غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

بل هو من الصمغ ؛ لأنّه صمغ شوكة.

ويحتمل أن يراد بالعسل الجبليّ أيضاً العسل المنعقد على الحجر من الطلّ ، لا لعاب النحل المعهود إذا اتخذت في الجبال مسكناً ، كما يظهر من القاموس أنّه أحد معاني العسل (١).

وكيف كان فوجوب الخمس في المنّ والعسل الجبلي مذهب الشيخ (٢) وابن إدريس (٣) وابن حمزة (٤) والكيدري (٥) والعِمة في المختلف (٦).

ومن هذه الاختلافات يقع الإشكال العظيم ، فإنّهم إن جعلوا المراد من الغنيمة في الآية مطلق الفائدة سواء كانت مكتسبة ومحصّلة بالاختيار أو بدونه فيشكل بما ذكره جماعة في معنى الغنيمة أنّه الفائدة المكتسبة (٧) ، وبأنّه لا وجه لإخراج الميراث والهبة والصدقة ، فإخراجها يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه ظاهراً ، فمقتضى الآية وإطلاق بعض الروايات يشملها ، وقد عرفت أنّ ظاهر الأصحاب حيث يستدلّون بالآية في جميع الأقسام السبعة أنّهم لا يخصونها بغنيمة دار الحرب.

وإن جعلنا المراد بالغنيمة هو الفائدة المكتسبة المحصلة بكسبٍ ، فحينئذٍ وإن كان يظهر خروج الميراث في كمال الوضوح ، وكذلك الهبة والصدقة ؛ لبُعد إطلاق الكسب على مثل قبول الهبة والصدقة ، وأنّ مراد الفقهاء من إطلاق الكسب عليه في باب الحج حيث ذكروا أنّ قبول الهبة فيما يستطاع به نوع كسب فلا يجب ؛ لأنّ الواجب مشروط عدم وجوب مطلق التحصيل ، ولكن يشكل الأمر في مخالفتهم في وجوبه في العسل والمنّ ، فإنّ تحصيلهما من المكاسب.

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ١٥.

(٢) المبسوط ١ : ٢٣٧.

(٣) السرائر ١ : ٤٨٨.

(٤) الوسيلة : ١٣٦.

(٥) نقله عنه في المختلف ٣ : ٣١٥.

(٦) المختلف ٣ : ٣١٥.

(٧) مجمع البحرين ٦ : ١٢٩ ، معجم مقاييس اللغة ٤ : ٣٩٧ ، الخلاف ٢ : ١١٨ ، البيان : ٣٤١.

٣٢١

ولذلك قال في المختلف : لا وجه لتخصيص العسل والمنّ ، بل كلّ ما يجتنى كالترنجبين والشيرخشت والصمغ وغير ذلك ؛ لأنّ ذلك كلّه اكتساب (١). ومثله قال المحقّق في المعتبر (٢).

فإن قيل : لعلّ مراد هؤلاء أنّ تلك الأُمور من باب المعدن والكنز وغيرهما ، فلا تعتبر فيها مئونة السنة ، ويجب الخمس فيها من حيث الخصوصية ، لأمن حيث عموم المكاسب.

قلنا : مع أنّه لا دليل على ذلك ظاهراً ، ينافي احتجاجهم في المذكورات بأنّها من المستفادات والمكتسبات.

وبالجملة : كلماتهم في هذا المقام غير محرّرة ، ولم نقف على تصريح في بيان ذلك ، إلا أنّه يظهر من ذكرهم الميراث والهبة والصدقة في فروع الأرباح والاكتسابات أنّ القائل يدخلها فيها ، والمانع يمنع دخولها.

وأمّا العسل والمنّ ؛ فيظهر من ابن إدريس (٣) والعِمة في المختلف (٤) والمحقّق في المعتبر (٥) إدراجهما في الاكتساب.

ومراد الشيخ غير معلوم ، ولذلك استشكل الشهيد رحمه‌الله في البيان (٦) ، فإنّه بعد ما ذكر الأقسام السبعة قال : وثامنها العسل المأخوذ من الجبال ، والمنّ ، وذكره الشيخ (٧) رحمه‌الله ، وابن إدريس (٨) ، وجماعة (٩) رضوان الله عليهم ، وهل هو قسم

__________________

(١) المختلف ٣ : ٣١٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٣٥.

(٣) السرائر ١ : ٤٨٨.

(٤) المختلف ٣ : ٣١٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٢٤.

(٦) البيان : ٣٤٩.

(٧) المبسوط ١ : ٢٣٧.

(٨) السرائر ١ : ٤٨٨.

(٩) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ١٣٦ ، ونقله عن الكيدري في المختلف ٣ : ٣١٥.

٣٢٢

برأسه أو من قبيل المعادن ، أو من قبيل الأرباح؟ ظاهر الفاضل أنّه من قبيل الأرباح (١) وقال السيد المرتضى : لا خمس فيه (٢) ، فيحتمل نفي الماهية ويحتمل نفي الخصوصية.

ثمّ قال : ونفى بعض الأصحاب الخمس عن المسك (٣) ، والاحتمالان فيه قائمان ، والظاهر أنّه من المكاسب.

وقال في فروع مسألة جميع أنواع التكسب : أوجب أبو الصلاح في الميراث والهدية والهبة الخمس (٤) ، ونفاه ابن إدريس (٥) والفاضل (٦) رحمهما‌الله للأصل ، فلا يثبت الوجوب مع الشك في سببه ، نعم لو نما ذلك بنفسه أو باكتساب الحق بالأرباح (٧).

ثمّ أقول : والتحقيق في المسألة إبقاء الآية على العموم ، ولكن ظهورها في الغنيمة المكتسبة أو ترددها بينها وبين مطلق الفائدة يثبّطنا عن تعميمها لمثل الميراث والهدية والهبة والمهر وعوض الخلع وحصول صيد في داره بلا تعب ونحو ذلك ، ومن ذلك الصدقات والأخماس.

وفي رواية الحسين بن عبد ربّه تصريح بعدمه في الخمس (٨).

وكذلك الأخبار الواردة في المسألة لا يستفاد منها إلا الفائدة المكتسبة. ولفظ الإفادة في بعضها بمعنى الاستفادة ، وهو ظاهر في الطلب والتحصيل.

والأصل مع ضعف كثير من الروايات وعدم ظهور دلالة كثير منها في مثل ذلك ، وترك الجمهور العمل على العموم في أمثالها يرجّح عدم الدخول.

__________________

(١) المختلف ٣ : ٣١٦.

(٢) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهيّة) : ٢٠٥ مسألة ١٢١.

(٣) العلّامة في المنتهي ١ : ٥٤٧.

(٤) الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٥) السرائر ١ : ٤٩٠.

(٦) المختلف ٣ : ٣١٥.

(٧) البيان : ٣٤٨.

(٨) الكافي ١ : ٥٤٧ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ٣٥٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١١ ح ٢ ، قال : سرّح الرّضا عليه‌السلام إلى أبي بِصِلَةٍ وكتب عليه‌السلام : لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس.

٣٢٣

وأمّا في مثل العسل والمنّ والصمغ بأقسامه فالأظهر وجوب الخمس فيها من باب الكسب والاستفادة ، لأمن حيث الخصوص.

نعم يظهر من صحيحة عليّ بن مهزيار (١) ، دخول الجائزة الّتي فيها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن في الغنائم والفوائد التي فيها الخمس.

وهذه الصحيحة مع أنّها مضطربة مشتملة على أُمور كثيرة لا يقول بها أحد من الأصحاب ، غير منطبقة على مذهب أبي الصلاح ، وكذلك رواية يزيد المتقدّمة الدالة على ثبوته في الجائزة (٢) لا تبلغ حدّ الحجية في المقام متناً وسنداً ، ولا يبعد حملهما على الاستحباب.

ويؤيّده أنّ المشهور حكموا باستحباب تخميس جوائز الظلمة إذا كانت مشتبهة لتزول الكراهة (٣).

وربّما استدلّ بعضهم بالأولوية بالنسبة إلى المال المختلط بالحرام ؛ (٤) ، وهو كما ترى.

وربّما استند بموثّقة عمّار ؛ (٥) ، ولا دلالة فيها ظاهراً ، ولم يقل فيه أحدهم بأنّه فائدة وغنيمة ويجب فيه الخمس.

وكذلك ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر ، عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر ، هل عليه فيها الخمس؟

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٤١ ح ٣٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٦٠ ح ١٩٨ ، الوسائل ٦ : ٣٤٩ أبواب ما يجب فيه الخمس ، ب ٨ ح ٥ ، عن أبي جعفر قال : وإنّما أوجبت عليهم الخمس .. والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغتنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان إلى الإنسان الّتي لها خطر عظيم والميراث الّذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن.

(٢) ص ٣١٨.

(٣) كابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٢ ، والعلّامة في المنتهي ٢ : ١٠٢٥.

(٤) المنتهي ٢ : ١٠٢٥.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٣٠ ح ٩١٥ ، الوسائل ١٢ : ١٤٦ أبواب ما يكتسب به ب ٤٨ ح ٣ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام سُئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل ، قال : لا ، إلّا أن لا يقدر على شي‌ء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت.

٣٢٤

فكتب عليه‌السلام : «الخمس في ذلك بمائة درهم أو خمسين» (١) الحديث. لا يعتمد عليه ؛ لأنّ في طريقها أحمد بن هلال.

والأحوط أن لا يترك الخمس في شي‌ء من الفوائد ؛ لهذه الروايات ، واحتمال عموم سائر الأخبار ، بل ظهور بعضها كما ذكرنا.

ومن أراد الاحتياط فينبغي أن يعتبر الخصوصيّة في خمس العسل الجبليّ والمنّ ، ولا يعتبر فيها مئونة السنة ، ويخرجه حين حصولها من دون اعتبار نصاب ولا مئونة سنة.

وإن فعل ذلك في الميراث والهبة والصدقة أيضاً فأولى وأحسن ، ولكن لم يقم دليل على وجوب ذلك ، فالمعيار هو الإدخال في أرباح المكاسب ، فيلحق بها فيما ظهر دخوله ، دون ما لم يظهر كما بيّنا.

وممّا يدخل في هذا الصنف الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش والاستقاء والإجارات ، وتعليم الأطفال في الدرس والمشق ، والمجتنيات كالترنجبين والكزانكبين (٢) والكمأة وغير ذلك ما لا يعدّ ولا يحصى ، سواء جعل أحد الأُمور المذكورة حرفة لنفسه ، أم وقع على سبيل الاتفاق.

وفي صحيحة عليّ بن مهزيار في الكافي ، قال : كتبت إليه يا سيّدي رجل دفع إليه مال ليحجّ به ، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس ، أو على ما فضل في يده بعد الحج؟ فكتب عليه‌السلام : «ليس عليه الخمس» (٣).

ورأيت في بعض أجوبة المسائل عن فخر المحقّقين أنّه لا خمس في وجه اجرة الحجّ والزيارة ، وضمّ إلى ذلك الصداق والميراث والهبة والجعالة والزكاة والخمس.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٦٠٦ ، الوسائل ٦ : ٣٥١ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ١٠.

(٢) الكزانكبين : مادة حلوة مستساغة تحتوي على أنواع السكر والكحول تسيل من شجرة الكز على أثر خراش تحدثه حشرة الكوكوس. فرهنك معين ٣ : ٣٢٩٩.

(٣) الكافي ١ : ٥٤٧ ح ٢٢ ، الوسائل ٦ : ٣٥٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١١ ح ١.

٣٢٥

والأمر في الجعالة والحج والزيارة مشكل.

وتحتمل فتواه نفي الخصوصية لا الماهية ، وأمّا الحديث فهو أيضاً يحتملها ، فيشكل الاعتماد عليه ؛ إذ ليس في الحديث ذكر الفضل بعد المئونة ، فالظاهر أنّ الجعالة ومطلق استيجار العبادات داخلة في الأرباح ، وحكمها حكمها.

وكذلك يجب في الزوائد المتصلة والمنفصلة في المال الذي لا خمس فيه ، كالميراث أو ما أُخرج منه الخمس كاللبن والصوف والنتاج والسمن وغير ذلك ، سواء أُخرج في الخمس من عين المال أو من قيمته.

فلو أُخرج لخمس مائة نعجة قيمة عشرين منها ثمّ حصل النماء للجميع أو لنفس العشرين فقط فيجب فيه الخمس ؛ لأنّه نماء ماله ، والنماء فائدة حصلت له.

وفيما لو زاد بارتفاع القيم السوقية إشكال ، من جهة الإشكال في صدق الإفادة والاستفادة عرفاً ، وجزم في التحرير بعدمه (١) ، وليس ببعيد.

وقال في الدروس : ولو وهب المال في أثناء الحول أو اشترى بغبن حيلةً لم يسقط ما وجب (٢). وهو كذلك ؛ لأنّه ليس من المئونة.

وهل يكفي ظهور الربح في متاع مال التجارة ، أو يحتاج إلى البيع والإنضاض؟ فيه وجهان ، استقرب في الكفاية الثاني (٣).

الثاني : إنّما يجب الخمس في هذا القسم بعد وضع مئونة المالك والدليل على ذلك الإجماع ، نقله جماعة من الأصحاب (٤) ، والأخبار المستفيضة جدّاً ، منها : روايتا أبي عليّ ومحمّد بن الحسن المتقدّمتان (٥).

__________________

(١) التحرير ١ : ٧٤.

(٢) الدروس ١ : ٢٥٩.

(٣) الكفاية : ٤٣.

(٤) كالعلّامة في المنتهي ١ : ٥٤٨ ، والتذكرة ٥ : ٤٢٨ مسألة ٣١٩ ، والشهيد في البيان : ٣٤٨.

(٥) ص ٣١٨ ٣١٩ ، وهما في التهذيب ٤ : ١٢٣ ح ٣٥٢ و٣٥٣ ، والاستبصار ٢ : ٥٥ ح ١٨١ و١٨٢ ، والوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ١ و٣.

٣٢٦

ومنها : صحيحة البزنطي قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : الخمس أُخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب عليه‌السلام : «بعد المئونة» (١).

ورواية إبراهيم بن محمّد الهمداني ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أقرأني عليّ بن مهزيار كتاب أبيك عليه‌السلام فيما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المئونة ، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمئونته نصف السدس ولا غير ذلك فاختلف من قبلنا في ذلك ، فقالوا : يجب على الضياع الخمس بعد المئونة ، مئونة الضيعة وخراجها ، لا مئونة الرجل وعياله ، فكتب عليه‌السلام وقرأه عليّ بن مهزيار : «الخمس بعد مئونته ، ومئونة عياله ، وبعد خراج السلطان» (٢).

ولعلّ ذكر نصف السدس مبني على أنّ أباه عليه‌السلام قد وهب ما سواه.

ورواية عليّ بن محمّد بن شجاع النيشابوري : أنّه سأل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام ، عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كُرّ ما يزكّى ، فأُخذ منه العشر عشرة أكرار ، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً وبقي في يده ستون كرّاً ، ما الذي يجب لك من ذلك ، وهل لأصحابه من ذلك شي‌ء؟ فوقّع : «لي منه الخمس مما يفضل من مئونته» (٣).

والظاهر من هذه الأخبار مئونة السنة ، وكذلك مئونة سنة الرجل وعياله كما صرّح به في رواية الهمداني ، ونصّ عليه الأصحاب ، وادّعوا عليه الإجماع (٤) ، فلا وجه للإشكال فيه.

ويبقى الإشكال في أنّ المئونة توضع من أيّ شي‌ء ، ولا إشكال في أنّ رأس المال وما لا يعدّ للصرف ويدّخر للقنية كالفرش والظروف ونفس الضيعة الّتي هي مستغلّ لها وأمثال ذلك لا يحسب منها المئونة ، إنّما الإشكال فيما لو كان عنده مال مستعدّ للصرف ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٥ ح ١٣ ، الوسائل ٦ : ٣٥٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٣ ح ٣٥٤ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ح ١٨٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٩ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦ ح ٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١٧ ح ٤٨ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٢.

(٤) كالشيخ في الخلاف ٢ : ١١٨ ، والعلّامة في المنتهي ١ : ٥٥٠ ، والتذكرة ٥ : ٤٢٨.

٣٢٧

مثل دراهم مخمّسة ، أو غلّة مورّثة ، أو نحو ذلك ، فهل تحسب المئونة من ذلك المال أو من الأرباح أو منهما معاً بالنسبة؟ كما لو كانت مئونته مائة وأرباحه مائتين وماله الأخر مائتين ، فإذا وزّع المئونة على المالين بالمناصفة فيخمس مائة وخمسين من الأرباح ، ذكر جماعة من الأصحاب فيه الوجوه الثلاثة (١) ، ويظهر من جماعة أنّ الأوسط أظهر ، والأوّل أحوط ، والآخر أعدل (٢) ، ورجّح المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله الأوّل (٣).

أقول : والأخبار وإن كانت ظاهرة في إخراج المئونة من الأرباح ، سيّما رواية الهمداني ورواية النيشابوري ، ورواية محمّد بن الحسن الأشعري ، لكن الظاهر منها أيضاً انحصار المستغلّ فيما حصل منه الربح ، فلا دلالة فيها على الوضع من الربح وإن كان له ما يصرفه في المئونة ، ولا يحتاج إلى صرف الربح فيها.

وادّعى المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله تبادر صورة الاحتياج من قوله عليه‌السلام : «الخمس بعد المئونة» يعني إذا احتاج الرجل في مئونته إلى صرف الأرباح فلا خمس عليه فيما يحتاج إليه من ذلك ، وأمّا مع عدم الاحتياج لوجود مال آخر يصرفه في المئونة فيجب الخمس.

واستدلّ أيضاً بعموم أدلّة الخمس وعدم وضوح صحة دليل المئونة ، وأنّ الإجماع ونفي الضرر إنّما يثبتان ما لو احتاج في المئونة إلى إنفاق الأرباح ، وبأنّ ذلك يؤول إلى عدم الخمس في أموال كثيرة مع عدم الاحتياج إلى صرفها في المئونة ، مثل أرباح تجارات السلاطين وزراعتهم ، وأكابر الزرّاع والتجّار ، وهو منافٍ لحكمة تشريع الخمس في الجملة.

أقول : ويمكن أن يكون نظر من يرجّح الأوسط بعد ادّعاء التبادر من اللفظ كما ذكرنا إلى أنّ فتاوى العلماء مجملة ، وكذلك إجماعاتهم المنقولة ، ومع ملاحظة

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٥٩ ، الروضة البهيّة ٢ : ٧٧ ، المدارك ٥ : ٣٨٥.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٦٥ ، والروضة البهيّة ٢ : ٧٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٣١٨.

٣٢٨

تصادم ذينك الظهورين من حيث اللفظ ، ومن حيث الحكمة ، وقطع النظر عن الظهور اللفظي ، فلا أقلّ من حصول الشك ، والأصل براءة الذمّة عن التكليف الزائد ، مع أنّ العام المخصّص بالمجمل لا حجية فيه في قدر الإجمال ، سيّما وفي الآية وعمومها إشكال قد مرّ وجهه. وفي الأخبار إشكالات من حيث السند والدلالة وغيرهما ، فلم تثبت حجية العام فيما يساوي المئونة من الأرباح مع وجود ما يكفيها أو بعضها من غيرها.

وأمّا قوله : إنّ ذلك يؤول إلى عدم الخمس إلى أخره ، فهو محض استبعاد ، ومنقوض بسقوط الزكاة عن زراعات السلاطين إذا كانت في غاية الكثرة إذا صارت بسبب كثرة المئونة أو قلّة نموّ الزرع بحيث لو وضع مئونة الزرع عنها لا يبقى إلا قليل بالنسبة إلى ما كان يعتاد حصوله وإن كان كثيراً في نفسه فتسقط الزكاة عن أموال كثيرة مع عدم الاحتياج إليها ، مع أنّه رحمه‌الله يقول بوضع مؤن الزراعة في الزكاة ، هذا.

ولكن الإنصاف بعد التأمّل التام ظهور ما ذكره المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله سيّما بملاحظة رواية أبي عليّ بن راشد ، فإنّ قوله عليه‌السلام «بعد مؤونتهم» (١) بيان لقوله «إن أمكنهم» أو بدل ، وهي مع أنّها لا يبعد أن تلحق بالصحاح منضمّة إلى ملاحظة الحكمة واستبعاد أن يجعل ذلك شرطاً مطرداً فيما لا يحتاج إليه أصلاً ، بل وظهور سائر الأخبار بعد التأمل ، وكذلك إطلاقات كلام السابقين ودعوى إجماعاتهم تكفي في خروج المبيّن عن الإجمال ، فتبقى عمومات الخمس بحالها.

فالأظهر أن تلاحظ المئونة من ذلك المال ويتمّم نقصه إن فرض النقص من الأرباح ، فإن فضل بعد ذلك شي‌ء ففيه الخمس.

وأمّا دليل التقسيط ؛ فلعلّه تعارض دليلي المالين وتساويهما ، ولا ترجيح ، فيقسّم بينهما بالنسبة ، وقد عرفت الترجيح.

ثمّ إنّ الوجوه الثلاثة مفروضة في كلام الشهيد في الدروس في الطارف

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٣ ح ٣٥٣ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ح ١٨٢ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٣ قلت : الخمس في أيّ شي‌ء؟ فقال : في أمتعتهم وضياعهم والتاجر عليه والصانع بيده.

٣٢٩

والتلاد (١) ، ولم أعرف وجه الاختصاص ، وكلام غيره أعمّ من أن يحصل المال الأخر في عامه أو قبله (٢) ، بل يظهر من بعضهم اختصاصه بالطارف (٣) ، وهو أيضاً مشكل.

الثالث : المراد بالمئونة ما يصرفه لنفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم ومئونة التزويج ، واشتراء الأمة أو العبد أو الدابة ، والضيافة ، والهدية اللائقات بحاله ، فلو أسرف حسب عليه ما زاد ، وإن قتّر حسب له (٤) ما نقص ، والأحوط عدم احتساب الأخيرة.

ومنها ما يلزمه بنذر أو كفارة ومئونة الحجّ الذي وجب عليه في هذا العام.

وكلّ ذلك يستثني من ربح عامه ، فلو استقرّ الخمس في مال في العام السابق فلا يحسب منه ما يتجدّد من المؤن ، فلو حصلت الاستطاعة في الحج من فضلات سنوات متعدّدة فيجب الخمس فيما قبل عام كمال الاستطاعة ، ولا يجب في متمّمها في عامه إذا صادف كمالها في هذا العام سير القافلة ، وإن تأخّر المسير فهو كالأعوام المتقدّمة ، وكذلك لو تعذّر الحج في هذا العام.

ولو ترك الحجّ بلا عذر فيحسب من المئونة كما لو قتّر في الإنفاق وإن كان إثماً ، ونجيز على القول بوضع جميع المئونة من الأرباح وضع جميع مئونة الحجّ عن أرباح عام كمالها وإن بقي لأجل الكمال مقدار قليل في عامه ، وعلى ما اخترنا فالأمر واضح.

والدين الذي يلزمه في عامه من أجل المئونة أو الغرامة فهو من المئونة ، وأمّا الدين السابق على العام فليس منها إذا كان له في عام حصول الدين ما يفي به من غير المستثنيات في الدين وإن قلنا بوضع المئونة عن الأرباح ؛ لأنّ الدليل مقتضاه وضع مئونة العام من أرباح العام ، وهذا ليس من مئونة العام وسوانحه.

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٥٨. قال في المصباح المنير ١ : ٧٦ ويقال : التالد والتليد والتلاد كلّ مال قديم ، وخلافه الطارف والطريف. وقال في ج ١ : ٣٧١ والطريف المال المستحدث ، وهو خلاف التليد.

(٢) الروضة البهيّة ٢ : ٧٧ ، المدارك ٥ : ٣٨٥.

(٣) شرح اللمعة للآقا جمال : ٣١٤.

(٤) في «ح» : حسب عليه.

٣٣٠

واحتساب المئونة من الربح أو من المال المعدّ للصرف على اختلاف الأقوال بالنسبة إلى لزوم الخمس في أرباح السنوات الماضية وعدمه لا ينافي وجوب وفاء الدين من غير المستثنيات فيه.

نعم لو لم يكن عنده شي‌ء سوى المستثنيات فيوضع منها ؛ لتعلّق التكليف به حينئذٍ في هذا العام بما ملكه فيه ؛ لأنّه لم يكن قادراً على الأداء في الأعوام السابقة وحصلت القدرة في عام الربح ، وكذلك الكلام في الحجّ السابق.

ومن جملة المؤن : الصدقات والخيرات وأسفار الطاعات من الزيارات والحجّ المندوب ، ولا يعتبر فيها الاقتصاد ؛ إذ لا سرف في الخير ، نعم يعتبر في مئونة الأسفار ذلك.

ومنها : ما يأخذه الظالم قهراً أو يصانعه به اختياراً.

ويجبر خسران التجارة والزراعة ونحوهما بالربح في الحول ، ولا يجبر مطلق التالف.

والظاهر أنّ تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش من المئونة كاشتراء الضيعة لأجل المستغلّ.

الرابع : الظاهر من الأدلّة هنا أيضاً تعلّق الخمس بعين الفاضل لا بذمّة المالك والظاهر التعلّق بالمجموع ، فلو كان فاضل المئونة خمسة خرفان مثلاً تتفاوت قيمتها فلا يكفي إخراج أقلّها قيمةً.

والظاهر جواز إخراج القيمة عن العين كالزكاة ، سيّما إذا كان الفاضل من الأمتعة والأقمشة ، والظاهر أنّ المعتبر إخراج القيمة السوقيّة حين الإخراج ، لا ما اشتراه به ، وصرّح به بعض المحقّقين أيضاً (١).

الخامس : مصرف هذا القسم هو مصرف سائر الأقسام على المشهور عند الأصحاب (٢).

__________________

(١) شرح اللمعة للآقا جمال : ٣١٥.

(٢) المبسوط ١ : ٢٦٢ ، الوسيلة : ١٣٧ ، الشرائع ١ : ١٦٤.

٣٣١

وما يتوهم خلافه بملاحظة بعض الأخبار مثل رواية عبد الله بن سنان المتقدّمة (١) فمؤوّل.

وظاهرهم عدم الخلاف في المسألة ، وعموم الآية يدلّ عليه (٢) ، مضافاً إلى إطلاق بعض الأخبار (٣).

وقد استشكل في الكفاية في مستحقّ المعدن والكنز والغوص أيضاً ، واستقرب القول بكون جميع المذكورات له عليه‌السلام (٤).

ولا وجه له ؛ لعموم الآية (٥) ، وخصوص رواية أحمد بن محمّد (٦) ، ومرسلة حمّاد (٧) الآتيتين في تقسيم الخمس ، المعتضدتين بالشهرة.

بل ظاهر العلامة في التذكرة والمنتهى الإجماع على أنّ مصرف الخمس في جميع ما يجب فيه الخمس هو مصرف خمس الغنائم (٨).

السادس : الأرض التي اشتراها الذميّ من مسلم يجب فيها الخمس ولم يذكره كثير من الأصحاب المتقدّمين (٩) ، وذهب إليه الشيخ (١٠) ومن تأخّر عنه (١١) ، وادّعى

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٢ ح ٣٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ح ١٨٠ ، الوسائل ٦ : ٣٥١ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٨ ، قال : على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة ولمن يلي أمرها بعدها من ذرّيتها ، حتّى الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منها دانق ، إلّا من أحللنا من شيعتنا.

(٢) الأنفال : ٤١.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٥ أبواب قسمة الخمس ب ١.

(٤) كفاية الأحكام : ٤٤.

(٥) الأنفال : ٤١.

(٦) التهذيب ٤ : ١٢٦ ح ٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥٩ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٩. قال : الخمس من خمسة أشياء : من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه ..

(٧) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٥٦ ح ١٨٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨ ، الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم ومن الغوص والكنوز ومن المعادن والملاحة.

(٨) التذكرة ٥ : ٤٣٦ ، المنتهي ١ : ٥٥٢.

(٩) المختلف ٣ : ٣١٧.

(١٠) النهاية : ١٩٧ ، المبسوط ١ : ٢٣٧ ، النهاية ونكتها ١ : ٤٨٨.

(١١) كالقاضي في المهذّب ١ : ١٧٧ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٣٧ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٤٨٨.

٣٣٢

عليه الإجماع ابن زهرة (١) ، وهو ظاهر التذكرة (٢) ، وفي المنتهي نسبه إلى علمائنا (٣).

وتدلّ عليه رواية أبي عبيدة الحذّاء ، عن الباقر عليه‌السلام رواها الشيخ والصدوق (٤) ، ورواها في المقنعة مرسلةً عن الصادق عليه‌السلام (٥).

وعن الشهيد الثاني رحمه‌الله في فوائد القواعد الميل إلى عدم الوجوب ، استضعافاً للرواية (٦) ، ووصفها في الروضة بالموثّقة (٧) ، ولا وجه له ظاهراً ؛ لأنّ سندها في التهذيب صحيح ليس فيه من يتأمّل فيه ، رواها في موضعين منه قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «أيّما ذميّ اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس» (٨) وفي المقنعة «فعليه فيها الخمس» (٩).

وربما يتوقّف في الاستدلال من جهة الإشكال في الدلالة بمنع كون الخمس في الرواية هو المصطلح ؛ استناداً إلى أنّ مذهب مالك من العامّة وجوب منع الذميّ عن اشتراء الأراضي العشريّة (١٠) يعني ما كانت زكاته العشر ، مثل ما سقي بالسيح والبعل ، ولو فرض أنّه اشترى يضاعف عليه العشر ويؤخذ منه الخمس لمستحقّ الزكاة ، فلعلّ المراد من الحديث هو هذا ، أو لعلّه ورد مورد التقيّة موافقاً لمالك ؛ لاشتهار فتاويه في زمان الباقر عليه‌السلام ، وهو بعيد ؛ لإطلاق الرواية وشمولها العشريّة وغيرها ، وما يزرع وما لا يزرع ، وما يبلغ زرعه النصاب وما لا يبلغه.

__________________

(١) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٩.

(٢) التذكرة ٥ : ٤٢٢.

(٣) المنتهي ١ : ٥٤٩.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢ ح ٨١ ، التهذيب ٤ : ١٢٣ ح ٣٥٥ ، وص ١٣٩ ح ٣٩٣ ، الوسائل ٦ : ٣٥٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٩ ح ١. أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فعليه الخمس.

(٥) المقنعة : ٢٨٣.

(٦) نقله عنه في المدارك ٥ : ٣٨٦.

(٧) الروضة البهيّة ٢ : ٧٣.

(٨) التهذيب ٤ : ١٢٣ ح ٣٥٥ ، وص ١٣٩ ح ٣٩٣.

(٩) المقنعة : ٢٨٣.

(١٠) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩.

٣٣٣

وبالجملة لا وجه للإشكال في الرواية مع الصحة والظهور والاعتضاد.

ولا تعارضها صحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة القائلة أنّه ليس الخمس إلا في الغنائم خاصّة (١) ، بتقريب عدم تسمية ذلك غنيمة ؛ لأنّها مخصّصة بهذه الرواية.

والظاهر أنّ مصرف هذا القسم هو مصرف سائر الأقسام كما سيظهر لك وجهه.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الرواية كفتاوي الجماعة وصريح الشهيدين (٢) شمول الأرض لما كانت مشغولةً ببناء أو شجر وغيره.

ولكن المحقّق في المعتبر قال : والظاهر أنّ مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المساكن (٣) ، وكذلك قال العلامة في المنتهي (٤) ، واستجوده في المدارك (٥) ؛ لأنّه المتبادر ، وضعف قول جدّه رحمه‌الله بالتعميم (٦).

وقد يستشكل بأنّ عدم تبادر أرض الدار والبستان من الأرض إنّما هو إذا اعتبرت الدار من حيث إنّها دار ، وكذا البستان ، وأمّا لو اعتبر أرض الدار والبستان من حيث هي أرض فينصرف إليها.

وفيه : أنّ ذلك إنّما يتم في لفظ الأرض مفردة عن كلمة البيع والاشتراء ، ومراد من يدّعي الظهور من اللفظ في غير الدار والبستان إنّما هو من المركّب ، يعني مجموع قولك : اشترى أرضاً ، فالأصل مع هذا الظهور ، ودعوى الفاضلين أنّ ذلك ظاهر الأصحاب (٧) يثبّطنا عن التعميم.

نعم يتمّ الإشكال لو صرّح ببيع أرض البستان مثلاً ، بأن تكون هي المقصودة بالذات ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١ ح ٧٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٤ ح ٣٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٥٦ ح ١٨٤ ، الوسائل ٦ : ٣٣٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ١.

(٢) البيان : ٣٤٦ ، المسالك ١ : ٤٦٦ ، حاشية الإرشاد للشهيد الثاني ١ : ٢٨٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٢٤.

(٤) المنتهي ١ : ٥٤٩.

(٥) المدارك ٥ : ٣٨٦.

(٦) المسالك ١ : ٤٦٦.

(٧) المعتبر ٢ : ٦٢٤ ، المنتهي ١ : ٥٤٩.

٣٣٤

مثل أنّه يريد اشتراء البستان ليقطع أشجاره ويزرع فيه.

فإن قيل : إنّ الأرض جزء للدار والبستان ، فيدلّ بيعهما على بيعها بالتضمّن والتبع.

قلنا : من يدّعي التبادر يدّعي أنّ المتبادر من اللفظ في الحديث الاشتراء بالاستقلال وقصداً بالذات ، لا بالتبع ، وإن كانت أجزاء المبيع داخلة فيه ضمناً.

وظاهر الرواية (١) وفتاوى الأكثرين (٢) ؛ الاختصاص بالاشتراء ، وهو مقتضى الأصل.

وألحق الشهيد مطلق الانتقال كالهبة وغيرها (٣) ، وهو مشكل.

وقد يقال : الأحوط أن يشترط الخمس في ضمن عقد الانتقال ، بل في البيع أيضاً ؛ ليندفع الإشكال بالمرة.

وذكر الشهيدان رحمهما‌الله أنّ الإمام أو الحاكم يتخيّر بين أخذ خمس العين أو خمس الانتفاع (٤).

ولعلّ المراد أنّه ليس للذميّ أن يمتنع من العين ويقبل الانتفاع ، وللإمام أن يلزمه بإعطاء العين وأن يقبل الانتفاع لو رضي به الذمّي ، لا أنّ له إلزامه بالانتفاع إذ لم يدلّ الحديث إلا على تعلق الخمس بالعين.

وهنا احتمال ضعيف ، وهو أن يكون تمام الأرض للذميّ وعليه خمس منافعها ، كما في قولهم : من زرع الأرض الفلانية فعليه العشر ، ولا يستفاد من الرواية (ولعلّ وجهه قابليّة الحديث لكليهما) (٥).

وأمّا أخذ قيمة العين فلا دليل عليه ، إلا أن يرى الحاكم الصلاح فيه إذا رضي به

__________________

(١) مرّت في ص ٣٣٣ ، وفيها : أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس.

(٢) كالشيخ في النهاية : ١٩٧ ، والمبسوط ١ : ٢٣٧ ، والقاضي في المهذّب ١ : ١٧٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٣٧ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٤٨٨ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ١٦٣ ، والعلّامة في المنتهي ١ : ٥٤٩ ، والتذكرة ٥ : ٤٢٢.

(٣) البيان : ٣٤٦.

(٤) البيان : ٣٤٦ ، المسالك ١ : ٤٦٦ ، حاشية الإرشاد للشهيد الثاني ١ : ٢٨٩.

(٥) ما بين القوسين ليس في «م».

٣٣٥

الذمّي ، ولا دليل على جواز إلزامه بها ، ولو فرض أخذ القيمة فيجي‌ء على أصل المسألة وجوب الخمس عليه في ذلك الخمس ؛ لأنّه أيضاً ملك اشتراه من صاحب الخمس ، وهكذا إلى أن لا يبقى شي‌ء.

والمراد بخمس الانتفاع ينبغي أن يكون خمس اجرة المثل ، لا خمس ما ينتفع به الذميّ ؛ إذ قد يتفاوت بالوجود والعدم والقلّة والكثرة بسبب ترك الزرع وإساءته ونحو ذلك ، فيؤخذ منه ذلك في كلّ عام.

وعلى القول بشمول الأرض المشغولة بالبناء والأشجار فتقدّر الأرض المشغولة بكون الشاغل مستحقّاً للبقاء بأُجرة لصاحب الأرض ، ويؤخذ منه خمس اجرة مثل تلك الأرض.

وقد يحتمل هنا تقدير الأرض خالية عن الشاغل وأخذ خمس أُجرتها كذلك. وهو بعيد ؛ لعدم تعلّق حقّ الخمس بها خاليةً ، بل كان مقارناً بالشاغل.

وأمّا لو أُريد أخذ العين على هذا التقدير فعلى فرض (إفراز) خمس العين فلا مناص عن أخذ أُجرة مثل الخمس ؛ لعدم التسلّط على منع الذمّي عن التصرّف في الشواغل.

ولو باع الذميّ هذه الأرض لذميّ آخر لا يسقط خمسه ، بل ولا يسقط لو باعها لمسلم أيضاً ؛ فيبطل البيع في مقدار الخمس ، ويتخير المشتري مع الجهل لتبعّض الصفقة.

وكذلك لا يسقط بإقالة المسلم له في البيع ، فيستردّ الذمّي من الثمن ما قابل غير خمس الأرض ، فهي في الحقيقة أقاله في بعض المبيع ؛ لخروج الخمس عن ملكه قسراً وإن لم يسلّمه إلى المستحقّ بعد ، ولا يعود إلى البائع بالإقالة.

ولا فرق في ذلك بين ما لو قاطعه على المنفعة أم لا.

وأمّا على الاحتمال الضعيف المتقدّم فيصحّ الترادّ في الكلّ ، لكن على الذمّي أرش عين الخمس ، وصيرورتها معيّنة بسبب تعلّق وجوب خمس المنفعة ، ويتعلّق حينئذٍ بالبائع لتبعيته للعين.

وربما احتمل سقوطه هنا ؛ لأنّ الإقالة فسخ للبيع ، فكأنّ البيع لم يقع من المسلم أصلاً.

٣٣٦

ويضعف بأنّ الفسخ إنّما هو من حين الإقالة ، لأمن حين العقد.

ولا فرق بين أن تكون الأرض مما يتعلّق بها الخمس كالمفتوحة عنوةً أو لا ؛ لإطلاق النّص والفتوى.

ويتصوّر ذلك بأن نقول بجواز بيعها تبعاً للآثار كما هو التحقيق ، أو يكون المبيع هو حصّة الخمس من تلك الأراضي ، أو بأن يبيعها الحاكم لأجل مصالح العسكر مثلاً ، لإطلاق النصّ والفتوى.

السابع : إذا اختلط الحلال بالحرام ، ولم يتميّز مقدار أحدهما من الأخر ولا مستحقّه فالمشهور بين الأصحاب ، سيّما المتأخّرين وجوب إخراج الخمس (١).

ونسبه في المنتهي إلى أكثر علمائنا (٢) ، وفي المعتبر إلى كثيرٍ من علمائنا (٣) ، وفي المختلف إلى الشيخ (٤) وأبي الصلاح (٥) ، وابن إدريس (٦) ، قال : ولم يذكره ابن الجنيد ، ولا ابن أبي عقيل ، ولا المفيد (٧).

أقول : وروى المفيد في باب الزيادات ، عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل اكتسب مالاً من حلال وحرام ، ثمّ أراد التوبة عن ذلك ، ولم يتميّز له الحلال بعينه من الحرام ، فقال : «يخرج منه الخمس وقد طاب ، إنّ الله تعالى طهّر الأموال بالخمس» (٨) وظاهره العمل عليه ، وعن ابن زهرة دعوى الإجماع عليه (٩).

__________________

(١) كابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٤٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٣٣٧ ، والشهيدين في البيان : ٣٤٦ ، والمسالك ١ : ٤٦٧.

(٢) المنتهي ١ : ٥٤٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٢٤.

(٤) النهاية : ١٩٧ ، المبسوط ١ : ٢٣٦ ، النهاية ونكتها ١ : ٤٨٨.

(٥) الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٦) السرائر ١ : ٤٨٧.

(٧) المختلف ٣ : ٣١٧.

(٨) المقنعة : ٢٨٣.

(٩) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٩.

٣٣٧

وتأمّل فيه جماعة من محقّقي المتأخرين ، كالمحقّق الأردبيلي (١) رحمه‌الله وصاحب المدارك (٢) ، وصاحب الكفاية (٣) ، وغيرهم (٤).

ويظهر من الشهيد في البيان التوقّف في كون ذلك هو الخمس المصطلح (٥) ، وسيجي‌ء كلامه.

قال في المدارك بعد القدح في الروايتين الآتيتين من حيث السند وعدم ذكر المصرف فيه : إنّ المطابق للأُصول وجوب عزل ما يتيقّن انتفاؤه عنه والتفحّص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به ، فيتصدّق به على الفقراء ، كما في غيره من الأموال المجهولة المالك.

وقد وردت بالتصدّق بما هذا شأنه روايات كثيرة (٦) مؤيّدةً بالإطلاقات المعلومة وبالاعتبارات العقليّة ، فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله تعالى (٧) ، انتهى.

حجّة المشهور : ما رواه الشيخ ، عن الحسن بن زياد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه ، فقال له : أخرج الخمس من ذلك المال ، فإنّ الله عزوجل قد رضي من المال بالخمس ، واجتنِب ما كان صاحبه يُعلم» (٨).

وما رواه في الكافي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : إنّي اكتسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً ، وقد أردت التوبة ، ولا أدري الحلال منه من الحرام ، وقد اختلط عليّ ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٣٢٠.

(٢) المدارك ٥ : ٣٨٧.

(٣) الكفاية : ٤٣.

(٤) كالكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٢٢٧.

(٥) البيان : ٣٤٧ ، وسيجي‌ء كلامه في ص ٣٤١.

(٦) المدارك ٥ : ٣٨٨.

(٧) الوسائل ٦ : ٣٥٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٤.

(٨) التهذيب ٤ : ١٢٤ ح ٣٥٨ وص ١٣٨ ح ٣٩٠ ، الوسائل ٦ : ٣٥٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ١.

٣٣٨

تصدّق بخمس مالك ، فإنّ الله قد رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك حلال» (١).

وروى الصدوق في الفقيه مرسلاً قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين أصبت مالاً أغمضت فيه ، أفلي توبة؟ قال : «ايتني بخمسه» فأتاه بخمسه فقال : «هو لك ، إنّ الرجل إذا تاب ، تاب ماله معه» (٢).

ولا ينبغي القدح في سندها مع ورودها في الأُصول المعتمدة ، سيّما الكافي والفقيه ، وعمل كثير من الأصحاب ، بل أكثرهم (٣) ، مع الإجماع المنقول (٤) ، وسنذكر الخبر الصحيح أيضاً (٥) وإن لم يذكروه في مقام الاستدلال.

لكن الإشكال إنّما هو في دلالة الروايات المذكورة ، وأنّ المراد بها هل هو الخمس المصطلح ، أو المعنى اللغوي ، فيمكن القدح بأنّ الأظهر وإن كان ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، لكن ثبوتها حتّى في زمان أمير المؤمنين عليه‌السلام في محلّ المنع.

سلّمنا ، لكن الخمس ليس من باب سائر الألفاظ مثل الصلاة والصوم والزكاة ، فإنّ هذا اللفظ اسم مرتبة من مراتب الكسور ، وهو باقٍ على حقيقته جزماً في العرف واللغة والشرع ، فغاية الأمر ثبوت الاشتراك اللفظي ، فيرجع في تعيين المراد إلى القرينة.

ولا ريب أنّ التصدّق في الرواية الثانية قرينة على إرادة الوضع اللغوي ، سيّما على ما هو المشهور بينهم من حُرمة مطلق الصدقات الواجبة على بني هاشم (٦) ، وإن كان الأقوى خلافه.

وإطلاق الصدقة على الخمس أحياناً لا يقتضي كونها حقيقة فيه ؛ لأنّ الاستعمال

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٥ ح ٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢ ح ٨٣ ، الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٣.

(٣) كالعلامة في المنتهي ١ : ٥٤٨ ، والتذكرة ٥ : ٤٢٢ ، والتحرير ١ : ٧٤ ، والشهيدين في الدروس ١ : ٢٥٩ ، والمسالك ١ : ٤٦٧ ، والروضة البهيّة ٢ : ٦٧ ، والطباطبائي في الرياض ٥ : ٢٤٧.

(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٩.

(٥) سيأتي في ص ٣٤١.

(٦) كالشيخ في الخلاف ٢ : ٢٢٧ مسألة ٥ ، والسيّد في الانتصار : ٨٤ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ١٥١ ، والعلّامة في المنتهي ١ : ٥٢٤ ، والإرشاد ١ : ٢٨٧ ، والسيّد في المدارك ٥ : ٢٥٠.

٣٣٩

أعمّ ، مع أنّ ظهور كون الصدقة والتصدّق حقيقة في غير الخمس ليس بأقلّ من دعوى الحقيقة الشرعيّة في الخمس ، بل هو أظهر.

فإن قلت : إنّ الأمر بإخراج الخمس بدون ذكر المصرف ولا ذكر لفظ يدلّ على المصرف كالتصدّق في الحديث الثاني أيضاً قرينة على إرادة الخمس المصطلح المعهود.

قلت : إن أردت من المعهود هو المذكور في الآية المنقسم على الأقسام الستّة ، فيلزم منه دخول الميراث في الغنائم ، والمال المختلط قد يكون ميراثاً وهم قد أخرجوه ، مع أنّهم قد يستشكلون في المصرف في غير ذلك أيضاً كالأرباح ، فإنّ بعضهم يخصّونه بالإمام مع أنّه خمس عندهم ، فإن كان هؤلاء يحملون الخمس الوارد في الأخبار في باب الأرباح على ما هو المذكور في الآية فما وجه الإشكال؟ وإن كانوا يحملونه على الأعمّ كما يستفاد من بعض الأخبار الدالة على حكم الأرباح ، فيمكن أن يكون هذا الخمس أيضاً مصرفه غير ما هو المذكور في الآية وفي تلك الأخبار ، وهو غير معلوم لنا.

سلّمنا ، ظهور ما في الرواية الاولى في الخمس المصطلح ، لكن ظهور الرواية الأُخرى يدفعه وتغلب عليها أو تتساقطان.

فالأصل وكلّ ما دلّ على أنّ مجهول المالك يتصدّق به على الفقراء يرجّح الحمل على المعنى اللغوي ، فالأصل أنّ إخراج الخمس واجب ، لكن لا يتعيّن إيصاله إلى مصرف خمس الغنائم ، بل يجوز دفعه إلى مطلق الفقراء.

ولكن الأحوط أن يصرف إلى فقراء بني هاشم ، فإنّه إن كان من باب مجهول المالك فالأظهر جواز صرفه إليهم ، لما مرّ في كتاب الزكاة (١) من عدم ثبوت الدليل على حرمة غير الزكاة والفطرة الواجبتين على بني هاشم ، سواء كانت واجبة أو مستحبة ، زكاةً كانت أو غيرها.

وإن كان من باب الخمس فقد وصل إلى مصرفه ، فإنّ حصة الإمام عليه‌السلام يجوز

__________________

(١) تقدّم في ص ١٧٧.

٣٤٠