غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

في الجملة.

قال في التذكرة : لو كتب عليه أي الميسم لله كان أبرك وأولى (١).

السادس : إذا دفع الزكاة أو غيرها من الأموال إلى من يفرّقها في مصارفها وهو متّصف بصفة المصارف، فإن علم رضا الدافع بأخذه فلا إشكال في الجواز ؛ كعدمه لو علم عدمه ، بلا خلاف معروف في ذلك.

وإن لم يعلم الحال ، ففيه قولان ، أقوى أدلّة المجوّزين روايات معتبرة ، منها الصحيح (٢).

وأقوى أدلّة المانعين : الأصل ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج (٣) ، مؤيّداً بما ورد من عدم جواز شراء الوكيل مال نفسه لموكّله (٤) ، وعدم صحّة تزويج الموكّلة لنفسه (٥).

وتحقيق المقام : أنّ الاستدلال بالأخبار إمّا مبتن على سؤال انفهام الدخول في قول الموكّل : ادفع إلى الفقراء ، مثلاً ، أم لا ، فيكون سؤالاً عن اللغة لا الحكم.

وإما مبتنٍ على أنّ ما لو لم يعلم الدخول من اللفظ أو لم يظنّ به فهل يثبت جواز الأخذ أم لا؟ فيكون سؤالاً عن الحكم.

والأوّل بعيد عن شأن المرويّ عنه والراوي ، والثاني هو الظاهر من الأخبار.

فإن بني على الأوّل فالمتبع هو دلالة اللفظ ، ويتفاوت بتفاوت المواضع ، ويقوى القول بالمنع ؛ لأنّه الأصل.

وإن بُني على الثاني فالأقوى الجواز ، وخبر النهي هنا وفي البيع يُحمل على الكراهة ، أو على مظنّة التهمة والرزالة ، وهو الذي يقوى في نفسي ، فإنّ مورد بعض

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٣٢١ مسألة ٢٣٢.

(٢) الوسائل ٦ : ١٩٩ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٤٠.

(٣) التهذيب ٤ : ١٠٤ ح ٢٩٦ ، الوسائل ٦ : ٢٠٠ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٤٠ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٨٨ أبواب آداب التجارة ب ٥.

(٥) الوسائل ١٣ : ٢٩ كتاب الوكالة ب ٦.

٢٢١

الأخبار المجوّزة غير ظاهر في الدخول ، مثل رواية سعيد بن يسار الصحيحة أو الموثّقة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يُعطى الزكاة يُقسّمها في أصحابه ، أيأخذ منها شيئاً؟ قال : «نعم» (١).

والصحيحة المانعة ظاهرة في العدم ، قال : سألته عن رجل أعطاه رجل مالاً لتقسيمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج ، أيأخذ منه لنفسه ولا يُعلمه؟ قال : «لا يأخذ منه شيئاً حتّى يأذن له صاحبه» (٢).

وظاهر أكثر كلام المجوّزين وصريح بعضهم أنّه لا يأخذ أزيد ممّا يعطي غيره كما صرّح به في بعض الأخبار ، والأولى اعتبار التسوية إذا كانوا محصورين ، وصرّح في التحرير (٣) بجواز التفاضل حينئذٍ أيضاً.

وكيف كان ، فالظاهر أنّ المراد بها اعتبار الحال بحسب الاحتياج ، لا مطلق التسوية ، وإن كان الأحوط أن لا يأخذ لنفسه أزيد من غيره مطلقاً.

وظاهر بعض الأصحاب عدم الخلاف في جواز الإعطاء للأهل والعيال والأقارب الموصوفين بصفة المدفوع إليهم ، ولا بأس به ، سيّما مع ما بنينا عليه الأمر ، ونصّ على جواز الإعطاء للعيال المحتاجين في خبرٍ صحيح ، وهو أيضاً مؤيّد لأصل المسألة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٥ ح ١ ، الوسائل ٦ : ١٩٩ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٤٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٢ ح ١٠٠٠ ، الاستبصار ٣ : ٥٤ ح ١٧٦ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٦ أبواب ما يكتسب به ب ٨٤ ح ٣.

(٣) التحرير ١ : ٧٠.

٢٢٢

الباب الثاني

في زكاة الفطرة

٢٢٣
٢٢٤

زكاة الفطرة

يعني : زكاة الخلقة والبدن ، كما يستفاد من تنبيه بعض الأخبار (١) ، ومنه قوله تعالى (فاطِرِ السَّماواتِ) (٢).

أو زكاة الدين والإسلام ؛ لأنّها سبب قبول الصوم والصلاة ، ولذلك تصحّ ممّن أسلم قبل الهلال ، ولا تجب على من أسلم بعده ، ومنه قوله تعالى (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها) (٣).

أو زكاة الفطر من الصوم بمناسبة أنّه فدية عنه وصدقة عوضاً عنه.

ووجوبها إجماع أهل الإسلام (٤) إلا من شذّ (٥) ، ويدلّ عليه الكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب ، فعموم (وَآتُوا الزَّكاةَ) (٦) ، ففي بعض الأخبار أنّها داخلة فيها (٧) ، وفي بعضها في تفسير (أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) (٨) أنّها هي.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٤ ح ٢١ ، الفقيه ٢ : ١١٨ ح ٥٠٨ ، الوسائل ٦ : ٢٢٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٥.

(٢) فاطر : ١.

(٣) الروم : ٣٠.

(٤) نقله في التذكرة ٥ : ٣٦٦ ، والمدارك ٥ : ٣٠٦ ، ونقله من العامّة ابن المنذر وإسحاق ، كما في المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٤٦.

(٥) نقل ابن عبد البرّ أنّ بعض المتأخّرين من أصحاب مالك وداود يقولون هي سنّة مؤكّدة ، راجع المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٤٦.

(٦) البقرة : ١١٠.

(٧) التهذيب ٤ : ٨٩ ح ٢٦٢ ، الاستبصار ٢ : ٥٢ ح ١٧٥ ، الوسائل ٦ : ٢٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ٩.

(٨) مريم : ٣١.

٢٢٥

وخصوص قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى) (١) ففي صحيحة أبي بصير وزرارة قالا ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، يعني الفطرة ، كما أنّ الصلاة على النبيّ من تمام الصلاة ؛ لأنّه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّداً ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ ، إنّ الله عزوجل قد بدأ بها قبل الصلاة فقال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى) (٢)» (٣).

وأمّا السنّة فالأخبار فيها كثيرة جدّاً :

وبيان أحكامها يستدعي رسم مقاصد :

__________________

(١) الأعلى : ١٥١٤.

(٢) الأعلى : ١٥١٤.

(٣) الفقيه ٢ : ١١٩ ح ٥١٥ ، المقنعة : ٢٤٦ ، الوسائل ٦ : ٢٢١ أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ٥.

٢٢٦

المقصد الأوّل

فيمن تجب عليه ومن لا تجب عليه

وفيه مباحث :

الأوّل : يشترط فيه العقل والبلوغ والحريّة ، فلا تجب على الصبيّ والمجنون ، ويدلّ عليه العقل والنقل من الإجماع ؛ نقله الفاضلان في المعتبر والمنتهى (١) ، والسنّة مثل عموم ما ورد من نفي الزكاة في مال اليتيم ، وقد مرّ في زكاة المال.

وخصوص صحيحة محمّد بن القاسم بن الفضل البصري ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أسأله عن الوصيّ أيزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ قال : فكتب عليه‌السلام : «لا زكاة على يتيم» ، هكذا نقله الكلينيّ في باب زكاة مال اليتيم ، ونقلها في باب الفطرة وزاد : عن المملوك يموت مولاه وهو عنه غائب في بلدٍ آخر ، وفي يده مال لمولاه ، ويحضر الفطر ، يزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى؟ قال : «نعم» (٢) وهو مشكل من وجهين ، وربّما يحمل على موت المولى بعد الهلال.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٩٣ ، المنتهي ١ : ٥٣١.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ ح ١٣ ، المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٨ ، الوسائل ٦ : ٥٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١ ح ٤ ، وص ٢٢٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٤ ح ٣.

٢٢٧

ومن ذلك ظهر أنّه لا يجب على وليّه الإخراج من ماله أيضاً ، ولا استحبابه ، مع أنّ الأصل عدمه أيضاً.

وذكر الأكثرون : أنّه لا يجب على من أهلّ شوال وهو مغمى عليه ، قال في المدارك : وهو مشكل على إطلاقه ، نعم لو كان الإغماء مُستوعباً لوقت الوجوب اتّجه ذلك (١).

أقول : والظاهر من كلمات بعضهم أنّه لا خلاف فيه بينهم ، ولعلّ دليله بعد ذلك أنّه غير مكلّف حين تعلّق وقت الوجوب ، ولا دليل على تعلّقه بعده.

ويوضّح ذلك : تصريحهم بعدم الوجوب على من أسلم بعد الهلال ، أو صار غنيّاً بعد الهلال ، أو تولّد ، وهكذا.

وأمّا اشتراط الحريّة ؛ فالظاهر أنّه في القنّ والمدبّر وأُمّ الولد إجماعيّ ، وعن المنتهي أنّه مذهب أهل العلم كافّة إلا داود (٢) ، ولم يفرّقوا في ذلك بين القول بتملّك العبد وعدمه.

ويدلّ عليه : مضافاً إلى الإجماع الأخبار الدالّة على أنّ فطرة المملوك على مالكه على الإطلاق (٣) ، وعموم ما دلّ على أنّه لا زكاة في مال المملوك كما مرّ في زكاة المال (٤).

وقال في التذكرة : لا تجب على المملوك إخراج الفطرة عن نفسه ، ولا عن زوجته وإن قلنا : إنّه يملك (٥). ولا بأس به ؛ لعموم ما مرّ في باب الزكاة من عدم الزكاة في مال المملوك مع مطابقته للأصل.

ومن ذلك يظهر : أنّه لو فرض أن تملّك المملوك مملوكاً أنّه لا تجب عليه فطرته ولا على مولاه كما اختاره في البيان (٦) ، وأوجبها في المنتهي على مولاه (٧) ، وهو مشكل.

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٠٨.

(٢) المنتهي ١ : ٥٣٢.

(٣) انظر الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥.

(٤) انظر الوسائل ٦ : ٥٩ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤.

(٥) التذكرة ٥ : ٢٤٨.

(٦) البيان : ٢٧٧.

٢٢٨

وأمّا المكاتب المشروط أو المطلق الذي لم يتحرّر منه شي‌ء ، فقال في المدارك (١) : إنّ عدم الوجوب عليهما مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً سوى الصدوق في الفقيه ، فإنّه قال بعد أن روى في الصحيح عن عليّ بن جعفر : أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه ، وتجوز شهادته؟ قال : «الفطرة عليه ، ولا تجوز شهادته». (٢)

قال مصنّف هذا الكتاب : وهذا على الإنكار ، لأعلى الإخبار ، يريد بذلك كيف تجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته ، أي شهادته جائزة كما أنّ الفطرة عليه واجبة ، ومقتضى ذلك وجوب الفطرة عليه ، وهو جيّد ؛ لدلالة الرواية عليه سواء حملت على الإخبار أو الإنكار.

أقول : وهذه الرواية مُعلّلة يُشكل الاعتماد عليها ، والأولى حملها على التقيّة كما فعله في باب الشهادة ، مع أنّ الكلينيّ روى في باب زكاة المملوك والمكاتب عن أبي البختريّ ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «ليس في مال المكاتب زكاة» (٣).

وروى في باب الفطرة ، عن محمّد بن أحمد رفعه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ، ورقيق امرأته ، وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه» (٤) ويظهر من التذكرة أنّ مضمونه مجمع عليه (٥).

وروى المفيد في المقنعة ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «تجب الفطرة على من تجب عليه الزكاة» (٦).

__________________

(٧) المنتهي ١ : ٥٣٤.

(١) المدارك ٥ : ٣٠٩.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٧ ح ٥٠٢ ، الوسائل ٦ : ٢٥٣ أبواب زكاة الفطرة ب ١٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٢ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٤ ح ١٩.

(٥) التذكرة ٥ : ٣٧٥.

(٦) المقنعة : ٢٤٨ ، الوسائل ٦ : ٢٢٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٤ ح ١.

٢٢٩

وهذه الأخبار ، مع عمل الأصحاب ، وعمومات ما دلّ على أنّ فطرة المملوك على مولاه ، وعموم ما دلّ على أنّه لا زكاة في مال المملوك معتضدة بالأصل ، لا تعارض بمثل هذه الرواية الشاذّة المعلّلة.

وكما ثبت من ذلك عدم الوجوب على المكاتب ثبت الوجوب على مولاه ، مضافاً إلى الاستحباب.

هذا كلّه إذا لم يكن عيالاً للمولى أو لغيره ، وإلا فالزكاة على من عاله كما سيجي‌ء.

وأمّا لو تحرّر منه شي‌ء ، فإن عاله المولى أو غيره فالزكاة على من عاله كما سيجي‌ء ، وإلا فقيل : إنّ الفطرة عليه وعلى المولى بالنسبة (١) ، ووجهه ظاهر.

وقيل بسقوطها عنهما (٢) ؛ لأنّه ليس بمملوك حتّى تجب على المولى ، ولا بحرّ طلق فيلزمه حكم نفسه ، والمفروض أنّه ليس عيالاً لمولاه أيضاً حتّى يلزمه.

ويلزم على قول الصدوق السابق لزومها عليه هنا بطريق الأولى.

أقول : الأقوى الوسط ، وهو قول المبسوط (٣) ، وقوّاه في المدارك (٤).

ويمكن الاستدلال عليه ، أمّا على سقوطه عن المكاتب ؛ فلعموم ما دلّ على أنّ في مال المكاتب ليس زكاة.

وأما على عدم لزومه على المولى ؛ فلما رواه الصدوق ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفي آخرها : «وإن كان لكلّ إنسان منهم أقلّ من رأس فلا شي‌ء عليهم» (٥) ففيه تنبيه على عدم الوجوب على الإنسان لجزء العبد.

لكن سيجي‌ء الكلام في العبد المشترك ، وأنّ فطرته تتجزّأ على المشهور ، وخلاف الصدوق فيه من جهة هذه الرواية ، فقال : إنّه لا تجب الفطرة إلا أن يكون لكلّ إنسان

__________________

(١) كالعلامة في المنتهي ١ : ٥٣٤.

(٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٣٩.

(٣) المبسوط ١ : ٢٣٩.

(٤) المدارك ٥ : ٣١٠.

(٥) الفقيه ٢ : ١١٩ ح ٢٢.

٢٣٠

رأس تامّ ، ولا يخلو من قوّة ؛ لعدم انصراف الأخبار المطلقة إلى أقلّ من رأس ، فالرواية مطابقة للأصل ، ولكن مقتضاها كفاية تركّب رأس من رأسين ، وهو أيضاً مشكل.

وكيف كان فوجه الانتفاء عن المكاتب ظاهر ، إنّما الخفاء في سقوطه عن المولى.

الثاني : يُشترط في وجوبها الغنى على المشهور ، بل ادّعى العلامة عليه الإجماع إلا من ابن الجنيد (١).

ونقل في المبسوط قولاً بوجوبها على الفقير (٢).

ونقل في الخلاف عن الشافعيّ وجماعة من العامّة أنّه إذا فضل صاع عن قوته وقوت عياله ومن يمونه يوماً وليلة وجب عليه ذلك ، قال : وذهب إليه كثير من أصحابنا (٣).

وعن ابن الجنيد : وعلى الفقير إذا تصدّق عليه بما يتجاوز قوت يومه أن يخرج ذلك عنه إلى غيره (٤).

لنا : الأخبار الكثيرة جدّاً المعتبرة كثير منها ، منها صحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سُئل عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة؟ قال : «لا» (٥) ، فإنّ الظاهر أنّ المراد أخذ الزكاة لأجل فقره.

ويعضدها الأصل ، والحكمة الباعثة على الزكاة من دفع الخلّة.

ويدلّ على ما نقله في المبسوط : مضافاً إلى العمومات ، صحيحة زرارة على الأظهر قال ، قلت : الفقير الذي يُتصدّق عليه ، هل عليه صدقة الفطرة؟ قال : «نعم ، يعطي ممّا يُتصدّق به عليه» (٦).

__________________

(١) المنتهي ١ : ٥٣٢.

(٢) المبسوط ١ : ٢٤٠.

(٣) الخلاف ٢ : ١٤٦ مسألة ١٨٣.

(٤) نقله عنه في المختلف ٣ : ٢٦١.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٣ ح ٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ ح ١٢٥ ، الوسائل ٦ : ٢٢٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ١٧٢ ح ١١ ، التهذيب ٤ : ٧٤ ح ٢٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٤١ ح ١٣٢ ، الوسائل ٦ : ٢٢٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٢ ، وفي طريقها محمّد بن عيسى عن يونس ، وفيه كلام مشهور.

٢٣١

وما رواه عليّ بن إبراهيم في التفسير ، عن الصادق عليه‌السلام : في قوله تعالى (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) ، قال : «زكاة الرؤوس ؛ لأنّ كلّ الناس ليست لهم أموال ، وإنّما الفطرة على الفقير والغنيّ والصغير والكبير» (١).

وفي صحيحة هشام بن الحكم عنه عليه‌السلام قال ، وقال : «نزلت الزكاة وليس للناس أموال ، وإنّما كانت الفطرة» (٢).

والجواب عن العمومات بتقديم الخاص على العام ، وعن الصحيحة وغيرها بعدم المقاومة لما ذكرنا ، فتحمل على الاستحباب ؛ إذ لا ريب في الاستحباب ، أو على من استغنى بما يتصدّق به عليه.

وأمّا المذهبان الآخران ولعلّهما واحد فلم نقف في الأخبار على ما يدلّ عليهما بالخصوص.

وأمّا موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل لا يكون عنده شي‌ء من الفطرة إلا ما يؤدّيه عن نفسه وحدها ، أيعطيه غريباً أو يأكل هو وعياله؟ قال : «يعطي بعض عياله ، ثمّ يعطي الأخر عن نفسه يردّدونها ، فيكون عنهم جميعاً فطرة واحدة» (٣) فلا دلالة فيها عليه.

نعم حكم الأصحاب باستحباب العمل بمضمونها ، قال في الشرائع : ويستحبّ للفقير إخراجُها ، وأقلّ ذلك أن يُدير صاعاً على عياله ثمّ يتصدّق به (٤).

وقال في التذكرة : يستحبّ للفقير إخراجُها عن نفسه وعياله ، ولو استحقّ أخذَها ، أخَذَها ودفعها مستحبّاً. ولو ضاق عليه ، أدار صاعاً على عياله ثمّ يتصدّق به على الغير للرواية (٥).

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٥٠ ، مريم : ٣١.

(٢) الكافي ٤ : ١٧١ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٢ ح ١٠ ، الفقيه ٢ : ١١٥ ح ٤٩٦ ، التهذيب ٤ : ٧٤ ح ٢٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٤٢ ح ١٣٣ ، الوسائل ٦ : ٢٢٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٣.

(٤) الشرائع ١ : ١٥٨.

(٥) التذكرة ٥ : ٣٧١.

٢٣٢

ومثله قال في المعتبر (١) ، وتقرب منه عبارة التحرير (٢).

وقال في الدروس : ويستحبّ للفقير إخراجُها ولو بصاعٍ يديره على عياله بنيّة الفطرة من كلّ واحد ، ثمّ يتصدّق به على غيرهم (٣).

وأنت خبير بأنّ مقتضى الرواية إخراج الزكاة كذلك إذا عجز عن أكثر من صاع ، وفتواهم أعمّ.

ثمّ إنّ ظاهر أكثر هذه الكلمات أنّ المتصدّق هو المعيل ، وعن البيان : أنّ الأخير منهم يدفعه إلى الأجنبي (٤).

ويمكن أن نبني هذين القولين على أنّ ذلك هل هو فطرة واحدة وعبادة مستقلّة ، وتكفي فيها نيّة واحدة ، فينوي المعيل أنّي أُدير هذا الصاع على عيالي وأُخرجها قربة إلى الله ، أو هي فطرات متعدّدة ، فيصير كلّ واحد من عياله أخذاً من وجه ومعطياً من وجه ، وهذا أنسب بلفظ الحديث.

وقوله عليه‌السلام : «فيكون عنهم جميعاً فطرة واحدة» يحتمل الوجهين ، بإرادة المعنى المصدريّ أو الاسميّ.

وذكر في المسالك ما يشعر باختيار التعدّد ثمّ قال : ولو دفعه الأخير إلى أحدهم جاز أيضاً (٥).

أقول : ولا بأس به.

ثمّ لفظ الإدارة المذكور في بعض كلماتهم أُريد به إتمام الدور ، ولا يستلزم ذلك العود إلى أوّلهم أو إلى واحد منهم كما يفهم من المسالك.

قال في المسالك : ولو كانوا غير مكلّفين أو بعضهم تولّى الوليّ ذلك عنه ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٠٤.

(٢) التحرير ١ : ٧٢.

(٣) الدروس ١ : ٢٥٠.

(٤) البيان : ٣٣٢.

(٥) المسالك ١ : ٤٤٥.

٢٣٣

ولا يشكل إخراج ما صار ملكه عنه بعد النصّ وثبوت مثله في الزكاة الماليّة (١). وهو كما ذكره رحمه‌الله.

والغنى يتحقّق على الأشهر الأقوى بأن يملك قوت السنة لنفسه وعياله فعلاً أو قوّةً كما مرّ بيانه في الزكاة.

ووجهه : أنّ من لا يملك قوت سنة تحلّ له الزكاة كما مرّ في باب الزكاة ، ومن تحلّ له الزكاة لا تجب عليه الفطرة بمقتضى الأخبار الكثيرة المتقدّمة ، هكذا قيل (٢).

وأنت خبير بأنّ هذا إنّما يفيد أنّ من لا يملك قوت السنة تحلّ له الفطرة ، لا أنّ من يملكه فهو غنيّ تجب عليه الفطرة ، إلا من جهة المفهوم ، أو لبقائه تحت العموم بعد إخراج الفقير.

نعم روى المفيد في المقنعة ، عن يونس بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : «تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة ، وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة.» (٣)

ثمّ هل يعتبر في الغنى ملك مقدار الفطرة مضافاً إلى قوت السنة ، أو لا؟ قولان ، ولعلّ الأظهر الأوّل.

وذهب الشيخ في الخلاف إلى حصول الغنى بملك نصاب تجب فيه الزكاة أو قيمته (٤) ، وابن إدريس إلى حصوله بملك عين النصاب مدّعياً عليه الإجماع (٥).

وأنكر المحقّق قول الشيخ وقال : إنّه لا دليل عليه ، ولا قائل به من قدماء الأصحاب ، وكذلك قول ابن إدريس ، ونسب دعواه إلى الوهم (٦).

الثالث : تجب على الكافر ولا تصحّ منه ، وقد مرّ وجهه في الصلاة.

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٤٥.

(٢) المدارك ٥ : ٣١٣ ، والأخبار في الوسائل ٦ : ٢٢٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٢.

(٣) المقنعة : ٢٤٨ ، الوسائل ٦ : ٢٢٤ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١١.

(٤) الخلاف ٢ : ١٤٦ مسألة ١٨٣.

(٥) السرائر ١ : ٤٦٢.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٩٤.

٢٣٤

ولو أسلم سقطت عنه ، وتدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار الاتية في المقصد الرابع (١).

نعم لو أسلم قبل دخول ليلة الفطر تجب عليه ، وكذا من بلغ قبله أو أفاق من جنونه أو حصل له الغنى ، وكذلك تجب عن مملوك ملَكَه قبله ، أو ولد ولد له ، وتدلّ عليه الصحيحة المذكورة.

ولو حصلت الشروط المذكورة بعد دخول ليلة العيد إلى ما قبل صلاة العيد يستحبّ الإخراج ؛ لما رواه الشيخ مرسلاً : «أنّ من ولد له ولد قبل الزوال يخرج عنه الفطرة ، وكذلك من أسلم قبل الزوال» (٢).

ورواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال فيها : «يصّدّق عن جميع من يعول من حرّ أو عبد ، صغير أو كبير ، من أدرك منهم الصلاة» (٣) ، وحملاً على الاستحباب.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٢ ح ١٩٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٢ ح ١٩٨ ، الوافي ٢ : ٣٢ كتاب الزكاة ، المنتهي ١ : ٥٣٩ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ١١٨ ح ٥١١ ، الوسائل ٦ : ٢٢٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٦.

٢٣٥

المقصد الثاني

فيمن تخرج عنه

وفيه مباحث :

الأوّل : يجب الإخراج عن نفسه ، وعن كلّ من يعوله ، أي يمونه وينفق عليه فرضاً ؛ كالزوجة والعمودين والمملوك ، أو نفلاً ؛ كسائر الأقارب والأجانب ، صغيراً كان أو كبيراً ، حرّا كان أو عبداً ، مسلماً كان أو كافراً.

ويدلّ عليه : بعد الإجماع ، ظاهر الأخبار الصحيحة وغيرها المستفيضة جدّاً عموماً وخصوصاً.

منها : صحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر ، يؤدّي عنه الفطرة؟ قال : «نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر وأُنثى ، صغير أو كبير ، حرّ أو مملوك» (١).

ومنها : مرفوعة محمّد بن أحمد المتقدّمة في المكاتب (٢).

ولا تعارض بها صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١١٦ ح ٤٩٧ ، الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٢ ح ١٩٥ ، الوسائل ٦ : ٢٢٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٩.

٢٣٦

رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنّه يتكلّف له نفقته وكسوته ، أتكون عليه فطرته؟ قال : «لا ، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه» وقال : «العيال : الولد ، والمملوك ، والزوجة ، وأُمّ الولد» (١) لمتروكيّتها ، والظاهر منها إرادة التمثيل ، مع أنّ مطلق الإنفاق ليس معنى العيلولة ، فلعلّه أُريد به الإهداء إليه ، لا بأن يكون في داره وينفق عليه كما هو الغالب ، فلا تنافي.

ثمّ إنّهم بعد اتّفاقهم على وجوب الفطرة عن الزوجة التي تجب نفقتها على الزوج ، إذا أعالها ، بل المعالة المتبرّع بإنفاقها وإن لم تجب نفقتها كالناشزة وغيرها ، اختلفوا في الزوجة الواجبة النفقة الغير المعالة ، وغير الواجبة النفقة الغير المعالة إذا لم يعلهما غير الزوج أيضاً ، فذهب الأكثر إلى وجوبها عن الأُولى ، ولم نقف لهم على دليل ؛ إذ لم يرد وجوب الزكاة عن الزوجة من حيث إنّها زوجة ، بل إنّما يستفاد من الأخبار اعتبارها من حيث إنّها عياله.

نعم في حسنة صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأُمّك وولدك وامرأتك وخادمك» (٢) ، وهي منزّلة على الغالب.

ونقل في الشرائع قولاً بأنّها لا تجب إلا مع العيلولة (٣) ، واختاره في المدارك (٤) ، ودليله مفهوم الأخبار المستفيضة المتقدّمة الدالّة على أنّها إنّما تجب عمّن يعوله ، فإنّ معناه من ينفق عليه ، لأمن تجب عليه نفقته.

وقال ابن إدريس بوجوبها عن الزوجة مطلقاً ، دائمةً كانت أو منقطعة ، مدخول بها كانت أو غير مدخول بها ، مطيعة كانت أو ناشزة ، وبالجملة من صدق عليها اسم

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١١٨ ح ٥٠٩ ، الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٤ ح ٢٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٤٢ ح ١٣٣ ، الوسائل ٦ : ٢٢٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٣.

(٣) الشرائع ١ : ١٥٩.

(٤) المدارك ٥ : ٣١٥.

٢٣٧

الزوجة ؛ تمسّكاً بالعموم والإجماع (١) ، واستغربه الفاضلان وأنكراه (٢) ، بل قال في المعتبر : ما عرفنا أحداً من علماء الإسلام فضلاً عن الإماميّة أوجب الفطرة عن الزوجة من حيث هي ، بل ليس تجب الفطرة ، إلا عمّن تجب مئونته أو تبرّع بها عليه ، فدعواه إذن عريّة عن الفتوى والأخبار.

أقول : إن جعلنا حسنة صفوان مطلقة كما هو الظاهر فهي مع ابن إدريس ، وإن قلنا : إنّ المراد منها المعالة كما هو الغالب فلا يوافق المحقّق ، وإن قيّدناها بواجبة النفقة فما الدليل ، بل التقييد بالمعالة أظهر.

إلا أن يقال : إنّ الغالب هو حصول القيدين معاً ، فتحمل عليهما ، وهو لا ينفعه أيضاً إن لم يضرّه.

والحاصل : أنّ المحقّق إن اعتمد على الزوجيّة المستفادة من الخبر ؛ فهو لا يقول بأنّ الزوجيّة من حيث هي تكفي.

وإن اعتمد على قيد وجوب نفقتها ؛ فلا قيد في الرواية يرجع الحكم إليه ، وإرادة المقيّدة بالقيدين من الرواية نظراً إلى الغالب لو سلّم ، فلا يفيد تعلّق الحكم على القيد ، وهو وجوب النفقة كما لا يخفى.

وإن اعتمد على الإجماع على وجوب فطرة الواجبة النفقة وإن لم تكن معالة فهو ممنوع ، كيف وهو في الشرائع قال : وقيل : لا تجب إلا مع العيلولة وفيه تردّد (٣) ، فكيف يقول : إنّه إجماعيّ ومقطوع به ، فتبقى (٤) فتوى المحقّق أيضاً والأكثر عارية عن الدليل.

اللهمّ إلا أن يقال : ظهر عليه الإجماع بعد تأليف الشرائع ، وهو أيضاً مشكل كما يظهر من الكلمات الاتية في المملوك أيضاً.

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٦٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٠١.

(٣) الشرائع ١ : ١٥٩.

(٤) في «ح» : فبقي مطلق.

٢٣٨

فالأظهر إذن : القول المنقول في الشرائع ، وهو اعتبار العيلولة في الزوجة مطلقاً.

وظاهرهم الاتفاق على أنّ المعتدّة الرجعيّة في حكم الزوجة.

ثمّ إنّ الإشكال الذي ذكرنا آتٍ في المملوك أيضاً ، فإنّ الأكثرين أفتوا بوجوب فطرته على المولى إن لم يعله غيره ، وإن كان غائباً علم حياته ، أو آبقاً ، أو مرهوناً ، أو غصوباً ، وادّعى عليه الإجماع في المنتهي (١) ، وتظهر دعواه من المحقّق في المعتبر أيضاً (٢) ، فاكتفوا بوجوب النفقة ولم يعتبروا العيلولة بالفعل.

ولكن يظهر من المحقّق في الشرائع التردّد فيه ، ونقل فيه قولاً بعدم الوجوب إلا مع العيلولة كالزوجة كما ذكرنا (٣).

وكذلك يظهر وجود القول به من الدروس حيث قال : ولو غصب العبد وعاله الغاصب وجبت عليه ، وإلا فعلى المالك ، إلا أن تجعل الزكاة تابعة للعيلولة (٤). واختار ذلك صاحب المدارك وصاحب الكفاية (٥).

ونقل في المختلف عن المبسوط أيضاً القول بالعدم في المغصوب (٦) ، وهو قويّ ؛ للأصل ، وظاهر الأخبار.

وأمّا سائر من تجب نفقته من الأقارب إذا لم يعِلهم غير من تجب عليه نفقتهم ، فمقتضى ما ذكرنا من ظاهر الأخبار هو توقّف الوجوب على العيلولة بالفعل ، ولا يكفي مجرّد وجوب النفقة ؛ إذ الفطرة تابعة للنفقة لا لوجوبها كما صرّح به في المختلف ، وردّ بذلك قول الشيخ ، حيث أوجبها عليه لوجوب النفقة (٧).

__________________

(١) المنتهي ١ : ٥٣٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٩٨.

(٣) الشرائع ١ : ١٥٩.

(٤) الدروس ١ : ٢٤٩.

(٥) المدارك ٥ : ٢٢٣ ، الكفاية : ٤١.

(٦) المختلف ٣ : ٢٧٣ ، المبسوط ١ : ٢٤٠.

(٧) المختلف ٣ : ٢٧٢.

٢٣٩

أقول : ويعود ما أورده على الشيخ عليه في مسألة الزوجة الواجبة النفقة الغير المعالة كما قدّمناه.

والظاهر أنّه لا فرق في القريب بين الصغير والكبير ، وقول الشيخ بوجوب نفقة الصغير الموسر في ماله وفطرته على أبيه ضعيف ، فالأظهر فيه سقوط الفطرة ، إلا أن يكون عيالاً لأبيه وهو ينفق عليه ؛ لعدم العيلولة للغير بالفرض ، ولسقوطها عنه بالصغر.

الثاني : المعروف من مذهب الأصحاب وجوب الفطرة عن الضيف ، وادّعى عليه الإجماع غير واحد من الأصحاب (١).

ولكنّهم اختلفوا في قدر الضيافة الموجبة لذلك :

فقال السيّد في الانتصار : ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من أضاف غيره طول شهر رمضان يجب عليه إخراج الفطرة عنه ، والحجّة فيه الإجماع المتردّد (٢).

وقال الشيخ في الخلاف : روى أصحابنا أنّ من أضاف إنساناً طول شهر رمضان وتكفّل بعيلولته لزمته فطرته (٣).

وكلامهما يُشعر باشتراط الضيافة طول الشهر.

وعن المفيد ما يُشعر باشتراط النصف الأخر (٤).

وعن ابن إدريس الاكتفاء بليلتين في أخره (٥).

وذهب العلامة في المنتهي إلى إجزاء الليلة الأخيرة بحيث يهلّ هلال شوال وهو في ضيافته (٦) ، وكذا في التذكرة (٧).

__________________

(١) كالعلامة في التذكرة ٥ : ٣٨٠.

(٢) الانتصار : ٨٨.

(٣) الخلاف ٢ : ١٣٣ مسألة ١٦٢.

(٤) المقنعة : ٢٦٥.

(٥) السرائر ١ : ٤٦٦.

(٦) المنتهي ١ : ٥٣٦.

(٧) التذكرة ٥ : ٣٨٠.

٢٤٠