غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

المبحث الأوّل

فيما يجب فيه

وفيه مطالب :

الأوّل : المشهور الأقوى أنّه سبعة كما يستفاد من الأدلّة الاتية.

وهي : غنائم دار الحرب ، وأرباح التجارات والزراعات والصناعات والاكتسابات ، والمعادن ، والكنوز ، وما يخرج بالغوص ، والحلال المختلط بالحرام مع جهل القدر والمالك ، وأرض اشتراها الذميّ من مسلم.

وزاد الشيخ : العسل الجبلي والمنّ (١) ، وأبو الصلاح الميراث والهبة والصدقة (٢).

وسيجي‌ء الإشكال والكلام فيهما ، وفي أنّ المراد بالإثبات والنفي في هذه المذكورات هل هو الخصوصيّة أو الماهيّة ، فلعلّ من ينفيه في العسل والمنّ ينفيه من حيث الخصوص ، وإن أثبته فيه من حيث الاكتساب ، أو لعلّ من ينفي في الأخير يمنعه من جهة عدم الإدراج في المنافع والأرباح ، ومن يثبته فيها يدرجه فيها أو يدّعي الثبوت بالخصوص.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٣٧.

(٢) الكافي في الفقه : ١٧٠.

٢٨١

وإطلاق الآية (١) وإن اشتمل على أزيد من ذلك إن جعلنا الغنيمة مطلق الفائدة ، ولكن الظاهر أنّه لم يذهب إليه أحد من علمائنا.

بل ربّما يدّعى ظهورها في غنائم دار الحرب بملاحظة تفسير المفسّرين (٢) ، وبقرينة نقل الحرب فيما قبل الآية ، وفيما بعدها وفيها (٣).

فإنّ المراد بيوم الفرقان يوم التقى الجمعان واقعة بدر ، حيث حصل الفرق بين الحقّ والباطل ، والتقى المسلمون والكفار.

مؤيّداً بملاحظة سائر النظائر ، فإنّ ذكر العام وإرادة بعض أفراده ، والمطلق وإرادة بعض المقيّدات كثير جدّاً.

فالأصل وعدم وجود القائل من الأصحاب وتفسير المفسّرين يرجّح تخصيصها بغنائم دار الحرب ، ولكن ظاهر الأصحاب كالأخبار التعميم ، فلاحظ الأخبار (٤) وكلماتهم ، وسيجي‌ء كثير منها.

وأمّا صحيحة عبد الله بن سنان فلا بدّ من تأويلها ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة» (٥).

وأوّلها الشيخ : بأنّ الخمس بظاهر القرآن ليس إلا في الغنائم ، وفي غيرها إنّما ثبت بالسنّة. أو أنّ المراد من الغنائم كلّ ما وجب فيها الخمس (٦).

ويمكن إرادة الحصر الإضافي بالنسبة إلى ما يسرق من الكفار أو يأخذ على وجه

__________________

(١) الأنفال : ٤١ ، قال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ).

(٢) كما في التبيان ٥ : ١٢٢ ، ومجمع البيان ٢ : ٥٤٣.

(٣) قال تعالى قبلها (وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) .. ، وقال تعالى بعدها (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ..

(٤) الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١ ح ٧٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٤ ح ٣٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٥٦ ح ١٨٤ ، الوسائل ٦ : ٣٣٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ١.

(٦) التهذيب ٤ : ١٢٤ ذ. ح ٣٥٩.

٢٨٢

الغيلة كما سيجي‌ء ، بأن يراد من الغنائم هو ما يؤخذ قهراً بالسيف بإذن الإمام.

الثاني : يجب الخمس في غنائم دار الحرب ممّا حواه العسكر وما لم يحوه ، منقولاً كان أو غير منقول ، مما يصحّ تملّكه للمسلمين ، ممّا كان مباحاً في أيديهم ، لا مغصوباً.

قال في المنتهي : وهذه الغنائم لم تكن مُحلّلة لأحد من الأنبياء ، وإنّما حلّت لرسول اللهُ ؛ لقوله عليه‌السلام : «أُعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد من قبلي» (١) وذكر فيها «وأُحلّت لي الغنائم» وكانت في بَدو الإسلام لرسول اللهُ يصنع بها ما شاء ، ثمّ نسخ ذلك فصار أربعة أخماس للمجاهدين ، والخمس الباقي لأصناف المستحقّين (٢) ، انتهى.

ويدلّ على الوجوب في هذا الصنف الإجماع والكتاب (٣) والسنة (٤).

والإجماع إنّما هو فيما أخذه المسلمون بالحرب بإذن الإمام.

وإن كان بغير إذنه فنقل في المنتهي (٥) عن الشيخين (٦) والسيد (٧) وأتباعهم (٨) أنّه للإمام ، واختاره المحقّق في الشرائع (٩) والشهيد في الدروس (١٠) ، وربّما نقل عن ابن إدريس دعوى الإجماع عليه (١١) ، ويشعر به كلام ابن فهد أيضاً (١٢).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٨٠ ح ٦ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٢٩ أبواب التيمم ب ٥ ح ٤ وذكر فيه «وأحلّ لي المغنم».

(٢) المنتهي ١ : ٥٤٤.

(٣) الأنفال : ٤١.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٣٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢.

(٥) المنتهي ١ : ٥٥٣.

(٦) المقنعة : ٢٧٩ ، النهاية : ٢٠٠ ، المبسوط ١ : ٢٦٣ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢٠٨.

(٧) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٦٣٥.

(٨) كالقاضي في المهذّب ١ : ١٨٦.

(٩) الشرائع ١ : ١٦٦.

(١٠) الدروس ١ : ٢٥٨.

(١١) السرائر ١ : ٤٩٧.

(١٢) المهذّب البارع ١ : ٥٦٧.

٢٨٣

وقال في المنتهي : وقال الشافعي : حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام ، لكنّه مكروه. وقال أبو حنيفة : هي لهم ولا خمس. ولأحمد ثلاثة أقوال ، كقولي الشافعي وأبي حنيفة ، وثالثها : لا شي‌ء لهم ، ثمّ قوّى قول الشافعي (١).

واستجوده في المدارك (٢) ، وهو الظاهر من المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله (٣) ، ويظهر من المحقّق أيضاً ميل إلى ذلك في المعتبر (٤) ، وتوقّف في النافع (٥).

وتدلّ على قول الأكثر : رواية العباس الورّاق ، عن رجل سمّاه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا غزى قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام عليه‌السلام ، فإذا غزوا بإذن الإمام عليه‌السلام فغنموا كان للإمام الخمس» (٦).

قال في المهذّب : وعليها عمل الأصحاب (٧).

ودليل الأخر : عموم الآية (٨) ، وخصوص حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يكون من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم ، فيصيب غنيمة ، فقال : «يؤدّي خمساً ويطيب له» (٩).

وهذا القول لا يخلو من قوّة ؛ فإنّ تخصيص الكتاب بمثل تلك الرواية مشكل.

وتؤيّده الأخبار الواردة في حصر الأنفال (١٠) ، وليس ذلك فيها كما سيجي‌ء ، وكذلك ما يدلّ على جواز تملّك ملك من لا حرمة لماله (١١).

__________________

(١) المنتهي ١ : ٥٥٤ ، وانظر المغني ١٠ : ٥٢٢ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٥٧ ، وبدائع الصنائع ٧ : ١١٨.

(٢) المدارك ٥ : ٤١٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٣٤٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٣٥.

(٥) المختصر النافع : ٦٤.

(٦) التهذيب ٤ : ١٣٥ ح ٣٧٨ ، الوسائل ٦ : ٣٦٩ أبواب الأنفال ب ١ ح ١٦.

(٧) المهذّب ١ : ١٨٦.

(٨) الأنفال : ٤١.

(٩) التهذيب ٤ : ١٢٤ ح ٣٥٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ٨.

(١٠) الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب الأنفال ب ١.

(١١) الوسائل ٦ : ٣٧٣ أبواب الأنفال ب ٢.

٢٨٤

ولكن القول الأوّل أقوى ؛ لشُهرته بين الأصحاب كما ادّعاها جماعة (١) ، والإجماع المنقول الذي هو بمنزلة خبر صحيح ، فينجبر ضعف الرواية.

وأمّا الحسنة ؛ فلا تدلّ على أنّ ذلك كان من باب غنائم دار الحرب ، فيمكن أن يقال : إنّه كان من باب سائر الفوائد والغنائم الّتي فيها الخمس من المكاسب والحِرَف ، سيّما مع أنّ في بعض النسخ موضع لوائهم «أوانهم» وفي بعضها «ديوانهم».

ويمكن أن تخصّ رواية المشهور بزمان إمكان حصول الإذن كما هو المتبادر من اللفظ ، وعلى سبيل الجهاد والدعوة إلى الإسلام ، فأمّا في حال الغيبة أو الغزو لمجرّد النهب وجمع المال فيكون من باب سائر الفوائد والأرباح ، لأمن باب غنائم دار الحرب ، ولا من باب الأنفال.

ويمكن حمل الحسنة على الاستحباب كما في جوائز الظالمين.

وقد يتوهّم أنّ حسنة معاوية بن وهب تدلّ على المشهور قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم ، كيف تقسّم؟ قال : «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أُخرج منها الخمس لله وللرسولُ وقسّم بينهم ثلاثة أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام ، يجعله حيث أحبّ» رواها في الكافي في كتاب الجهاد في باب قسمة الغنائم (٢).

وفيه : مع ما فيه من حكاية التقسيم ومخالفته للإجماع أنّ ظاهر الفقرة الثانية حصول الغنيمة بلا مقاتلة ، لا بدون إذن الإمام أو الأمير المأذون من قبله ، وهو كذلك ، ولا إشكال فيه ، وتقدير كلمة «مع أمير» هنا خلاف الأصل.

وكيف كان فالظاهر أنّ الكلام فيما لو كان الأخذ على سبيل الحرب والغزو باسم الجهاد والدعوة إلى الإسلام.

وأمّا مطلق الأخذ قهراً وغلبةً ولو على سبيل النهب والغارة فلا يفهم من الرواية ،

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٧٤ ، والروضة البهيّة ٢ : ٨٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب الأنفال ب ١ ح ٣.

٢٨٥

ولا هو ظاهر كلامهم ، فيكون داخلاً في مثل السرقة والخدعة.

وفيما يسرق من أموال أهل الحرب أو يؤخذ غيلةً قولان ، فقال الشهيد في الدروس : إنّه لأخذه ، ولا يجب فيه الخمس ؛ لأنّه لا يسمّى غنيمة (١).

وذهب الشهيد الثاني إلى وجوب الخمس فيه وإن لم يدخل في اسم الغنيمة بالمعنى المشهور حتّى يجب تقسيمه على الوجه المذكور في كتاب الجهاد بين الغزاة ، بل هو مختصّ بأخذه (٢). وهو أقرب ؛ لاندراجه حينئذٍ تحت المكاسب والأرباح ، ويشمله عموم الآية (٣) كما سنحقّقه.

ولعلّ مراد الشهيد أيضاً نفي الخمس من حيث كونها غنيمة بالمعنى المشهور ، لا مطلقاً.

وتظهر الثمرة في إخراج مئونة السنة وعدمه.

وربّما يستدلّ عليه بفحوى صحيحة حفص بن البختري (٤) وما في معناها (٥) الإمرة بأخذ مال الناصب حيث ما وجد ، ودفع الخمس إليهم عليهم السلام.

وفيه إشكال ، مع أنّ هذه الصحيحة وما في معناها لا قائل من الأصحاب بظاهرها ، ومخالفة لقواعدهم.

وأوّلها ابن إدريس بالناصب للحرب (٦).

والظاهر أنّه لا فرق بين كون الأخذ في بلادهم أو بلاد المسلمين إذا لم يكن في أمان.

وأمّا فداء المشركين وما صولحوا عليه فالظاهر دخولهما في الغنيمة ووجوب الخمس ، كما صرّح به الشهيدان رحمهما‌الله (٧).

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٥٨.

(٢) الروضة البهيّة ٢ : ٦٥.

(٣) الأنفال : ٤١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٢٢ ح ٣٥٠ ، الوسائل ٦ : ٣٤٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ٦.

(٥) الوسائل ٦ : ٣٤٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢.

(٦) السرائر ٣ : ٦٠٦.

(٧) الدروس ١ : ٢٥٨ ، الروضة البهيّة ٢ : ٦٥.

٢٨٦

ثمّ إنّ الخمس في الغنيمة بعد وضع المُؤن بعد التحصيل ، مثل مئونة حفظها ونقلها وتحويلها إلى موضع القسمة ، ومئونة البهائم التي من جملتها ، والظاهر عدم الخلاف فيه ، وهو مقتضى الشركة وتعلّق حقّ أرباب الخمس به حين التحصيل ، وكذلك يقدّم عليه وضع الجعالة وما في معناها.

والمشهور أنّه لا نصاب فيها ؛ للإطلاق ، وعن المفيد في المسائل العزيّة أنّه اعتبر بلوغها عشرين ديناراً (١) ، ولم نقف على مستنده.

والأكثر على أنّ ما حواه العسكر من مال البغاة في حكم غنيمة دار الحرب (٢) ، مستدلاً بسيرة عليّ عليه‌السلام مع أصحاب الجمل ، حيث قسّمها بين المقاتلين ثمّ ردّها على أصحابها (٣).

وذهب آخرون إلى المنع ، منهم السيّد (٤) وابن إدريس (٥) ، محتجاً عليه بسيرة عليّ عليه‌السلام مع أصحاب الجمل أيضاً ، فإنّه أمر بردّ أموالهم ، فأُخذت حتّى القدر كفأها صاحبها لما عرفها ولم يصبر على أربابها ، كما في رواية مروان (٦).

ويظهر من السيّد في المسائل الناصرية عدم الخلاف في المسألة (٧) ، وادّعى ابن إدريس أيضاً الإجماع (٨) ، ومن أدلّتهم قوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا من طيب نفسه» (٩).

وقال في المسالك : الظاهر من الأخبار أنّ ردّ الأموال كان بطريق المنّ ،

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ٣ : ٣٢٠.

(٢) كالشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٢٥٨ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ٢ : ٦٥ ، والسيّد في المدارك ٥ : ٣٦١ ، والبحراني في الحدائق ١٢ : ٣٢٤.

(٣) الوسائل ١١ : ٥٦ أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب ٢٥.

(٤) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهيّة) : ٢٢٥ مسألة ٢٠٦.

(٥) السرائر ٢ : ١٩.

(٦) التهذيب ٦ : ١٥٥ ح ٢٧٣ ، الوسائل ١١ : ٥٨ أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب ٢٥ ح ٥.

(٧) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ٢٢٥ مسألة ٢٠٦.

(٨) السرائر ٢ : ١٩.

(٩) عوالي اللآلي ١ : ١١٣ ح ٣٠٩ ، وج ٢ : ٢٤٠ ح ٦ ، وج ٣ : ٤٧٣ ح ٣.

٢٨٧

لا الاستحقاق (١). وما ذكره يجمع بين ما دلّ على القسمة والردّ ، وتفصيل هذا المطلب محلّه كتاب الجهاد.

الثالث : يجب الخمس في المعادن ، وهو كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة ، سواء كان منطبعاً بانفراده ، كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والصفر ، أو مع غيره كالزئبق ، أو لا ، كالياقوت والفيروزج والبلور والعقيق والبَلَخش (٢) والسبَج (٣) والكحل والزرنيخ والزاج والملح والمَغرة (٤) ، أو كان مائعاً ، كالقير والنفط والكبريت.

والظاهر أنّ النباتات خارجة وإن كانت لها قيمة كالعود ، ولا يطلق عليها المعدن عرفاً أيضاً.

وتوقّف جماعة في مثل الجصّ والنّورة وطين الغسل وحجارة الرحى (٥) ، وجزم الشهيدان (٦) وغيرهما بدخولها فيها.

ولا تخلو المذكورات من الإشكال ؛ للإشكال في صدق التعريف اللغوي ؛ لمنع مغايرة المذكورات للأرض ، وعدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، واضطراب العرف العام فيها ، فالأصل عدم اللحوق فيما شُكّ فيه.

نعم يمكن الإلحاق من باب الفوائد والغنائم ، فإنّ استخراجها نوع تكسّب ، وتظهر الفائدة في اعتبار مئونة السنة وعدمه.

والدليل في المعادن هو الإجماع ، نقله غير واحد من علمائنا (٧) ، والأخبار المستفيضة

__________________

(١) المسالك ٣ : ٩٤.

(٢) البلخش : لعل ، ضرب من الياقوت ملحقات لسان العرب : ٦٨.

(٣) السبج : الخرز الأسود راجع الصحاح ١ : ٣٢١.

(٤) المَغرة : الطين الأحمر ، لسان العرب ٥ : ١٨١ ، المصباح المنير ٢ : ٥٧٦ ، مختار الصحاح : ٦٢٩.

(٥) المدارك ٥ : ٣٦٤.

(٦) الدروس ١ : ٢٦٠ ، الروضة البهيّة ٢ : ٦٦ ، المسالك ١ : ٤٥٨.

(٧) التذكرة ٥ : ٤٠٩.

٢٨٨

جدّاً عموماً وخصوصاً ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص ، فقال : «عليها الخمس جميعاً» (١).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكنز كم فيه؟ قال : «الخمس» وعن المعادن كم فيها؟ قال : «الخمس» وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ قال : «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة» (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، عن الملاحة فقال : «وما الملاحة؟» فقلت : أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً ، فقال : «هذا المعدن فيه الخمس» فقلت له : فالكبريت والنفط يخرج من الأرض ، قال ، فقال : «هذا وأشباهه فيه الخمس» (٣).

والدلالة موقوفة على ثبوت الحقيقة الشرعية في الخمس كما هو الظاهر ، ولكن في دلالة مثل صحيحة الحلبي خفاء ، ولكن لا إشكال في المسألة.

ولا يعتبر فيه الحول إجماعاً منّاً

وفي اعتبار النصاب أقوال ثلاثة ، فأكثر القدماء بل وأكثر الأصحاب (٤) كما نسب إليهم الشهيد في البيان (٥) والدروس (٦) على عدمه ، وهو مذهب ابن إدريس مدّعياً

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٤ ح ٨ ، التهذيب ٤ : ١٢١ ح ٣٤٥ ، الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ١.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٦ ح ١٩ ، الفقيه ٢ : ٢١ ح ٧٣ ، التهذيب ٤ : ١٢١ ح ٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٢ ح ٣٤٩ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٤.

(٤) منهم الشيخ في الخلاف ٢ : ١١٩ مسألة ١٤٢ ، والحلّي في السرائر ١ : ٤٨٨ ، وابن الجنيد وابن أبي عقيل كما حكاه عنهما في المختلف ٣ : ٣١٩ ، والمرتضى في الانتصار : ٨٦ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٩ ، وسلار في المراسم : ١٣٩.

(٥) البيان : ٣٤٢.

(٦) الدروس ١ : ٢٦٠.

٢٨٩

عليه الإجماع (١).

وعامّة المتأخّرين على اعتبار بلوغه عشرين ديناراً (٢).

وأبو الصلاح على اعتبار بلوغه ديناراً (٣).

للأوّل : الإجماع المنقول (٤) ، مع العمومات والإجماعات المطلقة في المعادن.

وللمتأخّرين : صحيحة البزنطي ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شي‌ء؟ قال : «ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً» (٥).

ولأبي الصلاح : ما رواه البزنطي في الصحيح ، عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضة ما فيه؟ قال : «إذا بلغ ثمنه ديناراً ففيه الخمس» (٦).

أقول : إجماع ابن إدريس بمنزلة خبر صحيح (٧) ، ويزيد عليه إطلاقات سائر الإجماعات (٨) مع عمومات الأخبار (٩) ، وعمل أكثر القدماء (١٠) ، وموافقتها للاحتياط.

ويحتمل بعيداً حمل الصحيحة على التقيّة وإرادة الزكاة ؛ لعدم التصريح فيها بذكر الخمس ، وكون وجوب الزكاة فيها قولاً لبعض العامّة.

وأمّا رواية أبي الصلاح فمع ضعفها وشذوذها لا يعارض بها ما تقدّم.

هذا كلّه بالنسبة إلى وصف المعدنية ، وأمّا بالنسبة إلى أنّه من المكاسب فلا يعتبر فيه

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨٩.

(٢) منهم العلّامة في التحرير ١ : ٧٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٤٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ٢٩٥.

(٣) الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٤) نقله الشيخ في الخلاف ٢ : ١١٩ مسألة ١٤٢ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٤٨٩.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٨ ح ٣٩١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٤ ح ١.

(٦) التهذيب ٤ : ١٣٩ ح ٣٩٢ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٥ ، وفيهما : إذا بلغ قيمته.

(٧) السرائر ١ : ٤٨٩.

(٨) كما في الخلاف ٢ : ١١٩ مسألة ١٤٢.

(٩) الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣.

(١٠) المتقدّم بعضهم في ه ٥ ص ٢٨٠.

٢٩٠

نصاب بلا شبهة.

وينبغي التنبيه لأُمور :

الأوّل : مقتضى الصحيحة المتقدّمة اعتبار عشرين ديناراً ، ولكن الظاهر كفاية مائتي درهم أيضاً كما ذكره جماعة منهم الشهيد رحمه‌الله (١) ؛ لأنّ الظاهر أنّ في صدر الإسلام كانا متساويين ، ونسبه في البيان إلى ظاهر الأصحاب (٢).

وقد تقدّمت الإشارة إلى مثل ذلك في أقلّ ما يُعطى فقير من الزكاة وغيره (٣) ، مع أنّ الصحيحة مصرّحة بما يكون في مثله الزكاة ، فذكر عشرين ديناراً إنّما هو من باب المثال ، وهذا واضح خصوصاً في معدن الفضّة.

وأمّا سائر المعادن ، فالظاهر كفاية كون قيمتها مائتي درهم ، كما مرّ نظيره في أقلّ ما يعطى الفقير من الغِت والأنعام ، وتُشير إليه صحيحة الحلبي المتقدّمة.

والظاهر أنّ ما زاد على النصاب يجب فيه الخمس ، قليلاً كان أو كثيراً ، وليس مثل الزكاة كما صرّح به العلامة (٤).

الثاني : الخمس بعد وضع مئونة الإخراج ، وظاهر العلامة عدم الخلاف في المسألة.

قال في التذكرة (٥) : يعتبر النصاب ، بعد المئونة ؛ لأنّها وصلة إلى تحصيله ، وطريق إلى تناوله ، فكانت منهما كالشريكين ، وقال الشافعي وأحمد : المئونة على المخرج ، إلى آخر ما ذكره (٦). ومثله قال في المنتهي (٧) ، فلعلّه هو الدليل ، والأصل ، ونفي

__________________

(١) البيان : ٣٤٢.

(٢) البيان : ٣٤٢.

(٣) ص ٢١٦.

(٤) المنتهي ١ : ٥٤٩.

(٥) التذكرة ٥ : ٤٢٧ مسألة ٣١٧.

(٦) المجموع ٦ : ٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١١٣ ، المغني ٢ : ٦١٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٦ ، وحكى قولهما أيضاً المحقّق في المعتبر ٢ : ٦٢٦.

(٧) المنتهي ١ : ٥٤٩.

٢٩١

العسر والحرج ، وظاهر الآية (١) ، فإنّ الغنيمة هي الفائدة المكتسبة ، والفائدة إنّما هي بعد وضع المئونة كما مرّ في الزكاة (٢).

وتؤيّده صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال : «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» وقال : «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفى الخمس» (٣).

ولأنّ الخمس متعلّق بالعين كالزكاة ، فصاحب الخمس شريك ، والمئونة توزّع على الشركاء.

أمّا أنّه متعلق بالعين فلظاهر الأدلّة ، وكذلك سائر ما فيه الخمس ؛ فإنّ مقتضى لزوم الخمس في شي‌ء تعلّقه بعينه ، ولعلّه لا خلاف فيه أيضاً.

قال في التذكرة (٤) : الخمس يجب في المخرج من المعدن والباقي يملكه المخرج ، إلى أن قال : وقال الشافعي يملك الجميع وتجب عليه الزكاة (٥).

وقال في المنتهي : الواجب خمس المعدن ، لا خمس الثمن ؛ لأنّ الخمس يتعلّق بعين المعدن لا بقيمته (٦) ، انتهى. ومثله قال في التذكرة (٧).

ومقتضى ذلك : عدم التصرّف الله بعد إخراج الخمس ، ويحتمل القول بجواز الإخراج من غيره ، وكذا إخراج القيمة كالزكاة ، وتأمّل فيه المحقق الأردبيلي رحمه‌الله ؛ لكونه قياساً (٨).

وأمّا أنّ المئونة توزّع على الشركاء فقد مرّ في كتاب الزكاة (٩) ، ولكن يشكل ذلك

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) ص ٩٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٢ ح ٣٤٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٣.

(٤) التذكرة ٥ : ٤١٢.

(٥) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ٢ : ٦٢٦.

(٦) المنتهي ١ : ٥٤٦.

(٧) التذكرة ٥ : ٤١٣.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٢٩٧.

(٩) ص ١٠٢.

٢٩٢

بأنّ ذلك إنّما يتمّ في الإخراجات بعد تعلّق الخمس ، وإنّما هو بعد الإخراج ، فتبقى الإخراجات السابقة بلا دليل ، فعمدة الإشكال على ظاهر الإجماع ، وتخرج باقي الأُمور مؤيّدةً للمطلب.

الثالث : لا إشكال فيما خرج من المعدن دفعةً ، أمّا لو خرج دفعات فقيل : إذا حصل المجموع قدر النصاب فصاعداً يجب الخمس من الجميع ، وإليه ذهب الشهيدان (١) وصاحب المدارك (٢) ؛ لإطلاق الروايات (٣).

وقال العلامة في المنتهي والتذكرة : يجب أن يتخلّل بينها إعراض ، ولا بأس بالترك لأجل الاستراحة أو إصلاح الإله ونحو ذلك ، فلو لم يصل كلّ واحد من الدفعات مع تخلّل الإعراض قدر النصاب ، فلا شي‌ء عليه وإن زاد المجموع عن النصاب (٤).

ولا يخلو من قوّة ؛ فإنّ مقتضى صحيحة البزنطي (٥) سقوط الزكاة عنه حين الإعراض ، وفي حال الإعراض ، لا بشرط الإعراض ، وليس السقوط مشروطاً بعدم العود فيستصحب.

مع أنّ هذا مقتضى منطوق الرواية ، وذلك مقتضى مفهومها ، مع أنّه معتضد بالأصل ، مضافاً إلى عدم انصراف الرواية إلا إلى غير صورة الإعراض.

وكيف كان فالأوّل أحوط.

الرابع : قال في التذكرة ) : ويعتبر النصاب في الذهب ، وما عداه قيمته ، ولو اشتمل على جنسين كذهب وفضّة أو غيرهما ضمّ أحدهما إلى الأخر ، خلافاً لبعض

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٦٠ ، المسالك ١ : ٤٥٩ ، الروضة البهيّة ١ : ٧١.

(٢) المدارك ٥ : ٣٦٧.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ، ٤.

(٤) المنتهي ١ : ٥٤٩ ، التذكرة ٥ : ٤٢٨.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٨ ح ٣٩١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٤ ح ١.

(٦) التذكرة ٥ : ٤٢٨.

٢٩٣

الجمهور حيث قال : لا يضمّ مطلقاً (١) ، وقال بعضهم : لا يضمّ في الذهب والفضّة ويضمّ في غيرهما (٢). ومثله قال في المنتهي ، وظاهره الإجماع (٣) ، وهو مقتضى الإطلاقات.

ويشكل الأمر في المركّب من الذهب والفضّة ، فيمكن اعتبار النصابين فيهما ، كما أشرنا سابقاً إلى تساويهما في صدر الإسلام ، فلو فرض كون المخرج عشر دنانير من الذهب ومائة درهم من الفضة ، فيجب فيه الخمس ديناران وعشرون درهماً ، هذا.

وأمّا لو اختلفت بقاع المعادن ، سواء اتحدت أو اختلفت ، فظاهر الشهيد وغيره عدم الفرق ، قال في الدروس : ولا فرق بين أن يكون الإخراج دفعةً أو دفعات كالكنز ، وإن تعدّدت بقاعها وأنواعها ، ولا بين كون المُخرج مسلماً أو كافراً بإذن الإمام ، أو صبيّاً أو عبداً (٤).

وقال في الروضة (٥) : وفي اعتبار اتّحاد النوع وجهان ، أجودهما اعتباره في الكنز والمعدن ، دون الغوص ، وفاقاً للعِمة (٦).

وقال في البيان (٧) : وفي اشتراط اتحاد المعدن في النوع نظر ، فإن قلنا به لم يضمّ الذهب إلى الحديد والمغرة ، وإلا ضمّ ، وهو قوله رحمه‌الله في التحرير (٨) ، انتهى.

أقول : قد عرفت أنّ كلامه في التذكرة والمنتهى ظاهر في حال المعدن الواحد المشتمل على الجنسين ، لا مطلق المعادن ، وضمّ المعادن المختلفة البقاع مع اختلاف النوع لا يخلو عن إشكال ، والمتبادر من الأخبار هو المتّفق النوع (٩).

__________________

(١) المغني ٢ : ٦١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٥.

(٢) انظر المغني ٢ : ٦١٨ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٨٥.

(٣) المنتهي ١ : ٥٤٩.

(٤) الدروس ١ : ٢٦٠.

(٥) الروضة البهيّة ١ : ٧٢.

(٦) التحرير ١ : ٧٣.

(٧) البيان : ٣٤٣.

(٨) التحرير ١ : ٧٣.

(٩) الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣.

٢٩٤

نعم لو اشتمل المعدن على جنسين فالظاهر ما ذكره العلامة رحمه‌الله (١) ، ويظهر منه عدم الخلاف فيه إلا عن العامّة (٢).

ويظهر من المدارك (٣) أنّه فهم من كلام المنتهي (٤) أنّه لم يعتبر الاتحاد مطلقاً حتّى يدّعى أنّ ظاهر العلامة الإجماع على عدم اعتبار الاتحاد في النوع مطلقاً.

وأنت خبير بأنّه ليس كذلك ، وقد عرفت الإشكال من الشهيدين (٥).

وصرّح في التحرير بعدم انضمام أحد الكنزين إلى الأخر (٦) ، ولعلّه لا فرق بينهما.

الخامس : لو اشترك جماعة في استخراجه ) اشترط بلوغ نصيب كلّ واحد النصاب ، قال في البيان : وظاهر الرواية قد يفهم منه عدم الاشتراط (٨).

أقول : ويدفعه اعتبار المماثلة مع الزكاة.

قال : ونعني بالشركة الاجتماع على الحفر والحيازة ، فلو اشترك قوم فصدر من بعضهم الحفر ، ومن آخرين النقل ، ومن قوم السبك ، احتمل كونه للحافر ، وعليه اجرة الناقل والسابك ، واحتمل كونه بينهم أثلاثاً ، ويرجع كلّ واحد منهم على الأخرين بثلث اجرة عمله بناءً على أنّ نية الحافر تؤثر في ملك غيره (٩).

أقول : يعني إن نوى الحافر الشركة بينهم ، فالاحتمال الأوّل مبني على نية الانفراد أو عدم تأثيرها في ملك الغير.

السادس : قال فيه أيضاً : لو استأجر على إخراج المعدن فالخارج للمستأجر ، ولو نوى

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٤٢٨.

(٢) المغني ٢ : ٦١٨ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٨٥.

(٣) المدارك ٥ : ٣٦٧.

(٤) المنتهي ١ : ٥٤٩.

(٥) الدروس ١ : ٢٦٠ ، البيان : ٣٤٣ ، المسالك ١ : ٤٥٩ ، الروضة البهيّة ١ : ٧١.

(٦) التحرير ١ : ٧٣.

(٧) في «م» : إخراجه.

(٨) البيان : ٣٤٣.

(٩) البيان : ٣٤٣.

٢٩٥

الأجير التملّك لنفسه لم يملك (١). وهو كذلك.

السابع : قال في التذكرة ) : الذميّ يجب عليه الخمس فيه ، وبه قال أبو حنيفة (٣) إلى أن قال وقال الشيخ : يُمنع الذمّيّ من العمل في المعدن ، وإن أخرج منه شيئاً ملكه وأخرج منه الخمس (٤) ، وأفتى بمنع الذميّ عن العمل في البيان أيضاً (٥) ، ونسب التملّك والتخميس إذا خالف وفعل إلى الشيخ في الخلاف (٦).

الثامن : المعادن تبع الأرض يملك من يملكها ؛ لأنّها من أجزائها ، فإن كان في ملكه فهو له يصرف خمسه إلى أربابه والباقي له وإن أخرجه غيره بدون إذنه ، ولا شي‌ء للمخرج ، ولكن لا تعدّ هذه مئونة بالنسبة إلى المالك. وإن كان في مباح فهو لواجده ويعطي خمسه.

التاسع : قال في البيان : لو أخرج خمس تراب المعدن ففي إجزائه عندي نظر ، من اختلافه في الجوهر. ولو اتخذ منه دراهم أو دنانير أو حليّاً ، فالظاهر أنّ الخمس في السبائك لا غير (٧).

أقول : ولو علم التساوي فلا إشكال في الجواز ، والمعتبر في الحليّ هو نفس الجوهر من حيث المعدنية ، ويعتبر الزائد من حيث كونه من فائدة الكسب كما لو اتجر به.

العاشر : قال في المنتهي : الخمس يجب في نفس المخرج من المعدن ، ويملك المخرج الباقي ، ثمّ قال : ويستوي في ذلك الصغير والكبير عملاً بالعموم ، هذا إذا كان المعدن في موضع مباح ، فأمّا إذا كان في الملك فالخمس لأهله والباقي لمالكه (٨).

__________________

(١) البيان : ٣٤٣.

(٢) التذكرة ٥ : ٤١٣.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٦٥ ، المجموع ٦ : ٩١.

(٤) الخلاف ٢ : ١٢٠ مسألة ١٤٤.

(٥) البيان : ٣٤٢.

(٦) الخلاف ٢ : ١٢٠ مسألة ١٤٤.

(٧) البيان : ٣٤٣.

(٨) المنتهي ١ : ٥٤٦.

٢٩٦

ومثله قال في التذكرة (١) والتحرير (٢) ، وبمضمونه ذكر المحقّق في المعتبر (٣) ، وقد عرفت عبارة الدروس (٤).

ويظهر منهم أنّ تعلّق الخمس بما أخرجه الصبي إجماعيّ ، وكذلك العبد.

نعم الإشكال فيما استخرجه العبد ، فإن كان للمولى بإذنه فهو للمولى ، وكذا لو استخرجه لنفسه إن قلنا بعدم مالكيته.

قال في المنتهي (٥) : أمّا إذا استخرجه لنفسه بإذن المولى وقلنا إنّ العبد يملك فالصحيح أنّه كذلك ؛ للعموم ، خلافاً للشافعيّ (٦).

وفيه تأمّل ظاهر ، ويمكن أن يكون مراده أنّ وجوب الخمس متعلّق بالمولى ؛ لأنّه محجور عليه كالصغير بالنسبة إلى الولي (٧).

الرابع : يجب الخمس في الكنز ، وهو المال المدفون تحت الأرض للادّخار ، لا لمجرّد المحافظة عليه في مدّة قليلة ، سواء كان نقداً أو متاعاً ، ومع الاشتباه يرجع إلى القرائن كالمحلّ ، والوعاء.

والدليل عليه الإجماع من العلماء والأخبار المستفيضة (٨) ، منها : صحيحة الحلبي المتقدّمة (٩) ، وسيجي‌ء بعضها.

ويعتبر فيه النصاب ؛ لصحيحة البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عمّا

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٤١٢.

(٢) التحرير ١ : ٧٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٢١.

(٤) الدروس ١ : ٢٦٠.

(٥) المنتهي ١ : ٥٤٦.

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ٢ : ٦٢١.

(٧) في «م» : المولى.

(٨) الوسائل ٦ : ٣٤٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٥.

(٩) التهذيب ٤ : ١٢١ ح ٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٧ ح ١.

٢٩٧

يجب فيه الخمس من الكنز؟ قال : «ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» (١).

ومقتضى الرواية كفاية بلوغه مائتي درهم أيضاً أو قيمة أحدهما في غير الذهب والفضة أيضاً.

وحُكم الشهيد في البيان (٢) بكفاية مائتي درهم في المعدن ، ونسبة ذلك إلى ظاهر الأصحاب ، وتوقفه هنا مع كون الرواية هنا أدلّ ، غريب.

ووضع مئونة الإخراج هنا أيضاً مقطوع به في كلامهم ، وهو مقتضى الأصل ، لكن يعتبر ذلك إذا كان لإخراج الكنز ، ولو كان الحفر لغيره فاتفق خروجه فلا تحسب المئونة حينئذٍ.

ولا يعتبر فيه الحول إجماعاً.

قال في التذكرة (٣) : ويجب على كلّ من وجده من مسلم وكافر ، وحرّ وعبد ، وصغير وكبير ، وذكر وأُنثى ، وعاقل ومجنون ، إلا أنّ العبد إذا وجده كان لسيّده ، وهو قول عامة العلماء (٤) إلا الشافعي ، فإنّه قال : لا يجب إلا على من تجب عليه الزكاة ؛ لأنّه زكاة (٥) ، وهو ممنوع ، والعموم حجة عليه. ومثله قال في المنتهي (٦).

أقول : إن لم يثبت الإجماع في المسألة ففي شمول العموم لغير المكلّفين إشكال ، وتعميم الخطاب لهم وللأولياء بعيد ، إلا أنّ الظاهر عدم الخلاف في المسألة ، وكذلك في المعدن.

ثمّ إنّ الكنز إن وجد في دار الحرب فهو لواجده ، ويجب عليه الخمس إذا بلغ النصاب ، سواء كان في موات أو عامر ، وجد فيه أثر الإسلام كاسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١ ح ٧٥ ، الوسائل ٦ : ٣٤٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٥ ح ٢.

(٢) البيان : ٣٤٢.

(٣) التذكرة ٥ : ٤١٨.

(٤) المغني ٢ : ٦١٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩٠.

(٥) المهذّب للشيرازي ١ : ١٦٩ ، المجموع ٦ : ٩١ ، المغني ٢ : ٦١٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩٠.

(٦) المنتهي ١ : ٥٤٧.

٢٩٨

ولاة الإسلام أم لا.

أمّا أنّه لواجده فللأصل ، وظاهر الأخبار الواردة في وجوب الخمس (١) ، ولا دليل على حرمة التصرف في ملك الغير ما لم يعلم كونه ملك مَن لماله احترام.

وأمّا وجوب الخمس فللإجماع ، وعموم الأخبار.

وإن وجد في دار الإسلام ، فإمّا أن يوجد في أرض موات أو خربة لا مالك لها ، أو يوجد في أرض لها مالك.

فأمّا الصورة الأُولى ، فإن لم يكن عليها أثر الإسلام فكذلك أيضاً ؛ لما مرّ ، وخصوص صحيحتي محمّد بن مسلم الآتيتين (٢).

وأمّا لو وجد عليه أثر الإسلام ففيه قولان ، أقواهما أنّه كالأوّل ؛ للأصل ، وعموم الأخبار (٣) ، وخصوص الصحيحتين ، وتؤيّده صحيحة الحميري الاتية (٤).

والآخر : أنّه في حكم اللقطة ، فيعامل به معاملتها ؛ لعموم أدلّة اللقطة (٥) ، وهو ممنوع ؛ لأنّ الظاهر من أدلّتها هو المال الضائع على وجه الأرض التقطه إنسان ، والكنز ليس منه.

واحتجوا أيضاً : بأنّ الأثر يدلّ على سبق يد مسلم ، فحكمه مستصحب.

وفيه : منع الدلالة كما فيما لو وجد الأثر في دار الحرب ، لإمكان صدوره من غير محترم.

وبموثّقة محمّد بن قيس ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «قضى عليّ عليه‌السلام في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها» (٦).

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٥٤ أبواب اللقطة ب ٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٨ ح ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ ح ١١٦٩ و١١٦٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٤ أبواب اللقطة ب ٥ ح ١ و٢.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٥٤ أبواب اللقطة ب ٥.

(٤) الفقيه ٣ : ١٨٩ ح ٨٥٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٩ أبواب اللقطة ب ٩ ح ٢.

(٥) الوسائل ١٧ : ٣٥٤ أبواب اللقطة ب ٥.

(٦) التهذيب ٦ : ٣٩٨ ح ١١٩٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب اللقطة ب ٥ ح ٥.

٢٩٩

وفيه : مع أنّها معارضة بصحيحتي محمّد بن مسلم الآتيتين ، أنّها ظاهرة في اللقطة لا الكنز لواجده ، مع أن ترك الاستفصال يقتضي عمومها لما لا أثر عليه أيضاً ، فلا وجه لتخصيص عموم ما دلّ على أنّ الكنز لواجده (١) ، ويجب فيه الخمس من جهة هذه الرواية.

وأمّا الصورة الثانية ، فإما أنّ يكون في أرض مملوكة لغير الواجد أو للواجد ، أمّا الأوّل فالمشهور وجوب تعريف المالك ، فإن عرفه فهو له ، ولا يطالب ببيّنة ولا بذكر علامة موجبة للعلم أو الظن بصدقه ، وإن أنكره فيعرّف مالكه السابق عليه كذلك وهكذا ، ولا يلتفت إلى الأبعد مع ادّعاء الأقرب إلا بالبيّنة.

وإن أنكره كلّهم فهو مثل ما وجد في المباح ، وفيه القولان المتقدّمان ، وقد عرفت أقواهما.

واستشكل العلامة في القواعد في وجوب تعريف الملّاك السابقين على من في يده ، واكتفى بتعريف ذي اليد (٢) ، وتؤيّده صحيحة الحميري الاتية (٣) إلا أن يحمل البائع فيها على الجنس ، وهو بعيد.

ويظهر من المدارك التأمّل في وجوب تعريف الملاك مطلقاً إذا احتمل عدم جريان يدهم عليه ؛ لأصل البراءة من هذا التكليف ، فلو علم انتفاؤه عن بعضهم فينبغي القطع حينئذٍ بسقوط تعريفه ؛ لعدم الفائدة (٤).

أقول : والتأمّل ، في محلّه مع أنّ الأصل التأخر.

ونقل بعض المحقّقين ممن تأخر عنه عن بعض المحقّقين من المتأخّرين أنّه لا يجب الإعلام للمالك إلا إذا علم أنّه دفنه (٥) ، ويظهر من قرائن كلامه أنّه أراد به

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٥.

(٢) قواعد الأحكام ١ : ١٩٩.

(٣) الفقيه ٣ : ١٨٩ ح ٨٥٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٩ أبواب اللقطة ب ٩ ح ٢ ، عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة أو شاة أو غيرها فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة ، لمن تكون؟ فوقّع عليه‌السلام : عرّفها البائع ، فإن لم يعرفها فالشي‌ء لك.

(٤) المدارك ٥ : ٣٧١.

(٥) احتمله في شرح اللمعة للآقا جمال : ٣٠٤ ، ولم نعثر على الناقل ، وعلى أيّ حال يحتمل قويّاً إرادته من بعض المحقّقين هو المحقّق الآقا جمال وليس صاحب المدارك أو صاحب الذخيرة.

٣٠٠