا بأس ان يأخذه غيره ويتوضأ به.

٢٨٤

وفي رفع الخبث نجس ، سواء تغيّر بالنجاسة أولا ، إلّا ماء الاستنجاء فإنه طاهر ما لم يتغيّر بالنجاسة أو يقع على نجاسة خارجة.

______________________________________________________

ولا يخفى ذلك (١) حيث فهم أوّلا جواز الوضوء مطلقا ، وأيضا غير ظاهر كون القول الثاني منه عليه السلام ، مع انه يحتمل كونه للنجاسة بناء على عدم انفكاك بدن الجنب عنها غالبا ، وكونه مقارنا بالماء المستعمل في غسل الثوب يشعر به.

والتقية والاستحباب أيضا محتمل للجمع ولكن ما رأيت خبرا خاصا في الجواز وقد ادعى الشارح ره ، الصحاح من الاخبار حيث قال : أو على نجاسة المحل جمعا بينها وبين غيرها من صحاح الاخبار ، ولو كان المراد ، العمومات الدالة على كون الماء طاهرا ومطهرا لكان البيان بالآية أولى ، مع انه لا يوجب (لا يجب ـ خ ل) الحمل على المقيد والمطلق وهو اعرف ، نعم وجدت ما يدل على الطهارة مثل صحيحتي الفضيل المتقدمتين.

قوله : «(وفي رفع الخبث نجس إلخ)» نقل الشارح في المستعمل في رفع الخبث مع عدم التغير خمسة أقوال ١ ـ الطهارة مطلقا ٢ ـ والنجاسة كذلك ٣ ـ وكونه كالمحل قبل الغسل إذا كان مستعملا في رفع النجاسة ٤ ـ وقبل غسلته ٥ ـ وكونه كالمحل بعدها ـ والرابع أظهر.

(اما) عدم نجاسة ما كان المحل قبله طاهرا وعدم زيادة غسلته على غسلة محلّه قبل وروده (فلعدم) زيادة الفرع على الأصل وعدم معقوليّة الحكم بالنجاسة بالملاقاة بالطاهر.

واما نجاسته فلأدلة نجاسة الماء القليل بالملاقاة مثل عموم مفهوم أخبار كثيرة صحيحة في تقدير الكر مثل (الماء الذي لا ينجسه شي‌ء كر ،) وإذا بلغ (٢) مقدار الماء كرا لم ينجسه شي‌ء.

__________________

وسنده هكذا : محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن على ، عن احمد بن هلال عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان.

(١) اى الاضطراب في المتن.

(٢) لا يخفى انه ليس في الاخبار لفظه (بلغ) بل (إذا كان) فراجع الوسائل باب ٩ من أبواب الماء المطلق.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة أبي بصير عن ابى عبد الله (ع) قال سئلته عن الجنب يحمل الركوة أو التور ويدخل إصبعه فيه؟ قال ان كانت يده قذرة فأهرقه (١) ـ وكذا صحيحة البزنطي (٢).

وصحيحة محمد بن مسلم إذا شرب الكلب من الإناء اغسل الإناء (٣) وصحيحة البقباق ان الكلب رجس نجس لا يتوضأ بسؤره (٤) ـ وغيرها مما يدل على نجاسة القليل بالملاقاة.

ويعلم منها ان السبب هو ملاقاة النجاسة وقابليّة الانفعال للعلة والمائعية ، والصحيحتان الأولتان تدلان على النجاسة مطلقا سواء كان إدخال الإصبع للغسل أو غيره على الظاهر.

وأيضا (إيجاب) تعدد الغسل ، وإهراق الغسلة الأولى بالكليّة من الظروف ، ووجوب العصر فيما يجب العصر ، وعدم تطهير ما لا يخرج عنه الماء بالماء القليل ، بل بالكثير فقط (ممّا) يدل على نجاسة الغسالة فافهم وأيضا رواية العيص بن القاسم المروية في المنتهى قال سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء فقال : ان كان من بول أو قذر فيغسل ما اصابه (٥) ـ وفي المتن والسند تأمل.

وأيضا قد ثبت نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة عند القائلين بها قال في المنتهى متى كان على جسد المجنب أو المغتسل من حيض وشبهه نجاسة عينيّة فالمستعمل إذا قل عن الكر نجس إجماعا (انتهى) والفرق بين الاستعمال في الغسل وغيره بعيد وان شرط في تطهير النجس بالقليل ورود الماء على

__________________

(١) ئل باب ٨ حديث ١١ من أبواب الماء المطلق.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٧ من أبواب الماء المطلق.

(٣) الوسائل باب ١٢ حديث ٣ من أبواب النجاسات والحديث منقول بالمعنى وكذا لحديث اللاحق فلاحظ الوسائل.

(٤) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب النجاسات.

(٥) الوسائل باب ٩ حديث ١٤ من أبواب الماء المضاف ـ ولكن رواه عن الشهيد في الذكرى ثم قال وروى المحقق في المعتبر عن العيص بن القاسم مثله انتهى نقول : ورواه الشيخ أيضا في الخلاف بعد مسائل ولوغ الكلب وزاد : وان كان وضوئه للصلاة فلا يضره انتهى.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

النجاسة كما نقل عن السيد والشافعي ، واستحسنه المصنف في المنتهى ، إذ يبعد ذلك لأنه لم يتم في جميع المتنجس كما في الظروف والأبواب (١) المبسوطة كما بيّنه في الذكرى ، مع ان الورود في غير صورة التطهير لم يمنع من نجاسة القليل الوارد عندهم أيضا ، ولهذا ما فرقوا في نجاسة القليل بالملاقاة بين الورود وعدمه ، وأيضا فيه أجزأ النجاسة كالمحل ولو في بعض الأوقات ولا يظهر القائل بالفرق ، وأيضا (تخصيص) ماء الاستنجاء بالإخراج وتعليله بأنه خرج واشتراط عدم وصوله إلى نجاسة خارجة (يدل) عليها.

(ولا) يعارض هذه الاحكام كلها بالأصل ، وعموم أدلة طهارة الماء وهو ظاهر فتأمل ، (ولا) بما قيل انه لو نجس لم يطهر المحل ، لأنا لا نسلم ذلك إذ يجوز تطهير النجس بشرط عدم كونه نجسا قبل التطهير وان نجس حينئذ كما قيل مثله في المستعمل في الكبرى بخروجه عن الطهورية.

وعندي لا استبعاد في قول الشارح : (لو صب الماء الطاهر على محل النجس يطهر المحل ويصير ذلك نجسا) وقال المصنف رحمه الله ينجس بعد الانفصال ، وهو أيضا غير مستبعد ، لأن النجاسة والطهارة تعبديان فيحتمل ان يحكم بالطهارة أو بالعفو للضرورة ما دام في المحل وليست تلك بعد الانفصال ، فيحكم بها أو به من كل وجه للمصلحة واستبعده الشارح جدا واختار نجاسة البئر ببدن الجنب الخالي عن النجاسة لأنه تعبدي.

وبالجملة ما ذكرناه ليس ببعيد للمصلحة ، فإن الأحكام تدور معها وليس بأبعد ممّا قالوا من طهارة الدلو ، والرشا ، ويد المستقي ، وحافة البئر ، والباقي بعد النزح مع تقاطر الماء النجس عليه من الدلو ، ووصول الدلو إليه أخيرا وقعرها بعد النزح ، وكذا طهارة بدن من يعمل الدبس وما وصل اليه من العصير بانقلاب الأصل دبسا وهو ظاهر ، وبالجملة الظاهر وجوب الاجتناب من المستعمل القليل في النجاسة وان كان كل الأدلة لا يخلو عن تأمل.

وإذا أخرج منها ما يمكن الإخراج عادة بقي المحل مع ما فيه طاهرا أو عفوا

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها مخطوطة ومطبوعة ولعل الصواب (والأثواب).

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

للضرورة والحرج والسهلة.

ويدل عليه أيضا عدم الأمر بجمعة بعده ثم الوضوء والغسل به على تقدير الاحتياج الا ان يقال : بخروجه عن الطهورية دون الطهارة ، ولكن لا فرق بين خروجه عن الطهورية أو الطهارة ولهذا لم يظهر القائل به.

وأيضا الظاهر عدم وجوب الاجتناب عما بقي من أثره في المغسول من البدن والثياب والظروف بعد انفصال ما هو المتعارف وذلك كاليقين ، ولا يحتاج الى التيبيس (١) بالكليّة ، ولهذا ما ورد في الشرع ما يدل عليه ، وما قال به أحد فتأمل واحتط مهما أمكن ، فإن المسئلة من المشكلات ولهذا ما يفهم (من ـ خ) فتوى الشارح وصارت الأقوال كثيرة.

واما استثناء ماء الاستنجاء منه فدليله في التهذيب حسنة الأحول وحسنة محمد بن النعمان (في الفقيه أظنهما واحدا) وهو محمد بن على بن النعمان أبو جعفر الأحول الثقة الملقب بالمؤمن الطاق لعدم ذكره في الرجال الا هذا ونقل هذا الخبر في التهذيب عنه صحيحا ظاهرا أيضا ، ولأن في الرجال ان طريق الفقيه الى محمد بن على بن النعمان حسن ، والمذكور في آخر كتابه في ذكره الاسناد هو محمد بن النعمان ، فحذف الأب ونسب الى الجدّ وأمثاله كثيرة.

وصحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي ، والأول ليس بظاهر في الطهارة لقوله عليه السلام لا بأس به (٢) (اى بوقوع الثوب على الماء الذي استنجى به) فيحتمل العفو.

وظاهر الثاني الطهارة حيث قال عبد الكريم المذكور : سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه؟

قال : لا (٣).

ولو كان نجسا لنجّسه ولكن يكون معفوا (قيل) لا فرق بينهما هنا لان العفو من كل الوجه (وقيل) تظهر الفائدة في الاستعمال مرّة أخرى في الحدث

__________________

(١) من اليبس اى التجفيف.

(٢) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٣) الوسائل باب ١٣ حديث ٥ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

٢٨٨

وغسالة الحمام نجسة ما لم يعلم خلوّها من النجاسة.

______________________________________________________

والخبث ، والظاهر هو بقاء الطهارة والطهوريّة للاستصحاب ، وعدم الخروج بالاستعمال الموجب للنجاسة ، بأدلة نجاسة القليل ، للخبر (١) بل الإجماع فبقي على حاله ، ولأن النجاسة إذا لم تخرجه عن الطهارة للأدلة فكذا عن الطهورية بالطريق الأولى ، تأمل.

والظاهر عدما لفرق بين المخرجين والمتعدي وغيره الا ان يكون فاحشا يخرج عن اسم الاستنجاء لعموم الأدلة من الإجماع والاخبار ، منها نفى الحرج ، الشريعة السهلة.

واما الشرائط التي ذكرها الأصحاب فما نعرف وجهها والعمل بالعموم مقتضى الدليل ما لم يظهر المخصّص ، والاحتياط لا يترك ، نعم اشتراط عدم وقوعه على نجاسة خارجة غير بعيد لان الظاهر من الدليل هو الطهارة من حيث النجاسة التي في المحلّ ما دام كذلك.

واما عدم التغير وعدم وجود الاجزاء معه فغير ظاهر ، والثاني أبعد ، بل الظاهر انه لا ينفك عن الاجزاء ، والأول محتمل فيحتمل اختصاص الإجماع والاخبار ببعض الأفراد فتأمل.

قوله : «(وغسالة الحمام إلخ)» قال في الشرح : هي الماء المستنقع فيه والمنفصل من الغسلتين ، ولعل دليل نجاستها نقل إجماع ابن إدريس ، وما رأيت فيه من الاخبار إلا خبر ابن ابى يعفور المذكور في الكافي عنه عليه السلام قال لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام إلخ (٢).

وخبر حمزة بن احمد ، عن ابى الحسن عليه السلام : ولا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها ماء الحمام إلخ (٣) ، وانه موضوع لإزالة النجاسة فالظاهر ان ما فيه نجس تغليبا للظاهر على الأصل.

__________________

(١) يعنى لخبر عبد الكريم المذكور.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٤ من أبواب الماء المطلق المضاف وإلخ وتمام الحديث : فان فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء ، وفيها غسالة الناصب وهو شرهما إلخ الحديث.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب الماء المطلق.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن الإجماع غير ثابت والخبران في غاية الضعف سندا للإرسال وغيره مع اشتمالها على نجاسة ولد الزنا واشتمال الأول على انه لا يطهر إلى سبعة آباء وهو غير معقول ، ولا ما افتى به ، وان المنهي عنه هو الاغتسال في البئر واين من المطلوب؟ ووضعه لإزالة النجاسة غير مسلّم ، وترجيح الظاهر على الأصل على تقدير التسليم ليس بظاهر هنا.

والأصل يدل على الطهارة ، وكذا صحيحة محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره اغتسل من مائه؟ قال : نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب ولقد اغتسلت فيه ثم جئت فغلست رجلي وما غسلتهما الا مما (بما خ ـ ل) لزق بهما من التراب (١).

وموثقة زرارة (لوجود ابن بكير في الطريق لعله عبد الله الذي قيل : انه ممن أجمعت على تصحيح ما صح عنه وانه فطحي ثقة) قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام يخرج من الحمّام فيمضي كما هو لا يغسل رجليه حتى يصلى (٢).

ومرسلة أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابنا عن ابى الحسن الماضي عليه السلام قال : سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب قال : لا بأس (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام جائيا من الحمام وبينه وبين داره قذر فقال : لو لا ما بينى وبين دارى ما غسلت رجلي ولا نحيت (بجنب ـ خ ل) ماء الحمام (٤).

وكأنه لذلك اختار المصنف الطهارة في المنتهى وهو الظاهر لكثرة أدلة الطهارة حتى يعلم النجاسة ، ويمكن الجمع بالكراهة وعدم النجاسة ـ واعلم ان هذه الاخبار الصحيحة ، وكذا غيرها مما ورد في تحديد الكر من الاخبار المتقدمة صريحة في عدم تنجس الماء بمباشرة بدن الجنب وان الغسل والوضوء يجوز في ماء اغتسل به الجنب اختيارا ، غاية ما يمكن ان يكون كرا ذا مادة.

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ٢ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب الماء المطلق.

٢٩٠

ويكره الطّهارة بالمسخن بالشمس في الأواني والمسخن بالنار في غسل الأموات ،

______________________________________________________

فما يضر ما وقع في مكاتبة محمد بن إسماعيل صحيحا : فكتب لا يتوضأ من مثل هذا الماء الا من ضرورة (١) ـ إشارة الى ما في السؤال (عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ويستقى فيه من بئر ويستنجى فيه الإنسان من بول أو غائط أو يغتسل فيه الجنب.

ويمكن الكراهة لهذه وهي أيضا بعيدة لمداومتهم عليهم السلام الحمّام المعدّ لذلك ، ويمكن حملها على الكراهة إذا كان دون الكر مع عدم النجاسة ، ولا يدل استنجاء الإنسان فيه عن بول على النجاسة لأن ماء الاستنجاء طاهر ، وكذا عن الغائط لو كان ، وغسل الجنب فيه يحمل على خلو النجاسة من البدن وهو أيضا يكون دليلا على طهارة ماء الاستنجاء وطهورية الماء المستعمل فتأمل.

(وحمل الشيخ) هنا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : سألته عن ماء الحمام فقال : ادخله بإزار ولا تغتسل من ماء آخر الا ان يكون فيه (فيهم ـ خ) جنب أو يكثر اهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا (٢) (على ما) ليس له مادّة فهذا مؤيد آخر لاشتراط المادّة ، ولكن مع ذلك ينبغي ان يكون ذلك مع نجاسة بدن الجنب وهو ظاهر فترك لذلك أو بنى على مذهبه من خروج المستعمل القليل عن الطهوريّة كما يظهر من كلامه ، وكأنّ معنى قوله عليه السلام (ولا تغتسل من ماء آخر) انه اغتسل من مائه.

قوله : «(ويكره الطهارة بالمسخّن بالشمس إلخ)» لعل المراد به ماء استسخن بها في الأواني مطلقا في أي آنية كانت ، وفي أي بلاد كانت مع بقاء السخونة وعدمها ، ودليلها هو النهي الموجود في قوله عليه السلام لعائشة (بعد ما وضعت قمقمتها في الشمس لتغسل رأسها وجسدها) : لا تعودي فإنه يورث البرص (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١٥ من أبواب الماء المطلق.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٥ من أبواب الماء المطلق.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقوله عليه السلام : الماء الذي يسخن بالشمس لا تتوضئوا به ولا تغتسلوا به ولا تعجنوا به فإنه يورث البرص (١).

(وقول) ابى عبد الله عليه السلام (في حديث فيه محمد بن سنان) ـ لا بأس بأن يتوضأ بالماء الذي يوضع في الشمس (٢) (يدل) على الجواز وكأنه لأجل ذلك ولقوله (ص) : (لا تعودي) فإنه يفهم عدم المنع رأسا ، قيل : ولظاهر العلة الدنيويّة وعدم صحة الاخبار (قيل) بالكراهة.

والظاهر تعميم الكراهة لجميع الاستعمالات الواصلة إلى البدن ولو بأكل طعام فيه ذلك أو شرب ما فيه ، كما يدل عليه سوق الخبر الثاني ، وظاهر العلّة ، بل ظاهره عدم الاختصاص بالآنية.

ولا يبعد تخصيصهما بما دون الكر والجاري لجواز استعماله مع وقوع النجاسة فيه من دون الكراهة وعدم انفكاكهما عن الشمس غالبا ، مع الأصل وعدم صحة الخبر.

(واما) التخصيص ببعض البلاد الحارّة ، وبمثل أواني الرصاص والحديد (فبعيد) وظاهر الخبر يدفعه.

ودليل كراهة استعمال الماء المسخن بالنار لغسل الميّت ، مرسلة يعقوب بن يزيد عن عدّة من أصحابنا (مع وجود سهل بن زياد الضعيف) عن ابى عبد الله عليه السلام قال : لا تسخن للميّت الماء ، لا تعجل له النار (٣).

ورواية زرارة قال : قال أبو جعفر عليه السلام : لا تسخن الماء للميّت (٤).

وخبر عبد الله بن المغيرة عن رجل عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما السلام قالا : لا يقرب الميّت ماء حميما (٥) ـ وسند الثاني جيّد (٦) ،. وقال في

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٣) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب غسل الميّت.

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب غسل الميّت وباب ٧ حديث ١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٥) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب غسل الميّت.

(٦) فان سنده هكذا على ما في الوسائل محمد بن الحسن بإسناده عن على بن مهزيار عن فضالة عن ابان عن زرارة.

٢٩٢

وسئور الجلّال وآكل الجيف ، والحائض المتّهمة ، والبغال ، والحمير ، والفارة ، والحيّة ، وما مات فيه الوزغ والعقرب.

______________________________________________________

المنتهى لما رواه الشيخ في الصحيح (١) عن ابى جعفر عليه السلام ، كأنه اشارة اليه وفيه فضالة ، والظاهر انه ابن أيوب الثقة ، وابان وهو مشترك وأظنه ابن عثمان الثقة ، واتهم بأنه ناووسي ، ولكن قالوا : انه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما صح عنه وهو مقبول في الخلاصة ، وسمى بعض الاخبار الذي هو فيه بالصحة مثل ما يدل على عدم وجوب السلام (٢) ، وبالجملة انه مقبول لثبوت التوثيق وعدم ثبوت غيره ، ولعل عدم التحريم لعدم القائل به وبعض الشبهة فيه وبعد التحريم مع العمومات.

قوله : «(وسئور الجلال إلخ)» دليل كراهة سئور الجلال غير واضح مع انه غير مأكول اللحم وان الشارح قال في أول الباب : السؤر تابع في الطهارة والنجاسة والكراهة للحيوان ، وهو منقوض بالأشياء الكثيرة فمعناه غير واضح ، ولعله مأوّل فتأمل.

ودليل كراهة سئور الحائض المتّهمة ، روايات مطلقة ومقيدة (٣) فحملوها عليها وهو غير لازم على ما فهمت ، فتذكر.

ونقل عن الشيخ في المبسوط إطلاق الكراهة كأنه نظر اليه فلا يرد عليه إيراد الشارح بان الحمل طريق الجمع ، لعدم المنافاة فإنه (٤) قال في بعض الاخبار إذا كانت مأمونة فلا بأس (٥) أي بالوضوء من سئور الحائض ، وفي الاخبار الكثيرة (لا تتوضأ منه (٦) اى من سئورها من غير قيد ، ونفى البأس لا ينافي

__________________

(١) الظاهر ان غرضه قده ان العلامة في المنتهى عبر عنه بالصحيح.

(٢) ئل باب ٣ حديث ٢ من أبواب التسليم من كتاب الصلاة.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٨ من أبواب الأسئار.

(٤) تعليل لقوله فلا يرد إلخ.

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ٥ من أبواب الأسئار.

(٦) راجع الوسائل باب ٨ من أبواب الأسئار.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الكراهة ، بل يشعر بها على ما قيل ، غاية الأمر يكون كراهة سئور المتهمة أشد فتأمل.

ثم ان (الذي) رأيت في الاخبار الكثيرة ، ولكنها غير صحيحة إلا خبرا واحدا (فإنه صحيح في الكافي) عن ابى عبد الله (ع) قال : وسألته عن سئور الحائض فقال : لا تتوضأ منه وتوضأ من سئور الجنب إذا كانت مأمونة (١) فيكون (إذا كانت) قيد الجنب ، وهو خلاف المشهور ، وفي التهذيب توضأ منه ، وتتوضأ من سئور الجنب إلخ مع عدم الصحة (٢) و (إذا كانت) تكون قيدا للحائض ، وفيه بعد ، (أو) لهما (٣) وهو أيضا خلاف المشهور ، وبالجملة لا يخلو عن شي‌ء.

(هو) (٤) النهي عن الوضوء من سئور الحائض وتجويز الشرب منه.

وفي البعض نفى البأس عن الوضوء من سئورها إذا كانت مأمونة (٥).

وما رأيت خبرا دالا على النهي أو الكراهة من استعمال سئورها مطلقا ، بل هي مخصوصة بالوضوء مع قوله (تشرب منه) (٦) و (اشرب منه) (٧) في الخبر الصحيح فما اعرف وجه إطلاق الأصحاب.

فكأنهم فهموا العلّة ، وقاسوا ، وتركوا العمل بالتصريح بالشرب وحملوه على الجواز مع الكراهة في الجملة والوضوء على الشدة وهو بعيد ، وقال الشيخ في التهذيب ، للجمع : (إذا لم تكن المرأة مأمونة ، فإنه لا يجوز التوضؤ بسؤرها).

كأنه على طريق الاحتمال والجواز فان القول بالتحريم غير مشهور ، وما ذكره في ذلك في التهذيب غير صحيح وان كان هو يعمل به كثيرا ، فإنه قال بعد : ويجوز ان يكون المراد بها ضربا من الاستحباب ، ويدل على ما قلناه أيضا ما رواه في التهذيب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : المرأة الطامث اشرب من

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الأسئار.

(٢) يعنى عدم صحته سندا.

(٣) يعنى كون قوله : (إذا كانت) قيدا للحائض والجنب.

(٤) خبر لقوله : (ان الذي).

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ٥ من أبواب الأسئار.

(٦) الوسائل باب ٨ حديث ٦ من أبواب الأسئار.

(٧) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الأسئار.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فضل شرابها ولا أحب ان تتوضأ (أتوضأ ـ خ صا) (١) منه.

وهو صريح في الكراهة مطلقا في الوضوء وعدمها في الشرب ، فلا تحريم كما هو المشهور ، بل كاد أن يكون إجماعيا.

واعلم انه قال في الشرح : طرّد الشهيد رحمه الله الحكم في كل متهم ، ونوقش فيه حيث انه تصرف في النص ، وقد يقال : انه تصرف فيه لظهور العلّة وهي التهمة بالنجاسة ، فتأمل.

وامّا دليل كراهة سئور البغال والحمير ، فقال في الشرح : هو كراهة لحمها وفي الكبرى منع (٢).

ودليل كراهة سئور الفارة ، الأصل (٣) ، مع بعض الأخبار الصحيح الدال على طهارته مثل عموم صحيحة البقباق المشتملة على جميع الحيوانات (٤).

وحسنة هارون بن حمزة الغنوي (لوجود يزيد بن إسحاق الممدوح) عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الفارة والعقرب واشتباه ذلك يقع في الماء فتخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه (به ـ خ ل)؟ قال : يسكب منه ثلاث مرّات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه (٥).

وصحيحة سعيد الأعرج قال : سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة تقع في السمن والزيت ، ثم تخرج منه حيّا فقال : لا بأس بأكله (٦).

ومفهوم الأخبار الصحيحة الدالة على نجاسة ميتها ـ مثل صحيحة زرارة

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٨ من أبواب الأسئار.

(٢) يمكن ان تستشعر الكراهة من مفهوم موثقة سماعة قال : سألته هل يشرب سئور شي‌ء من الدواب ويتوضأ منه؟ قال : اما الإبل والبقر والغنم كما عنون في الوسائل هكذا ـ باب طهارة سؤر بقية الدواب حتى المسوخ وكراهة سئور ما لا يؤكل لحمه).

(٣) يعني أصالة عدم الحرمة.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٤ من أبواب الأسئار وقوله قده (على جميع الحيوانات) يعنى على سبيل الاجمال لا التفصيل فإن الراوي قال فيها : (فلم اترك شيئا إلّا سألت عنه).

(٥) الوسائل باب ٩ حديث ٤ من أبواب الأسئار.

(٦) الوسائل باب ٤٥ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عن ابى جعفر عليه السلام قال : إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه فان كان جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي ، وان كان ذائبا فلا تأكله واستصبح به والزيت مثل ذلك (١).

وقريب منه صحيحة الحلبي (٢).

وصحيحة إسحاق بن عمار (في الفقيه والاستبصار) لا بأس بسؤر الفارة (٣).

وصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى وسألته عن فارة وقعت في حبّ دهن فأخرجت قبل ان تموت أيبيعه من مسلم؟ قال : نعم ويدهن منه (٤).

فان ظاهرها الطهارة ومؤيّدة بالشهرة والكثرة فيحمل ما يدل على الاجتناب ، من الاخبار الصحيحة وغيرها ، على الكراهة واستحباب الاجتناب.

وكذا الحال في الحيّة والوزغة ، ويدل على الطهارة ما في صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى (في حديث). وسألته عن العظاية (٥) والحية والوزغ تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة؟ قال : لا بأس (٦) ـ وغيرها من الاخبار.

فحمل ما يدل على الاجتناب ، على الكراهة للجمع (أو) يحمل على السمّ أو النفرة.

ويؤيّده ما قال في المنتهى : (اتفق علمائنا على ان ما لا نفس له سائلة من الحيوانات لا ينجس بالموت ولا يؤثر في نجاسة ما يلاقيه من الماء وغيره (انتهى) ودلّ عليه أخبار كثيرة.

وصدر خبر على بن جعفر يدل على كون الحيوان مثل الإنسان في انه لو لاقته

__________________

(١) الوسائل باب ٤٣ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) ئل باب ٤٣ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٣) ئل باب ٩ حديث ٢ من أبواب الأسئار من كتاب الطهارة.

(٤) ئل باب ٩ صدر حديث ١ من أبواب الأسئار.

(٥) هي بالعين المهملة والظاء المشالة ، قال في النهاية : في حديث عبد الرحمن بن عوف : كفعل الهرّ يفترس العظايا.

هي جمع عظاية دويبة معروفة انتهى وفي مجمع البحرين : العظاء ممدودا دويبة أكبر من الوزغة ، الواحدة عظاية وعظاية وجمع الاولى عظاء والثانية عظاءات انتهى.

(٦) ئل باب ٩ ذيل حديث ١ من أبواب الأسئار.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

النجاسة ينجس سواء كان عين النجاسة باقية أم لا) قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة ثم تدخل في الماء أيتوضأ منه للصلاة؟ قال : لا الا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء (١).

فيؤول (ما) دل على خلافه مثل (٢) (اشرب من سئورها ما لم تر فى منقارها دما) مثلا مع عدم ظهور ، في الطهارة مع الملاقاة بالرطوبة بدون العين أيضا.

(بأن) (٣) المراد ما لم يلاقه فان دليل ما هو المشهور بين الأصحاب من الطهارة ما لم يكن عين النجاسة ظاهرة في عضو الحيوان ، ومع الملاقاة يطهر بمجرد زوال العين بدون التطهير ولو كان بحضورنا كما هو المذكور في الرسالة.

واستدل عليه في المنتهى (٤) بأدلة غير تامة بزعمي ، وهي العمومات الدالة على جواز استعمال سئور الطيور والسباع (٥) مع انها لا تنفك عن أكل الميتة والعذرة وغيرهما من النجاسة ، وكذا الأخبار (٦) الدالة على طهارة سئور الهرّة من غير بيان ، فلو كان المراد مع عدم ملاقاتها النجاسة لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وحمل العمومات على الندرة.

(والجواب) انه بعد ما علم نجاسة الملاقي لها لا تأخير ولا ندرة لأنه في أكثر الأوقات ما يرى الإنسان ملاقاتها بالنجاسة ، فعنده محمول على العدم وهو ظاهر عنده ، وبالجملة دفع النجاسة المحققة بهذه الأشياء في غاية الاشكال والعلم بها لا يزول الا بمثله.

وكذا الحكم فيها بطهارة عضو الآدمي المسلم الذي ما ظهر عدم تقيده بالشرع بمجرد الغيبة ووجّه باحتمال التطهير ، وبان المسلم الذي لا يظهر عدم

__________________

(١) ئل باب ٨ حديث ١٣ من أبواب الماء المطلق.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٤ من أبواب الماء المطلق ، ولفظ الحديث هكذا : كل شي‌ء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه الا ان ترى في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب ، وفي بعض نسخ الوسائل : فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ ولا تشرب.

(٣) بيان التأويل ومتعلق بقوله ره فيول.

(٤) قال فيه : الثالث يكره سئور ما أكل الجيف من الطير إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة إلخ فراجع.

(٥) لاحظ الوسائل باب ٤ من أبواب الاسناد.

(٦) لاحظ الوسائل باب ٢ من أبواب الأسئار.

٢٩٧

النظر السادس فيما يتبع الطّهارة

النجاسات عشرة

البول ، والغائط من ذي النّفس السّائلة غير المأكول بالأصالة كالأسد أو بالعرض كالجلّال.

______________________________________________________

تقيّده بالشرع لا يخلى عضوه نجسا.

وهو كما ترى لا يخلو عن اشكال لما مر ، ولأنا نحن كثيرا ما نخلي عضونا نجسا الى محلّ الاحتياج ، مع ان السهو والنسيان كثير ، نعم لو وجد استعماله بذلك العضو فيما يشترط فيه الطهارة يحتمل ذلك لما قال ، والأصل عدمهما ، ومع ذلك فتأمل ولا تترك الاحتياط بوجه.

النظر السادس فيما يتبع الطهارة

النجاسات عشرة

قوله : «(البول والغائط إلخ)» دليل نجاسة البول والغائط المذكورين نقل الإجماع في المنتهى وغيره.

ومفهوم حسنة زرارة (لإبراهيم) انهما قالا : لا تغسل ثوبك من أبوال ما يؤكل لحمه (١).

وحسنة عبد الله بن سنان كذلك قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه (٢).

والاخبار الصحيحة في غسل بول الآدمي واستنجاء مخرج الغائط (٣) ، وعدم القائل بالفرق.

ولكن نقل استثناء ابن الجنيد بول الرضيع قبل اكله اللحم ولم ينقل عنه دليل ، والأصل معه ، والشيخ والصدوق (٤) بول وروث ما لا يؤكل لحمه من الطائر.

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٤ من أبواب النجاسات وفيه لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء إلخ.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب النجاسات.

(٣) راجع باب ٣١ وباب ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة.

(٤) يعني نقل عن الشيخ والصدوق استثناء بول إلخ.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ودليلهما حسنة أبي بصير (لإبراهيم) عن ابى عبد الله عليه السلام قال : كل شي‌ء يطير فلا بأس بخرئه وبوله (١).

ونقل في المنتهى عنهما استثناء الخرء فقط ، وهو مؤيّد بالأصل مع عدم صحة الخبرين وعدم خصوصيتهما وعدم ثبوت الإجماع.

ولعل بول الخشاشيف خارج عن بول الطائر المستثنى لنقل الشيخ قبل هذه خبرا يدل على نجاسته (٢) وأوّل خبر عدمها (٣) ، ولكن الخبرين غير صحيحين.

واما بول ما يؤكل لحمه ، ففي غير الخيل والبغال والحمير كأنه لا خلاف في طهارته كما أشار إليه في المنتهى ، وامّا فيها فقال فيه : للأصحاب فيه قولان أصحهما الطهارة ، ودليله ما مرّ من عموم الحسنة (٤).

وما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه فقلت : أليس لحومها حلالا؟ فقال : بلى ولكن ليس مما جعله الله للأكل (٥).

وحمل أدلة النجاسة على الكراهة واستحباب الاجتناب جمعا بين الاخبار.

ولقرينة الكراهة في هذا الخبر.

ولحسنة (أبي الأغر النحاس في الفقيه (لإبراهيم) وليس بحسن في الكافي) قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : انى أعالج الدواب ، فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت ، فيضرب أحدها برجله أو بذنبه فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه فقال : ليس عليك شي‌ء (٦).

ورواية المعلى بن خنيس وعبد الله بن ابى يعفور قالا : كنا في جنازة

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب النجاسات وفيه ببوله وخرئه.

(٢) ئل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب النجاسات.

(٣) ئل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب النجاسات.

(٤) يعني حسنة زرارة المتقدمة.

(٥) الوسائل باب ٩ حديث ٧ من أبواب النجاسات.

(٦) الوسائل باب ٩ حديث ٢ من أبواب النجاسات.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقربنا (قدامنا ـ خ ل) حمار ، فبال فجائت الريح ببوله حتى صكت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على ابى عبد الله عليه السلام فأخبرناه فقال : ليس عليكم شي‌ء (١).

والأصل ، والشهرة ، ونفى الحرج ، والشريعة السمحة ، مؤيدات.

واما الذي يدل على النجاسة فحسنة محمد بن مسلم (لإبراهيم) عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سألته عن أبوال الدوابّ والبغال والحمير فقال : اغسله فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله فان شككت فانضحه (٢).

ورواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يمسّه بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا؟ قال : يغسل أبوال الحمار والفرس والبغل واما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله (٣).

لعلّه يريد ما جعله للأكل كما سيجي‌ء في خبر آخر (٤) ، والظاهر انه مقبول ، إذ ليس فيه الا أبان بن عثمان وهو مقبول كما سيعلم.

وصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أبوال الخيل والبغال فقال : اغسل ما أصابك منه (٥).

وكانّ الحمار كذلك لعدم القول بالواسطة أو بالطريق الأولى ، والفرس والبغل ، ورواية الحلبي أيضا عن ابى عبد الله عليه السلام قال : لا بأس بروث الحمير واغسل أبوالها (٦).

فكان الخيل والبغال كذلك ، لما مر من عدم القول بالواسطة.

وأظن أن سندها معتبر وان كان في الطريق ، البرقي ، وابان (٧) ـ لأن الظاهر انه أحمد بن محمد أو أبوه أو عمه وهم ثقات ، وان ابان هو ابن عثمان ، وهو

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١٤ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل باب ٩ ذيل حديث ٥ من أبواب النجاسات.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٩ من أبواب النجاسات.

(٤) ئل باب ٩ حديث ٧ من أبواب النجاسات.

(٥) الوسائل باب ٩ حديث ١١ من أبواب النجاسات.

(٦) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب النجاسات.

(٧) وسنده كما في الوسائل هكذا محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن البرقي ، عن ابان عن الحلبي.

٣٠٠