غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

صرفها إلى فقراء بني هاشم في حال غيبته أيضاً على الأظهر كما سيجي‌ء تحقيقه (١).

وقال الشهيد في البيان : ظاهر الأصحاب أنّ مصرف هذا الخمس أهل الخمس ، وفي رواية «تصدّق بخمس مالك ، فإنّ الله رضي من الأموال بالخمس» (٢) وهذه تؤذن أنّه في مصارف الصدقات ؛ لأنّ الصدقة الواجبة محرّمة على مستحقّ الخمس (٣).

هذا ، ولكن الصدوق في الخصال روى في الصحيح عن عمّار بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس» (٤).

ثمَّ قال في الخصال : وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة» ونسي ابن أبي عمير الخامس (٥) ، قال مصنف هذا الكتاب : أظنّ الخامس الذي نسيه ابن أبي عمير مالاً يرثه الرجل وهو يعلم أنّ فيه من الحلال والحرام ولا يعرف أصحاب الحرام فيؤدّيه إليهم ، أو لا يعرف منه بعينه فيجتنبه ، فيخرج منه الخمس ، انتهى كلامه رحمه‌الله.

وسوق الرواية دليل على إرادة الخمس المصطلح ، فهذه الرواية ، مع ظهور عمل جمهور الأصحاب ، وظاهر الإجماع المنقول يكفي في ذلك ، فالمختار وجوب إيصال ما لم يعرف صاحبه والقدر إلى أرباب الخمس المصطلح ، ومصرفه مصرف سائر الأقسام وإن لم نقل بدخوله في الآية ، إذا كان من باب الميراث ؛ لظاهر الصحيحة المذكورة ، وإطلاق مرسلة حمّاد بن عيسى (٦) ، ومرسلة أحمد بن محمّد (٧) الآتيتين في

__________________

(١) في ص ٣٨٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٥ ح ٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٤.

(٣) البيان : ٣٤٨.

(٤) الخصال : ٢٩٠ ح ٥١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٦.

(٥) الخصال : ٢٩١ ح ٥٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٧.

(٦) الكافي ١ : ٥٣٩ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٥٦ ح ١٨٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨. قال : الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم ومن الغوص والكنوز ومن المعادن والملّاحة.

(٧) التهذيب ٤ : ١٢٦ ح ٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥٩ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٩ الخمس من خمسة أشياء : من الكنوز ،

٣٤١

تقسيم الخمس.

وقد مرّ أنّ ظاهر العلامة أيضاً دعوى الإجماع على أنّ مصرف الخمس في كلّ ما يجب فيه الخمس هو مصرف خمس الغنائم.

وقد يستدلّ على وجوب الخمس في هذا القسم بحسنة الحلبي المتقدّمة في خمس الغنائم (١) ، وقد عرفت ضعف العمل عليها إن أُريد بها الغنيمة الحاصلة من حرب الكفّار بدون إذن الإمام ، مع أنّه غير ما نحن فيه ، وإن أُريد بها ما يحصل من عمالتهم وولايتهم ، كما يشعر به لفظ الديوان أو الأوان في موضع اللواء في بعض النسخ ، فلا دلالة فيه على ما نحن فيه.

وفي معناها موثّقة عمّار أيضاً ، عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سئل عن أعمال السلطان يخرج فيها الرجل ، قال : «لا ، إلا أن لا يقدر على شي‌ء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» (٢).

ورواية الحكم بن علباء الأسدي ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فقلت له : إنّي ولّيت البحرين فأصبت بها مالاً كثيراً ، واشتريت متاعاً ، واشتريت رقيقاً ، واشتريت أُمّهات أولاد ، وأنفقت ، وهذا خمس ذلك المال ، وهؤلاء أُمّهات أولادي ونسائي وقد أتيتك به ، فقال : «أما إنّه كلّه لنا ، وقد قبلت ما جئت به ، وقد حلّلتك من أُمّهات أولادك ، ونسائك وما أنفقت ، وضمنت لك عليّ وعلى أبي الجنّة» (٣).

فالأولى حمل تلك الأخبار على الاستحباب فيما يحصل من ولاية الظالمين إذا لم يكن حراماً ، وإلا فيجب ردّه إلى أربابه ، وربّما يستدلّ بموثّقة عمّار على استحباب تخميس جوائز الظالم إذا كانت مشتبهة لتزول الكراهة.

__________________

والمعادن ، والغوص ، والمغنم الذي يقاتل عليه.

(١) التهذيب ٤ : ١٢٤ ح ٣٥٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ٨ في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة ، قال : يؤدّي خمسها.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٣٠ ح ٩١٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٧ ح ٢٨٥ ، الاستبصار ٢ : ٥٨ ح ١٩٠ ، الوسائل ٦ : ٣٦٨ أبواب الأنفال ب ١ ح ١٣.

٣٤٢

ويحتمل أن يكون كلّ ما يحصل من عمالتهم من باب الأنفال ، كما مرّ فيما يغنم في عسكرهم من دار الحرب ، فيكون اكتفاء الإمام بالخمس من باب العفو والتحليل عن الباقي ، كما تدلّ عليه الرواية الأخيرة.

مع أنّ الرواية الأخيرة ربما كانت مبتنيةً على أنّ البحرين كانت من الأنفال ؛ لكون أرضه مما انجلى أهلها ، وكذلك البحر كما يستفاد من بعض الأخبار ، وكان حكم الأنفال في زمن الإمام أنّه لو تصرّف فيه متصرّف بإذن الإمام كان خمسه للإمام ، ولكن الإمام كان يتعامل معه معاملة الخمس كما يظهر من الكليني في الكافي (١) ، وإذا كان بغير إذن الإمام فالجميع للإمام ، وما ذكره رحمه‌الله مطابق للرواية وغيرها من الروايات (٢) ، وسيجي‌ء تمام الكلام في الأنفال.

والحاصل : أنّ ما يمكن به الاستدلال في المسألة من الأخبار هو ما قدّمناه أوّلاً.

هذا كلّه إذا جهل مقدار الحرام رأساً وصاحبه قطعاً ، وهو المتبادر من الروايتين أيضاً ؛ إذ الظاهر من الفعل المنفي هو العموم ، فالمراد عدم المعرفة من جميع الوجوه.

ولكن كلمات كثير من علمائنا (٣) كظاهر صحيحة عمّار المتقدّمة (٤) مطلقة تقتضي وجوب الخمس وإن علم زيادة الحرام على الخمس ، أو على صورة غلبته على الحرام ، بل صرّح بعضهم بذلك كالمحقّق في المعتبر (٥) ؛ فإنّه قال : ولا يعتبر في غنائم دار الحرب ولا في الأرض التي ابتاعها الذميّ من المسلم ، ولا في المال المختلط حرامه بحلاله مقدار ، بل يجب فيه الخمس مطلقاً من غير تقدير.

قال الشيخ : إذا اختلط الحلال بالحرام حكم بالأغلب ، فإن كان الأغلب حراماً

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٨ ، قال : الآجام والمعادن والبحار والمفاوز هي للإمام خاصّة ، فإن عمل فيها قوم بإذن الإمام فلهم أربعة أخماس ، وللإمام خمس.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب الأنفال ب ١.

(٣) الشرائع ١ : ١٦٤.

(٤) الخصال : ٢٩٠ ح ٥١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٢٧.

٣٤٣

احتاط في إخراج الحرام ، وكذا لو ورث ما لم يعلم أنّ المورث جمعه من محظور ومحلّل بأن غلب على ظنّه أو علم أنّ الأكثر حرام ؛ احتاط في إخراج الحرام منه ، وإن لم يتميز له أخرج الخمس وصار الباقي حلالاً (١).

وما ذكره الشيخ تفصيل لم تدلّ عليه الرواية ، فإن كانت عنده ثابتة فتفصيله غير لازم.

أقول : ويقرب من كلام الشيخ كلام ابن إدريس (٢) ، وكلامهما في التفصيل وإن كان أحسن من الإطلاق مطلقاً كما يظهر من المحقّق ، إلا أنّ الأولى ما ذكره جماعة من المحقّقين في التفصيل (٣) ، وهو أنّ وجوب إخراج الخمس إنّما هو إذا جهل القدر والمستحقّ من جميع الوجوه ، كما هو ظاهر الروايتين ، ولا يبعد تنزيل إطلاق الصحيحة على ذلك أيضاً.

أمّا إذا علم المالك والمقدار ، فلا ريب في وجوب الإيصال إليه.

وإن علم القدر معيّناً دون المالك ، فالأقوى وجوب التصدّق به عن المالك مع اليأس من المالك ، مساوياً كان لخمسة أو أزيد أو أنقص ؛ لعدم اندراجه في مدلول هذه الأخبار ، فيكون من باب المال المجهول المالك.

ومقتضى إطلاق فتاويهم والأخبار الواردة فيه التصدّق به ، ومقتضى بعض الأخبار الواردة فيها أنّها من باب الأنفال ، والظاهر في مثلها أيضاً في أمثال هذا الزمان جواز التصدّق.

ولا بأس بذكر بعض الأخبار ، وهو ما رواه في الكافي في الصحيح ، عن يونس ، قال : سألت عبداً صالحاً عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك كنّا مرافقين القوم بمكّة وارتحلنا عنهم وحملنا بعض متاعهم بغير علم وقد ذهب القوم ولا نعرفهم ولا نعرف أوطانهم وقد بقي المتاع عندنا ، فما نصنع به؟ قال : فقال : «تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة».

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٣٧.

(٢) السرائر ١ : ٤٨٧.

(٣) المسالك ١ : ٤٦٦ ، الرياض ٥ : ٢٤٧.

٣٤٤

قال يونس ، فقلت له : لست أعرفهم ، ولا ندري كيف نسأل عنهم قال ، فقال : «بعه وأعط ثمنه أصحابك» قال ، فقلت : جعلت فداك أهل الولاية؟ فقال : «نعم» (١).

وقريباً منه روى الشيخ في الصحيح عن الرضا عليه‌السلام (٢).

ورؤيا أيضاً ، عن يونس ، عن نصر بن حبيب صاحب الخان ، قال : كتبت إلى عبد صالح : قد وقعت عندي مائة درهم وأربعة دراهم وأنا صاحب فندق ، فمات صاحبها ولم أعرف له ورثة ، فرأيك في إعلامي حالها ، وما أصنع بها ، ضقت بها ذرعاً؟ فكتب : «اعمل فيها وأخرجها صدقة قليلاً قليلاً حتى تخرج» (٣).

قال المحقق الأردبيلي رحمه‌الله في كتاب اللقطة : إنّ هذا هو المشهور بردّ المظالم (٤).

وقال العلامة المجلسي رحمه‌الله ووالده الفاضل المتقي رحمه‌الله : إنّ هذا والقسم الأوّل ، يعني ما لا يعلم القدر والمالك هما المشهوران بردّ المظالم ، وجوّزا إعطاءهما السادات وغيرهم.

وكيف كان فلا ريب في تفاوت الحال في المصرف من حيث الدليل ، فإنّ الأوّل مما وقع فيه النزاع العظيم ، والمشهور أنّ مصرفه مصرف الخمس ، وقد عرفت أنّه الأقوى ، بخلاف هذه ، فإنّ المشهور جواز التصدّق به ، ولم يشترطوا فيه إذن الحاكم ، ولا عدالة المتصرّف ، ولا عدالة المستحقّ.

وجوّز المحقّق الأردبيلي أيضاً التصدّق به على السادات (٥) ، وهو على الأظهر كما مرّت الإشارة إليه سابقاً ، وعلى القول بتحريم مطلق الصدقة الواجبة على السادات يجي‌ء القول بالعدم.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٩ ح ٢٢.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٥ ح ١١٨٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٧ أبواب اللقطة ب ٧ ح ٢ بتفاوت. سُئل عليه‌السلام عن رفيق كان مع جماعة أصابوا متاعه ولا يعرفونه ، فقال عليه‌السلام : فبعه وتصدّق بثمنه على أهل الولاية.

(٣) الكافي ٧ : ١٥٣ ح ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ ح ١٣٨٩ ، الاستبصار ٤ : ١٩٧ ح ٧٤٠ ، الوسائل ١٧ : ٥٨٣ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤٦٠.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤٦٠.

٣٤٥

وبذلك صرّح في المسالك حيث قال : ولو علم القدر خاصة وجبت الصدقة به على مستحقّ الزكاة لحاجته (١) ، وكذا الشهيد في البيان (٢).

وذهب جماعة منهم العلامة في التذكرة (٣) في صورة الزيادة عن الخمس إلى وجوب إخراج الخمس ثمّ التصدّق بالزائد ، ووجهه غير ظاهر.

وإن علم القدر مجملاً ، مثل أنّه يعلم أنّه يزيد على الخمس ولا يعرف قدر الزيادة ، قال العلامة : يجب إخراج الخمس ثمّ ما يغلب على الظنّ في الزائد (٤).

ولعلّه أراد الصدقة كما اختاره في المسالك وصرّح به. واحتمل في المسالك كون المجموع صدقة ، وكون المجموع خمساً (٥) ، والأخير في غاية البعد.

وأمّا لو علم أنّه أقلّ من الخمس ولم يعرف قدره قال في المسالك : اقتصر على إخراج ما تتحقّق معه براءة الذمّة ، ويحتمل الاكتفاء بالظنّ ، وهل هو خمس أو صدقة؟ وجهان ، ولا ريب أنّ جعله خمساً أحوط (٦).

أقول : لا وجه لجعله خمساً ، بل هو صدقة يجوز إعطاؤها الفريقين ، وأمّا الاقتصار على إخراج ما تتحقّق به البراءة أو الظن وإن كان لكلّ وجه ، ولكن الاقتصار على إخراج ما يتيقن انتفاؤه عنه كما احتمله في المدارك قويّاً أيضاً (٧) وجه ، وهو موافق لأصالة البراءة.

ويجري هذا الكلام في تعيين الزائد عن الخمس في الصورة المتقدّمة.

ويجري في كلّ نظائره ، مثل أنّه يعلم اشتغال ذمته بالخمس أو بالزكاة ولا يعرف القدر ، فإنّ أصالة البراءة تقتضي عدم اشتغال الذمة إلا بالمتيقّن ، والقول باستصحاب شغل الذمّة والاعتماد عليه إنّما يتمّ في القدر الثابت من الاشتغال.

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٦٧.

(٢) البيان : ٣٤٧.

(٣) نقله عن التذكرة في المدارك ٥ : ٣٨٩ ، وذهب إليه الشهيد الثاني في الروضة البهيّة ٢ : ٦٧.

(٤) التذكرة ٥ : ٤٢٢.

(٥) المسالك ١ : ٤٦٧.

(٦) المسالك ١ : ٤٦٧.

(٧) المدارك ٥ : ٣٨٩.

٣٤٦

فإن قلت : إنّ الغاصب المصرّ على الظلم إذا غصب مال أحد ونسي مقداره وأُريد الانتزاع منه ، فكيف يكتفى بأخذ ما يتيقّن من المقدار مع أنّه حين الغصب صار ضامناً لما أخذه في الواقع؟ فلو أراد الخلاص عمّا كتبه الكرام الكاتبين حين الأخذ في زبر أعماله فكيف يعتمد على أصالة البراءة عن الزائد؟ وكذلك إذا غصب صرّةً من دنانير لا يعرف قدرها وأخرجها تدريجاً في معيشته.

نعم قد لا يمكن للحاكم إجباره على الزائد إن لم يقدر المدّعى على الإثبات مثلاً ، وعدم ثبوت التكليف حينئذٍ على الزائد ظاهراً لا ينفي كونه مكلّفاً بإزاحة ما في كتاب عمله.

فإن قيل : التكليف به تكليف بما لا يطاق ، حيث إنّه جاهل به.

قلنا : إنّه مقدور بإتيان مقدّمته ، وهو الإتيان بما يتيقّن معه البراءة ، مع أنّه هو الباعث على هذا التكليف ، ولا مانع عقلاً عندنا أيضاً.

نعم لو تاب وندم وأراد الخلاص فلعلّه يمكن القول بعدم جواز التكليف بما لا يطاق ، ولكن المفروض أنّه ليس فوق طاقته ، فلا يجدي هذا الكلام في شي‌ء.

نعم هذا الكلام يجري في قضاء الفوائت مع التوبة ؛ إذ المعيار هنا هو الفرض الجديد على التحقيق ، واشتغال الذمة بشي‌ء في الوقت لا يثبت وجوب رفعه في خارج الوقت ، ولا ينصرف عموم «فليقض ما فاتته» إلى المجهول كما لا يخفى ، وهذا أيضاً إنّما يجري فيما نسي الفائت من الأصل ، وأمّا لو كان متذكراً له بعد الوقت ثمّ نسي فيجري فيه الكلام السابق.

وبالجملة : الذي ثبت من الحديث النبويّ عدم المؤاخذة على المعصية نسياناً ، لا أنّ نسيان المعصية يمحوها عن كتاب الأعمال ، فلا يمكن أن يقال : الان نحن مكلّفون بتدارك المعصية ، ولم يثبت هذا التكليف إلا بما يتيقن الاشتغال به الان.

قلت : إنّ استصحاب اشتغال الذمّة إنّما يدلّ على وجوب ردّ العين المغصوبة مهما أمكن ، وإذا تلفت العين أو اختلطت بحيث لم تتميّز ، فالتكليف إنّما هو التوبة وردّ المثل أو القيمة ، وهذا التكليف تكليف جديد ، وإن كان منشؤه سبب التكليف القديم ،

٣٤٧

فيحتاج في إثبات هذا التكليف وتجديده إلى دليل شرعي ، وأصل البراءة وأصل العدم من الأدلّة الشرعيّة.

وحيث يحتاج في تحديد (١) المثل إلى تحديد مقدار العين ، ولا يمكن إلا بذلك بالفرض ، فنقول : إذ التكليف بمثل ما في نفس الأمر غير متيقن ، ولا ظنّي ، بل مرجوح ؛ لأنّ ظاهر الأمر بإعطاء المثل إنّما هو فيما علمت حقيقة المثل ، ولو قلنا بإرادة نفس الأمر للزم في مثل قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٢) أنّ المعتدى عليه إذا كان جاهلاً بالمقدار لجاز له الأخذ بالمثل النفس الأمري ، وهو غير ممكن في حقّه ، فالأصل يقتضي كون التالف هو الأقل ، فيجب علينا إخراج مثله ، كما في استصحاب النجاسة والرجوع في المطهر إلى أقلّ الأمرين بسبب الرجحان الظني في أحدهما بحسب الدليل الشرعي أو التخيير واختيار الأقلّ لأصل البراءة ، كما لو تردد مطهّر البئر بين نزح ثلاثين دلواً أو أربعين ، وفي الولوغ بين الثلاث والسبع ، وقد بيّنا ذلك في القوانين.

فنقول : الأصل عدم زيادة المال الحرام في نفس الأمر عن الأقلّ ، ويلزمه عدم اشتغال الذمة بالزائد ، وهذا الكلام في المال الذي وصل إليه من الغير أوضح ، سيّما إذا كان الغير حيّاً.

وأوضح منه : ما لو استقرض أحد تدريجاً وشك في الزائد ؛ لعدم تيقن الاشتغال حينئذٍ ، ولو ثبت فالظاهر أنّ النسيان يمحوه مع عدم التقصير وصدق النيّة.

هذا كلّه إذا جهل المالك ، فإن علم المالك ، وجهل المقدار ، فقيل : تجب مصالحته إن كان حيّاً ، أو وارثه إن كان ميتاً ، وإن لم يكن له وارث فهو من الأنفال ، وسيجي‌ء مصرفها (٣).

__________________

(١) في «ح» : تجديد.

(٢) البقرة : ١٩٤.

(٣) المنتهي ١ : ٥٤٨ ، الروضة البهيّة ٢ : ٦٧.

٣٤٨

وقال في التذكرة : إن عرف صاحبه وجهل قدره صالحه أو أخرج ما يغلب على ظنّه ، وإن لم يصالحه مالكه أخرج خمسه إليه ؛ لأنّ هذا القدر جعله الله تعالى مطهّراً للمال ، هذه عبارة التذكرة (١).

ولكنه في المسالك ذكر هكذا : ولو علم المالك خاصّة صالحه ، وإن أبى قال في التذكرة دفع إليه خمسه مع الجهل المحض بقدره أو ما يغلب على الظن وإن علم زيادته عنه أو نقصه ؛ لأنّ هذا القدر جعله الله مطهّراً للمال (٢).

ولعلّه نقلٌ بالمعنى على ما فهمه ، وليس ببعيد من كلامه.

وقال في المدارك : الاحتياط يقتضي وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة ، ولا يبعد الاكتفاء بدفع ما يتيقّن انتفاؤه عنه (٣). وتبعه بعض محقّقي من تأخّر عنه (٤) ، ويجي‌ء فيه الإشكال السابق ودفعه.

ولو علم أنّه أحد جماعة محصورين ، قال في المدارك : وجب التخلّص من الجميع بالصلح (٥).

أقول : ويمكن القول بعدم وجوب دفعه إلى أحدهم ، ولا وجوب مصالحتهم ، فيكون من باب الدرهم الحرام المجهول في صرّة من الدراهم ، فإنّ الأوفق بالأصل والدليل هو جواز إخراج كلّ واحدٍ واحد منها حتّى يتمّ الجميع ، ولكنّه تشتغل ذمّته بالدرهم فيجب ردّه إلى صاحبه ، أو العمل على مقتضاه ، إن لم يعرفه كما حقّقناه في القوانين ، وهو أحد الأقوال في مسألة الشبهة المحصورة ، وليس من متفرّداتي.

فنقول فيما نحن فيه : إنّه لا يجب دفعه إلى أحد من هؤلاء ؛ لعدم علمه بكونه منه ، فلا يجب دفعه إلى هذا ولا إلى هذا ، وهكذا إلى آخرهم ، ولم يشتركوا فيه جميعاً

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٤٢٢.

(٢) المسالك ١ : ٤٦٧.

(٣) المدارك ٥ : ٣٨٨.

(٤) شرح اللمعة للآقا جمال : ٢٩٩.

(٥) المدارك ٥ : ٣٨٨.

٣٤٩

بالفرض حتى يلزم استرضاؤهم ، فيصير من باب المجهول المالك ، فيصرف إلى الفقراء.

وهذا أظهر دليلاً وأوضح سبيلاً من الصلح ، مع أنّهم قد لا يرضون به ، والإجبار عليه لا دليل عليه بالخصوص ، والرجوع إلى القرعة أيضاً كما هو أحد الأقوال في الشبهة المحصورة احتمال.

فروع :

الأوّل : إذا تلف المال المذكور فيجب مساوي الخمس منه أو ما يقوم مقامه للاستصحاب ، ولأنّ ذلك للتطهير ورفع اشتغال الذمّة كما يظهر من الرواية ، وأنّ ذلك جزء التوبة.

وأمّا لو مات من كان عنده مثل ذلك المال وكانت ذمّته مشتغلة بهذا الخمس أو ما يقوم مقامه ، فإن حصل العلم للوارث أو الوصيّ ببقائه في ذمّته فيجب عليهم الأداء ، وإن لم يكن وارث أو وصي ، فالحاكم يقوم مقامهما ، وإن فقد فعدول المؤمنين ، ولا يكفي استصحاب الحال السابق هنا.

وكذلك الكلام في الزكاة والخمس وغيرهما ، ولذلك لا يكتفون في إخراج الدين من مال الميت بالإثبات الشرعي حتى يضم إليه اليمين الاستظهاري ، فإذا رفع النصاب ولم يؤدّ الزكاة ، بل وإن لم يرض البيدر فيما احتمل إخراجه بالخرص أو غيره أيضاً ومات ، فلا يحكم بإخراج الزكاة من ماله ؛ لاحتمال إبراء ذمّة فقير غريم له بما يساوي زكاته ونحو ذلك ، وهكذا في ردّ المظالم.

الثاني : ظاهر الأخبار تعلّق الخمس وما يقوم مقامه بعين المال ولكن إطلاقها يقتضي التخيير بين إخراج الخمس من أيّ نوع منه شاء ، ولا يدلّ على لزوم الإخراج من الجميع ، ولا يبعد الاكتفاء بالبدل من أمثال المال بالقيمة أيضاً كما في الزكاة ، ولم أجد تصريحاً في المسألة في كلامهم.

٣٥٠

الثالث : لو أخرج الخمس ثمّ ظهرت الزيادة المعلومة أو المجهولة فعلى مختار صاحب المدارك (١) ونظرائه (٢) فالجميع صدقة ، وعلى كون المخرج خمساً فيحتمل إخراج الزائد صدقة ، ويحتمل استدراك الصدقة في الجميع بالاسترجاع إن أمكن ، وإلا فيجزئ فيه ويتصدق بالزائد.

الرابع : لو تبيّن المالك بعد الإخراج ففي الضمان وعدمه وجهان بل قولان ، أوّلهما للشهيدين (٣) ، وقوّى الأخير صاحب المدارك (٤) ، وهو أوفق بالأُصول.

الخامس : إذا كان الحرام مختلطاً في بعض ماله فيعتبر الخمس في المختلط لا المتميز ولو كان خليط الحرام مما يجب فيه الخمس كالمعادن والغوص والأرباح فقال في البيان : لم يكف خمس واحد ؛ لأنّه ربما يكون بإزاء الحرام ، بل يجب الاحتياط هنا بما يغلب على الظن من خمس الحلال ، ثمّ خمس الباقي بعد الحلال المظنون ، ولو تساوى الاحتمالان في المقدار احتمل إجزاء خمس واحد ؛ لأنّه يأتي على الجميع (٥).

وقال في المسالك : ولو كان الخليط مما يجب فيه الخمس لم يكن هذا الخمس كافياً عن خمسه ، بل يخرج الخمس لأجل الحرام أوّلاً أو ما يقوم مقامه ، ثمّ يخمس الباقي بحسبه من غوص أو مَكسب (٦).

أقول : والأقرب ما في المسالك ؛ لأنّ رفع نكاية الحرام إنّما هو بدفع خمس المجموع المركّب من الحلال والحرام ، وبعد وضع خمس الحلال يصير خمس المختلط أقلّ ،

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٨٩.

(٢) شرح اللمعة : ٢٢٩.

(٣) البيان : ٣٤٧ ، المسالك ١ : ٤٦٧.

(٤) المدارك ٥ : ٣٨٩.

(٥) البيان : ٣٤٧.

(٦) المسالك ١ : ٤٦٧.

٣٥١

وقد لا يرفع ذلك نكاية الحرام الواقعي ، وكذلك إذا كان التكليف التصدّق بالزائد على الخمس أو الأقلّ فيخرج ذلك ثمّ يخمّس الحلال بحسبه ، يعني بحسب ما يعلم من حاله من كونه أكثر من الحرام أو أقلّ بحسب الظن ، أو البناء على المبرئ للذمّة يقيناً ، أو على ما يتيقن أنّه ليس أقل منه فيخمّس على مقتضاه.

وذلك لا يستلزم تكرار الخمس في مال واحد ، فخمس مال الحلال إنّما يتعلّق بذات المال الحلال ، وخمس المختلط إنّما يتعلّق بالحرام ، يعني هذا القدر من مجموع المالين هو عوض نفس الحرام والرافع لنكايته ، سواء كان مساوياً له في الواقع أو أزيد أو أنقص ، وإن كان ولا بدّ فليخمس ما بقي من بعد خمس الحلال.

وأمّا تخميس الباقي بعد الحلال المظنون كما ذكره رحمه‌الله فليس تخميساً لمجموع المال المختلط كما هو واضح.

وبالجملة : ما يتوهّم من بعض الأخبار ، أو ملاحظة ما ورد في الزكاة من عدم تعدّد الحقّ في المال (١) ليس دلالته فيما نحن فيه بأقوى من دلالة الأخبار على وجوب تخميس المجموع لأجل المختلط بالحرام ، بل الثاني أقوى.

نعم لو كان يقول : خمس الباقي بعد خمس الحلال المظنون ، لكان له وجه ، وإن كان الأوجه ما ذكرنا.

تنبيهان :

الأوّل : قال المحقّق في الشرائع : الخمس يجب في الكنز سواء كان الواجد له حرّا أو عبداً ، صغيرا أو كبيراً ، وكذا المعادن والغوص (٢). ومثل ذلك ذكر العلامة في الإرشاد (٣).

ويظهر منهما أنّه لا خمس على مال العبد والصغير بل والمجنون في غير الأصناف

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ١.

(٢) الشرائع ١ : ١٦٤.

(٣) الإرشاد ١ : ٢٩٣.

٣٥٢

الثلاثة ، وقد عرفت سابقاً الكلام في المعدن والكنز والاستدلال بالعمومات (١).

وأقول هنا : إن أرادوا من العموم عموم الآية فمع أنّ المتبادر منها بعد وضوح كون المخاطب بها المكلّفين أنّ الخمس في أموال نفس المكلّفين لا المولّى عليهم أيضاً ، أنّه يتمّ في الأرباح والفوائد أيضاً ، فلا وجه للتخصيص ، بل وفي المال المختلط بالحرام أيضاً على وجه.

وإن أرادوا مثل قولهم «في المعادن : «عليها الخمس» أو «فيه الخمس» وكذلك : «الكنز فيه الخمس» ففيه : أنّ هذه الأخبار إن جعلت من باب الأحكام الطلبيّة كما هو الظاهر من الجملة الخبريّة ؛ فيرد عليه ما يرد على الآية من أنّ المتبادر إرادة مال نفس المكلّف كما في قولهم ««فيما سقت السماء العشر» (٢) و «في خمس من الإبل شاة» (٣) ونحوهما.

وإن جُعلت من باب حكم الوضع ، وبيان أنّ حقّ أرباب الخمس ثابت في هذه الأموال بعد إخراجها ، فمع أنّه يحتاج في إثبات الوجوب منها على المكلّفين إمّا إلى التمسّك بدليل من الخارج ، أو ارتكاب المحذور السابق في دلالة اللفظ ، على أنّ ذلك واجب على جنس المكلّفين وإن كان يحتاج إلى التفصيل ، فيخرج المكلّف من مال نفسه ، وإن منع فالحاكم يخرجه ، والوليّ يخرج عن الصغير ، ونحو ذلك.

فنقول : إنّ مثل ذلك موجود في الأرباح مثل موثّقة سماعة القائلة بأنّ الخمس في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير (٤) ، بل وفي المال المختلط بالحرام أيضاً مثل صحيحة عمّار بن مروان المتقدّمة (٥) ، فإمّا يعتمد على الأصل وعدم تكليف غير المكلّفين ويدّعى ثبوت الحكم في المعدن والكنز والغوص بالإجماع كما ظهر من العلامة في التذكرة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣.

(٢) انظر الوسائل ٦ : ١٢٤ أبواب زكاة الغلّات ب ٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢.

(٤) الكافي ١ : ٥٤٥ ح ١١ ، الوسائل ٦ : ٣٥٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٦.

(٥) الخصال : ٢٩٠ ح ٥١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٦.

٣٥٣

في الكنز (١) ، بل في المنتهي : في المعدن أيضاً (٢).

أو يدّعى العموم ويثبت ويدّعى إخراج الأرباح والمال المختلط بالإجماع ، والأمر في المال المختلط أصعب ، سيّما في كثير من شقوقه ؛ إذ لا وجه لتحليل مال الغير لأجل الصغر ، ولا يحلّ مال امرئ مسلم إلا من طيب نفسه.

وبالجملة : فالأظهر أنّه لا يجب الخمس على مال غير المكلّف في الأرباح والمكاسب ؛ للأصل ، وعدم ظهور العموم ، وكذا في المال المختلط ممّا جهل قدره وصاحبه مطلقاً ، بل وفيما جهل صاحبه فقط أيضاً لا يجب عليه شي‌ء.

ثمّ إن بقي المال على حاله حتّى يحصل مناط التكليف فالظاهر عدم تعلّق التكليف حينئذٍ أيضاً ؛ فإنّ ظاهر الأخبار أنّ الخمس على ما يستفيده البالغ من الأرباح ، لا أنّه يجب على البالغ وإن استفاد المال في حال عدم التكليف ، فكذلك الكلام في إصابة المال المختلط.

وأمّا المعادن والكنز والغوص فمقتضى الأصل ومنع العموم وإن كان عدم التعلّق ، ولكن ظاهرهم عدم الخلاف ، فلعلّه هو الحجة.

الثاني : لا ريب في عدم اعتبار النصاب في الأقسام الثلاثة الأخيرة وكذا الحول في غير الفوائد والأرباح ، وأمّا فيها فالمشهور أيضاً عدم الاعتبار لا بمعنى وجوبه مضيّقاً حين حصول النفع بمقدار يفضل عن المئونة في نظر المكتسب ، بل بمعنى أنّه يتعلّق به الوجوب حينئذٍ موسّعاً مراعى لتمام الحول ، فيجوز التأخير إلى تمام الحول احتياطاً للمكتسب ؛ لاحتمال زيادة مئونة بتجدّد سبب ، كتلف مال وهدم دار وتزويج وشراء عبد أو أمة أو حصول خسارة في التجارة ونحو ذلك.

ويجوز التعجيل ، بل يستحب ؛ للإطلاقات ، وللمسارعة في الخيرات ،

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٤١٣.

(٢) المنتهي ١ : ٥٤٦.

٣٥٤

والإرفاق بالفقير ، ودفع الموانع المحتملة من وساوس النفس ، وتسويل الشيطان ، وصلة الذريّة الطيبة ، وغير ذلك.

وبالجملة : فالظاهر من الروايات (١) بعد التأمّل التام أنّ الخمس إنّما يجب بعد ملاحظة المئونة ووضعها في النظر ، ووسعة المال لذلك في الظاهر ، لا أنّ الخمس يجب بعد صرف مئونة العام.

ثمّ إن ظهرت زيادة الخمس على ما أعطاه بعد تمام الحول أتمّه ؛ لأنّ ما أعطاه أوّلاً تخميني ، وإن ظهر عدم لزومه عليه لحصول نقصان أو زيادة مئونة فإن تلفت العين مع جهل المستحقّ بالحال فلا ضمان ، وأمّا مع علمه بالحال أو بقاء العين فيأتي عليه ما مرّ في الزكاة (٢).

ونسب العلامة في المختلف (٣) والشهيد في الدروس (٤) وصاحب المدارك (٥) ، إلى ابن إدريس (٦) عدم مشروعيّة الخمس قبل الحول ، وكلامه وإن كان لا يخلو عن تشابه ، لكنّه لا يخلو عن ظهور فيما ذكروه.

وكيف كان فهو ضعيف ؛ لأنّه مخالف لإطلاق الأدلّة.

ولا ينافيها قولهم «: «بعد المئونة» كما ذكرنا ، مع أنّه يستلزم أنّه لو تلف الربح قبل تمام الحول وكان فاضلاً على المئونة لم يكن عليه شي‌ء ، وهو كما ترى.

ثمّ إنّ الإشكال في تعيين مبدأ الحول فقال الشهيد في الدروس : ولا يعتبر الحول في كلّ مكتسب ، بل يبتدئ الحول من حين الشروع في التكسّب بأنواعه ، فإذا تمّ خمّس ما فضل (٧).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٥٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٢.

(٢) ص ١٣٠.

(٣) المختلف ٣ : ٣٢٤.

(٤) الدروس ١ : ٢٥٩.

(٥) المدارك ٥ : ٣٩١.

(٦) السرائر ١ : ٤٨٩.

(٧) الدروس ١ : ٢٥٩.

٣٥٥

وقال الشهيد الثاني : مبدؤه ظهور الربح (١). وتبعه صاحب المدارك (٢).

وتظهر الثمرة فيما لو تفاوتت مئونة العامين ، فأوّل الشتاء مثلاً إذا كان مبدأ حول الزرع وأوّل الصيف كان مبدأ ظهور نفعه ، فعلى القول الثاني تعتبر مئونة أوّل الصيف إلى الصيف الأخر ، وعلى الأوّل تعتبر مئونة ما تقدّم من أوّل الشتاء إلى الشتاء الأخر ، وهكذا الكلام في الشروع في التجارة والكسب.

والأقرب القول الأوّل ، سيّما على ما اخترناه سابقاً (٣) من مختار المحقّق الأردبيلي (٤) رحمه‌الله من الوجوه الثلاثة في محلّ صرف المئونة ، مع أنّ القول الثاني يوجب الحرج والضيق ؛ لجهالة وقت ظهور الربح غالباً ، وسيّما مع اعتبار الإنضاض في الأمتعة.

ثمّ إنّ الشهيد الثاني قال في المسالك : وإنّما يعتبر الحول بسبب الربح ، فأوّله ظهور الربح ، فيعتبر فيه مئونة السنة المستقبلة ، ولو تجدّد ربح آخر في أثناء الحول كانت مئونة بقيّة الحول الأوّل معتبرة منهما ، وله تأخير إخراج خمس الربح الثاني إلى آخر حوله ، ويختصّ بمئونة بقيّة حوله بعد انقضاء حول الأوّل ، وهكذا ، فإنّ المراد بالسنة هنا ما تجدّدت بعد الربح ، لا بحسب اختيار المكتسب (٥).

قال في المدارك : وفي استفادة ما ذكره من الأخبار نظر ، ولو قيل باعتبار الحول من حين ظهور شي‌ء من الربح ثمّ احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام الحول وإخراج الخمس من الفاضل عن مئونة ذلك الحول كان حسناً (٦).

أقول : وهو ظاهر ما ذكره في الدروس (٧) ، لكن مع اعتبار مبدأ السنة من أوّل الشروع

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٦٨.

(٢) المدارك ٥ : ٣٩١.

(٣) ص ٣٢٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٣١٨.

(٥) المسالك ١ : ٤٦٨.

(٦) المدارك ٥ : ٣٩١.

(٧) الدروس ١ : ٢٥٩.

٣٥٦

في الكسب ، وهو الأنسب بظواهر الأخبار وإطلاق فتاوي الأصحاب ؛ فإنّ ظاهر مرادهم من اعتبار مئونة السنة وإجماعهم عليه هو مئونة سنة الرجل المتداولة بين الناس ، لا مئونة كلّ ربح ربح ، مع أنّه ممّا لا يمكن ضبطه غالباً ، إلا بعسر شديد وحرج وكيد.

واعلم أنّ المراد بالحول هنا هو السنة الكاملة ، ولا يجزئ الطعن في الثاني عشر كما صرّح به ابن إدريس (١) ، واستقربه في الدروس (٢).

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨٩.

(٢) الدروس ١ : ٢٥٩.

٣٥٧

المبحث الثاني

في مستحقّ الخمس وكيفيّة تقسيمه

وفيه مطالب :

الأوّل : المشهور بين الأصحاب ) أنّه يقسّم ستة أقسام : ثلاثة للنبي : وهي سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم ذي القربى ، وهذه الأقسام بعده للإمام القائم مقامهُ.

والثلاثة الأُخر : لليتامى ، والمساكين ، وأبناء السبيل.

ونقل الفاضلان عن بعض الأصحاب : أنّه يقسّم خمسة أقسام : سهم للرسول ، وسهم لذي القربى يقسّم فيهم ، والباقي لليتامى ، والمساكين ، وأبناء السبيل (٢).

واختلف العامّة ، فعن أبي العالية الرياحي موافقة الأوّل (٣) ، وعن الشافعي وأبي حنيفة موافقة الثاني ، وقالا : إنّ سهماً للرسول ، ومصرفه المصالح ، وسهماً

__________________

(١) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٦٢٧ ، والعلامة في التذكرة ٥ : ٤٣١ ، والإرشاد ١ : ٣٩٢ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٧٨ ، والسيّد في المدارك ٥ : ٣٩٣.

(٢) الشرائع ١ : ١٨٢ ، المنتهي ١ : ٥٥ ، التذكرة ٥ : ٤٣١.

(٣) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ، كتاب الفي‌ء وقسمة الغنائم مسألة ٣٧ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٦٢٧ ، وانظر المغني ٧ : ٣٠٠ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٨٦.

٣٥٨

لذي القربى ، ومصرفه فيهم ، والثلاثة الأُخر لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من المسلمين كافة (١).

وعن مالك : خمس الغنيمة مفوّض إلى اجتهاد الإمام يصرفه فيمن شاء (٢).

وعن أبي حنيفة : يسقط بفوت النبيّ سهمه وسهم ذي القربى ، وتبقى الثلاثة الأُخر تقسّم فيهم (٣).

ويدلّ على الأوّل مضافاً إلى الإجماع كما هو ظاهر الطبرسي (٤) وصريح السيّد (٥) وابن زهرة (٦) ، بل وابن إدريس (٧) ظاهر الآية الشريفة (٨) ؛ فإنّ اللام للملك أو الاختصاص ، والعطف بالواو يقتضي التشريك.

والأخبار المستفيضة عن أهل البيت «، مثل مرسلة عبد الله بن بكير (٩) ، ومرسلة ، حمّاد بن عيسى (١٠) ، ومرسلة أحمد بن محمّد (١١) الآتيات عن قريب.

وما رواه السيّد رضي‌الله‌عنه في رسالة المحكم والمتشابه نقلاً عن تفسير النعماني (١٢).

ومع ظهور الآية والإجماع وعمل الأصحاب لا وجه للقدح في أسناد الروايات ،

__________________

(١) انظر المهذّب للشيرازي ٢ : ٢٤٧ ، وحلية العلماء ٢ : ٦٨٧ ، والمغني ٧ : ٣٠٠ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٨٦ ، والهداية للمرغيناني ٢ : ١٤٨ ، وبدائع الصنائع ٢ : ١٤٧ ، والمبسوط للسرخسي ٣ : ١٧.

(٢) انظر المهذّب للشيرازي ٢ : ٢٤٧ ، وحلية العلماء ٢ : ٦٨٧ ، والمغني ٧ : ٣٠٠ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٨٦ ، والهداية للمرغيناني ٢ : ١٤٨ ، وبدائع الصنائع ٢ : ١٤٧ ، والمبسوط للسرخسي ٣ : ١٧.

(٣) الهداية للمرغيناني ٢ : ١٤٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٥ ، المغني ٧ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٧.

(٤) مجمع البيان ٢ : ٥٤٣.

(٥) الانتصار : ٨٢.

(٦) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٩.

(٧) السرائر ١ : ٤٩٣.

(٨) الأنفال : ٤١.

(٩) التهذيب ٤ : ١٢٥ ح ٣٦١ وفيه : لقرابة الرسول والإمام .. ، الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٢.

(١٠) التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٥٦ ح ١٨٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨.

(١١) التهذيب ٤ : ١٢٦ ح ٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥٩ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٩.

(١٢) المحكم والمتشابه : ٥٧ ، الوسائل ٦ : ٣٦٠ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ١٢.

٣٥٩

مع أنّها في نفسها قويّة معتبرة لا يخفى على المطلع بأحوال الرجال.

وحجّة القول الثاني من طريقنا : صحيحة ربعي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان رسول اللهُ إذا أتاه المغنم أخذ صفوه ، وكان ذلك له ، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ، ويأخذ خمسه ، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ، ثمّ يقسّم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس ، ثمّ يأخذ خمس الله عزوجل لنفسه ، ثمّ يقسّم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل ؛ يعطي كلّ واحد منهم حقّا ، وكذلك الإمام يأخذ كما يأخذ الرسولُ» (١) ولا يعارض بذلك ما تقدّم من الأدلّة.

وربّما يجاب بأنّ ذلك نقل فعلهُ ، ولعلّه أعطى بعض حقّه لغيره توفيراً لهم (٢).

واستبعده بعضهم بملاحظة آخر الرواية (٣) ، والأولى حملها على التقيّة.

وقد يوجّه ظاهر الآية على قولهم : بأنّ الافتتاح باسم الله على جهة التيمّن ؛ لأنّ الأشياء كلّها لله (٤) ، وأنّه من قبيل (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) والمراد : أنّه لرسوله ، أو أنّ ذكر الرسول وما بعده من باب التخصيص بعد التعميم ، بتقريب أنّ المراد : الخمس لا بدّ أن يكون متقرّباً به إلى الله ، وتخصيص المذكورين بالذكر لأجل التفضيل ، كقوله تعالى (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (٥) وهذا (٦) يناسب تفويض أمر الخمس إلى الإمام ، كما هو أحد أقوالهم.

ثمّ إنّ المرتضى رضي‌الله‌عنه نقل عن بعض علمائنا أنّ سهم ذوي القربى لا يختص بالإمام ، بل هو لجميع قرابة الرسولُ من بني هاشم (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٨ ح ٣٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٥٦ ح ١٨٦ ، الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٣.

(٢) الاستبصار ٢ : ٥٧.

(٣) المدارك ٥ : ٣٩٧.

(٤) منهم الفخر الرازي في التفسير الكبير ١٥ : ١٦ ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٧ : ٣٠١.

(٥) حكاه عن الزمخشري في البحر المحيط ٤ : ٤٩٧.

(٦) البقرة : ٩٨.

(٧) الانتصار : ٨٧.

٣٦٠