غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

والأقوى الأوّل ، وادّعى عليه في المنتهي إجماع أصحابنا وأكثر أهل العلم (١) ، واستدلّوا عليه بقولهم «: «في كلّ أربعين شاةٍ شاة ، وفي خمس من الإبل شاة ، وفي ثلاثين من البقر تبيع ، وفيما سقت السماء العشر ، وفي عشرين مثقالاً من الذهب نصف مثقال» فإنّ ظاهرها التعلّق بالعين.

أقول : الظهور في قوله عليه‌السلام «فيما سقت السماء العشر» ظاهر ؛ فإنّ ظاهر العشر عشر ما سقت السماء ، بأن تكون اللام بدل الإضافة ، ويقرب منه الكلام الأخر والكلام الأوّل.

وأمّا قوله عليه‌السلام : «في خمس من الإبل شاة» فهو مشكل ؛ لأنّ الشاة ليست في الخمس ، وإن أُريد قيمة شاة فهو ينافي أصالة الشاة ، فإنّ الأصل في الفرائض أيضاً هو العين ، والقيمة بدل ، وجوازها مختلف فيه ، خصوصاً في الأنعام.

فلا بدّ أن تجعل كلمة في للسببيّة حتّى تبقى الشاة على حقيقتها ، وحينئذٍ لا يتمّ وجوبها في العين أيضاً ، بل ظاهرها حينئذٍ التعلّق بالذّمّة لا العين ، إلا أن يقدّر إعطاء شاة حاصلة من خمس إبل ، وهذا التقدير والإضمار ليس بأولى من مجاز السببيّة.

وكذلك قولهم «: «في كلّ ثلاثين من البقر تبيع» ، و «في كلّ ستّ وعشرين من الإبل بنت مخاض» لا يتمّ في كثير من الأوقات إلا بهذا التقدير ، فإنّهما قد لا توجدان في النصاب ، فيجب أن يشتري من الخارج.

ولكن ملاحظة النظائر توجب حمل الجميع على وجوب الفرائض محصّلة من النصب ، إمّا بإخراجها بعينها منها على فرض حصولها فيها ، أو بتبديل بعض النصب بها على فرض عدمها ، سواء أمكن حصولها فيها كما في غير العبارة الثانية ، أو استحال كما فيها.

فعلى هذا فعين الفريضة في الغِت هي عين عشرها ، لا مقدار عشرها ولو من

__________________

(١) المنتهي ١ : ٥٠٥.

٨١

غيرها ، وعين الفريضة من خمس من الإبل مثلاً هي الشاة المحصّلة منها ، ومن البقر وسائر نصب الإبل هو القدر المشترك بين نفس الفرائض الموجودة فيها ، أو المحصّلة من جانبها بالمعاوضة.

ثمّ إنّ ههنا أمرين آخرين : أحدهما البدل المثليّ ، والآخر القيمة ، والظاهر عدم الإشكال في جواز إعطاء المثل ، كإعطاء مساوي العُشر في الغِت من غير النصاب ، وإعطاء الشاة والتبيع مثلاً مع وجودهما في النصاب من غيره ، واشتراء الشاة في خمس من الإبل ، وكذا التبيع وبنت المخاض مثلاً فيما لو لم يوجد في النصاب من غير معاوضة بعض النصاب ، ولم نقف على خلاف في ذلك ، وأجروا ذلك مجرى إعطاء عين الفريضة ، فمرادهم بالعين عين جنسها.

نعم ، اختلفوا في جواز القيمة عن العين ، والمشهور الجواز مطلقاً ، بل ادّعى في المعتبر الإجماع عليه في الغِت والنقدين (١).

وخالف المفيد في الأنعام فلم يجوّزه ، إلا أن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة (٢) ، ويظهر من المحقّق في المعتبر الميل إليه (٣) ، وقوّاه صاحب المدارك ؛ لعدم الدليل (٤).

والأظهر المشهور ؛ لأنّ الشيخ ادّعى في الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارهم ؛ (٥) ، ومنعُ المعتبر للإجماع والأخبار لا يضرّه.

وأمّا الأخبار ، فالذي وقفنا عليه هو صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي عن الزكاة ؛ عن الدراهم دنانير ، وعن الدنانير دراهم بالقيمة ، أيحلّ ذلك؟ قال : «لا بأس» (٦).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥١٦.

(٢) المقنعة : ٢٥٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٥١٧.

(٤) المدارك ٥ : ٩١.

(٥) الخلاف ٢ : ٥٠.

(٦) الفقيه ٢ : ١٦ ح ٥١ ، التهذيب ٤ : ٩٥ ح ٢٧٢ ، الوسائل ٦ : ١١٤ أبواب زكاة الذّهب والفضّة ب ١٤ ح ٢.

٨٢

وصحيحة محمّد بن خالد البرقيّ ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : هل يجوز جُعلت فداك أن أُخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى ، أم لا يجوز إلا أن يخرج من كلّ شي‌ء ما فيه؟ فأجابه عليه‌السلام : «أيّما تيسّر يُخرج» (١).

ويمكن الاستدلال بعموم هذه الرواية في الأنعام وإن أمكن القدح بأن يكون المراد : كلّ شي‌ء من المذكورات ، وأيّما تيسّر منها لظهور العموم مع ما سننقله عن قرب الإسناد.

وأمّا غير الحنطة والشعير من الغِت فيثبت بعدم القول بالفصل.

وكذا غير الدراهم ، وإن روى في الكافي ، عن سعيد بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : أيشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطّيخ والعنب فيقسّمه؟ قال : «لا يُعطيهم إلا الدراهم كما أمر الله تعالى» (٢) إذ لم نقف على من حصر فيها إلا ما استشكل صاحب المدارك في إخراج القيمة فيما عدا النقدين ؛ لقصور الروايتين عن إفادة العموم (٣).

وفيه : مع أنّ عدم القول بالفصل يثبت في البعض ، يدلّ عليه أيضاً ما نقل عن قرب الإسناد ، عن يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عيال المسلمين أُعطيهم من الزكاة ، فأشتري لهم منها ثياباً أو طعاماً ، وأرى أنّ ذلك خير لهم ، قال ، فقال : «لا بأس» (٤).

قال في المدارك : ومتى سوّغنا إخراج القيمة ، فالمعتبر فيها وقت الإخراج ؛ لأنّه وقت الانتقال إليها ، وقال العلامة في التذكرة : إنّما تُعتبر القيمة وقت الإخراج إن لم يقوّم الزكاة على نفسه ، فلو قوّمها وضمن القيمة ثمّ زاد السوق أو انخفض قبل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٩ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٦ ح ٢٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ ح ٢٧١ ، الوسائل ٦ : ١١٤ أبواب زكاة الذّهب والفضّة ب ١٤ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٩ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ١١٤ أبواب زكاة الذّهب والفضّة ب ١٤ ح ٣.

(٣) المدارك ٥ : ٩٣.

(٤) قرب الإسناد : ٢٤ ، الوسائل ٦ : ١١٤ أبواب زكاة الذّهب والفضّة ب ١٤ ح ٤.

٨٣

الإخراج فالوجه وجوب ما يضمنه خاصّة دون الزائد والناقص ، وإن كان قد فرّط بالتأخير حتّى انخفض السوق أو ارتفع ، أمّا لو لم يقوّم ثمّ ارتفع السوق أو انخفض أخرج القيمة وقت الإخراج ، هذا كلامه رحمه‌الله وفي تعيين القيمة بمجرّد التقويم نظر ، انتهى كلامه رحمه‌الله (١).

أقول : ولعلّ نظره إلى أنّ الزكاة وإن كان متعلّقة بالعين ، لكن الشارع رخّص المالك في التصرّف في حقّ الفقير وإعطاء بدله أو قيمته ، وفي صورة اختيار القيمة تكون هذه مبايعة والتولية من الطرفين مع المالك ، فتقويمه بمنزلة بيعه من نفسه ، فليس في ذمّته الله ما قوّمه على نفسه.

ثمّ إنّه يجوز في القيمة أن تكون عيناً ومنفعة ، ولو كان بإجارة الغنيّ نفسه من الفقير ، ثمّ احتساب وجه الإجارة من الزكاة.

فلنرجع إلى الكلام في تعلّق الزكاة بالعين ونقول : إنّهم استدلّوا على المشهور أيضاً بأنّها لو وجبت في الذمّة لتكرّرت في النصاب الواحد بتكرّر الحول ولم تُقدّم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة ، ولم يسقط بتلف النصاب من غير تفريط ، ولم يجز للسّاعي تتبّع العين لو باعها المالك ، واللوازم باطلة اتفاقاً ، وقد تمنع الملازمة وبطلان التالي ، سيّما في الأخير.

ويرد على الأوّلين أنّهما دوريّان ؛ لتعليلهم الحكمين بتعلّق الزكاة بالعين ، فكيف يستدلّ بهما عليه مع أنّ الاتّفاق على بطلان التالي لو سلّم فهو المثبت فيها.

واعلم أنّ القدر المحقّق في تقدّم الزكاة على الدين إنّما هو مع وجود النصاب ، ولا دليل عليه في غيره.

وأمّا الثالث ، فهو أيضاً إنّما ثبت بالدليل من الاتّفاق وحسنة محمّد بن مسلم (٢).

__________________

(١) المدارك ٥ : ٩٢ ، وانظر التذكرة ٥ : ١٩٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٨ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ ح ١٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠ ح ٢٩ ، الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٣. والحسنة : قال : سألت أبا عبد الله عن رجل اشترى متاعاً وكسد عليه وقد كان زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكّيه؟ فقال : إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزّكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال.

٨٤

وأمّا الرابع ، فمضافاً إلى ما مرّ فيه أنّ العلامة في التذكرة (١) بعد ما اختار جواز تصرّف المالك في النصاب بالبيع وغيره وعدم جواز الفسخ للساعي معلّلاً بأنّ تعلّقها بالعين تعلّق لا يمنع التصرّف كأرش الجناية ، ولعدم استقرار ملك المساكين لجواز دفع القيمة ، قال : إذا ثبت هذا فإن أخرج الزكاة من غيره وإلا كُلّف إخراجها ، وإن لم يكن متمكّناً فالأقرب فسخ البيع في قدر الزكاة ويؤخذ منه ، ويرجع المشتري بقدرها ؛ لأنّ على الفقراء إضرار في تمام البيع ، وتفويتاً لحقّهم ، فوجب فسخه ، ثمّ يتخيّر المشتري لتبعّض الصفقة.

ويظهر منه أنّ تتبّع العين ليس بإجماعيّ ، مع أنّ العلّة لعلّها هي الإضرار حينئذٍ كما ذكره.

وكيف كان فالاعتماد في المسألة على الإجماع المنقول في المنتهي (٢) والتذكرة (٣) ، وظواهر الأخبار المتقدّمة ، وخصوص صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لم يزكّ إبله أو شاءه عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال : «نعم ، تؤخذ منه زكاتها ، ويَتبع بها البائع ، أو يؤدّي زكاتها البائع» (٤).

وقويّة أبي المعزى عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إنّ الله تبارك وتعالى أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال ، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» (٥).

وفي كيفيّة التعلّق بالعين وجوه ثلاثة : أظهرها : أنّه من باب الاستحقاق والشركة ،

__________________

(١) التذكرة ٥ : ١٨٥.

(٢) المنتهي ١ : ٥٠٥.

(٣) التذكرة ٥ : ١٨٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣١ ح ٥ ، الوسائل ٦ : ٨٦ أبواب زكاة الأنعام ب ١٢ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٥ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ١٤٧ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٢ ح ٤.

٨٥

وهو لا ينافي جواز التصرّف والأداء من خارج ؛ لدليل آخر ، مثل ما مرّ من الأدلّة على جواز إخراج القيمة من الإجماع والأخبار ، سيّما الصحيحة المتقدّمة ، وهو ظاهر الأصحاب ، وهو ظاهر معنى التعلّق بالعين.

قال في التذكرة : الزكاة تتعلّق بالعين عندنا وعند أبي حنيفة ، إلا أنّ أبا حنيفة قال : لا يستحقّ بها جزءاً منها ، وإنّما يتعلّق بها كتعلّق الجناية بالعبد الجاني (١).

والثاني أنّه استيثاق كالرهن ، فالحقّ يتعلّق بذمّة المالك والنصاب كالرهن.

والثالث أنّه استيثاق ، كتعلّق أرش الجناية بالعبد ، فلا يتعلّق شي‌ء بذمّة المالك ، بل يتعلّق بالنصاب ، لكنّ المالك مخيّر بين أدائها منه أو فكّها بالقيمة كالعبد الجاني المخيّر مولاه بين الأُمور الثلاثة.

احتجّ القائل بتعلّقها بالذمّة : بأنّها لو وجبت في العين لكان للفقير إلزام المالك بالأداء منها ومنعه من التصرّف قبل إخراج الفرض ، وبأنّه لا يتبعه النماء ، فلا يتعلّق بالعين.

وجوابه : منع الملازمة ؛ لما مرّ من الدليل على جواز تصرّفه في العين ، وهو لا ينافي تعلّقها بها.

وأمّا الجواب عن الأخير ، فقال في التذكرة : وملك المساكين غير مستقرّ حيث كان للمالك العدول ، فلم يتبعه النماء ، على أنّ لمانع أن يمنع ذلك (٢).

أقول : والمنع الأخير مشكل ؛ لعدم ثبوت الملك المستقرّ بحيث يترتّب عليه جميع آثارة.

نعم ، روى الكلينيّ ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أُؤدّيها ، قال : «اعزلها ، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن ، ولها الربح ، وإن نويت في حال ما عزلتها من غير أن

__________________

(١) التذكرة ٥ : ١٨٧.

(٢) التذكرة ٥ : ١٨٥.

٨٦

تشغلها في تجارة فليس عليك شي‌ء ، وإن لم تعزلها فاتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ، ولا وضيعة عليها» (١) ، فيتقوّى المنع حينئذٍ.

وكيف كان فالظاهر عدم دخول الحمل في الشاة مثلاً ، وإن تولّد بعد حؤول الحول ، ولو أعطاها الشاة الحاملة فيستردّ ولدها.

ومن فروع المسألة : عدم تكرار الزكاة بتكرّر الحول على النصاب الواحد إذا لم يخرجها من خارج ، لانثلام النصاب في العام الأوّل ، بخلاف ما لو أخرجها من مالٍ آخر ، فيبقى النصاب سالماً ثمّ يحول عليه الحول.

وقد أشرنا إلى ذلك فيما مضى.

فلو كان عنده ستّ وعشرون من الإبل ومضى عليه حولان وجب عليه بنت مخاض وخمس شياه ، وإن مضى ثلاثة فيزيد عليه أربعة أُخر فيصير تسعة.

قال في المدارك : وهذا مقيّد بما إذا كان النصاب بنات مخاض ، أو مشتملاً عليها ، أو قيمة الجميع بنات مخاض ، وإلا فإن كانت زائدة عن قيمة بنت المخاض أمكن أن يفرض خروج قيمة بنت المخاض عن الحول الأوّل من جزء واحد من النّصاب ويبقى منها قيمة خمس شياه عن الحول الثاني ، فيجب في الثالث خمس شياه أيضاً ولو كانت ناقصة عن قيمة بنت المخاض نقص النصاب في الحول الثاني عن خمس وعشرين ، فيجب فيه أقلّ من خمس شياه كما لا يخفى (٢).

أقول : والزكاة لا تتعلّق بالنيّف كما مرّ ، وإذا لوحظ خروج خمس شياه من نفس النصاب فينثلم.

ونيابة ذلك الجزء الباقي عمّا قوبل بخمس شياه من أصل النصاب ، مع أنّه لا يتمّ إلا إذا وافق ذلك الجزء له في تصحيح إبل وإتمامه فيه أنّ الذي دلّ عليه الدليل في أحكام الزكاة هو الإبل الصحاح ، فيشكل الاطّراد في الكسور.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٠ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٢١٤ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٥٢ ح ٢.

(٢) المدارك ٥ : ١٠١.

٨٧

فلو كان لأحدٍ من كلّ واحد من عشرة من الإبل نصفاً لا يُستفاد حكمه من تلك الأدلّة ، فيشكل الحكم بوجوب شاة عليه.

تنبيه :

لا يجوز التصرّف في العين على القول بتعلّقها بالعين قبل الضمان.

ولو باعها قبل أداء الزكاة وبعد الضمان فتصحّ في الجميع ، وإن كان قبل الضمان نفذ في نصيبه ، وأمّا في القدر الواجب فيبطل على الأقوى من كونه من باب الشركة ، وكذا على القول بالرهن ، وعلى الجناية فقيل : إنّ البيع التزام بالزكاة ، فإن أدّاها نفذ ، وإلا فيتبع الساعي العين.

ولو باع الجميع ثمّ أخرج الزكاة فقيل : يصحّ البيع في الجميع.

وقيل : يقف على الإجازة من المالك ثانياً ؛ لتجدّد الملك ، كما لو باع مال غيره ثمّ اشتراه ، وهذا أظهر.

التاسع : المشهور الأقوى أنّ أوّل نصاب الذهب عشرون ديناراً ، وفيه نصف دينار.

ثمّ ليس فيه حتّى يبلغ أربعة دنانير ، ففيها قيراطان عُشر دينار.

وهكذا كلّما زاد أربعة ففيها عشر دينار ، وليس في النيّف شي‌ء.

وعن الصدوقين (١) وجماعة من أصحاب الحديث (٢) : أنّ نصابه الأوّل أربعون ديناراً ، فيه دينار.

ونقل في المختلف عن عليّ بن بابويه أنّه نفى النصاب الثاني وقال : ليس في النيّف شي‌ء حتّى يبلغ أربعين (٣).

__________________

(١) نقله عن علي بن بابويه في الشرائع ١ : ٤٧٧ ، والمختلف ٣ : ١٨٢ ، وعن ابنه الصدوق في المعتبر ٢ : ٥٢٣.

(٢) حكاه عنهم صاحب المعتبر ٣ : ٥٢٣.

(٣) المختلف ٣ : ١٨٢.

٨٨

ويدلّ على المشهور أخبار كثيرة :

منها : صحيحة البزنطي (١).

ومنها : صحيحة الحلبي (٢) ، وحسنة محمّد بن مسلم (٣) الدالّتان على أنّ نصاب الذهب هو ما يسوى مائتي درهم ، مضافاً إلى ما ذكر الأصحاب (٤) وغيرهم (٥) أنّ كلّ دينار في ذلك الزمان كان مساوياً لعشرة دراهم ، وتشهد به ملاحظة مقادير الديات.

واحتجّ ابن بابويه بموثّقة محمّد بن مسلم وأبي بصير وبريد والفضيل (٦). وتدلّ عليه صحيحة زرارة أيضاً (٧) ، وهما لا تقاومان أدلّة المشهور ، فالعمل عليه.

وأمّا الفضّة فنصابها الأوّل مائتا درهم ، فيه خمسة دراهم.

وكلّما زادت أربعين ففيها درهم ، وليس في الأقلّ من ذلك ولا في النيّف شي‌ء ويدلّ عليه الإجماع (٨) والأخبار المعتبرة (٩).

ثمّ إنّه لا يضمّ أحد النقدين إلى الأخر في النصاب ، فلا يجب في عشرة دنانير

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٨ ح ٣٩١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٤ ح ١ ، في المعدن قال : ليس فيه شي‌ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزّكاة عشرين ديناراً.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٦ ح ٧ ، الوسائل ٦ : ٩٢ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١. عن الذهب والفضة ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة؟ قال : مائة درهم وعدلها من الذهب.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٦ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ١٠ ح ٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٣ ح ٣٨ ، الوسائل ٦ : ٩٢ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٢. عن الذهب كم فيه من الزّكاة؟ قال : إذا بلغت قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة.

(٤) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٥٢٥ ، والعِمة في المنتهي ١ : ٤٩٢.

(٥) كالكاساني في بدائع الصنائع ٢ : ١٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١١ ح ٢٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣ ح ٣٩ ، الوسائل ٦ : ٩٤ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١٣ ، قالا : في الذهب في كلّ أربعين مثقالاً ؛ مثقال ، وفي الورق في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم ، وليس في أقلّ من أربعين مثقالاً شي‌ء ، ولا في أقلّ من مائتي درهم شي‌ء ، وليس في النيّف شي‌ء حتّى يتمّ أربعون فيكون فيه واحد.

(٧) التهذيب ٤ : ٩٢ ح ٢٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٨ ح ١١٩ ، الوسائل ٦ : ٩٥ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١٤ ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهماً وتسعة وثلاثون ديناراً أيزكّيها؟ فقال : لا ، ليس عليه شي‌ء من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتّى يتمّ أربعون ديناراً ، والدراهم مائتا درهم.

(٨) حكاه في المعتبر ٢ : ٥٢٩ ، والمنتهى ١ : ٤٩٣.

(٩) الكافي ٣ : ٥١٦ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ١٢ ح ٣٣ ، الوسائل ٦ : ٩٦ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٢ ح ١ و١٠. سألته عن النيّف والخمسة والعشرة ، قال : ليس عليه شي‌ء حتّى يبلغ أربعين.

٨٩

ومائة درهم شي‌ء ، وكذا غيرهما من الأجناس ؛ للإجماع (١) ، والأخبار (٢). وخلاف بعض العامّة ضعيف (٣).

ثمّ إنّ الدينار لم يختلف في الجاهليّة والإسلام ، ولم يتغيّر عمّا كان على عهد رسول اللهُ ، ونقل على ذلك اتّفاق العلماء (٤) ، بخلاف الدراهم ، والمعتبر فيها ما كان في زمن النبيّ.

وقد ذكر علماء الفريقين (٥) أنّها كانت حينئذٍ ستّة دوانيق ، وصرّح به أهل اللغة (٦) ، وعليه تحمل أخبار أئمّتنا «أيضاً.

قال العلامة في المنتهي والتذكرة والتحرير : إنّها كانت في صدر الإسلام صنفين : بغليّة وهي السود ، كلّ درهم ثمانية دوانيق ، وطبريّة ، كلّ درهم أربعة دوانيق ، فجُمعا في الإسلام وجُعلا درهمين متساويين وزن كلّ درهم ستّة دوانيق.

ثمّ قال : فصار وزن كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب ، وكلّ درهم نصف مثقال وخمسه ، وهو الدرهم الذي قدّر به النبيّ المقادير الشرعيّة في نصاب الزكاة والقطع ومقدار الدّيات والجزية ، إلى آخر ما ذكره (٧).

وأمّا الدانق ، فاتّفقوا على أنّ كلّ دانق وزنه ثمان حبّات من أواسط الشعير كما صرّح به علماء الفريقين ، كذا ذكره في المنتهي والتذكرة (٨).

وأمّا الدينار ، فهو والمثقال الشرعيّ متّحدان ، والمثقال الشرعيّ درهم وثلاثة أسباع

__________________

(١) كما عن العلامة في التذكرة ٥ : ١٣٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٥ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ١٢ ح ٣٣ ، الوسائل ٦ : ٩٣ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٥ و١١. ليس فيما دون العشرين مثقالاً من الذهب شي‌ء.

(٣) كمالك والأوزاعي والثوري وأحمد في رواية والحسن وقتادة وأصحاب الرأي ، انظر التذكرة ٥ : ١٣٨.

(٤) التذكرة ٥ : ١٢١ ، قال العلامة : واعلم أنّ المثاقيل لم تختلف لا في جاهليّة ولا إسلام ، وأمّا الدراهم ..

(٥) منهم ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٩٧ ، والشربيني في مغني المحتاج ١ : ٣٨٩ ، والصنعاني في سبل السلام ٢ : ٦٠٢.

(٦) كالفيومي في المصباح المنير : ١٩٣.

(٧) المنتهي ١ : ٤٩٣ ، التذكرة ٥ : ١٢١ ، التحرير ١ : ٦٤.

(٨) المنتهي ١ : ٤٩٣ ، التذكرة ٥ : ١٢١.

٩٠

درهم ، وهو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفيّ.

فيكون العشرون مثقالاً من الذهب في وزان ثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع درهم ، وخمسة عشر مثقالاً بالصيرفيّ.

والمائتا درهم في وزان مائة وأربعين مثقالاً شرعيّا ، ومائة وخمس مثاقيل بالصيرفيّ.

ولا إشكال في ذلك كلّه إلا في الدانق ، فإنّ رواية سليمان بن حفص المروزيّ تدلّ على أنّه وزان اثنتا عشرة حبّة من أواسط الشعير (١) ، ولكنّها ضعيفة متروكة ، والعمل على المشهور.

العاشر : يُشترط في وجوب زكاة النقدين كونهما مسكوكين بسكّة المعاملة بإجماعنا (٢) وأخبارنا ، مثل صحيحة عليّ بن يقطين المتقدّمة (٣) ، وموثّقة جميل (٤) وغيرهما (٥).

ولا تشترط فعليّة التعامل ، بل يكفي كون السكّة سكّة المعاملة.

ولا يكفي مطلق النقش.

والمتبادر من المنقوش في الصحيحة هو ذلك ، كما هو المتبادر من لفظ الدرهم والدينار أيضاً ، وإطلاقها يشمل المهجورة أيضاً ، ولا زكاة في غير المنقوش وإن جرت به المعاملة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٣٣٨ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٣.

(٢) انظر المدارك ٥ : ١١٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٨ ح ١٩ ، الاستبصار ٢ : ٦ ح ١٣ ، الوسائل ٦ : ١٠٥ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٨ ح ٢ ، وفيها : وكلّ ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شي‌ء ، قال ، قلت : وما الركاز؟ قال : الصامت المنقوش ثمّ قال : إذا أردت ذلك فاسبكه ، فإنّه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة زكاة.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٨ ح ٩ ، التهذيب ٤ : ٧ ح ١٨ ، الاستبصار ٢ : ٧ ح ١٦ ، الوسائل ٦ : ١٠٥ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٨ ح ٣ ، وفيها : ليس في التبر زكاة ، إنّما هي على الدنانير والدراهم.

(٥) انظر الوسائل ٦ : ١٠٥ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٨.

٩١

وقد تقدّم الكلام فيما لو جعلها سبائك لأجل الفرار ، وأنّ الأظهر عدم الوجوب ، نعم يستحبّ.

وكذلك يُشترط حؤول الحول على مجموع النصاب كما تقدّم في الحيوان بالإجماع والأخبار.

وقد تقدّم الكلام في التبديل بالجنس وغيره ، والفرار قبل الحول وفي الأثناء.

وقيل : تستحبّ الزكاة في الحليّ المحرّم (١) ، ولم نقف على دليله ، أوجبه العامّة (٢) ، ولا دليل لهم.

والأخبار النافية للزكاة عن مطلق الحليّ تشمله ، وفي بعضها : «لا ، وإن بلغ مائة ألف» (٣) وفي بعض الأخبار المعتبرة : «أنّ زكاة الحليّ أن تُعار» (٤).

تنبيهان :

الأوّل : مقتضى الفتاوى وإطلاقات الأدلّة أنّه يضمّ الردي‌ء من كلّ من الجنسين إلى جيّدهما

فإن أخرج الزكاة عن المجموع من الجيّد ، فقد أحسن إلى نفسه وحاز الفضل ، ودونه في الفضيلة الإخراج من كلّ نوع بقِسطه.

ويجوز إخراج الجميع من الأدنى لصدق الاسم ، وإن زاد فيه حينئذٍ بحيث تساوي قيمته الأفضل أو التقسيط لكان أفضل.

ولكن لا يجوز الإخراج عن الأدنى من الأعلى بالقيمة ، واحتمل العلامة الإجزاء

__________________

(١) القائل هو الشيخ في الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢٠٥.

(٢) كالشافعي في الجديد ، وقال به عمر ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعطاء ، ومجاهد ، وغيرهم ، انظر المجموع ٦ : ٣٦ ، ٤٦ ، وفتح العزيز ٦ : ٢٠١٩ ، والمغني ٢ : ٦٠٤ ، وبدائع الصنائع ٢ : ١٧.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٨ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٨ ح ٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٧ ح ١٧ ، الوسائل ٦ : ١٠٦ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٩ ح ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٨ ح ٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٧ ح ١٩ ، الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٠ ح ٢.

٩٢

اعتباراً بالقيمة (١) ، وهو مشكل ؛ لأنّ المتبادر من القيمة هو الخارج من الجنس.

الثاني : إنّما يعتبر في الدراهم المغشوشة بغير النقدين بلوغ الصافي منه النصاب.

ولا يُخرج المغشوش عن الصافي ، إلا إذا علم اشتماله على الفريضة من الصافي.

وكذلك ما غشّ فيه أحد النقدين بالآخر يعتبر في كلّ منهما بلوغ النصاب على حدة.

ثمّ إذا علم بلوغ الصافي من المغشوش حدّ النصاب ، وعلم قدرَه ، فيخرج زكاته من الخالص أو من المغشوش بحيث يحصل له اليقين بالوفاء.

وإن جهل القدر ، فإن تطوّع بالصافي عن جملة المغشوش أو بما يحصل به اليقين من المغشوش أو الصافي فهو ، وإلا فيُلزم بتصفيته لتحصيل البراءة اليقينيّة.

وذهب الفاضلان (٢) وغيرهما (٣) إلى الاكتفاء بما تيقّن اشتغال ذمّته به ، كما لو شكّ في بلوغ الصافي النصاب أوّلاً.

وفيما ذكروه إشكال ؛ إذ الأحكام متعلّقة بالنصب ، وهي أسماء لما في نفس الأمر ، فإذا قال الشارع : «في أربعين شاة شاة» أو «في عشرين مثقالاً نصف دينار» ، وكان المكلّف واجداً للغنم والذهب ، لكنّه شاكّ في العدد ؛ فحينئذٍ كيف يمكن أن يقال : لا يجب عليه عدّ غنمه أو دنانيره حتّى يعرف أنّه مكلّف بالزكاة أم لا؟!

وهكذا الكلام فيمن كان له زرع ، فإذا قال الشارع : «في كلّ ثلاثمائة صاع زكاة» فكيف يقال : إنّه لا يجب على المالك أن يكيل غلّته حتّى يعرف أنّه مكلّف أم لا؟!

وهكذا الكلام في من شكّ في استطاعة الحج من جهة عدم معرفة مقدار ماله ، فيجب عليه حينئذٍ أن يتبيّن حاله ، هل هو مخاطب بالحجّ أم لا ، فإنّ غاية الأمر كون هذه الواجبات مشروطات بوجود شي‌ء ، ولم يثبت اشتراطها بالعلم بوجوده ، وهكذا

__________________

(١) التذكرة ٥ : ١٢٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٢٥ ، التذكرة ٥ : ١٢٧ ، المنتهي ١ : ٤٩٤.

(٣) كصاحب المدارك ٥ : ١٢٤.

٩٣

الكلام في معرفة الزائد من النصاب ، فالاعتماد على أصل البراءة في أمثال ذلك مشكل.

نعم ، يمكن الاعتماد فيما لو شكّ في بلوغ الصافي حدّ النصاب أو لا ، إذا لم يتمكّن من تحصيل المعرفة إلا بالتصفية ، فإنّه ضرر على المالك ، ولم يعلم شمول الإطلاقات لمثله ، فليتأمل وليحتط.

الحادي عشر : قد عرفت أنّ الزكاة لا تجب فيما أنبتت الأرض إلا في أربعة : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب.

وأمّا العلس والسلت ؛ فالمشهور فيهما العدم ، وذهب الشيخ (١) وجماعة (٢) إلى الوجوب ، واختاره في المسالك (٣) ؛ لنصّ أهل اللغة على كونهما منهما.

قال في الصحاح : السلت بالضم ضرب من الشعير ليس له قشر كأنّه الحنطة ، والعلس أيضاً ضرب من الحنطة يكون حبّتان في قشر ، وهو طعام أهل صنعاء (٤).

وفيه : أنّ العرف مقدّم على اللغة على الأقوى ، والظاهر صحّة السلب عنهما ، وهو علامة المجاز.

مع أنّ ابن دريد قال : السلت حبّ يشبه الشعير أو هو بعينه ، وقال أيضاً : العلس حبّة سوداء تخبز في الجدب أو تطبخ (٥).

مع أنّ السلت مذكور في بعض الروايات مع البرّ والشعير ، وهو يشعر بمغايرتهما.

وكيف كان ، فالأصل والشكّ في كونهما حنطة أو شعيراً يكفي في نفي الوجوب.

يشترط في الغِت النصاب ، ونصابها واحد ، وإذا بلغ النصاب فيجب فيه وما زاد عليه

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١٧ ، الخلاف ٢ : ٦٥.

(٢) كالعلامة في القواعد ١ : ٣٤٢.

(٣) المسالك ١ : ٣٩٠.

(٤) الصحاح ١ : ٢٥٣.

(٥) جمهرة اللّغة ١ : ٣٩٨ (سلت) ، وج ٢ : ٨٤١ (علس).

٩٤

ولو قليلاً ، ولا يجب فيما دونه وإن كان بقليل ، لأنّه تحقيقيّ ، لا تقريبيّ ، كما توهّمه بعض العامّة (١).

وهو خمسة أوسق ، والوسق بفتح الوسط ستّون صاعاً بالإجماع (٢) والصحاح المستفيضة (٣).

والصاع : تسعة أرطال بالعراقي ؛ لصحيحة أيّوب بن نوح (٤) ، وستّة بالمدنيّ ؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كان رسول اللهُ يتوضّأ بمدّ ، ويغتسل بصاع ، والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال» (٥).

قال الشيخ : يعني أرطال المدينة ، فيكون تسعة أرطال بالعراقيّ ؛ لأنّ الرطل العراقيّ ثلثا الرطل المدنيّ ، كما أنّ الرطل المكيّ ضعف رطل العراقيّ.

ورواية جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ مصرّحة بأنّ الصاع تسعة بالعراقيّ وستّة بالمدنيّ ، وفي آخرها : أنّه يكون بالوزن ألفاً ومائة وسبعين وزنة (٦) ، والمراد بالوزنة الدرهم كما قيل.

والصاع : أربعة أمداد أيضاً بإجماع العلماء كما في المنتهي (٧).

والمد : رطل ونصف بالمدنيّ ، وتدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدّمة ، فتكون رطلين وربعاً بالعراقيّ.

__________________

(١) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ ، وانظر التذكرة ٥ : ١٤٥.

(٢) ذكر الإجماع صاحب التذكرة ٥ : ١٤٢ ، وصاحب المدارك ٥ : ١٣١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣ ح ٣٤ ، وص ١٨ ح ٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٨ ح ٥٤ ، وص ١٤ ح ٤٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٠ أبواب زكاة الغِت ب ١ ح ٥ ، ٦.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٤ ح ٢٤ ، التهذيب ٤ : ٩١ ح ٢٦٥ ، الوسائل ٦ : ٢٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٣ ، وفيها : قد بعث إليك العام عن كلّ رأس من عياله بدرهم عن قيمة تسعة أرطال تمر بدرهم ..

(٥) التهذيب ١ : ١٣٦ ح ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ح ٤٠٩ ، الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ١٧٢ ح ٩ ، الفقيه ٢ : ١١٥ ح ٤٩٣ ، التهذيب ٤ : ٨٣ ح ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ ح ١٦٣ ، الوسائل ٦ : ٢٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ١.

(٧) المنتهي ١ : ٤٩٧.

٩٥

وقال البزنطي : رطل وربع (١) ، ولعلّ مستنده موثّقة سماعة ، وفيها : «المدّ قدر رطل وثلاث أواق» (٢). فإن جعلنا الرطل عراقيّاً والأُوقيّة أربعين درهماً كما هو المشهور بين أهل اللّغة ، فيحصل الفرق الفاحش ، وإن جعلناه مدنيّاً وقلنا : أنّ الأُوقيّة سبعة مثاقيل كما قيل ، فيقرب من المشهور.

والرطل العراقيّ : مائة وثلاثون درهماً ، أحد وتسعون مثقالاً على المشهور ، موافقاً للرواية المتقدّمة ، وأصالة عدم تحقّق الشرط.

وقال في التحرير : إنّه تسعون مثقالاً (٣) ، ولم نقف على مُستنده.

فالصاع ثمان مائة وتسعة عشر مثقالاً بالشرعيّ ، وستمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال بالصيرفيّ. فيصير نصاب الغلّة مائة وثمانين ألف وأربعة آلاف ومائتين وخمساً وسبعين مثقالاً. وبالمنّ التبريزيّ المعهود في هذه البلاد وهو وزان ثمان عبّاسيات من الفلوس يصير مائتين وثمانين وسبعة أمنان وثلاثة أرباع منّ وثمن منّ وخمسة عشر مثقالاً صيرفيّاً.

واعلم أنّ المعتبر الوزن ، وإن كان الصاع في الأصل كيلاً ، سيّما في هذا الزمان الذي لا تمكن المعرفة بالكيل ، فإن فرضت المعرفة بأن توافقا فلا إشكال ، وكذلك لو بلغ بالوزن دون الكيل ؛ لأنّ الشارع اعتبره جزماً ، مع أنّه أضبط ، بل اعتباره إنّما هو للضبط ، وأمّا لو بلغ بالكيل دون الوزن ، فلا تجب الزكاة خلافاً لبعض العامّة (٤).

الثاني عشر : وقت تعلّق الوجوب بالغلات بمعنى جواز الإتلاف وسائر التصرّفات ، بدون الضمان قبل ذلك ، وحصول الضمان لو أتلفه وفرّط به بعد ذلك ، وإن لم يجب عليه الإخراج حينئذٍ ، وانتقال الفرض إلى المنتقل إليه ، لو حصل الانتقال

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٥٣٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٦ ح ٣٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ح ٤١١ ، الوسائل ١ : ٣٣٩ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٤.

(٣) التحرير ١ : ٦٢.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥.

٩٦

قبله لا بعده هو أن يُسمّى بالحنطة والشعير ، ويبدو صلاح الثمرة بالاحمرار والاصفرار وانعقاد الحصرم عند الأكثر.

وتحصل التسمية عندهم في الأوّلين باشتداد الحبّ.

وقيل : لا يجب إلا مع التسمية بالتمر والزبيب (١).

وقال ابن الجنيد : وقته أن يُسمّى عنباً أو تمراً (٢).

ولعلّ اعتبار تسمية الحنطة والشعير وفاقيّ ، لكنّهم اختلفوا في وقتها ، فالأكثر على أنّه اشتداد الحبّ وإن لم يجفّ فيهما ، (٣) وظاهر غيرهم اعتبار أكثر من ذلك (٤).

وأمّا الاحمرار والاصفرار في التمر والانعقاد في العنب ، فربّما يُستدلّ في الأوّلين بتسميتهما تمراً حينئذٍ عند أهل اللغة (٥).

والأولى الاستدلال فيهما وفي انعقاد الحصرم بصحيحة سعد بن سعد الأشعريّ ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال : «إذا ما صرم ، وإذا خرص» (٦).

وصحيحته الأُخرى ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة من البرّ والشعير والتمر والزبيب ، فقال : «خمسة أوساق بوسق النبيّ» ، فقلت : كم الوسق؟ فقال : «ستّون صاعاً» ، فقلت : فهل تجب على العنب زكاة ، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ قال : «نعم ، إذا خرصه أخرج زكاته» (٧).

ولا يخفى أنّ الخرص يتحقّق في الحصرم أيضاً كما يتحقّق في البسر أيضاً.

__________________

(١) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٥٣٤.

(٢) حكاه عنه الشهيد في البيان : ١٨١.

(٣) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٢١٤ ، والحلّي في السرائر ١ : ٤٥٣ ، والعِمة في التحرير ١ : ٦٣.

(٤) كالشيخ في النهاية : ١٨٢ ، وسلار في المراسم : ١٢٧.

(٥) كالصحاح ٢ : ٥٨٩ ، والمستدلّ العلامة في المنتهي ١ : ٤٩٩ ، والمختلف ٣ : ١٨٦.

(٦) الكافي ٣ : ٥٢٣ ح ٤ ، وفيه : إذا [ما] صرم ، وإذا [ما] خرص ، الوسائل ٦ : ١٣٣ أبواب زكاة الغِت ب ١٢ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ٥١٤ ح ٥ ، الوسائل ٦ : ١٣٣ أبواب زكاة الغِت ب ١٢ ح ٢ بتفاوت يسير.

٩٧

ولعلّ مستند ابن الجنيد : الاقتصار على تسمية الزبيب والتمر كما في الأخبار ، خرج عنه في العنب بمقتضى الروايتين وبقي الباقي. ويظهر جوابه ممّا ذكرنا.

وأمّا وقت وجوب الإخراج : فهو التصفية في الحنطة والشعير ، والجفاف في الثمرتين بالإجماع.

ومعنى الوجوب حينئذٍ : أنّه لا يجب الإخراج قبله ، ويضمن لو أخّر عن ذلك من دون عذر ، وإلا فلا ريب في جواز التقديم ، كما دلّت عليه الصحيحتان.

ولا يكفي بلوغه النصاب حال الرطوبة ، بل يعتبر بلوغه النصاب إذا جفّ.

والظاهر اعتبار حال كلّ ثمرة في نفسها ؛ إذ قد يتفاوت الحال ويحصل النقص في جفاف بعضها أزيد من الأخر ، ولو فرض عدم حصول الزبيب أو التمر من نوع من العنب والرطب فلا تجب فيه زكاة.

وتُضمّ النخيل والزروع المتباعدة بعضها إلى بعض ، وإن اختلفت في زمان الزرع والاطلاع والإدراك بالإجماع ، ولكن إذا بلغ السابق النصاب فتجب الزكاة ، ثمّ يخرج من الباقي وإن قلّ.

ولو لم يبلغ السابق النصاب ، فيتربّص حتّى يدرك الباقي ، فإن بلغ فتجب حينئذٍ.

وفيما لو أطلع نخله مرّتين إشكال ، فالأكثر على الانضمام ؛ للإطلاقات ، خلافاً للشيخ (١) ؛ لأنّه في حكم ثمرة سنتين ، وله الأصل وعدم انصراف الإطلاق إليه.

وكذلك الإشكال فيما لو زرع الزكويّ في عام واحد مرّتين ، مثل أن يزرع في أوّل الربيع ويحصد في الصيف ، ثمّ يزرع بعده في الصيف ويحصد في أواخر الخريف ، كما هو متعارف في بعض أنواع الشعير.

الثالث عشر : يُشترط في وجوب الزكاة في الغِت أن يكون تملّكه لها قبل تعلّق

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١٥.

٩٨

الوجوب بها سواء كان تملّكه بزرعها أو باشترائها أو غيرهما بالإجماع.

فلو دخل الزرع في ملكه بعد تعلّق الوجوب فالزكاة على الناقل.

وكذا إذا ملك نخلاً قبل زمان تعلّق الوجوب.

وكذا إذا اشترى الثمرة على الوجه الصحيح من انضمام الضميمة أو كون البيع أزيد من عام وغيره ، بلا خلاف ظاهر ؛ للإطلاقات.

ثمّ إذا زكّاها فلا تجب عليه مرّة أُخرى ، وإن حال عليه أحوال بالإجماع والأخبار ، إلا أن يبدّلها بالأثمان وحال عليها الحول ، فتجب حينئذٍ ، وحسنة زرارة وعبد الله عن الصادق عليه‌السلام مصرّحة بالحكمين (١).

الرابع عشر : لا تجب الزكاة إلا بعد وضع خراج السلطان بلا خلاف.

والمشهور وضع المؤن كلّها أيضاً ، وذهب الشيخ في الخلاف (٢) ويحيى بن سعيد (٣) والشهيد الثاني (٤) وصاحب المدارك (٥) وبعض من تأخّر عنه (٦) إلى عدم وضع شي‌ء عدا خراج السلطان.

لنا : الأصل ، والاستصحاب ، ونفي الضرر ، وأنّ ظاهر بعض الروايات أنّ الزكاة في النماء ، مثل حسنة أبي بصير ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، أنّهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال : «كلّ أرض دفعها إليك السلطان وفي بعض النسخ سلطان فتاجرته فيها ، فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٥ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٤٠ ح ١٠٢ ، الوسائل ٦ : ١٣٣ أبواب زكاة الغِت ب ١١ ح ١ ، وفيها زرارة وعبيد بن زرارة ، قال : أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه فيه شي‌ء ، وإن حال عليه الحول عنده ، إلا أن يحوّله مالاً ، فإن فعل ذلك فحال عليه الحول فعليه أن يزكّيه ..

(٢) الخلاف ٢ : ٦٧ مسألة ٧٨.

(٣) الجامع للشرائع : ١٣٤.

(٤) الروضة البهيّة ٢ : ٣٦.

(٥) المدارك ٥ : ١٤٣.

(٦) كصاحب الرياض ٥ : ١١٨ ، قال : الأحوط عدم استثناء المئونة بالكلّيّة.

٩٩

عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، إنّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» (١).

تدلّ عليه : مقابلة ما أخرج الله للمتاجرة ، فإنّ ما يخرج من المتاجرة إنّما يراد به في العرف المنافع ، لا القنية وما بان به في الكسب ، مع أنّ قوله عليه‌السلام : «إنّما العشر فيما يحصل في يدك» يدلّ عليه أيضاً ، فإنّ المؤن ممّا يخرج من اليد ، لا ممّا يحصل فيها.

وبالجملة : الحديث ظاهر في المطلق ، بل قال المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله : إنّه صريح في المطلق (٢).

وما يقال : إنّ المراد أنّ كلّ ما يبقى بعد وضع المقاسمة فتجب فيه الزكاة بتمامه ، ولا يخرج غيره ، فهو بعيد ، ومُستلزم للتكرار ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وفهم الأصحاب أيضاً قرينة لما ذكرنا ، كما يظهر من ذكر الشيخ ذلك في شرح كلام المفيد وغيره (٣).

وفاعل «عليك» على ما ذكرنا إمّا الزكاة المعلوم من السياق ، أو العشر على سبيل التنازع.

وجعل قوله عليه‌السلام «الّذي قاطعت» فاعلاً له بإرادة الخراج منه بعيد لفظاً ومعنًى.

والظاهر أنّ الرواية في ردّ مذهب أبي حنيفة من سقوط الزّكاة في الأراضي الخراجيّة (٤) ، فأوّلها في ردّه ، واخرها في عدم إخراج شي‌ء ، فلا تكرار.

وممّا يؤيّد دلالة الرواية على ما ذكرنا : صحيحة زرارة في خمس المعادن ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال : «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٣ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ ح ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ ح ٧٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٩ أبواب زكاة الغِت ب ٧ ح ١. وفيها : فما حرثته فيها ، بدل : فتأجرته فيها.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ١١٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٩.

(٤) النتف ١ : ١٨٥ ، المبسوط ٢ : ٢٠٧ ، شرح فتح العزيز ٢ : ٢٠٠ ، المجموع ٥ : ٥٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، المغني لابن قدامة ٢ : ٥٨٧ ، وانظر الخلاف ٢ : ٦٨ مسألة ٨٠.

١٠٠