غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

ونقل في المعتبر عن جماعة اعتبار العشر الأواخر ، وعن آخرين آخر جزء من الشهر ، بحيث يهلّ الهلال وهو في ضيافته ، واختاره هو رحمه‌الله (١).

واكتفى في المسالك بنزوله عليه قبل دخول شوال وبقائه عنده إلى أن يدخل ، ويظهر منه أنّه لا يشترط فيه الأكل أيضاً (٢) ، فإن أراد عدم حصول الأكل قبل هلال شوال وإن استعدّ هو للأكل والمضيف للإطعام في ليلة العيد فليس ببعيد.

وإن أراد عدم مدخليّة الأكل أصلاً فهو بعيد ؛ لمنع صدق الضيف عليه.

فالأقوى صدق اسم الضيف عليه عرفاً ، وإدراك جزء من الشهر حتّى يصدق عليه أنّه ممّن ينفق عليه ويطعمه ، مع أنّ العول معناه الإنفاق ، والصحيحة الدالة على حكم الضيف معلّلة بأنّه ممّن يعول.

وفي رواية سلمة أبي حفص ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه أيضاً تفسير من يعول بمن ينفق عليه (٣).

والظاهر كفاية الأكل في اليوم الأخر إذا جاز شرعاً ، أو في ليلة العيد إذا أدرك آخر الشهر أيضاً.

أمّا لو نزل عليه ضيفاً في اليوم الأخر ولم يأكل شيئاً واتفق أكله في الليلة عند آخر فيشكل الحكم بالوجوب.

لنا : رواية عمر بن يزيد الصحيحة في الفقيه ، المرويّة في التهذيب والكافي أيضاً ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر ، يؤدّي عنه الفطرة؟ قال : «نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أُنثى ، صغير أو كبير ، حرّ أو مملوك» (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٠٣.

(٢) المسالك ١ : ٤٤٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٢ ح ٢٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٤٨ ح ١٥٧ ، الوسائل ٦ : ٢٣٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٩.

(٤) الفقيه ٢ : ١١٦ ح ٤٩٧ ، الكافي ٤ : ١٧٣ ح ١٦ ، التهذيب ٤ : ٧٢ ح ١٩٦.

٢٤١

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : «كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك ، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» (١) الحديث.

وجه الاستدلال : أنّ ترك الاستفصال يفيد العموم ، ولا ريب أنّ الضيف يصدق على من أُضيف في يوم واحد ، بل أقلّ.

وما يتصوّر من الإشكال في الدلالة إنّما هو في كلمة «من يعول» بناءً على أنّ الظاهر منها الاستمرار وطول الزمان.

وهو مدفوع : بأنّ المضارع قد يستعمل في الحال ، وقد يستعمل في الاستقبال ، وقد يستعمل في الملكة ، وهو المعبّر عنه بالاستمرار التجدّدي ، وقد يستعمل في الحال المقابل للملكة.

فعلى فرض الاشتراك فالمقام قرينة لإرادة الحال ؛ لأنّ قوله عليه‌السلام : «نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول» بمنزلة كبرى لقياس أُضمرت صغراه ، وتقديره : أنّ الضيف ممّن يعول ، وكلّ من يعول تجب عنه الفطرة ، وحينئذٍ فلا بدّ من إرادة الحال مقابل الاستقبال ، وإلا للزم القول بكون الضيف ممّن يعول بمعنى الملكة ، وهو باطل جزماً.

ولو قيل : إنّه قرينة لإرادة الضيف المستمرّ ، ففيه : أنّه يوجب عدم مطابقة السؤال للجواب ، إذ الجواب لا بدّ أن يكون مساوياً للسؤال أو أعمّ ، أو لا بدّ من الاستفصال حتّى يتطابق مع السؤال.

وأيضاً لو لم يكن المراد بالضيف أعمّ من المستمرّ للزم بطلان ادّعائهم الإجماع على وجوب الفطرة عن الضيف من حيث إنّه ضيف في الجملة ، إلا بإرادة أنّ الإجماع إنّما هو على عدم كون الضيافة مانعةً ، لكونها سبباً.

مع أنّ المعنى الاستمراريّ للمضارع إنّما هو بالنسبة إلى المستقبل كما في الزوجة والولد وغيرهما ، ولم يقل به أحد في الضيف ، بل اعتبر من اعتبر الاستمرار في سابق الزمان.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٠ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٧١ ح ١٩٣ ، الوسائل ٦ : ٢٢٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٨.

٢٤٢

وأيضاً لفظ عال يعول بمعنى قات وأنفق مبنيّ على الواو ، والعيال مأخوذ من عال يعيل من العالة بمعنى الفاقة.

وإن فرض انفهام الاستمرار من العيال والعيلولة المأخوذة منه فلا نسلّم الانفهام من العول بمعنى الإنفاق.

قال في الصحاح : يقال قد عِلته شهراً إذا كفيته معاشه (١) ، ومن هذا يظهر أنّه يضاف إلى أقلّ من الشهر ، إلى يومين ويوم أيضاً.

والحاصل : أنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام «من يعول» مع ذكر الضيف هو إرادة أنّ من كانت نفقته في عهدة غيره بالفعل ، بمعنى أنّه حضر حين تعلّق خطاب الفطر ووجوبه ملتزم لنفقته ويصدق عليه أنّه منفق عليه ففطرته عليه.

وإلى ذلك يشير كلام الفاضلين ، قال في التذكرة في الاستدلال بقوله عليه‌السلام : «صدقة الفطرة عن كلّ صغير وكبير حرّ وعبد ممّن تمونون» (٢) أنّه صالح للحال والاستقبال ، وحمله على الحال أولى ؛ لأنّه وقت الوجوب ، وإذا علّق الحكم على وصف ثبت مع ثبوته لا قبله ولا بعده (٣). ومثله قال في المعتبر (٤).

والإجماع المدّعى في الانتصار لا يثبت اشتراط الشهر ، وإن كان لا يخلو عن إشعار ، مع أنّه قال فيه ردّاً على العامّة : وليس لهم أن يقولوا الضيف لا تجب عليه نفقته ، فلا تجب فطرته ، لأنّا لسنا نراعي في وجوب الفطرة وجوب النفقة ، بل نراعي من يعوله ، سواء كان ذلك وجوباً أو تطوّعاً.

ومن ذلك يظهر أنّ مستند الوجوب عنده في الضيف هو العيلولة ، وهو لا يوجب تعيّن خصوص الشهر ، والإجماع منعقد عليه عنده ؛ لأجل حصول العيلولة فيه ،

__________________

(١) الصحاح ٥ : ١٧٧٦.

(٢) سنن البيهقي ٤ : ١٦١ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٤١ ح ١٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٩.

(٣) التذكرة ٥ : ٣٨٠.

(٤) المعتبر ١ : ٦٠٤.

٢٤٣

لا لأجل حصولها في تمام الشهر ، فلا بدّ من بيان اشتراط الشهر من إبداء دليل آخر ، ولم نقف عليه.

وممّا ذكرنا تعرف الحال في غير الضيف ؛ إذ يظهر من الأخبار المتضافرة جدّاً أنّ المعيار في وجوب الفطرة هو الإنفاق والعول (١) ، وإذا أمكن تحقّقه في الضيف بالتقريب الذي ذكرنا بمجرّد ليلة أو أقلّ ، فكذلك في غيره ممّن تجب فطرته عليه.

وفي معنى الضيف كلّ متبرّع بنفقته ، ولو في ليلة العيد إذا أدرك عنده جزء من الشهر.

وأمّا الأجير الذي عاله ، فقال في المسالك : إن شرط النفقة أو قلنا بأنّها على المستأجر فلا يجب عليه ، وإلا كان بحكم الضيف (٢).

ولعلّ وجهه : أنّ النفقة حينئذٍ من الأُجرة ، وليس إنفاقاً من المستأجر ، والأحوط أن لا يترك.

ثمّ قال : وإنّما تجب الفطرة على المضيّف مع يساره ، ومع الإعسار تجب على الضيف الموسر.

فلو تبرّع المعسر بإخراجها عنه ففي الإجزاء قولان ، جزم الشهيد بعدمه (٣) ، وهو حسن مع عدم إذن الضيف ، وإلا فالإجزاء أحسن.

والظاهر أنّ موضع الإشكال ما لو كان الإخراج بغير إذنه.

ولو تبرّع الضيف بإخراجها عن الموسر توقّف الإجزاء على إذنه ، وكذا القول في الزوجة وغيرها ، انتهى كلامه.

أقول : وما ذكره من الوجوب على الضيف الموسر مقتضى العمومات ، ولكن لا بدّ من أن يُقيّد بما لو لم يتحمّلها المعسر ، فإنّه لا ريب في استحبابها على الفقير ، ولا يثنى في

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥.

(٢) المسالك ١ : ٤٤٦.

(٣) البيان : ٣٣٢.

٢٤٤

صدقة ، وبعد التحمّل فلا دليل على الوجوب عليه.

وحينئذٍ فلا وجه للقول بعدم الإجزاء مطلقاً ، كما أنّه لا وجه لمدخليّة الإذن في سقوط التكليف عن أحدٍ وإثباته للغير لو لم يكن مستحبّاً للمُعسر أيضاً.

وقياسه على الدين كما ترى ؛ إذ هي عبادة توقيفيّة.

فينقدح من هذا وجوبها على الضيف الموسر ، وسقوطها بتكلّف المضيّف المعسر ؛ فإنّ عمومات ما دلّ على وجوب الفطرة على المكلّفين عن أنفسهم وعمّن يعولون مخصّصة باشتراط الغنى في المكلّف والمعيل ، وبعدم كون المكلّف عيالاً لمن تجب عليه أداء الفطرة لا مطلقاً ، فيبقى الضيف الموسر تحت عموم الوجوب ، إذ الذي أسقط التكليف عن المعال إنّما هو الأخبار الدالة على الوجوب على المعيل كما سيجي‌ء ، فإذا خصّصنا الوجوب في تلك الأخبار بالموسر ، فلم يبق مسقط عن الضيف ومخصّص لعمومات وجوب الفطرة على الموسر (١).

ويمكن توجيه مدخليّة الإذن بجعله من باب التوكيل ، فيكون من باب أعتق عبدك عنّي ، أي ملّكه إيّاي وأعتقه بالوكالة عنّي.

ثمّ أقول : يمكن أن يقال : استحباب الزكاة على المعسر اتفاقيّ ، ولا يصحّ توجّه الخطابين إلى الضيف والمضيّف في آنٍ واحد ، فإذا كان مستحبّاً للمضيف المعسر يسقط التكليف عن الضيف الموسر ، فيكفي في إسقاطها عن الضيف مطلق تعلّق الخطاب بالمضيّف إيجاباً كان أو ندباً.

ولذلك ذهب بعضهم إلى سقوطه عنهما ، أمّا عن المضيّف فلإعساره فلا يجب عليه ، وأمّا عن الضيف فلعيلولته للغير ، وعدم الوجوب على الغير لإعساره لا يوجب تعلّقها به.

نعم ، يمكن فرض ذلك فيما لو لم يقدر المعسر ولو على الاستقراض ، فيمكن القول

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥.

٢٤٥

بانتفاء الخطاب حينئذٍ رأساً ، فيجب حينئذٍ على الضيف ؛ لدخوله تحت العمومات ، ولا مخصّص لها حينئذٍ.

ويظهر من الشهيد في البيان (١) احتمال منع الاستحباب للمُعسر في الضيف ؛ لأنّ المنصوص استحباب إخراجها عن عياله ونفسه ، والمفهوم من عياله الفقير.

ثمّ قال : سلّمنا ، لكنّ الندب قاصر عن الوجوب في المصلحة الراجحة ، فلا يساويه في الإجزاء ، ولعلّه لذلك منع الإجزاء كما نقله في المسالك.

وكيف كان ، فلا ريب أنّ إخراج الضيف الموسر عن نفسه أولى وأحوط.

ثمّ إنّ الشهيد الثاني قال في المسالك : ولو تعدّد المضيّف ، وجبت عليهم بالنسبة (٢).

وفيه الإشكال المتقدّم في العبد المشترك.

والظاهر أنّه لا فرق في سقوط التكليف عنه بين علمه بإخراج المضيّف عنه وعدمه ، وربّما احتمل الوجوب لو علم بعدم الإخراج ، والأوّل أظهر ؛ لأنّ المسقط إنّما هو توجّه الخطاب إلى الغير ، لا أداؤه ، فإنّ التوجّه إلى الغير ينفي التوجّه إليه ، فإذ لا خطاب فلا امتثال ، فمن أين يثبت الوجوب؟

ثمّ من جميع ما ذكرنا يظهر أنّه لا وجه للإجزاء إذا تبرّع الضيف بإخراجها عن الموسر ولو بإذنه إلا على التوجيه الذي ذكرناه في الإذن ، فيجزي.

الثالث : كلّ من تجب فطرته على غيره تسقط عن نفسه ؛ وإن كان ممّن تجب عليه لو انفرد، مثل الضيف الغنيّ ، والقريب الكامل الغنيّ ، والزوجة ؛ للأصل ، وظاهر الأخبار الدالّة على وجوب الزكاة على المعيل (٣) ، وقوله عليه‌السلام : «لا يثنّى في صدقة» (٤).

__________________

(١) البيان : ٣٣٢.

(٢) المسالك ١ : ٤٤٦.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥.

(٤) الصحاح ٦ : ٢٢٩٤ ، النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٧.

٢٤٦

وعن ظاهر ابن إدريس الوجوب على الضيف والمضيّف (١) ، ولا يخفى ما فيه ، وقد مرّ الكلام في صورة إعسار المضيّف وحكم الضيف.

وأمّا الزوجة ؛ فالكلام فيها نظير الكلام في الضيف ، فإذا كان زوجها معسراً فقيل : يجب أن تخرجها عن نفسها إذا كانت موسرة ، اختاره ابن إدريس (٢) والمحقّق (٣) وصاحب المدارك (٤) ، ويظهر دليلهم ممّا مرّ في الضيف ، وهو الاعتماد على العمومات ، وخروج الّتي كانت تحت موسر بالدليل.

وعن الشيخ في المبسوط : لا فطرة عليها ولا على زوجها ؛ لأنّ الإعسار أسقطها عن الزوج ، ولا دليل على وجوبها على الزوجة (٥) ، وعن فخر المحقّقين أنّه قوّاه (٦).

وقال في المختلف : إن بلغ الإعسار بالزوج إلى حدّ تسقط عنه نفقة الزوجة ، بأن لا يفضل معه شي‌ء البتّة ، فالحقّ ما قاله ابن إدريس ، وإن لم ينته الحال إلى ذلك ، بل كان الزوج ينفق عليها مع إعساره فلا فطرة هنا ، والحقّ ما قاله الشيخ (٧).

ودليله على الجزء الأوّل : ما مرّ في قول ابن إدريس ، وعلى الجزء الثاني : أنّها في عائلة الزوج ولا تجب عليها ، وهو معسر فلا تجب عليه.

وردّ : بأنّ النفقة لا تسقط الفطرة إلا إذا تحمّلها.

ثمّ قال : والتحقيق أنّ الفطرة إن كانت بالأصالة على الزوج ، سقطت لإعساره عنه وعنها ، وإن كانت بالأصالة على الزوجة ، وإنّما يتحمّلها الزوج ، سقطت عنه لفقره ووجبت عليها عملاً بالأصل (٨).

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٦٨

(٢) السرائر ١ : ٤٦٨

(٣) المعتبر ٢ : ٦٠٢.

(٤) المدارك ٥ : ٣٢٦.

(٥) المبسوط ١ : ٢٤١.

(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٢١١.

(٧) المختلف ٢ : ٢٧٧.

(٨) المختلف ٣ : ٢٧٨.

٢٤٧

وردّ : بأنّ ظاهر الأخبار (١) وكلام الأصحاب وإن اقتضى وجوب الفطرة بالأصالة على الزوج مع يساره ، ولكن ذلك لا يوجب سقوطها عن الموسرة مع إعساره.

أقول : ويظهر التحقيق في المسألة ممّا قدّمناه في الضيف ، فالأقوى سقوطها عنهما معاً مطلقاً ؛ إلا أن يتمكن الزوج من الفطرة ولو بالاستقراض ، فحينئذٍ تجب على الزوجة ؛ للعمومات.

ثمّ إنّ الكلام في تبرّع الزوجة عن الموسر ومدخليّة الإذن في الأداء وعدمها أيضاً كما تقدّم.

وصرّح الشيخ هنا في الخلاف أيضاً باعتبار الإذن ، قال : إذا أخرجت المرأة الزكاة عن نفسها بإذن زوجها أجزأت عنها ، وإن لم يأذن لم تجز عنها (٢).

وحسّنه في المعتبر (٣) ؛ لأنّه إذا أذن لها كان المخرج لها كما لو أمرها بأداء الدين عنه أو العتق.

وقد مرّ ما فيه وتوجيهه.

هذا كلّه إذا كانت في عيلولة الزوج ، أمّا لو عالت نفسها مع إعسار الزوج فإنّما تجب عليها.

الرابع : لا ريب في عدم اشتراط الحضور في الفطرة ، فإذا غاب الرجل عن عياله فلا تسقط فطرتهم عنه ، وتدلّ عليه العمومات ، وخصوص صحيحة جميل أيضاً (٤).

وهذا فيمن علم خبرهم وحياتهم ولو بالاستصحاب ، مع الشرائط المقرّرة من عدم عيلولتهم للغير مطلقاً ، أو عدم عيلولة واجب النفقة منهم للغير ولأنفسهم على

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥.

(٢) الخلاف ٢ : ١٣٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٠٢.

(٤) الكافي ٤ : ١٧١ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٣١ ح ١٠٣٨ ، الوسائل ٦ : ٢٥٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٩ ح ١.

٢٤٨

المختار ، ولو كان العلم بهذا الشرط أيضاً من جهة الاستصحاب المفيد للظنّ.

وأمّا لو جهل حال الشرط ، ولو من جهة الاستصحاب أيضاً ، مثل أنّه كان لعياله نفقة وعلم أنّها تمّت ، واحتمل كونهم حينئذٍ مُعالين للغير أو لأنفسهم ، فحينئذٍ يُشكل الأمر ، والظاهر عدم الوجوب مطلقاً على المختار ، وعن غير الواجب النفقة على المشهور ؛ للأصل ؛ والشكّ في سبب الوجوب ، واستصحاب عصمة المال عن استحقاق الغير فيه ، هذا كلّه إذا كان الغائب معلوم الخبر والحياة ولو من جهة الاستصحاب.

وأمّا إذا لم يعرف خبره ؛ فقد ذكروا في المملوك الغائب قولين ، فذهب جماعة من الأصحاب إلى السقوط ؛ للأصل ، وعدم العلم بوجود الغائب ، واستصحاب عصمة المال (١).

وذهب ابن إدريس إلى الوجوب ؛ للاستصحاب ، ولجواز عتق العبد الابق في الكفّارة كما دلّت عليه صحيحة أبي هاشم الجعفري (٢) ، وادّعى عليه هو أيضاً الإجماع (٣).

وردّ : بأنّ الاستصحاب معارض بأصالة البراءة ، وأنّ قياسه على العتق باطل ، سيّما وهو من حقوق الله ويبنى على التخفيف ، بخلاف الفطرة فإنّ إيجابها على المكلّف يحتاج إلى سبب ، ولكنّ كلامهم هذا مطلق بالنسبة إلى منقطع الخبر وغيره.

والتحقيق : أنّ الكلام إن كان فيمن علم خبره سواء عُلمت حياته أو لم تعلم ، وعلم حال الشرط أيضاً أو جهل ، فحكمه ما قدّمناه ، وإن كان فيمن انقطع خبره فعلى المختار ، فمن انقطع خبره فهو أولى بانقطاع الخبر عن شرط الوجوب أيضاً ، إلا مع فرض تحقّق استصحاب يفيد ذلك أيضاً ، ومع عدم العلم بالشرط ولو من جهة الاستصحاب فينتفي الوجوب مطلقاً ، أي عن واجب النفقة وغيره ، فلا يجري فيه القولان ؛ لعدم إفادة استصحاب الحياة شيئاً ما لم يعلم الشرط ، فالحكم إنّما يستند إلى جهالة الشرط.

__________________

(١) كالشيخ في الخلاف ٢ : ١٣٦ مسألة ١٦٨ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٥٩٨ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٥٩٨.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٩ ح ٣ ، الوسائل ١٦ : ٦٢ أبواب العتق ب ٤٨ ح ١.

(٣) السرائر ١ : ٤٦٧ ، قال : يجب عليه إخراج الفطرة .. ولهذا يعتقه في الكفارة بلا خلاف.

٢٤٩

وعلى المشهور ، من أصالة وجوب الفطرة على واجب النفقة ما لم يكن عيالاً للغير ، فيمكن إجراء القولين وإفادة الاستصحاب وجوبها عن واجب النفقة وإن لم يحصل العلم بالشرط ، فليتأمّل.

فلعلّ المشهور أيضاً يشترطون عدم إعالة الغير لهم ، فتنحصر ثمرة القولين بالنظر إلى ملاحظة الموت والحياة فيما علم عدم إعالة الغير لهم وجهل حالهم في كونهم معالين له أو لأنفسهم ، فينفع الاعتماد على استصحاب الحياة.

ويظهر من الكلام في المملوك حكم غيره أيضاً.

ففذلكة المختار : تقديم الاستصحاب على أصل البراءة ، سواء كان استصحاب الشرط على المختار ، أو استصحاب الحياة فقط أيضاً على المشهور في واجب النفقة.

الخامس : من كان له عبد ومات بعد دخول ليلة العيد فتجب فطرته في تركته. وإن كان له دين مستوعب يقسم ماله على الدين والفطرة بالنسبة.

ولو مات قبله فلا يجب شي‌ء على الميّت ، فإن لم يكن عليه دين ولا وصيّة فتجب فطرته على الوارث ، إن لم يعُله غيره.

وإن كان عليه دين ؛ فإن عاله أحد فتجب عليه ، وإلا فإن قلنا بعدم انتقال المال إلى الوارث إذا كان الدين مستوعباً على الأشهر أو مطلقاً على المختار كما هو ظاهر المحقّق في مباحث الفطرة من الشرائع (١) ونقله فخر المحقّقين عن بعض الأصحاب (٢) واختاره المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله (٣) وبعض من تأخّر عنه (٤) وبقاؤه على حكم مال الميّت فتسقط الفطرة رأساً ؛ لعدم كون الميّت مكلّفاً ، وعدم ملك الوارث.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٦٠.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٢١٠.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٢٨٠.

(٤) الذخيرة : ٤٧٤.

٢٥٠

وإن قلنا بانتقاله إلى الوارث مطلقاً ، ومنعه عن التصرّف حتّى يؤدّي دينه ؛ فاختار في المدارك أنّ الزكاة على الوارث (١).

ويشكل ذلك من جهة عدم استقلال الملك ، وهو المتبادر منه ، بل احتمل سقوط الوجوب على تقدير جواز التصرّف مع ضمان الدين أيضاً المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله (٢) ؛ لعدم الاستقلال من جهة تعلّق الدين بها ، ولكنّه بعيد ، بل الأظهر حينئذٍ وجوبه على الوارث من عين ماله ، لأمن التركة.

ولو أوصى به لأحدٍ ، فإن قبلها قبل دخول ليلة العيد فلا إشكال في وجوب الفطرة على الموصى له.

وإن قبلها بعده ، فإن قلنا بأنّ القبول جزء سبب للنقل فتسقط عن الوارث ؛ لعدم الانتقال إليه مع الوصيّة كما اخترناه ، وعن الموصى له ؛ لعدم حصول الملك بعد.

وعلى القول بانتقاله إلى الوارث فالأظهر أيضاً العدم ؛ لعدم استقلال الملك وتماميّته.

وإن قلنا بأنّه كاشف عن الملك فيحتمل وجوبه على الموصى له ؛ لحصول الملك حين الوجوب ، وعدم الوجوب عليه ؛ لاستحالة تكليف الغافل ، والوجوب على الوارث ؛ لكونه ملكه ظاهراً ، بناءً على القول بالانتقال ، مع إمكان ردّ الموصى له الوصيّة.

واختار الشهيد الثاني رحمه‌الله الأوّل (٣) ، بناءً على أنّ القبول كاشف ، وأنّه لا يضرّ عدم العلم حين الوجوب ؛ كما لو ولد له ولد ولم يعلم به حتّى دخل شوال.

أقول : والأظهر السقوط عنهما جميعاً حينئذٍ أيضاً ، أمّا عن الوارث ؛ فلعدم الانتقال إليه ، سيّما مع تعقّبه بقبول الموصى له في نفس الأمر ؛ ولعدم استقلال الملك وتماميّته على القول بالانتقال أيضاً.

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٣١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٢٨١.

(٣) المسالك ١ : ٤٤٩.

٢٥١

وأمّا عن الموصى له ؛ فلعدم تماميّته أيضاً ، سيّما مع فرض الغفلة والجهالة.

وقياسه على الولد غير صحيح ؛ لأنّ مجرّد إعلام التولّد كاف في العلم ، بخلاف إعلام الوصيّة ، والمتبادر من المملوك هو المعلوم المملوكيّة ، وإن صدق اسم المملوك على ما هو كذلك في نفس الأمر.

ولو ردّ الوصيّة ؛ فإن قلنا بالانتقال إلى الوارث فتجب عليه على إشكال ، من جهة عدم الاستقلال ، وإلا فلا فطرة كما بيّناه.

٢٥٢

المقصد الثالث

في جنسها ومقدارها

وفيه مباحث :

الأوّل : قال المفيد : ماهيّة زكاة الفطرة ، وهي فضلة أقوات أهل الأمصار ، على اختلاف أقواتهم في النوع ، من التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير ، والأرز ، والأقط ، واللبن (١).

ومثله قال السيد بدون ذكر الأرز (٢).

وعن الصدوقين (٣) و (٤) وابن أبي عقيل (٥) : أنّها صاع من حنطة ، أو صاع من شعير ، أو صاع من تمر ، أو صاع من زبيب.

وعن الشيخ في المبسوط : يجب صاع من التمر ، أو الزبيب ، أو الحنطة ، أو الشعير ، أو الأرز ، أو الأقط ، أو اللبن (٦).

__________________

(١) المقنعة : ٢٤٩.

(٢) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٨٠.

(٣) حكاه العلامة في المختلف ٣ : ٢٨١ عن علي بن بابويه في الرسالة.

(٤) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٨ ، الهداية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦.

(٥) حكاه العلامة في المختلف ٣ : ٢٨١ عن ابن أبي عقيل.

(٦) المبسوط ١ : ٢٤١.

٢٥٣

وعن الخلاف : يجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة المذكورة ؛ للإجماع على إجزاء هذه ، وما عداها ليس على جوازه دليل (١).

وعن ابن الجنيد : ويخرجها من وجبت عليه من أغلب الأشياء على قوته ؛ حنطة ، أو شعير ، أو تمر ، أو زبيب ، أو سلت ، أو ذرة (٢) ، وبه قال أبو الصلاح (٣) وابن إدريس (٤) ، وهو مختار الفاضلين (٥) والمتأخّرين (٦) ، بل نسبه جماعة إلى المشهور (٧).

وظنّي أنّ مختار المفيد رحمه‌الله أيضاً هو ذلك ، وذكر المذكورات في كلامه بعنوان المثال ، ومراده من الأمصار : الأقطار لا البلدان فقط ، فيشمل البوادي ؛ لأنّا لا نعلم مصراً يكون غالب قوتهم الأقط أو اللبن ، ويشهد بذلك أنّه ذكر بعد ذلك حديث الهمداني في تحديد القوت الغالب (٨).

وكذلك الظاهر من السيّد هو أيضاً هذا القول.

وأمّا الصدوقان ؛ فلعلّهما اقتصرا على ذكر الأربع تبعاً للأخبار ، وما سنذكر في تأويل تلك الأخبار من أنّ المراد منها بيان المقدار ، وذكر الغِت الأربع أو أزيد أو أقلّ من باب المثال جار في كلام الصدوقين أيضاً ، فالقائل بالاقتصار على قوت دون قوت نادر.

نعم يظهر من الخلاف الاقتصار (٩) ، ولعلّه أيضاً أراد الاحتراز عن مثل الخلّ والدبس ونحوهما ، لا مثل الذرة والدخن ونحوهما ، ولكنّه خلاف الظاهر.

وكيف كان ، فالأقوى كفاية القوت الغالب ، ولو كان عدساً أو دخناً أو حمّصاً أو

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٥٠.

(٢) حكاه عنه في المختلف ٣ : ٢٨٢.

(٣) الكافي في الفقه : ١٦٩.

(٤) السرائر ١ : ٤٦٨.

(٥) المحقّق في المعتبر ٢ : ٦٠٥ ، والعلامة في المختلف ٣ : ٢٨٢.

(٦) كالشهيدين في اللمعة والروضة ٢ : ٥٩.

(٧) كالعلامة في المعتبر ٢ : ٦٠٥.

(٨) التهذيب ٤ : ٧٩ ح ٢٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ ح ١٤٠ ، الوسائل ٦ : ٢٣٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ٢.

(٩) الخلاف ٢ : ١٥٠ مسألة ١٨٨.

٢٥٤

غيرها ، ويظهر من العلامة في المنتهي (١) والتذكرة (٢) والمحقّق في المعتبر (٣) الإجماع عليه من علمائنا ، وكذلك الشيخ في الخلاف ، حيث ادّعى إجماع الطائفة على العمل برواية الهمداني الاتية (٤).

وقال في المعتبر : الضابط إخراج ما كان قوتاً غالباً ، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن ، وهو مذهب علمائنا.

ومثله قال في التذكرة ، وذكر فيها بالخصوص في الأرز واللبن أيضاً أنّه يجوز إخراجهما عند علمائنا ؛ لأنّهما يقتات بهما ، ونسب الخلاف فيهما إلى بعض العامّة.

ثمّ إنّ في معنى ما كان قوتاً غالباً اشتباه ، والذي أفهمه أنّ المراد أنّه يجوز أن يخرج الفطرة عمّا هو قوت الإنسان غالباً وإن كانت طوائف الناس مختلفة في غلبة التقوّت بها ، لا أنّه يجب لكلّ طائفة إخراجها عمّا هو غالب عندها ، ولا يجوز غيرها ، فيجوز على أهل الأمصار العظيمة إخراج الأقط واللبن ، وإن كانا قوتين لأهل البوادي غالباً.

وصرّح بذلك في التذكرة ، بل قال في التذكرة : وأمّا اللبن فيجوز إخراجه عند علمائنا أجمع لكلّ أحد ، سواء قدر على غيره من الأجناس أو لا (٥).

فالمراد من تحديد القوت الغالب في رواية الهمداني الاتية هو إمّا بيان أنّه لا يجب عليهم تحصيل الأعلى ، أو يستحبّ لهم الإخراج منه وترك الأدون.

وأمّا وجوب الإخراج من القوت الغالب للبلد أو للشخص ، فلم نقف على قائل به ، ولا على دليل يدلّ عليه.

وما يظهر من الأخبار الاتية من الوجوب فهو لو سُلّمت الدلالة فيها فلا بدّ أن ينزّل على أحد الأمرين ؛ لعدم القول به من أحد من حيث إنّه قوت غالب.

__________________

(١) المنتهي ١ : ٥٣٦.

(٢) التذكرة ٥ : ٣٨٣ مسألة ٢٨٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٠٥.

(٤) الخلاف ٢ : ١٥١.

(٥) التذكرة ٥ : ٣٨٢ مسألة ٢٨٨.

٢٥٥

فالغلبة في كلامهم قد تلاحظ بالنسبة إلى نوع الإنسان ، فيحصل الاحتراز عن مثل السلق والشلغم والجزر والخسّ وغير ذلك ، فإنّ اقتيات الإنسان بها في غاية الندرة ، ولا ينصرف القوت في الأخبار إلى أمثال ذلك.

وإلى هذا ينظر كلام المحقّق في المعتبر والعِمة في التذكرة وغيرهما (١) ، فذكر الحنطة والشعير وغيرهما من الأجناس للمثال ، لا للتعيين كما هو واضح.

وقد يلاحظ بالنسبة إلى البلاد والأقطار ، يعني كلّ قطر يخرج من القوت الغالب عندهم ، كالأُرز عند أهل طبرستان ، واللبن عند أهل البوادي ، وهذا الاحتراز ليس على حذو الاحتراز السابق كما بيّناه ، بل مرادهم من هذه الملاحظة والتقييد هو إمّا بيان نفس الجواز وعدم وجوب تحصيل الأعلى ، لا عدم جواز الأدون ، أو بيان الاستحباب كما سيجي‌ء في تأويل خبر الهمداني (٢).

وقد يلاحظ بالنسبة إلى الشخص المعطى ، وهو أيضاً إنّما يثمر في أحد المعنيين الأخيرين ، فلو كان أهل بلد مقتاتين بالحنطة وواحد منهم يقتات بالارز مثلاً نقول : يجوز عليه إخراج الحنطة أو الشعير إن كان أدون ، ولا يجب عليه إخراج التمر والزبيب ، إن كانا أعلى.

ويستحبّ عليه إخراج الأرز لا الأدون ولا الأعلى على ظاهر رواية الهمداني بناءً على إطلاق حمل الشيخ إيّاها على الاستحباب (٣) ، فقولهم في مقام بيان الجنس وتحديد ماهيّة الفطرة حيث يعبّرون به بأنّه يخرج غالب قوته أو غالب قوت بلده ، لا بدّ أن يحمل على ما ذكرناه في معنى كلام المحقّق ، وهو أنّ المراد عدم وجوب تحصيل الأعلى وكفاية ما يقتات.

وحيث يعبّرون بأنّه يخرج ما كان قوتاً غالباً أنّه لا يجوز إخراج ما هو غير غالب

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٠٥ ، المنتهي ١ : ٥٣٦ ، التذكرة ٥ : ٢٨٣ مسألة ٢٨٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٩ ح ٢٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ ح ١٤٠ ، الوسائل ٦ : ٢٣٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ٢.

(٣) الخلاف ٢ : ١٥٠ مسألة ١٨٩.

٢٥٦

قوت الإنسان ، وأمّا غلبة أحد الغالبات على الأخر ، كغلبة الحنطة والشعير على الأرز والحمّص فهو غير مضرّ.

نعم لو فرض قوت يندر للإنسان التقوّت به فهو يخرج ؛ لعدم الانصراف إليه كما ذكرناه سابقاً.

فلنرجع إلى ذكر أدلّة الأقوال ، ونقول : يدلّ على المختار مضافاً إلى ظاهر الإجماع أخبار كثيرة ، مثل صحيحة زرارة وابن مسكان جميعاً ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «الفطرة على كلّ قوم ممّا يغذون عيالهم من لبن أو زبيب أو غيره» (١).

وما رواه الكليني رحمه‌الله في الصحيح ، عن يونس ، عمّن ذكره ، عنه عليه‌السلام قال ، قلت له : جعلت فداك ، هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال : «الفطرة على كلّ من اقتات قوتاً فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت» (٢).

وصحيحة معاوية بن عمّار ، عنه عليه‌السلام ، قال : «يعطي أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعاً» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار التي ذكر في بعضها الذرة بالخصوص ، وفي بعضها الذرة والسلت ، وفي بعضها العدس والسلت والذرة وغير ذلك (٤) ، وستجي‌ء رواية الهمداني أيضاً.

وأمّا دليل سائر الأقوال فهو الأخبار المذكورة فيها هذه الأجناس ، فحسبوا أنّ ذكر تلك الأشياء للتعبّد ، وليس كذلك ، بل إنّما هو بعنوان المثال ، ولذلك اختلفت الأخبار في ذكر المثال في الاقتصار على البعض ، وذكر البعض في بعضها ، والبعض الأخر في آخر.

وأغرب صاحب المدارك حيث اقتصر على الغِت الأربع والأقط (٥) ، مع أنّا

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٨ ح ٢٢١ ، الاستبصار ٢ : ٤٣ ح ١٣٧ ، الوسائل ٦ : ٢٣٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٣ ح ١٤ ، الوسائل ٦ : ٢٣٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٠ ح ٢٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٤٦ ح ١٥١ ، الوسائل ٦ : ٢٣١ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٢.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٣١ أبواب زكاة الفطرة ب ٦.

(٥) المدارك ٥ : ٣٣٥.

٢٥٧

لم نجد من يوافقه ، واستدلّ بصحيحة صفوان الجمّال ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة فقال : «على الصغير والكبير والحرّ والعبد ، عن كلّ إنسان منهم صاع من حنطة ، أو صاع من تمر ، أو صاع من زبيب» (١).

وصحيحة سعد بن سعد الأشعريّ ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الفطرة كم يدفع عن كلّ رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟ قال : «صاع بصاع النبيّ» (٢).

وبصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة (٣) وذلك لما هو عليه من عدم الاعتماد ، إلا على ما يعتمد عليه من الأخبار الصحيحة.

وأنت خبير بأنّ سؤال الراوي غير مخصّص ، وصحيحة معاوية تدلّ على أنّ اعتبار الأقط لأجل تقوّت أرباب المواشي به ، وصحيحة صفوان منزّلة على بيان المقدار لا الأجناس ، كما تشهد به ملاحظة سائر الأخبار واختلافها في ذكر الأجناس نوعاً وعدداً.

تنبيهان :

الأوّل : في إجزاء الدقيق والسويق عن الحنطة والشعير على الأصل ، قولان ، ناظران إلى عدم صدق الحنطة والشعير عليهما.

وإلى رواية حمّاد وبريد ومحمّد بن مسلم ، عن الصادقين» ، قالوا : سألناهما» عن زكاة الفطرة ، قالا : «صاع من تمر أو زبيب أو شعير ، أو نصف ذلك كلّه حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت» (٤) الحديث ، وأنّه حبّ تفتّت.

والتحقيق أن يقال : إن كان ذلك قوتهم ، كما لو كان بلد لا يجلب إليهم إلا الطحين أو

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧١ ح ١٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٤٦ ح ١٤٩ ، الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٧١ ح ٥ ، الفقيه ٢ : ١١٥ ح ٤٩٢ ، التهذيب ٤ : ٨٠ ح ٢٢٧ ، الاستبصار ٢ : ٤٦ ح ١٤٨ ، الوسائل ٦ : ٢٣١ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٠ ح ٢٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٤٦ ح ١٥١ ، الوسائل ٢ : ٢٣١ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٨٢ ح ٢٣٦ ، الاستبصار ٢ : ٤٣ ح ١٣٩ ، الوسائل ٦ : ٢٣٤ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٧.

٢٥٨

السويق ، فلا إشكال في إخراجهما على الأصل ، وإلا فلا يبعد أيضاً الجواز ؛ حملاً للأخبار الناصّة على الحبوب على الغالب ، سيّما مع التأييد بالأصل ونفي الحرج والإعسار.

والرواية أيضاً مؤيّدة ، فلا يضرّ ضعفها ولا اشتمالها على تنصيف الحنطة ، فإنّ خروج بعض أجزاء الرواية مورد التقيّة أو غيره من المخالفات لا يضرّ بالباقي.

وفي الخبز أيضاً قولان ، والأحوط الاقتصار على الحبّ ، والإخراج على القيمة لأعلى الأصل.

الثاني : لا يجزي إخراج صاع مركّب من جنسين أو أزيد على ما صرّح به جماعة (١) ، وذهب في المختلف إلى الإجزاء (٢) ، وهو ضعيف مخالف لظاهر النصوص.

وذكر الشهيدان في مسألة العبد المشترك بين جماعة : أنّه لو أخرج كلّ واحد من جنسٍ يجزي وإن اتفقت أقواتهم (٣).

وقد مرّ الإشكال في لزوم الفطرة عن الأقلّ من رأس ، فهذا إشكال على إشكال.

وأمّا لو أعطى المعيل عن كلّ واحد من عياله من جنس على حدة فلا إشكال في الإجزاء ؛ لصدق الأخبار ، وظهور الإجماع من المنتهي (٤).

الثاني : الأفضل إخراج التمر عند جماعة (٥) ، وثمّ الزبيب ، وثمّ ما يغلب على قوته عند آخرين (٦) ، وهما معاً عند بعضهم (٧) ، والأرفع قيمة عند بعضهم (٨) ، وعن

__________________

(١) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٤١.

(٢) المختلف ٣ : ٢٩٤.

(٣) الدروس ١ : ٢٥١ ، البيان : ٣٣٠ ، المسالك ١ : ٤٨٨.

(٤) المنتهي ١ : ٥٣٨.

(٥) كالصدوق في الفقيه ٢ : ١١٧ ، والمقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٨ ، والشيخ المفيد في المقنعة : ٢٥٠ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٤٢ ، والنهاية : ١٩٠ ، وحكاه عن عليّ بن بابويه والعماني في المختلف ٣ : ٢٨٥.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٢٤٦.

(٧) المهذّب ١ : ١٧٥.

(٨) المراسم : ١٣٥.

٢٥٩

الشيخ في الخلاف المستحبّ ما يغلب على قوت البلد (١) ، واختاره في المعتبر (٢).

حجّة الأوّل : أخبار كثيرة معتبرة لا نطيل بذكرها ، منها صحيحة هشام بن الحكم ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «التمر في الفطرة أفضل من غيره ؛ لأنّه أسرع منفعة ، وذلك لأنّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه» (٣).

وهو يدلّ على مساواة الزبيب له ، لكن ههنا أخبار كثيرة مصرّحة بأنّ التمر أفضل بل وأحبّ ، إمّا بالإطلاق ، أو مع ذكر الزبيب في جملة الأجناس ، ثمّ إطلاق أنّ التمر أحبّ.

وفي رواية زيد الشحّام ، عن الصادق عليه‌السلام : «لأن أُعطي صاعاً من تمر أحبّ إليّ من أن اعطي صاعاً من ذهب في الفطرة» (٤).

واحتجّ الشيخ بما رواه إبراهيم بن محمّد الهمداني ، قال : اختلفت الروايات في الفطرة ، فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام أسأله عن ذلك ، فكتب : «إنّ الفطرة صاع من قوت بلدك ، على أهل مكة واليمن والطائف وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان تمر.

وعلى أهل أوساط الشام زبيب.

وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها برّ أو شعير.

وعلى أهل طبرستان الأرز.

وعلى أهل خراسان البرّ ، إلا أهل مرو والرّي فعليهم الزبيب.

وعلى أهل مصر البرّ ، ومن سوى ذلك فعليهم ما غلبت قوتهم.

ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط.

والفطرة عليك وعلى الناس كلّهم ومن يعول من ذكر أو أُنثى ، صغير أو كبير ،

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٥٠ مسألة ١٨٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٠٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٥ ح ٢٤٨ ، الوسائل ٦ : ٢٤٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٠ ح ٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٨٥ ح ٢٤٩ ، الوسائل ٦ : ٢٤٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٠ ح ٦.

٢٦٠