غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

وقال : «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس» (١).

ويدلّ عليه أيضاً : ما رواه الشيخ في التهذيب ، عن حمّاد بن عيسى ، قال : رواه لي بعض أصحابنا ، ذكره ، عن العبد الصالح أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام ، والحديث طويل ، إلى أن قال : «والأرض التي أُخذت عنوة بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها» إلى أن قال : «فإذا خرج منها نماء بدأ فأخرج منه العشر» الحديث (٢).

وفي بعض النسخ موضع «نماء بدأ» كلمة «فائدة» ، ولعلّ أحدهما تصحيف الأخر.

وكيف ما كان فيصحّ الاستدلال ، فإنّ النماء والفائدة لا يطلقان عرفاً على المؤن والقنية ، وسند الرواية منجبر بعمل الأصحاب في هذه المسألة ومسألة الخراج وغيرها ، كما صرّح به المحقّق الشيخ عليّ في الخراجيّة (٣).

وفي الفقه الرضويّ قال : «فإذا بلغ ذلك وحصل بغير خراج السلطان ومئونة العمارة والقرية أُخرج منه العشر إن كان سُقي بماء المطر (٤)» إلى آخر ما قال ، فإنّ ظاهر جماعة من القدماء والمتأخّرين الاعتماد على هذا الكتاب (٥) ، وهو لا يقصر عن خبر صحيح ؛ لانجباره بالعمل.

وههنا مؤيّدات وشواهد أُخر للمطلوب ذكرناها في الرسالة التي كتبناها في ذلك ، من أراد التحقيق فليراجعها (٦).

ويدلّ على الاستحقاق بعد تعلّق الوجوب أيضاً : أنّ العلّة حينئذٍ مشتركة بين الفقير وربّ المال ، سيّما على القول بتعلّق الزكاة بالعين كما هو الحقّ ، وخصوصاً بناءً على

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٢ ح ٣٤٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٦ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦ ، وفيه : فإذا خرج منها فابتدأ ، وفي الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ فإذا أُخرج منها ما أُخرج ، وفي الوسائل ٦ : ١٢٥ أبواب زكاة الغِت ب ٤ ح ٣ فإذا أخرج الله منها ما أخرج بدأ. وهي ضعيفة السند بالإرسال ، وبعليّ بن يعقوب فإنّه مجهول.

(٣) الخراجيّات : ٤٨.

(٤) فقه الرّضا عليه‌السلام : ١٩٧ ب ٢٨.

(٥) انظر البحار ١ : ١١ ، والحدائق ١ : ٢٥ ، والرياض ٢ : ١١٨.

(٦) غنائم الأيّام (الطبعة الحجريّة) : ٧١٨.

١٠١

كونه على سبيل الاستحقاق ، كما هو أظهر الوجوه لما مرّ ، ولا دليل على وجوب المئونة على ربّ المال لحصّة شريكه وحمله وتصفيته كسائر الأموال المشتركة.

بل ويتمّ على القول بكونه من باب تعلّق أرش الجناية بالعبد أيضاً ؛ لأنّ المالك إذا اختار بذل العبد في أرش الجناية فلا خيار لأولياء المجنيّ عليه في عدم الأخذ ، فيكون العبد مالاً لهم ، وكذلك الزكاة إذا اختار المالك إعطاء العين ، فيتعيّن حقّ الفقير فيها ، ويصير شريكاً له ، ويتمّ الكلام عن أخره.

وبضميمة عدم القول بالفصل يتمّ الكلام في المؤن السابقة.

ولا يقدح في الشركة جواز تصرّف المالك بمجرّد الضمان والإخراج من غير النصاب ولزوم اجرة الكيل والوزن عليه ؛ لأنّ الأوّلين قد ثبتا من الخارج ؛ إرفاقاً وتسهيلاً على المالك.

والثالث وإن كان مشهوراً ، ولكن ليس بوفاقيّ ، فيمكن منعه أوّلاً ، وتسليمه ثانياً ، ولكن نمنع وجوبه عليه من ماله ، لِمَ لا يكون من البين ، ولم يثبت كون الوجوب مطلقاً حتّى بالنسبة إلى صرف ماله للغير ، كوجوب حفظ النفس المحترمة من الهلاك بالجوع ؛ لجواز أخذ العوض إذا وجده الجائع ، مع أنّ اجرة الكيل والوزن غير ما نحن فيه ؛ لتعلّق وجوب الإخراج حينئذٍ ، فلا يتمّ ذلك في الحصد والتصفية والتذرية ؛ لعدم وجوب الإخراج حينئذٍ وإن دخل وقت تعلّق الوجوب.

ثمّ إنّه لا إشكال في جواز الخرص في الثمار بعد تعلّق الوجوب وإفراز حصّة الفقير ، وكذلك في الغِت على الأظهر ؛ لظاهر صحيحة سعد بن سعد الأشعري (١) ، فإذا خرص فلا يجب عليه ضبط مال الفقير ، فتثبت عليه المئونة في حصّته وإن لم يفرزه ، فصرف مقدار حصّة الفقير من الزكاة في ضبط ماله إحسان إليه ، وما على المحسنين من سبيل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٣ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ١٣٣ أبواب زكاة الغِت ب ١٢ ح ١ ، وفيها : إذا ما صرم وإذا ما خرص.

١٠٢

وإن رجع إلى الحاكم أو عيّن الفقير وأعطاه فالأمر أوضح.

احتجّوا بالإطلاقات ، مثل قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبيّ : «فيما سقت السماء والأنهار إذا كان سيحاً أو كان بعلاً العشر ، وما سقت السواني أو الدوالي أو يسقى بالغرب فنصف العشر» (١).

وفيه أولاً : منع الإطلاق والعموم بالنسبة إلى جميع شؤون المطلق والعام ، فإنّ الظاهر في تلك الأخبار ملاحظة أفراد الصنفين ممّا فيه العشر ونصف العشر ، يعني في كلّ نصاب يندرج تحت هذا القسم العشر ، وفي كلّ نصاب يندرج تحت الأخر نصف العشر ، لا ملاحظة جميع أجزاء كلّ منهما ، وليس في الأخبار ما يدلّ على أنّ في كلّ ما سقت السماء عشر جميعه ، وكما يحتمل كون اللام في العشر عوض الإضافة يحتمل كونها للعشر المعهود ، وهو ما يُؤدّى بعد وضع المؤن. سلّمنا ، لكنّها مخصّصة بما ذكرنا من الأدلّة.

ومن العجائب : أنّ الشيخ ادّعى إجماع العلماء كافّةً إلا عطاء من العامّة على عدم إخراج شي‌ء سوى خراج السلطان (٢) ، والظاهر أنّه وهم بعد ملاحظة الشهرة بين القدماء والمتأخّرين ، حتّى هو أفتى في النهاية موافقاً للمشهور (٣).

وكيف يستثني من إجماع العلماء كافّة عطاء من العامّة فقط مع تصريح شيخه المفيد في المقنعة (٤) والصدوق في الفقيه (٥) ولا يعتني بفتواهما أصلاً.

ولو فرض تسليم إمكان تحقّق هذا الإجماع في زمان عطاء ، واطّلاع الشيخ عليه

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٣ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٥ أبواب زكاة الغِت ب ٤ ح ٢ ، والسيح : الماء الجاري ، والبعل : ما سقته السماء ، والسواني : جمع سانية ، وهي البعير يستقى عليه من البئر ، والدوالي : جمع دالية وهي الدلو ، والغرب : الدلو العظيمة ، انظر المصباح المنير : ٢٩٩ ، ٥٥ ، ٢٩٢ ، ١٩٩ ، ٤٤٤.

(٢) المبسوط ١ : ٢١٧ ، الخلاف ٢ : ٦٧.

(٣) النهاية : ١٧٨.

(٤) المقنعة : ٢٣٩.

(٥) الفقيه ٢ : ١٨ ح ٥٩.

١٠٣

دون المفيد والصدوق ، والقول بأنّ خروجهما لا يضرّ ، فالظاهر أنّه إجماع انعقد على مُستند صدر من باب التقيّة ، لأنّه مذاهب الفقهاء الأربعة ، فلا اعتماد عليه أيضاً.

وأغرب من ذلك دعوى يحيى بن سعيد أيضاً الإجماع من غير عطاء أيضاً (١) ، فإنّ اشتهار الفتوى بإخراج المؤن بعد الشيخ في غاية الوضوح ، حتّى ابن إدريس لم ينقل الخلاف في المسألة (٢) ، والمتأخّرون عن الشيخ ، كالفاضلين (٣) وغيرهما (٤) لم يعتنوا بدعوى الشيخ الإجماع ، حتّى أنّ العلامة قال في التحرير بعد الفتوى بإخراج المؤن : وللشيخ رحمه‌الله هنا قول ضعيف (٥).

وبالجملة الظاهر أنّ مثل هذا الإجماع لا أصل له ، والإطلاقات مع غاية الكثرة إذا هجرها جلّ الأصحاب ، سيّما مع عدم ظهور خبرٍ صريح لمذهبهم ممّا يضعف التمسك بها جدّاً.

والحاصل أنّ الشهرة الكذائيّة مع ما ذكرنا من الأدلّة تكفي في ترجيح المشهور ، لكنّ الأحوط عدم وضع مئونة ما قبل تعلّق الوجوب ، وغاية الاحتياط عدم وضع شي‌ء من المؤن.

ثمّ إنّ صاحب المدارك أيّد مختاره بالفرق الوارد في الأخبار وكلام الأصحاب بين ما سقي بالسيح والبعل والعذي ، وما سقي بالدوالي والسواني بالعشر ونصف العشر ، فإنّه لو كان وضع المؤن ثابتاً لما كان لهذا الفرق وجه ؛ لعدم التفاوت في المؤن بين القليلة والكثيرة (٦).

__________________

(١) الجامع للشرائع : ١٣٤.

(٢) السرائر ١ : ٤٤٨.

(٣) المحقّق في المعتبر ٢ : ٥٤١ ، والشرائع ١ : ١٥٤ ، والمختصر النافع : ٥٧ ، والعِمة في المنتهي ١ : ٥٠٠ ، والتذكرة ٥ : ١٥٣.

(٤) كالشهيد في الدروس ١ : ٢٣٧.

(٥) التحرير ١ : ٦٣.

(٦) المدارك ٥ : ١٤٧.

١٠٤

قال : ومن ثمّ احتمل الشهيد في البيان إسقاط مئونة السقي لأجل نصف العشر ، واعتبار ما عداها (١).

ولا شهادة فيه لما ذكره ، فإنّه لم يظهر من الروايات أنّ ذلك من جهة اعتبار مئونة السقي وكثرتها ، وإلا فقد تكون سائر المؤن فيما سقت الأنهار أكثر ، سيّما فيما يستقي من القنوات والأنهار العظيمة البعيدة المحتاجة إلى التقنية (٢) والحفر.

ومع الإغماض عن أنّ ذلك تعبّد ، ولا تبلغ العقول إلى غالب أحكام الشرع ، أنّه يمكن أن يكون السرّ في ذلك قلّة الغلّة الحاصلة من أمثال هذه الأدوات ، واحتياج أصحابها إلى الغلّة لأجل القوت ، سيّما فيما يصعب التحصيل من الخارج ، إرفاقاً عليهم.

وينبغي التنبيه لأُمور :

الأوّل : إنّه على القول بإخراج المؤن هل يعتبر إخراج المؤن بعد النصاب فيُزكّى ما بقي من النصاب وإن قلّ ، أو تخرج المؤن وسطاً ثمّ يعتبر النصاب ، أو تخرج المؤن الحاصلة قبل تعلّق الوجوب ثمّ يعتبر النصاب ، فتخرج منه المؤن اللاحقة ، ثمّ يزكّي ما بقي؟ أقوال ، أحوطها الأوّل ، وأظهرها بالنظر إلى الأصل ومقتضى تعلّق الزكاة بالنماء والفائدة الثاني ، وهو ظاهر الأكثر.

ووجه الثالث : عدم تعلّق الزكاة بالمؤن السابقة بالفرض ، وأنّ زكاة المئونة تصرف في مئونة الزكاة في اللاحقة ، فكأنّ الزكاة تعلّقت بمجموع ما عدا المؤن السابقة.

الثاني : ظاهر أكثر الأصحاب وصريح الفاضلين في المنتهي والتحرير والمعتبر أنّ الخراج يخرج وسطاً ثمّ يعتبر النصاب (٣) وجعله الشهيد الثاني رحمه‌الله من المؤن المتعلّقة بعد تعلّق الوجوب ، فيعتبر النصاب قبله ، فتجب الزكاة بعد إخراجه وإن بقي

__________________

(١) البيان : ١٨٠.

(٢) في «ح» : التنقية. والتقنية : حفر القناة (المصباح المنير : ٥١٧) ، ويحتمل كونه تصحيف : الترقية.

(٣) المنتهي ١ : ٥٠٠ ، التحرير ١ : ٦٣ ، المعتبر ٢ : ٢٤٠.

١٠٥

أقلّ من النصاب (١) ، ولا أعرف له وجهاً.

وأمّا الدليل على المشهور : مضافاً إلى نفي الخلاف كما يظهر من المعتبر والمنتهى (٢) ، أنّ حال الخراج والمقاسمة حال أحد الشريكين في الزرع ؛ لكونه شريكاً في الثلث أو العشر مثلاً كالمزارعة.

ولعلّ السرّ في عدم تعلّقها بمال الخراج وإن بلغ حدّ النصاب مع ذلك : عدم انحصار مالكه ، وعدم بلوغ نصيب كلّ من أربابه النصاب ؛ لكونه لجميع المسلمين.

وتدلّ عليه حسنة أبي بصير ومحمّد بن مسلم المتقدّمة (٣).

وروايتان للبزنطيّ الناطقتان بأنّ الزكاة على المتقبّلين في حصصهم ، وفي إحداهما : «وكان للمسلمين ، وعلى المتقبّلين في حصصهم العشر ونصف العشر ، وليس في أقلّ من خمسة أوساق شي‌ء من الزكاة» (٤).

الثالث : الخراج المستثنى في الزكاة هو الحقّ الثابت للمسلمين في الأراضي الخراجيّة المفتوحة عنوة أو ما صالح السلطان أهلها على أن تكون الأرض للمسلمين وعليهم الجزية.

والأمر فيه إلى الإمام ، فيصرفه في مصالح المسلمين العامّة.

ومع غيبة الإمام تجري تصرّفات الجائر من المخالفين مجرى تصرّفات الإمام.

وأمّا الجائر منّا ففيه إشكال ، ولا يبعد وضع الخراج الذي يأخذه من باب المؤن ؛ لعدم إمكان الزرع بدونه ، مع ما يمكن استشعار جريان حكم المخالفين فيهم بإشعار بعض الأخبار بالتعليل والتنبيه مع لزوم العسر والحرج.

__________________

(١) الروضة البهيّة ٢ : ٣٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٤٠ ، المنتهي ١ : ٥٠٠.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٣ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ ح ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ ح ٧٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٩ أبواب زكاة الغِت ب ٧ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٢ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٨ ح ٩٦ ، وص ١١٨ ح ٣٤١ ، ٣٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ ح ٧٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٩ أبواب زكاة الغِت ب ٧ ح ٢ ، ٣.

١٠٦

والأظهر عندي : أنّ إذن الحاكم الشرعيّ منّا في الخراج تنوب مناب إذن الإمام العادل ، ولا يبعد القول به في صورة تسلّط الجائر المخالف أيضاً ، فلو أمكن المدافعة والإنكار والجحود وإيصال الحقّ إلى مستحقّه برأي الحاكم الشرعيّ بدون فساد وضرر فيجوز ، بل يجب ، خلافاً لما نقل عن ظاهر الأصحاب ، وادّعي عليه الإجماع من عدم جواز المذكورات بقول مطلق.

وتحقيق الخراج والأراضي الخراجيّة ومعاملاتها قد استقصيناه في كتاب المكاسب من مناهج الأحكام.

الرابع : المراد بالمؤن ما يغرمه المالك على الغلّة ممّا يتكرّر كلّ سنة عادة ؛ وإن كان قبله ، كأُجرة الحرث ، والسقي ، والحفظ ، والأرض وإن كانت غصباً ولم ينو إعطاءها ، والبذر وإن كان ماله المزكّى ، وما ينقص من الآلات.

ولو زرع مع الزكويّ غيره وقصدهما معاً أوّلاً وزّع عليهما ، إلى غير ذلك ممّا فصّله الشهيد الثاني (١) والمحقّق الشيخ عليّ رحمه‌الله (٢).

وعن جماعة من الأصحاب : أنّ ثمن الثمرة إذا اشتراها من دون الشجرة على وجه يصحّ من جملة المؤن (٣).

الخامس عشر : كلّما سقي من الغِت والثمار سيحاً (٤) أو بعلاً (٥) أو عذياً (٦) ففيه العشر.

وما سقي بالدوالي (٧) والنواضح (٨) وأمثالهما ممّا تحتاج فيه ترقية الماء إلى الأرض إلى

__________________

(١) الروضة البهيّة ٢ : ٣٦.

(٢) جامع المقاصد ٣ : ٢٢.

(٣) كالشهيد الثاني في الروضة البهيّة ٢ : ٣٦ ، والسيد الطباطبائي في الرياض ٥ : ١١٧.

(٤) السيح : الماء الجاري ؛ تسمية بالمصدر ، منه الحديث ما سقي بالسيح ففيه العشر ، انظر مجمع البحرين ٢ : ٢٧٧ سيح.

(٥) البعل : ما شرب بعروقه من الأرض بغير سقي. لسان العرب ١١ : ٥٧.

(٦) العذي : الزرع الّذي لا يسقيه إلا ماء المطر. الصحاح ٦ : ٢٤٢٣.

(٧) الدوالي : جمع دالية وهي الناعورة يديرها الماء. لسان العرب ١٤ : ٢٦٦.

(٨) النواضح : جمع ناضح ، وهو البعير يستقى عليه ، والأُنثى ناضحة وسانية. الصحاح ١ : ٤١١.

١٠٧

إله نصف العشر ؛ بالإجماع والأخبار المستفيضة ، مثل صحيحة الحلبي (١) ، وصحيحة زرارة وبكير (٢) ، وصحيحة زرارة الأُخرى (٣).

وإن اجتمع الأمران فيعتبر الأكثر ، والظاهر أنّه إجماعيّ ، ولم يُنقل فيه خلاف إلا عن بعض العامّة ، فاعتبر التقسيط (٤).

وتدلّ عليه حسنة معاوية بن شريح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥).

وفي اعتبار الأكثريّة بالعدد أو الزمان أو النفع والنمو أوجه ، بل أقوال.

والتحقيق : أنّ الرواية واردة على المتعارف المعتاد ، فيسقط اعتبار السقيات المتعدّدة المتوالية في زمان قليل ، ومرور الأيّام الكثيرة الخالية عن السقي مع الحاجة ، والاعتبار به ، فلا يعتبر مطلق العدد ، ولا مطلق الزمان.

وأمّا التعدّد المعتاد فلا ينفكّ عن النموّ والنفع ، والنموّ تابع للوقت من حيث التنمية والتقوية وعقد الحبّ والإدراك.

فالمعتبر : هو ما أوجب أولويّة نسبة الغلّة إليه ، فانتساب الغلّة إلى السيح والبعل أو النواضح والدوالي تابع للنفع والنموّ بهما ، وهو يحصل بالسقي المعتاد في الزمان المعتاد.

فجعل المعيار هو النفع والنموّ كما اختاره العلامة وولده أقرب.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٣ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٥ أبواب زكاة الغِت ب ٤ ح ٢. وفيها : إذا كان سيحاً أو كان بعلاً العشر ، وما سقت السواني والدوالي أو سقي بالغرب فنصف العشر.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦ ح ٤٠ ، الاستبصار ٢ : ١٥ ح ٤٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٥ أبواب زكاة الغِت ب ٤ ح ٥. وفيها : ما كان يعالج بالرّشا والدلاء والنضح ففيه نصف العشر ، وإن كان يسقى من غير علاج .. ففيه العشر.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣ ح ٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤ ح ٤٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٠ أبواب زكاة الغِت ب ١ ح ٥ ، وفيها : ما كان يسقى بالرّشا .. ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء .. ففيه العشر تامّاً.

(٤) كالغمراوي في السراج الوهاج : ١٢٢ ، وحكاه عن ابن حامد في الشرح الكبير لابن قدامة ٢ : ٥٦٣.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٤ ح ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ ح ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ ح ٤٤ ، الوسائل ٦ : ١٢٨ أبواب زكاة الغِت ب ٦ ح ١. الأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثمّ يزيد الماء وتسقى سيحاً .. قال : النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ، ونصف بالعشر.

١٠٨

وإن تساوياً فمن النصف العشر ، ومن النصف الأخر نصف العشر بلا خلاف ، وادّعى عليه إجماع العلماء في المنتهي (١) ، فالمجموع ثلاث أرباع العشر.

وقيل : جزء من خمسة عشر جزءاً ، ولم أعرف وجهه.

السادس عشر : إذا تعلّق الوجوب بالمال ثمّ مات المالك فتخرج من أصل المال ؛ بالإجماع ، والأخبار ، مثل حسنة معاوية بن عمّار (٢) ، وموثّقة عبّاد بن صهيب (٣).

وهذا الحكم ثابت ولو كان عليه دين يساوي مع الزكاة أصل التركة.

ولو ضاقت التركة عن المجموع ، فالأصح الأشهر تقديم الزكاة مع بقاء العين لتعلّقها بالعين قبل تعلّق الدين بها ، وقيل : يجب التحاص (٤) و (٥) ، وهو ضعيف.

أمّا مع فقد العين فيتعيّن التحاصّ.

ولو فقدت بعد الموت فيذهب حقّ الفقراء ، ولا يشتركون مع الغرماء ، فيرجع فيه إلى المتلف إن وجد.

ولو مات المالك وعليه دين مستوعب قبل ظهور الثمرة ثمّ ظهرت الثمرة وبلغت حدّ الوجوب قبل أداء الدين ، فإن قلنا ببقاء التركة على حكم مال الميّت ، فلا زكاة على الميّت ؛ لعدم التكليف ، ولا على الوارث ؛ لعدم الملكيّة.

وإن قلنا بانتقاله إلى الوارث فالزكاة عليه ، ولا يتعلّق بها الدين فيما قطع به الأصحاب ؛ لأنّها ليست جزءاً من التركة ، هكذا ذكره في المدارك (٦).

__________________

(١) المنتهي ١ : ٤٩٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٧ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ١٧٦ أبواب المستحقّين للزكاة ٢١ ح ٢. رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة وعليه حجّة الإسلام وترك ثلاثمائة درهم .. قال : يحجّ عنه .. وتخرج البقيّة في الزكاة.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٧ ح ١ ، الوسائل ٦ : ١٧٥ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٢١ ح ١. رجل فرّط في إخراج زكاته في حياته .. ثمّ أوصى به أن يخرج ذلك ، قال : جائز ذلك ، يخرج من جميع المال.

(٤) لعلّ هذا القول ناظر إلى القول بتعلّق الزكاة بالذمّة (منه رحمه‌الله).

(٥) القائل هو الشيخ في المبسوط ١ : ٢١٩.

(٦) المدارك ٥ : ١٥٤.

١٠٩

وفيه نظر ؛ لأنّ التركة إذا كانت مستوعبةً للدين ولم تضق عنه ، وفُرض كون الثمرة زائدةً ، فهي ملك الورثة على القولين ؛ لاستحالة بقاء الملك بلا مالك ، فهو كشراء الثمرة قبل بلوغ وقت الوجوب بدون الشجرة كما مرّ ، فما وجه نفي الوجوب مطلقاً؟!

إلا أن يقال : إنّه على القول بكون المال للميّت فهو باقٍ عليه حتّى يؤدّي الدين ، ونماؤه تابع له ، ولا منافاة بين كون المال حينئذٍ زائداً على الدين وعدم انتقاله إلى ملك الوارث ؛ لاحتمال تلف بعضه قبل أداء الدين.

مع أنّ التحقيق في المسألة : أنّ المال باقٍ على ملك الميّت ، سواء كان الدين مستوعباً لأصل التركة في أوّل الأمر أو لا ، ولا ينتقل إلى الوارث إلا بعد أداء الدين ، وإن قلنا بجواز التصرّف فيه ، وقد حقّقنا ذلك في رسالة مفردة.

ولو مات بعد ظهور الثمرة وقبل وقت الوجوب ، وأنّ وقت الوجوب قبل أداء الدين ، فعلى القول الأوّل لا زكاة على أحدهما.

وعلى ما أوردنا من النظر فلا بدّ أن يقيّد ذلك أيضاً بما لو لم تحصل زيادة في العين والثمرة بحسب النماء أو السوق قبل زمان تعلّق الوجوب بحيث يصدق بلوغ النصاب منها في ملك الوارث حدّ الوجوب ، ويندفع بما ذكرناه أخيراً.

وعلى القول الثاني ، قال في المدارك : فيه أوجه ، ثالثها أنّه إن تمكّن من التصرّف في النصاب ولو بأداء الدين من غير الزكاة وجبت عليه ، وإلا فلا (١).

أقول : والوجه الثالث أوجهها ، والفرق بين هذا القسم وما قبله ، مع تساويهما في دخول وقت الوجوب في مال الوارث ، أنّ حقّ الديّان تعلّق بالثمرة في القسم الأخير ولو من باب جناية العبد ، فيكون ملك الوارث غير تامّ ، بخلاف القسم الأوّل.

ثمّ على القول بالوجوب ؛ فالأظهر أنّه لا يغرم العشر للديّان كما اختاره في

__________________

(١) المدارك ٥ : ١٥٤.

١١٠

المدارك (١) ؛ لأنّ الوجوب قهريّ كنقص القيمة السوقيّة والنفقة على التركة.

وقيل : يغرم ؛ لسبق حقّ الديّان (٢) ، وهو ضعيف.

__________________

(١) المدارك ٥ : ١٥٤.

(٢) كما في البيان : ٢٨١.

١١١

خاتمة

في بعض أحكام ما تستحب فيه الزكاة

وفيها مباحث :

الأوّل : قد عرفت سابقاً استحباب الزكاة في كلّ ما يدخل الكيل من الحبوب ما سوى الغِت الأربع فاعلم أنّ كلّ ما مرّ من الشرائط جارٍ فيها ، من اعتبار النصاب ، ومقداره ، ومقدار الفريضة ، واعتبار السقي بالإجماع (١) والأخبار (٢) ، وقد مرّ بعضها.

الثاني : قد مرّ استحباب الزكاة في مال التجارة وهو المال الّذي ملكه بعقد معاوضة قاصداً للاكتساب عند التملّك.

وهذا اصطلاح فقهيّ في هذا القسم من المال ، كاصطلاح البئر في مبحثه ، وكذا الحيض والنفاس ، فليس ممّا ينتقل بميراث أو هبة أو بصلح دم أو صداق أو نحو ذلك شي‌ء ، ولا فيما قصد به القنية.

__________________

(١) وممن ذكر عدم الخلاف العلامة في المنتهي ١ : ٥١٠.

(٢) الوسائل ٦ : ٤١ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٩ ، وص ١١٩ أبواب زكاة الغِت ب ١.

١١٢

وكلّ هذه القيود مُستفادة من الأخبار (١) ؛ لاعتبارها فيها مع أصالة العدم في غيرها ، فإنّ موارد الأخبار ما أمسك المتاع طلباً لرأس المال أو الفضل ، وهو ظاهر في عقد المعاوضة.

ومن ذلك يظهر استفادة قصد الاكتساب أيضاً منها ، بل استمراره طول الحول ، ولم ينقلوا خلافاً في جميع ذلك.

نعم ، الإشكال في اعتبار مقارنة القصد للتملّك ، ولم ينقل في المعتبر فيه الخلاف أيضاً ، إلا عن بعض العامّة ، فقال : تتعلّق الزكاة بمال القنية إذا قصد به التجارة (٢) ، وذهب إليه بعض المتأخّرين (٣). والأوّل أظهر ؛ لأنّه إنّما هو الظاهر من الأخبار ، فإن طلب رأس المال والفضل ونحوهما المذكور فيها ظاهر فيما وقعت المعاملة بقصد التجارة ، ولا دليل على اعتبار غيره.

بيان ذلك : أنّ رأس المال لا يطلق على قيمة ما اشتراه للقنية ، وقصد التجارة بالمال في البين لا يوجب كون إطلاق رأس المال على الثمن حقيقة ، بل هو مجاز ؛ لاشتراط التلبّس بالمبدإ في المشتقّ ، وهو حين الاشتراء لم يكن متلبّساً بهذا الوصف ، ولا فرق في ذلك بين الجامد والمشتقّ.

الثالث : يُشترط فيه النصاب ، وحئول الحول على النصاب ، وأن لا يطلب بنقيصة ولو قليلاً ؛ بلا خلاف في ذلك كلّه من الأصحاب.

والنصاب فيه هو النصاب في النقدين بلا خلاف ظاهراً ، وهو الظاهر من الأخبار (٤) ، فإنّ الظاهر منها أنّ المتاع قائم مقام النقد الذي اشتراه به ، فيثبت فيه النصابان معاً.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٤٨ ، قال : قال الشيخ لو نوى بمال القنية للتجارة لم يدر في حول التجارة بالنيّة ، قال إسحاق : يدور في الحول بالنيّة.

(٣) كالشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٢٤٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٠٠.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣.

١١٣

وعدم اعتبار العامّة فيه النصاب الثاني إنّما هو لعدم اعتبارهم ذلك في النقدين.

ولو كان مال التجارة ماشيةً أو زرعاً فالمعتبر في النصاب هو القيمة التي اشتراه بها ، سواء وافق نصاب الماشية والزرع ، أو خالفهما زيادة أو نقصاناً.

وأمّا الحول ، فيدلّ عليه الإجماع (١) والأخبار ، مثل حسنة محمّد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام ، وفي آخرها قال : وسألته عن الرجل يوضع عنده الأموال يعمل بها ، قال : «إذا حال عليه الحول فليزكّها» (٢).

وروايته الأُخرى أيضاً ، أنّه قال : «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول» (٣).

ثمّ في اشتراط بقاء السلعة طول الحول وعدم تبادلها وعدمه قولان ، أشهرهما الثاني ، وادّعى عليه العلامة (٤) وولده (٥) الإجماع.

ونقل في المدارك عن ظاهر المفيد والصدوق الأوّل (٦) ، وهو صريح المعتبر (٧) ، واختاره هو مستدلة عليه بظاهر الأخبار الكثيرة المتضمّنة لثبوت الزكاة على السلعة الباقية طول الحول (٨).

وأنت خبير بأنّها لا تنفي تعلّق الزكاة بالأعيان المتبادلة ، بل غايتها إثبات الزكاة فيما ذكره.

__________________

(١) كصاحب المدارك ٥ : ١٦٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٨ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ ح ١٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠ ح ٢٩ ، الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٨ ح ٥ ، الوسائل ٦ : ٤٧ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٨ ، وفي طريقها إسماعيل بن مرار ، وفي وثاقته كلام ، نعم هو واقع في أسناد تفسير عليّ بن إبراهيم (انظر معجم رجال الحديث رقم ١٤٣٠).

(٤) التذكرة ٥ : ٢٢٣.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ١٨٥.

(٦) المدارك ٥ : ١٧١.

(٧) المعتبر ٢ : ٥٤٧.

(٨) الضمير يعود إلى صاحب المدارك ، والأخبار تجدها في الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣.

١١٤

مع أنّ ظاهر روايتي محمّد بن مسلم المتقدّمتين هو كفاية التبادل ، والإجماعان المنقولان يعضدانهما ، فهو أظهر.

وأمّا أن لا ينقص المتاع عن رأس المال ، فهو إجماعيّ أيضاً كما نقله في المعتبر (١) ، وتدلّ عليه الأخبار أيضاً (٢).

فإذا بلغ رأس المال فيستأنف الحول حينئذٍ.

نعم ، إذا مضى سنون وهو على النقص تستحبّ زكاته لسنة ؛ لموثّقة العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

الرابع : زكاة التجارة تتعلّق بالعين لا بالقيمة كما اختاره الفاضلان (٤) وغيرهما ؛ لظاهر الأخبار ، مثل قولهم «: «فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول» ، و «إذا حال الحول فليزكّها» ونحو ذلك ، سيّما مع ما مرّ في زكاة المال ، وحينئذٍ فالإخراج من القيمة بدل مجوّز.

وذهب الشيخ (٥) وأتباعه (٦) إلى تعلّقه بالقيمة ؛ لرواية إسحاق بن عمّار «كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير» (٧) ولأنّ النصاب يُعتبر بالقيمة فتجب الزكاة فيها.

ودلالة الأُولى ممنوعة ، وكذا ملازمة الثانية.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٥٠.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٦٩ ح ١٨٩ وفيه : أمسكه سنتين ، الاستبصار ٢ : ١١ ح ٣٢ ، وفيه : سنين كما في الأصل وبعض نسخ الوسائل ، الوسائل ٦ : ٤٧ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٩. المتاع أمسكه سنتين ثمّ أبيعه ماذا عليّ؟ قال : سنة واحدة.

(٤) المحقّق في المعتبر ٢ : ٥٥٠ ، والعِمة في التذكرة ٥ : ٢١٨.

(٥) الخلاف ٢ : ٩٥ ، والمبسوط ١ : ٢٢١.

(٦) كسِر في المراسم : ١٣٦.

(٧) الكافي ٣ : ٥١٦ ح ٨ ، التهذيب ٤ : ٩٣ ح ٢٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٩ ح ١٢١ ، الوسائل ٦ : ٩٣ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٧ ، ليس فيها : والدنانير ، وفيها : عن أبي إبراهيم عليه‌السلام بدلاً ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وفي طريقها إسماعيل بن مرار ، وفي وثاقته كلام (انظر معجم رجال الحديث رقم ١٤٣٠)

١١٥

وذكروا لوجه الثمرة وجوهاً :

منها : ما لو زادت القيمة بعد الحول ، فعلى المختار يخرج ربع عشر المال ، وعلى المشهور ربع عشر القيمة عند تمام الحول.

ومنها : جواز بيع السلعة بعد الحول وقبل إخراج الزكاة أو ضمانها ، فيجوز على المشهور دون المختار.

وفيه نظر ؛ إذ المراد بالتعلّق بالعين هنا نظير ما حقّقناه في زكاة الماليّة في قوله عليه‌السلام : «في خمسٍ من الإبل شاة» (١) فهو لا ينافي التعلّق بالقيمة ، وليس معنى التعلّق بالقيمة التعلّق بالذمّة كما لا يخفى.

ومنها : التحاصّ وعدمه ولو قصرت التركة.

وفيه أيضاً النظر السابق ، فلا يجوز التحاصّ على المشهور أيضاً.

ثمّ إن كان رأس المال غير النقدين ، فتعتبر القيمة بالنقد الغالب ، وملاحظة النصاب ووجود رأس المال في الحول بالنسبة إليه.

ولو تساوى النقدان في غلبة المعاملة فبأيّهما بلغ النصاب يقوّم به ، وإن كان أحد النقدين أو كليهما ، فيقوّم بما اشتراه به ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب.

ويظهر من المحقّق في الشرائع : التخيير بين الدراهم والدنانير مطلقاً (٢) ، وتدلّ على الأوّل ملاحظة رأس المال في الأخبار ، وهو إنّما يعلم بالتقويم بما اشتراه به ، فإن بلغ النصاب بالدراهم دون الدنانير ، وكان رأس المال هو الدنانير ، فلا زكاة ، وكذا العكس.

وعلى فرض ثبوتهما معاً ، فإن لم يبلغ كلّ منهما مُنفرداً النصابَ فلا زكاة ، وإن بلغ بأحدهما دون الأخر فهو المعتبر.

__________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ٩٤ ، المراسيل لأبي داود : ١١١ ح ١ ، وانظر التذكرة ٥ : ٦١.

(٢) الشرائع ١ : ١٤٥.

١١٦

الخامس : إذا كان مال التجارة عيناً زكويّةً ، واجتمعت فيها شرائط الزكاتين ، فالمعروف من المذهب المدّعى عليه الإجماع من غير واحد عدم اجتماع الزكاتين (١) ؛ لقوله عليه‌السلام : «لا يثنّى في صدقة» (٢).

وقول الباقر عليه‌السلام في حسنة زرارة : «لا تُزكّي المال من وجهين في عام واحد» (٣).

ونقل في الشرائع قولاً بثبوتهما معاً ، هذه وجوباً وهذه استحباباً (٤) ، وهو ضعيف.

ثمّ إنّ المفروض ههنا عامّين تعارضا من وجه ، والقاعدة الرجوع إلى المرجّحات ، أمّا على المشهور من القول باستحباب الزكاة في مال التجارة فتتعيّن الزكاة العينيّة ؛ لتقدّم الوجوب على الاستحباب ، وظاهر التذكرة الإجماع (٥).

وعلى القول بالوجوب فقيل : بتقديم العينيّة (٦) و (٧) ، وقيل : بالتخيير (٨) ، وذهب بعض العامّة إلى تقديم زكاة التجارة ؛ استناداً إلى بعض الاعتبارات الضعيفة (٩) ، ومستند التخيير التساوي في الوجوب.

والأقوى تقديم العينيّة ، لا لما قيل : إنّها تتعلّق بالعين فكانت أولى ؛ لعدم ثبوت رجحان من ذلك.

بل لأنّ الأدلّة الدالّة على وجوب الزكاة العينيّة أقوى وأظهر دلالةً وأثبت في

__________________

(١) كالعلامة في المنتهي ١ : ٥٠٩.

(٢) النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤ ، كنز العمّال ٦ : ٣٣٢ ح ١٥٩٠٢ ، الصحاح ٦ : ٢٢٩٤ ، وفيها : لا ثنى. وكذا في التذكرة ٥ : ٢٢٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٠ ح ٦ ، وفيه : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، التهذيب ٤ : ٣٣ ح ٨٥ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ١.

(٤) الشرائع ١ : ١٤٦.

(٥) التذكرة ٥ : ٢٢٣.

(٦) قالوا : لأنّها أحظ للمساكين بتعلقها للغير (منه رحمه‌الله).

(٧) القائل هو الشيخ في المبسوط ١ : ٢٢٢ ، والخلاف ١ : ١٠٤.

(٨) نقله الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٠٣.

(٩) كابن قدامة في المغني ٢ : ٦٢٧.

١١٧

المذهب ، بخلاف أدلّة زكاة التجارة ؛ فإنّها موافقة للعامّة ، فيحتمل سقوطها رأساً كما تُشعر به حكاية تخاصم أبي ذر وعثمان (١) و (٢) ، وبعد العمل عليها ، فالوجه حملها على الاستحباب لما مرّ ، فدلالتها على الوجوب على فرض التسليم ليست بمثابة دلالة تلك الأدلّة مع كونها إجماعيّة ، وكون هذه خلافيّة.

مع أنّ المتبادر من أخبار زكاة التجارة أنّ مال التجارة غير الأعيان الزكويّة من الأمتعة الأُخر ، فلاحظ الأخبار وتأمّلها (٣).

نعم ، في قويّة خالد بن الحجّاج الكرخيّ (٤) ما لا يمنع استفادة الإطلاق والعموم ، ولكن لا تعارض ما ذكرنا.

ولو عاوض نصاباً زكويّاً من مال التجارة بآخر في أثناء الحول ، فمقتضى ما قدّمناه «من أنّ تبدل مال التجارة في أثناء الحول لا يضرّ في تعلّق زكاة التجارة ، وأنّه يضرّ في الزكاة العينيّة» سقوط الزكاة العينيّة ، وتعلّق زكاة التجارة.

ثمّ إن بقي النصاب المذكور بعد التبادل حولاً تامّاً من حين التبادل فتتعلّق به زكاة التجارة حين تمام الحول من أوّل تملّك النصاب الأوّل.

وفي اعتبار ما انقضى من المدّة ، من ابتداء تملّك النصاب الثاني في حول الزكاة العينيّة وعدمه ، احتمالات تقدّم نظيرها في زكاة الحيوان ، والأظهر عدم الاعتبار ، لاستلزام الثنيا في الصدقة ، وكما أنّ الحول الواحد لا يُعتبر في الزكاتين فكذا بعضه.

__________________

(١) فيما روي عن الباقر عليه‌السلام ، قال : يا زرارة إنّ أبا ذرّ وعثمان تنازعا على عهد رسول اللهُ ، فقال عثمان : كلّ مال ذهب أو فضّة يدار ويعمل به ويتّجر ففيه الزّكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذرّ : أمّا ما يتّجر به أو دير وعملت به فليس عليه زكاة ، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً موضوعاً ، فإذا حال الحول ففيه الزكاة ، واختصما في ذلك إلى رسول اللهُ ، قال ، فقال : القول ما قال أبو ذرّ (منه رحمه‌الله).

(٢) التهذيب ٤ : ٧٠ ح ١٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٩ ح ٢٧ ، الوسائل ٦ : ٤٩ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٨ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٩ ح ٧ ، الوسائل ٦ : ٤٧ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٥ ، وفيه : ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلا لتزداد فضلاً على فضلك فزكّه.

١١٨

لا يقال : إنّ مقتضى أدلّة زكاة التجارة وإن كان الثبوت عند تمام الحول مطلقاً ، لكن الأدلّة الدالّة على جريان النصاب في الحول في الزكاة العينيّة (١) يقتضي اعتباره من ابتداء التملّك ، فيقع الإشكال في تقديم إلحاق الزمان الحاصل بعد تملّك الثاني بمال التجارة أو احتسابه للعينيّة ، فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات ، والمرجّح للعينيّة كما تقدّم.

لأنّا نقول : تعلّق الزكاة العينيّة إنّما يُعلم بعد حؤول الحول ، والجريان في الحول من أوّل الملك معناه أنّ معرفة الحول تحصل بملاحظة أوّل التملّك ؛ لأنّ الوجوب يتعلّق به أوّل التملّك ، ولذلك نقول : إذا تساوقت زكاة التجارة والعينيّة في الحول فيكون مراعى إلى آخر الحول ، فإن نقص شي‌ء من النصاب في أثناء الحول بالنسبة إلى العينيّة ولم ينقص بالنسبة إلى زكاة التجارة فتتعلّق به زكاة التجارة عند تمام الحول. مع أنّ في أوّل الأمر أجرينا النصاب في حول الزكاة العينيّة ، فنقول فيما نحن فيه : إذا تمّ حول زكاة التجارة ، فتتعلّق به ؛ لعدم العلم ببقاء النصاب على شرائطه إلى آخر حول الزكاة العينيّة ، وإذا تعلّق يلزم العمل على مقتضاه ، ثمّ يبدأ بالحول للعينيّة.

السادس : قالوا : تُستحبّ الزكاة في حاصل العقار المتّخذ للنماء من البساتين والخانات والحمّامات (٢).

وفي اشتراط الحول والنصاب وجهان ، بل قولان ، نفاهما في التذكرة للعموم (٣).

واستقرب اعتبارهما في البيان (٤) ، قال في المدارك : ولا بأس به اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تمّ ، قال : وعلى هذا فإنّما يثبت الاستحباب فيه

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٣ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٦.

(٢) الشرائع ١ : ١٤٦ ، التذكرة ٥ : ٢٣٣ ، المنتهي ١ : ٥١٠ ، المدارك ٥ : ١٨٥.

(٣) التذكرة ٥ : ٢٣٣.

(٤) البيان : ٣٠٩.

١١٩

إذا كان الحاصل عرضاً غير زكويّ ، أما لو كان نقداً فالزكاة تجب فيه مع استجماع الشرائط ، ويسقط الاستحباب (١).

__________________

(١) المدارك ٥ : ١٨٥.

١٢٠