غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

وهو مشكل ؛ لعدم صدق العجز والاحتياج عليه حينئذٍ عرفاً.

وأمّا لو عجز عن البيع دون الاستدانة ، فلا يبعد أن يقال بعدم وجوب الاستدانة عليه كما اختاره في المدارك (١) ؛ إذ الأصل عدم وجوب جعل ذمّته مشغولة بمال الغير ، والأحوط اعتبار العجز عنه أيضاً.

الخامس : يدفع إليه بقدر ما يبلغه إلى بلده مع ملاحظة قضاء وطره في ذلك السفر ، ولا تجب المبادرة إلى العود ، ويلاحظ في ذلك ما يليق بحاله من المأكول والملبوس والمركوب.

فإن فضل منه شي‌ء ، ففي وجوب الإعادة إلى المالك أو من يقوم مقامه من الوكيل أو الحاكم قولان ، ولا يبعد القول بعدمه كما مرّ ، وكذلك الكلام فيما لو صرفه في غيره ، وللشيخ هنا أيضاً قولان (٢) ، ومختار المحقّق هو اعتبار القصد كما مرّ (٣) ، والتحقيق فيه ما مرّ من أنّ الأظهر عدم الارتجاع ، مع إشكال في شرط المالك ، لا في مطلق قصده.

__________________

(١) المدارك ٥ : ٢٣٤.

(٢) المبسوط ١ : ٢٥٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٧٨.

١٦١

المقصد الرابع

في أوصاف المستحقّين للزكاة

وفيه مباحث :

الأوّل : يُشترط فيهم الإيمان إلا (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) كما مرّ.

ويمكن أن يجعل بعض أفراد سبيل الله ممّا يُعطى منه بالمكلّفين داخلاً في الاستثناء كالغازي ؛ إذ غزو الكافر لا يستلزم التأليف ، ولا الإعطاء للاستمالة والتأليف عدم الإعطاء للغزو.

والمراد بالإيمان : هو الإسلام مع القول بالأئمّة الاثني عشر «بدليل إجماليّ تطمئنّ إليه النفس.

ويدلّ على اعتباره بعد الإجماع الأخبار الكثيرة ، منها صحيحة الفضلاء (١) ، وصحيحة بريد بن معاوية العجليّ (٢) ، وصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري

__________________

(١) الكافي ٢ : ٥٤٥ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ح ١٤٣ ، الوسائل ٦ : ١٤٨ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣ ح ٢ ، في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريّة والمرجئة والعثمانيّة والقدريّة ثمّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كلّ صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حجّ ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة ، ولا بدّ أن يؤدّيها ؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنّما موضعها أهل الولاية.

(٢) التهذيب ٥ : ٩ ح ٢٣ ، الوسائل ٦ : ١٤٨ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣ ح ١ ، وفيها : كلّ عمل عمله وهو في حال

١٦٢

المصرّحة باشتراطه في زكاة الفطرة أيضاً (١).

وفي العيون رواية عن الصادق عليه‌السلام في المنع عن إعطاء المجبّرة والقائلين بأنّ الله يكلّف عباده ما لا يطيقون (٢).

وفي كتاب التوحيد رواية تدلّ على منعها عن المجسّمة (٣).

وفي رجال الكشي ما يدلّ على منعها عن الواقفيّة (٤).

وفي التهذيب ما يدلّ على منعها عن الزيديّة (٥).

ثمّ إنّ في صحيحة الفضلاء وصحيحة بريد أنّ المخالف إذا استبصر وحسن رأيه لا يعيد شيئاً من عباداته إلا الزكاة ؛ لأنّه وضعها في غير موضعها ، وإنّما موضعها أهل الولاية ، والظاهر أنّ وجوب إعادة الزكاة عليه حينئذٍ يكون إجماعيّاً.

والمستفاد منهما ومن غيرهما أنّه لو كان أعطاها أهل الولاية لا تجب عليه الإعادة ، وهو كذلك.

وأمّا عدم لزوم إعادة سائر طاعاتهم ؛ فهو أيضاً كذلك ، على التفصيل الذي مرّ في كتاب الصلاة ، وسيجي‌ء في الحجّ وغيره إن شاء الله تعالى.

وإذا لم يوجد المؤمن هل تصرف إلى غيرهم؟ قال في المعتبر : فيه قولان ،

__________________

نصبه وضلالته ثمّ منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلا الزكاة ؛ لأنّه يضعها في غير مواضعها ، لأنّها لأهل الولاية ..

(١) الكافي ٣ : ٥٤٧ ح ٦ ، التهذيب ٤ : ٥٢ ح ١٣٧ ، الوسائل ٦ : ١٥٢ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٥ ح ١ ، عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال : لا ولا زكاة الفطرة.

(٢) عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام ١ : ١٢٤ ح ١٧ ، الوسائل ٦ : ١٥٦ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٧ ح ١ ، وفيها : من زعم أنّ الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلّفهم ما لا يطيقون فلا تعطوه من الزكاة شيئاً.

(٣) التوحيد : ١٠١ ح ١١ ، الوسائل ٦ : ١٥٦ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٧ ح ٢ ، ورواه الشيخ في التهذيب ٣ : ٢٨٣ ح ٨٤٠ عن الهادي والجواد عليهما‌السلام ، وفيه : من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة ولا تصلّوا وراءه.

(٤) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٥٦ رقم ٨٦٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٥٣ ح ١٤١ ، وانظر الوسائل ٦ : ١٥٢ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٥ ح ٥ ، وفيها عن الصدقة على النصّاب وعلى الزيديّة ، قال : لا تصدّق عليهم بشي‌ء ، ولا تسقهم من الماء إن استطعت ، وقال : الزيديّة هم النصّاب.

١٦٣

أشبههما أنّ زكاة المال لا تدفع إلى غير أهل الولاية (١) ، ثمّ ذكر رواية يعقوب بن شعيب الدالّة على أنّه يعطيها حينئذٍ من لا ينصب ، ثمّ حكم بنُدرتها ، وضعّف طريقها (٢).

وفي التضعيف تأمّل ، لكن الأقوى المنع كما اختاره.

والأظهر الأشهر مساواة الفطرة للزكاة في اعتبار الإيمان ؛ للعمومات ، وخصوص صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدّمة.

وذهب الشيخ (٣) وجماعة (٤) إلى جواز دفعها إلى المستضعف إذا عدم المؤمن ومرادهم منه : من لا يعاند أهل الحقّ من المخالفين لروايات ، منها موثّقة فضيل في التهذيب (٥) ، ورواية مالك الجهنيّ في الكافي (٦) ، وصحيحة عليّ بن يقطين في الفقيه (٧) ، وغيرها (٨).

والأولى حملها على التقيّة ، كما تُشعر به موثّقة إسحاق بن عمّار ، إن حملناها على المستضعف ، أو جعلناها أعمّ ، قال : سألته عن صدقة الفطرة أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال : «نعم ، الجيران أحقّ بها ؛ لمكان الشهرة» (٩).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٨٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٨٠ ، الوسائل ٦ : ١٥٣ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٥ ح ٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٨ ، النهاية : ١٩٢ ، المبسوط ١ : ٢٤٢.

(٤) الشرائع ١ : ١٥١ ، الحدائق ١٢ : ٣١٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٨٨ ح ٢٦٠ ، الوسائل ٦ : ٢٥٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٣ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : كان جدّي عليه‌السلام يعطي فطرته الضعفة ومن لا يجد ومن لا يتولّى قال ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هي لأهلها ، إلا أن لا تجدهم ، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ..

(٦) الكافي ٤ : ١٧٣ ح ١٨ ، التهذيب ٤ : ٨٧ ح ٢٥٥ ، الوسائل ٦ : ٢٥٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ١ ، سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن زكاة الفطرة ، فقال : تعطيها المسلمين ، فإن لم تجد مسلماً فمستضعفاً ، وأعط قرابتك منها إن شئت.

(٧) الفقيه ٢ : ١١٨ ح ٥٠٧ ، الوسائل ٦ : ٢٥١ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٦ ، عن زكاة الفطرة ، أيصلح أن تعطى الجيران والظؤرة ممّن لا يعرف ولا ينصب؟ فقال : لا بأس بذلك إذا كان محتاجاً.

(٨) الوسائل ٦ : ٢٥٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥.

(٩) الكافي ٤ : ١٧٤ ح ١٩ التهذيب ٤ : ٨٨ ح ٢٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٥١ ح ١٧٣ ، علل الشرائع : ٣٩١ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٢٥٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٢.

١٦٤

ويجوز أن تُعطى الزكاة أطفال المؤمنين ، يتيماً كان أو غيره ، دون غيرهم ؛ للإجماع ، والكتاب ، والسنّة ، مثل حسنة أبي بصير (١) ، ورواية أبي خديجة (٢).

وما رواه في قرب الإسناد ، عن محمّد بن الوليد ، عن يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه‌السلام قال ، قلت له : عيال المسلمين أُعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً ، وأرى أنّ ذلك خير لهم ، قال ، فقال : «لا بأس» (٣).

وظاهرهم عدم الفرق بين أن يكون آباؤهم فسّاقاً أولا ، وصرّح بعدم الفرق جماعة منهم (٤) ، وهو الحقّ ؛ لإطلاق الأدلّة.

وقد يقال : بلزوم معرفة حال آبائهم بأنّهم أخذوا أُصول دينهم بالدليل ولو كان إجماليّاً.

وظاهر أنّه لا يجب ذلك ، بل يكفي ثبوت كونهم مقرّين بدين التشيّع ومظهرين له ولو بالإجمال ، ويحمل طريق الأخذ على الوجه الصحيح ، فإنّ إقرارهم بذلك قول مسلم يجب حمله على الصحّة ، وكيفيّة الأخذ من أفعالهم ، وهي أيضاً محمولة على الصحّة ، ويكفي في حمل القول والفعل على الصحّة ظهور الإسلام والإيمان مع عدم العلم بالباطن.

ويظهر ممّا ذكرنا الكلام في البلّغ أيضاً ، وعدم وجوب التفحّص وإن كان ذلك أحوط ، سيّما مع اعتبار العدالة لو اعتبرت.

وأمّا عدم جواز إعطاء أولاد غيرهم فالظاهر أنّه أيضاً ممّا لا خلاف فيه بينهم ؛

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٠٢ ح ٢٨٧ ، الوسائل ٦ : ١٥٥ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٦ ح ١ ، وفيها : الرجل يموت ويترك العيال ، أيعطون من الزكاة؟ قال : نعم ، حتّى ينشأوا ويبلغوا ويسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم ، فقلت : إنّهم لا يعرفون ، قال : يحفظ فيهم ميّتهم ، ويحبّب إليهم دين أبيهم ، فلا يلبثون أن يهتمّوا بدين أبيهم ، فإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٩ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ١٥٦ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٦ ح ٢ ، وفيها : ذريّة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة والفطرة كما يعطى أبوهم حتّى يبلغوا فإذا بلغوا وعرفوا ما كان أبوهم يعرف أُعطوا ، وإن نصبوا لم يعطوا.

(٣) قرب الإسناد : ٢٤ ، الوسائل ٦ : ١٥٦ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٦ ح ٣.

(٤) السرائر ١ : ٤٦٠ ، المنتهي ١ : ٥٢٣ ، المدارك ٥ : ٢٤١.

١٦٥

لتبعيّتهم لهم في الإيمان والكفر ، وهو ظاهر الأخبار أيضاً (١).

وقال المحقّق الأردبيليّ رحمه‌الله : ولا يبعد الإعطاء على تقدير تعذّر الغير من سهم سبيل الله (٢).

ثمّ إنّ الزكاة تُعطى إلى وليّهم ليصرفها فيهم ، سواء كان الطفل رضيعاً أو غيره ؛ لاحتياج الرضيع أيضاً إلى أُجرة الرضاع والكسوة ونحوها.

ومع تعذّر الوليّ يتولّى أمره آحاد عدول المؤمنين ، فتُعتبر النيّة عند قبض الثقة ، ويمكن الاكتفاء بحصول الاعتماد على ملاحظة صلاحه لمن يتولاه وإن لم يكن عدلاً ، أو تعذّر العدل أيضاً.

بل يجوز إعطاء الطفل مع الاعتماد ، إن علم من حاله أنّه يصرف على وجه يسوّغه الوليّ لو كان كما صرّح به جماعة (٣).

ولو أطعمه من الزكاة فلا يحتاج إلى الوليّ والقابض ، فينوي عند الأكل كالكفارة ، ويحسب ما أكله عنها.

وقال في التذكرة : حكم المجنون حكم الصبيّ الغير المميّز ، أمّا السفيه فإنّه يجوز الدفع إليه ، لكن يحجر عليه الحاكم (٤).

ثمّ لو كان أحد الأبوين كافراً لحق بالمؤمن. والظاهر أنّه كذلك لو كان أحدهما مخالفاً ؛ للعموم ، وعدم ظهور الأخبار في إخراج ذلك.

الثاني : العدالة ، اعتبرها السيّد (٥) وجماعة (٦) ، واشترط المفيد أن يكون عارفاً

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٥١ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٥.

(٢) مجمع الفائدة ٤ : ١٧٦.

(٣) المدارك ٥ : ٢٤٢.

(٤) التذكرة ٥ : ٢٨٠.

(٥) الانتصار : ٨٢.

(٦) المبسوط ١ : ٢٤٧ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢٠٦ ، الوسيلة : ١٢٩ ، المهذّب ١ : ١٦٩ ، الكافي في الفقه : ١٧٢.

١٦٦

تقيّاً (١) ، وفي الرسالة العزيّة : عارفاً عفيفاً (٢).

وعن ابن الجنيد : المنع من إعطاء شارب خمر أو مقيم على الكبيرة (٣) ، وعن جماعة مجانبة الكبائر دون الصغائر.

ونقل في المعتبر عن قوم من أصحابنا عدم اعتبار العدالة وارتضاه (٤) ، وهو مختار العلامة (٥) وجمهور المتأخّرين (٦) ، وهو الأقرب.

لنا : عموم الآيات والأخبار ، وإطلاقاتها ، وترك الاستفصال الموجود فيها لا حاجة إلى ذكرها ، ولزوم العسر والحرج غالباً ، والعلل الواردة في الأخبار في مقدار الزكاة ، وملاحظة الفقير والغني في هذا التحديد ، الظاهر في أنّ المعيار إنّما هو الفقر والحاجة.

بل وروى الصدوق في العلل ، عن بشير بن بشّار قال : قلت للرجل ، يعني أبا الحسن عليه‌السلام : ما حدّ المؤمن الذي يُعطى من الزكاة؟ قال : «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف» ، ثمّ قال : «أو عشرة آلاف ، ويُعطى الفاجر بقدر ؛ لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة الله ، والفاجر ينفقها في معصية الله» (٧).

ويؤيّده ما رواه في المقنعة : أنّه سئل رسول اللهُ ، أيّ الصدقة أفضل؟ فقال : «على ذي الرحم الكاشح» (٨).

احتجّ السيّد بالإجماع ، وبالاحتياط ، وبكلّ ما دلّ على حرمة معونة الفسّاق (٩).

__________________

(١) المقنعة : ٢٤٢.

(٢) نقله عنه في المختلف ٣ : ٢٠٧.

(٣) نقله عنه في المختلف ٣ : ٢٠٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٨٠.

(٥) المختلف ٣ : ٢٠٨.

(٦) الشرائع ١ : ١٥١ ، المدارك ٥ : ٢٤٣.

(٧) علل الشرائع : ٣٧٢ ح ١ ب ٩٨ ، الوسائل ٦ : ١٧١ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٧ ح ٢ ، وفيه : والفاجر في معصية الله.

(٨) المقنعة : ٢٦١ ، الوسائل ٦ : ١٧٠ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٥ ح ٥ ، ورواه الصدوق في الفقيه ٢ : ٣٨ ح ١٦٥.

(٩) الانتصار : ٨٢.

١٦٧

وزاد الشهيد لهم بما دلّ على أنّ موضعها أهل الولاية ، منضمّاً إلى ما روي عنهم : «لن تُنال ولايتنا إلا بورع واجتهاد» (١). وبأنّ الفاسق مُحادّ لله ولرسوله ، وإعطاء الزكاة موادّة.

والإجماع لا نعرفه ، خصوصاً مع عدم اشتراط جماعة من أعيان من تقدّمه ذلك ، كالصدوقين (٢) وابن أبي عقيل (٣) وكثير ممّن تأخّر عنه (٤) ، ولو فرض كونه إجماعاً منقولاً فلا يعارض به ما قدّمناه.

والاحتياط ليس بدليل شرعيّ.

وما دلّ على حرمة إعانة الفسّاق لو ثبتت فإنّما تسلّم في فسقهم ، أو من حيث إنّهم فاسقون.

وانحصار الولاية في العدالة واضح البطلان ، فهي محمولة على كمالها.

وكون الفسق محادّة ممنوع وكذا كون إعطاء الزكاة موادّة.

ولعلّ ابن الجنيد تمسّك برواية داود الصرمي في منع شارب الخمر (٥) ، مُنضمّاً إلى ادّعاء عدم القول بالفرق ، وهي ضعيفة مضمرة لا تقاوم ما ذكرنا ، هذا.

وعرّف الشهيد في غاية المراد العدالة هنا : بأنّها هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى ، بحيث لا تقع منه كبيرة ، ولا يصرّ على صغيرةٍ ، فإن وقعت استدركت بالتوبة (٦) ، ولعلّه أراد أنّه لا يُشترط هنا اجتناب مُنافيات المروءة ؛ ولعلّ ذلك لعدم إفادة دليلهم إلا وجوب اجتناب المعاصي ، وترك المروءة ليس بمعصية كما أشار إليه في المسالك (٧).

__________________

(١) البحار ٧٥ : ٢٨١ ب ٢٤ ح ١.

(٢) نقله عن عليّ بن بابويه في المختلف ٣ : ٢٠٨ ، المقنع : ٥٢.

(٣) نقله عنه في غاية المراد ١ : ٢٦٢.

(٤) المراسم : ١٣٣ ، السرائر ١ : ٤٥٩ قال (قال في السرائر : والّذي يفرّق فيهم الزكاة اليوم ينبغي أن يحصل فيهم مع أحد الصفات الأصليّة وهي .. وأن يضاف خمس صفات أُخر : وهي الإيمان والعدالة وحكمهما.

(٥) الكافي ٣ : ٥٦٣ ح ١٥ ، التهذيب ٤ : ٥٢ ح ١٣٨ ، الوسائل ٦ : ١٧١ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٧ ح ١.

(٦) غاية المراد ١ : ٢٦١.

(٧) مسالك الأفهام ١ : ٤٢٣.

١٦٨

وعلى هذا فالظاهر أنّ المقتصرين على وجوب اجتناب الكبائر لا يقدح عندهم في الجواز الإصرار على الصغائر ، وإن كان ذلك أيضاً من جملة الكبائر ، وإلا فلم يبقَ الفرق بين هذا القول والقول بالعدالة.

وكيف كان ، فالأظهر عدم اشتراط العدالة ، وإن كان أولى وأحوط. وآكد منها اجتناب الكبائر ، سيّما الخمر.

ثمّ إنّ ظاهر الفقهاء في هذا المقام هو الكلام في المكلّفين ، وأنّ القائل باشتراط العدالة أو اجتناب الكبائر إنّما هو فيهم ، فتفريع عدم جواز إعطاء أطفال المؤمنين على اشتراط العدالة لا وجه له ، مع أنّ الدليل على الجواز قائم كما حقّقناه ، وفي المسالك : هنا موارد أنظار ، لا نطيل بذكرها.

ثمّ إنّ ظاهر كلام السيّد (١) وغيره (٢) من مشترطي العدالة تعميم الاشتراط كما هو مقتضى أدلّتهم أيضاً ، ونقل في المعتبر أيضاً عن الشيخ التعميم ، واستثنى عنه المؤلّفة فقط (٣).

وكيف كان فاشتراط العدالة في العاملين مخرج عن المسألة كما مرّ.

الثالث : أن لا يكون ممن تجب نفقته على المعطي ، كالاباء والأولاد والزوجة والمملوك ؛ بالإجماع ، والأخبار المعتبرة. وما خالفها من الأخبار شاذ مؤوّل.

وفي جواز أخذ من تجب نفقته على أحد الزكاة من غيره مع تمكّن من يجب عليه وبذله قولان ، أظهرهما العدم ؛ لعدم صدق الفقير عليه عرفاً ، فإنّه مالك لمئونة السنة بالقوّة ، إذ لم يعتبروا في الغنيّ تحقّق المئونة بالفعل ، فهو كصاحب الصنعة ، أو كصاحب العقار الذي يستعين بأُجرته على المئونة ، وهو مختار التذكرة (٤)

__________________

(١) الانتصار : ٨٢.

(٢) المبسوط ١ : ٢٥١.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٧٩.

(٤) التذكرة ٥ : ٢٦٥.

١٦٩

والمحقّق الأردبيلي (١) قدس‌سرهما.

وعن المنتهي (٢) والدروس (٣) : الجواز في غير الزوجة ؛ لأنّ نفقتها كالعوض ، ونفقتهم من باب المواساة وسدّ الخلّة ، لأعلى وجه التمليك ، ولذلك لا يستقرّ في الذِّمة ، ولا يجب قضاؤه وإن أثم بالترك ، بخلاف نفقة الزوجة ، فيصدق عليهم الفقير بمعنى أنّهم ليسوا مالكين للمئونة.

واختاره في المدارك (٤) ، واستدلّ عليه بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته ، أيأخذ من الزكاة فيتوسّع به إذا كانوا لا يوسعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟ قال : «لا بأس» (٥).

وفيه نظر ؛ إذ هو إنّما يدلّ على جواز الأخذ للتوسيع ، والتوسيع ليس بواجب على المنفق ، بل الواجب إنّما هو قدر الكفاية اللائقة بالحال.

وصرّح بجواز التوسيع في التذكرة ، واستدلّ عليه بهذه الرّواية أيضاً (٦) ، وصرّح به في المسالك أيضاً (٧) ، وهو ظاهر الدروس (٨) ، وتدلّ عليه روايات أُخر (٩).

هذا كلّه إذا كان المنفق موسراً باذلاً ، وإلا فيجوز الأخذ في الجميع بلا خلاف ظاهر.

والظاهر أنّ إمكان الأخذ بالرجوع إلى الحاكم في قوّة التمكّن من النفقة.

ويجوز للمالك أن يصرف فيمن تجب عليه نفقتهم في غير النفقة اللائقة من المأكول

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ١٩١.

(٢) المنتهي ١ : ٥١٩.

(٣) الدروس ١ : ٢٤٢.

(٤) المدارك ٥ : ٢٤٧.

(٥) التهذيب ٤ : ١٠٨ ح ٣١٠ ، الوسائل ٦ : ١٦٣ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١١ ح ١.

(٦) التذكرة ٥ : ٢٧٦ مسألة ١٩٠.

(٧) المسالك ١ : ٤٢٣.

(٨) الدروس ١ : ٢٤٢.

(٩) الوسائل ٦ : ١٦٦ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٤.

١٧٠

والملبوس ونحوهما ، مثل نفقة زوجتهم ومملوكهم ، وأداء ديونهم ، وكذلك يجوز لهم أن يأخذوا من غيره ؛ للعمومات ، وإشارة التعليل في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة في مبحث الغارمين إلى ذلك.

وأمّا الأقارب الذين لا يجب الإنفاق عليهم كالأخ والأُخت والعمّ والخال فيجوز إعطاؤهم من الزكاة بلا خلاف ، وهو مقتضى العمومات ، وخصوص بعض الأخبار المعتبرة (١).

وهل يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة الناشزة الفقيرة؟ الأظهر العدم ؛ لتمكّنها من الإطاعة وأخذ النفقة ، وإن لم نقل باشتراط العدالة ، وكذلك المعقود عليها الغير الباذلة للتمكين.

ويجوز للزوجة دفع زكاتها إلى زوجها وإن كان ينفق منها عليها ؛ للعمومات ، وعن الصدوق المنع مطلقاً (٢) ، وعن ابن الجنيد الجواز بشرط أن لا ينفقها عليها وعلى ولدها (٣).

ويجوز دفع الزكاة إلى المتمتعة ؛ لعدم وجوب الإنفاق عليها. والقول بالمنع لأنّها زوجة لا وجه له.

وقال في التذكرة : العيلولة من دون القرابة غير مانعة من الإعطاء عند علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر العلماء ، فلو كان في عائلته من لا يجب الإنفاق عليه كَيَتيم أجنبيّ جاز أن يدفع زكاته إليه ؛ لأنّه داخل في الأصناف المستحقّين للزكاة ، ولم يرد في منعه نصّ : لا إجماع ، ولا قياس ، ثمّ نقل الخلاف عن بعض العامّة (٤).

والظاهر أنّه لا فرق بين الأجنبيّ والقريب بشرط وجوب النفقة ، وادّعى عليه

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٢ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ح ١٤٤ ، ١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ح ١٠٤ ، الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٥ ح ١ ، ٢.

(٢) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٤.

(٣) نقله عنه في المختلف ٣ : ٢١٢.

(٤) التذكرة ٥ : ٢٦٨ مسألة ١٧٩.

١٧١

الإجماع في المدارك (١).

ثمّ إنّ ما ذكرنا من منع إعطاء من يجب الإنفاق عليه إنّما هو من وجه الفقراء وفي نفقته اللازمة ، فأمّا من وجه الغارمين إذا كان عليه دين ، أو الرقاب في تخليصه إن كان مكاتباً ، أو شرائه إن كان رقّاً ، أو إعطائه المحمولة ، وما زاد على نفقة الحضر من سهم ابن السبيل إن كان ابن سبيل ، أو للعمل إن كان عاملاً ، أو من سبيل الله للغزو إن كان غازياً ، أو للحجّ أو الزيارة فلا مانع منه ؛ للعمومات ، وخصوص ما مرّ في أداء الدين ، وخصوص ما دلّ على شراء الأب ، وهي قويّة أبي محمّد الوابشي (٢) ، ولأنّ ما يعطى العامل كالأُجرة وكذا الغازي.

الرابع : أن لا يكون هاشميّاً ، فلا تحلّ له زكاة غير الهاشميّ ، بالإجماع ، والأخبار المعتبرة المستفيضة (٣).

ويحلّ أخذها من مثله في كونه هاشميّاً ، وإن لم يكونا متحدين في الأب الخاصّ ، والظاهر أنّ هذا أيضاً إجماعيّ ، كما يظهر من التذكرة (٤) وغيرها (٥) ، والأخبار الدالّة عليه بمكان من الكثرة ، ولا إشكال في المسألة.

ويتخيّر حينئذٍ بين أخذها وأخذ الخمس ، والخمس أفضل.

وكذلك يجوز للهاشميّ أخذها من غير الهاشميّ إذا لم يتمكّن من الكفاية من الخمس أو زكاة قبيله بلا خلاف ظاهر ، ونسبه في المنتهي إلى فتوى علمائنا أجمع (٦) ، وفي التذكرة والمعتبر إلى علمائنا ونقل الوفاق عن الإصطخري من الشافعيّة

__________________

(١) المدارك ٥ : ٢٤٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٢ ح ١ ، الوسائل ٦ : ١٧٣ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٩ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ١٨٥ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٢٩.

(٤) التذكرة ٥ : ٢٦٨ مسألة ١٨٠.

(٥) المنتهي ١ : ٥٢٤ ، المدارك. ٥ : ٢٥٠.

(٦) المنتهي ١ : ٥٢٦.

١٧٢

ومخالفة الباقين (١).

واختلف الأصحاب في تقدير الأخذ ، فظاهر الأكثر كما نقل القول به عنهم ونسبه إليهم في المختلف أيضاً (٢) جواز أخذ الكفاف.

وقيل : لا يجوز الأخذ فوق الضرورة (٣) ، واختاره جماعة من متأخّري المتأخّرين (٤) ، وربّما فسّر بقوت يوم وليلة ، ويظهر من بعضهم الميل إلى الأقلّ من ذلك.

وقال في المسالك بعد اختياره القول بعدم جواز الأخذ فوق الضرورة وتفسيرها بقوت يوم وليلة : نعم لو لم تندفع الضرورة بدفع قوت اليوم بأن لا يجد في اليوم الثاني ما يدفع به الضرورة عادة جاز له أخذ ما تندفع به (٥).

واستدلّ في التذكرة للأوّل : بأنّ المنع إنّما كان لاستغنائهم بالخمس ، وحرمت عليهم الصدقة ، وجعل لهم الخمس في مقابلة ذلك ، فإذا لم يحصل لهم الخمس حلّت لهم الصدقة ، ولهذا قال النّبيّ للفضل بن عباس : «ليس في خمس الخمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس» ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : «أعطوا من الزكاة من بني هاشم من أرادها ، فإنّها تحلّ لهم ، وإنّما تحرم على النبيّ وعلى الإمام الذي يكون بعده ، وعلى الأئمّة عليهم السلام».

وليس المراد بذلك حالة الاستغناء بالخمس ؛ لتحريمها عليهم إجماعاً ، فتعيّن أن يكون حال الضرورة ، وفارقوا النبيّ والأئمّة لعلوّ منصبهم وزيادة شرفهم ، فلا يحلّ لهم حال الضرورة (٦) ، انتهى.

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٢٧٣ مسألة ٢٨٦ ، المعتبر ٢ : ٥٨٦.

(٢) المختلف ٣ : ٢٢٠

(٣) شرائع الإسلام ١ : ١٦٣.

(٤) المنتهي ١ : ٥٢٦ ، المدارك ٥ : ٢٥٤.

(٥) المسالك ١ : ٤٢٤.

(٦) التذكرة ٥ : ٢٧٣.

١٧٣

والرواية المذكورة هي رواية أبي خديجة (١) ، وقال الشيخ بعد حملها على حال الضرورة في وجه اختصاص النبيّ والأئمّة «بالذكر : أنّهم لا يضطرّون إلى أكل الزكاة (٢).

وما أشار إليه في التذكرة أوّلاً هو المستفاد من الروايات ، مثل ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابنا رفعه ، قال : «الخمس من خمسة أشياء إلى أن قال والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمّدُ ، الذين لا تحلّ لهم الصدقة ولا الزكاة ، عوّضهم الله مكان ذلك الخمس» (٣) الحديث.

وما رواه في الكافي في الحسن ، عن حماد بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن العبد الصالح في حديث طويل ، قال : «وإنّما جعل الله هذا الخمس خاصّة لهم يعني بني عبد المطلب عوضاً لهم من صدقات الناس ؛ تنزيهاً من الله لهم ، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض» (٤).

واحتجّ المحقّق الأردبيليّ (٥) رحمه‌الله وبعض من تأخّر عنه (٦) بموثّقة زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال : «لو كان العدل ما احتاج هاشميّ ولا مطّلبي إلى صدقة ، إنّ الله تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» ثمّ قال : «إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحدٍ منهم إلا أن لا يجد شيئاً ، ويكون ممّن تحلّ له الميتة» (٧).

وفي الرواية شي‌ء ، من حيث اشتمالها على تسوية المطّلبي للهاشميّ ، وردّها

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٩ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ١٩ ح ٦٥ ، التهذيب ٤ : ٦٠ ح ١٦١ ، الوسائل ٦ : ١٨٦ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٢٩ ح ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٠.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٦ ح ٣٦٦ ، الوسائل ٦ : ٣٥٩ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٩.

(٤) الكافي ١ : ٤٥٣ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ١٨٦.

(٦) كالمحقّق السبزواري في الذخيرة : ٤٦١.

(٧) الوسائل ٦ : ١٩١ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣٣ ح ١.

١٧٤

العلامة في التذكرة في مسألة حليّة الزكاة للمطّلبي بأنّه خبر واحد ترك العمل به أكثر الأصحاب ، فلا يخصّ به العموم المقطوع (١).

وقال في المعتبر : أصلها واحد نادر ، فلا يخصّ بها عموم القرآن (٢).

ولعلّه لذلك لم يتعرّض لها العلامة في الاستدلال هنا ، لا في المختلف ولا في التذكرة.

وما يضعفه أنّ القائلين بالاكتفاء بالضّرورة فسّروها بقوت يوم وليلة ، وهو ليس معنى التحديد بسدّ الرمق كما أرادوها في الميتة ، وهو ظاهر الرواية.

بل لم أقف على مصرّح ، بذلك إلا ما يظهر من المدارك ومن تبعه ، والعجب أنّه مع أنّه لا يعمل بالأخبار الموثّقة استدلّ بها هنا ، ثمّ ردّها في حكم بني المطّلب بأنّ في طريقها عليّ بن الحسن بن فضّال ، ولا تعويل على ما ينفرد به.

وظاهر الإجماع المنقول في المنتهي وغيره أيضاً هو قول الأكثر ، ويؤيّده إطلاقهم تجويز عمالتهم إذا لم يجدوا من الخمس.

قال في التذكرة : لو كان فقيراً لا يصل إليه من الخمس شي‌ء ، جاز أن يكون عاملاً عندنا ، ويأخذ النصيب (٣).

وممّا يؤيّده أيضاً : أنّ الإجماع في أصل المسألة كأنّه لا إشكال في ثبوته وتحقّقه في الجملة ، وهو كاشف عن رأي المعصوم.

ومن البعيد أن يكون تأسيس هذا الأساس وتبعية كلّ العلماء لإمامهم في مسألة لا يحتاج إليها أصلاً ؛ إذ جواز أكل الحرام في حال الاضطرار كفى وضوحه عن التصدّي لبيانه في بعض أفراد الحرام بخصوصه ، وكذلك كون المراد برواية زرارة أيضاً ذلك بعيد ، فلا بدّ أن نحملها على إرادة محض المشابهة في الرخصة ، لا في كيفيّة الرخصة

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٢٧٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٨٦.

(٣) التذكرة ٥ : ٢٧٨.

١٧٥

ومقدارها أيضاً.

ويُشبه أن تكون الرواية واردة على ما هو أقرب إلى طريقة العامّة من باب التقيّة ، فيظهر فيها ضعف آخر.

وكيف كان فالمسألة مُشكلة ، ولقول الأكثر قوّة ، والأحوط الاجتناب عن فوق قدر الضرورة ومقدار الضرورة ، وتحديد زمانها يختلف باختلاف الأوقات والأحوال والأشخاص.

ولو وجد الخمس أو غيره بعد ما أخذ الزكاة وبقي عنده منها شي‌ء ، ففي وجوب الردّ إشكال ، والأحوط الاجتناب ، ولم يثبت الوجوب.

والمشهور أنّ الصدقة المفروضة إنّما تحرم على أولاد هاشم ، وعن المفيد في المسائل العزية تحريمها على بني المطّلب أيضاً (١) ، وهو أخو هاشم ، وهو المنقول عن ابن الجنيد أيضاً (٢).

والأقوى الأوّل ؛ لعموم الآيات ، والأخبار ، خرج منها الهاشميّ بالإجماع والأخبار.

وفي الأخبار أيضاً إشعار بالاختصاص ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا تحلّ الصدقة لولد العباس ، ولا لنظرائهم من بني هاشم» (٣).

وفي صحيحة العيص أنّ النبيّ قال : «يا بني عبد المطّلب ، إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم ، ولكنّي قد وعدت الشفاعة» (٤) الحديث وفي معناها حسنة زرارة ومحمّد بن مسلم (٥).

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٥٨٥ ، والمختلف ٣ : ٢١٨.

(٢) نقله عنه في المختلف ٣ : ٢١٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٩ ح ١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ح ١٠٩ ، الوسائل ٦ : ١٨٦ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٢٩ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٥٨ ح ١٥٤ ، الوسائل ٦ : ١٨٥ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٥٨ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٥٨ ح ١٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ح ١٠٦ ، الوسائل ٦ : ١٨٦ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

١٧٦

وحجّة المفيد : موثّقة زرارة المتقدّمة ، وقد عرفت ما فيها ولا يعارض بها تلك الأدلّة.

وأولاد هاشم الان منحصرون في أولاد أبي طالب من العلويّين ، ومن ولد جعفر وعقيل ، وأولاد العباس ، والحارث وأبي لهب أولاد عبد المطّلب ، وإنّما قلنا الان ؛ لأنّهم كانوا أكثر من ذلك في زمن النبيّ ، فإنّ حمزة كان من ولد هاشم ، وكذلك رسول اللهُ وأولاده الصلبيّة.

وما ذكرنا من حرمة الصدقات عليهم ممّا لا ريب فيه في زكاة المال الواجبة والفطرة.

وفي الصدقات الواجبة من المنذورات والكفارات قولان ، أظهرهما الجواز ؛ للأخبار الكثيرة المصرّحة بعضها بأنّها إنّما هي الزكاة المفروضة ، مثل صحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشميّ (١) ، ورواية إسماعيل بن فضل الهاشميّ (٢) ، ورواية زيد الشحّام (٣).

وأما الصدقات المندوبة فيجوز تناولها لهم على المعروف من المذهب ، ويظهر من المنتهي الإجماع ، حيث أسنده إلى علمائنا (٤) ، وكذلك في المدارك (٥) ، وهو ظاهر المعتبر (٦) وغيره (٧) ، ولكنّه في التذكرة جعله مشهوراً (٨).

وكيف كان فلا إشكال في الجواز ؛ لظاهر الإجماع والأخبار المستفيضة ، منها ما أشرنا إليها.

واستثنى في التذكرة النبيّ والأئمّة «؛ لمنافاته شرفهم ورفعتهم (٩) ، وتبعه في

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٩ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٢ ح ١٦٦ ، الوسائل ٦ : ١٨٩ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣١ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٥٩ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٨ ح ١٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ح ١٠٧ ، الوسائل ٦ : ١٩٠ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣٢ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٩ ح ١٥٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ح ١٠٨ ، الوسائل ٦ : ١٩٠ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣٢ ح ٤.

(٤) المنتهي ١ : ٥٢٥.

(٥) المدارك ٥ : ٢٥٥.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٨٤.

(٧) مسالك الأفهام ١ : ٤٢٤ ، شرائع الإسلام ١ : ١٥٢.

(٨) التذكرة ٥ : ٢٧٠.

(٩) التذكرة ٥ : ٢٦٩.

١٧٧

المسالك (١) ، والمشهور خلافه ، بل قال في المعتبر : وهل تحرم المندوبة على النبيّ ، قال علماؤنا : لا تحرم ، وعلى ذلك أكثر أهل العلم (٢) ، انتهى ما أردناه.

ويدلّ على الجواز الأخبار الكثيرة ، وإشباع الكلام في المسألة ليس بمهمّ.

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٤٢٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٨٤.

١٧٨

المقصد الخامس

فيمن يتولّى الإخراج وكيفيّته

وفيه مباحث :

الأوّل : المتولّي لذلك هو المالك ووكيله ، والإمام وعامله والفقيه العادل قائم مقام الإمام في زمن الغيبة.

أمّا تولّي المالك له ؛ فلا إشكال ولا خلاف فيه ، والأخبار به ناطقة ، والآيات فيه ظاهرة.

وأمّا وكيله ؛ فللإجماع على قبول هذا الفعل للنيابة ، والأخبار المستفيضة ، مثل صحيحة جميل بن درّاج ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يعطي غيره الدراهم يقسّمها ، قال : «يجري له مثل ما يجري للمعطي ، ولا ينقص المعطي من أجره شيئاً» (١).

وصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عمّن يلي صدقة العشر على من لا بأس به ، فقال : «إن كان ثقة ، فمُره يضعها في مواضعها ، وإن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها في مواضعها» (٢).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٨ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ١٩٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٩ ح ٦ ، الوسائل ٦ : ١٩٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٥ ح ١.

١٧٩

ورواية صالح بن رزين قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي إذا وجدت زكاتي أُخرجها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها ، قال : «نعم ، لا بأس بذلك ، أما إنّه أحد المعطين» (١) ، إلى غير ذلك من الأخبار التي يجي‌ء بعضها في مواضعها في مسألة نقل الزكاة إلى بلد آخر وغيرها.

وتُعتبر عدالة الوكيل ؛ ليكتفى بقوله «إنّي أدّيت» أو بمحض توكيله ؛ لتحصيل البراءة ، ودلالة الصحيحة المتقدّمة عليه ، وإشارة الرواية الأُخرى إليه.

وامّا جواز إخراج الإمام وعامله مع إذنه ؛ فهو أيضاً ممّا لا إشكال فيه ؛ لأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، بل لا ريب في استحباب الحمل إليه أوّلاً ورجحانه ؛ لأنّه أبصر وأعرف بكيفيّة الإخراج والمستحقّ.

ويتأكّد في الأموال الظاهرة كالمواشي ، والغلات كما قالوه ، ولعلّه لإزالة التهمة ، والإعلان بشرائع الإسلام.

بل ذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب حمل الزكاة أوّلاً إلى الإمام ، ومع غيبته فإلى الفقيه المأمون (٢).

وربّما يُستدّل لهم بقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) (٣) بتقريب أنّ وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع.

وردّ : بأنّ المتنازع الحمل أوّلاً ؛ لأبعد الطلب ، والاستلزام إنّما هو في الثاني.

وفيه : أنّه لعلّ مراده أنّ ما يتعلّق به وجوب الأخذ فهو ممّا يجب إعطاؤه مطلقاً.

والأولى منع دلالة الآية على وجوب الأخذ مطلقاً ، بل إنّما هي مقصورة على شأن النزول ، أو على الممتنعين ، أو هو إنشاء حكم وتسنين شرع ، فلا يعمّ بعد تسنينه والتشرّع به.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧ ح ١ ، وفي الوسائل ٦ : ١٩٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٥ ح ٤ إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها.

(٢) كالمفيد في المقنعة : ٢٥٢ ، وأبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١٧٢ ، والقاضي في المهذّب ١ : ١٧١ ، ١٧٥.

(٣) التوبة : ١٠٣.

١٨٠