غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

حسب ما أمكن ، فيحمل إطلاق الخمسين في سائر الروايات على ما لو كانت الخمسون أكثر استيعاباً. هذا كلّه مضافاً إلى الشهرة وظاهر نقل الإجماع (١).

وفي البقر نصابان :

ثلاثون ؛ وفيها تبيع حوليّ ، أو تبيعة حوليّة ، والظاهر أنّ التخيير بين الذكر والأُنثى إجماعيّ ، وإلا ففي الحسنة : «تبيع حوليّ».

وأربعون ؛ وفيها مُسنّة.

وهو كذلك أبداً ، ففي ستّين تبيعان ، وفي ثمانين مُسنّتان ، وفي تسعين ثلاث حوليّات ، وفي عشرين ومائة ثلاث مسنّات ، وهكذا.

فالنصاب هو أحد الأمرين من الثلاثين والأربعين.

ويدلّ على هذا الحكم بعد الإجماع حسنة الفضلاء المتقدّمة.

وفي الغنم خمسة نصب :

أربعون ، وفيها شاة.

ثمّ مائة وإحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

وثمّ مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه بالإجماع ، والحسنة المتقدّمة وغيرها (٢).

وفي ثلاثمائة وواحدة أربع.

حتّى يبلغ أربعمائة ، ففي كلّ مائة شاة على الأشهر الأظهر ، وذهب جماعة إلى أنّه إذا بلغ ثلاثمائة وواحدة فيؤخذ من كلّ مائة شاة (٣).

لنا : الحسنة المتقدّمة ، والإجماع المنقول في الخلاف (٤) ، وظاهر ابن زهرة أيضاً دعوى الإجماع عليه (٥).

__________________

(١) المنتهي ١ : ٤٨١.

(٢) الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦.

(٣) كالمفيد في المقنعة : ٢٣٨ ، والسيّد في الجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ١٢٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٢٦.

(٤) الخلاف ٢ : ٢١ مسألة ١٧.

(٥) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٨.

٦١

ولهم : صحيحة محمّد بن قيس (١).

ووضوح سند الاولى ، وصراحة دلالتها ، وموافقتها للمشهور ، ومخالفتها للعامّة ؛ وموافقة الثانية للفقهاء الأربعة كما نقله العلامة (٢) ، وعدم صراحة دلالتها ، لاحتمال إهمال حكم الثلاثمائة وواحدة فيها ، والإشكال في سندها وإن كان الأظهر العدم ؛ لأنّ الظاهر أنّ محمّد بن قيس هو البجلي بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه (٣) ؛ يرجّح ما اخترناه.

وههنا سؤال وجواب مشهوران :

أمّا السؤال : فهو أنّه إذا وجب في الأربعمائة ما يجب في الثلاثمائة وواحدة فما الفائدة في الزائد؟!

والجواب : أنّ الفائدة تظهر في الوجوب والضمان ، بمعنى أنّ الوجوب في الأربعمائة مثلاً يتعلّق بمجموعها ، وإذا نقص منها واحدة فيتعلّق بالثلاثمائة وواحدة ؛ لأنّ ما بينهما عفو.

ويتفرّع على ذلك : ثمرة الضمان في التالف ، فإذا حال الحول على الأربعمائة وتلف منها واحدة من دون تقصير ، فيستردّ من الفقير جزء من مائة جزء من واحدة ، وأمّا إذا حال على الثلاثمائة وتسعة وتسعين متنازلاً إلى مجرّد الثلاثمائة وواحدة ، فلا يستردّ منه شي‌ء.

نعم ، إذا كان النصاب نفس الثلاثمائة وواحدة وتلفت منها واحدة كذلك ، فيستردّ منه جزء من خمسة وسبعين جزء وربع جزء منها (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ ح ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ ح ٦٢ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ٢. وفيها : .. إلى الثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة.

(٢) التذكرة ٥ : ٨٢.

(٣) انظر هداية المحدّثين : ٢٥١

(٤) توضيح ذلك : أنّ زكاة كلّ خمس وسبعين وربع جنس الغنم الّذي هو ربع ثلاثمائة وواحدة شاة واحدة ، فزكاة كلّ واحدة منها جزء من خمس وسبعين جزء من شاة ، فإذا تلفت شاة بلا تقصير من المالك يستردّ منه بمقدار زكاة شاة واحدة ؛ لأنّه ليس عليه فيها زكاة بسقوطها بالتلف ، وذلك المقدار هو ما ذكرنا ، أعني جزء من خمس وسبعين جزء

٦٢

وربّما احتمل إسقاط ربع الجزء باحتمال أن تكون الواحدة الزائدة على الثلاثمائة شرطاً للوجوب ، لا جزءاً للنصاب ، وهو ضعيف ، بل لا وجه له.

ويرد على هذا الجواب أمران :

الأوّل : منع الاسترداد من الفقير إذا نقص من نفس الأربعمائة شي‌ء ما دامت الثلاثمائة وواحدة باقية ؛ لأنّه يصدق على المالك حينئذٍ أنّه مالك للثلاثمائة وواحدة وحال عليه الحول ولم ينقص منها شي‌ء.

والثاني : منع عدم الاسترداد من الفقير من العفو إذا نقص أصل الشاة من أربعمائة ، فإنّ ثمرة العفو عدم تعلّق الزكاة به بخصوصه ، ومقتضى الإشاعة اشتراك النقص بينه وبين أصل النصاب ، ولا منافاة بينهما ، فتأمّل فيهما.

تنبيهان :

الأوّل : لا يُضمّ مال إنسان إلى غيره افترقا أو اجتمعا ، اشتركا في العين أو لم يشتركا ، فيعتبر في كلّ منهما النصاب ، وهو مقتضى الأصل والعمومات ، ولا خلاف فيه بين أصحابنا.

وربّما نزّل على ذلك قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن قيس : «ولا يفرّق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرّق» (١) وحملها على التقيّة أظهر.

ولا يفرّق بين مالَي الواحد ، وإن تباعدا ، بلا خلاف عندنا ؛ للإطلاقات والعمومات.

الثاني : لا تجب الفريضة إلا في كلّ نصاب من النُّصُب ، ولا يجب فيما بينهما شي‌ء وهو مقتضى الإطلاقات والعمومات في التقديرات ، وخصوص قوله عليه‌السلام :

__________________

من شاة وربع جزء من خمس وسبعين جزء من شاة وهو المطلوب. منه رحمه‌الله.

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ ح ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ ح ٦٢ ، الوسائل ٦ : ٨٥ أبواب زكاة الأنعام ب ١١ ح ١.

٦٣

«وليس على النيف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء» (١).

واصطلحوا تسمية ما بين النصابين في الإبل «شَنَقاً» بفتح الشين والنون ، والبقر «وَقَصاً» بفتح الواو والقاف ، والغنم «عفواً».

الثالث : إنّما تجب الزكاة في السائمة من الأنعام الغير العاملة.

أمّا السوم فالمخالف فيه بعض العامّة (٢) ، ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع روايات ، منها حسنة الفضلاء المتقدّمة ، ففيها : «إنّما الصدقة على السائمة الراعية» (٣) قيل : والراعية وصف كاشف (٤).

أقول : ولعلّها كناية عن كونها مرسلة ، فيكون احترازاً عن العوامل السائمة.

ويعتبر استمراره في تمام الحول.

ويكفي الصدق العرفيّ على الأصحّ ، ولا يضرّ به العلف اليسير كما قيل (٥).

وقيل بكفاية الأغلبيّة (٦) ، وهو أيضاً ضعيف.

ويتحقّق العلف بإطعامها مملوكاً ، سواء كان مثل التبن والشعير ، أو بالإرسال في المراعى المملوكة المستنبتة ، كالقت والزرع والعلف النابت في البستان وغيره.

والظاهر أنّ الرعي في حريم القرية من الجبال والبراري ليس من ذلك ، وإن كان يرعاها غير مالكها ولو على سبيل الاستئذان من مالكها ، ولو بهبة مصانعة وهديّة قليلة ، وكذلك ما يصانع الظالم عليه من المرعى المباح.

والظاهر أنّ اعتلاف البهيمة بنفسها كافٍ ، إذا خرجت به عن صدق السوم. وكذا لو

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٠ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٢.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٤١ ح ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ ح ٦٥ ، الوسائل ٦ : ٨١ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٥.

(٤) مجمع الفائدة ٤ : ٥٦ ، المدارك ٥ : ٦٧.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٠٦.

(٦) المبسوط ١ : ١٩٨ ، الخلاف ٢ : ٥٣ مسألة ٦٢.

٦٤

علفها غير المالك كذلك من ماله أو غيره.

فلو اشترى علف قطعة من الأرض أو بُستان للرعي فيصدق العلف ، بخلاف ما لو استأجر أرضاً للرعي ، بل لو اشترى أرضاً لذلك أيضاً ، بل ولو فرض اشتراء علف مرعى وسيع مثل قرية وسيعة وجبال وسيعة لذلك ، فلا ينتفي صدق السوم.

والإشكال فيما لو علفها غير المالك من نفسه من جهة أنّ العلّة في اشتراط السوم قلّة المئونة على ربّ المال وهي مفقودة هنا ضعيف ؛ لعدم القطع بها ، والنصّ مطلق.

والحاصل : أنّ المعيار في السوم والعلف العُرف ، فما علم أو ظنّ فيه تحقّق الوصف فيتبع حكمه ، وما يشكّ فيه فالأصل براءة الذمّة ؛ للشكّ في حصول الشرط.

ثمّ إنّ مقتضى ما ذكر أنّه لا تجب الزكاة في السخال إلا بعد استغنائها عن الأُمّهات بالرعي ، إلا أنّ الشيخ (١) وجماعة من الأصحاب (٢) جعلوا مبدأ حولها من حين النتاج ؛ لحسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «ليس في صغار الإبل شي‌ء حتّى يحول عليها الحول من حين تنتج» (٣).

وعن الشهيد في البيان : اعتبار الحول من حين النتاج إذا كان اللبن من سائمة (٤) ، وقرّبه المحقّق الأردبيلي (٥) وصاحب المدارك (٦) رحمهما‌الله.

وقال في المسالك : إنّه غير واضح (٧).

أقول : والتحقيق أنّ الظاهر من ملاحظة اشتراط حؤول الحول على ما يعتبر فيه إنّما هو بعد جمعه لسائر الشرائط.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٠٠.

(٢) كالعلامة في المنتهي ١ : ٤٩١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٦٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٣ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ٨٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ح ١.

(٤) البيان : ٢٨٦.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٦٠.

(٦) المدارك ٥ : ٦٨.

(٧) المسالك ١ : ٣٦٨.

٦٥

ويقتضي ذلك كونها سائمة في تمام الحول ، كالملك والتمكّن من التصرّف وغيرهما ، فصدق السوم حين الأداء لا يكفي.

فحينئذٍ إن قلنا بتحقّق السوم في السخال في أيّام الرضاع بمجرّد كون أُمّها سائمة فيقوى قول البيان ، وإلا فالمتّبع هو الرواية ، وهي بمنزلة المخصّص لما دلّ على اعتبار السوم.

والأظهر العدم ، سيّما والمتبادر من السوم والعلف إنّما هو فيما من شأنه ذلك ، فتكون السخال حين الرضاع في حكم المشكوك فيه في حكم السوم والعلف ، والنصّ إنّما هو المثبت للحكم فيها.

وبالجملة فسواء قلنا بكون السوم شرطاً أو العلف مانعاً فلا يثبت حكم السخال في أيّام الرضاع منهما ، والأصل يقتضي عدم الوجوب ، إلا أنّ الحسنة متّبعة ؛ لاعتبار سندها (١).

ومع ملاحظة هذه الإشكالات لا يمكن التمسّك بالعمومات أيضاً ، مثل قولهم «: «في خمس من الإبل شاة» (٢) و «في أربعين شاة شاة» (٣) ؛ لثبوت الإجمال في المخصّص بالنسبة إليها ، فيشكل الاعتماد على العامّ بالنسبة إلى ما احتمل دخوله في الخاصّ ، مع أنّ المتبادر من تلك الأخبار غير السخال كما لا يخفى.

فلم يبق في المقام إلا الاتّكال على الحسنة ، إلا أن يقال : المتبادر من الحسنة كون الأُمّهات سائمة وغيرها مشكوك فيه ، وهذا ليس ببعيد.

فعلى هذا يبقى المعتمد هو الأصل فيما لو كان الرضاع من المعلوفة ثمّ صارت سائمة بعد الاستغناء ؛ لعدم الانصراف من الحديث.

__________________

(١) لأنّ سندها ليس فيه ممّا يتوقّف فيه سوى إبراهيم بن هاشم ، والظاهر الاعتماد على ما يرويه كما اختاره العلامة في الخلاصة : ٥.

(٢) الفقيه ٢ : ١٢ ح ٣٣ ، الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ ح ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ ح ٦١.

٦٦

وأمّا اشتراط عدم كونها عوامل فهو أيضاً إجماعيّ ، والمخالف فيه بعض العامّة (١) ، وتدلّ عليه أخبار كثيرة (٢). ورواية إسحاق بن عمّار (٣) محمولة على الاستحباب.

والمراد بالعمل أعمّ من الحرث والحمل والركوب وغيرها.

الرابع : يشترط في الأنعام الحول ، وكذا في النقدين ومال التجارة والخيل بالإجماع ، بل إجماع العلماء كما في المنتهي (٤) ، والأخبار المعتبرة ، مثل حسنة الفضلاء المتقدّمة (٥) ، وصحيحتهم (٦) ، وصحيحة الحلبي (٧) وغيرها (٨).

ويتحقّق حوله شرعاً بإهلال الثاني عشر بإجماعنا ، كما يظهر من المنتهي والمعتبر والمسالك (٩) ؛ ولحسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، ففي جملتها : «إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول ، ووجبت عليه فيها الزكاة» (١٠).

وظاهر الرواية استقرار الزكاة بدخول الشهر الثاني عشر ، لا محض تعلّق الوجوب المتزلزل ، وهو الظاهر من الفتاوى والإجماع المنقول.

__________________

(١) كمالك وربيعة ومكحول وقتادة ، انظر المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، والقوانين الفقهيّة : ١٠٧ ، والمغني ٢ : ٤٥٦ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ ، وعمدة القاري ٩ : ٢٢ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٧٧ أبواب زكاة الأنعام ب ٤ ح ١ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام : ولا على العوامل شي‌ء.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٢ ح ١٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٤ ح ٦٨ ، الوسائل ٦ : ٨١ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٧. عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال : نعم ، عليها زكاة.

(٤) المنتهي ١ : ٤٨٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣١ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٨٠ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ١.

(٦) التهذيب ٤ : ٤١ ح ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ ح ٦٥ ، الوسائل ٦ : ٨١ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٥. عنهما» : وكلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء فيه ، فإذا حال عليه الحول وجب عليه.

(٧) الكافي ٣ : ٥٢٥ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٥ ح ٩١ ، الوسائل ٦ : ١١٥ ، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٥ ح ١. الرجل يفيد المال ، قال : لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول.

(٨) الوسائل ٦ : ٨٠ أبواب زكاة الأنعام ب ٧.

(٩) المنتهي ١ : ٤٨٧ ، المعتبر ٢ : ٥٠٧ ، المسالك ١ : ٣٧٠.

(١٠) الكافي ٣ : ٥٢٦ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ١١١ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٢ ح ٢.

٦٧

وقول الشهيد الثاني في المسالك : بأنّ استقراره إنّما يحصل بتمام الثاني عشر مع دعواه الإجماع في أوّل كلامه ، وقوله : بأنّ مقتضى الإجماع والخبر السالف هو الاستقرار بدخول الثاني عشر في آخر كلامه (١) ، تهافت عجيب.

والظاهر أنّ الثاني عشر محسوب من الحول الأوّل ، بمعنى أنّه لا يدخل في حول الثاني ، فيحسب مبدأ الحول الثاني من أوّل الشهر الثالث عشر.

فما ذكره فخر المحقّقين : من احتسابه من الحول الثاني نظراً إلى أنّ الفاء تفيد التعقيب بلا فصل ، و «حالَ» فعل ماضٍ لا يصدق إلا بتمامه (٢) ، ضعيف ؛ وذلك لأنّ الحول هو اثنا عشر شهراً جزماً ، لكن حؤوله يحصل بالدخول في الشهر الأخر منه ، لا في الشهر الأوّل من الحول الاتي ، وذلك لا يقتضي كون الثاني عشر من الحول الاتي.

وتؤيّده رواية خالد بن الحجّاج الكرخي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الزكاة ، فقال : «انظر شهراً من السنة فانوِ أن تؤدّي زكاتك فيه ، فإذا دخل ذلك الشهر فانظر ما نضّ يعني ما حصل في يدك من مالك فزكّه ، فإذا حال الحول من الشهر الذي زكّيت فيه فاستقبل مثل ما صنعت ، ليس عليك أكثر منه» (٣). والظاهر أنّ الحديث في مال التجارة.

ولا بدّ من بقاء النصاب مستمرّاً طول الحول ، فلو خرج عن ملكه بالبيع مثلاً ثمّ رجع ولو لحظة فيستأنف الحول بعد الرجوع ، وكذا لو نقص ثمّ أتمّه ولو في لحظة.

وهذا ليس مثل السوم ، فإنّ علف لحظةٍ في أثناء الحول لا يخرج البهيمة عن السوم عرفاً كما مرّ ، بخلاف البيع والتلف والإتمام.

وكذلك لو عاوضها في أثناء الحول ولو بمثلها ، ولو للفرار من الزكاة على أشهر الأقوال وأصحّها.

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٧١.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ١٧٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٢ ح ١ ، الوسائل ٦ : ١١٣ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٣ ح ٢.

٦٨

وقال في المبسوط : إن بادل بجنسه بنى على حوله ، وإن كان بغير جنسه استأنف الحول (١).

وقال المرتضى رضي‌الله‌عنه في الانتصار (٢) وجماعة (٣) : إن كان ذلك للفرار عن الزكاة فتجب مطلقاً ، وإلا فلا.

لنا : عمومات الأخبار السالفة القائلة : «كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه» (٤).

والعمومات الدالّة على عدم الزكاة في النقر والسبائك كما سيأتي (٥).

وخصوص الأخبار ، مثل صحيحة عليّ بن يقطين ، ففيها قال : «إذا أردت ذلك يعني عدم الزكاة فاسبكه ، فإنّه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضّة شي‌ء من الزكاة» (٦).

وحسنة عمر بن يزيد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل فرّ بماله من الزكاة ، فاشترى به أرضاً أو داراً ، أعليه فيه شي‌ء؟ قال : «لا ، ولو جعله حليّاً أو نقراً فلا شي‌ء عليه فيه ، وما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله تعالى الّذي يكون فيه» (٧) وهو صريح.

وكذلك حسنة زرارة أيضاً صريحة في ذلك (٨) ، وكذلك حسنة هارون بن خارجة (٩).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٠٦.

(٢) الانتصار : ٨٣.

(٣) كالشيخ في الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢٠٥.

(٤) الوسائل ٦ : ٨٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٨.

(٥) الوسائل ٦ : ١٠٥ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٨.

(٦) الكافي ٣ : ٥١٨ ح ٨ ، الوسائل ٦ : ١٠٥ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٨ ح ٢.

(٧) الكافي ٣ : ٥٥٩ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٧ ح ٥٣ ، الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ١ ، بتفاوت بين المصادر.

(٨) الكافي ٣ : ٥٢٥ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٥ ح ٩٢ ، الوسائل ٦ : ١١١ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٢ ح ٢. رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فراراً من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر ، فقال : إذا دخل الشّهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ، قلت : فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال : جائز.

(٩) الكافي ٣ : ٥١٨ ح ٧ ، الوسائل ٦ : ١٠٩ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٤. جعل أخوه الأموال حليّاً أراد أن يفرّ بها من الزكاة فسأل الإمام ، قال عليه‌السلام : ليس على الحليّ زكاة.

٦٩

واحتجّ السيّد بإجماع الطائفة (١) ، ورَدّ الأخبار المتقدّمة بمعارضتها بما هو أظهر منها وأقوى وأوضح طرقاً ، ولعلّه أراد بها رواية معاوية بن عمّار (٢) ، ورواية محمّد بن مسلم (٣) المفصّلتين بوجوب الزكاة إذا كان التبديل من جهة الفرار.

وفيه : أنّ الروايتين لا تقاومان الروايات المتقدّمة كثرةً وسنداً واعتضاداً.

نعم ، يظهر من الانتصار أنّ جواز الترك عند الفرار هو مذهب العامّة ، وهو مضعف لتلك الأخبار ، لكنّها موافقة للشهرة والأصل.

وأمّا الإجماع الذي ادّعاه السيّد فمع أنّه مُندفع بما ادّعاه هو من الإجماع على خلافه في المسائل المصريّة الثالثة كما نقله في المختلف (٤) لا يعتمد عليه مع ثبوت الشهرة على خلافه ، ووجود الأخبار الكثيرة.

فالأولى حمل ما دلّ على الوجوب على الاستحباب أو على فعل ذلك بعد حؤول الحول. وتؤيّده حسنة زرارة المذكورة في الكافي في باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه (٥).

وعن الشيخ في الاحتجاج على مطلبه من عدم السقوط لو بادل بجنسه : بأنّه لو بادل أربعين سائمة بأربعين في أثناء الحول يصدق عليه أنّه ملك أربعين في الحول (٦) ، ولا يخفى ضعفه.

تنبيهان :

الأوّل : إذا انتقلت إليه البهيمة مع السخال ، فيعدّان معاً في النصاب وإن تولّدت

__________________

(١) الانتصار : ٨٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٩ ح ٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٨ ح ٢٢ ، الوسائل ٦ : ١١٠ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٦. الرجل يجعل لأهله الحليّ .. فإنّه فرّ به من الزّكاة ، فقال : إن كان فرّ به من الزّكاة فعليه الزّكاة.

(٣) التهذيب ٤ : ٩ ح ٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٨ ح ٢١ ، الوسائل ٦ : ١١٠ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٧. عن الحليّ فيه زكاة؟ قال : لا ، إلا ما فرّ به من الزكاة.

(٤) المختلف ٣ : ١٥٧.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٥ ح ٤.

(٦) المبسوط ١ : ٢٠٦.

٧٠

عنده ، فيعدّ كلّ منهما على حدة ، ويحسب حوله ؛ لعموم قوله عليه‌السلام : «كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه» (١).

فلو ولدت ثلاثون من البقر ثلاثين فهما نصابان يحسب حول كلّ منهما منفرداً.

وكذلك لو ولدت أربعون غنماً فصاعداً مائة وإحدى وعشرين. وأمّا لو ولدت أربعون منها أربعين فالأظهر عدم الوجوب في السخال وإن حال عليها الحول ، وكذا لو اشترى أربعين بعد ملك الأربعين ؛ لأنّه عفو ، كما لو ملك دفعة ثمانين.

وعموم قوله : «في أربعين شاة شاة» ظاهر في النصاب المبتدئ.

قال في المدارك : وإن كانت متمّمة للنصاب الثاني بعد إخراج ما وجب في الأوّل ، كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر ، أو ثمانون من الغنم اثنين وأربعين ، ففي سقوط اعتبار الحول الأوّل وصيرورة الجميع نصاباً واحداً ، أو وجوب زكاة كلّ منهما عند انتهاء حوله فيخرج عند انتهاء حول الأوّل تبيع أو شاة ، وعند مضيّ سنة من تلك الزيادة شاتان أو مُسنّة ، أو عدم ابتداء حول الزائد حتّى ينتهي حول الأوّل ثمّ استئناف حول واحد للجميع أوجه ، أوجهها الأخير ، لوجوب إخراج زكاة الأوّل عند تمام حوله ؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، ومتى وجب إخراج زكاته منفرداً امتنع اعتباره منضمّاً إلى غيره في ذلك الحول ؛ للأصل ، وقوله عليه‌السلام : «لا ثنيا في صدقة» (٢) وقول أبي جعفر عليه‌السلام : «لا يُزكّى المال من وجهين في عام واحد» (٣) انتهى (٤).

الثاني : الارتداد الفطري في أثناء الحول يُسقط الزكاة ويوجب استئناف الحول على الوارث ، بخلاف الملّي لبقائه على ملكه وإن حجر عليه.

ويشكل بعدم التمكّن من التصرّف ، والكلام المتقدّم من التمكّن لقدرته على

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ ح ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ ح ٦٥ ، الوسائل ٦ : ٨٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٨ ح ١.

(٢) في نهاية ابن الأثير ١ : ٢٢٤ لا ثِنى في صدقة : أي لا تؤخذ الزّكاة مرّتين في السنة.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٠ ح ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ ح ٨٥ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ١.

(٤) المدارك ٥ : ٧٧.

٧١

الإسلام آتٍ هنا.

الخامس : من وجبت عليه بنت مخاض ولم تكن عنده ، أجزأه ابن لبون على المشهور المدّعى عليه الإجماع ظاهراً من التذكرة (١) ، وتدلّ عليه روايات (٢).

وفي المسالك نقل إجزاءه عنها مطلقاً عن بعض الأصحاب (٣) ، وهو ظاهر الإرشاد والدروس (٤).

وإن فقدهما ، فالمشهور التخيير في اشترائهما ، وعن ظاهر المعتبر والتذكرة أنّه موضع وفاق (٥).

ويظهر من المسالك : وجود قول بتعيّن اشتراء بنت المخاض ؛ لأنّها الثابتة في الذمّة (٦) ، وظاهر رواية ربيعة بن سبيع الاتية (٧) ذلك.

واحتجّ المشهور : بأنّه بشراء ابن اللبون يكون واجداً له دون بنت المخاض.

ويشكل بأنّ هذا لا يدفع وجوب شرائها ولزوم المعصية بتركها ، وإن لم ينافِ حصول الامتثال بعد الشراء.

وكيف كان فالأحوط شراء بنت مخاض ، مع أنّ الروايات ظاهرة فيما كان عنده ابن لبون ، لا محض التمكّن منه (٨).

ومن وجب عليه سنّ من أسنان الإبل ولم يكن عنده يتخيّر بين إعطاء الأعلى منه

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٦٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢.

(٣) المسالك ١ : ٣٧٤.

(٤) الإرشاد ١ : ٢٨١ ، الدروس ١ : ٢٣٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٥١٥ ، التذكرة ٥ : ٦٨.

(٦) المسالك ١ : ٣٧٤.

(٧) الكافي ٣ : ٥٣٩ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ ح ٢٧٣ ، الوسائل ٦ : ٨٧ أبواب زكاة الأنعام ب ١٣ ح ٢. من بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنّه تقبل منه ابنة مخاض ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض وعنده ابنة لبون فإنّه تقبل منه.

(٨) الوسائل ٦ : ٨٦ أبواب زكاة الأنعام ب ١٣.

٧٢

بدرجة وأخذ شاتين أو عشرين درهماً ، أو الأسفل كذلك وإعطاء أحد الأمرين بإجماع علمائنا ، كما ادّعاه العلامة في التذكرة (١) وغيره (٢) ؛ لرواية ربيعة بن سبيع.

والاكتفاء بشاة وعشرة دراهم كما يظهر من التذكرة والدروس والمسالك (٣) خروج عن المنصوص ، وإن كان لا يخلو عن وجه ؛ لأنّه لا تبعد استفادة مساواة عشرة دراهم لشاة ، فالنظر في الرواية إلى ملاحظة التخيير بين الشاة والدرهم ، لا اعتبار انضمام الشاة مع الشاة ، والدرهم مع الدرهم.

والظاهر أنّ الصورة الأُولى معاملة مع الفقير أو المصدّق ثمّ إعطاء ما ينتقل إليه بنيّة الزكاة فينوي الزكاة ، بالباقي بعد معاملة الفاضل منه على الفريضة بأحد الأمرين مع الفقير.

ووجّه الشهيد إيقاع النيّة على المجموع واشتراط المالك على الفقير ما يجبر به الزيادة ، فتكون نيّة وشرطاً ، لا نيّة بشرط (٤).

وأما الصورة الثانية فلا إشكال فيها.

ثمّ إنّهم لم يفرّقوا في دفع الأعلى أو الأدنى مع الجبران بين ما تفاوتت القيمة السوقيّة للفريضة مع المدفوع على الوجه المذكور أم لا.

ويشكل مع مساواة قيمة المأخوذ من الفقير مع نفس البدل المدفوع ، واستوجه في المدارك عدم الإجزاء حينئذٍ (٥) وفاقاً لظاهر التذكرة (٦) ، وليس ببعيد ؛ لعدم تبادر هذه الصورة من النصّ ، وحينئذٍ يشكل تصوير النيّة على ما ذكرنا.

وأمّا لو كان عنده أعلى منها بدرجتين أو أكثر أو أسفل منها كذلك ، فالأظهر عدم

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٦٦.

(٢) مجمع الفائدة ٤ : ٨٢ ، مدارك الأحكام ٥ : ٨٣.

(٣) التذكرة ٥ : ٦٧ ، الدروس ١ : ٢٣٥ ، المسالك ١ : ٣٧٥.

(٤) غاية المراد ١ : ٢٥٢.

(٥) المدارك ٥ : ٨٤.

(٦) التذكرة ٥ : ٧٠.

٧٣

التعدّي إلى تضاعف التقدير الشرعيّ ؛ اقتصاراً على مورد النصّ فيما خالف الوظيفة الشرعيّة.

وجوّزه الشيخ في بعض أقواله (١) ، واختاره العلامة (٢) ؛ نظراً إلى أنّ المساوي للمساوي مساوٍ للشي‌ء ، فإنّ بنت المخاض وأحد الأمرين إذا كانت مساوية لبنت اللبون ، وبنت اللبون وأحدهما مساويةً للحقّة ، فتكون بنت المخاض مع أربع شياه أو أربعين درهماً مساوية للحقّة.

وفيه : منع المساواة من كلّ وجه.

ويظهر ممّا ذكرنا عدم التعدّي إلى ما فوق الجذع من الأسنان بطريق الأولى ، وكذا ما عدا أسنان الإبل من البقر والغنم ؛ لعدم النصّ ، فيرجع مع فقد المذكورات عنده إلى اشترائها أو إلى القيمة لو لم توجد.

وإن قلنا بكفاية القيمة في الأنعام أيضاً كما هو الأظهر كما سيجي‌ء فتجزي القيمة مطلقاً.

وممّا ذكر يظهر الحال في كفاية الأعلى من غير جبران وعدمها ، وإجزاء بنت مخاض عن خمس شياه وعدمه ، فإنّ القاعدة تقتضي العدم إلا بالقيمة ، بل لا يجزي بعير عن شاة في أربعين شاة إلا بالقيمة ، وهكذا فقس.

ولو كان النصاب كلّه دون الجذع ، أو دون بنت المخاض مثلاً ، فيجب عليه تحصيل الفريضة ، ولا يكتفي بواحد منها ، سواء كان أعلى من الفريضة أو أدون إلا بالقيمة. وجوّز العلامة (٣) والشهيد (٤) إعطاء واحد منها ، وهو غير واضح المأخذ.

السادس : قال الصدوق في الفقيه : أسنان الإبل : من أوّل ما تطرحه أُمّه إلى تمام

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٩٤.

(٢) التذكرة ٥ : ٦٩ ، المختلف ٣ : ١٧٧.

(٣) التذكرة ٥ : ٧٠.

(٤) البيان : ٢٨٩.

٧٤

السنة «حوار».

فإذا دخل في الثانية سُمّي «ابن مخاض» لأنّ امّه قد حملت.

فإذا دخل في الثالثة سُمّي «ابن لبون» ؛ وذلك أنّ امّه قد وضعت وصار لها لبن.

فإذا دخل في الرابعة سمّي الذكر «حِقّاً» والأُنثى «حِقّة» ؛ لأنّه قد استحقّ أن يحمل عليه.

فإذا دخل في الخامسة سُمّي «جذعاً».

فإذا دخل في السادسة سُمّي «ثَنِيّاً» ؛ لأنّه ألقى ثنيّته.

فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيّته وسمّي «رباعيّاً».

فإذا دخل في الثامنة ألقى السنّ الّتي بعد الرباعيّة وسُمّي «سديساً».

فإذا دخل في التاسعة فَطَرَ نابُه وسُمّي «بازِلاً».

فإذا دخل في العاشرة فهو «مُخلِف» وليس بعدها اسم.

والأسنان الّتي تؤخذ في الصدقة من ابنة مخاض إلى الجذعة (١) ، انتهى ، وبذلك عرفت الفرائض في الإبل.

وأمّا فريضة البقر :

فالتبيع : هو ولد البقر في السنة الأُولى في اللغة (٢) ، ولكن اعتبر فيه تمام الحول ؛ لحسنة الفضلاء.

وظاهر الرواية تمام السنة ؛ لأنّه قال : «تبيع حوليّ» فيشكل الاكتفاء بالحول الشرعيّ في النصاب ؛ لدلالة الدليل هناك على كفاية الدخول في الثاني عشر.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٣ ، ومثل ذلك في الصحاح : ٦٤٠ ، ١١٠٥ ، ١٢٩٢ ، ١٤٦٠ ، ١١٩٤ ، ٢٢٩٥ ، ١٢١٤ ، ٩٣٧ ، ١٦٣٢ ، ١٣٥٥ ، إلا أنّه قال في الحوار : ولد الناقة ، لا يزال حواراً حتّى يفصل ، فإذا فصل عن امّه فهو فصيل. وقال في المخلف : يقال مخلف عام ، ومخلف عامين.

(٢) انظر الصحاح ٣ : ١١٩٠.

٧٥

والمسنّة : هي الثنيّة الّتي كمُلت لها سنتان ، ودخلت في الثالثة ، وادّعى عليه في المنتهي الإجماع (١) ، وكأنّه اصطلاح شرعيّ.

والمعتبر في الشاة الّتي تُعطى في الزكاة سواء كان في الغنم أو الإبل هو المسمّى ؛ لإطلاق الأخبار (٢).

وقال الشيخ (٣) وجماعة (٤) : أقلّها الجذع من الضأن ، والثنيّ من المعز ؛ لرواية سويد بن غفلة ؛ قال : أتانا مُصدّق رسول اللهُ قال : نهانا أن نأخذ المراضع ، وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنيّة (٥). وهو أحوط إن قلنا بتسمية ما دونهما شاة في العُرف ، وإلا فيتعيّن ، ولا يبعد القول بالتسمية ؛ لأنّ الشاة اسم النوع.

والاستدلال بالرواية مشكل من وجوه :

الأوّل : ضعف السند.

والثاني : عدم ظهور التفصيل ، فإنّ الجذع والثنيّ يُطلقان على الضأن والمعز كليهما.

والثالث : الإشكال في معنى الجذع والثنيّ ، أمّا الجذع فيظهر من الصحاح أنّه ولد الشاة في السنة الثانية ، والشاة جنس لهما (٦) ، وكذلك قال في القاموس (٧) ، وابن الأثير في النهاية (٨) ، وصاحب الكنز (٩).

ونقل في التذكرة عن ابن الأعرابيّ : أنّ ولد الضأن إنّما يجذع ابن سبعة أشهر إذا

__________________

(١) المنتهي ١ : ٤٨٧.

(٢) الوسائل ٦ : ٧٢ ، ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ وب ٦.

(٣) الخلاف ٢ : ١٧ ، المبسوط ١ : ٢٠٠.

(٤) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٥١٢ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٤٨٩.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ٣٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٢ ح ١٥٨٠.

(٦) الصحاح ٣ : ١١٩٤.

(٧) القاموس المحيط ٣ : ١٩ باب العين فصل الجيم.

(٨) النهاية لابن الأثير ١ : ٢٥٠.

(٩) كنز الحفاظ : ٣٨١ باب صفة النّساء بالنسبة إلى أزواجهنّ.

٧٦

كان أبواه شابّين ، ولو كانا هرمين لم يجذع حتّى يستكمل ثمانية أشهر (١).

ونقل في الصحاح قولاً بأنّ ولد النعجة يجذع في ستّة أشهر أو تسعة أشهر (٢).

وأما أصحابنا ففسّره جماعة : بما دخل في الثانية ، وبعضهم بما تمّ له سبعة أشهر ، والأوّل هو المستفاد من صحيحة إسحاق بن عمّار : السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال : «إذا أجذع» (٣).

وكذلك اختلف كلام الأصحاب في الثنيّ من المعز ، ففسّره جماعة في صفات الهدي بما دخل في الثانية (٤).

وفسّره العلامة بما دخل في الثالثة (٥) ؛ مطابقاً لكلام أهل اللغة.

قيل : ولعلّ مستند الأوّل العرف (٦) ، وهو أحوط.

وهذا كلّه مؤيّد للاكتفاء بمسمّى الشاة ، سيّما مع مطابقة الأصل والإطلاقات.

السابع : لا تؤخذ المريضة ، ولا الهرمة ، ولا ذات العوار لقوله تعالى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (٧).

وصحيحة محمّد بن قيس ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «ولا تؤخذ هرمة ، ولا ذات عوار ، إلا أن يشاء المصدّق» (٨).

وقوله عليه‌السلام : «إلا أن يشاء المصدّق» بظاهره مخالف لاتفاقهم ، ويمكن حمله على أن يأخذها المصدّق أي الساعي لنفسه ويعطي الفقير عوضه ، أو أن يأخذها بالقيمة.

__________________

(١) التذكرة ٥ : ١٠٧.

(٢) الصحاح ٣ : ١١٩٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٥ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ١٥ ح ٣٩ ، الوسائل ٦ : ٨٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ح ٣.

(٤) كالمحقّق في الشرائع ١ : ٢٣٥ ، والعِمة في إرشاد الأذهان ١ : ٣٣٢.

(٥) التذكرة ٥ : ١٠٦.

(٦) القائل هو صاحب المدارك ٥ : ٩٤.

(٧) البقرة : ٢٦٧.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٥ ح ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ ح ٦٢ ، الوسائل ٦ : ٨٥ أبواب زكاة الأنعام ب ١٠ ح ٣.

٧٧

والظاهر أنّه لا فرق بين انحصار الفريضة فيها وعدمه إذا كان الباقي صحيحاً ، فيؤخذ غيرها حينئذٍ ولو بالقيمة.

وأمّا لو كان الكلّ مريضاً فلا يجب عليه شراء الصحيحة ، بلا خلاف من الأصحاب ، بل من العلماء كما يظهر من المنتهي (١).

ونقل عن بعض العامّة القول بوجوب شراء الصحيحة (٢) ؛ لقوله عليه‌السلام : «لا تُؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار» (٣).

وأجاب عنه بالحمل على ما إذا كان النصاب صحاحاً ؛ لأنّه المتعارف أيضاً ، قال : ولا بأس به ، وإن كان المصير إلى هذا القول محتملاً.

أقول : الأصل وفتوى الأصحاب كافية لنا مع تبادر صحّة غالب النصاب أيضاً ، فالقول بعدم الوجوب متعيّن.

وهنا فوائد :

الأُولى : إذا تعدّد ما هو بصفة الفريضة فلا خيار للساعي للأصل ، والإطلاق. وقيل : بالقرعة مع التشاحّ ، وهو ضعيف ؛ لعدم الإشكال ، وهي لكلّ أمر مُشكل ، ولا نصّ بالخصوص أيضاً.

الثانية : إذا كان له أموال متفرّقة ، فله الإخراج من أيّها شاء تساوت قيمتها أو اختلفت ؛ للعموم.

وقيل : بالتقسيط إن لم يتبرّع المالك بالأجود (٤) ، وكذا لا يجوز الدفع من غير غنم البلد.

__________________

(١) المنتهي ١ : ٤٨٥.

(٢) كمالِك في الموطأ ١ : ٢٥٩ ح ٢٣.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ ح ١٨٠٥ ، ١٨٠٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩.

(٤) كما في المسالك ١ : ٣٨١.

٧٨

وقيل : لا يجزي الأدون إلا بالقيمة (١).

الثالثة : المعز والضأن في الحكم واحد بلا خلاف ، وكذلك العراب والبخاتي من الإبل ، وكذلك البقر والجاموس ؛ لصدق الاسم ، وخصوص صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال ، قلت له : في الجاموس شي‌ء؟ قال : «مثل ما في البقر» (٢).

ويختار المالك في إخراج أيّ الصنفين شاء ، وذهب جماعة منهم العلامة في المختلف إلى التقسيط مع اختلاف القيمة (٣) ، مثل أن يكون عنده خمس عشرة بقرةً ومثلها جاموساً ، وكذا عشرون ضأناً ومثلها معزاً ، فإذا كان التبيع في البقر يسوى عشرين درهماً وفي الجاموس ثلاثين ، فيأخذ تبيعاً من الجاموس يسوى خمساً وعشرين ، أو مثله في البقر ، وهكذا.

الرابعة : لا تؤخذ الرُّبّى ، وهي الوالد قال في الشرائع : إلى خمسة عشر يوماً ، وقيل : إلى خمسين (٤) ، ولم نقف على دليل التعيين.

ولا الأكولة ، وهي السمينة المعدّة للأكل.

ولا فحل الضراب ؛ لموثّقة سماعة ، وفيها : «لا تؤخذ الأكولة ، والأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم ، ولا والد ، ولا الكبش الفحل» (٥) وتؤيّده صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج على وجه (٦).

ولعلّ الوجه في منع أخذ الرُّبّى أنّ فيه إضراراً بولدها ، وربّما علّل بالمرض ؛ لأنّها نفساء ، ولذا لا تُتّخذ النفساء.

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٣٨٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ١٤ ح ٣٦ ، الوسائل ٦ : ٧٧ أبواب زكاة الأنعام ب ٥ ح ١.

(٣) المختلف ٣ : ١٨٢.

(٤) الشرائع ١ : ١٣٧.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٥ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ١٤ ح ٣٨ ، الوسائل ٦ : ٨٤ أبواب زكاة الأنعام ب ١٠ ح ٢.

(٦) الفقيه ٢ : ١٤ ح ٣٧ ، الوسائل ٦ : ٨٤ أبواب زكاة الأنعام ب ١٠ ح ١. عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : ليس في الأكيلة ولا في الربّى الّتي تربّي اثنين ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة.

٧٩

ثمّ إنّ ما مرّ من أنّ المختار إنّما هو المالك لا الساعي كان يكفي عن مئونة ذلك ، ولكن الفائدة تظهر إذا تبرّع المالك في أنّ المنع في الربّى هل هو لأجل المرض أو لعدم الإضرار في غيرها في من منع الزكاة وكان الأخذ بيد الساعي ، فيكون المنع في بعضها لأجل المرض ، وفي بعضها لعدم الإضرار ، مع أنّ في صحيحة بريد أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لمصدّقة : «إيّاك وكرائم أموالهم» (١) والأكولة والفحل من الكرائم.

ثمّ إنّهم اختلفوا في عدّ الأكولة وفحل الضراب في النصاب وعدمه على أقوال ، الأكثر على الأوّل ؛ للإطلاقات والعمومات ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن قيس : «يعدّ صغيرها وكبيرها» (٢).

والمحقّق في النافع والشهيد في اللمعة على الثاني (٣) ، ولعلّ مستندهما صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : «ليس في الأكيلة ولا في الربّى والربّى الّتي تربّي اثنين ولا شاة لبن ، ولا فحل الغنم صدقة» وهي ، مع اشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب ، لا دلالة فيها على ذلك ، ويمكن حملها على عدم الأخذ ، لا العدّ.

والشهيد في البيان على عدم عدّ الفحل خاصّة ، إلا أن تكون كلّها فحولاً أو معظمها (٤) ، ودليله غير معلوم.

الثامن : إنّما تجب الزكاة في العين في كلّ ما تجب فيه الزكاة على المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل ابن حمزة عن بعض الأصحاب قولاً بتعلّقها بالذمّة (٥).

__________________

(١) وجدنا هذا اللفظ في سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ ، وليس هو في رواية بريد ، انظر الكافي ٣ : ٥٣٦ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ ح ٢٧٤ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥ ح ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ ح ٦٢ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ٢ وهامشه.

(٣) المختصر النافع : ٥٦ ، اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ٢٧.

(٤) البيان : ٢٩٠.

(٥) نقله عنه في البيان : ٣٠٣ ، وقال في الجواهر ١٥ : ١٣٩ وفي البيان عن ابن حمزة أنّه نقله عن بعض الأصحاب ، قيل : ولعلّه في الواسطة ، إذ ليس لذلك في الوسيلة أثر.

٨٠