غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

صاحب المدارك وصاحب الذخيرة (١).

وأنت خبير بأنّه خلاف ما ذكره في المدارك ؛ إذ مراده عدم جريان اليد على الكنز ولو على سبيل عدم العلم بالكنز.

والحاصل أنّه إذا علم أنّ الكنز كان مدفوناً في الأرض في حال تملّكه للأرض فيجب التعريف ، وإلا فلا.

أقول : يمكن الإشكال في الحكم بثبوت اليد على الكنز بمحض ثبوتها على الأرض المشتملة عليه أيضاً ، غاية الأمر التردد في كونه يداً ، والذي يكون قاطعاً لأصالة البراءة هو اليد الثابتة ، فليس لاعتبار اليد هنا دليل واضح.

فمقتضى ذلك أنّه يملكه بعد تخميسه مع الشرائط ، سواء وجد عليه أثر الإسلام أم لا ، ولا حاجة إلى تعريف المالك.

والدليل على ذلك الأخبار الواردة في الكنز (٢) ، وظاهرها أنّه لواجده ، وليس في مقابل ذلك إلا اليد الدالّة على الملك ، وما دلّ على حكم اللقطة ، وقد عرفت ضعف اليد ، ومنع شمول أدلّة اللقطة لذلك ، منضمّاً إلى أصالة البراءة عن وجوب التعريف للمالك ، والتعريف من باب اللقطة أيضاً.

نعم روى إسحاق بن عمّار في الموثّق ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة ، كيف يصنع؟ قال : «يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» قلت : فإن لم يعرفوها؟ قال : «يتصدّق بها» (٣).

ولعلّ هذه الرواية هي مستند الأصحاب في وجوب تعريف المالك ، ويكون التصدّق في آخر الرواية محمولاً على الاستحباب ، ولا ينافي استحباب التصدّق

__________________

(١) انظر المدارك ٥ : ٣٧١ ، والذخيرة : ٤٧٩.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٤٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٥.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٩١ ح ١١٧١ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب اللقطة ب ٥ ح ٣.

٣٠١

بالجميع وجوب الخمس ؛ لعدم بلوغ النصاب في السبعين ، ولا يضرّ خروج بعض أجزاء الرواية عن الحجية ، حجية باقيها.

فعمل الأصحاب مع هذه الرواية المعتبرة الإسناد ، منضماً إلى المؤيّدات السابقة يكفي في وجوب التعريف ، ويبقى الإشكال في دلالتها على تعريف سائر الملّاك.

ولعلّ نظرهم إلى العلّة المستفادة ، وهو أنّ الظاهر أنّه من إحدى الأيدي المتعاقبة لا غيرها ، واحتمال إرادة الجنس في أهل المنزل في الرواية ليشمل الملّاك السابقة بعيد.

وأمّا بعد إنكار الكلّ فالأقوى هو تملّك الواجد بعد التخميس كما مرّ ، لا كونه كاللقطة لما مرّ.

ثمّ إنّ المحقّق المذكور استشكل في وجوب تعريف المالك على الوجه الذي ذكره الفقهاء من أنّه لأجل أنّه لو عرفه كان له ، ولو لم يعرفه يعمل به على مقتضاه من القولين.

وقال (١) : إنّ مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّ ما وجد في ملك أحد فهو له ، وإطلاقه يقتضي ملكيته وإن لم يعرفه ، قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق ، فقال : «إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به» (٢).

ومثلها صحيحته الأُخرى ، عن أحدهما» ، قال : وسألته عن الورق يوجد في دار فقال : «إن كانت الدار معمورة فهي لأهلها ، وإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت» (٣).

قال : ولا استبعاد في هذا الحكم من الله تعالى ، ويكون ذلك من منافع الدار ، بأن يجعل من خواصّ الدار أنّ ما يوجد فيها ولم يعلم كونه ملكاً لشخص معيّن أن يكون

__________________

(١) شرح اللمعة للآقا جمال : ٣٠٤.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٨ ح ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ ح ١١٦٩ ، الوسائل ٦ : ٣٥٤ أبواب اللقطة ب ٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٩٠ ح ١١٦٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٤ أبواب اللقطة ب ٥ ح ٢.

٣٠٢

لصاحب الدار ، مع أنّ الأخبار الواردة في الكنز (١) ليس فيها ، إلا وجوب الخمس ، وليس فيها أنّ ما وجد فهو لواجده ، ويجب عليه الخمس ، فلا مانع أن يكون الكنز لمالك الدار ، ويجب عليه الخمس.

أقول : الظاهر أنّ هذا القول مخالف لإجماعهم ؛ إذ لم نقف على قول من أحد من العلماء يوافقه ، وما ذكروه في كتاب اللقطة في مسألة من وجد في داره شيئاً أو في صندوقه ولا يعرفه ، من أنّه إذا كان يدخل الدار غيره أو يتصرّف في الصندوق غيره فهو لقطة ، وإلا فهو له ؛ لصحيحة جميل بن صالح قال ، قلت لأبي عبد الله : رجل وجد في بيته ديناراً ، قال : «يدخل منزله غيره؟» قال : نعم كثير ، قال : «هذه لقطة».

قلت : فرجل وجد في صندوقه ديناراً ، قال : «يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً؟ قلت : لا ، قال : «فهو له» (٢) فهو أيضاً ظاهر فيما لا يعلم عدم كونه منه.

وصرّح باشتراط ذلك فيه بعضهم أيضاً (٣) ، والرواية أيضاً منزّلة على ذلك ، بل هي ظاهرة في ذلك.

وكيف كان فحكم الكنز هو ما ذكروه ؛ بملاحظة موثّقة إسحاق بن عمّار (٤) وغيرها من المؤيّدات السابقة ، فلا بدّ أن تحمل الصحيحتان في الكنز (٥) على أنّه لأهلها أن عرفوه بعد التعريف ، وفي اللقطة أنّ أمرها إلى أهلها في كيفية العمل على ما هو مقتضى صحيحة جميل بن صالح.

وأمّا ما ذكره من أنّ الأخبار لا تدلّ على أنّ ما وجده لواجده ويجب عليه الخمس ،

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٧ ح ٣ ، الفقيه ٣ : ١٨٧ ح ٨٤١ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ ح ١١٦٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٣ أبواب اللقطة ب ٣ ح ١.

(٣) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٩٣ ، المفاتيح : ١٨٠.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٩١ ح ١١٧١ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب اللقطة ب ٥ ح ٣. قال : سألت أبا إبراهيم عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة ، قال : يسأل عنها أهل المنزل ، فإن لم يعرفوها يتصدّق بها.

(٥) ص ٣٠٢.

٣٠٣

ففيه : أنّ المتبادر منها هو ذلك ، سيّما ما رواه في الفقيه في وصيّة النبيّ لعليّ عليه‌السلام قال : «يا عليّ إنّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله في الإسلام» إلى أن قال : «ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به ، فأنزل الله (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) (١) الآية» (٢) ومثله روى في الخصال (٣) وفي العيون (٤).

والظاهر منها أنّه لواجده بعد التصدّق بخمسه ، سيّما بملاحظة الاستشهاد بالآية ، وليس في العيون كلمة و «تصدق به».

ثمّ لمّا أشكل الأمر على هذا المحقّق في تملّك المالك أو الواجد ، وحكم بعدم الفرق بين ما فيه أثر الإسلام وغيره جعل الاحتياط في أنّه إن بلغ النصاب فيخرج الخمس ويهب الباقي أحدهما للاخر ، أو يتصالحان ، وفيما لم يبلغ الاحتياط في تمامه بأحد الأمرين.

أقول : لو عرفه المالك وادّعى أنّه هو الذي كنزه ففي وجوب الخمس نظر ؛ لأنّ غاية ما تدلّ الأدلّة وجوب الخمس على ما يوجد بعد الجهل أصلاً لا غير ، ولعلّ مراده أيضاً هذه الصورة.

وأمّا الثاني أعني ما كان ملكاً للواجد فإمّا أن يكون من جهة الإحياء أو غيره.

أمّا الأوّل فهو مثل ما لو وجده في مباح وقد مرّ.

وأمّا الثاني فإمّا أن يكون من جهة الإرث أو الابتياع ونحوه ، فإن كان من جهة الإرث واحتمل أنّه من مورثه فهو له ، كذا قالوه ، والظاهر أنّ مرادهم صورة الجزم بأنّه كان مدفوناً فيه حين تصرّف المورث في الملك ، وإن احتمل كونه من غيره.

وأمّا لو احتمل تأخّر الدفن فلا يتمّ الاعتماد على هذا الاحتمال.

والظاهر أنّ ما ذكره صاحب المدارك (٥) ونقلناه عنه سابقاً ، هو مراد الفقهاء أيضاً ،

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٦٤ ح ٨٢٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٥ ح ٣.

(٣) الخصال : ٣١٢ ح ٩٠.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢١٢ ب ١٨.

(٥) المدارك ٥ : ٣٧٢.

٣٠٤

فلا يلزم تعريف المالك إذا احتمل عدم كون الكنز في ملكه حين التصرّف واحتمل التأخّر.

وموثّقة إسحاق بن عمّار التي يمكن أن تكون دليلاً لهم أيضاً إنّما تفيد في هذه الصورة ، والتمسّك باليد أيضاً لا يتمّ إلا في هذه الصورة.

ثمّ إنّه لا يجب على الوارث الخمس في الصورة المفروضة ، كما لو ادّعاه أحد الملّاك في المسألة السابقة ؛ فإنّ الخمس إنّما هو في الكنز الذي يوجد ولا معرفة بصاحبه ، وهنا ليس كذلك ؛ لأنّ الأوّل ميراث والثاني ملك لمدّعيه ، ومحكوم بكونه أودعه لأجل ادّعائه ، وتجب القسمة بين الورّاث إن تعددت ، ولا يختص بالواجد.

وإن لم يحتمل كونه من المورّث ، فيرجع إلى المالك السابق ، وهكذا إلى آخر ما في المسألة السابقة.

وإن احتمل بعض الورّاث كونه من مورثه دون الباقين يأخذ من احتمل بقدر حصّته ، والباقون يعملون على مقتضى ما مرّ.

وإن كان الانتقال من جهة الابتياع أو نحوه من صلح أو هبة أو غير ذلك فقالوا : يجب إعلام المالك ، فإن لم يعرفه فالسابق عليه ، وهكذا إلى آخر ما في المسألة السابقة.

ويعرف تفصيل الحال والأقوال في المسألة بملاحظة المسألة السابقة ، فلا حاجة إلى الإعادة.

وعلى ما ذكره المحقّق المتقدّم والعمل على الصحيحتين المتقدّمتين فيكون الكنز للمالك الأوّل وإن لم يعرفه ، وإن كان هو الوارث ولا يعلم حال مورثه ، والتحقيق خلافه ، سيّما والصحيحتان ظاهرهما ما لو وجد أحد في ملك غيره شيئاً لا في ملك نفسه.

فرع :

لو تداعى مالك الدار ومستأجرها في كنز وجد فيه ، فالأكثر على تقديم قول المالك

٣٠٥

مع يمينه ؛ لأنّ له اليد الأصليّة على الدار وكلّ ما فيها (١).

وذهب الشيخ في الخلاف (٢) وجماعة (٣) منهم العلامة في المختلف (٤) إلى أنّ القول قول المستأجر مع يمينه ؛ لأنّ له اليد الفعلية ، ولأنّ المالك يدّعي خلاف الظاهر ، وهو إكراء الدار التي فيها دفين ، فإنّه بعيد ، وإن وقع فهو نادر ، ولأصالة تأخّر دفن الكنز عن الإجارة.

وفيه : أنّ المستأجر لم يثبت يده شرعاً إلا على المنافع المباحة استيفاؤها من جانب المالك عرفاً ، وليس وضع الكنز منها ، ووضع المستأجر كنزه في دار الغير أيضاً خلاف الظاهر.

وأصالة تأخّر وضع الكنز معارضة بأصالة تأخّر الإجارة ، ولا معنى للأصل هنا ، هذا كلّه إذا انتفت القرائن على أحد الأمرين ، وإلا فهو المتّبع.

ولو اختلفا في القدر فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه.

تتميم :

قالوا : لو اشترى دابّة ووجد في جوفها شيئاً له قيمة يجب تعريفه البائع فإن عرفه فهو له ، وإلا فهو للواجد وعليه الخمس ؛ لصحيحة عبد الله بن جعفر قال : كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهر ، لمن يكون ذلك؟ قال ، فوقّع : عليه‌السلام «عرّفها البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك الله تعالى إيّاه» (٥).

وظاهر الرواية الاكتفاء بتعريف المالك ، وعدم لزوم تتبّع مَن قَبلَه مطلقاً ، والقول

__________________

(١) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٣٧ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٦٢١ ، والشرائع ١ : ١٦٤.

(٢) الخلاف ٢ : ١٢٣ مسألة ١٥١.

(٣) كالشهيد في البيان : ٣٤٤.

(٤) المختلف ٣ : ٣٢٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٣٩ ح ٩ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ ح ١١٧٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٨ أبواب اللقطة ب ٩ ح ١.

٣٠٦

بلزومه ، كما ذهب إليه جماعة (١) ، بعيد ؛ لبعد إرادة جنس البائع من اللفظ ، وعدم الفرق بين ما كان عليها أثر الإسلام وما لم يكن ، بل الظاهر أنّها كان عليها أثر الإسلام بقرينة زمان السؤال ، فلا يجب التعريف من باب اللقطة بعد إنكار الملّاك أيضاً مطلقاً.

والقول به كما قيل حملاً للرواية على ما لم يكن فيها أثر الإسلام ، مع أنّ الشائع من الدراهم في ذلك الزمان ما كانت بسكّة الإسلام بعيد ؛ لعدم انصراف أخبار اللقطة إلى ذلك ، وظهور الصحيحة في الحكم بالتملّك مطلقاً.

نعم وتعريفه أحوط ، ولم نقف على ما يدلّ على وجوب الخمس فيه ، إلا أنّه مشهور ، ولا وجه لإلحاقه بالكنز ، ويمكن إدراجه في الأرباح كما سيجي‌ء (٢).

وذكر جماعة من الأصحاب أنّه لو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئاً فهو له ، ولا يعرّفه البائع ، وعليه الخمس (٣) ؛ ولم نقف فيه على نصّ.

وذكروا في وجه الفرق بينه وبين سابقه : أنّ الظاهر في الدابة مع كون يد المالك عليها أنّها منه ، بخلاف السمكة ، فإنّها في الأصل من المباحات التي تملك بالحيازة ، والصياد إنّما حاز السمكة دون ما في بطنها ، وهذا مبني على اشتراط حصول الملك في الحيازة بالعلم والنية كما هو الأظهر ، وهما مفقودان هنا.

وقد يستشكل في إطلاق الحكم في المسألتين ؛ لأنّ الدّابة قد تكون محازة كالغزال المصطاد من الصحراء إذا باعه بدون أن يذهب به إلى بيته ، والسمكة قد تكون مملوكة كالواقعة في ماء محصور مملوك للبائع ، ولعلّ نظرهم في الإطلاق إلى الغالب.

ثمّ قد يستشكل في أنّ إطلاقهم يقتضي عدم كونه لقطة وإن وجد فيه أثر الإسلام ، وخصوص الرواية كان يرفع الإشكال في الدابة مطلقاً ، مع منع شمول أدلّة اللقطة له.

وأمّا في السمكة ؛ فإذا كان ذلك الشي‌ء ممّا لم يعلم جريان يد عليه أصلاً كاللؤلؤ

__________________

(١) كالشهيد الثاني في الروضة البهيّة ٢ : ٦٩.

(٢) ص ٣١٦ و٣٢٥.

(٣) كالمحقّق في الشرائع ١ : ١٦٣ ، والسيّد في المدارك ٥ : ٣٧٣.

٣٠٧

الغير المثقوب فالأمر فيه واضح إذا حيزت من البحر أو الشطوط المنتهية إليه.

وبذلك يتّضح عدم وجوب تعريف المالك أيضاً من جهة اليد مع قطع النظر عن دخوله في المحاز من جهة احتمال عدم اشتراط العلم والنية ، كما مال إليه في التذكرة (١).

وإذا كان ممّا جرت عليه يد كالدراهم والدنانير واللؤلؤ المثقوب ، فلعلّ عدم حكمهم بوجوب التعريف من باب اللقطة هو كونه من باب ما وقع في البحر من السفينة المنكسرة فيه ، فالأكثرون على أنّه للغوّاص (٢) ، ومقتضاه خروجه عن ملك مالكه ، ووردت بقولهم رواية (٣).

وذهب آخرون إلى أنّه له لو أعرض المالك عنه (٤) ، وحينئذٍ فلعلّهم يكتفون بظهور الإعراض بالقرائن ، ولا يوجبون الفحص عن ذلك.

وهذا مع عدم ظهور ذلك من أدلّة اللقطة يقوّي جواز تملّكه مطلقاً في مثل البحر والأنهار العظيمة المتصلة به ، وبعد تعريفه للمالك في مثل المياه المملوكة.

وأمّا مثل الأنهار العظيمة والشطوط التي لا تنتهي إلى البحر ، فالأظهر أيضاً أنّه لا يجب التعريف للمالك ، ولا يجب التعريف من باب اللقطة ، وينبّه عليه ما ورد في الدابة ؛ لأنّ الأمر فيما نحن فيه أهون.

وأمّا ما ذكروه من وجوب الخمس فالكلام فيه مثل ما مرّ.

ثمّ إنّ هنا رواية رواها الصدوق في الأمالي في حكاية عليّ بن الحسين» مع واحد من أصحابه شكا إليه الفاقة ، وأعطاه قرصيه اللذين أعدّهما لفطوره وسحوره ، واشترائه بهما سمكة وقليلاً من الملح ، ووجدانه لؤلؤتين غاليتين في بطن السمكة

__________________

(١) التذكرة (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٢٦٥ كتاب اللقطة.

(٢) التحرير ٢ : ١٢٩ ، البيان : ٣٤٥.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٩٥ ح ٨٢٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٢ أبواب اللقطة ب ١١ ح ٢.

(٤) شرح اللمعة للآقا جمال : ٢٩٠ ، الحدائق ١٢ : ٣٤٥.

٣٠٨

وحصول الغناء له بهما واسترداده عليه‌السلام قرصيه عنه بعد ذلك لعجز غيره عن أكلهما من أجل اليبس والجشب ، وتقرير الإمام عليه‌السلام إيّاه على ذلك ، والرواية طويلة (١).

وهي تدلّ على عدم وجوب تعريف المالك أصلاً ، ولعلّ ذلك هو مستند المشهور في عدم وجوب تعريف المالك ، مضافاً إلى ما مرّ من الاعتبار ، ولكن لم يذكر فيها حكاية الخمس ، وإن كان يمكن القدح من جهة علم الإمام عليه‌السلام بحقيقة الحال كما يستفاد من الرواية ، فتكون واقعة حال ، ولا عموم في وقائع الأحوال كما حقّقناه في محلّه.

الخامس : يجب الخمس فيما يخرج من البحر بالغوص كاللؤلؤ والمرجان والجواهر والذهب والفضّة.

ويدلّ عليه بعد الإجماع كما نقله في المنتهي (٢) الأخبار المستفيضة ، منها : رواية محمّد بن عليّ الّتي نقلناها في نصاب المعدن (٣).

ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن العنبر وغوص اللؤلؤ قال : «عليه الخمس» (٤).

وصحيحة عمّار بن مروان المروية في الخصال قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس» (٥).

وحسنة ابن أبي عمير لإبراهيم بن هاشم المروية فيه أيضاً عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز والمعادن والغوص

__________________

(١) الأمالي : ٣٦٧ ح ٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٠ أبواب اللقطة ب ١٠ ح ٤.

(٢) المنتهي ١ : ٥٤٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١ ح ٧٢ ، التهذيب ٤ : ١٢٤ ح ٣٥٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٥. سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، فقال : إذا بلغت قيمته ديناراً ففيه الخمس.

(٤) التهذيب ٤ : ١٢١ ح ٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٧ ح ١.

(٥) الخصال : ٢٩٠ ح ٥١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٦.

٣٠٩

والغنيمة» ونسي ابن أبي عمير الخامس (١).

وفي كتاب صفات الشيعة أيضاً رواية تدلّ على وجوبه في الغوص (٢) ، وفي التهذيب أيضاً روايتان تدلان ن عليه عموماً (٣).

فهذه الأخبار الكثيرة المعتبر كثير منها يكفي.

فلا وجه لتمسّك صاحب المدارك في التعميم بعدم القول بالفصل (٤) ، لاقتصاره على ذكر صحيحة الحلبي ، وتضعيفه لرواية محمّد بن عليّ.

ويعتبر فيه النصاب ، والظاهر أنّه إجماعيّ كما يظهر من المنتهي (٥).

والمشهور أنّه دينار ؛ لرواية محمّد بن عليّ المنجبرة بعملهم ، المتمّمة بعدم القول بالفصل.

وعن المفيد في المسائل العزّيّة : أنّه عشرون ديناراً (٦) ، ومأخذه غير معلوم.

وما زاد على النصاب يجب فيه وإن قلّ ، والظاهر أنّه إجماعيّ ، وهو مقتضى الإطلاقات.

ولو اشترك جماعة في الغوص اعتبر نصيب كلّ منهم على حدة.

والخمس في الغوص أيضاً بعد وضع مئونة الغوص.

ويعتبر النصاب بعد المئونة على الأظهر ، وأسنده في الروضة إلى ظاهر الأصحاب (٧) وكذلك في المعدن والكنز.

__________________

(١) الخصال : ٢٩١ ح ٥٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٧.

(٢) صفات الشيعة : ٩ ح ١٧.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦ ، وص ١٢٦ ح ٣٦٤ ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم ، ومن الغوص ، والكنوز ، ومن المعادن ، والملاحة. وعن بعض الأصحاب : الخمس من خمسة أشياء : من الكنوز والمعادن والغوص ..

(٤) المدارك ٥ : ٣٧٥.

(٥) المنتهي ١ : ٥٥٠

(٦) نقله عنه في المختلف ٣ : ٣٢٠.

(٧) الروضة البهيّة ٢ : ٧١.

٣١٠

والظاهر تعلّقه بالعين كنظائره ، وأنّه يجوز إخراج القيمة أيضاً كما صرّح به في البيان (١).

والمراد بالغوص : ما يخرج من البحر بالنزول فيه والإخراج من تحت الماء ، وألحق به بعض المحقّقين ما يخرج منه بالة كالكلاب ونحوه (٢) ، ولا بعد فيه ؛ لصحيحة عمّار بن مروان ، ورواية محمّد بن عليّ ، مع استفادة العلّة من الأخبار.

وأمّا ما يؤخذ من وجه الماء أو الساحل فالظاهر عدم دخوله في ذلك ، وسيّما ما يوجد في الساحل.

وقيل بالدخول (٣) ، وهو ضعيف ؛ لعدم دلالة العمومات عليه ، وعدم انصراف صحيحة عمّار أيضاً إليه.

ثمّ المتبادر من الأخبار هو إخراج ما يتعارف الغوص له ، فلو أخرج سمكة من تحت الماء فلا يفهم دخوله في الأخبار ، وقول الشيخ بدخوله فيه (٤) ضعيف ، وكذلك حيوان آخر ، نعم لا بأس بإدراجه تحت الأرباح كما سيجي‌ء (٥) ، وكذا ما يوجد في وجه الماء أو الساحل ممّا من شأنه أن يخرج بالغوص.

والحاصل أنّ ما جعله الشارع مورد الخمس من الأُمور المذكورة يعتبر فيه الوصول إليه على وجه خاص متداول في ذلك الشي‌ء ، فلزوم الخمس في المعدن إنّما هو بإخراجه من المعدن ، لا بمطلق تملّكه ، وكذلك الكنز والغوص وغيرهما.

وتظهر الثمرة في الشرائط وكونه بعد مئونة السنة وعدمه كما سيجي‌ء (٦).

ويشكل الكلام فيما لو اجتمع أحد الأُمور المذكورة مع الأخر في المصداق ،

__________________

(١) البيان : ٣٤٦.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٦٣.

(٣) الذخيرة : ٤٨٠.

(٤) المبسوط ١ : ٢٣٨.

(٥) ص ٣٢٥.

(٦) ص ٣١٢.

٣١١

كما لو أخرج بالغوص ما هو معدن ، بأن يكون تحت الماء معدن الذهب مثلاً أو معدن الجواهر وأخرجه بالغوص ، أو غنم من دار الحرب معدناً وهكذا ، فيحتمل وجوب الإخراج عن الجميع ، وملاحظة غبطة أهل الخمس فيما يختلف باعتبار النصاب وعدمه أو اختلافه ، والتخيير بين العمل على مقتضى كلّ منها ، ولعلّ الأخير أوجه.

وكيف كان فلا يتعدّد الخمس كما مرّ في الزكاة.

ويدلّ عليه ما نقل عن تحف العقول عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون ، قال : «والخمس من جميع المال مرة واحدة» (١).

ويبقى الإشكال في ملاحظة سائر الأقسام مع الأرباح ، يعني : أنّه إذا خمّس المعدن والغوص وغيرهما وبقي في يده شي‌ء يصرفه في مئونة السنة ، ثمّ فضل له شي‌ء من تلك الأرباح أو منها ومن غيرها جميعاً ، والأظهر فيها أيضاً عدم التعدد.

والظاهر أنّ الأجناس المختلفة كالجوهر واللؤلؤ والمرجان تجتمع ويحسب النصاب من الجميع ، سواء تعدّدت البقاع أو اختلفت ، وفاقاً للعِمة (٢) والشهيد الثاني (٣) رحمهما‌الله.

والكلام في الدفعة والدفعات كما مرّ.

تتميم

يجب الخمس في العنبر بإجماع أصحابنا كما نقله غير واحد (٤) ، وتدلّ عليه صحيحة الحلبي المتقدّمة (٥).

__________________

(١) تحف العقول : ٤١٨ ، الوسائل ٦ : ٣٤١ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ١٣.

(٢) المنتهي ١ : ٥٤٩ ، التذكرة ٥ : ٤٢٨.

(٣) الروضة البهيّة ٢ : ٧٢.

(٤) التذكرة ٥ : ٤١٩ ، المدارك ٥ : ٣٧٧.

(٥) التهذيب ٤ : ١٢١ ح ٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٧ ح ١.

٣١٢

والمشهور فيه اعتبار النصاب ، وظاهر الشيخ في النهاية عدمه (١) ، وقوّاه في المدارك (٢).

ثمّ الأكثر على أنّه إن أُخرج بالغوص فهو دينار ، وإن جُني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعدن (٣) ، وعن المفيد في العزّيّة أنّ نصابه عشرون ديناراً (٤).

والمسألة لا تخلو عن إشكال ، لأجل جهالة حقيقة العنبر ، ولحوقه بالمعادن حتى فيما لو جني من وجه الماء وعدمه ، ثمّ تقديم وصف الغوص على المعدنية إن حصل بالغوص.

نعم لتفصيلهم وجه بناءً على عدم اعتبار النصاب في المعدن ، ففيما لم يحصل بالغوص لم يعتبر النصاب ، سواء كان في نفس الأمر معدناً أم لا ، ولكن لا يتم على مذهب من اعتبر فيه عشرين ديناراً ، إلا إذا ثبت كونه معدناً حينئذٍ.

وكيف كان فالأحوط ، بل الأظهر عدم اعتبار النصاب فيما لو أُخذ من غير جهة الغوص وما في معناه من الإخراج بالآلة ، وفيما يخرج بالغوص يعتبر كونه بمقدار دينار ؛ لعدم ثبوت معدنيّته ؛ لأنّ الظاهر عدم القول بالفصل ، فلا يضرّ عدم اشتمال الرواية عليه.

واختلف كلام أهل اللغة فيه ، قال في الصحاح : إنّه نوع من الطيب (٥).

وفي القاموس : روث دابة بحريّة ، أو نبع عين فيه (٦).

وعن جماعة من الأطبّاء : أنّه جماجم تخرج من عين في البحر أكثرها وزنه ألف مثقال (٧).

__________________

(١) النهاية : ١٩٧.

(٢) المدارك ٥ : ٣٧٨.

(٣) كالعلّامة في التذكرة ٥ : ٤٢٠ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٦١.

(٤) نقله عنه في المختلف ٣ : ٣٢٠.

(٥) الصحاح ٢ : ٧٥٩.

(٦) القاموس المحيط ٢ : ٩٦.

(٧) نقله في البيان : ٣٤٥.

٣١٣

وقيل : إنّه نبات ينبت في البحر ، نقله ابن إدريس (١) عن اقتصاد الشيخ (٢) ومبسوطه (٣).

وعن الجاحظ في كتاب الحيوان : العنبر يقذفه البحر إلى جزيرة ، فلا يأكل منه شي‌ء إلا مات ، ولا ينقره طائر بمنقاره إلا نصل فيه منقاره ، وإذا وضع رجليه عليه نَصَلَت أظفاره ، فإن كان قد أكل منه قتله ما أكل ، وإن لم يكن أكل منه ، فإنّه ميّت لا محالة ؛ لأنّه إذا بقي بغير منقار ولم يكن للطائر شي‌ء يأكل به مات ، والعطّارون يخبرون بأنّهم ربما وجدوا [فيه] المنقار والظفر (٤).

ونقل أيضاً عن المسعوديّ في كتاب مروج الذهب ومعادن الجواهر : أصل الطيب خمسة أصناف : المسك والكافور والعود والعنبر والزعفران ، كلّها يحمل من أرض الهند إلا الزعفران والعنبر ، فإنّه يوجد بأرض الزنج والأندلس (٥).

وكيف كان فالأظهر في المسألة ما ذكرنا.

السادس : أرباح التجارات والزراعات والصنائع وجميع أنواع الاكتسابات وفواضل الأقوات من الغلات والزراعات عن مئونة السنة على الاقتصاد وهو قول علمائنا أجمع ، وقد خالف فيه الجمهور كافّة ، هذه عبارة المنتهي (٦).

وكذلك في التذكرة نسبه إلى علمائنا كافّة (٧) ، ومَنعُه إلى الجمهور كافّة ، وتظهر دعوى الإجماع عليه من غيره أيضاً (٨).

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨٦.

(٢) انظر الاقتصاد : ٢٨٣ ، وليس فيه أنّه نبات في البحر.

(٣) انظر المبسوط ١ : ٢٣٦ ، وليس فيه أنّه نبات في البحر.

(٤) الحيوان ٥ : ٣٦٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) نقله عنه في السرائر ١ : ٤٨٦.

(٦) المنتهي ١ : ٥٤٨.

(٧) التذكرة ٥ : ٤٢١.

(٨) كالشيخ في الخلاف ٢ : ١١٨ مسألة ١٣٩ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٩ ، والشهيد في البيان : ٣٤٨.

٣١٤

قال الشهيد في البيان : وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع ، وأنّه لا خمس فيه ، والأكثر على وجوبه ، وهو المعتمد ؛ لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة التابعة لزمانهما واشتهار الروايات فيه (١) ، انتهى.

والحاصل أنّ رجحانه إجماعيّ ، ووجوبه مشهور مدّعى عليه الإجماع من غير واحد من العلماء (٢) ، وهو الحقّ.

لنا : قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ) (٣) الآية استدلّ الأصحاب بها.

ويظهر منهم هنا وفي جميع أقسام ما فيه الخمس حيث استدلوا بالآية أنّ بناءهم على أنّ الآية غير مختصة بغنائم دار الحرب ، فما يوهمه قول المحقّق الطبرسي ، في أوّل كلامه (٤) أنّ المراد بالغنيمة هي غنيمة دار الحرب وأنّه مروي عن أئمتنا «من أنّ الآية مختصة بها ، ليس كذلك ؛ لأنّ مراده هنا بيان الفرق بين الغنيمة والفي‌ء ، يعني : أنّ الغنيمة وإن كانت من حيث اللغة عامّة ، ولكن أُريد من الآية هنا بيان حكم ما أُخذ من أهل الحرب بالقتال ، لا بأن يكون اللفظ معناه ذلك فقط ، بل أُريد أنّ هذه الفائدة هي التي أراد الله تعالى بيان حكمها ، وهو ما أُخذ في القتال ، بقرينة ما قبل الآية وما بعدها ، لا ما يسمّى فيئاً من أفراد الغنيمة ، خلافاً لقوم من الجمهور حيث جعلوهما واحداً ، ولم يفرّقوا بين الفي‌ء والغنيمة ، وادّعوا نسخ أية الفي‌ء الّتي هي مذكورة في سورة الحشر وآية الأنفال بهذه.

والحاصل أنّ مراد الطبرسي أنّ أية الفي‌ء والأنفال لم تنسخ ، والذي يقسّم على الأصناف هو ما أُخذ بالقتال ، وهذا لا ينافي عموم الآية لكلّ ما يسمّى غنيمة وفائدة.

ولعلّه أراد بما هو مرويّ عن أئمتنا «مثل ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان ، عن

__________________

(١) البيان : ٣٤٨.

(٢) كالشيخ في الخلاف ٢ : ١١٨ مسألة ١٣٩ ، والعلّامة في المنتهي ١ : ٥٤٨ ، والتذكرة ٥ : ٤٢١ والشهيد في البيان : ٣٤٨.

(٣) الأنفال : ٤١.

(٤) مجمع البيان ٢ : ٥٤٣.

٣١٥

الصادق عليه‌السلام : في الغنيمة قال : «يخرج منها الخمس ، ويقسّم ما بقي بين من قاتل عليه وولي ذلك ، وأمّا الفي‌ء والأنفال فهو خالص لرسول اللهُ» (١) وما في معناه.

ويشهد بما ذكرنا من مراده ما ذكره في أواخر كلامه ، قال : وقال أصحابنا إنّ الخمس واجب في كلّ فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات ، وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب ، ويمكن أن يستدلّ على ذلك بهذه الآية ، فإنّ في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم الغُنم والغنيمة (٢) ، انتهى. وظاهره أيضاً دعوى الإجماع على المسألة.

ويشهد بما ذكرنا من بيان مراد المحقّق الطبرسي رحمه‌الله عبارة المنتهي في كتاب الجهاد ، قال : المقصد الرابع في الغنائم ، الغنيمة هي الفائدة المكتسبة ، سواء اكتسبت برأس مال ، كأرباح التجارات والزراعات وغيرهما ، أو اكتسبت بالقتال والمحاربة ، والقسم الأوّل مضى البحث فيه ، والكلام هنا يقع في القسم الثاني.

ومراده بما مضى هو ما مضى في كتاب الخمس.

ثمّ قال : مسألة ، قد بيّنا أنّ الغنيمة شاملة لما يغنم بالقهر والغلبة من أموال المشركين ، ولما يغنم بالمعاش والربح ، وعند الجمهور الغنيمة اسم للمعنى الأوّل ، والوضع يساعدنا على الشمول للمعنيين معاً ، وأما الفي‌ء فهو مشتق من فاء يفي‌ء إذا رجع ، والمراد به في قوله تعالى (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) (٣) الآية ؛ ما حصل ورجع إليه من غير قتال ولا إيجاف بخيل ولا ركاب ، وما هذا حكمه فهو للرسول خاصة ، ثمّ قال : والغنيمة مشتق من الغُنم وهو المستفاد مطلقاً على ما بيّنا (٤).

أقول : ومراده رحمه‌الله من المستفاد مطلقاً أعمّ مما استفيد بالقتال أو بغيره.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٢ ح ٣٦٩ ، الوسائل ٦ : ٣٣٩ أبواب الأنفال ب ٢ ح ٣.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٥٤٤.

(٣) الحشر : ٦.

(٤) المنتهي ٢ : ٩٢١.

٣١٦

والحاصل أنّ ظهور الآية في عموم الفائدة ظاهر ، ولا يضرّ ظهور بعض أجزاء الآية وما قبلها ومابعدها في إرادة غنيمة دار الحرب ؛ إذ ذلك لا يقتضي كون معنى الغنيمة ذلك فقط ، فكأنّ الله تعالى يحكم على جزئي بسبب ثبوت حكمه تعالى في كلّية ، وهذا ما يقال : إنّ السبب لا يخصّص العام ، والعبرة بعموم اللفظ ، سيّما مع ملاحظة لفظ «من شي‌ء» بعده.

واستدلال الأصحاب في جميع موارد الخمس من المعادن والكنوز وغيرهما وفي خصوص هذه المسألة بعموم الآية يعيّن ذلك.

وكذلك الأخبار المستفيضة جدّاً تدلّ على إرادة العموم ، وقد مرّ بعضها ، وسيجي‌ء بعض آخر.

لكن يبقى الإشكال في معنى الفائدة ، والظاهر منها مطلق النفع الحاصل للإنسان كما يظهر من اللغة.

قال الجوهري : الفائدة ما استفدت من علم أو مال (١) ، وكذلك في القاموس (٢).

ولا يطلق على نفس المتاع ، ولا على نفس البذر الحاصل من الزرع مثلاً ، أو هو مع شي‌ء زائد من البذر بحيث لم يزد على ما اغترمه فيه.

وأمّا الغنيمة ؛ فظاهرهم أنّها الفائدة المكتسبة كما صرّح به العلامة في المنتهي (٣) والمقداد في كنز العرفان (٤) وصاحب مجمع البحرين (٥).

والاكتساب طلب الرزق كما صرّح به الجوهريّ (٦) والفيروزآبادي (٧) ، وعلى هذا

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٥٢١.

(٢) القاموس ١ : ٣٢٥ ٣٣٧.

(٣) المنتهي ٢ : ٩٢١.

(٤) كنز العرفان ١ : ٢٤٩.

(٥) مجمع البحرين ٢ : ٣٣٣.

(٦) الصحاح ١ : ٢١٢.

(٧) القاموس المحيط ١ : ١٢٨.

٣١٧

فلا يدخل فيه كلّ ما حصل للإنسان بدون الكسب ، كالميراث ، وطير وقع في كفّه من الهواء ، أو صيد دخل داره مخافة ذئب ، أو كلب ، أو نحو ذلك ، وسيجي‌ء تمام الكلام.

فلنرجع إلى ذكر الأدلّة ، فنقول : يدلّ على المسألة بعد الإجماعات المتعدّدة وعموم الآية : الروايات المستفيضة ، مثل ما رواه الكليني رحمه‌الله عن حكيم مؤذّن بني عبيس (١) ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، بمرفقيه على ركبتيه ثمّ أشار بيده ثمّ قال : «هي والله الإفادة يوماً بيوم ، إلا أنّ أبي جعل شيعته في حلّ ليزكوا» (٢).

وعن سماعة في الموثّق ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس فقال : «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (٣).

ثمّ روى بعدهما عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن يزيد وفي نسختين من الكافي ابن يزيد قال : كتبت جُعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدّها؟ رأيك أبقاك الله تعالى أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكيلا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم؟ فكتب : «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها ، وحرث بعد الغرام أو جائزة» (٤).

ويظهر منه رضي‌الله‌عنه أنّ هذا الحديث بيان للفائدة المذكورة في السابقين ، ويظهر منه شمول للجائزة من أقسام غير المكتسب.

وروى الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن مهزيار قال ، قال : أبو عليّ ابن راشد ، قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأيّ شي‌ء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه ، فقال : «يجب عليهم الخمس» فقلت : ففي

__________________

(١) في «ح» : عميس ، وفي الكافي : ابن عيسى.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٤ ح ١٠ ، الوسائل ٦ : ٣٨٠ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٨.

(٣) الكافي ١ : ٥٤٥ ح ١١ ، الوسائل ٦ : ٣٥٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٦.

(٤) الكافي ١ : ٥٤٥ ح ١٢ ، الوسائل ٦ : ٣٥٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٧.

٣١٨

أيّ شي‌ء؟ فقال : «في أمتعتهم وضياعهم» قلت : فالتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال : «ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (١).

وعن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة ، ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس ، فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا ، وحرّم عليهم الصدقة ، حتّى الخياط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق ، إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة ، إنّه ليس شي‌ء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا ، إنّه ليقوم صاحب الخمس فيقول : يا ربّ سل هؤلاء بما أُبيحوا» (٢).

وعن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن الحسن الأشعري ووصفه في المنتهي بالصحّة قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع ، وكيف ذلك؟ فكتب بخطه : «الخمس بعد المئونة» (٣).

وفي بعض النسخ «الصناع» بالصاد المهملة والنون ، إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة ، بل المتواترة على ما ادّعاه العلامة في المنتهي والتذكرة (٤).

ولا يحسن القدح في سند بعضها ؛ لانجبارها بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع.

ولا في دلالتها ؛ لوضوح دلالتها في الجملة في الجميع ، وعدم الإشكال في الدلالة في البعض ، ولا في اشتمال بعضها على ما لا يقول به الأصحاب ؛ لأنّه لا يضرّ في الاستدلال كما مرّ مراراً.

والحاصل أنّ أصل المسألة مما لا إشكال فيه.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٣ ح ٣٥٣ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ح ١٨٢ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٢ ح ٣٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ح ١٨٠ ، الوسائل ٦ : ٣٥١ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٨.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٣ ح ٣٥٢ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ح ١٨١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ١.

(٤) المنتهي ١ : ٥٤٨ ، التذكرة ٥ : ٤٢١.

٣١٩

ويبقى الكلام في مقامات :

الأوّل : إنّ المراد من الفوائد هل هو كلّ فائدة أم لا؟ فالمشهور أنّ الميراث والصدقة والهبة غير داخلة فيه ، وذهب أبو الصلاح إلى وجوبه فيها (١) ، واستحسنه الشهيد في اللمعة (٢) ، ومال إليه شارحها (٣) ، وكذلك المحقّق في المعتبر (٤) كما يظهر من ملاحظة كلامه في المال المختلط بالحرام.

وأنكره ابن إدريس وقال : لم يذكره أحد من أصحابنا إلا أبو الصلاح ، ولو كان صحيحاً لنقل نقل أمثاله متواتراً (٥).

وذهب الناصر إلى أنّ في قليل العسل وكثيره الخمس (٦) ، ونفاه السيد في المسائل الناصريّة (٧) ؛ للأصل والإجماع.

وعن الشيخ في المبسوط : العسل الذي يؤخذ من الجبل ، وكذلك المنّ فيه الخمس (٨).

والمنّ على ما ذكره أهل اللغة : هو طلّ يقع على أوراق الأشجار.

وقال في القاموس : المنّ كلّ طلّ ينزل من السماء على حجر أو شجر ويحلو وينعقد عسلاً ويجفّ جفاف الصمغ ، كالشيرخشت والترنجبين ، والمعروف بالمنّ ما وقع على شجر البلوط (٩) ، وكذلك يظهر من الصحاح (١٠).

أقول : فعلى هذا فالكزنكبين الذي يحصل في بلدة خونسار ونواحيها ليس بالمنّ ،

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٢) اللمعة : ٥٥ ، الروضة البهيّة ٢ : ٧٤.

(٣) الروضة البهيّة ٢ : ٧٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٢٤.

(٥) السرائر ١ : ٤٩٠.

(٦) نقله عنه السيّد في المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ٢٠٥ مسألة ١٢١.

(٧) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ٢٠٥ مسألة ١٢١.

(٨) المبسوط ١ : ٢٣٧.

(٩) القاموس ٤ : ٢٧٤.

(١٠) الصحاح ٦ : ٢٢٠٧.

٣٢٠