مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٦

ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث (أو) شك في شي‌ء منه بعد الانصراف لم يلتفت

______________________________________________________

صحيحة زرارة وحسنته عن ابى جعفر (ع) إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه الخبر (١) وغيرها مما يدل على عدم الخروج عن اليقين إلا بيقين مثله.

واما دليل الثاني ، فهو التساقط بتعارض تيقن الطهارة والحدث والشك في المتأخر مع وجود الأمر بالوضوء عند إرادة الصلاة بالآية (٢) والاخبار والإجماع إلا مع يقين الطهارة أو الظن المأخوذ من الدليل

واما الرابع وهو عكس الأول فدليله دليل الأول واما دليل الخامس وهو الشك في شي‌ء منه بعد الانصراف ، هو اخبار الانصراف (٣) ولا ينبغي التفصيل المشهور والبحث الكثير الذي وقع فيما لو تيقنهما وشك في اللاحق ، ولهذا تركته بالكلّية ، نعم لو كان عنده عادة تفيد العلم يبنى عليها (وما قيل) ان هذا الفرد خارج عن البحث (ليس بجيد) لكونه من البحث في أول الأمر (كما قيل في الشك في ابتداء عدد الأشواط من الصفا والمروة ، بأنه ان كان في المروة والعدد فرد فالابتداء من الصفا ، وكذا ان كان زوجا وهو في الصفا ، لان الابتداء منه حينئذ وان كان بالعكس فباطل لكون الابتداء من المروة) والا ، يجب التطهر جزما من غير اشكال ، والكل واضح الا ان كلامه قدس الله روحه العزيز من جهة الاختصار لا يخلو عن إجمال في قوله (أعاد) حيث أراد منه فعل الوضوء في غير الشك في شي‌ء منه ، وفيه الإعادة على المشكوك وما بعده لما مر من وجوب الترتيب ،

ولكن هنا خفاء في ان المراد بعدم الالتفات بعد الانصراف ما هو؟ وظاهر

__________________

(١) الوسائل باب ٤٢ حديث ١ من أبواب الوضوء وراجع بقية أخبار الباب

(٢) اما الآية فقوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلخ بناء على تفسيرها بإرادة الصلاة يعني إذا أردتم الصلاة فاغسلوا واما الاخبار فلاحظ الوسائل باب ١ وباب ٢ وباب ٣ وباب ٤ من أبواب الوضوء ، واما الإجماع فهو إجماع المسلمين قاطبة

(٣) لاحظ الوسائل باب ٤٢ من أبواب الوضوء

١٢١

ولو جدد ندبا ثم ذكر بعد الصلاة إخلال عضو جهل تعيينه (بعينه ـ خ ل) أعاد الطهارة والصلاة إلا مع ندبيّة الطهارتين ، ولو تعددت الصلاة أيضا أعاد الطهارة والصلوتين.

______________________________________________________

الأصحاب ان مجرد الفراغ من الوضوء يوجب ذلك وفي بعض الاخبار قيّد بقوله إذا فرغ وانتقل ودخل في شي‌ء آخر (١) مثل الصلاة وغيره فهو محلّ تأمل وان كان ظاهر بعض الأدلة (٢) ما ذكره بعض الأصحاب

وأيضا ، الظاهر ان المراد بعدم الالتفات هو الرخصة في الترك ، لا انه وجب عدم الفعل ، وكذا في عدم الطهارة في صورة يقين الطهارة والشك في الحدث للأصل ومطلوبيّة الاحتياط وان كان تمام الاحتياط في نقض الوضوء ثم الاستيناف لعدم الجزم في النيّة على ما اعتبروه

ويحتمل المنع لأني رأيت في التهذيب خبرا انه قال : (إياك ان تحدث وضوءا) (٣) في صورة الشك في الحدث مع يقين الطهارة

ويحتمل كون المراد على سبيل الإيجاب والحتم وعدم قبول الرخصة

واما قوله : («ولو جدد ندبا إلخ») العبارة مجملة ، والمقصود ظاهر كما قاله الشارح ووجهه أيضا ظاهر على ما حرروا ، ولكن جعلهم مبناه على اعتبار الوجه وعدم اعتبار الرفع والاستباحة في النيّة (٤) غير واضح لانه على تقدير القول بأنه لا بد من نيّة الوجوب والاستباحة أو الرفع في الوضوء معلوم انه ما ينويه في المجدد

__________________

(١) إشارة إلى قوله في صحيحة ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليه السلام قال : إذا شككت في شي‌ء من الوضوء ودخلت في غيره فليس شكك بشي‌ء ، إنما لشك في شي‌ء لم تجزه ـ الوسائل باب ٤٢ حديث ٢ من أبواب الوضوء

(٢) إشارة إلى قوله (ع) في موثقة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) كلما مضى من صلوتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه كما هو ولا اعادة عليك فيه ـ الوسائل باب ٤٢ حديث ٦ من أبواب الوضوء

(٣) متن الحديث هكذا ـ عبد الله بن بكير عن أبيه قال : قال لي أبو عبد الله (ع) إذا استيقنت انك قد أحدثت فتوضأ وإياك ان تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن انك قد أحدثت ـ الوسائل باب ٤٤ حديث ١ من أبواب الوضوء

(٤) اى جعلوا مبنى قوله : أعاد الطهارة والصلاة على اعتبار الوجه مثل الوجوب والندب في الطهارة ، ومبنى قوله : الا مع ندبيّة الطهارتين على عدم اعتبار الرفع والاستباحة ، والا لم يصح مع ندبيتهما أيضا وكذا مع وجوبهما فتأمل فيه ـ منه قدس سرّه

١٢٢

ولو تطهر وصلى وأحدث ثم تطهر وصلّى ثم ذكر بعد الصلاة إخلال عضو مجهول أعاد الصلوتين بعد الطهارة ان اختلفا عددا والا فالعدد.

______________________________________________________

إذ يعتقد حصولهما بغيره ، فكيف ينويهما ، ومع نيتهما أيضا ما ينفع لانه ما قصد وما اعتقد ، بل لا يتخيل محققا الا ان يقصد على تقدير عدمهما بالأولى ، لكنه بعيد

والظاهر ان الندب غير موّجه حينئذ الّا ان يريدوا انه لا بد من الوجوب ، ومن أحدهما (١) في النيّة بحيث يكون مطابقا للواقع كما هو الظاهر لا بمجرد الذكر والتلفظ وذلك لا يمكن مع ندبيتهما ، وكذا مع وجوبهما فيصح البناء أيضا ،

ولكن الثاني خلاف الظاهر ، إذ مذهب المصنف هنا اعتبار أحدهما فيمكن ان يكون ذاهبا الى كون المجدّد رافعا وان اعتبار أحدهما انما هو في غير المجدد وهو الظاهر ، إذ معلوم ، مشروعيّة المجدّد وكونه وضوء شرعيّا مع امتناع اعتبار أحدهما في نيته كما مرّ ،

وينبغي الحدث ثم الوضوء حتى يتحقق كونه رافعا ولم يكن مثل المجدّد فتأمل ، ولانه على تقدير القول بعدم اشتراط الوجه فيمكن (يمكن ـ خ) انه إذا قصد خلاف الوجه الذي عليه لم يصح لأن نية الندب لمن يجب عليه الوضوء لم يصح وان قلنا ان الوجه لا يعتبر ، والفرق بين عدم الاعتبار فقط وتجويز ضده أيضا كثيرة ولكن قد يفهم ذلك من الشرائع وصرّح به المحقق في بعض تحقيقاته ونقل عن المعتبر أيضا ، وذلك غير بعيد هنا مع عدم العلم ، واما مع العلم فمشكل ، بل يشكل إمكان تحقّقه من المكلف فتأمل

ثم ان الظاهر في المسئلة صحّة الصّلوة والطهارة مطلقا لاعتقادى ان (التجديد) وان فعله باعتقاد (التجديد) ، وصحة الاولى (٢) ووجوبها وندبيّة الثانية وعدم قصد الرفع ، (رافع) على ما ظهر من علّة شرعه ، ويكفى ذلك خصوصا إذا كان للفاعل شعور به ، مع أن الإعادة تكليف شاق ، والأصل عدمه ، والشريعة السهلة تقتضي خلافه ، سيّما إذا وقع بعد العبادات الكثيرة ، مثل الحج والصّلوة ، و

__________________

(١) أي نيّة الرافع أو نية الاستباحة

(٢) يعنى الطهارة الأولى

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر عدم القائل بالفرق. (١)

وعلى تقدير عدم رافعيّة المجدّد فيمكن عدم البطلان ، (لعدم) العلم بالوضوء الباطل بعينه المستلزم لبطلان الوضوء الثاني والصلاة ، والأصل الصحّة وعدم الإعادة (ولبناء) ما فعل على الصحة ، (ولكونه) مأمورا بالفعل حين الفعل ، والأمر للاجزاء ، (ولعدم) الاعتبار بالشك في المبطل بعد الفعل ، والأصل عدم كونه من الأول ، وعدم تحقق الثاني فيمكن ان يتعين بطلانه فتأمل فيه (ولصدق) انه الوضوء من غير تقييد بعدم المجدّد و (كونه) منهيا (منفيا ـ خ ل) بأي وجه. بل ظاهرها (٢) عدم النيّة مطلقا لا يجاب غسل الوجه (والا ـ خ) فترك النية غير مستحسن.

وكذا تركهم صلوات الله عليهم ، النية في تعليم العبادات خصوصا الوضوء

وأيضا يدل عليه نحو الصحيحة المنقولة (في الكافي في باب مقدار الماء) (٣) عن محمد بن مسلم وزرارة قال (٤) انما الوضوء حدّ من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه (٥) ـ وغير ذلك من الاخبار.

ولو لا خوف خرق الإجماع ، لأمكن القول بعدم النيّة على الوجه المذكور كما هو مقتضى الأدلة.

ونقل الشارح في شرح الرسالة عدم ذكرها عن المتقدمين ، وحمل دليل النيّة الواردة في عموم الاخبار ، على قصده لله ، لا ان يقصد غير عبادة أو عبادة لغير الله تعالى بفعله (لفعله ـ خ ل) مع الشعور عند الفعل بحيث لو سئل لأجاب انه فعله عبادة لله من غير مكث وتحصيل ، بالفعل (٦) سيّما للعوام ، ولا على الأمور الدقيقة التي فهمها المتأخرون رحمهم الله.

__________________

(١) يعنى لا يفرق القائل بعدم كون المجدّد رافعا بين وقوع العبادات الكثيرة وعدم وقوعها ، فإذا قلنا بعدم صحته في الأول للزوم الحرج ففي الثاني أيضا كذلك

(٢) اى ظاهر الأدلة من الآيات والروايات

(٣) في الكافي باب مقدار الماء الذي يجزى للوضوء والغسل إلخ

(٤) في الكافي عن زرارة ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال إلخ

(٥) ئل باب ٥٢ حديث ١ من أبواب الوضوء

(٦) قوله : بالفعل متعلق بقوله : (لأجاب)

١٢٤

النظر الثالث في أسباب الغسل

انما يجب بالجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومس الأموات من الناس بعد برد هم بالموت وقبل الغسل ،

______________________________________________________

وقد مر بعض الشواهد على ذلك في بحث النيّة ، وسيجي‌ء أيضا ، وهي كثيرة تجدها من مثل الزيارات ، والمصافحة ، والإسلام ، والجواب ، والهديّة ، والهبة ، والوقف ، والعتق عند البعض مع كونها مستحبة وموجبة للثواب وكذا مندوبات الصلاة ، والوضوء ، بل سائر أفعالها غير الأول ، فإن الإنسان حال الفعل قد يكون غافلا بالكليّة ، مع ان كل جزء مثل القراءة والركوع والسجود فعل على حدة ، والقول بأن نيّة الكل كافية ، بالحقيقة التزام بعدم النيّة على الوجه الذي ذكروه ، ولهذا اعتبر البعض الاستدامة الفعليّة فيلزم وجوبها واشتراطها إلا مع التعذر.

نعم لا استبعد إيجاب بعض هذه التفاصيل لمن تفكر وتدبر حين الفعل ان الوضوء قد يكون واجبا وقد يكون ندبا فيخطر بباله أنه أيهما يفعل فلا بدان يميزه ، وكذا في الرفع وعدمه والأداء ونقيضه لكن حينئذ يشكل ببعض الصفات الأخر مثل انه واجب كفائي أو عيني بدليل آية أو خبر أو غير ذلك ، ولكن لا قائل بملاحظة ذلك فالأولى السكوت عن ذلك كله ومراعاة الاحتياط في الجملة ، والإخلاص في العبادة وترك الكسل والاشتغال بما لا يعنى ، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه بكرمه ولطفه.

وبالجملة هذا الذي فهمته اللهم لا تؤاخذني ، بما فهمته وان كنت مقصّرا وكان باطلا في الواقع ، فان جودك وكرمك يسعني ويجرئنى والحمد لله رب العالمين.

النظر الثالث في أسباب الغسل

قوله : («انما يجب بالجنابة إلخ») دليل عدم وجوب الغسل بغير ما ذكر الأصل وعدم الدليل ، ودليل الوجوب للمذكورات سيجي‌ء كل في موضعه

١٢٥

وغسل الأموات ، وكل الأغسال لا بد معها من الوضوء إلا الجنابة

______________________________________________________

قوله : («وكل الأغسال لا بد معها من الوضوء إلخ») هذه المسئلة من المشكلات ، ودليل عدم وجوب الوضوء مع الجنابة كأنه الإجماع وظاهر الآية (١) والاخبار (٢) وهو واضح ، وما وجد في بعض منها الوضوء قبله محمول على الاستحباب قاله الشيخ للرواية ، وردها لا عن شي‌ء ليس بحسن فالاستحباب عنده حسن وان كان خلاف المشهور ، وفي الرواية (أبو بكر الحضرمي) (٣) وهو غير مصرح بتوثيقه في الخلاصة ونقل ذلك في رجال ابن داود في الكنى عن الكشي ، وما رأيته فيه.

واما دليل وجوبه في سائر الأغسال فهو ان الإنسان مأخوذ عليه ان لا يدخل في الصلاة إلا بالوضوء لظاهر الآية والإجماع أيضا وخرج غسل الجنابة لما مرّ فبقي الباقي ، وقوله عليه السلام فيما رواه ابن ابى عمير صحيحا عن رجل ، عن ابى عبد الله قال : كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة (٤) ، وما رواه أيضا في الصحيح ، ابن ابى عمير عن حماد أو غيره عن ابى عبد الله عليه السلام قال : في كل غسل وضوء إلا الجنابة (٥) وقال في المختلف والمنتهى : وفي حسنة حماد بن عثمان (بحذف أو غيره) وزيادة (ابن عثمان) (٦) ووجهه غير ظاهر ،

والذي رأيته في الأصول ما نقلته هنا كما ترى ، وقال في المنتهى (في عدم وجوب الوضوء على الميّت) : (أو غيره) في هذا الخبر ، ولكن قال أيضا في الحسن.

ويمكن الدخل فيه بأن الآية ليست عامّة بحيث يفهم الوجوب على كلّ مصل

__________________

(١) فان الظاهر ان معنى قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) إلخ : إذا أردتم إقامة الصلاة وكنتم محدثين ولم تكونوا جنبا (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلخ ، وإذا كنتم جنبا فاغتسلوا فدلت الآية على كفاية الغسل فقط للصلاة ـ والله العالم

(٢) الوسائل باب ٣٤ من أبواب الجنابة

(٣) محمد بن الحسن بإسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن سيف بن عميرة ، عن ابى بكر الحضرمي ، عن ابى جعفر عليه السلام قال : سألته كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال : اغسل كفك وفرجك وتوضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل الوسائل باب ٣٤ حديث ٦ من أبواب الجنابة

(٤) ئل باب ٣٥ حديث ١ من أبواب الجنابة

(٥) ئل باب ٣٥ حديث ٢ من أبواب الجنابة

(٦) لا يخفى ان الشيخ أورده في التهذيب في موضعين وفي كليهما (حماد بن عثمان أو غيره)

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كلما أراد وهو ظاهر لخلوّها ، عن أداة العموم فإن (إذا) للإهمال على ما بيّن في محلّه ، ولو سلم العموم فلا يكون الا بضم الإجماع ، ولكن عموم الإجماع بحيث يشمل ، ما نحن فيه غير ظاهر كيف والمخالف موجود ، فما ثبت دعوى ان الإنسان إلخ (١).

والروايتان مرسلتان مع الاشتراك في محمد بن احمد ، ومحمد بن يحيى في الاولى وان قيل بالصّحة لكونه هو محمد بن احمد بن يحيى الأشعري ، ومحمد بن يحيى هو العطّار وانهما ثقتان ولكن غيرهما من الأخبار (٢) التي ليست في طريقها الاشتراك اولى منهما ، وأيضا في قبول المرسل بحث كما ذكر في محلّه ، نعم لو علم انه لم يرسل الا عن عدل وعلم ذلك العدل فهو مقبول ـ واعترض عليه بأنه خارج عن الإرسال ، ولا يضر ذلك لأن الكلام فيما هو مرسل بحسب الظاهر

ولو علم انه عدل لا بعينه ففي قبول مثله بحث في كتب أصول الحديث فإنهم قالوا لم يقبل قوله لو صرح وقال : اروى : عن عدل ، ولم يسمه ، لانه قد يكون عدلا عنده فاسقا عندنا ، فلو أظهر اسمه لجرحناه وهذا مذكور في الكتب من غير ردّ ، فحينئذ لا يزيد حال مرسلة ابن ابى عمير عن قوله : (اروى هذا الخبر عن عدل) مع ان الظاهر انه ليس كذلك ، بل الذي يفهم أنهم أخذوا بالتتبع (بالتبع ـ خ ل) وببعض القرائن ، ولهذا أرى انهم يقولون : أظنه حمادا أو غيره ويقولون : ان كتب ابن ابى عمير حرّقت فكان يروى عن حفظه وكان يعرف ان المروي عنه عدل ولكن نسي اسمه.

على ان قوله : عن رجل مرة ، و (عن حماد أو غيره) اخرى يدل على اضطراب بزعم الشيخ وأيضا في نقله تارة (قبله) وتارة (في كل غسل) اضطراب.

وبالجملة ان ليس هنا دليل يصلح إلا رواية واحدة عن ابن ابى عمير الا ان الطريق اليه اثنان ، وكون الإرسال أيضا عنه غير ظاهر ، بل يحتمل أنه أسنده وأرسل الراوي عنه لنسيانه السند اليه ، وعلى تقدير التسليم فمقبولية مرسلة وان قاله

__________________

(١) إشارة الى ما تقدم آنفا من قوله قده : ان الإنسان مأخوذ عليه ان لا يدخل في الصلاة إلا بالوضوء

(٢) لاحظ الوسائل باب ٣٤ من أبواب الجنابة

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الأصحاب غير ظاهر ، لما علمت من الاحتمال وان كان مقبولا عندهم لعلمهم بذلك من غير اشتباه فليس لنا العمل به مع الاشتباه في مثل هذه المسئلة

على ان المصنف قال في المنتهى في بحث التطهير بالنار (والرواية الثانية مرسلة وان كانت مرسلة ابن ابى عمير مقبولة الا أنها معارضة بالأصل فلا تكون مقبولة ، على انها ليست بصريحة في الوجوب) ،

وقال في المختلف في جواب احتجاج ابى الصلاح على وجوب الوضوء في غسل الميت بقوله عليه السلام : (في كل غسل وضوء إلا الجنابة) :

(والجواب كما يحتمل الوجوب يحتمل الاستحباب) ، بل حملها على الاستحباب في المختلف لعدم وجوب الوضوء عندهم قبل سائر الأغسال ، مع انه ليس عندهم دليل واضح على جواز الوضوء بعده بحيث يقتضي تأويل هذه المرسلة ، فلو كانت صريحة بل ظاهرة فيه لما حسن الحمل مع ان هذا قول أكثر من قال بالوجوب.

وأيضا أكثر القائلين لا يقولون بالوجوب في غسل الميّت ، فعلم انه غير محمول على الوجوب عندهم

فظهر انه لو قيل بالوجوب لهذه الرواية (١) لوجب القول بوجوب التقديم وهو نادر عندهم.

واما أدلّة عدم وجوبه في كل غسل ، فهو الأصل ،

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن ابى جعفر عليه السلام قال : الغسل يجزى عن الوضوء واى ـ وضوء اطهر من الغسل (٢)

وصحيحة حكم بن حكيم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة (إلى قوله) : قلت : ان الناس يقولون : يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل فضحك وقال : اى وضوء انقى من الغسل وأبلغ (٣)

__________________

(١) يعنى المرسلة الأولى المتقدمة لابن ابى عمير

(٢) ئل باب ٣٣ حديث ١ من أبواب الجنابة

(٣) ئل باب ٣٤ حديث ٤ من أبواب الجنابة

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعض الاخبار الأخر موجود (١) من الجانبين ما نقلته لعدم الصحة

والظاهر منهما عموم عرفي بحيث يفهم السامع عرفا كما قالوا بمثله في الأصول والفروع مثل أحلّ الله البيع وحرم الربا (٢) فان العرف يفهم تحليل كل بيع وتحريم كل ربا ، ولظهور عدم الأظهرية والابلغيّة ، ولانه لو لم يكن العموم لزم الاجمال ، إذ العهد غير واضح ، بل الإغراء بالجهل حيث يفهم العموم خصوصا من قوله : (واىّ) وان كان الكلام في الثاني (٣) في غسل الجنابة لكن الاعتماد على عموم اللفظ دون خصوص السبب كما بيّن في محله

والقياس لعدم ظهور الفرق ، بل ظهور عدمه على الظاهر

والاخبار الصحيحة في بيان غسل الاستحاضة والحيض والنفاس ، مثل صحيحة معاوية بن عمار (الثقة) ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال : المستحاضة تنظر أيامها (الى ان قال) : فإذا جائت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر (الى قوله) وان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء (٤) فإنها ظاهرة في عدم الوضوء مع الغسل والا لذكره لئلا يلزم التأخير ، وللمقابلة للوضوء في القسيم ، وأمثالها كثيرة ،

مثل ما في صحيحة نعيم الصحاف : فان انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل ولتصل والحديث طويل (٥)

وفي صحيحة يونس بن يعقوب في النفاس : (تغتسل وتصلى) (٦) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : فلتغتسل ولتصل (٧)

وهي أكثر من ان تذكر ، وطريق الاستدلال كما مر ، بل هنا أولى للأمر بالصلاة بعد الغسل بلا فصل

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٣٣ من أبواب الجنابة وبعض اخبار باب ٣٤ منها

(٢) البقرة ـ ٢٧٥

(٣) اى الخبر الثاني فإنه مسبوق بالسؤال عن وجوب الوضوء قبل غسل الجنابة

(٤) ئل باب ١ حديث ١ من أبواب الاستحاضة

(٥) ئل باب ١ حديث ٧ من أبواب الاستحاضة

(٦) ئل باب ٣ حديث ٨ من أبواب النفاس

(٧) ئل باب ٥ حديث ٢ من أبواب النفاس

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا الأخبار الصحيحة الواردة في ان غسل الحيض مثل غسل الجنابة وانهما واحد ، وهي أخبار كثيرة ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سألته عن المرأة تحيض وهي جنب هل عليها غسل الجنابة قال : غسل الجنابة والحيض واحد (١)

وصحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال : إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد (٢)

وكذا رواية أبي بصير ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال : تجعله غسلا واحدا (٣)

ورواية حجاج الخشاب قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، عن رجل وقع على امرأته فطمثت بعد ما فرغ أتجعله غسلا واحدا إذا طهرت أو تغتسل مرتين؟ قال : تجعله غسلا واحدا عند طهرها (٤) ورواية عمار ، عن ابى عبد الله عليه السلام قال : إذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض والجنابة (٥)

وطريق الاستدلال انه لا شك في عدم الوضوء مع غسل الجنابة ، ومسلّم أيضا ففي الحيض كذلك لقولهم عليهم السلام : (انهما واحد) فإنه إذا قيل هذا الكلام مع كل احد يعرف ان الجنابة ليس معها الوضوء ، يفهم عدمه في الحيض أيضا ولعله (إيضاح) لا قائل بالفرق

وبمثله استدل الشيخ في الاستبصار على عدم وجوب الوضوء في غسل الميّت وأجاب بأنه علم الوجوب من حديث (كل غسل) ، ومعلوم ان الأكثر لم يقولوا بوجوبه في غسل الميّت ، والتأويل بحيث يخرج غسل الميّت بعيد ، فلا يحتاج اليه فهو يدل على ضعف دلالة (كل غسل إلخ)

وأيضا يدل على عدم الوضوء في كل غسل ما يدل على عدم وجوب الوضوء في

__________________

(١) ئل باب ٤٣ حديث ٩ من أبواب الجنابة

(٢) ئل باب ٤٣ حديث ٤ من أبواب الجنابة

(٣) ئل باب ٤٣ حديث ٥ من أبواب غسل الحيض ، ومتن الحديث هكذا ، عن ابى بصير ، عن ابى عبد الله عليه السلام ، عن رجل أصاب من امرأته ، ثم حاضت قبل ان تغتسل قال : تجعله غسلا واحدا

(٤) الوسائل باب ٤٣ حديث ٦ من أبواب الجنابة

(٥) الوسائل باب ٤٣ حديث ٧ من أبواب الجنابة

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

غسل الميّت والمس فتأمل ، وفي بعض هذه الاخبار دلالة على التداخل أيضا فافهم ، وفي الآخر دلالة على ان التداخل رخصة ، وان الجنابة ترتفع بالغسل مع وجود الحيض حيث قال عليه السلام بعد السؤال عن الحائض الجنب : (ان شائت تغتسل فعلت وان لم تفعل ليس عليها شي‌ء إلخ (١)

ويدل على هذا المدعى جميع الأخبار الدالة على التداخل ، المذكورة في مبحث التداخل وان كان بعضها نقلناه هنا مفصلا مثل صحيحة عبد الله بن سنان (٢) وغيرها ، وانه لو توضأ يلزم الوضوء مع غسل الجنابة أي مع رفع حدث الجنابة ويستبعد عدم الاحتياج الى الوضوء مع نيّة غسل الجنابة ، بل تحريمه مع نيتها ووجوبها مع نيّة غيرها مع القول برفعها به ، ويلزم اجزاء غسل الحيض مع الوضوء عن غسل الجنابة لا بدونه

والظاهر عدم احتياج غسل الحيض الى الوضوء عندهم إذا كان معه الجنابة لما مرّ من الاخبار كما قال به الشيخ حيث قال : يجزى غسل الحيض عن غسل الجنابة إذا اجتمع مع الجنابة وجمع بين الأدلة به وهو مستبعد لا يفهم من العبارة فكذا بدون اجتماع الحيض مع الجنابة ، لأن الحدث حينئذ أقل كما مرّ ،

بل يمكن جعل هذا دليلا في الأصل وان كان الحيض وحده أغلظ من الجنابة كما أشار إليه في المنتهى حيث قال : الجنابة أغلظ ثم قال : ويحتمل ان يكون الحيض أقوى انتهى ـ

وهو الظاهر ، ولا ينبغي النزاع في انه أغلظ حيث انه عبّر بالأذى (٣) ، وعدم قرب النساء معه ، والاعتزال عنها ، والنهي عن استعمال سئورها ، والظاهر عدم القائل بالفرق ، وفيه تأمّل

وأيضا الحكم بالتيمم والصلاة بعده مثل تيمم الجنب ، وأيضا الجمع بين الأدلة

__________________

(١) متن الحديث هكذا ـ عن عمار عن ابى عبد الله عليه السلام قال سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل ان تغتسل قال ان شاءت ان تغتسل فعلت وان لم تفعل (تشاء ـ خ ل) فليس عليها شي‌ء ـ الحديث الوسائل باب ٤٣ حديث ٧ من أبواب الجنابة

(٢) ئل باب ٤٣ حديث ٩ من أبواب الجنابة

(٣) إشارة إلى قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) إلخ البقرة ـ ٢٢٢

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

أولى من غيره ، فحمل ما يدل على الوضوء على الاستحباب

ويؤيده موثقة عمار الساباطي قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه وضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال : لا ليس عليه قبل ولا بعد فقد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد ، وقد أجزأها الغسل (١)

ومرسلة حماد بن عثمان عن رجل ، عن ابى عبد الله عليه السلام في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك أيجزيه من الوضوء فقال أبو عبد الله عليه السلام واى ـ وضوء اطهر من الغسل (٢) ـ وهذا مؤيد قوى في ان قوله عليه السلام فيما سبق غير مخصوص بالجنابة ، وان ليس الذي أرسل ابن ابى عمير هو حماد (٣) وانه محمول على الاستحباب

وأقوى منه دلالة على المطلوب مكاتبة عبد الرحمن الهمداني قال : كتب الى ابى الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة فكتب لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره (٤)

ولا يخفى بعد تأويل الشيخ (٥) وهو كونها مع غسل الجنابة ، وكذا التأويل بأن الوضوء لا يحتاج اليه لحصول الغسل ، ولا يضرّ عدم صحّة هذه الاخبار لأنها مؤيّدة مع انها ليست ضعيفة فالحمل على الاستحباب حسن ، وكذا حمل ما ورد في غسل الجمعة من الوضوء قبله وهو ظاهر ، إذ لا وجوب للوضوء قبل غسل الجمعة غالبا

واعلم انه لا يحتاج الى حمل الخبرين الدالين على ان الوضوء بعد الغسل بدعة على غسل الجنابة كما فعله في التهذيب

__________________

(١) ئل باب ٣٣ حديث ٣ من أبواب الجنابة

(٢) ئل باب ٣٣ حديث ٤ منها

(٣) هكذا في جميع النسخ التي عندنا من المخطوطة والمطبوعة ويحتمل ان تكون العبارة : (هو حماد)

(٤) ئل باب ٣٣ حديث ٢ من أبواب الجنابة

(٥) في التهذيبين بعد نقل هذه الاخبار الثلثة ما هذا لفظه : فالوجه في هذه الاخبار ان نحملها على انه إذا اجتمعت هذه أو شي‌ء منها مع غسل الجنابة فإنه يسقط فرض الوضوء وإذا انفردت هذه الأغسال أو شي‌ء منها عن غسل الجنابة فإن الوضوء واجب قبلها حسب ما تقدم انتهى

١٣٢

فههنا مقاصد

المقصد الأول في الجنابة

وهي تحصل للرجل والمرأة بإنزال المني مطلقا ، وبالجماع في قبل المرأة حتى تغيب الحشفة في دبر الآدمي كذلك ، وان لم ينزل ، ولو اشتبه المنى اعتبر بالشهوة والدفق وفتور الجسد ، وفي المريض لا يعتبر الدفق ،

ولو وجد على جسده أو ثوبه المختص به منيا وجب الغسل ، ولا يجب في المشترك ،

______________________________________________________

المقصد الأول في الجنابة

قوله : «(وهي تحصل إلخ)» لا شك في حصول الجنابة بحصول المنى مطلقا للرجل بل للمرأة أيضا وان كان فيه بعض الشبهة ، والظاهر ان الوجوب بالدخول في قبلها عليهما لبعض الاخبار (١) ، وكذا الدبر ، واما دبر الغلام فلا الا ان يثبت الإجماع المركب ، وللدخول في البهائم بعيدا الأحوط الوجوب فيهما فلا يترك ، ولكن ينبغي الحدث ثم الوضوء

قوله : «(ولو اشتبه إلخ)» الغرض حصول العلم به بأي وجه كان سواء كان قبل حصول المني أو بعده من الرائحة وغيرها

قوله : «(ولو وجد إلخ)» لا شبهة في وجوب الغسل على واجد المني في جسده وثوبه المختص به وقضاء العبادة الواقعة حينئذ معه يقينا وتطهير ما استعمله بالرطوبة كذلك ، والاحتياط يقتضي قضاء كل ما يحتمل وقوعه معه ، وكذا التطهير ، والأصل ، وعدم الدليل ينفى وجوبهما

وأيضا الظاهر عدم وجوب الغسل على الواجد في المشترك ، للأصل والاستصحاب وعدم زوال اليقين الا بمثله عقلا ونقلا ، وفي الفرق بينه وبين الاجتناب عن الإناء المشتبه تأمل كأنه للنص

__________________

(١) ئل باب ٦ حديث ١ من أبواب الجنابة

١٣٣

ويحرم عليه قراءة العزائم وأبعاضها ، ومس كتابة القرآن أو شي‌ء مكتوب عليه اسم الله تعالى ، أو أسماء أنبيائه وأئمته عليهم السلام واللبث في المساجد ، ووضع شي‌ء فيها ، والاجتياز في المسجدين ويكره الأكل والشرب الا بعد المضمضة والاستنشاق ، ومس

______________________________________________________

قوله : «(ويحرم عليه إلخ)» تحريم قراءة العزائم كأنه إجماعي من غير ظهور خلاف ، وعليه خبر (١) مجمل غير صحيح ،

وكذا ادعى إجماع المسلمين على تحريم المس مع انه نقل في الذكرى ، الكراهة عن الشيخ وغيره في الأصغر ، وعن ابن الجنيد في الأكبر واحتمل ارادة التحريم ، والآية (٢) غير صريحة والاخبار غير صحيحة (٣) والاحتياط جيد.

واما إلحاق اسم الله الجليل ، فغير واضح الدليل ، ومجرد التعظيم مع بعض الاخبار غير الصحيحة لا يوجبه ، مع وجود ما يدل على الجواز أيضا في الجملة ، وكذا أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام واسم فاطمة عليها السلام.

وكان تحريم اللبث في المساجد وجواز المرور فيها مع عدمه وتحريم الدخول مطلقا في المسجدين ، ممّا لا خلاف فيها ولا يضر ما يفهم ظاهرا من نقل الكراهة عن سلار مع وجود الأدلة من الأخبار والآية (٤) على احد الاحتمالين ،

واما الوضع فيها فالظاهر التحريم للخبر الصحيح (٥) وان نازع فيه سلار والبعض فخصّ التحريم ، والاحتمال باستلزامه اللبث.

قوله : «(ويكره الأكل والشرب إلخ)» دليل الكراهة صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله المنقولة في التهذيب (في باب كيفيّة الغسل من

__________________

(١) ئل باب ١٩ حديث ٣ و ٤ من أبواب الجنابة

(٢) وهي قوله تعالى في سورة الواقعة (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)

(٣) لاحظ الوسائل باب ١٨ من أبواب الجنابة

(٤) هي قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ـ بناء على ارادة العبور من المسجد مطلقا

(٥) لاحظ الوسائل باب ١٧ من أبواب الجنابة

١٣٤

المصحف ، والنوم الا بعد الوضوء ، والخضاب ، وقراءة ما زاد على سبع آيات ويشتد الكراهية (الكراهة ـ خ ل) فيما زاد على سبعين ،

______________________________________________________

الزيادات) عن ابى عبد الله عليه السلام الى قوله قلت لأبي عبد الله أيأكل الجنب قبل ان يتوضأ؟ قال : انّا لنكسل ولكن ليغسل يده ، والوضوء أفضل (١).

وحسنة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام (في باب حكم الجنابة) قال : الجنب إذا أراد ان يأكل ويشرب غسل يده ويتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب (٢).

فظاهر الأولى تخفيف الكراهة بغسل اليد ، بل زوالها ، إذ كون الأكل بعد الوضوء وقبل الغسل أفضل ليس بصريح في بقاء الكراهة ، بل لا تفهم الكراهة أصلا

الا ان يراد من الكراهة مجرد انه وقع الأمر بالغسل قبل الطعام مطلقا ، ولكن لا يسمى ذلك مكروها الا ان يراد من الكراهة خلاف الاولى ، لكن سوق الكلام يدل على النهي تنزيها كما قاله الأصحاب ، والثانية تدل على استحباب غسل اليد مع المضمضة وغسل الوجه له قبل الأكل والشرب من غير ذكر الوضوء

فلا يبعد فهم التخفيف بهذه الثلثة تخفيفا أكثر منه بالأول فقط والزوال بالكلية بالوضوء من مجموع الاخبار بعد الحمل على الاستحباب ، لعدم القائل بالوجوب ، مع عدم دليل الوجوب وفهم الكراهة ، مع وجود الخبر الدال على جواز الأكل والشرب مع خلوه عن هذه الأشياء ، ولعل وجه ترك بعض الأصحاب ذكر الوضوء الواقع في الخبر الأول ـ ما مر من عدم فهم الكراهة قبله وعدم ذكره في الثانية ، ولكن ينبغي ذكر غسل الوجه وقيد البعض بقوله : (تخفف الكراهة بالمضمضة إلخ)

ولكن ما فهمت وجه ذكر الاستنشاق مع انه ما هو مذكور في الخبرين ولعلهم فهموا من غيرهما وما رأيت ويمكن حمل الوضوء الذي في الأول على المضمضة وغسل الوجه اللذين هما بعض الوضوء فيصير مضمون الخبرين واحدا ولكنه بعيد.

ثم الظاهر الاكتفاء بالمّرة الواحدة ، للأكل والشرب المتعددين لصدق الأكل

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ٧ من أبواب الجنابة

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ من أبواب الجنابة

١٣٥

ويجب عليه الغسل ،

وتجب فيه النيّة عند الشروع مستدامة الحكم حتى يفرغ وغسل بشرة جميع الجسد بأقل اسمه (بأقله ـ خ ل) وتخليل ما لا يصل اليه الماء الا به والترتيب يبدء بالرأس ، ثم الجانب الأيمن ثم الأيسر إلّا في الارتماس

______________________________________________________

والشرب بعدهما فلا كراهة ، ولزوال الأثر ، ويحتمل التعدد إذا طال الزمان أو تخلّل الحدث وأبعد منه بعد كلّ أكل وشرب مع التراخي مطلقا والتعدد عرفا

واما دليل كراهة مس المصحف فبعض الاخبار مثل (لا تمس الورق) (١) وما يدل على عدم مس اسم الله وهو الخبر الدال على عدم مس الدينار والدرهم اللذين عليهما اسم الله تعالى (٢) ولكنه غير صحيح ، بل ولا صريح فالحمل على الكراهة محتمل وكذا لم (ما ـ خ ل) يدل على قلع الخاتم الذي فيه اسم الله (٣) حال الخلاء ونحو ذلك ويدل على كراهة حمله (المصحف ـ خ ل) إلى الخلأ هذه الأمور ، واما مطلق الحمل محدثا فغير بعيد أيضا ، وقال المصنف في المنتهى : ويجوز للمحدث مس ما عدا الكتابة كالهامش ويجوز حمله وتعليقه على كراهة وهو قول علمائنا اجمع.

ودليل كراهة النوم الا بعد الوضوء والخضاب قبل الغسل ، وكذا الجنابة وهو مختضب ، روايات (٤) ، وكذا يدل على كراهة قراءة ما زاد على سبع آيات والاشتداد بعد السبعين بعض الاخبار (٥)

قوله : «(ويجب عليه الغسل)» دليل وجوبه النص (٦) والإجماع ، ولا يبعد كونه لنفسه لعموم ظاهر الأدلة مع عدم المانع حتى يخصّص

قوله : «(وتجب فيه النيّة إلخ)» وقد مرّ في الوضوء ما يكفى هنا ، ودليل وجوب

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب الوضوء عن ابى بصير قال : سألت أبا عبد الله (ع) عمن قرء في المصحف وهو على غير وضوء قال : لا بأس ولا يمسّ الكتاب

(٢) لاحظ الوسائل باب ١٨ من أبواب الجنابة

(٣) ئل باب ١٧ حديث ٤ من أبواب أحكام الخلوة

(٤) راجع الوسائل باب ٢٥ وباب ٢٢ من أبواب الجنابة

(٥) راجع ئل باب ١٩ من أبواب الجنابة

(٦) لاحظ الوسائل باب ١ وباب ٢ وباب ١٤ من أبواب الجنابة

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

غسل جميع البشرة ووجوب التخليل اخبار (١) ، وكذا دليل وجوب الترتيب مع عدم الارتماس (٢) وسقوطه معه واضح ، للروايات المعتبرة الدالة على سقوطه ظاهرا بل صريحة في الارتماس الواحد (٣) ، والظاهر كون الوحدة عرفيّة بحيث لا يضرها بعض التخليلات ولو كان خارج الماء وهو الذي أفهمه ، والله يعلم.

وفي الترتيب في الارتماس لبعض الأصحاب أبحاث كثيرة ، وأنا ما أفهمها ، بل أجد السكوت عنها اولى ، (وأمّا لي) في وجوب التخليل بحيث يتحقق العلم بإيصال الماء الى جميع البدن على ما يدل عليه كلام الأصحاب وبعض الاخبار مثل ما يدل على تخليل الخاتم والدملج في الصحيح (٤) (تأمل ما) نشأ ممّا يدل على اجزاء غرفتين على الرأس أو الثلثة ، فإني أظن ان هذا المقدار ما يصل تحت كل شعرة سيّما إذا كان الشعر في الرأس كثيرا كما في الاعراب والنساء أو كانت اللحية كثيفة فيمكن عفو ما تحت هذه الشعور والاكتفاء بالظاهر كما يدل عليه عدم وجوب حلّ الشعر على النساء (٥).

ولا يدل على نفيه مثل ما روى في الصحيح : من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار (٦) ـ لانه ما قال تحته ، بل ظاهر في الظاهر ، وأيضا يدل عليه ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (كأنه صحيح) ، عن ابى جعفر عليه السلام قال : الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها اجزءها (٧) الا ان تقيد بعلم الوصول الى تحت الشعور بالإجماع ونحوه من الاخبار ، فلو لا الإجماع كان القول به ممكنا ، فالسكوت عنه أولى الا ان النفس غير مطمئنة فيرشح عنها مثله مع عدم (العلم بتوجه ـ خ.)

__________________

(١) ئل باب ٣٨ من أبواب الجنابة

(٢) راجع الوسائل باب ٢٨ من أبواب الجنابة

(٣) ئل باب ٢٦ حديث ٥ في صحيح زرارة (في حديث) عن ابى عبد الله عليه السلام قال : ولو ان رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وان لم يدلك جسده ونحوها رواية ـ ١٢ و ١٣ من ذلك الباب

(٤) لاحظ الوسائل باب ٤١ من أبواب الوضوء

(٥) راجع الوسائل باب ٣٨ من أبواب الجنابة

(٦) الوسائل باب ٣٨ حديث ٧ من أبواب الجنابة

(٧) الوسائل باب ٢٠ حديث ٢ من أبواب الحيض

١٣٧

ويستحب الاستبراء ، فان وجد بللا مشتبها بعده لم يلتفت ، بدونه يعيد الغسل ،

______________________________________________________

أحد إلى مثله من المتقدمين والمتأخرين من فحول العلماء فليس لمثلي النظر في مثله لكن النفس توسوس (تشوش ـ خ) ما لم تره دليلا تقنع به فتأمل.

قوله : «(ويستحب إلخ)» (دليل) استحباب الاستبراء للرجل ، المنزل خاصة اما بالبول أو الاستبراء المعهود في الوضوء (كأنه) الإجماع وبعض الاخبار الدالة على وجوب اعادة الغسل مع عدمهما (١) فافهم ، والأصل ، وعدم تماميّة دليل الوجوب ، والجمع.

واما عدم وجوب اعادة الغسل والوضوء بعد البول والاستبراء في البلل المشتبه والمعلوم انه غيرهما ، فلا نزاع فيه وهو واضح كما لا نزاع في وجوب أحدهما على تقدير العلم بأحدهما ، واما إيجاب الغسل على تقدير الاشتباه بالمني مع عدمهما فهو المذكور في أكثر الكتب ، وعليه يدل بعض الاخبار بالمفهوم وبعضها بالصريح (٢) ، ولكن معارض ببعض الاخبار (٣) ، وأيضا الأصل ينفيه ، وكذا الأخبار التي تدل على عدم بطلان اليقين بالظن (٤) ، وكذا ان الشك في الحدث لا يوجب الطهارة ، (٥) ، وكذا دليل حصر الموجب (٦) وغير ذلك (فحمل) الاخبار الأول على ما هو غالب الظن أنه المنى لترجيح الظاهر على الأصل كما قد يوجد عند تعارضهما وللجمع (غير بعيد) مع احتمال الاستحباب سيما مع عدم الظن الغالب

وكذا ينبغي الحال في الاشتباه بالبول بعده وقبل الاستبراء ، وقد حمل في التهذيب خبرين (٧) دالين على الوضوء بعد البول وقبل الاستبراء على الاستحباب ،

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ٣٦ من أبواب الجنابة وباب ١٣ من أبواب نواقض الوضوء

(٢) ئل باب ٣٦ من أبواب الجنابة الوارد فيه لفظ (البلل) الظاهر في المشتبه بالمني

(٣) ئل باب ٣٦ حديث ١٣ ـ ١٤ من أبواب الجنابة

(٤) راجع ئل باب ١ من أبواب نواقض الوضوء

(٥) ئل باب ٤٤ من أبواب الوضوء

(٦) ئل باب ٢ و ٣ من أبواب الوضوء

(٧) ئل باب ١٣ حديث ٥ ـ ٦ من أبواب نواقض الوضوء

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بل هكذا ينبغي الحال فيما رآى بعد الاستبراء فقط سيّما مع إمكان البول الا ان الاستحباب هنا أقوى من الأول

واعلم ان الأخبار الصحيحة وغيرها ليس فيها تصريح بان البلل مشتبه فيمكن حملها على المتحقق للجمع ، وعلى الظاهر انه المنى لانه على ما يرى قليلا ما ينقطع قبل البول ، فغير بعيد إدخاله أيضا في الحكم ويكون مراد الأصحاب بالمشتبه ذلك واما لو كان الظن بخلافه أو يكون الأمر مشتبها (فالقول) بإيجاب شي‌ء من الوضوء أو الغسل على التفصيل المذكور (بعيد) لا يخلو من جرأة لما مر ، ولهذا لو وجد بللا في غير هذا الفرض مشتبها بالمني وغيره أو بالبول وغيره لم يوجبوا هذا الحكم على ما يظهر لنا من كلامهم

وأيضا ان هذا الحكم لا يبعد في الوضوء إذا كان وجد ان البلل بعد البول وقبل الاستبراء للظاهر الذي قلناه ، وما اذكر الآن قولهم هنا ، وان قول الشيخ بوجوب الاستبراء بعيد لانه على تقدير عدم وجدان شي‌ء بعد الغسل لا شك عنده أيضا في صحّة الغسل والصلاة مثلا بعده ، ومعلوم ان غسل المخرج غير واجب من حيث هو وغير معاقب بتركه بل للصلاة ويبعد ان يعاقب بترك الاستبراء مع الغسل ، والغسل بدونهما كذلك إذا لم يصلّ فلا يبعد ان يكون مراد الشيخ بالوجوب الاستحباب ، ولهذا جعل الاخبار الدالة على الوجوب أو وجوب الإعادة بتركه وشرطيته لعدم إعادة الطهارة على تقدير عدم خروج شي‌ء ووجوب الإعادة دليلا لقول الشيخ المفيد : (وينبغي (١) لها ان تستبرأ قبل الغسل بالبول فان لم يتيسّر لها ذلك لم يكن عليها شي‌ء) قال : ويدل على ذلك ، ونقل الخبرين الدالين (٢) على وجوب اعادة الغسل على الرجل حيث اغتسل قبل ان يبول فخرج منه ، والمرأة لا تعيد لان ما يخرج منها ماء الرجل

والعجب (٣) انه جعلهما دليلا لكلام المصنف ، الذي يدل على استحباب

__________________

(١) قوله : ينبغي لها (الى قوله) لم يكن عليها شي‌ء مضمون كلام المفيد ره في المقنعة وقوله قال : ويدل على ذلك يعنى قال الشيخ الطوسي فراجع التهذيب

(٢) ئل باب ١٣ حديث ١ من أبواب الجنابة

(٣) وحاصل الاشكال ان المفيد ره حكم باستحباب الاستبراء للمرأة ، والذي استدل به الشيخ ره على هذا المدعى انما يدل على وجوب اعادة الغسل على الرجل فقط إذا لم يستبرء فراجع الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب الجنابة

١٣٩

وإمرار اليد على الجسد وتخليل ما يصل اليه الماء ، والمضمضة والاستنشاق والغسل بصاع ، وتحرم التولية ، وتكره الاستعانة

ولو أحدث في أثنائه بما يوجب الوضوء أعاد

______________________________________________________

الاستبراء بالبول للمرأة ، بما يدل على وجوب الإعادة على الرجل خاصة دون غيره (المرأة ـ خ) وأيضا قال في الاستبصار : (باب وجوب الاستبراء من الجنابة قبل الغسل : (واستدل بالأخبار الدالة على وجوب اعادة الغسل للجنب الذي اغتسل قبل البول وقبل الاستنجاء (١) فتأمل

واما دليل استحباب إمرار اليد فكأنه الاحتياط في الطهارة والمبالغة والخروج عن الخلاف حيث أوجب البعض ذلك ، ويدل على وجوبه (٢) ، الأصل والعمومات وخبر خاص (٣) بخصوصه

ودليل استحباب تخليل ما يصل اليه الماء هو الأول ، ودليل تحريم التولية وكراهة الاستعانة قد مضى

قوله : «(ولو أحدث إلخ)» فيه مذاهب ثلثة (٤) ، مذهب السيد سيد المذاهب على ما أظن ، لأن الحديث الأصغر موجب للوضوء لما مرّ من الأدلة خرج منها ما كان قبل غسل الجنابة بالدليل الذي مر ، وليس ذلك بشامل لصورة النزاع على ما نفهم (يفهم ـ خ ل) فبقي الباقي على حال إيجابه ، ولظاهر الآية ، ولبعد عدم تأثيره في إيجاب الوضوء حينئذ مع تأثيره فيه بعد إتمام الغسل ، (ولو قيل) له تأثير ولكن يرتفع برفع الجنابة لأنها الآن ارتفعت ، (قيل) له : بديهة العقل تحكم بان غسل الأعضاء

__________________

(١) ئل باب ٣٦ من أبواب الجنابة

(٢) هكذا في ثلاث نسخ خطية وفي المطبوعة : (ويدل على عدم وجوبه)

(٣) لعل نظره قده الى ما في ذيل صحيحة على بن جعفر عن أخيه : وينبغي له ان يتمضمض ويستنشق ويمر يده على ما نالت من جسده ئل باب ٢٦ حديث ١١ من أبواب الجنابة

(٤) أحدها وجوب الإعادة من رأس (ثانيها) وجوب إتمام الغسل من دون شي‌ء (ثالثها) ـ وجوب إتمامه مع الوضوء للصلاة وهو مذهب السيد علم الهدى وهو مختار الشارح قده

١٤٠