غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

حرّ أو عبد ، فطيم أو رضيع ، يدفعه وزناً ستة أرطال من رطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهماً ، تكون الفطرة ألفاً ومائة وسبعين درهماً» (١).

ولمّا كان ظاهر هذه الرواية تعيين الأجناس المذكورة لأهل كلّ قطر ، وهو خلاف الإجماع ظاهراً ، فحملها على الاستحباب.

أقول : ومن البعيد غاية البعد أفضليّة الذرة من التمر ، أو غير ذلك ممّا تضمّنته الرواية ، بل المراد والله يعلم إمّا بيان عدم وجوب تحصيل الأرفع قيمةً ، وإجزاء ما كان قوتاً لهم ، أو استحباب عدم العدول إلى الأدون مع كون القوت هو الأعلى ، أو هو لبيان نفس القوت الغالب بعنوان التمثيل ، وإن لم تحصل الإحاطة عليه بالخصوص في جميع الأفراد.

وقد يتوهّم أنّ من المشاهد عدم اعتياد قوت بعض البلاد فيما ذكر في الرواية وإن وجد فيه.

وفيه : أنّ المعتبر زمان صدور الرواية ، فلعلّه في ذلك الوقت لم يكن في أوساط الشام مثلاً إلا الزبيب ، أو كان قوتهم الغالب مركّباً منه ومن غيره ، فيصدق عليه أيضاً أنّه الغالب بالنسبة إلى الغير ، وهكذا.

الثالث : لا يتعيّن إعطاء العين ، بل يجوز إخراج القيمة أيضاً بلا خلاف ظاهر ، وادّعى عليه الإجماع غير واحد (٢) ، والظاهر عدم الفرق بين الواجد والفاقد كما نصّ عليه غير واحد (٣).

ويدلّ على المسألة بعد الإجماع أخبار كثيرة ، مثل موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بالقيمة في الفطرة» (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٩ ح ٢٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ ح ١٤٠ ، الوسائل ٦ : ٢٣٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ٣.

(٢) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٥٠ مسألة ١٨٨ ، والعلّامة في التذكرة ٥ : ٣٨٦ ، والعاملي في المدارك ٥ : ٣٣٦.

(٣) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٦٠٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٨٦ ح ٢٥٢ ، الاستبصار ٢ : ٥٠ ح ١٦٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٩.

٢٦١

وموثّقته الأُخرى قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جُعلت فداك ، ما تقول في الفطرة ، يجوز أن أُؤدّيها فضّة بقيمة هذه الأشياء الّتي سمّيتها؟ قال : «نعم ، إنّ ذلك أنفع له ، يشتري ما يريد» (١).

وإطلاق الأوّل وتعليل الثاني يقتضي جواز أداء القيمة من النقدين وغيرهما من الأمتعة والحبوب.

ولا ينافي ذلك الأخبار الكثيرة الصحيحة وغير الصحيحة التي ذكر فيها الدرهم والفضّة ، مثل صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع (٢) ، وصحيحة أيّوب بن نوح (٣) وغيرها ، فإنّ الدرهم إمّا في سؤال السائل ، أو مذكور بعنوان المثال ، أو محمول على الغالب ، فتوهّم الاقتصار على الدراهم مع أنّا لم نقف على مصرّح به من الأصحاب ضعيف.

نعم يمكن الإشكال بأنّ القيمة تنصرف إلى النقدين كما يظهر من المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله (٤).

ويدفعه : أنّ الأخبار مع كثرتها قد اقتصر فيها على ذكر الدرهم أو الفضّة ، مع أنّ الفلوس أيضاً ممّا تصدق عليها القيمة غالباً ، ولكنّ الظاهر أنّه لا خلاف بينهم في كفاية النقدين.

وكيف كان فالأظهر التعميم في القيمة كما هو ظاهر الأكثر.

ثمّ إن قلنا بتعميم القيمة فهل يجزي نصف صاع من أحد الأجناس قيمة عن صاع أدون منه؟ فيه قولان ، اختار الجواز في المختلف (٥) ، والتذكرة (٦) ، وأنكره الشهيد في

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٨٦ ح ٢٥١ ، الاستبصار ٢ : ٥٠ ح ١٦٦ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٩١ ح ٢٦٦ ، الوسائل ٦ : ٢٣٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٤ ح ٢٤ ، التهذيب ٤ : ٩١ ح ٢٦٥ ، الوسائل ٦ : ٢٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٣.

(٤) مجمع الفائدة ٤ : ٢٥٩ ، قال : ثمّ الظاهر الاقتصار في القيمة على النقد.

(٥) المختلف ٣ : ٢٩٣.

(٦) التذكرة ٥ : ٣٩٠ مسألة ٢٩٥.

٢٦٢

البيان (١) ، وتبعه في المدارك (٢) ، والأحوط الثاني.

والمشهور أنّه لا تحديد في القيمة ، بل يرجع إلى قيمة السوق ، ونقل المحقّق قولاً بتقديره بدرهم ، وآخر بتقديره بأربعة دوانيق (٣) ، وذكر جماعة أنّ القولين مجهولا القائل (٤).

ولعلّ مستندهما هو ما رواه المفيد في المقنعة مرسلاً ، قال : وسُئل يعني الصادق عليه‌السلام عن مقدار القيمة ، فقال : «درهم في الغلاء والرخص» وروى : أنّ أقلّ القيمة في الرخص ثلثا درهم ، ثمّ قال : وذلك متعلق بقيمة الصاع في وقت المسألة عنه ، والأصل إخراج القيمة عنهما بسعر الوقت الذي تجب فيه (٥).

وكيف كان ، فالمتعيّن هو الرجوع إلى القيمة السوقيّة ؛ لإطلاق الأخبار الكثيرة (٦) ، والعمل المقارب للإجماع ، بل قال في المختلف : لا خلاف في جواز إخراج القيمة بسعر الوقت (٧).

الرابع : مقدار الفطرة صاع من جميع الأقوات ؛ للأخبار الصحيحة المستفيضة جدّاً وغيرها (٨).

وما ورد في بعض الأخبار الصحيحة وغيرها من إجزاء نصف صاع من حنطة (٩) محمول على التقيّة كما ذكره الشيخ (١٠) وغيره (١١) ، وقال : إنّها من بدع عثمان

__________________

(١) البيان : ٣٣٧.

(٢) المدارك ٥ : ٣٤١.

(٣) الشرائع ١ : ١٦٠ ، المعتبر ٢ : ٦٠٩.

(٤) كما في المسالك ١ : ٤٥١ ، والمدارك ٥ : ٣٤٣.

(٥) المقنعة : ٢٥١.

(٦) الوسائل ٦ : ٢٣٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٩.

(٧) المختلف ٣ : ٢٩٠.

(٨) الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ، ٦.

(٩) الوسائل ٦ : ٢٣٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٦.

(١٠) التهذيب ٤ : ٨٢ ، الإستبصار ٢ : ٤٨.

(١١) كالعلامة في المنتهي ١ : ٥٣٧.

٢٦٣

ومعاوية ، فتابعهم الناس ، وخرجت تلك الأخبار وفاقاً لهم ، وصرّح بذلك في طائفة من الأخبار.

وربّما تحمل على التقيّة كما يظهر من التذكرة (١).

وقد مضى في باب الزكاة مقدار الصاع ، وأنّه أربعة أمداد وتسعة أرطال بالعراقي ، وستّة بالمدني.

واختلفوا في خصوص اللبن ، فالمشهور فيه أيضاً أنّه صاع ، تسعة أرطال بالعراقي ، وقال الشيخ في النهاية : إنّه أربعة أرطال (٢) ، وفي المبسوط قيّدها بالمدني (٣) ، وكذلك في كتابي الأخبار (٤) ، وضمّ إليه الأقط أيضاً ، وتبع الشيخ أيضاً غيره في التفسير بالمدني.

والأقوى الأوّل ؛ للعمومات ، والخصوصات الكثيرة.

ويدلّ على الثاني رواية القاسم بن الحسن رفعها ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سُئل عن رجل في البادية لا يمكنه الفطرة ، قال : «يتصدّق بأربعة أرطال من لبن» (٥).

واحتجّوا على تفسيره بالمدنيّ بصحيحة محمّد بن الرّيّان ، قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة وزكاتها كم تُؤدّى؟ فكتب : «أربعة أرطال بالمدنيّ» (٦).

والرواية الأُولى ضعيفة ، وظاهر الثانية متروك ، وحملها الشيخ على تصحيف الأمداد بالأرطال ، أو على تخصيصها باللبن والأقط للخبر السابق (٧).

ثمّ قد مرّ الكلام في جواز إخراج صاع من جنسين ، والأظهر عدم الإجزاء إلا على

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٣٨٨ مسألة ٢٩٣.

(٢) النهاية : ١٩١.

(٣) المبسوط ١ : ٢٤١.

(٤) التهذيب ٤ : ٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٤٩.

(٥) التهذيب ٤ : ٨٤ ح ٢٤٥ ، الاستبصار ٢ : ٥٠ ح ١٦٥ ، الوسائل ٦ : ٢٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٣.

(٦) التهذيب ٤ : ٨٤ ح ٢٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ ح ١٦٤ ، الوسائل ٦ : ٢٣٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٨٤.

٢٦٤

وجه القيمة لو جوّزناه ؛ لظاهر الأخبار ، بل بعضها كالصريح ؛ (١).

وأجازه العلامة ؛ (٢) على الأصل ؛ لوجوه اعتباريّة لا تعارض بها ظواهر الأخبار.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٨٦ ح ٢٥١ ، الاستبصار ٢ : ٥٠ ح ١٦٦ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٦.

(٢) المختلف ٣ : ٢٩٤.

٢٦٥

المقصد الرابع

في وقت الإخراج وكيفيّته

وفيه مباحث :

الأوّل : الأقرب أنّه تجب الفطرة بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان ، وفاقاً للشيخ في الجمل والاقتصاد (١) ، بل جميع كتبه على ما يظهر من المختلف (٢) ، وابن حمزة (٣) ، وابن إدريس (٤) ، وأكثر المتأخّرين ؛ لصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود ولد ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ قال : «لا ، قد خرج الشهر» ، وسألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ قال : «لا» (٥).

ورواه الصدوق بسنده ، عن عليّ بن حمزة ، عن معاوية بن عمّار بأدنى تفاوت ، وزاد في آخره : «وليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر» (٦) ، فإنّ مفهومها وجوب الفطرة عليهم وعنهم بمحض انتقالهم متلبّساً بالولادة والإسلام من الشهر ، ولا ينتظر بهم

__________________

(١) الجمل والعقود : ٢٩٢ ، الاقتصاد : ٢٨٤.

(٢) المختلف ٣ : ٣٩٦.

(٣) الوسيلة : ١٣١.

(٤) السرائر ١ : ٤٦٩.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٢ ح ١٩٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٢.

(٦) الفقيه ٢ : ١١٦ ح ٥٠٠ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ١.

٢٦٦

طلوع الفجر.

ويؤيّده كونها مُتمّمة للصوم ، ومُشبّهة بالصلاة على النبيّ في التشهّد ، وكونها مضافة إلى الإفطار ؛ إذ هو الإفطار ، وهو الذي لا يتعقّبه صوم ، وهذه تقتضي الاتصال بالصوم.

وعن ابن الجنيد (١) والمفيد في المقنعة (٢) والرسالة العزيّة (٣) والسيّد (٤) وأبي الصلاح (٥) وسلار (٦) وابن البراج (٧) وابن زهرة (٨) ، أنّها تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر.

واختاره في المدارك (٩) ؛ تمسّكاً بأنّ الوجوب في هذا الوقت متحقّق ، وقبله مشكوك فيه ، فيقتصر على المتيقّن.

وبصحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال : «قبل الصلاة يوم الفطر» قلت : فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ قال : «لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ، ثمّ يبقى فنقسمه» (١٠).

ورواية إبراهيم بن ميمون قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الفطرة إن أعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة ، وإن كانت بعد ما تخرج إلى العيد فهي صدقة» (١١).

أقول : الذي هو متحقّق هو القدر المشترك من بقاء الوجوب وتعلّق الوجوب ،

__________________

(١) نقله عنه المحقّق في المعتبر ٢ : ٦١١.

(٢) المقنعة : ٢٤٩.

(٣) نقله عنه العلامة في المختلف ٣ : ٢٩٥.

(٤) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٨٠.

(٥) الكافي في الفقه : ١٦٩.

(٦) المراسم : ١٣٤.

(٧) المهذّب ١ : ١٧٦.

(٨) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٠٧.

(٩) المدارك ٥ : ٣٤٤.

(١٠) التهذيب ٤ : ٧٥ ح ٢١٢ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ ح ١٤١ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٥.

(١١) الكافي ٤ : ١٧١ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٧٦ ح ٢١٤ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ ح ١٤٣ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٢.

٢٦٧

لأنفس التعلّق ، إلا أن يكون مراده استصحاب عدم الوجوب ، فنقول : إنّه مدفوع ؛ لظاهر الرواية المتقدّمة.

وأمّا صحيحة العيص فالظاهر منها بيان زمان الدفع ؛ لا تعلّق الوجوب.

وبعبارة أُخرى : بيان آخر الوقت ، لا أوّله ، أو بيان الأفضل ؛ لعدم منافاته لتوسعة وقته من أوّل الليل ؛ إذ كثيراً ما يستحبّ تأخير الموسّع عن وقت الفضيلة ، فضلاً عن غيره ، كما قدّمناه في أوقات الصلاة ، هذا مع أنّ الرواية معلّلة.

وربّما يوجّه : بأنّ المراد من العيال مَن ضمّه عليه‌السلام إلى عياله من الفقراء ، وربّما يُوجّه بإرادة صورة العزل.

وأمّا الرواية الأُخرى فضعيفة ، ولا دلالة فيها على المطلوب ، إذ المراد منها وأمثالها عدم جواز التأخير عن الصلاة ، أو عن الزوال ، لا أنّ أوّل وقت الوجوب ما قبل الصلاة في نهار الفطر.

وبملاحظة هذه الرواية ونظائرها يظهر ضعف دلالة الصحيحة أيضاً.

ثمّ إنّ المشهور عدم جواز تقديمها على وقت الوجوب ؛ للأصل والأخبار الصحيحة المتقدّمة في الزكاة الماليّة المتضمّنة ، لعدم جواز تقديم الفرض على وقته.

وذهب جماعة من الأصحاب إلى جوازه (١) ؛ لصحيحة الفضلاء عن الصادقين» ، أنّهما قالا : «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ وعبد وصغير وكبير ، يعطي يوم الفطر ؛ فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان» (٢) الحديث.

وموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن تعجيل الفطرة بيوم ، فقال : «لا بأس به» (٣) الحديث.

__________________

(١) كالشيخ في النهاية : ١٩١ ، والمبسوط ١ : ٢٤٢ ، والخلاف ١ : ٣٧٢ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٦١٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٦ ح ٢١٥ ، الاستبصار ٢ : ٤٥ ح ١٤٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ١٧١ ح ٦ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٣.

٢٦٨

وهما محمولتان على القرض ، إذ لا ريب في استحباب القرض ؛ والاحتساب به حين دخول الوقت مع بقاء المستحقّ على صفة الاستحقاق ؛ للأخبار المتقدّمة في الزكاة.

مع أنّ الصحيحة مشتملة على ما لا يقول به الأصحاب من كفاية نصف صاع من برّ ، وما لا يقول به مسلم من كفاية نصف صاع من شعير.

وكيف كان ، فلو أعطاها بقصد الفطرة أيضاً فهو مراعى ببقائه على صفة الاستحقاق كما مرّ في الماليّة.

الثاني : اختلفوا في نهاية وقتها ، فالأكثر على أنّه صلاة العيد ، بل ظاهر العلامة في التذكرة (١) ، وصريحه في المنتهي (٢) الإجماع على أنّه يأثم بالتأخير عنها.

وذهب ابن الجنيد إلى أنّه زوال الشمس (٣) ، واختاره في المختلف ، وقال : لو أخّرها عن الزوال لغير عذر أثم بالإجماع (٤).

وذهب في المنتهي بعد ما ادّعى الإجماع المذكور بقليل إلى جواز التأخير عن الصلاة ، وحرمته عن يوم العيد (٥).

لنا : رواية إبراهيم بن ميمون المتقدّمة (٦) ، ويؤدّي مؤدّاها ما رواه في الإقبال (٧) ، وبمضمونها روى العامّة أيضاً عنهُ (٨).

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٣٩٥.

(٢) المنتهي ١ : ٥٤١.

(٣) نقله عنه العلامة في المختلف ٣ : ٢٩٨.

(٤) المختلف ٣ : ٢٩٨.

(٥) المنتهي ١ : ٥٤١.

(٦) الكافي ٤ : ١٧١ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٧٦ ح ٢١٤ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ ح ١٤٣ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٢.

(٧) الإقبال : ٢٧٤.

(٨) سنن أبي داود ٢ : ١١١ ح ١٦٠٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٥ ح ١٨٢٧ ، مستدرك الحاكم ١ : ٤٠٩.

٢٦٩

وموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة ، قال : «إذا عزلتها فلا يضرّك متى ما أعطيتها ؛ قبل الصلاة ، أو بعد الصلاة» (١).

ورواية سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه ، فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة» (٢) الحديث.

ورواية أبي بكر الحضرميّ ، عن الصادق عليه‌السلام : في قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى) قال : «تروح إلى جبانة فتصلّي» (٣).

وفي الفقيه مرسلاً ، إلا أنّه قال : «قد أفلح من أخرج الفطرة» وذكر بقيّة الحديث (٤) ، وصحيحة عبد الله بن سنان الاتية (٥).

وحجّة القول الثاني : أنّ وجوبها قبل الصلاة يقتضي امتدادها بامتداد وقتها وهو الزوال ، ولا يخفى ضعفه.

وحجّة المنتهي : صحيحة العيص المتقدّمة (٦).

ويدفعها : أنّ الظاهر منها صورة العزل.

وصحيحة الفضلاء المتقدّمة (٧).

ويدفعها مضافاً إلى ما مرّ من اشتمالها على مخالفة الإجماع أنّ الظاهر منها بيان أفضليّة يوم الفطر من التقديم ، فلا التفات فيها إلى إطلاق اليوم وتقييده ، مع أنّ المروي في الاستبصار هو يوم الفطر قبل الصلاة (٨) ، ونقلها في المسالك أيضاً كذلك (٩) ، فالرواية

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٧ ح ٢١٨ ، الاستبصار ٢ : ٤٥ ح ١٤٦ ، الوسائل ٦ : ٢٤٨ أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٨٧ ح ٢٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٥٠ ح ١٦٩ ، وفي الوسائل ٦ : ٢٤٧ أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ١ سليمان بن حفص المروزي ، وهو الأصحّ.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٦ ح ٢١٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ ح ١٤٢ ، الوسائل ٦ : ٢٤٧ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٦.

(٤) الفقيه ١ : ٣٢٣ ح ١٤٧٨.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٠ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٧١ ح ١٩٣ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ١.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٥ ح ٢١٢ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ ح ١٤١ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٧٦ ح ٢١٥ ، الاستبصار ٢ : ٤٥ ح ١٤٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٤.

(٨) الاستبصار ٢ : ٤٥ ح ١٤٧.

(٩) المسالك ١ : ٤٥٢.

٢٧٠

مضطربة ، والأرجح أنّ السهو حصل في التهذيب بالسقط.

وكيف كان ؛ فلا ريب أنّ إخراجها في النهار قريباً من الصلاة أفضل ؛ لظاهر اتّفاقهم ، وخصوص صحيحة الفضلاء المتقدّمة ، وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال فيها : «وإعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل ، وبعد الصلاة صدقة» (١).

ثمّ إنّ مقتضى رواية إبراهيم بن ميمون وما في معناها سقوط الفطرة بخروج وقت الفطرة أداءً وقضاءً ، سيّما والقضاء إنّما يثبت بفرض جديد على الأصحّ ، وهو مذهب جماعة من الأصحاب ، منهم ابن زهرة مدّعياً عليه الإجماع (٢).

وذهب جماعة منهم إلى كونه قضاءً بعد خروج وقتها ووجوبها عليه بعده (٣) ؛ لعدم الخروج عن عهدة التكليف ، وخروج الوقت لا يسقط الحقّ ، كالدين والزكاة وغيرهما.

ولصحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام : في رجل أخرج فطرته فعزلها حتّى يجد لها أهلاً ، فقال : «إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ ، وإلا فهو ضامن لها حتّى يؤدّيها إلى أربابها» (٤).

بتقريب أنّ المراد : إذا أخرج الزكاة عن ضمانه ، وإن يعزلها فهو ضامن لها حتّى يؤدّيها ، وإن خرج وقتها.

والكلّ ضعيف ؛ لأنّ عدم الخروج عن عهدة التكليف ، وإن كان بسبب التقصير ، لا يوجب القضاء في الموقّت لما قلنا ، وذلك ليس من باب الدين ونظائره ؛ لأنّها غير موقّتة.

والصحيحة متشابهة الدلالة ، والأظهر من سياقها أنّ بعد العزل إن أخرجها فقد برئ ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٠ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٧١ ح ٩٣ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ١.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٩ ، المهذّب ١ : ١٧٦.

(٣) كالشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٣٧٢ ، والاقتصاد : ٢٨٥ ، والعلامة في التذكرة ٥ : ٣٩٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٧ ح ٢١٩ ، الوسائل ٦ : ٢٤٨ أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ٢.

٢٧١

وإن لم يخرجها فهو ضامن حتّى يؤدّيها ، لا أنّه ضامن ولو تلفت من دون تقصير ، لأنّها حينئذٍ أمانة في يده.

وهناك قول آخر لابن إدريس ، وهو كونها أداءً أبداً (١) ، وهو ناظر إلى أنّ وجوبها كوجوب صلاة الزلزلة لأحدّ لآخر وقتها ، ويظهر ضعفه ممّا مرّ.

والأحوط أنّه إذا صلّى صلاة العيد ولم يعطها أخرجها تقرّباً إلى الله إلى الفقير ، وقصد أنّه إن كان فطرة أداءً فأداء ، أو قضاءً فقضاء ، وإن لم يكن شيئاً منهما فصدقة مستحبّة.

الثالث : ظاهر كلماتهم ومقتضى ما قدّمناه في الزكاة جواز العزل مع وجود المستحقّ وعدمه

وتدلّ عليه موثّقة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الفطرة إذا عزلتها وأنت تطلب بها الموضع ، أو تنتظر رجلاً فلا بأس به» (٢).

وهل يجب العزل مع عدم وجود المستحقّ ، أو عدم التمكّن منه؟ ظاهر المعتبر الإجماع على عدم الوجوب ، فإنّه قال فيه : فإن أخّرها عن صلاة العيد أثم.

ثمّ قال : ولا يأثم لو أخّر لعذر أو عدم المستحقّ إجماعاً ، فإن كان عزلها أخرجها مع الإمكان ، وإن لم يكن عزلها ، قال الشيخان : يكون قضاءً (٣) ، إلى آخر ما ذكره.

فعلى هذا تحمل خصوص رواية سليمان بن جعفر المروزي المتقدّمة على الاستحباب ، ولا ريب فيه.

وبعد العزل يجب إخراجها أداءً وإن تأخّر الإخراج بكثير ، وتدلّ عليه موثّقة إسحاق بن عمّار ، وصحيحة زرارة المتقدّمتان.

وتوهّم أنّ توقيت الفطرة ينافي ذلك ، يندفع بأنّ هذه الأخبار توقيت آخر لصورة

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٦٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٧ ح ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ٤٥ ح ١٤٥ ، الوسائل ٦ : ٢٤٨ أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٦١٣.

٢٧٢

العزل ، والأمر فيه سهل.

ثمّ إذا عزلها فالظاهر عدم وجوب فوريّة الأداء ، كما هو ظاهر الأخبار (١) ، لكن لا يؤخّرها على وجه التهاون والتكاسل.

ثمَّ إن تلفت قبل الإيصال ، فإن كان التأخير مع إمكان الدفع فيضمن ، وإلا فلا.

ويشكل فيما لو كان التأخير من جهة طلب الأفضل أو التعميم ، ومقتضى كلام المعتبر عدم الضمان حيث قال : ثمّ إن وجد مستحقّاً ولم يدفعها مع زوال العذر ضمن ؛ لتفريطه في التسليم ، ومع العذر لا يضمن لو تلفت ؛ خلافاً لأحمد (٢).

إلا أن يقال : مراده بالعذر عدم التمكّن لا مطلق العذر.

وكلام التذكرة يشمل ما ذكرنا حيث قال : فإن عزلها ولم يخرجها مع القدرة ضمن ، وإن لم يتمكّن ؛ فلا ضمان ، وقال أحمد : يضمنها مطلقاً (٣) ، ومثله عبارة الشرائع (٤) ، وهو مقتضى كلماتهم في الزكاة الماليّة.

وقال في المدارك : الوجه في ذلك أنّ الزكاة بعد العزل تصير أمانةً في يد المالك ، فلا يضمنها إلا بالتعدّي أو التفريط المتحقّق بتأخير الدفع إلى المستحقّ مع القدرة عليه ؛ لأنّ المستحقّ مُطالِب بشاهد الحال ، فيجب التعجيل مع التمكّن منه (٥).

وفيه : أنّ ذلك إنّما يتمّ على القول بوجوب الفور وعدم جواز التأخير لطلب الأفضل ونحوه ، وهو مع أنّه خلاف مختاره في الماليّة غير واضح الدليل.

ثمّ إنّ المراد بالعزل تعيينها في مال خاصّ بقدرها في وقتها بالنيّة كما مرّ.

قال في المسالك : وفي تحقّق العزل مع زيادته عنها احتمال ، ويضعف بتحقّق الشركة ، وأنّ ذلك يوجب جواز عزلها في جميع ماله ، وهو غير المعروف من العزل ،

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤٧ أبواب زكاة الفطرة ب ١٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٦١٤.

(٣) التذكرة ٥ : ٣٩٧.

(٤) الشرائع ١ : ١٦١.

(٥) المدارك ٥ : ٣٥١.

٢٧٣

ولو عزل أقلّ منها اختصّ الحكم به (١) ، انتهى. وهو جيّد.

والكلام في عدم جواز النقل إلى بلد آخر مع وجود المستحقّ وجوازه بدونه والضمان وعدمه كما مرّ في الماليّة.

وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ الأفضل صرف الفطرة في بلد المالك ، ولو عيّنها في غير بلده فيجوز ، ولا يجوز نقلها منه إلى بلده مع وجود المستحقّ ، ويضمن تلفها ، وتدلّ على منع النقل رواية فضيل (٢) وصحيحة عليّ بن بلال (٣).

الرابع : تعتبر فيها النيّة كالماليّة ؛ لعين ما ذكرنا في الماليّة.

والكلام في جواز إخراجها بنفسه وبوكيله والمباشر للنيّة ، مثل ما مرّ.

ويدلّ على جواز التوكيل مضافاً إلى الإجماع ظاهراً موثّقة معتّب (٤).

وكذلك الكلام في أنّ الأفضل نقلها إلى الإمام أو نائبه الخاصّ ، ومع تعذّرهما فإلى فقهاء الشيعة ؛ لأنّهم أبصر بمواقعها كما مرّ ، وتدلّ عليه رواية الفضيل أيضاً (٥).

وقال في المنتهي : يجوز للمالك تفريقها بنفسه بغير خلاف بين العلماء كافّة (٦).

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٥٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٨٨ ح ٢٦٠ ، الاستبصار ٢ : ٥١ ح ١٧٣ ، الوسائل ٦ : ٢٥٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٣ ، وفيها : ولا تنقل من أرض إلى أرض.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٨ ح ٢٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٥١ ح ٧١ ، الوسائل ٦ : ٢٥١ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٤ ، وفيها : كتبت إليه : هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة ورجل من إخوانه في بلدة اخرى يحتاج أن يوجّه له فطرة أم لا؟ فكتب : تقسّم الفطرة على من حضرها ، ولا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى وإن لم يجد موافقاً.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٤ ح ٢١ ، الفقيه ٢ : ١١٨ ح ٥٠٨ ، الوسائل ٦ : ٢٢٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٥. معتب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال : اذهب فأعط عيالنا الفطرة ، وأعط عن الرقيق واجمعهم ولا تدع منهم أحداً ، فإنّك إن تركت منهم إنساناً تخوّفت عليه الفوت.

(٥) التهذيب ٤ : ٨٨ ح ٢٦٠ ، الاستبصار ٢ : ٥١ ح ١٧٣ ، الوسائل ٦ : ٢٥٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٣ ، وفيها : هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم ، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ، ولا تنقل من أرض إلى أرض ، وقال : والإمام أعلم يضعها حيث يشاء ، ويضع فيها ما يرى.

(٦) المنتهي ١ : ٥٤٢.

٢٧٤

المقصد الخامس

في مستحقّ الفطرة

وفيه مباحث :

الأوّل : المشهور أنّ مستحقّ الفطرة هو مستحقّ الزكاة ، بل الظاهر عدم الخلاف ؛ لقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) (١) إلى أخره.

وما يوجد في كلمات بعض فقهائنا من ترك العاملين والمؤلّفة ، فلعلّه مبنيّ على سقوط حقّهما في أمثال زماننا ، كما هو أحد القولين في الزكاة ، وقد تقدم الكلام فيه.

نعم اختلفوا في اشتراط الإيمان ، وقد مرّ أنّ الأقوى فيه أيضاً الاشتراط.

وأمّا الروايات الكثيرة الدالة على أنّ محلّها الفقراء والمساكين ومن لا يجد شيئاً فهي لا تنفي استحقاق سائر الأصناف ، ولا اشتراط سائر الشرائط كما لا يخفى على من تأمّلها.

ويُعطى أطفال المؤمنين ، وإن كان آباؤهم فسّاقاً.

الثاني : المشهور عدم جواز إعطاء الفقير أقلّ من صاع ، بل ادّعى السيّد عليه الإجماع

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

٢٧٥

في الانتصار (١).

وقال في المختلف : لم أجد لأحد من علمائنا السابقين قولاً بخلاف ذلك سوى قول شاذّ للشيخ في التهذيب أنّ ذلك على سبيل الاستحباب ، حيث تأوّل حديث إسحاق ابن المبارك فقال : المعنى أنّه إذا كان هناك جماعة محتاجون كان التفريق عليهم أفضل من إعطائه واحداً ، فأمّا إذا لم يكن هناك ضرورة فالأفضل إعطاء رأس لرأس (٢).

والمعتمد الأوّل.

لنا : أنّه قول فقهائنا ، ولم نقف لهم على مخالف ، فوجب المصير إليه ، وما رواه أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تعطِ أحداً أقلّ من رأس» (٣).

لا يقال : هذا الحديث مرسل فلا يعمل عليه.

لأنّا نقول : الحجّة في قول الفقهاء ، فإنّه يجري مجرى الإجماع ، وإذا تلقّت الأُمّة الخبر بالقبول لم يحتج إلى سند (٤) ، انتهى.

أقول : قال الصدوق أيضاً : وفي خبر آخر : «ولا يجوز أن يدفع ما يلزم واحد إلى نفسين» (٥) وحمل المرسلة في المعتبر أيضاً على الاستحباب لأجل الإرسال (٦) ، وتبعه بعض المتأخّرين أيضاً (٧).

والأقوى المشهور ؛ لما ذكرناه من الإجماع المنقول والرواية المنجبرة بالعمل.

وأمّا التقييد بما لو لم يجتمع جماعة لاتسع لهم كما ذكروه فلا بأس به ؛ لعدم اتفاق عملهم في هذه المادة ، بل المشهور التقييد.

__________________

(١) الانتصار : ٨٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٨٩ ذ. ح ٢٦٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٩ ح ٢٦١ ، الوسائل ٦ : ٢٥٢ أبواب زكاة الفطرة ب ١٦ ح ٢.

(٤) المختلف ٣ : ٣١١.

(٥) الفقيه ٢ : ١١٦ ح ٤٩٩.

(٦) المعتبر ٢ : ٦١٦.

(٧) كصاحب لمدارك ٥ : ٣٥٥.

٢٧٦

ويؤيّده أنّه تعميم للنفع ، وتخلّص عن إيذاء المؤمن ومواساته بينهم.

وأمّا رواية إسحاق بن المبارك عن أبي إبراهيم عليه‌السلام : حيث سأله عن صدقة الفطرة نعطيها رجلاً واحداً أو اثنين ، فقال : «تفرّقها أحبّ إليّ» (١) الحديث ، فليست بظاهرة في ذلك.

وأمّا جواز إعطاء الواحد أزيد من رأس فلا خلاف فيه ، وتدل عليه أخبار كثيرة (٢) ، بل يجوز إعطاء الواحد ما يغنيه ما لم تصل إليه كفاية سنته كما مرّ في الزكاة.

ولا يتفاوت الحال بين إعطائه دفعة أو دفعات ما لم يصل إلى الحدّ المذكور ، ولا بين أن يكون المعطي واحداً أو أكثر.

الثالث : يستحبّ تخصيص الأقارب بها ، ثمّ الجيران مع الاستحقاق ؛ لما رواه في الفقيه ، عن عليّ عليه‌السلام ، قال : «لا صدقة وذو رحم محتاج» (٣).

وما رواه في المقنعة عن قوله عليه‌السلام حيث سئل أيّ الصدقة أفضل؟ فقال : «على ذي الرحم الكاشح» (٤).

وفي موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : «هم يعني القرابة أفضل من غيرهم» (٥) ولكن الرواية ظاهرة في زكاة المال.

وروى الصدوق في الصحيح عن إسحاق بن عمّار أنّه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن الفطرة ، فقال : «الجيران أحقّ بها ، ولا بأس أن يعطي قيمة ذلك فضّة» (٦).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٨٩ ح ٢٦٢ ، الاستبصار ٢ : ٥٢ ح ١٧٥ ، الوسائل ٦ : ٢٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٩.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٥٢ أبواب زكاة الفطرة ب ١٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٣٨ ح ١٣ ، الوسائل ٦ : ٢٨٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٢٠ ح ٤.

(٤) المقنعة : ٢٦١ ، الوسائل ٦ : ١٧٠ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٥ ح ٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥١ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ح ١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ ح ١٠٠ ، الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٥ ح ٢.

(٦) الفقيه ٢ : ١١٧ ح ٥٠٦ ، التهذيب ٤ : ٧٨ ح ٢٢٤ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ١٠.

٢٧٧

ويستحبّ تقديم أهل الفضل في الدين والعلم ؛ لقويّة عبد الله بن عجلان السكوني قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّي ربما قسّمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به ، فكيف أُعطيهم؟ قال : «أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل» (١).

ولم أقف في الروايات على ما يدلّ على الترتيب في الفضل ، ولكن قوة دلالة الأدلّة وضعفها يقتضي الترتيب بتقديم الرحم ، ثمّ الجيران ، ثمّ الأفضل والأحوج ، وقد يتجامع فيلاحظ المجموع ، فذو الرحم الأفضل مقدّم على غيره وهكذا.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٠١ ح ٢٨٥ ، الوسائل ٦ : ١٨١ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٢٥ ح ٢.

٢٧٨

كتاب الخمس

وهو حقّ ماليّ ثبت لبني هاشم بالأصالة عوض الزكاة ،

ويدلّ على ثبوته الإجماع والكتاب (١) والسنة (٢).

وفيه مباحث :

__________________

(١) الأنفال : ٤١

(٢) الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب قسمة الخمس ب ١.

٢٧٩
٢٨٠