غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

قال في المختلف (١) : ورواه ابن بابويه في كتاب المقنع (٢) ، وكتاب من لا يحضره الفقيه (٣) ، وهو اختيار ابن الجنيد (٤) ، وتدلّ عليه رواية زكريا بن مالك الجعفي ، عن الصادق عليه‌السلام : عن قول الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) إلى أخره ، فقال : «أمّا خمس الله عزوجل فللرسول يضعه في سبيل الله ، وأمّا خمس الرسول فلأقاربه ، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه ، واليتامى يتامى أهل بيته ، فجعل هذه الأربعة الأسهم فيهم ، وأمّا المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنّا لا نأكل الصدقة ، فلا تحلّ لنا ، فهي للمساكين وأبناء السبيل» (٥).

وهذه الرواية مع ضعفها وعدم مقاومتها للأخبار المستفيضة المتقدّمة وغيرها محمولة على التقيّة.

وأجاب العلامة عنها : بأنّا نقول بموجبه ، فإنّ الإمام من الأقرباء بل هو أقرب إليه من غيره.

الثاني : إطلاق الآية ) وإن كان يقتضي عدم اشتراط انتساب الفرق الثلاثة إلى عبد المطلب كما نقل عن ابن الجنيد (٧) ، وكذلك إطلاق رواية ربعي المتقدّمة ، ولكن جمهور أصحابنا اشترطوا ذلك ؛ للأخبار المستفيضة ، مثل موثّقة عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما» في قول الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ) قال : «خمس الله عزوجل للإمام عليه‌السلام ، وخمس الرسول للإمام ، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام عليه‌السلام ، واليتامى يتامى الرسولُ ، والمساكين

__________________

(١) المختلف ٣ : ٣٢٧.

(٢) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢ ح ٨ ، الوسائل ٦ : ٣٥٥ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ١.

(٤) المختلف ٣ : ٣٢٧.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢ ح ٨ ، الوسائل ٦ : ٣٥٥ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ١.

(٦) الأنفال : ٤١.

(٧) نقله عنه في المختلف ٣ : ٣٣٠.

٣٦١

منهم ، وأبناء السبيل منهم ، فلا يخرج منهم إلى غيرهم» (١).

ورواية أحمد بن محمّد قال : حدّثنا بعض أصحابنا رفع الحديث قال : «الخمس من خمسة أشياء : الكنز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه» ولم يحفظ الخامس ، إلى أن قال : «فأمّا الخمس فيقسّم على ستة أسهم : سهم لله ، وسهم للرسول ، وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ؛ فالذي لله فرسول اللهُ أحقّ به فهو له خاصة ، والذي للرسول فهو لذي القربى والحجة في زمانه فالنصف له خاصة ، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمّدُ الذين لا تحلّ لهم الصدقة ، ولا الزكاة ، عوّضهم الله تعالى مكان ذلك بالخمس ، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم ، فإن فضل شي‌ء فهو له ، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمّه لهم من عنده ، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان» (٢).

وحسنة حمّاد بن عيسى على ما في الكافي ، عن بعض أصحابنا ، عن العبد الصالح عليه‌السلام ، قال : «الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم ، والغوص ، ومن الكنوز ، ومن المعادن والملاحة ، يؤخذ من كلّ هذه الصنوف الخمس ، فيجعل لمن جعله الله له ، ويقسّم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك ، ويقسّم بينهم الخمس على ستة أسهم : سهم لله ، وسهم لرسول اللهُ ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ، فسهم الله وسهم رسول الله لأُولي الأمر من بعد رسول اللهُ وراثةً ، وله ثلاثة أسهم : سهمان وراثةً ، وسهم مقسوم له من الله ، وله نصف الخمس كملاً ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته ، فسهم ليتاماهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم يقسّم بينهم على الكتاب والسنّة ما يستغنون به في سنتهم ، فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي ، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنّما صار عليه أن يمونهم ؛ لأنّ له

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٥ ح ٣٦١ وفيه : لقرابة الرسول والإمام ، الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٦ ح ٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥٩ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٩.

٣٦٢

ما فضل عنهم ، وإنّما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس تنزيهاً من الله لهم».

إلى أن قال : «وهم بنو عبد المطلب أنفسهم ، الذكر منهم والأُنثى ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد».

إلى أن قال : «ومن كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له ، وليس له من الخمس شي‌ء ؛ لأنّ الله يقول (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) (١)» (٢) الحديث. إلى غير ذلك من الأخبار (٣).

وهذه الأخبار مع اعتبار سندها معتضدة بعمل الأصحاب ، فلا وجه للقدح في إسنادها ، فيجوز تخصيص الكتاب بها ، ولا يعارضها مثل صحيحة ربعي القابلة للتقييد الموافقة للعامّة (٤).

والمشهور بين الأصحاب أيضاً اشتراط الانتساب إلى عبد المطلب بالأب ، ولا يكفي الانتساب بالأُمّ ، فلا يجوز إعطاء الخمس إن انتسب إليه بالأُمّ ، ويجوز إعطاؤهم الزكاة من غير المنتسب إليه مطلقاً ؛ لأنّ الانتساب في اللغة (٥) والعرف إنّما هو حقيقة في المنتسب بالأب ، ولخصوص حسنة حمّاد بن عيسى المتقدّمة ، ولا يضرّ الإرسال ، سيّما من مثل حمّاد ، مع اعتضادها بالشهرة العظيمة.

وخالف في ذلك المرتضى (٦) وابن حمزة (٧) ، محتجّاً باستعمال لفظ الابن والبنت في المنتسب بالأُمّ ، كما في تسمية الحسنين» ب «ابني رسول اللهُ» وأنّهما يمدحان

__________________

(١) الأحزاب : ٥.

(٢) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٥٦ ح ١٨٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب قسمة الخمس ب ١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٥٦ ح ١٨٦ ، الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٣.

(٥) انظر المصباح المنير ٢ : ٦٠٢.

(٦) رسائل الشريف المرتضى ٤ : ٣٢٨ مسألة ٥ ، ونقله عنه في المختلف ٣ : ٣٣٢.

(٧) الوسيلة : ١٣٧.

٣٦٣

بذلك ويفضّلان به ، ولا مدح في وصف مجازيّ.

وكان يقال للصادق عليه‌السلام «ابن الصديق» لأنّ امّه كانت بنت قاسم بن محمّد بن أبي بكر.

ولاستدلالهم بقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) (١) على تحريم بنت البنت ، ولأنّ عيسى من بني آدم بلا خلاف.

والجواب عليه : أنّ أكثر ما ذكر مبنيّ على كون الأصل في الاستعمال الحقيقة ، وقد أبطلناه في الأُصول (٢) ؛ لأنّ الاستعمال أعم من الحقيقة ، سيّما إذا كان المستعمل فيه متعدداً ، فإنّ المجاز خير من الاشتراك.

وعدم جواز المدح بالمجاز ممنوع.

والاستدلال بالآية لو لم يثبت الإجماع على إرادتها من الآية ببيان الشرع غير مسلّم ، ومع الظهور من الخارج فهو مجاز مع القرينة.

وببالي أنّ في رواية : سأل هارون من الكاظم عليه‌السلام في وجه تسميتهم بابن رسول الله ، وأجاب عليه‌السلام بأنّه لأجل الافتخار (٣) ، فالسؤال والجواب كلاهما يدلان على ما ذكرنا.

واستدلّ صاحب المدارك (٤) للسيّد أيضاً بصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما» أنّه قال : «لو لم يحرم على الناس أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله عزوجل (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) (٥) حرمن على الحسن والحسين» ؛ لقول الله عزوجل (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٦)» (٧) فإنّ الرواية دلّت على أنّ أب الأُم أب حقيقة ، وإلا لما صح الاستدلال بالآية على تحريم

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) القوانين : ٢٩.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٨٣ ضمن ح ٩.

(٤) المدارك ٥ : ٤٠٢.

(٥) الأحزاب : ٥٣.

(٦) النساء : ٢٢.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٨١ ح ١١٩٠ ، الاستبصار ٣ : ١٥٥ ح ٥٦٦ ، الوسائل ١٤ : ٣١٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ب ٢ ح ١.

٣٦٤

زوجة الجدّ على ولد البنت.

فإذا ثبت أنّه أب حقيقة فيثبت أنّ ابن البنت ابن كذلك ؛ لمكان التضايف.

وفيه : أنّه رحمه‌الله أجاب عن الاستدلال السابق للسيّد باستدلال العلماء على تحريم بنت البنت بآية التحريم على أنّها بنت حقيقة بأنّ الاستعمال أعم من الحقيقة ، فكما أنّ هناك يكون الاستعمال مجازاً ، والاستدلال بالآية لعلّه من جهة ظهور القرينة من إجماع أو خبر على أنّ المراد من البنات أعمّ من الحقيقة ، فكذلك الكلام هنا في الإباء.

مع أنّ هذا الحديث على فرض التسليم لا يدلّ على جواز إعطائه الخمس صريحاً ، وحسنة حمّاد (١) تدلّ على المنع عنه صريحاً.

ثمّ قد عرفت في كتاب الزكاة أنّ أولاد عبد المطلب الان منحصرون في أولاد أبي طالب والعبّاس والحارث وأبي لهب.

واختلف الأصحاب في بني المطلب وهو أخو هاشم ، وقد عرفت التحقيق ، وأنّ الأقوى منعهم عن الخمس ، وإعطاؤهم الزكاة.

الثالث : المشهور جواز تخصيص بعض الطوائف الثلاث بالخمس لأنّ الآية مسوقة لبيان المصرف كالزكاة ، ولخصوص صحيحة ابن أبي نصر البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سئل عن قول الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (٢) فقيل له : فما كان لله فلمن هو؟ فقال : «لرسول الله ، وما كان لرسول الله فهو للإمام».

فقيل : أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ ، ما يصنع به؟ قال : «ذلك إلى الإمام ، أرأيت رسول الله كيف يصنع ، أليس إنّما كان يعطي على ما يرى ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٥٦ ح ١٨٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨. وقد تقدّمت في ص ٣٦٢.

(٢) الأنفال : ٤١.

٣٦٥

كذلك الإمام» (١).

وفي رواية أبي خالد الكابلي قال ، قال : «إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كلّ ما في بيت المال رجلاً واحداً فلا يدخلنّ في قلبك شي‌ء ، فإنّه إنّما يعمل بأمر الله» (٢) وفي دلالتها خفاء.

وعن الشيخ (٣) وأبي الصلاح (٤) المنع من التخصص ؛ لظاهر الآية ، لأنّ اللام للملك ، والواو تقتضي التشريك.

وفيه : أنّ الملكيّة مستلزمة للتسوية والمشاركة وعدم جواز التصرف لأحدهم بدون إذن الأخر ، وغير ذلك مما هو من توابع الملك ، واللوازم منتفية ، والظاهر أنّه لبيان المصرف ، وأنّ المستحقّين لذلك الذين يجوز الصرف إليهم هؤلاء.

ويدلّ عليه : كونه كذلك في أية الزكاة (٥) ، مضافاً إلى أنّ الخمس عوض عن الزكاة لهؤلاء كما يستفاد من الأخبار ، فيكون مساوياً لها ، وإنّما خرج النصف بدليل خارجي ، وكذلك الأخبار الدالّة على تقسيمها ستّة أسهم (٦) تنزّل على المصارف والمستحقّين ، لا الملك.

وبالجملة : الأصل وملاحظة أية الزكاة وكون الخمس عوضاً عنها ولزوم العسر والحرج وما يترتّب من المفاسد على جعل اللام للملك وعمل جمهور الأصحاب يرجّح عدم وجوب البسط ، ولكنه أحوط وأفضل.

وأمّا البسط على الأشخاص فهو مما لا ينبغي التأمّل في عدم وجوبه كعدم وجوب

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٤ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ١٢٦ ح ٣٦٣ ، الوسائل ٦ : ٣٥٧ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٦ ، وب ٢ ح ١ ، مع تفاوت في ألفاظ الحديث بين التهذيب والكافي.

(٢) التهذيب ٤ : ١٤٨ ح ٤١٢ ، الوسائل ٦ : ٣٦٣ أبواب قسمة الخمس ب ٢ ح ٣.

(٣) المبسوط ١ : ٢٦٢. قال : ينبغي أن يقسمه ستّة أقسام ، سهم لله ولرسوله وسهم لذي القربى ، فهذه الثلاثة أقسام للإمام القائم مقام النبيّ يصرفها فيما شاء.

(٤) الكافي في الفقه : ١٧٣.

(٥) التوبة : ٦٠.

(٦) الوسائل ٦ : ٣٥٥ أبواب قسمة الخمس ب ١.

٣٦٦

التسوية بينهم ؛ لما تقدّم من الأدلّة ، والزيادة عليه بأشديّة الضيق والعسر ، وعدم ظهور خلاف في المسألة إلا ما توهمه عبارة الدروس في تعميم حاضري البلد حيث قال بعد أن تأمّل في اعتبار تعميم الأصناف : أمّا الأشخاص فيعمّ الحاضر ، ولا يجوز النقل إلى بلد آخر إلا مع عدم المستحقّ (١) ، انتهى.

ولم نقف على دليله إن أراد الوجوب.

ولا ريب أنّ البسط على الحاضرين أفضل ، بل أحوط مع الإمكان وعدم الحرج.

الرابع : المشهور أنّ الإمام يقسّم الخمس على الأصناف على قدر كفايتهم مقتصداً فإن أعوز أتمّه من نصيبه ، وإن فضل كان له ، بل تظهر من المعتبر دعوى الإجماع عليه (٢).

وتدلّ عليه مرسلة حمّاد (٣) ، ورواية أحمد بن محمّد (٤) المتقدّمتين.

ولا وجه للقدح في سندهما ؛ لأنّ الأوّل حسن لإبراهيم بن هاشم إلى حمّاد ، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، مع ورودها في الكافي (٥) والتهذيب (٦) ، واشتمالها على أحكام كثيرة إجماعيّة ومشهورة ، وتلقّي الأصحاب إيّاهما والعمل بهما يجبر ضعفهما لو كان.

ولقد أفرط ابن إدريس في إنكار الحكم وردّ الحديثين وتضعيفهما ، وقال : لا يجوز له أخذ فاضل نصيبهم ، ولا يجب عليه إتمام ما نقص ؛ لأنّه «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا من طيب نفسه» وهو مال الأصناف ، ولأنّ ذلك يجعل التقدير والتقسيم بلا فائدة ، ويوجب صيرورة هؤلاء ممن تجب نفقتهم على الإمام ، مع أنّ الواجبي النفقة

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٦٢ وقال : كالزكاة.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٣٩.

(٣) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦ ، الوسائل ٦ : ٣٦٣ أبواب قسمة الخمس ب ٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٢٦ ح ٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب قسمة الخمس ب ٣ ح ٢.

(٥) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤.

(٦) التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦.

٣٦٧

محصورون ليس ذلك واحداً منهم (١).

ويظهر لك ضعفها مما مرّ ؛ لمنع الملك ، ولمنع كون الاستحقاق أيضاً مطلقاً ، بل لقدر الكفاية وسدّ الخلّة كما هو مقتضى وضع الخمس ؛ ولأنّ الفائدة في التقدير والقسمة بيان المصرف لا بيان مقدار الحقّ ، ولمنع استلزام الإتمام وجوب النفقة.

وتوقّف العلامة في المختلف (٢) ، وتبعه في المدارك (٣).

والأقوى ما عليه المشهور ، ولا ينبغي التأمّل فيه ؛ لوضوح المأخذ.

وهذه المسألة وإن كانت كما ترى قليلة الجدوى ، لكنّها ليست كذلك ؛ لما سيظهر لك في المسائل الاتية من معرفة حال نصيب الإمام في حال غيبته وغير ذلك.

ثمّ هل يجوز إعطاء ما فوق مئونة السنة دفعةً كالزكاة ، أو لا يجوز التجاوز؟ الأظهر عدم الجواز ، وفاقاً للشهيدين (٤) ، وتدلّ عليه مرسلة حمّاد (٥) وغيرها (٦).

والظاهر إنّ سنة الفقير لا تحديد فيها ، فتتبع وقت حاجته ، فإذا اعطي بقدر مئونة سنة وذهب من السنة ستة أشهر فيجوز حينئذٍ الإعطاء بقدر ستة أشهر أُخرى ، وكذلك الكلام في الزكاة.

الخامس : قد عرفت في الزكاة معنى المسكين ، وادّعى بعضهم أنّه لا خلاف في عدم الفرق في الحكم بينه وبين الفقير كلّما ذكر أحدهما وحده كما صرّح به الشهيد الثاني (٧).

وكذلك قد عرفت معنى ابن السبيل ، وأنّه لا يشترط الفقر فيه ، بل المعتبر هو الحاجة

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٩٦.

(٢) المختلف ٣ : ٣٣٧.

(٣) المدارك ٥ : ٤٠٩.

(٤) البيان : ٣٥١ ، المسالك ١ : ٤٧١.

(٥) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦ ، الوسائل ٦ : ٣٦٣ أبواب قسمة الخمس ب ٣ ح ١.

(٦) الوسائل ٦ : ٣٦٣ أبواب قسمة الخمس ب ٣.

(٧) المسالك ١ : ٤٠٩.

٣٦٨

في بلد التسليم.

وفي اشتراطه في اليتامى قولان ، أظهرهما نعم ؛ لأنّه لرفع الحاجة وسدّ الخلّة ، ولأنّه عوض الزكاة لغير بني هاشم كما يستفادان من الأخبار ، ولدلالة ما تقدّم من أنّ الإمام إنّما يعطي كفايتهم ، ويأخذ فضلهم كما يتم نقصهم ، كما دلّت عليه الروايات ، بل في رواية حمّاد مواضع دلالة على اعتبار الفقر ظاهرة وصريحة ، كما لا يخفى على من لاحظها لا نطيل بذكرها ، فلاحظها في الكافي والتهذيب.

وذهب الشيخ في المبسوط (١) وابن إدريس (٢) إلى العدم ؛ لعموم الآية ، ولأنّه لو اعتبر فيه الفقر لتداخلت الأقسام ، فلا يصحّ جعله قسيماً للمسكين.

وفيه : أنّ العموم مخصّص بما تقدّم ، كما خصّصناهم ببني هاشم لما تقدّم ، ويكفي مطلق المغايرة في جعل الشي‌ء قسيماً ، ولا يحتاج إلى المباينة ، مع أنّه على قولهم لا تباين أيضاً ، بل بينهما عموم من وجه ، وإرادة الغنى فقط منها في غاية الغرابة.

وبالجملة : لا يضرّ اجتماع السببين ، فيستحقّ بكلّ جهة سهمه كما قلنا في أصناف الزكاة ، ويلزمهم التزام ذلك فيما لو كان اليتيم مسكيناً ؛ إذ هؤلاء أيضاً لا يتحاشون عن الإطلاق ، ولا يخصصون بالغنى ، فهذه زيادة اهتمام بشأن مساكين الأيتام ، وهو يصحّ على القول بالاشتراط.

وأمّا اشتراط الإيمان في مستحقّ الخمس ؛ فتردّد فيه المحقّق في الشرائع نظراً إلى العموم (٣) ، وجزم بالاشتراط في المعتبر (٤) ؛ لأنّه موادّة لمن حادّ الله لو جوّزنا للمخالف ، مضافاً إلى أنّه عوض الزكاة ، فهو شرط فيها إجماعاً ، وهذا أظهر.

وأمّا العدالة ؛ فالمعروف من مذهب الأصحاب عدمه ، ويظهر من الشرائع وجود

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٤٦.

(٢) السرائر ١ : ٤٩٤.

(٣) الشرائع ١ : ١٦٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٣٢.

٣٦٩

الخلاف فيه (١) ، وقائله غير معلوم. والحقّ العدم ؛ لإطلاق الآية والأخبار.

السادس : يجوز نقل الخمس من البلد مع عدم وجود المستحقّ بلا إشكال ؛ لأنّ إيصال الحقّ لا يتمّ إلا به.

وأمّا مع وجوده فقيل : لا يجوز (٢) ، وقيل يجوز مع الضمان ، خصوصاً مع طلب الأفضل (٣) ، وهذا أقوى ، وقد مرّ في الزكاة ما يرشدك إلى حقيقة الحال (٤).

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٦٦ قال : والعدالة لا تعتبر على الأظهر.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٣٢ ، الشرائع ١ : ١٦٦.

(٣) المدارك ٥ : ٤١٠.

(٤) ص ١٨٩.

٣٧٠

المبحث الثالث

في اللواحق

وفيه مطالب :

الأوّل : في الأنفال وهي جمع نفل بالسكون أو بالتحريك ، بمعنى الزيادة ، ومنه سُمّي التطوّع نافلةً ؛ لزيادته على الفريضة.

والمراد بها هنا : ما يختص به الإمام زائداً على قبيله ، وقد يطلق الفي‌ء أيضاً على الأنفال ، ومنه قوله تعالى في سورة الحشر (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) (١).

ويدلّ على هذه المرادفة حسنة محمّد بن مسلم الاتية (٢).

وقد يطلقان على ما يرادف الغنيمة العسكريّة ، ومنه قوله تعالى في سورة الحشر أيضاً (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) (٣) الآية ، ويدلّ عليه بعض الأخبار أيضاً (٤).

__________________

(١) الحشر : ٦.

(٢) ص ٣٧٣ ، وانظر التهذيب ٤ : ١٣٣ ح ٣٧٠ ، والوسائل ٦ : ٣٦٧ أبواب الأنفال ب ١ ح ١٠.

(٣) الحشر : ٧.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب الأنفال ب ١.

٣٧١

والأمر في ذلك سهل ؛ إذ المعيار هو الفرق بين الأُمور المعدودة في الأنفال والغنائم العسكرية.

فمنها : ما يغنمه الغانمون بغير إذن الإمام ، وقد مرّ الكلام فيه ، وأنّ الأشهر الأقوى هو كونه من الأنفال (١).

ومنها : ما كان لسلطان دار الحرب من القطائع والصفايا.

قال في المعتبر : ومعنى ذلك إذا فتحت أرض من أهل الحرب فما كان يختص به مَلِكهم مما ليس بغصب من مسلم يكون للإمام عليه‌السلام كما كان للنبي (٢). وزاد في الشرائع : أو معاهد (٣) ، ومثله قال في المنتهي (٤).

وقد تفسّر القطائع بالأرض ، والصفايا بما ينقل ويحوّل.

وتدلّ على ذلك أخبار كثيرة ، منها مرسلة حمّاد الطويلة (٥) ، وفيها تصريح بكونه على غير وجه الغصب ؛ لأنّ الغصب كلّه مردود.

وصحيحة داود بن فرقد قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قطائع الملوك كلّها للإمام» (٦).

وموثّقة إسحاق بن عمّار المذكورة في تفسير عليّ بن إبراهيم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأنفال فقال : «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول ، وما كان للملوك فهو للإمام ، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها ، ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال» (٧) إلى غير ذلك من الأخبار (٨).

__________________

(١) ص ٢٨٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٣٣.

(٣) الشرائع ١ : ١٦٦.

(٤) المنتهي ١ : ٥٥٤.

(٥) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب الأنفال ب ١ ح ٤.

(٦) التهذيب ٤ : ١٣٤ ح ٣٧٧ ، الوسائل ٦ : ٣٦٦ أبواب الأنفال ب ١ ح ٦.

(٧) تفسير القمي ١ : ٢٥٤ ، الوسائل ٦ : ٣٧١ أبواب الأنفال ب ١ ح ٢٠.

(٨) الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب الأنفال ب ١.

٣٧٢

وكذلك يصطفي الإمام من الغنيمة ما شاء قبل القسمة من فرس أو جارية أو ثوب أو سلاح أو نحو ذلك.

وتدلّ عليه أيضاً أخبار كثيرة (١) لا حاجة إلى ذكرها.

ومنها : كلّ أرض أُخذت من الكفّار من غير قتال ، سواء انجلى عنها أهلها وتركوها للمسلمين ، أو سلّموها طوعاً بتمكينهم المسلمين عليها مع بقائهم فيها ؛ لأخبار كثيرة (٢) لا حاجة إلى ذكرها ؛ لعدم الإشكال في المسألة.

ومنها : الأرض الموات التي ليس لها مالك معروف ، سواء جرى عليها الملك ثمّ باد أهلها وماتت ، أو لم يجرِ عليها ملك أصلاً ، فإذا كان لها مالك معروف فليست من الأنفال.

وإذا كانت الأرض حيّةً ولم يعرف لها صاحب ، فهي من باب مجهول المالك.

وإذا كانت خربةً بعد الملك وعلم أنّها لا مالك لها حينئذٍ أصلاً ، بمعنى أنّه يعلم أنّها كانت لفلان ولم يبق منه وارث ؛ فهي أيضاً من الأنفال ، وداخلة في ميراث من لا وارث له كما سيجي‌ء.

وتدلّ عليه أخبار كثيرة ، مثل موثّقة سماعة ، قال : سألته عن الأنفال ، فقال : «كلّ أرض خربة أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام ، وليس للناس فيها سهم» قال : «ومنها البحرين ، ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب» (٣).

وحسنة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه سمعه يقول : «إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم ، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة ، أو بطون أودية ، فهذا كلّه من الفي‌ء والأنفال لله وللرسولُ ، فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحبّ» (٤).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب الأنفال ب ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب الأنفال ب ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٣ ح ٣٧٣ ، وفي الوسائل ٦ : ٣٦٧ أبواب الأنفال ب ١ ح ٨ أو شي‌ء يكون للملوك ..

(٤) التهذيب ٤ : ١٣٣ ح ٣٧٠ ، وص ١٤٩ ح ٤١٦ ، الوسائل ٦ : ٣٦٧ أبواب الأنفال ب ١ ح ١٠.

٣٧٣

وفي مرسلة حمّاد الطويلة : «كلّ أرض خربة قد باد أهلها ، وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها» (١).

وحسنة حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم ، وكلّ أرض خربة ، وبطون الأودية ، فهو لرسول اللهُ ، وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار (٣).

وأنت خبير بأنّ هذه الأخبار بين ما هو أعمّ من المطلوب ، مثل ما اشتمل على كلّ أرض خربة ، وما هو أخص منه ، مثل قوله عليه‌السلام : «كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» فإنّه ظاهر فيما لا مالك له أصلاً ، لأمن لا يعرف له مالك ، إلا أن يقال : المتبادر منه الربّ المعروف.

وعلى هذا فيشكل إخراج ذلك من حكم مجهول المالك ، إلا أن يقال : بأنّ تلك الأخبار مخرج لأصل الأرض الغير المعروف مالكها من حكم المجهول المالك.

أو يقال : إنّ مجهول المالك ما علمنا أنّ له مالكاً ، ولكن لا نعرفه ، وما لم يعرف مالكه أعمّ من ذلك ، فإنّه يحتمل كونه بلا مالك أصلاً.

وهو بعيد ، فإنّ الأخبار الواردة بالتصدّق بعضها ظاهر فيما لم يعرف المالك كما مرّ بعضها (٤) ، ويظهر من بعضها أنّ مطلق ما لم يعرف مالكه يعني حتى غير الأرض من الأنفال (٥).

وكيف كان ففي غير الأرض إذا اعطي الفقراء يحصل الامتثال وإن كان من جملة الأنفال أيضاً.

ومنها : رؤوس الجبال ، وما يكون بها ، وبطون الأودية ، والآجام ؛ لأخبار كثيرة ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب الأنفال ب ١ ح ٤.

(٢) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب الأنفال ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب الأنفال ب ١.

(٤) ص ٣٤٤ ، وانظر الوسائل ١٧ : ٣٥٧ أبواب اللقطة ب ٧ ، وص ٥٨٣ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ٣.

(٥) الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب الأنفال ب ١.

٣٧٤

منها حسنة حمّاد الطويلة المرسلة ، ففيها : «وبطون الأودية ، ورؤوس الجبال ، والموات كلّها له» (١).

وحسنة حفص بن البختري ، وحسنة محمّد بن مسلم المتقدّمتين ، ومرسلة أحمد بن محمّد ، وما رواه المفيد في المقنعة عن محمّد بن مسلم (٢).

وإطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي العموم ، وقيّده ابن إدريس بما كانت المذكورات في الموات أو الأرضين المملوكة للإمام (٣) ، وارتضاه صاحب المدارك استضعافاً للأخبار ، واقتصاراً في خلاف الأصل على موضع الوفاق (٤).

وأنت خبير بأنّ الأخبار معتبرة ، ولا وجه للقدح فيها سيّما مع عمل الأصحاب ، وأيضاً أنّ ما ذكره يفضي إلى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بما ذكر كما نبّه عليه الشهيد في البيان (٥).

ومنها : المعادن ، والمشهور أنّها من المشتركات بين الناس.

وذهب الشيخان (٦) والكليني (٧) وشيخه عليّ بن إبراهيم (٨) وسلار (٩) وابن البرّاج (١٠) ، إلى أنّها من الأنفال ، وفي كلام بعض هؤلاء البحار أيضاً (١١).

وقال في المعتبر بعد نقله عن الشيخين : إن كانا يريدان ما يكون في الأرض المختصة به أمكن ، أمّا ما يكون في أرض لا تختص بالإمام فالوجه أنّه لا يختص به ؛ لأنّها أموال

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٦٥ أبواب الأنفال ب ١ ح ٤.

(٢) المقنعة : ٢٩٠.

(٣) السرائر ١ : ٤٩٧.

(٤) المدارك ٥ : ٤١٦.

(٥) البيان : ٣٥٢.

(٦) المقنعة : ٢٧٨ ، النهاية : ٤١٩.

(٧) الكافي ١ : ٥٣٨.

(٨) تفسير القمي ١ : ٢٥٤.

(٩) المراسم : ١٤٠.

(١٠) المهذّب ١ : ١٨٦.

(١١) كالكليني في الكافي ١ : ٥٣٨ ، والمفيد في المقنعة : ٢٧٨ ، وسلّار في المراسم : ١٤٠.

٣٧٥

مباحة تستحقّ بالسبق إليها والإخراج لها ، والشيخان يطالبان بدليل ما أطلقاه (١).

وخصّها ابن إدريس أيضاً بما كانت في أرضه عليه‌السلام (٢) ، واستحسنه العلامة رحمه‌الله وقال : لم نقف للشيخين على حجة في ذلك (٣).

أقول : وتدلّ عليه موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة (٤) ، وما رواه العياشي عن الباقر عليه‌السلام قال : «لنا الأنفال» قيل : وما الأنفال؟ قال : «منها المعادن والآجام ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، وكلّ أرض باد أهلها فهو لنا» قال : «ما كان للملوك فهو من الأنفال» (٥).

وهذان الخبران مع عمل جماعة من القدماء عليه ، وسائر العمومات مثل صحيحة الكناني قال ، قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الأموال ، ولنا صفو المال» (٦) الحديث. ومثل صحيحة أبي خالد الكابلي الدالّة على أنّ الأرض كلّها لهم (٧) ، وفي معناها روايات أُخر تكفي في ثبوت الحكم.

ولا ينافي ذلك ما تقدّم من ثبوت الخمس في المعادن ، ولا ما قدّمناه من أنّ كلّ معدن يكون في ملك أحد فهو له ويجب عليه الخمس.

أمّا في زمان الحضور ؛ فلأنّ الظاهر أنّ ما كانوا يأذنون في التصرف فيه من الأنفال كان لهم خمسه ، ومصرفه كان مصرف الخمس ، وهو صريح كلام الكليني ، حيث قال بعد كلام في ذكر الأنفال : وكذلك الآجام والمعادن والبحار والمفاوز هي للإمام خاصة ، فإن عمل فيها قوم بإذن الإمام فلهم أربعة أخماس وللإمام خمس ، والذي

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٣٥.

(٢) السرائر ١ : ٤٩٧.

(٣) التذكرة ٥ : ٤٣٩.

(٤) تفسير القمي ١ : ٢٥٤ ، الوسائل ٦ : ٣٧١ أبواب الأنفال ب ١ ح ٢٠.

(٥) تفسير العياشي ٢ : ٤٨ ح ١١ و١٧ ، الوسائل ٦ : ٣٧٢ أبواب الأنفال ب ١ ح ٢٨ ، وص ٣٧٢ أبواب الأنفال ب ١ ح ٣١.

(٦) الكافي ١ : ١٨٦ ح ٦ ، وص ٥٤٦ ح ١٧ ، التهذيب ٤ : ١٣٢ ح ٣٦٧ ، الوسائل ٦ : ٣٧٣ أبواب الأنفال ب ٢ ح ٢.

(٧) الكافي ١ : ٤٠٧ ح ١ ، وج ٥ : ٢٧٩ ح ٥ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ ح ٦٧٤ ، الاستبصار ٣ : ١٠٨ ح ٣٨٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٩ أبواب إحياء الموات ب ٣ ح ٢ ، في كتاب علي : أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ، ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا ، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام.

٣٧٦

للإمام يجري مجرى الخمس ، ومن عمل فيها بغير إذن الإمام فالإمام يأخذه كلّه ليس لأحد فيه شي‌ء ، وكذلك من عمّر شيئاً أو أجرى قناة أو عمل في أرض خراب بغير إذن صاحب الأرض فليس له ذلك ، فإن شاء أخذها منه كلّها ، وإن شاء تركها في يده (١) ، انتهى.

وصرّح بكون خمس الأنفال للإمام إذا تصرّف فيه بإذنه سلار أيضاً (٢).

وتدلّ على ما ذكره أيضاً رواية حكم بن علباء الأسدي المتقدّمة في المال المختلط بالحرام (٣).

وصحيحة عمر بن يزيد قال : رأيت أبا سيّار مسمع بن عبد الملك بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام تلك السنة مالاً فردّه أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقلت له : لم ردّ عليك أبو عبد الله عليه‌السلام المال الذي حملت إليه؟ فقال : إنّي قلت له حين حملت إليه المال : إنّي كنت ولّيت الغوص فأصبت أربع مائة ألف درهم ، وقد جئتك بخمسها ثمانين ألف درهم ، وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا ، فقال : «وما لنا في الأرض وما أخرج الله تعالى منها إلا الخمس؟! يا أبا سيّار : الأرض كلّها لنا ، فما أخرج الله تعالى منها من شي‌ء فهو لنا».

قال ، قلت له : أنا أحمل إليك المال كلّه ، فقال لي : «يا أبا سيار قد طيّبناه لك وحلّلناك منه ، فضمّ إليك مالك ، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ، كلّ ذلك لهم حتى يقوم قائمنا» (٤) الحديث.

وأمّا في زمان الغيبة ؛ فقد جوّز لنا التصرف في الأنفال ، والأخبار الدالّة على ثبوت الخمس في المعادن تشملها ، وكذلك الغوص.

وأمّا عدم ثبوت الخمس في مثل الأرض الموات بعد الإحياء في زمان الغيبة فلعدم

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٨ باب الفي‌ء والأنفال.

(٢) المراسم : ١٤٠.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٧ ح ٣٨٥ ، الاستبصار ٢ : ٥٨ ح ١٩٠ ، الوسائل ٦ : ٣٦٧ أبواب الأنفال ب ١ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٤٤ ح ٤٠٣ ، الوسائل ٦ : ٣٨٢ أبواب الأنفال ب ٤ ح ١٢.

٣٧٧

الثبوت ، فإنّ ثبوت الخمس على النهج السابق فيها في حال الحضور لو ثبت فلا يثبت ذلك في حال الغيبة بالإذن العام ، خرجنا عنه في مثل المعادن بالدليل الخاص ، وهو عمومات الأخبار الناصة عليها ، وبقي الباقي.

وإن شئت فقل : إن المراد بتلك الأخبار هو وجوب الخمس المعهود فيها في حال الغيبة وإن كانت هذه المذكورات كلّها مختصّة به حال الحضور ؛ لرفع المنافاة بين إيجاب الخمس وكونها أنفالاً ، ولكنه بعيد ، للإشكال في ثبوت المخصص.

ثمّ إنّ الشهيد الثاني في شرح قول الشهيد رحمه‌الله في اللمعة : «وأمّا المعادن فالناس فيها شرع» قال : على الأصح ؛ لأصالة عدم الاختصاص ، وقيل : هي من الأنفال أيضاً. أمّا الأرض المختصة به فما فيها من معدن تابع لها ؛ لأنّه من جملتها ، وأطلق جماعة كون المعادن للناس من غير تفصيل ، والتفصيل حسن ، هذا كلّه في غير المعادن المملوكة تبعاً للأرض أو بالإحياء ، فإنّها مختصة لمالكها. (١) انتهى.

وقد ذكرنا أيضاً في خمس المعادن ؛ أنّهم ذكروا أنّ المعدن الذي يكون في ملك أحد أنّه تابع لملكه ، وعلى ما ذكره رحمه‌الله وعلى ما ذكرنا فلا يبقى إلا الأراضي المفتوحة عنوة.

ويشكل بأنّ مقتضى ما ذكروه من تبعيّة المعدن للأرض كون حكم المعدن الواقع فيها حكم تلك الأراضي ، فتكون موقوفة على مصالح العامّة كنفسها ، فلا يبقى شي‌ء يكون شرعاً بين الناس ، إلا ما وجد في الموات ، بناءً على رخصتهم «لنا في أمثالها ، فهم شرع في المعادن الظاهرة قبل الحيازة ، وفي الباطنة قبل الإحياء ، وتستعمل فيها قاعدة حيازة المباحات ، وذلك لأنّه مباح بالأصل ، بل من أجل رخصتهم «في ذلك ، وتمام الكلام في هذه المسألة ومسألة الأرض يجي‌ء في كتاب إحياء الموات إنشاء الله تعالى.

ومنها : ميراث من لا وارث له ، ذهب إليه علماؤنا أجمع كما صرّح به في المنتهي (٢) ،

__________________

(١) الروضة البهيّة ٢ : ٨٦.

(٢) المنتهي ١ : ٥٥٥.

٣٧٨

وخالف فيه الجمهور كافة على اختلاف مذاهبهم (١).

ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع حسنة حمّاد الطويلة ، ففيها «وهو وارث من لا وارث له ، يعول من لا حيلة له» (٢).

وموثّقة إسحاق بن عمّار أو صحيحته التي قدّمناها (٣) ، ورواية أبان بن تغلب (٤) ، ومرسلة أحمد بن محمّد (٥) ، وغيرها من الأخبار الكثيرة الصحيحة وغيرها.

وسيجي‌ء الكلام في مصرفه في حال الغيبة ، وتمام الكلام وظيفة كتاب الميراث.

الثاني : لا يجوز التصرّف في الأنفال ، ولا في حصّته من الخمس حال حضور الإمام إلا بإذنه كسائر أمواله للكتاب والسنة والإجماع والعقل.

وأمّا في حال الغيبة ، فمذهب الأصحاب في بعضها كأرض الموات جواز التملّك بالإحياء ، وظاهر جماعة منهم أنّ كلّ الأنفال مباحة ؛ من الأراضي وغيرها.

ومنهم الشهيد قال في البيان بعد ذكر الأنفال : ومع غيبة الإمام فالظاهر إباحة تلك لشيعته ، قال : وهل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره الأصحاب في ميراث فاقد الوارث ، أمّا غيره فلا (٦).

وأمّا حصّة غيره من الخمس فالأظهر جواز مباشرة المالك لصرفها في الأصناف ، إلا مع مطالبته عليه‌السلام ، فيجب دفعها إليه. وقيل بوجوب دفع الكلّ إليه (٧). ، ولا فائدة لنا

__________________

(١) انظر المهذّب للشيرازي ٢ : ٣٢ ، والمجموع ١٦ : ٥٤ ، والهداية للمرغيناني ٣ : ٢٧٤ ، والنتف ٢ : ٨٤٢ ، والاختيار لتعليل المختار ٤ : ٦٩.

(٢) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٧٨ أبواب الأنفال ب ١ ح ٤.

(٣) تفسير القمي ١ : ٢٥٤ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال.

(٤) الكافي ١ : ٥٤٦ ح ١٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣ ح ٨٩ ، التهذيب ٤ : ١٣٤ ح ٣٧٤ ، الوسائل ٦ : ٣٨٣ أبواب الأنفال ب ١ ح ١٤ ، الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى ، فقال عليه‌السلام : هو من هذه الآية (يسألونك عن الأنفال).

(٥) التهذيب ٤ : ١٢٦ ح ٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٣٨٤ أبواب الأنفال ب ١ ح ١٧ قال : وميراث من لا وارث له فهو له خاصّة.

(٦) البيان : ٣٥٢.

(٧) الشرائع ١ : ١٦٧.

٣٧٩

مهمّة في ذلك ، وسيجي‌ء الكلام في حال الغيبة.

الثالث : المشهور بين الأصحاب استثناء المناكح والمساكن والمتاجر من الأنفال وفيما فيه الخمس للشيعة الاثني عشريّة.

ويظهر من العلامة في المنتهي أنّ استثناء المناكح إجماعيّ في حال الحضور والغيبة ، قال : وقد أباح الأئمّة «المناكح في حالتي ظهور الإمام وغيبته ، وعليه علماؤنا أجمع (١) ، لكنه نقل في المختلف (٢) ما ظاهره المخالفة فيه عن أبي الصلاح مطلقاً (٣).

وعن المفيد : اختصاصه بالمناكح (٤).

وعن ابن الجنيد : أنّ تحليل ما لا يملك جميعه عندي غير مبرئ من وجب عليه حقّ منه لغير المحلّل ؛ لأنّ التحليل إنّما هو ممّا يملكه المحلّل ، لا ممّا لا ملك له ، وإنّما إليه ولاية قبضه وصرفه في أهله الذين سمّاه الله لهم (٥).

وعن سلار : إباحة جميع الأنفال في حال الغيبة للشيعة من دون تخصيص (٦).

وردّ الشهيد في البيان قوله بأنّ الروايات ظاهرها العموم ، وعليه إطباق الإماميّة (٧).

وفسّروا المناكح : بالسراري المغنومة من دار الحرب ، فيجوز شراؤها ووطؤها وإن كانت بأجمعها للإمام فيما لو كان بغير إذنه ، أو بعضها إذا كان بإذنه ، وليس ذلك من باب تبعيض التحليل ، بل تمليك للحصّة أو الجميع من الإمام كما ذكره في الدروس (٨).

والظاهر عدم الفرق بين ما لو سباها أو انتقلت إليه بشراء أو هبة.

__________________

(١) المنتهي ١ : ٥٥٥.

(٢) المختلف ٣ : ٣٤٠.

(٣) الكافي في الفقه : ١٧٤.

(٤) المقنعة : ٢٨٥.

(٥) نقله عنه في المختلف ٣ : ٣٤٠.

(٦) المراسم : ١٤٠.

(٧) البيان : ٣٥٢.

(٨) الدروس ١ : ٢٦٣.

٣٨٠