غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

وكيف كان ؛ فلو طلبها الإمام فيجب الدفع إليه إذا كان طلبه إلزاميّاً حتميّا ؛ لوجوب إطاعته.

ولو فرّقها المالك والحال هذه ففي الإجزاء وعدمه قولان ، ناظران إلى أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه ، ولا ريب أنّ عدم الدّفع ضدّ المأمور به ، وهو قد يتحقّق في ضمن الدفع إلى الفقير.

وإلى أنّ المقصود وصولها إلى المستحقّ كالدين ، وقد وصلت ، وإن حصل الإثم.

وهذا النزاع ، إنّما يتمشّى إذا لم يظهر من حال الإمام عليه‌السلام عدم الإعطاء بالغير ، وإلا فيشكل الحكم بالصحّة على القول بدلالة النهي على الفساد في العبادات كما هو الأصحّ ، وإن لم نقل بدلالة الأمر بالشي‌ء على النهي عن الضدّ الخاصّ ، أو قلنا به بدلالة تبعيّة ، وإن لم (١) نقل بدلالتها على الفساد حينئذٍ.

ويؤيّد الصحّة ما سيجي‌ء من الإجماع على الصحّة لو نقل الزكاة إلى بلد آخر مع وجود المستحقّ على القول بتحريمه.

وهذا النزاع لا فائدة فيه في زماننا ، إلا أن نقول بجريان الحكم في الفقيه ، وقلنا بوجوب إطاعته كالإمام إذا طلبها ؛ كما هو مقتضى عمومات ما دلّ على نيابته عن الإمام ، ولا يحضرني التصريح به في كلامهم.

وقالوا : إنّ المراد بالفقيه في هذا المقام وأمثاله هو الجامع لشرائط الفتوى ، وقيّدوه هنا بالمأمون ، وفسّروه بمن لا يتوصّل إلى أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشرعيّة ، فإنّ فيه انحطاطاً عمّا نصبه الشارع له ، وإضراراً بالمستحقّين ، ونقضاً للحكمة الباعثة على تشريع الزكاة ؛ وإن حلّت له بذلك.

ثمّ إن ادّعى المالك إخراج الزكاة يُقبل قوله ، ولا يكلّف بيّنة ولا يميناً ؛ لحمل قوله على الصحّة ، ولدلالة الأخبار عليه ، مثل حسنة بريد بن معاوية الواردة في آداب

__________________

(١) في «م» : ولم.

١٨١

المصدّق (١) ، ورواية غياث بن إبراهيم (٢).

الثاني : لا يجب بسطها على الأصناف ، فيجوز إعطاؤها ولو واحداً من واحد منها.

. ولكن يستحبّ البسط ، بل وإعطاؤها جماعة من كلّ صنف.

ويدلّ على الأوّل بعد الإجماع ظاهراً كما ادّعاه في التذكرة ـ (٣) الأخبار المعتبرة المستفيضة جدّاً ، منها ما مرّ في مسألة الغارمين والرقاب وسبيل الله.

ومنها : صحيحة أحمد بن حمزة (٤) ، وحسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ ، وفي آخرها : وقال : «ليس في ذلك شي‌ء موقّت» (٥).

ومنها : الأخبار الدالّة على استحباب إعطاء الفقير من زكاة النقد ما يجب في النصاب الأوّل (٦).

ومنها : ما دلّ على رجحان أن يعطي الفقير غناه (٧).

ومنها : غير ذلك.

والمخالف في المسألة إنّما هو بعض العامّة (٨) ، خلافاً لأكثرهم (٩) ، تمسّكاً بظاهر

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٦ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ ح ٢٧٤ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٨ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٩٠ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ٥ ، وفيها : كان عليّ صلوات الله عليه إذا بعث مصدّقه قال له : إذا أتيت على ربّ المال فقل : تصدّق رحمك الله ممّا أعطاك الله ، فإن ولّى عنك فلا تراجعه.

(٣) تذكرة الفقهاء ٥ : ٣٣٦ مسألة ٢٤٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٢ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ح ١٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ح ١٠٤ ، الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ١ ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك ، وله زكاة ، أيجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال : نعم.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٤ ح ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ ح ٤٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ح ٢٩٢ ، الوسائل ٦ : ١٨٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨ ح ١.

(٦) الوسائل ٦ : ١٧٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣.

(٧) الوسائل ٦ : ١٧٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤.

(٨) انظر المهذّب للشيرازي ١ : ١٧٨ و١٨٠ ، والمجموع ٦ : ١٨٦ و١٨٨ ، والمغني ٢ : ٥٢٨ ، والشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٧٥.

(٩) المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، المجموع ٦ : ١٨٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٣ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٠٥.

١٨٢

الآية ، لكون اللام للملك ، وإفادة الواو التشريك.

وأُجيب عنه بوجوه ، أوجهها : أنّ اللام هنا للاستحقاق ، والآية مسوقة لبيان المصرف.

ويؤيّده الحصر ب «إنّما» ، وقوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) (١) فالمراد أنّه لا يصرف إلى غير هؤلاء.

لا أنّه يجب الصرف في جميع هؤلاء ، ولو سلّم الظهور فالإجماع والأخبار قرينة على خلافه ، وهو ما ذكرنا.

وأمّا استحباب البسط فذكره جماعة من الأصحاب ، واستدلّوا عليه بالخروج عن الخلاف ، وشمول النفع.

ولعلّ مرادهم بالخروج عن الخلاف في فهم اللفظ بمقتضى اللغة والعرف ، وإلا فالخلاف ليس إلا من بعض العامّة.

ويُشكل الحكم بالاستحباب فيما إذا كان قليلاً بحيث لا يُنتفع بما يصل إلى كلّ واحد.

ويشكل أيضاً بما ورد من فضيلة الإغناء ، وما دلّ على لزوم أن لا يعطى الفقير أقلّ من خمسة دراهم أو رجحانه كما سيجي‌ء.

ثمّ لا يجب التسوية بين أشخاص الأصناف أيضاً بلا خلاف ، ولكن الأولى أن لا يخصّ بعض المستحقّين بالإعطاء دون بعض بلا عذر ، وكذا التفاضل إذا تساووا.

ومع التفاوت فلا بأس ، مثل كون بعضهم من أهل الفضل فيزاد نصيبه ؛ لقويّة عبد الله بن عجلان السكوني (٢). أو كونه ممّن لا يسأل فيفضل على من يسأل ؛ لصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج (٣). وصرف صدقات المواشي إلى المتجمّلين ومن لإعادة له

__________________

(١) التوبة : ٥٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٩ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٨ ح ٥٩ ، التهذيب ٤ : ١٠١ ح ٢٨٥ ، الوسائل ٦ : ١٨١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٥ ح ٢ ، وفيها : إنّي ربّما قسّمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به ، فكيف أعطيهم؟ قال : أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٠ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠١ ح ٢٨٤ ، الوسائل ٦ : ١٨١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٥ ح ١ ، عن الزكاة

١٨٣

بالسؤال ، وغيرها إلى الفقراء المدقعين ؛ لرواية عبد الله بن سنان (١) ، ورواية عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ رواها في المقنعة (٢).

ولعلّ العلّة في رواية ابن سنان مقصورة على ذلك الزمان وأمثاله ، إذ قد يستجمل من أخذ المواشي ، ولا يستجمل من أخذ النقد ، فيختلف الحال باختلاف الأزمان.

الثالث : قد عرفت وقت وجوب إخراج الزكاة سابقاً ، واختلف الأصحاب في أنّه على الفور أو يجوز التأخير ، فالمشهور بينهم تحريم التأخير إلا لمانع ؛ كعدم التمكُّن من المال ، أو الخوف من المتغلّب ، أو عدم المستحقّ.

وكذلك كلّ من في يده مال لغيره فطالبه فامتنع أو أوصى إليه شي‌ء فلم يصرفه فيه ، أو دفع إليه ما يصرفه إلى غيره ، ويترتّب عليه الضمان.

ولم ينقل في التذكرة في أصل المسألة خلافاً عن أحدٍ من أصحابنا.

ونسب القول بالتراخي إلى أبي بكر الرازيّ من العامّة ، وأبي حنيفة ما لم يُطالب بها ، وصرّح فيها بالإثم والضمان ، وقال : لو أخّر مع إمكان الأداء كان عاصياً ولا تُقبل منه صلاته في أوّل الوقت ، وكذا جميع العبادات الموسّعة (٣).

وجوّز في الدروس التأخير لانتظار الأفضل والتعميم (٤).

__________________

يفضّل بعض من يعطى ممّن لا يسأل على غيره؟ فقال : نعم ، يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل.

(١) الكافي ٣ : ٥٥٠ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠١ ح ٢٨٦ ، الوسائل ٦ : ١٨٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٦ ح ١ ، وفيها : إنّ صدقة الخفّ والظلف تدفع إلى المتجمّلين من المسلمين ، وأمّا صدقة الذهب والفضّة وما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين ، قال ابن سنان ، قلت : وكيف صار هذا هكذا؟ فقال : لأنّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من الناس ، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس ، وكلّ صدقة.

(٢) المقنعة : ٢٦٠ ، وانظر الكافي ٥ : ٢٦ ح ١ ، والفقيه ٢ : ١٦ ح ٤٨ ، والتهذيب ٦ : ١٤٨ ح ٢٦١ ، والوسائل ٦ : ١٨٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨ ح ١ ، وفيها : كان رسول اللهُ يقسّم صدقة البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر ، ولا يقسّمها بينهم بالسوية.

(٣) التذكرة ٥ : ٢٩٠ مسألة ٢٠٤ ، ٢٠٥.

(٤) الدروس ١ : ٢٤٥.

١٨٤

وزاد في البيان : تأخيرها لمعتاد الطلب منه بما لا يؤدّي إلى الإهمال (١).

وقال في التذكرة : لو أخّرها ليدفعها إلى من هو أحقّ بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة فالأقرب المنع وإن كان يسيراً ، وقال أحمد : يجوز اليسير دون العكس (٢).

وجوّز ذلك في التحرير مع قصر الزمان ، ولكنّه قال : يضمن مع وجود المستحقّ (٣).

وفي التذكرة : أنّ التأخير لطلب بسطها على الأصناف الثمانية أو الموجودين عذر مع دفع نصيب الموجودين (٤) ، وكذلك في التحرير قال : فيه وفي الضمان حينئذٍ إشكال (٥).

وذهب ابن إدريس إلى عدم الإثم بسبب التأخير ، وإن حضر المستحقّ (٦) ، ولكنّه قال بالضمان حينئذٍ. ولكن لا يعطي كلامه أزيد من جواز التأخير إذا أراد إيثار مستحقّ آخر لها ، لا مطلقاً.

وقال الشيخان : بجواز التأخير بدون العذر مع العزل شهراً أو شهرين (٧).

وقال في المسالك : يجوز التأخير شهراً أو شهرين ، خصوصاً إذا أخّرها للبسط ولذي المزيّة (٨) ، ويظهر من الروضة أنّه مذهب جماعة (٩).

والظاهر من ذلك : جواز التأخير مطلقاً إلى هذه المدّة ، وقد استدلّ على ذلك بصحيحة معاوية بن عمّار ، وهي تدلّ على الجواز إلى ثلاثة أشهر وأكثر (١٠).

واختار في المدارك مختار جدّه ، بل جوّز التأخير ثلاثة أشهر ، بل وأربعة كما هو

__________________

(١) البيان : ٣٢٤.

(٢) التذكرة ٥ : ٢٩٢ مسألة ٢٠٥.

(٣) التحرير ١ : ٦٦.

(٤) التذكرة ٥ : ٢٩٢ مسألة ٢٠٥.

(٥) التحرير ١ : ٦٦.

(٦) السرائر ١ : ٤٥٤.

(٧) الشيخ المفيد في المقنعة : ٢٤٠ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٢٢٧.

(٨) المسالك ١ : ٤٢٨.

(٩) الروضة البهيّة ٢ : ٣٩.

(١٠) التهذيب ٤ : ٤٤ ح ١١٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ح ٩٤ ، الوسائل ٦ : ٢١٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٩ ، عن الرّجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم ، قال : لا بأس.

١٨٥

مقتضى صحيحة معاوية بن عمّار ، وصرّح بالضمان مع التلف مع تجويزه للتأخير في غير صورة العذر (١) ، وأمّا في صورة العُذر فلا ضمان عندهم.

نعم قد يقع الإشكال والاختلاف في حقيقة العذر.

وكيف كان ، فكلمات الأكثرين متّفقة في عدم جواز التأخير بلا عذر ، وليس من باب صلاة الظهر وسائر الواجبات الموسّعة ، ويلزمه الضمان.

ويدلّ على الفور : أنّ المستحقّ مُطالِب بشاهد الحال ، فيجب التعجيل ، كالوديعة والدين ، وقول الصادق عليه‌السلام في حسنة محمّد بن مسلم : «إذا وجدَ لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتّى يدفعها» (٢) الحديث ؛ وكذلك ما في معناها مثل حسنة زرارة الاتية (٣) ، سيّما على نسخة التهذيب وغيرها.

والتقريب : أنّ الضمان ظاهر في الإثم ؛ لأنّه مقتضى التفريط في حقوق الناس من الأمانات ، والزكاة من جملتها.

وقد استدلّ بها في التذكرة أيضاً للإثم والضمان معاً (٤) ، فليتأمّل في ذلك ، فسنشير إلى منع الملازمة بين الضمان والإثم.

وصحيحة سعد بن سعد الأشعري ، قال : سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات ، أيؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال : «متى حلّت أخرجها» (٥).

ورواية أبي بصير قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حِلّها بشهر أو شهرين فلا بأس ، وليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها». رواها في آخر السرائر عن كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب (٦) ، وسيجي‌ء وجه أوّل الرواية.

__________________

(١) المدارك ٥ : ٢٨٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ح ١٢٥ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٣ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ح ١٢٦ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٢.

(٤) التذكرة ٥ : ٢٩١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٣ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٢١٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ١.

(٦) السرائر ٣ : ٦٠٦.

١٨٦

وصحيحة عليّ بن الحكم ، عن محمّد بن يحيى وقد يقال : إنّه الخثعميّ عن أبي بصير عنه عليه‌السلام : أنّه سأله عن رجل حال عليه الحول ، وحلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه ، وقد أتى لنصف ماله سنة ، ولنصف الأخر ستّة أشهر ، قال : «يزكّي الذي مرّت عليه سنة ؛ ويدع الأخر حتّى تمرّ عليه سنته» (١).

وأمّا الأخبار الدالّة على جواز التأخير ، فهي صحيحة حمّاد بن عثمان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين ، وتأخيرها شهرين» (٢).

وصحيحة معاوية بن عمّار ، عنه عليه‌السلام قال ، قلت له : الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان ، فيؤخّرها إلى المحرّم ، قال : «لا بأس» ، قلت : فإنّها لا تحلّ عليه إلا في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال : «لا بأس» (٣).

وصحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام ، أنّه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها ويبقى بعضها يلتمس لها المواضع ، فيكون بين أوّله واخره ثلاثة أشهر ، قال : «لا بأس» (٤).

وموثّقة يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : زكاتي تحلّ عليّ في شهر ، أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال : «إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشي‌ء ، ثمّ أعطها كيف شئت» ، قال ، قلت : فإن أنا كتبتها وأثبتّها يستقيم لي؟ قال : «لا يضرّك» (٥).

ويضعف الأوّلين : اشتمالهما على تعجيل الزكاة ، وهو ضعيف كما سيجي‌ء ، وموافق لأكثر العامّة ، وهو المنقول عن غير مالك من الفقهاء الأربعة (٦) ، فالأولى

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٣ ح ٦ ، الوسائل ٦ : ٢٠٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٤ ح ١١٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ح ٩٦ ، الوسائل ٦ : ٢١٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١١.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٤ ح ١١٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ح ٩٤ ، الوسائل ٦ : ٢١٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٩.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٣ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ح ١١٨ ، الوسائل ٦ : ٢١٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٣ ح ١ بتفاوت بين المصادر.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٢ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ح ١١٩ ، الوسائل ٦ : ٢١٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٢.

(٦) الامّ ٢ : ٥٢ ، المغني ٢ : ٥٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧ ، وانظر التذكرة ٥ : ٢٩٣.

١٨٧

حملها في التأخير على العذر كما فعله الأصحاب.

وأمّا صحيحة عبد الله بن سنان ، فنقول بموجبها ، فإنّ طلب الموضع شاهد على فقده.

وأمّا موثّقة يونس فهي أيضاً لا تدلّ على الجواز بلا عذر ، إنّما الكلام في تحقيق العذر.

ويظهر من الموثّقة أنّ انتظار معتاد الطلب منه عذر ، وكذلك كون الشخص مظنّة لتردّد المستحقّين إليه في عرض السنة.

ومقتضى هذه الموثّقة تصريحاً وتنبيهاً مع ملاحظة الجمع بين ما دلّ على منع التأخير وما دلّ على استحباب التعميم وإيثار الأفضل من جهة الفقه أو القرابة أو شدّة الحاجة ، فإنّ النسبة بينها وبينه عموم من وجه مع ملاحظة العسر والحرج ، والأصل هو المصير إلى توسعةٍ في العذر.

والحاصل : أنّ الظاهر حرمة التأخير من جهة التهاون ، والتكاهل ، وبلا عذر ، سيّما إذا كانت الزكاة مظنّة للتلف. وأمّا مع الأعذار المذكورة فالحكم بحرمة التأخير مشكل لو لم نقل برجحانه في البعض ، كما هو المستفاد من القول بجوازه لإيثار الأفضل ، فإنّه ليس إلا لأجل امتثال الأمر به ، وترجيح جانب ذلك الأمر ، فيكون راجحاً.

وأمّا الضمان في صورة الجواز ، كما يظهر من السرائر (١) والمدارك (٢) ، فهو مشكل.

واستدلّ عليه في المدارك بحسنة محمّد بن مسلم (٣) وحسنة زرارة (٤) الآتيتين.

وفي الاستدلال بهما إشكال ، لكنّ الظاهر عدم الفرق في صور التأخير ، وسيجي‌ء أنّ التأخير بسبب النقل من بلد المال موجب للضمان مع وجود المستحقّ ؛ لظاهر

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٥٤.

(٢) المدارك ٥ : ٢٩١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٣ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ح ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ح ١٢٥ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٣ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ح ١٢٦ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٢.

١٨٨

الحسنتين وغيرهما ، فالأظهر حينئذٍ الضمان.

بقي الكلام فيما ذهب إليه الشيخان (١) ، وقد ظهر لك ممّا ذكرنا ضعفه ، وسيجي‌ء أنّ العزل مستحبّ ، لكن جواز التأخير وعدمه في صورة العزل وعدمه سيّان ، وجوازه تابع للعذر باقٍ ببقائه ولا تحديد فيه.

الرابع : اختلف الأصحاب في جواز العدول بالزكاة إلى غير أهل بلد المال مع وجود المستحقّ ، بمعنى إخراجه عنه إلى غيره ، لا إعطائه لغير أهل البلد إذا كان حينئذٍ في ذلك البلد أيضاً ، فإنّه لا إشكال فيه.

قال العلامة في التذكرة : لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود المستحقّ فيه عند علمائنا أجمع (٢) ، ثمّ نقله عن جماعة من العامّة (٣).

فظهر منه أنّ المسألة إجماعيّة ، مع أنّه نسب القول بالحرمة في المنتهي إلى علمائنا (٤) ، والجواز إلى المفيد (٥) والشيخ في بعض كتبه (٦) ، واستقرب هو الجواز فيه مع كون المالك ضامناً ، ونسبه إلى صاحب الوسيلة (٧) ، وكذلك قال بالجواز في المختلف والتحرير على كراهية (٨).

وعن المبسوط : عدم الجواز إلا بشرط الضمان (٩) وقوّاه الشهيد في الدروس (١٠).

__________________

(١) راجع هامش (١٣) صفحة ٦٩.

(٢) التذكرة ٥ : ٣٤١ مسألة ٢٥٢.

(٣) كعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير وطاوس والنخعي ومالك والثوري وأحمد. انظر المغني ٢ : ٥٣٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٧٦ ، وتفسير القرطبي ٨ : ١٧٥ ، والتذكرة ٥ : ٢٤١ مسألة ٢٥٢.

(٤) المنتهي ١ : ٢٢٥.

(٥) المقنعة : ٢٤٠.

(٦) النهاية : ١٨٣.

(٧) الوسيلة : ١٣٠.

(٨) المختلف ٣ : ٢٤٧ ، التحرير ١ : ٧٠.

(٩) المبسوط ١ : ٢٣٤.

(١٠) الدروس ١ : ٢٤٦.

١٨٩

ولعلّ مراد من اعتبر شرط الضمان في الجواز أنّ الزكاة متعلّقة بالعين ، ولا يجوز التصرّف فيها إلا مع الضمان والأخذ في الذمّة ، ولمّا كان ممنوعاً من النقل ؛ لأنّه نوع تصرّف في العين ، فلا يجوز إلا مع الضمان والأخذ في الذمّة (١).

وكيف كان ، فالأخبار الدالّة على جواز النقل على الإطلاق كثيرة جدّاً ، مثل صحيحة هشام [بن] الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يُعطى الزكاة يقسّمها ، إله أن يُخرج الشي‌ء منها من البلد الذي هو به إلى غيره؟ قال : «لا بأس» (٢).

وصحيحة بكير بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يبعث زكاته فتسرق ، أو تضيع ، قال : «ليس عليه شي‌ء» (٣).

وصحيحة أحمد بن حمزة والظاهر أنّه ابن اليسع القميّ الثقة قال : سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه ، فهل يجوز ذلك؟ فقال : «نعم» (٤).

وحسنة أبي بصير (٥) ، وقويّة درست ، عن رجل ، عن الصادق عليه‌السلام ، (٦) وغير ذلك.

احتجّ المانع : بأنّه تعريض لإتلافها وتغرير بها ، وأنّه منافٍ للفور.

وأُجيب عن الأوّل : بأنّه يندفع بالضمان ، وهو يصحّ على القول باشتراط الضمان كما بيّناه لا مطلقاً.

وعن الثاني : بالمنع عن الفور ، وقد مرّ الكلام فيه.

__________________

(١) وفي ذلك تعريض إلى ما ذكره المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله من أنّه لا معنى لاشتراط الضمان ، ولعلّه ناظر إلى أنّ الضمان ثابت ، اشترط أو لم يشترط فتدبّر (منه رحمه‌الله).

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٤ ح ٧ ، الفقيه ٢ : ١٦ ح ٥٠ ، الوسائل ٦ : ١٩٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٤ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ح ١٢٤ ، الوسائل ٦ : ٢٠٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٤٦ ح ١٢٢ ، الوسائل ٦ : ١٩٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٣ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ح ١٢٣ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣ ، وفيها : إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت ، أو أرسل بها إليهم فضاعت ؛ فلا شي‌ء عليه.

(٦) الكافي ٣ : ٥٥٤ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ١٦ ح ٤٩ ، التهذيب ٤ : ٤٦ ح ١٢٠ ، الوسائل ٦ : ١٩٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ٢ ، في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده ، قال : لا بأس أن يبعث الثلث أو الربع (شك أبو أحمد).

١٩٠

نعم يمكن أن يقال : إنّه شروع في الإخراج ، فلا يعدّ تأخيراً عرفاً.

ويمكن أن يستدلّ له بصحيحة الحلبيّ ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب ، ولا صدقة الأعراب في المهاجرين» (١) سيّما مع ملاحظة ما في حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ من أنّ رسول اللهُ كان يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر (٢) ، وفيه تأمّل.

وأمّا الضمان مع وجود المستحقّ ؛ فعلى القول بعدم الجواز ، فلأنّه تفريط موجب للضمان ، وللإجماع ، نقله في المنتهي (٣).

وأمّا على القول بالجواز ، فيدلّ عليه مضافاً إلى ظاهر الإجماع المنقول في المنتهي (٤) حسنة محمّد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بعث رجل بزكاة ماله لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال : «إذا وجدَ لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ؛ لأنّها قد خرجت من يده ، وكذلك الوصيّ الذي يُوصى إليه يكون ضامناً لما دُفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه ، وإن لم يجد فليس عليه ضمان» (٥).

وحسنة زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعث إليه أخ له بزكاته ليقسّمها فضاعت ، قال : «ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان» ، قلت : فإنّه لم يجد لها أهلاً ففسدت وتغيّرت ، أيضمنها؟ قال : «لا ، ولكن إن عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها» ، وفي التهذيب «ضامن من حين أخّرها» (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٤ ح ١٠ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ ح ٣٠٩ ، الوسائل ٦ : ١٩٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٤ ح ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ ح ٤٨ مرسلاً ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ح ٢٩٢ ، وفي الوسائل ٦ : ١٩٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨ ح ٢. عبد الملك بن عتبة الهاشمي ، فتنبّه.

(٣) المنتهي ١ : ٥٢٩.

(٤) المنتهي ١ : ٥٢٩.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٣ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ح ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ح ١٢٥ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٥٥٣ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ح ١٢٦ بتفاوت يسير ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٢.

١٩١

ووجه هذا القول حينئذٍ : أنّ الضمان لا يستلزم التحريم ، فلا ينافي ثبوت الضمان جواز النقل مع وجود المستحقّ ، فإنّ كثيراً من موارد الضمانات غير مُجامع للإثم كما لا يخفى على المطّلع.

ولو لا اشتهار الضمان ودعوى الإجماع في المنتهي لقلنا بعدم الضمان إن قلنا بجواز النقل ، سيّما مع طلب الأفضل ؛ لغلبة انتفاء الضمان مع الرُّخَص الشرعيّة ، والأخبار النافية للضمان في صورة النقل بإطلاقها ، مثل صحيحة بكير بن أعين ، وصحيحة أبي بصير (١) وغيرهما (٢).

نعم لا ريب في رجحان الإعادة ؛ لما دلّت عليه حسنة أبي بصير ؛ ففي آخرها : فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جُعلت فداك ، الرجل يبعث بزكاته من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق فقال : «قد أجزأته ، ولو كنتُ أنا لأعدتها» (٣).

هذا الكلام مع وجود المستحقّ في البلد ، وأمّا مع عدمه فيجوز النقل بالإجماع ، بل قد يجب ؛ لأنّه مقدّمة للواجب ، وحينئذٍ فلا ضمان بلا إشكال ، والأخبار ناطقة بها خصوصاً وعموماً كما مرّ.

ففذلكة المختار في هذا المبحث وسابقه ، على ما يظهر لي من مجموع الأدلّة ، حرمة التأخير بلا عذر ، مثل طلب الأفضل ، أو انتظار معتاد الطلب ولو بكونه معرضاً للواردين ، المستلزم تركه للعسر والحرج ، أو للتقسيم والتعميم ، والحاصل الحرمة تكاهلاً وتكاسلاً.

والظاهر أنّ النقل من بلد المال إلى غيره لا يُعدّ تأخيراً عرفاً ، فيجوز ، سيّما إذا طلب بها الأفضل ، مع الكراهة في غير طلب الأفضل ، وثبوت الضمان مع التلف في صورة التأخير تكاهلاً إجماعاً ، وفي صورة التأخير للأعذار المذكورة ، ومنها النقل مع وجود

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ح ١٢٣ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ١٩٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٤ ح ٩ ، الوسائل ٦ : ١٩٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٦.

١٩٢

المستحقّ على الأظهر المعروف المشهور بين الأصحاب ، وادّعى عليه الإجماع في المنتهي في صورة النقل (١) ، وعدم الضمان بالتلف مع التأخير والنقل مع العذر وعدم المستحقّ بلا خلاف وإشكال.

ثمّ إنّ ههنا فوائد :

الأُولى : لو أخّر الزكاة عصياناً ثمّ أدّاها يجزيه ، وإن أثم بالتأخير ، بلا خلاف بين أصحابنا.

وكذلك لو نقل الزكاة إلى غير بلد المال ووصلت إلى مصرفها ، فيجزي وإن قلنا بتحريم النقل ؛ للإجماع المنقول في المنتهي وغيره ، ولأنّ الأمر يقتضي الإجزاء.

واحتمل في الروضة العدم على القول بالتحريم للنهي.

وهو في غاية الضعف ؛ لأنّ النهي على فرض تسليمه وتسليم دلالته على الفساد إنّما تعلّق هنا بأمر خارج.

وكون الحكمة في النهي انتفاع مستحقّي البلد لو سلّم لا يقتضي حرمتها على غيرهم ، وحرمة إعطائها لهم بعد النقل.

ويتفرّع على ذلك : جواز بيعها في ذمّته وإعطاء القيمة في بلد آخر ، وأخذها في الذمة وإتلافها وإعطاء مثلها في بلد آخر.

الثانية : قال في المنتهي : إذا نقلها اقتصر على أقرب الأماكن التي يوجد فيها المستحقّ استحباباً عندنا ، ووجوباً عند القائل بتحريم النقل (٢).

الثالثة : يضمن بالنقل لو تلفت ، وإن قلنا بجوازه إذا لم يكن الطريق أمناً ؛ لأنّه تفريط.

الرابعة : يستحبّ أن تصرف زكاة المال في بلد المال ، وهو مذهب العلماء كافّة ،

__________________

(١) المنتهي ١ : ٥٢٩.

(٢) المنتهي ١ : ٥٢٩.

١٩٣

كما في المدارك (١) ، وتدلّ عليه حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ المتقدّمة (٢).

ويجوز أن يدفع عوضها في بلد المالك وغيره بلا إشكال.

فلو نقلها من بلدها إلى بلده وغيره مع وجود المستحقّ في بلدها ضمن.

وقد يستشكل في صدق نقل الزكاة مع وجود المستحقّ ؛ بناءً على أنّ عزل المال بقصد الزكاة لا يصحّ مع وجود المستحقّ كما سيجي‌ء.

ويُدفع : بأنّ المراد لو وجد المستحقّ بعد العزل حين عدم المستحقّ ثمّ نقل ، أو المراد من الزكاة هو مماثلها في القدر والوصف ، وبضمانها بقاؤها في ذمّته.

أقول : وقد يصدق نقل الزكاة بنقل عين المال الزكويّ من دون معاملة في الذمّة ، وضمان أدائه من غيره ؛ بناءً على تعلّق الزكاة بالعين كما هو الحقّ ، سيّما على القول بأنّ التعلّق من باب الاشتراك كما هو الأظهر ، فالمراد نقل مال الفقراء وإن كان بالإشاعة في عين المال ، وكيف كان فالأمر في ذلك هيّن.

وأمّا الفطرة ؛ فالأفضل أداؤها في بلده لا بلد المال. ولو عيّنها في بلد المال فيضمن بالنقل مع وجود المستحقّ ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

الخامسة : إذا لم يجد المالك لها مصرفاً يستحب عزلها ، يعني تعيينها في مال خاص مع النيّة.

أمّا جواز العزل مع عدم المستحقّ ؛ فالظاهر أنّه لا خلاف فيه ، ويدلّ عليه لزوم العسر والضرر العظيم بالمنع عن التصرّف في المال.

ويدلّ على الجواز والاستحباب أخبار كثيرة ، منها صحيحة عبد الله بن سنان (٣) ، وموثّقة يونس بن يعقوب (٤) المتقدّمتان.

__________________

(١) المدارك ٥ : ٢٧١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٤ ح ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ ح ٤٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ح ٢٩٢ ، الوسائل ٦ : ١٩٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٣ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ح ١١٨ ، الوسائل ٦ : ٢١٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٢ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ح ١١٩ ، الوسائل ٦ : ٢١٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٢.

١٩٤

وحسنة عبيد بن زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها» (١) ورواية أبي بصير (٢) وغيرها (٣).

وأمّا جوازه مع وجوده بل استحبابه أيضاً ؛ فتدلّ عليه الأدلّة المتقدّمة.

لكن فيه خلاف ، فذهب في المسالك إلى عدم تحقّقه معه (٤).

ووجّهه في الروضة : بأنّ الدين لا يتعيّن بدون قبض مالكه أو ما في حكمه ؛ مع الإمكان (٥).

وتدفعه بعد تسليم كونها كالدين الأخبار المتقدّمة.

ثمّ بعد العزل فهي أمانة لا يجوز التصرّف فيها بالإبدال ، ولا يضمنها إلا بالتفريط أو تأخير الدفع مع التمكّن.

ويتبعها النماء متّصلاً ومنفصلاً ، خلافاً للدروس في المنفصل (٦). والأظهر التبعيّة مطلقاً ؛ لأنّه تابع للملك ، ولخصوص رواية عليّ بن أبي حمزة عن أبيه المتقدّمة في مسألة تعلّق الزكاة بالعين (٧).

وإذا أدركه الموت ولم يجد المصرف ، تجب الوصيّة بحيث يحصل بها الثبوت الشرعيّ ؛ لتوقّف الواجب عليه ، وعموم الأمر بالوصيّة. والظاهر أنّه إجماعيّ كسائر حقوق الناس الواجبة.

وأوجب في الدروس العزل مع ذلك أيضاً (٨). والأصل يدفعه ، وفي صحيحة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٢ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ١٩٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ح ١٢٣ ، وفيه حماد بن عثمان بدل حماد بن عيسى ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩.

(٤) المسالك ١ : ٤٢٨.

(٥) الروضة البهيّة ٢ : ٤٠.

(٦) الدروس ١ : ٢٤٥.

(٧) الكافي ٤ : ٦٠ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ٢١٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٣.

(٨) الدروس ١ : ٢٤٥.

١٩٥

عليّ بن يقطين إيماء إلى عدم الوجوب (١).

السادسة : إذا قبض الإمام أو العامل الزكاة برئت ذمّة المالك ، ولا ضمان عليه لو تلفت بعده بلا خلاف ، ولأنّهما كالوكيل للفقراء ، وتنبّه عليه حسنة عبيد بن زرارة المتقدّمة.

وكذلك الفقيه الشرعيّ ؛ لعموم نيابته عن الإمام.

وأمّا لو قبضها وكيل المالك فلا تبرأ ذمّة المالك حتّى يؤدّيها ، فإن تلفت في يده ؛ فإن كان بدون تفريط من أحدهما فتبرأ ذمّتهما ، وإن كان ذلك بعد تأخير المالك بما لا يجوز فلا تبرأ ذمّته.

وإن لم يُقصّر المالك وحسبه أميناً وأدّاه إليه ، وفرّط الوكيل بالتأخير أو غيره ، فالظاهر أنّه لا ضمان عليه ، والضمان على الوكيل ، كما ذكرناه سابقاً.

الخامس : المشهور عدم جواز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب. وعن ابن أبي عقيل (٢) وسلار (٣) جواز التقديم بقصد الزكاة ، والأقرب الأوّل.

لنا : أصالة عدم الصحّة ، ووجوب الزكاة مشروط بحؤول الحول ، وخصوص حسنة زرارة (٤) وحسنة عمر بن يزيد (٥) المعلّلتين بعدم جواز أداء الفرض قبل وقته كالصلاة والصوم وغيرهما.

وحجّة الجواز : صحيحة حمّاد بن عثمان ، وصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمتان في

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٧ ح ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٠ ح ٦٩ ، الوسائل ٦ : ١٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٥.

(٢) حكاه عنه في المختلف ٣ : ٢٣٧.

(٣) المراسم : ١٢٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٤ ح ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٣ ح ١١١ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ح ٩٣ ، الوسائل ٦ : ٢١٢ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٥١ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٣ ح ٨ ، التهذيب ٤ : ٤٣ ح ١١٠ ، الاستبصار ٢ : ٣١ ح ٩٢ ، الوسائل ٦ : ٢١٢ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٥١ ح ٢.

١٩٦

المبحث الثالث (١).

وهما لا تقاومان ما ذكرناه من الأدلّة ، ويمكن حملهما على القرض ، فيدفع إلى الفقير مثل الزكاة قرضاً ويحتسبها من الزكاة إذا جاء وقت الوجوب إن بقت شرائطها ، من بقاء المستحقّ على وصف الاستحقاق ، وعدم انثلام النصاب قبل حؤول الحول.

ويدلّ على رجحان ذلك أخبار كثيرة ، منها رواية عقبة بن خالد : أنّ عثمان بن عمران دخل على أبي عبد الله عليه‌السلام ، إلى أن قال ، قال : ويجي‌ء الرجل فيسألني الشي‌ء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : «القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشر ، وما ذا عليك إذا كنت موسراً كما تقول أعطيته ، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة» (٢).

وتجوز الاستعادة منه مع بقائه على صفة الاستحقاق أيضاً.

والحاصل : أنّ ذلك قرض تجوز استعادته ، والزكاة واجبة عليه ؛ له الخيرة في إعطائها من يريد.

وليس للمالك إلزامه بإعادة العين لو كانت باقية ؛ لأنّ القرض يصير بالقبض ملكاً للمقترض على الأصحّ ، فيجوز للمقترض ردّ المثل أو القيمة.

ولو تعذّرت استعادتها غرم المالك الزكاة ، ولو تمّ النصاب بالعين المقروضة وكانت باقية عند المقترض حتّى حال الحول ، ولا تجب الزكاة لما ذكرنا.

ولا فرق في عدم جواز الاحتساب من الزكاة مع الغنى بين ما حصل الغنى من الخارج أو من منافع القرض.

وأمّا الغنى الحاصل بنفس القرض ، بحيث لو أُخذ منه صار فقيراً ؛ فلا يَمنع عن الاحتساب من الزكاة على الأصحّ ؛ لصدق الفقير عليه عرفاً ، وعدم الفائدة في الأخذ

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٤٤ ح ١١٤ و١١٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ح ٩٤ و٩٦ ، الوسائل ٦ : ٢١٠ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٤٩ ح ١١ و٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٢٠٨ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٤٩ ح ٢.

١٩٧

ثمّ الردّ.

وأمّا الاحتساب من سهم الغارمين مع العجز عنه فلا إشكال.

وعلى القول بجواز التعجيل أيضاً يراعى بقاء الفقير على صفة الاستحقاق ، وبقاء الوجوب في المال.

السادس : أداء الزكاة مشروط بالنيّة ؛ للإجماع ، نقله غير واحد (١).

بل نقله في المعتبر عن العلماء كافّة ، إلا الأوزاعي ؛ متمسّكاً بأنّها دين ، فلا تجب فيه النيّة كسائر الديون ، ولهذا يخرجها وليّ اليتيم ويأخذها السلطان من الممتنع (٢).

وفيه : أنّه قياس ؛ لانحصار المستحقّ في الدين ، ولهذا يسقط بإسقاطه ، بخلافه هنا ، ونيابة الوليّ والسلطان إنّما ثبتت من باب الاضطرار.

والحاصل : أنّها من العبادات التوقيفيّة ؛ لكونها محدودة بالقدر والوقت والنصاب وسائر الشرائط والكيفيّات التي لا تعلم مصلحتها ، كالواجبات التوصليّة ، فلا يحصل الامتثال عرفاً إلا بقصد الامتثال.

ويدلّ عليه أيضاً : عموم ما دلّ على اشتراط النيّة ، مثل قوله عليه‌السلام : «لأعمل إلا بالنيّة» (٣). و «إنّما الأعمال بالنيّات» (٤).

وخصوص ما رواه في الفقيه في وصيّته : «يا عليّ لا خير في القول إلا مع الفعل ، ولا في الصدقة إلا مع النيّة» (٥).

واعلم : أنّ العمل الذي تجب فيه النيّة هنا هو إيصال المال المعهود إلى من يجب الإيصال إليه ، فالإفراز والإخراج من المال من مقدّماته.

__________________

(١) كالعلّامة في المنتهي ١ : ٥٢٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٥٩.

(٣) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٢ ، الوسائل ١ : ٣٤ أبواب مقدّمة العبادات ب ٥ ح ٩.

(٤) التهذيب ١ : ٨٣ ح ٢١٨ ، وج ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ ، الوسائل ١ : ٣٤ أبواب مقدّمة العبادات ب ٥ ح ٧.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٦٧ ح ٨٢٤ ، الوسائل ٦ : ٢١٧ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٥٦ ح ١.

١٩٨

فلو فرض أن يكون الإخراج من دون النيّة كما لو قصد به الرياء ولكن أخلص النيّة عند الدفع فيصحّ. وكون المال مال المخرج من مقوّماته ، فإخراج الإمام والساعي والوكيل والوصيّ والوليّ كلّها إمّا من باب النيابة ، أو من باب الاضطرار ، أو حكم على حدة.

ثمّ إنّ الإيصال هو تحصيل الوصول إلى من يجب الإيصال إليه ، ولا توظيف في كيفيّته ، فيمكن حصوله ، ولو بأن يأخذ طفل أو مجنون من ماله بمقدار الزكاة ويعطي المستحقّ لاعن قصد ، ونوى المالك الزكاة حين الوصول إلى يده قربة إلى الله ، فالأصل اعتبار قصد المالك ونيّته حين الوصول كيف ما كان.

وقد عرفت مراراً أنّ حقيقة النيّة هي الداعي إلى الفعل ، ولا يجب الإخطار ، فالمقارنة اللازمة في النيّة هنا وفي جميع العبادات عبارة عن استمرار الداعي وعدم نيّة الخلاف مع بقاء الداعي في مخزن الخيال.

فعلى هذا فلو قال المالك لعبده أو غيره : أخرج هذا القدر من البيدر وأعط فلاناً ، وأراد بذلك في قصده الزكاة التي أوجبها الله عليه ، فهذه هي النيّة ، فما لم تحصل له ندامة حتّى وصلت إلى يد المستحقّ ، فيصدق حصول النيّة ومقارنتها مع الوصول إلى المستحقّ ، وبعد الوصول إليه يصدق أنّ المالك أوصل القدر المعهود من المال إلى المستحقّ امتثالاً لأمر الله تعالى.

نعم ، تظهر الثمرة لو ارتدّ المالك قبل الوصول إلى المستحقّ ، أو غفل ونسي ما فعله بحيث لو سئل عن ذلك أنكره وقال : لا يجب عليّ شي‌ء ، وقال : لا تعطوه وردّوا المال إلىّ فحينئذٍ لو أعطاه الواسطة المستحقّ فلا يجزي. هذا حال المباشرة.

وأمّا لو وكّل أحداً في الإخراج فكلام الأصحاب في تحقيق النيّة هنا غير محرّر.

وقد عرفت أنّ هذا الفعل ممّا يقبل النيابة عندهم ، ولكن في معنى النيابة في الزكاة إشكالاً ؛ لأنّ الزكاة هي إخراج المقدار المعيّن من المال إلى مصرفه تقرّباً إلى الله ، وامتثالاً لأمره.

والقصد إلى ذلك من النائب مع أنّه ليس من ماله ، وليس ذلك امتثالاً للأمر

١٩٩

بالنسبة إليه ؛ إذ الأمر إنّما يتعلّق بالمالك مشكل.

وتصوير النيابة مع النيّة في الصلاة وغيرها من العبادات : أنّه يقصد بفعله والصلاة التي يصلّيها مثلاً أنّي أفعل فعلي هذا تقرّباً إلى الله وامتثالاً لطلبه الندبيّ في المتبرّع ، وامتثالاً لطلبه الإيجابي في المستأجر ؛ نيابة عن فلان.

فالتقرّب والامتثال إنّما يحصلان للفاعل ، لكن ينفع ذلك للمنوب عنه ، ويحصل له الثواب ، إلا أنّ ذلك تقرّب وامتثال من المنوب عنه.

ولمّا كان المال الذي كونه من مال المزكّي من مقوّمات الزكاة ليس للوكيل ، فيشكل تصوير النيابة فيها ، فإنّه كان يفعل في الصلاة صلاة نفسه نيابةً عن الغير ، ولا يعطي هنا مقداراً معيّناً من ماله نيابة عن الغير ، بل يعطي مال الغير نيابة عنه ، فهو نيابة عن إتيان بعض أجزاء ماهيّة الزكاة.

إلا أن يقال : إنّ الإجماع والأخبار لمّا دلّت على صحّة النيابة هي التوكيل في إخراج زكاة الغير إلى مصرفها ، فالمراد من النيابة هي النيابة في نفس الإيصال وإن كان مال الغير ، فهو يعطي زكاة غيره نيابة عنه في الإعطاء ، لا أنّه يزكّي نيابة عن الغير ، وذلك كالوكالة في البيع والتزويج وغيرهما.

ولمّا كان إعطاء المالك ماله في وجه الزكاة لم يكن يصحّ إلا مع قصد التقرّب والامتثال ، فلا بدّ للوكيل أيضاً أن يقصد إلى الفعل المذكور ويصله بقصد التقرّب والامتثال ، يعني (١) التقرّب والامتثال لنفسه.

أمّا التقرّب بمعنى حصول القرب المعنويّ فواضح.

وأمّا الامتثال فالمراد به الامتثال للأمر الندبيّ الوارد في التوسّط للخير.

وأمّا الاستئجار في ذلك حتّى يمكن الامتثال الوجوبيّ ففيه إشكال ؛ لعدم وضوح الدليل عليه ، فإنّ الدليل على جواز الاستئجار في الصوم والصلاة إنما هو الإجماع

__________________

(١) في «م» : بمعنى.

٢٠٠