غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

وأمّا المطلق الذي تحرّر منه شي‌ء ، فيجب عليه إذا بلغ نصيب جزئه الحرّ نصاباً ؛ للعمومات (١). وتبادر القن من المملوك في الروايتين المتقدّمتين.

واحتمال استصحاب حال مملوكيته السّابقة المقتضية للعدم ، معارض بأصالة عموم الآيات والأخبار الشاملة للمكلّفين ، فإنّ المبعّض قسم ثالث من المكلّفين ، والتكاليف إنّما تتعلّق عند أوقات حصول الأسباب ، وهو الان مبعّض ، فلم يعلم تخصيص العمومات بالنسبة إليه.

الرابع : لا ريب ولا خلاف في اشتراط الملك للنصاب فالموهوب لا يجري في الحول إلا بعد القبض ؛ إن قلنا بكونه شرطاً في الصحّة.

وكذا الموصى به ؛ إلا بعد الوفاة والقبول ؛ على القول باشتراط الملك بالقبول.

ويجري المبيع في الحول بعد الصيغة إذا انقضى زمن الخيار ولم يحصل الفسخ ؛ لأنّ الأقوى حصول الملك به ، لا به وبانقضاء زمان الخيار كما ذهب إليه الشيخ (٢).

وكذا إذا استقرض نصاباً وجرى عليه الحول يحسب الحول من حين القبض ؛ لأنّه وقت الملك على الأشهر الأقوى ، لا التصرّف ، وتدلّ عليه الأخبار المعتبرة أيضاً (٣).

وكذا لو نذر في أثناء الحول الصدقة بالنصاب ، أو جعله صدقة بالنذر ؛ لانتقاله عن ملكه حينئذٍ ، وعلى فرض تقدير بقائه على الملك فهو فاقد لشرط التمكّن من التصرّف ، وسيجي‌ء بيانه ، ولأنّه ملك ناقص لا يتبادر ممّا ورد في زكاة المال.

نعم يقع الإشكال فيما لو علّق النذر على ما لم يحصل بعد ، والتحقيق أن يبنى ذلك على كون ذلك مانعاً عن التصرّف فيه قبل انكشاف الواقع في حصول الشرط ، وعدمه. والظاهر أنّه مانع ، ومع المنع من التصرّف لا يجري في الحول ؛ لما سيجي‌ء.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٥٤ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ١.

(٢) المبسوط ١ : ٢٢٧ ، الخلاف ٢ : ١١٤ مسألة ١٣٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٧.

٤١

ووجه جريانه في الحول صدق الملك ، وعدم تحقّق الشرط بعد.

ثمّ إنّهم اشترطوا مع الملك تماميّته أيضاً ؛ لأنّه المتبادر من الملك.

وربّما جعل ذلك عين اشتراط التمكّن من التصرّف كما سيجي‌ء ، وربّما جعل أعمّ.

وفرّعوا على جعله أعمّ منه : ما لو جعل مبدأ الحول بعد جريان صيغة البيع على القول بكون انقضاء زمن الخيار مُلزماً للملك ، فيكون الملك قبله متزلزلاً ؛ لا غير تامّ ، وكذلك الهبة قبل القبض ، بناءً على القول بكونه شرط اللزوم.

ويمكن أن يقال : إنّ الملك إذا تمّ بالقبض في الموهوب مع فرض إمكان التصرّف بأن يطلب القبض ويسلّمه وبانقضاء زمن الخيار في المبيع ، فيتمّ الملك ، ويكشف عن كون الملك تامّاً في نفس الأمر ، ويصدق عليه أنّه مال جرى في الحول عند ربّه كما هو مفاد الأخبار (١) ، فلا يتمّ التفريع.

نعم ، يمكن التفريع بأن يفرض أن يبيع زرعاً قبل انعقاد الحبّ ، ويجعل لنفسه الخيار إلى انقضاء شهرين ، وانعقد الحبّ في أيّام الخيار ، ثمّ رجع البائع بعد تعلّق الزكاة ، أو باعه نصاب حيوان مثلاً وجعل الخيار إلى انقضاء الحول ثمّ رجع بعده ، فإنّ هذا يوجب سقوط الزكاة رأساً ؛ لعدم تماميّة الملك.

أمّا للمشتري ؛ فلانكشاف الواقع عن أنّه لم يكن مالكاً له في نفس الأمر بالملك التامّ ، وإن كان ملكاً له في الجملة ؛ ولذلك (لم تثبت) (٢) له المنافع المنفصلة في أيّام الخيار ، وإن كان يمكن القول بأنّه لمّا كان ممنوعاً من التصرّفات المانعة لخيار البائع فعدم تعلّق الزكاة حينئذٍ إنّما هو من جهة عدم التمكّن من التصرّف ، فلم تبقَ فائدة في جعله غير تامّ من جهة ما ذكرنا.

وأمّا للبائع ؛ فلخروجه عن ملكه ، وعوده إليه إنّما هو برجوعه ؛ فهو ملك جديد.

ويمكن أن يقال : ببقاء ملكه حينئذٍ متزلزلاً أيضاً حتّى يلزم برجوعه ثانياً ، لكنّه أيضاً

__________________

(١) انظر الوسائل ٦ : ٦١ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٥ ، ٦.

(٢) في «م» : تثبت.

٤٢

غير تامّ ؛ لعدم تمكّنه من التصرّفات مع إبقائه على حاله من عدم الفسخ ، وهو أيضاً لا يجدي فيما نحن بصدده.

وأمّا الخدشة في تقييد الهبة بما بعد القبض في المثال الأوّل بأنّ الملك غير مستقرّ بعده أيضاً في مثل ما كان لغير ذي رحم بلا عوض ، فهو مدفوع بأنّ المراد القبض الملزم كذي الرحم ، أو أنّ مثل ذلك التزلزل لا يوجب عدم تماميّة الملك عرفاً ، بخلاف الخيار الثّالث من الشّارع بالخصوص أو من المتعاقدين بالشرط.

الخامس : قالوا : يُشترط في وجوب الزكاة التمكّن من التصرّف

وادّعى عليه الإجماع في التذكرة (١).

ولعلّ دليله الإجماع ، وأنّه المتبادر من الملك ، ومثل صحيحة عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا صدقة على الدّين ، ولأعلى المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك» (٢) وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود (٣) ، وسيجي‌ء بعض آخر.

وقد يستشكل بأنّها أخصّ من المطلوب ، فلا تدلّ على سقوط الزكاة في المبيع المشتمل على الخيار.

وفيه : أنّه لا يضرّ ؛ لوجود غيرهما من الأدلّة (٤) ، مع أنّ الظاهر عدم القول بالفصل ، مع أنّه يمكن استشعار العموم من صحيحة عبد الله بن سنان ، فإنّ الوقوع في اليد كناية عن التسلّط عليه ، والمراد التسلّط التامّ ، وعلى جميع الوجوه ، وكذلك مراد الفقهاء ، فيستفاد العموم من الإجماع المنقول أيضاً من هذه الجهة.

وممّا يدلّ عليه أيضاً : أنّ الأوامر وإن كانت ظاهرة في الواجب المطلق ، لكن ثبوت

__________________

(١) التذكرة ٥ : ١٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١ ح ٧٨ ، الوسائل ٦ : ٦٢ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٥ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٤ ح ٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٨ ح ٢٠ ، الوسائل ٦ : ٦٣ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٦ ح ١ ، الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما .. قال عليه‌السلام : إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول يزكّي.

(٤) الوسائل ٦ : ٦١ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٥ ح ٦.

٤٣

الاشتراط في أُمور كثيرة جدّاً كما سنشير إليه يضعف ظهورها فيما نحن فيه ، سيّما بملاحظة الشهرة والتبادر الذي ادّعيناه إن لم نقل بظهور الاشتراط ، غاية الأمر التساوي ، والأصل براءة الذمّة.

ولا بدّ فيما يشترط فيه الحول التمكّن كذلك في تمام الحول ، كما هو ظاهر الأخبار المتقدّمة. وفي غيره حين تعلّق الزكاة.

وأمّا التمكّن من أداء الزكاة ، فلا يشترط في وجوبها ؛ للإجماع على ما في المنتهي (١) ؛ وللإطلاقات (٢).

نعم ، هو معتبر في الضّمان ؛ للإجماع المنقول في المدارك (٣) ، فيكون أمانة لا يضمن فيها إلا بالتفريط ، فلو تلف بعضه سقط عنه بالنسبة ، وهو كذلك ، هكذا ذكروه ولا يخلو من إجمال ؛ إذ الاستدلال بالإطلاقات في عدم الاشتراط مشكل.

وبيانه : أنّ الأوامر في الزكاة مشروطة بأُمور جزماً ، مثل حصول النصاب وتملّكه ، وتمكّن التصرّف منه ، والنموّ في الملك ، وحؤول الحول فيما يشترط فيه ، وغير ذلك ، فكما أنّ الأوامر مقيّدة بما ذكر ، فلا بدّ أن تقيّد بالتمكّن من الأداء أيضاً بدليل العقل ؛ لاستحالة التكليف بالمحال ، فما وجه ما ذكروه وتمسّكهم بالإطلاقات؟!

وتحقيق المقام أن يقال : إنّ مرادهم بعدم الاشتراط هو عدم اشتراط التعلّق ، لا الوجوب ، فالتعلّق من أحكام الوضع ، وهو غير وجوب الأداء.

والحاصل أنّ الغلّة حين بدوّ الصلاح في الملك يتعلّق بها الزكاة ، بمعنى أنّه يثبت حقّ الفقراء فيها ، وأمّا وجوب أدائه على المالك ، فلا ريب أنّه مشروط بالتمكّن منه ، فإن لم يتمكّن فيجب على الورثة إخراجه ، أو على الحاكم أو غيرهما ، وكذلك في غير الغِت بعد حؤول الحول.

__________________

(١) المنتهي ١ : ٤٩٠.

(٢) الوسائل ٦ : ٥٤ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ١.

(٣) المدارك ٥ : ٣٤.

٤٤

فوجوب الأداء قد يتعلّق بالمكلّف بعد النموّ في الملك ، وقد لا يتعلّق ، ولكن حصول الحقّ فيه يتعلّق به دائماً.

فالمراد بالإطلاقات هو مثل قولهم ««فيه الزكاة» و «عليه الزكاة» ونحو ذلك ، وهو لا يستلزم الوجوب على المالك.

وحينئذٍ فتخصّص الأوامر المقتضية للطلب الشرعي بصورة التمكّن من الأداء.

وحينئذٍ يقع الإشكال في استدلالهم على نفي الزكاة على الطفل والمجنون ، بأنّ الأوامر مختصّة بالمكلّفين ؛ لأنّ لنا أن نقول : يشملهم مثل ما ذكرناه ممّا يثبت الحقّ من باب الحكم الوضعيّ ، فلا بدّ أن يستدلّ ثمّة بالأخبار الخاصة النافية للزكاة عن مالهم (١) ، لا بذلك.

ثمّ إنّهم فرّعوا على اشتراط التمكّن من التصرّف أُموراً :

الأوّل : المال المغصوب لا زكاة فيه حتّى يقع في يد صاحبه ويحول عليه الحول لما مرّ من الأدلّة.

وكذلك لا يجب في غير ما يشترط فيه الحول أيضاً إذا حصل بدوّ صلاحه في يد الغاصب.

واستشكل في المدارك من جهة عدم دلالة الأخبار المتقدّمة على تقدير تسليمها إلا فيما يعتبر فيه الحول ، قال : ولو قيل بوجوب الزكاة في الغِت متى تمكّن المالك من التصرّف في النصاب لم يكن بعيداً (٢).

أقول : ويدلّ عليه عموم الإجماع المنقول (٣) ، وصحيحة عبد الله بن سنان (٤) ، وأنّه

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٥٤ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ١.

(٢) المدارك ٥ : ٣٤.

(٣) نقله في التّذكرة ٥ : ١٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٣١ ح ٧٨ ، الوسائل ٦ : ٦٢ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٥ ح ٦.

٤٥

يتعلّق وجوب الزكاة بالغلات بعد بدوّ الصلاح فيما ملكه قبل بدوّ الصلاح.

والمراد بتعلّق وجوب الزكاة بالغلات بعد بدوّ الصلاح : أنّ المالك مُخاطب بإخراج الزكاة بوجوب موسّع لا يحصل الضمان بسبب تأخيره لأجل الحصاد والتصفية ، بخلاف ما بعد التصفية ؛ فإنّه يضمن لو أخّره بلا عُذر ، والوجوب لا يجوز تعلّقه بغير المتمكّن عقلاً وشرعاً ، والمفروض أنّ الوجوب حينئذٍ مطلق لا مشروط ، وتوسعته لا تنافي عدم جواز التكليف به حال عدم القدرة.

إلا أن يقال : إنّ الأوامر وإن لم تشمله ؛ لكن يشمله ما دلّ عليه من باب الوضع ، كما أشرنا سابقاً ، ولا مقيّد لهما ، فتمسّك حينئذٍ بما مرّ من الأدلّة ، وهي مخصّصة لما دلّ عليه من باب الوضع أيضاً.

ثمّ قال : وإنّما تسقط الزكاة في المغصوب ونحوه إذا لم يمكن تخليصه ولو ببعضه ، فتجب فيما زاد على الفداء (١).

أقول : الظاهر أنّ المرجع في التمكّن من التصرّفات هو العرف ، فلا يضرّ التمكّن العقلي بأن يتحمّل شيئاً من المقدّمات لتحصيل التمكّن.

والظاهر : أنّ المال المغصوب المرجوّ زوال يد الغاصب عنه بأجمعه يصدق عليه في العرف أنّه غير متمكّن منه ، وإن أمكن التخليص بفداء بعضه منه.

وكذلك في المال الغائب الذي يصعب الوصول إليه ، وإن أمكن بتحمّل مشقّة كثيرة ، ومنها صرف بعضه ، سيّما قدراً معتدّاً به في تخليصه.

والحاصل أنّ المعيار هو حصول التمكّن بالفعل ، لا إمكان التمكّن من التمكّن.

ولعلّه نظر إلى إطلاق ما رواه في الموثّق ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : في رجل ماله عنه غائب فلا يقدر على أخذه ، قال : «فلا زكاة عليه حتّى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، وإن كان يدعه مُتعمّداً وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٤.

٤٦

ما مرّ به من السنين» (١).

وأنت تعلم أنّ القدرة أيضاً تحمل على المقدور العرفيّ ، وهو ما كان سهل الحصول.

ولو سلّمنا ما ذكره فلا بدّ من أن يقيّد بما لم يوجب صرف بعضه فيه نقصه بذلك عن النصاب.

ثمّ إنّ المال الغائب عن المالك إذا كان في يد الوكيل أو الوليّ في مال الطّفل والمجنون على القول بثبوت الزكاة فيه وجوباً أو استحباباً ، فهو في حكم الحاضر ؛ لأنّ يد الوكيل كيد الموكّل ، وكذلك الوليّ ، فإذا تعلّقت الزكاة بمال الغائب بذلك ، فالكلام في المولّى عليه واضح ؛ إذ الوليّ هو المخاطب بالأداء.

وأمّا في غيره ، فإن علم في الغيبة بحصول النصاب له في ملكه وحؤول الحول فيما يحتاج إليه ، فيجب عليه الأداء ؛ إمّا من عنده ، وإمّا بأن يأذن للوكيل في إخراجه.

وإن لم يعلم بذلك ، فهل يجب على الوكيل الإخراج أم لا؟ الظاهر أنّه يتبع الوكالة عموماً وخصوصاً.

وأمّا ما أوهمه ظاهر بعض العبارات من إطلاق سقوط الزكاة عن المال الغائب (٢) فهو ليس على ظاهره ، بل المراد الغائب الّذي لا يتمكّن من التصرّف فيه ، كما هو صريح غيرها (٣).

ومن أسباب عدم التمكّن الجهالة ، كالمال الموروث عن غائب لا يعلمه.

ثمّ إنّ الشيخين (٤) وجماعة من الأصحاب (٥) قالوا : إنّ من ترك لأهله نفقة بقدر

__________________

(١) في التهذيب ٤ : ٣١ ح ٧٧ ، والاستبصار ٢ : ٢٨ ح ٨١ مرسلاً ، الوسائل ٦ : ٦٣ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٥ ح ٧.

(٢) الشرائع ١ : ١٢٩ ، فإنّه قال : ولا تجب الزّكاة في المال المغصوب ولا الغائب إذا لم يكن في يد وكيله أو وليّه ، وكذا الإرشاد ١ : ٢٧٨.

(٣) كعبارة الشيخ في الخلاف ٢ : ٨١ مسألة ٩٦ ، والنهاية : ١٧٥ فإنّه قال : ولا زكاة على مال غائب إلا إذا كان صاحبه متمكّناً منه أيّ وقت شاء ، فإن كان متمكّناً منه لزمته الزّكاة ، وعبارة المحقّق في المختصر النافع : ٥٣ ، والمعتبر ٢ : ٤٩٠ فإنّه قال : فلا تجب في المال الغائب إذا لم يكن صاحبه متمكّناً منه.

(٤) الشيخ المفيد في المقنعة : ٢٥٨ ، والشيخ الطوسيّ في المبسوط ١ : ٢١٣ ، والنهاية : ١٧٨.

(٥) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٥٣٠ ، والعلامة في التذكرة ٥ : ٣١ مسألة ١٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٨٩.

٤٧

النصاب فما فوقه بحيث لا يعلم زيادته عن قدر الحاجة وحال عليه الحول ، فتسقط عنه الزكاة ، إن كان المالك غائباً ، ويجب إن كان شاهداً ؛ لصحيحة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول ، قال : «إن كان مُقيماً زكّاه ، وإن كان غائباً لم يزكّ» (١).

وتقرب منها صحيحة صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام (٢) ، ورواية أبي بصير (٣).

وفصّل ابن إدريس (٤) بالتمكّن وعدم التمكّن ؛ للعمومات (٥).

ويمكن تقييد تلك الروايات بذلك بجعل الغيبة كناية عن عدم التمكّن ، والشّهود كناية عن التمكّن ، وهو مشكل ؛ للإطلاق وعمل أكثر الأصحاب على ظاهره.

الثاني : لا زكاة على الوقف والمفقود ، ناطقاً كان أو صامتاً.

أمّا الوقف ؛ فلأنّه حبس العين وتسبيل المنفعة ، وهو ينافي تعلّق الزكاة بالعين وإخراجها منها ، ولمشاركة سائر البطون والطبقات ، ولو نتج فيجب فيه إذا كان لمعيّن.

وأمّا المفقود ؛ فيعتبر فيه عدم صدق التمكّن من التصرّف فيه عرفاً ، فلا عبرة بفقد غنم من القطيع لحظةً أو يوماً في انخرام الحول مثلاً.

ولو عاد المفقود زكّاه سنة استحباباً على المعروف من مذهب الأصحاب (٦) ، والأظهر أنّه لا فرق بين كون مدّة الفقدان ثلاث سنين فصاعداً ، أو أقلّ منها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٤ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ١١٨ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٤ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٩٩ ح ٢٧٩ ، الوسائل ٦ : ١١٧ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٧ ح ١ ، رجل خلّف عند أهله نفقة ، ألفين لسنتين ، عليها زكاة؟ قال : إن كان شاهداً فعليه زكاة.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٤ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ١٥ ح ٤٣ ، التهذيب ٤ : ٩٩ ح ٢٨٠ ، الوسائل ٦ : ١١٨ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٧ ح ٣.

(٤) السرائر ١ : ٤٤٣.

(٥) الوسائل ٦ : ١١٧ أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٧.

(٦) انظر الشرائع ١ : ١٣٠ ، والمنتهى ١ : ٤٧٥ ، والقواعد ١ : ٣٣٠ ، والمدارك ٥ : ٣٧.

٤٨

ومستند المسألة بعد ظاهر الإجماع : موثّقة زرارة المتقدّمة (١) ، وحسنة سدير البصري (٢) ، وحسنة رفاعة (٣).

وتدلّ على نفي الوجوب : صحيحة إبراهيم بن أبي محمود (٤) ، والوجوب هو المنقول عن بعض العامّة (٥).

الثالث : لا زكاة على الدين إن كان التأخير من جهة المدين بلا خلاف ؛ للأصل ، والأخبار المعتبرة (٦) ، وقد تقدّم بعضها.

وإن كان من قِبَل الدائن فكذلك على الأقوى ؛ لعين ما ذُكر. وأوجبه الشيخان (٧) ؛ لروايتين ضعيفتين مفصّلتين (٨) لا تقاومان الأصل ، فضلاً عن الأخبار الكثيرة المعتبرة ، والوجه حملهما على الاستحباب كما فعله في المختلف (٩) ، أو التقيّة ؛ لأنّه مذهب

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١ ح ٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨ ح ٨١ مرسلاً ، الوسائل ٦ : ٦٣ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٥ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٩ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٦١ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٥ ح ١ ، وفيها : سدير الصيرفي قال لأبي جعفر عليه‌السلام في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين .. فوقع على المال بعينه كيف يزكّيه؟ قال : يزكّيه لسنة واحدة.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٩ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٦٢ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٥ ح ٤ ، الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين .. قال : سنة واحدة.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٤ ح ٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٨ ح ٨٠ ، الوسائل ٦ : ٦٣ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٦ ح ١ ، الرّجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما قال : يأخذهما ثمّ يحول عليه الحول ويزكّي.

(٥) انظر المهذّب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، والمجموع للنووي ٥ : ٣٤١ ، وحلية العلماء للقفّال ٣ : ١٥.

(٦) الوسائل ٦ : ٦٣ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٦.

(٧) المقنعة : ٢٣٩ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢٠٥.

(٨) التهذيب ٤ : ٣٢ ح ٨٢ ، ٨١ ، الوسائل ٦ : ٦٤ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٦ ح ٥ ، ٧ ، ولعلّ وجه ضعف الأُولى أنّها رواية عبد العزيز ، وهو مشترك بين جماعة لم يثبت توثيق أكثرهم.

والثانية في طريقها إسماعيل بن مرار ، وليس ما يدلّ على توثيقه سوى وقوعه في تفسيره عليّ بن إبراهيم ، وإبراهيم ابن هاشم وفيه كلام معروف.

في الأُولى قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل يكون له الدين أيزكّيه؟ قال : كلّ دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته ، وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة.

وفي الثانية : فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتّى يقبضه.

(٩) المختلف ٣ : ١٦٢.

٤٩

جمهور أهل الخلاف (١).

وكيف كان فالمتبادر من الدين في الأخبار النقدان ، لا الأنعام ، فلا تشملها ، وما يتوهّم في وجه إخراجها من الحكم من أنّ السوم شرط فيها وهو لا يتصوّر فيما في الذمّة (٢) فهو ضعيف ، وإلا فلا يتّصف النقدان أيضاً بكونهما منقوشين في الذمّة ، وكما جاز ثبوت الشي‌ء في الذمّة فيجوز ثبوت نوع منه أيضاً.

وكيف كان فالمعتبر هو السوم عرفاً حين تشخّص الدين في ضمن العين ، لا السوم طول الحول.

ثمّ إنّك قد عرفت سابقاً حكم القرض ، وأنّه إذا حال عليه الحول عند المقترض فيجب عليه ؛ لأنّه ملكه حينئذٍ ، ودلّت عليه الأخبار.

ولو تبرّع المقرض بالإخراج عنه ، فمقتضى صحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام : في رجل استقرض مالاً فحال عليه الحول وهو عنده ، فقال : «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» (٣) الإجزاء.

وقيّده الشهيد رحمه‌الله بإذن المقترض (٤).

وعمّمه في المدارك ؛ للإطلاق (٥) ، وعلّله في المنتهي بأنّه بمنزلة أداء الدين (٦) ، والتعليل مقدوح بأنّ أداء الدين توصّلي ، وهذا توقيفي ، والنيّة معتبرة فيه ، فينبغي تقييد الخبر بهذه القاعدة ، فيكون بعد الإذن في حكم النائب.

ولو لا الرواية لأشكل مع الإذن أيضاً ؛ لأنّه يؤدّيه عن ماله لا عن مال المقترض نيابة عنه ، ومقتضى ذلك العمل على إطلاق الرواية وتخصيص القاعدة بها.

__________________

(١) انظر المغني ٢ : ٦٣٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٤٤ ، وحلية العلماء ٣ : ٩٢ ، والمهذّب ١ : ١٦٥.

(٢) التذكرة ٥ : ٢٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢ ح ٨٣ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٧ ح ٢.

(٤) الدروس ١ : ٢٣١.

(٥) المدارك ٥ : ٣٩.

(٦) المنتهي ١ : ٤٧٧.

٥٠

وهل يصحّ الاشتراط على المقرض ويلزم؟ المشهور لا ؛ لما مرّ من الأخبار الدالّة على أنّها على المقترض (١) ، ولأنّ اشتراط عبادة متعلّقة بمكلّف خاصّ على غيره غير مشروع.

وقال الشيخ : يصحّ ويلزم (٢).

وربّما يستدلّ له بإطلاق الصحيحة المتقدّمة ، وهو ممنوع.

ووجّهه في المسالك إذا كان الشرط بمعنى أن يتحمّل عن المديون ويخرجها من ماله عنه مع كون الوجوب متعلّقاً بالمديون ، بأنّه لو تبرّع به لجاز ؛ لصحيحة منصور ، فإذا جاز التبرّع فيجوز اشتراطه ، لا بمعنى أن يثبت على المشروط عليه ابتداء بحيث لا يتعلّق بالمديون وجوب النيّة ، ويكون المقرض مؤدّياً لها عن نفسه بسبب الشرط ؛ لأنّ شرط إيجاب العبادة على غير من يخاطب بها غير مشروع (٣).

ثمّ في صورة صحّة الشرط ولزومه إن أدّى المقرِض فتسقط عن المقترض ، وإلا فتجب عليه ، كما لو نذر إنسان أن يؤدّي دين إنسان ولم يؤدّه.

ثمّ إنّ هذا العمل من قبيل صلاة الاستئجار في النيّة ، فينويها عن المقترض ؛ للنيابة عنه ، وعن نفسه ؛ لوجوبه عليه بالشرط.

الرابع : تجب الزكاة على الكافر ، ولا يصحّ منه أداؤها.

أمّا الأوّل : فللعمومات ، كقوله تعالى (يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا) (٤) و (أَنِ اعْبُدُونِي) (٥) و (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) (٦) و «في خمس من الإبل شاة» (٧) وأمثالها ،

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزّكاة ب ٧.

(٢) المبسوط ١ : ٢١٣.

(٣) المسالك ١ : ٣٨٧.

(٤) البقرة : ٢١.

(٥) يس : ٦١.

(٦) التوبة : ١٠٣.

(٧) الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢.

٥١

وخصوص قوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (١) ونحوه.

وشُبهةُ النافي ضعيفة ، وقد بيّناه في موضعه.

وأمّا الثاني : فلعدم تحقّق النيّة فيه ، أمّا في غير الموحّد فواضح ، وأمّا في الملّي كالكتابيّ فلاشتراط إطاعة الرسول الثابت ، لا المنسوخة إطاعته لو فرض توافق الدينين فيها.

وتدلّ عليه : الأخبار الدالّة على بطلان عبادات المخالفين المعلّلة بعدم ولاية وليّ الله (٢) ، لأجل التعليل ، أو من باب الأولويّة.

ولأنّ من شأن العبادة الصحيحة أن يثاب عليها ، ولا ثواب إلا في الجنّة بالإجماع المنقول مستفيضاً ، وهو لا يدخل الجنّة اتفاقاً.

والمشهور أنّ الكافر لا يضمن الزكاة بعد إسلامه ، وإن وجبت عليه في حال كفره.

وصرّح جماعة من المتأخّرين بسقوطها عنه حينئذٍ ، وإن كان النصاب موجوداً (٣).

واستشكله جماعة من المتأخّرين (٤) ؛ لأجل استصحاب الوجوب عليه ؛ ولفحوى الأخبار الدالّة على عدم سقوطها عن المخالف (٥).

ويدفعه : عموم قوله عليه‌السلام : «الإسلام يجبّ ما قبله» (٦).

ولا وجه للقدح في السند والدلالة ، إذ هو متلقّى بالقبول مُستفيض ، بل أُدّعي تواتره.

وكلمة «ما» للعموم ، والجَبّ بمعنى القطع والاستئصال ، فمعناه : أنّه يقطع كلّ ما كان قبل الإسلام من أسباب العقاب والتحميلات الحاصلة من التكاليف ، ومقتضاه

__________________

(١) فصّلت : ٦ ، ٧.

(٢) الوسائل ١ : ٩٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٩٠ ، المنتهي ١ : ٤٧٦ ، التحرير ١ : ٥٨.

(٤) المدارك ٥ : ٤٢.

(٥) الوسائل ١ : ٩٧ أبواب مقدّمة العبادات ب ٣١.

(٦) عوالي اللآلي ٢ : ٥٤ ح ١٤٥ وص ٢٢٤ ح ٣٨ ، مسند أحمد ٤ : ١٩٩ ، الجامع الصغير ١ : ١٢٣.

٥٢

عدم وجوب الإتيان بزكاة نصاب الغلّة إذا بدا صلاحها في ملكه حال الكفر.

ويجب استئناف الحول إذا أسلم في أثناء الحول فيما يُشترط فيه ، ولذلك نقول بسقوط قضاء الصوم والصلاة عنه ، وإن قلنا بأنّ القضاء تابع للأداء.

ويظهر من المحقّق في الشرائع (١) والشهيد الثاني في شرحه (٢) أنّ الكافر إذا تلف النصاب في حال كفره فلا يضمن ، يعني لا يجوز للإمام والساعي أخذه قهراً حينئذٍ ، وإن جاز الأخذ قهراً مع وجوده.

واستشكله في المدارك ؛ لعدم الدّليل على اشتراط بقاء النّصاب في جواز الأخذ (٣).

أقول : ولعلّ وجهه أنّ الزّكاة متعلّقة بالعين على الأصحّ ، فيجوز أخذها مع الوجود ، ولذلك يتبع الساعي العين إذا باعها المالك لغيره ، ويرجع المشتري على البائع. وإذا تلفت فحينئذٍ تنتقل إلى الذمّة ، ولا مؤاخذة على أهل الذمّة في معاملاتهم ومدايناتهم.

وأمّا الحربيّ ؛ فبعد التسلّط عليه فأمواله غنيمة ، ولا يحضرني أنّهم حكموا بمحاسبة زكاته التالفة والردّ إلى الفقراء حينئذٍ.

والحاصل أنّ الزكاة الموجودة بعينها كأنّها خارجة عن معاملاته بالدليل ، وغيرها باقٍ تحت الأصل ، ولذلك لا يأمره الإمام بالعبادات قبل الإيمان وإن كان مكلّفاً بها ، بل إنّما يأمره بالإيمان أو الإتيان بشرائط الذمة.

وأمّا المسلم ؛ فيضمن مع التمكّن من الإخراج والإهمال والتفريط في حفظه على المعروف المدّعى عليه الإجماع (٤) المدلول عليه بالأخبار (٥).

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٣٠.

(٢) المسالك ١ : ٣٦٣.

(٣) المدارك ٥ : ٤٢.

(٤) التذكرة ٥ : ١٩١ مسألة ١٢٦.

(٥) الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣٩.

٥٣

والتلف مع عزل الزكاة أو تلف الجميع واضح ، وأمّا مع تلف بعض النصاب فيقسّم على حصّة المالك وحصّة الفقراء.

وقيل : التالف من المالك (١).

ولا وجه له ، إلا أن يكون نظره إلى أنّ معنى تعلّق الزكاة بالعين ليس على حدّ سائر الأموال المشتركة ، بل مجرّد أنّه يجب في هذا المجموع وإن بقي منه بمقداره.

ويؤيّده ما ذكروه في فروع التعلّق بالغير : أنّه إذا أمهر امرأته نصاباً فحال عليه الحول وطلّقها قبل الدخول فيرجع إلى النصف كملاً والزكاة عليها ، ولها أن تخرجها من العين ، وتردّ عليه نصف الباقي ، وتغرم له نصف ما أدّته.

ولو لم يمكن للساعي استيفاء الزكاة من النصف الباقي عند المرأة لإتلافها إيّاه وإعسارها فيرجع إلى ما في يد الزوج ، وهو يرجع إلى الزوجة في الغرامة.

والضامن في مال المجنون والطفل على القول بوجوب الزكاة فيه إذا تلف مع التمكّن والإهمال أو التفريط هو الوليّ دونهما ، ووجهه ظاهر.

__________________

(١) مجمع الفائدة ٤ : ٢٦.

٥٤

المقصد الثاني

فيما تجب فيه الزكاة

وفيه مباحث :

الأوّل : تجب الزكاة في النقدين ، والغِت الأربعة : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والأنعام الثلاثة : الإبل ، والبقر ، والغنم بإجماع العلماء والأخبار المستفيضة جدّاً (١).

ويستحبّ في غيرها من الحبوب ، وفي إناث الخيل من الحيوانات ، وفي مال التجارة.

وليس زكاة في الخضر والبطّيخ والخيار والباذنجان وغيرها من البقول.

أمّا الاستحباب في سائر الحبوب فهو المنسوب إلى جميع الأصحاب (٢) ، عدا ابن الجنيد ، فإنّه أوجب في كلّ ما دخل القفيز من الحبوب (٣) ، وهو ضعيف.

لنا : الأصل ، والأخبار المعتبرة الدالّة على الانحصار في التسعة المتقدّمة (٤) ، وهي كثيرة لا حاجة إلى ذكرها.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٢ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٨.

(٢) كما في المعتبر ٢ : ٤٩٣.

(٣) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٤٩٣.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٢ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٨.

٥٥

ونقل في الكافي عن يونس بن عبد الرحمن أنّه قال : بأنّ الوجوب على التسعة إنّما كان في أوّل الإسلام ، ثمّ أوجب رسول اللهُ بعد ذلك في سائر الحبوب ، وظاهر الكليني أيضاً هو ذلك (١).

وتدفعه ظواهر الأخبار الكثيرة الناطقة بأنّهُ سنّ الزكاة في تسعة أشياء وعفا عن غيرها ، فإنّ قول الإمام للراوي في مقام الحاجة : «إنّ رسول اللهُ عفا عن ذلك» (٢) ليس معناه إلا أنّه لا يجب عليكم الان.

مع أنّ الصدوق روى في معاني الأخبار بإسناده ، عن أبي سعيد القمّاط ، عمّن ذكره ، عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سئل عن الزكاة ، فقال : «وضع رسول اللهُ الزكاة على تسعة وعفا عمّا سوى ذلك : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والذهب ، والفضّة ، والبقر ، والغنم ، والإبل».

فقال السائل : والذرة ، فغضب عليه‌السلام ثمّ قال : «كان والله على عهد رسول الله السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك».

فقال : إنّهم يقولون : إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول الله ، وإنّما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك.

فغضب وقال : «كذبوا ، فهل يكون العفو إلا عن شي‌ء قد كان ، ولا والله ما أعرف شيئاً عليه الزكاة غير هذا ، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر» (٣).

ويقرب من ذلك قويّة محمّد الطيّار الّتي رواها عنه ابن بكير (٤).

ويدلّ على مذهب ابن الجنيد : حسنة محمّد بن مسلم ، (٥) وحسنة زرارة (٦) ورواية

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٠٩ ذ. ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٢ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٨.

(٣) معاني الأخبار : ١٥٤ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٣٣ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٨ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٤ ح ٩ ، الاستبصار ٢ : ٤ ح ٩ ، الوسائل ٦ : ٣٦ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٨ ح ١٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٣ ح ٧ ، الاستبصار ٢ : ٣ ح ٧ ، الوسائل ٦ : ٤٠ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٩ ح ٤. عن الحرث ما يزكّى منه؟ فقال : البرّ والشّعير والذرة والدّخن والأرز والسلت والعدس والسمسم كلّ ذلك يزكّى وأشباهه.

(٦) التهذيب ٤ : ٦٥ ح ١٧٧ ، الوسائل ٦ : ٤١ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٩ ح ١٠. قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في الذرة

٥٦

أبي مريم (١) وغيرها (٢).

وحملها الأصحاب على الاستحباب (٣) ، ولولا اتفاقهم على الرجحان لحملناها على التقيّة ؛ لكونها موافقةً للعامّة ، وظهورها في الوجوب دون الاستحباب ، وتُشعر بذلك رواية الصدوق المتقدّمة ، وصحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة (٤) ، إلا أنّه لا مخرج عمّا عليه الأصحاب.

وأمّا إناث الخيل فاستحبابها فيها أيضاً هو المعروف من مذهب الأصحاب ، المدلول عليه بالأخبار (٥) ، المدّعى عليه الإجماع (٦).

وأمّا مال التجارة فالأكثر على الاستحباب (٧) ، وقيل بالوجوب (٨) ، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (٩) ، وهو الموافق لظاهر كثير من الأخبار المعتبرة (١٠).

ولكن تدفعها الأخبار المستفيضة المتقدّمة الحاصرة للزكاة في الأجناس التسعة (١١) ،

__________________

شي‌ء؟ قال : الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشّعير.

(١) الكافي ٣ : ٥١١ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ٣٩ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٩ ح ٣ ، قال : سألته عن الحرث ما يزكّى منه؟ فقال : البرّ والشعير والذرة والأرز والسلت والعدس. والسلت : نوع من الشعير لا قشر فيه. مجمع البحرين ٢ : ٢٠٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٩.

(٣) منهم الشيخ في التهذيب ٤ : ٤ ، والاستبصار ٢ : ٤ ، وصاحب المدارك ٥ : ٤٧.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٠ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ٥ ح ١١ ، الوسائل ٦ : ٣٤ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٨ ح ٦ ، وب ٩ ح ١. قال : وضع رسول الله الزّكاة على تسعة أشياء : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضّة والغنم والبقر والإبل .. إنّه سأله عن الحبوب ، فقال أبو عبد الله في الحبوب كلّها زكاة.

(٥) الوسائل ٦ : ٥١ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ١٦.

(٦) التذكرة ٥ : ٢٣٢ مسألة ١٥٩ ، المدارك ٥ : ٥١.

(٧) منهم السيّد في الانتصار : ٧٨ ، والجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٧٥ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٦٥ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٢٢٠ ، والجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢٠٤ ، والنهاية : ١٧٦ ، وسلار في المراسم : ١٣٦ ، والقاضي في المهذّب : ١٦٥ ، وصاحب المدارك ٥ : ٤٩.

(٨) حكاه عن ابني بابويه في المختلف ٣ : ١٩٢ ، وفيه أيضاً : قال ابن أبي عقيل اختلفت الشيعة في زكاة التجارة فقال طائفة منهم بالوجوب ، وقال آخرون بعدمه وهو الحقّ عندي.

(٩) الفقيه ٢ : ١١.

(١٠) الوسائل ٦ : ٤٨ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ١٤ ، ١٥.

(١١) الوسائل ٦ : ٣٢ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ٨.

٥٧

وخصوص صحيحة زرارة في حكاية تخاصم أبي ذر وعثمان إلى رسول اللهُ ، وتصديقه لأبي ذر على عدم الوجوب (١) ، وموثّقة إسحاق بن عمّار (٢) ، وصحيحة سليمان بن خالد (٣) وغيرها (٤).

الثاني : يشترط في المذكورات النصاب وهي في الإبل اثنا عشر نصاباً : خمسة منها خمس ، في كلّ خمس شاة.

وإذا تجاوز عن الخمس والعشرين بواحدة فهو النصاب السادس ، وفيها بنت مخاض.

وفي السّتّ والثلاثين ابنة لبون.

وفي السّتّ والأربعين حقّة.

وفي الإحدى والستّين جذعة.

وفي السّتّ والسبعين فبنتا لبون.

وفي إحدى وتسعين حقّتان.

فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون.

ولم ينقلوا في ذلك خلافاً بين علماء الإسلام ، إلا في النصاب السادس ، فأسقطه ابن أبي عقيل وابن الجنيد (٥) ، وفاقاً للعامّة ؛ فأوجبوا في خمس وعشرين بنت مخاض (٦).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٠ ح ١٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٩ ح ٢٧ ، الوسائل ٦ : ٤٩ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ١٤ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٩ ح ٦ ، التهذيب ٤ : ٦٩ ح ١٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١١ ح ٣١ ، الوسائل ٦ : ٤٩ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ١٤ ح ٢. الرّجل يشتري الوصيفة .. يريد بيعها ، أعلى ثمنها زكاة؟ قال : لا ، حتّى يحول عليه الحول وهو في يده.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٠ ح ١٩١ ، الاستبصار ٢ : ٩ ح ٢٦ ، الوسائل ٦ : ٤٩ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ١٤ ح ٢. رجل اشترى متاعاً ثمّ وضعه .. هل عليه فيه صدقة وهو متاع؟ قال : لا حتّى يبيعه.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٨ أبواب ما تجب فيه الزّكاة ب ١٤.

(٥) نقله عنهما في المختلف ٣ : ١٦٨.

(٦) المجموع ٥ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، المغني ٢ : ٤٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤.

٥٨

لنا : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج (١) ، وصحيحة أبي بصير (٢) وغيرهما (٣).

واحتجّوا بحسنة الفضلاء الخمسة عنهما» ، قالا : «في صدقة الإبل : في كلّ خمس شاة ، إلى أن تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، وليس فيها شي‌ء حتّى تبلغ خمساً وثلاثين ، فإذا بلغت خمساً وثلاثين ففيها ابنة لبون» (٤) الحديث.

وأُجيب عنها بوجهين :

أحدهما : تقدير «فإذا زادت على خمس وعشرين واحدة فبنت مخاض» (٥).

والثاني : حملها على التقيّة.

والأوّل أوجه بالنظر إلى ملاحظة ما بعدها من القرائن إلى آخر الحديث ؛ لاتّفاقهم على أنّه لا تجب بنت اللبون إلا في الستّ والثلاثين ، وكذلك الحقّة إلا في الستّ والأربعين ، وهكذا.

والثاني بعيد بالنظر إلى سائر القرائن أيضاً ، فكأنّه عليه‌السلام أراد تحديد ما يبقى بعد إخراج الفريضة ، لا أنّ المذكورات هي النصاب.

سلّمنا ، لكنّها لا تقاوم أدلّة المشهور.

ثمّ إنّهم اختلفوا في أنّ الخمسين والأربعين في آخر نصب الإبل هل هما بعنوان التخيير فيجوز اختيار الخمسين وإن أمكن تحقّق الأربعين أو بالعكس ، أم يتعيّن اعتبار ما يحصل به الاستيعاب بقدر الإمكان ولو باعتبارهما جميعاً. ففي المائة وإحدى وعشرين تعتبر الأربعين لئلا تخلو الإحدى والعشرين من حقّ الفقراء ، وفي المائة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١ ح ٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٩ ح ٥٧ ، الوسائل ٦ : ٧٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٤. عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : وفي ستّة وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠ ح ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ ح ٥٦ ، الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٢. عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض.

(٣) الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣١ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ ح ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ ح ٥٩ ، الوسائل ٦ : ٧٤ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٦.

(٥) كما في التهذيب ٤ : ٢٣.

٥٩

والخمسين ، الخمسون ؛ لئلا تخلو الثلاثون من حقّهم ، وفي المائة والسبعين يُعتبران جميعاً بإعطاء حقّة وثلاث بنات لبون ، ويتخيّر في المائتين والأربعمائة بينهما؟.

ظاهر الأكثر الثاني ، وهو صريح الشيخ (١) وابن حمزة (٢) والعِمة (٣) والشهيد الثاني رحمه‌الله في المسالك (٤) ، وكلامه في التذكرة يشعر باتفاقنا (٥) ، وفي المنتهي نسبه إلى علمائنا (٦).

وفي المدارك عن جدّه في فوائد القواعد اختيار الأوّل منسوباً إلى ظاهر الأصحاب ، وهو ظاهر اختياره أيضاً (٧) ؛ لإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون» (٨) ، وصريح اعتبار التقدير بالخمسين فقط في صحيحة عبد الرحمن وأبي بصير ، ولو كان التعيين بالأربعين لازماً في المائة وإحدى وعشرين لما جاز ذلك.

أقول : ملاحظة الاستيعاب كما هو ظاهر الأكثر أظهر ؛ لأنّ ظاهر صحيحة زرارة ذلك (٩) ، فإنّ ذلك هو مقتضى كلمة الواو الدالّة على الجمع (١٠) ، إلا أنّه محدود بقدر الإمكان ، وفي معناها روايته الأُخرى (١١) ، وحسنة الفضلاء المتقدّمة (١٢).

ويؤيّده حكم نصاب البقر الوارد في تلك الحسنة ، فتعتبر الثلاثون والأربعون فيها

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٤ مسألة ٨ ، المبسوط ١ : ١٩٢.

(٢) الوسيلة : ١٢٥.

(٣) الإرشاد ١ : ٢٨٠.

(٤) المسالك ١ : ٣٦٥.

(٥) التذكرة ٥ : ٥٩ مسألة ٣٧.

(٦) المنتهي ١ : ٤٨١.

(٧) المدارك ٥ : ٥٨.

(٨) الفقيه ٢ : ١٢ ح ٣٣ ، الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ١.

(٩) الفقيه ٢ : ١٢ ح ٣٣ ، الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ١.

(١٠) في «ح» : الجميع.

(١١) التهذيب ٤ : ٢١ ح ٥٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ ح ٥٨ ، الوسائل ٦ : ٧٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٣. وفيها : فحقّتان إلى عشرين ومائة ، فإن زادت في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين ابنة لبون.

(١٢) الكافي ٣ : ٥٣١ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٧٤ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٦.

٦٠