غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-560-1
الصفحات: ٤٠٠

الفقه كتاب الزكاة كتاب الخمس

وقد تفسّر بالجواري التي ثمنها من ماله الذي فيه الخمس ، والزوجة التي مهرها من ذلك.

وأُورد عليه : بأنّها داخلة في مستثنيات المؤن.

وأُجيب : بأنّه قد يكون من غير ما تُخرج منه مئونة السنة ، كالمعادن والغوص ، وعمومات الأخبار الاتية تشمله ، ولا مخصص لها ، وبأنّه قد يكون زائداً على حاجته على سبيل الاقتصاد ، وقد يكون بعد عام الوجوب.

وفسّرت المساكن : بما يُبنى في الأراضي المختصّة به ، أو بما يشترى من مال فيه الخمس.

ويرد على الأوّل : أنّه داخل في الأراضي المجوّزة لنا في حال الغيبة ، فلا معنى للتخصيص بالمسكن.

وعلى الثاني : أنّها من المؤن المستثنيات. ويدفعه ما تقدّم.

والمتاجر : بما يشترى من الأموال التي فيها الخمس ممّن لا يخمّس للتجارة.

وقال ابن إدريس : ولا يتوهّم متوهّم أنّه إذا ربح في ذلك المتجر لا يخرج منه الخمس ، فليحصّل ما قلناه ، فربّما اشتبه (١).

وبما يشترى من الغنائم المغنومة بغير إذن الإمام أيضاً.

ثمّ إنّ الوجه في استثنائهم المذكورات هو الاعتماد على الأخبار الكثيرة الواردة عن أئمّتنا «، فمنها ما مرّ مثل رواية حكيم مؤذّن بني عيس (٢) ، ورواية عبد الله بن سنان (٣) المتقدّمتين في الأرباح.

ورواية حكم بن علباء المتقدّمة في المختلط بالحرام (٤).

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٩٨.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٤ ح ١٠ وفيه : ابن عيس ، التهذيب ٤ : ١٢١ ح ٣٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٥٤ ح ١٧٩ ، الوسائل ٦ : ٣٨٠ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٨ ، قال : سألته عن آية الخمس ، فقال : هي والله الإفادة يوماً بيوم ، إلّا أن أبي جعل شيعته في حلّ.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٢ ح ٣٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ح ١٨٠ ، قال : حتّى الخيّاط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق.

(٤) ص ٣٤٢ ، وهي في التهذيب ٤ : ١٣٧ ح ٣٨٥ ، والاستبصار ٢ : ٥٨ ح ١٩٠ ، والوسائل ٦ : ٣٦٨ أبواب الأنفال ب ١ ح ١٣.

٣٨١

ورواية مسمع بن عبد الملك (١).

وصحيحة أبي بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم كلّهم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : «هلك الناس في بطونهم وفروجهم ؛ لأنّهم لم يردّوا إلينا حقّنا ، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ» (٢).

وصحيحة عليّ بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه‌السلام : عن رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب بخطه عليه‌السلام : «من أعوزه شي‌ء من حقّي فهو في حلّ» (٣).

وصحيحة ضريس الكناسي قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟» فقلت : لا أدري ، فقال : «من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين ، فإنّه محلّل لهم ولميلادهم» (٤).

ورواية محمّد بن مسلم ، عن أحدهما» ، قال : «إنّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول يا ربّ خمسي ، وقد طيّبنا ذلك لشيعتنا ؛ لتطيب ولادتهم ، ولتزكوا أولادهم» (٥).

ورواية أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال رجل وأنا حاضر : حلّل لي الفروج ، ففزع أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق ، إنّما يسألك خادماً يشتريها ، أو امرأة يتزوّجها ، أو ميراثاً يصيبه ، أو تجارة أو شيئاً أُعطيه ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٠٨ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ١٤٤ ح ٤٠٣ ، الوسائل ٦ : ٣٨٣ أبواب الأنفال ب ٤ ح ١٢. قال : إنّ الأرض كلّها لنا ، فما أخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا .. وكلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون حتّى يقوم قائمنا.

(٢) التهذيب ٤ : ١٣٧ ح ٣٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٥٨ ح ١٩١ ، علل الشرائع : ٣٧٧ ب ١٠٦ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٣٧٨ أبواب الأنفال ب ٤ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣ ح ٨٨ ، التهذيب ٤ : ١٤٣ ح ٤٠٠ ، الوسائل ٦ : ٣٧٩ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٢.

(٤) الكافي ١ : ٥٤٦ ح ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٣٦ ح ٣٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٥٧ ح ١٨٨ ، الوسائل ٦ : ٣٧٩ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٣.

(٥) الكافي ١ : ٥٤٦ ح ٢٠ ، الفقيه ٢ : ٢٢ ح ٨٢ ، التهذيب ٤ : ١٣٦ ح ٣٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٥٧ ح ١٨٧ ، الوسائل ٦ : ٣٨٠ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٥.

٣٨٢

فقال : «هذا لشيعتنا حلال ، الشاهد منهم والغائب ، والميت منهم والحي ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة ، فهو لهم حلال ، أما والله لا يحلّ إلا لمن أحللنا له ، ولا والله ما أعطينا أحداً ذمة ، وما لأحد عندنا عهد ، ولا لأحد عندنا ميثاق» (١).

ورواية يونس بن يعقوب ووصفها بالموثّقة في المختلف وفي طريقها محمّد بن سنان أو محمّد بن سالم على اختلاف النسخ قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل من القماطين ، فقال : جعلت فداك يقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعرف أنّ حقّك فيها ثابت ، وإنّا عن ذلك مقصّرون ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم» (٢).

ورواية داود بن كثير الرقي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال سمعته يقول : «الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا ، إلا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك» (٣).

وصحيحة حارث بن المغيرة النصري عنه عليه‌السلام قال ، قلت له : إنّ لنا أموالاً من غلات وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت أنّ لك فيها حقّا ، قال : «فلم أحللنا إذن لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم ، وكلّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا ، فليبلغ الشاهد الغائب» (٤).

ورواية الفضيل ولا يبعد القول بصحّتها ، كما نبّه عليه المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله أيضاً (٥) ، ولعلّه لكون الظاهر أنّ الفضيل هو ابن يسار بقرينة الراوي عنه ، وهو القاسم ابن بريد ، والظاهر أنّه العجلي الثقة ، وليس فيه بعدهما إلا الوشاء ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٧ ح ٣٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٥٨ ح ١٨٩ ، الوسائل ٦ : ٣٧٩ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣ ح ٨٧ ، التهذيب ٤ : ١٣٨ ح ٣٨٩ ، الاستبصار ٢ : ٥٩ ح ١٩٤ ، الوسائل ٦ : ٣٨٠ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤ ح ٩٠ ، علل الشرائع : ٣٧٧ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ١٣٨ ح ٣٨٨ ، الوسائل ٦ : ٣٨٠ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٧.

(٤) التهذيب ٤ : ١٤٣ ح ٣٩٩ ، الوسائل ٦ : ٣٨١ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٩.

(٥) مجمع الفائدة ٤ : ٣٥٣.

٣٨٣

وحاله معلوم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم» قال ، قلت : جعلت فداك ما أوّل النعم؟ قال : «طيب الولادة» ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لفاطمة : أحلّي نصيبك من الفي‌ء لإباء شيعتنا ليطيبوا» ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّا أحللنا أُمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا» (١).

ورواية الحارث [بن المغيرة] النصري قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فجلست عنده فإذا نجية قد استأذن عليه إلى أن قال نجية جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال : «يا نجية إنّ لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا إلى أن قال في آخر دعائه اللهم إنّا قد أحللنا لشيعتنا» (٢).

وصحيحة زرارة في العلل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام حللهم من الخمس يعني الشيعة ليطيب مولدهم» (٣).

وفي كتاب إكمال الدين ، عن محمّد بن يعقوب فيما ورد من التوقيعات بخط صاحب الزمان عليه‌السلام : «أمّا ما سألت عنه من أمر المنكرين لي إلى أن قال وأمّا الخمس فقد أُبيح لشيعتنا ، وجعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا ؛ لتطيب به ولادتهم» (٤) إلى غير ذلك من الأخبار (٥).

أقول : ويشكل العمل بظواهر أكثر هذه الأخبار ؛ لأنّ مقتضى بعضها تحليل مطلق الخمس حتى حصّة غير الإمام وحصّة الإمام اللاحق وفي حال الحضور ، فضلاً عن الغيبة ، وكذلك الأنفال ، ويفيد كثير منها عدم تخصيص الاستثناء بما ذكر ، وذلك يوجب جواز التصرف في مال الغير.

وهذا وإن كان يمكن دفعه بأنّ إخبار المعصوم عن ذلك كاشف عن صحته ، بمعنى

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٤٣ ح ٤٠١ ، الوسائل ٦ : ٣٨١ أبواب الأنفال ب ٤ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٤ : ١٤٥ ح ٤٠٥ ، الوسائل ٦ : ٣٨٢ أبواب الأنفال ب ٤ ح ١٤.

(٣) علل الشرائع : ٣٧٧ ح ١ ، الوسائل ٦ : ٣٨٣ أبواب الأنفال ب ٤ ح ١٥.

(٤) إكمال الدين : ٤٨٥ ب ٤٥ ، الوسائل ٦ : ٣٨٣ أبواب الأنفال ب ٤ ح ١٦.

(٥) الوسائل ٦ : ٣٧٨ أبواب الأنفال ب ٤.

٣٨٤

أنّه إخبار عن عدم الوجوب ، ولكن يدفعه التأمل في الحكمة الباعثة على وضع الخمس ، وما دلّ من الأخبار على أنّ الله تعالى حرّم الزكاة على بني هاشم تشريفاً لهم ، وتنزيهاً إياهم عن أوساخ الناس ، وتوفيراً لحقّهم على غيرهم من جهة المقدار والمحل كليهما ؛ (١).

فإذا كان ذلك ساقطاً عن الشيعة ، فيبقى فقراء بني هاشم أسوأ حالاً من سائر الخلق ؛ لأنّ المخالفين مع قلّة ما يتعلّق به الخمس عندهم لأنّهم لا يقولون بخمس الأرباح ؛ وهو الغالب النافع في الغالب ، ولا المال المختلط ، ولا في أرض الذمّي التي اشتراها من مسلم الغالب أنّهم لا يعطون خمسهم للشيعة ، وسيّما من كان منهم في بلاد التشيّع ، مع ما ثبت من شرف بني هاشم ، وكثرة اهتمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بحالهم ، وجعل الموادّة معهم أجر الرسالة ، وما ورد من الأخبار الكثيرة في صلة الذرية الطيبة ، فكيف يمكن القول بسقوط حقوقهم بالمرّة أو في الأغلب ، مع أنّ الأصل الثابت بالكتاب والسنة المتواترة والإجماع كيف يخرج عنه بمثل هذه الأخبار ، وسيّما الأصل عدم السقوط.

فيشبه أن يكون الباعث لصدور هذه الأخبار ، هو طغيان أهل الجور ، واغتيال السلطان لأموالهم ، وتصرّف الظلمة في الأنفال والأخماس.

فالعفو إمّا لأجل أنّ المخالفين إذا كانوا يأخذون منهم فلا يجب عليهم ثانياً كما في الخراج والزكاة ، وإمّا لأجل أنّ ما يعاملون معهم في تلك الأموال ويصل إليهم لا غائلة فيه كما في شراء الزكاة والخراج.

مع أنّ الظاهر من بعض تلك الأخبار أنّ ذلك التحليل كان منهم «عند إعواز المال وعدم الاقتدار ، وأنّ العفو من صاحب الحقّ من حقّه ، مع احتمال حقّ غيره أيضاً حينئذٍ.

ويظهر من بعضها : أنّه كان للخوف والتقيّة ، ومن بعضها : أنّ ذلك كان عفواً من صاحب الحقّ عليه‌السلام في ماله الذي أتلفه السائل ، وعدم تمكّنه من الإيصال.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٨٨ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣١.

٣٨٥

مع أنّ في مقابل هذه الأخبار أخباراً مشدّدة لوجوب إيصال حقوقهم والاهتمام في ذلك ، مثل حسنة إبراهيم بن هاشم ، قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل وكان يتولّى له الوقف بقم فقال : يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ ، فإنّي قد أنفقتها ، فقال له : «أنت في حلّ».

فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أحدهم يثب على أموال آل محمّد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ثمّ يجي‌ء فيقول : اجعلني في حلّ ، أتراه ظنّ أنّي أقول : لا أفعل ، والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً» (١).

أقول : لا ينافي تحليله عليه‌السلام من ماله سؤاله تعالى منه يوم القيامة عن سوء فعله إذا لم يتب عن ذلك وكان مقصّراً.

ولا وجه للقدح في دلالة الرواية بأنّ السائل لعلّه لم يكن من الشيعة ، وأنّ المال مال الوقف ، لا مما نحن فيه ، فإنّه يدفعه الظهور في الأوّل ، وعموم قوله عليه‌السلام بعد خروج السائل.

وما رواه الكليني ، عن محمّد بن يزيد الطبري ، قال : كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه‌السلام يسأله الإذن في الخمس فكتب إليه : «بسم الله الرحمن الرحيم إنّ الله واسع كريم ، ضمن على العمل الثواب ، وعلى الضيق الهمّ ، لا يحلّ مال إلا من وجه أحلّه الله ، إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا ، وما نبذله وما نشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته ، فلا تزووه عنّا ، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا» (٢) الحديث.

وأيضاً عنه قال : قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فسألوه أن

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٨ ح ٢٧ ، التهذيب ٤ : ١٤٠ ح ٣٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٦٠ ح ١٩٧ ، الوسائل ٦ : ٣٧٥ أبواب الأنفال ب ٣ ح ١.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٧ ح ٢٥ ، التهذيب ٤ : ١٣٩ ح ٣٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٥٩ ح ١٩٥ ، الوسائل ٦ : ٣٧٥ أبواب الأنفال ب ٣ ح ٢ ، في الكافي والوسائل : محمّد بن زيد الطبري.

٣٨٦

يجعلهم في حلّ من الخمس ، فقال : «ما أمحل هذا ، تمحضونا المودّة بألسنتكم وتزوون عنّا حقّا جعله الله لنا وجعلنا له ، وهو الخمس ، لا نجعل ، لا نجعل ، لا نجعل لأحد منكم في حلّ» (١).

إلى غير ذلك من الأخبار المؤكّدة في أمر الخمس وإيجاب دفعه ، وأنّه موجب لتزكية المال وتطهيره ، مثل رواية أبي بصير قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال ، قال : «من أكل من مال اليتيم درهماً ، ونحن اليتيم» (٢).

وموثّقة ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّي لأخذ الدرهم ، وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالاً ، ما أُريد بذلك إلا أن تطهروا» (٣).

ورواية أبي بصير عن الباقر عليه‌السلام في حديث قال : «لا يحلّ لأحدٍ أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقّنا» (٤) إلى غير ذلك من الأخبار.

وفي كتاب إكمال الدين توقيعان عن صاحب الأمر عليه‌السلام ؛ يدلان على ذلك (٥) ، وكذلك في كتاب الخرائج والجرائح ما يدلّ عليه (٦) ، نقلها في الوسائل.

فحاصل الكلام في هذا المقام : أنّ ثبوت الخمس والأنفال لأربابهما من القطعيّات التي لا شبهة فيها ، وهذه الأخبار لا يحصل منها شي‌ء موجب للقطع يمكن تخصيص القطعي به ؛ لتشابهها في الدلالة ، فيمكن أن يراد بها أنّ ما يحصل من المكاسب فيه

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٨ ح ٢٦ ، التهذيب ٤ : ١٤٠ ح ٣٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٦٠ ح ١٩٦ ، الوسائل ٦ : ٣٧٦ أبواب الأنفال ب ٣ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢ ح ٧٨ ، الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ١ : ٥٣٨ ح ٧ ، علل الشرائع : ٣٧٧ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٢٣ ح ٨٦ ، الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١ ح ٣.

(٤) الكافي ١ : ٥٤٥ ح ١٤ ، الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١ ح ٤.

(٥) إكمال الدين : ٥٢٠ ح ٤٩ وص ٥٢٢ ح ٥١ ، الوسائل ٦ : ٣٧٧ أبواب الأنفال ب ٣ ح ٦ و٧ ، قال : لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه ، فكيف يحلّ في مالنا؟! وقال : لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من أكل من مالنا درهماً حراماً.

(٦) الخرائج والجرائح : ١٢٥ ، الوسائل ٦ : ٣٧٨ أبواب الأنفال ب ٣ ح ٩.

٣٨٧

الخمس يوماً فيوماً ، كما صرّح به في رواية حكيم (١) ورواية عبد الله بن سنان (٢) ، إلا أنّهم جعلونا في حلّ في المنكح والمسكن والمتجر ، يعني في المؤن المحتاج إليها في السنة كما يستفاد ذلك من الأخبار الواردة في الأرباح ، وهذا لا كلام فيه.

ويمكن أن يراد بها أن أخذ الظلمة للخمس مسقط عنهم ، كالزكاة والخراج وغيره ، ويجوز التصرف فيه لهم إذا اختلطت المذكورات بسائر الأموال ترفيقاً منهم «، كما دلّت عليه رواية أمر أمير المؤمنين عليه‌السلام فاطمة عليه‌السلام بتحليل الفي‌ء ، ويحتمل غير ذلك.

فالأخبار متشابهة الدلالة ، وآحاد منها تدلّ على أزيد من ذلك ممّا لا يمكن الاعتماد عليها بحيث تخصص العموم القطعي ، فيقتصر على ما يمكن التخصيص به.

فنقول : أمّا زمان الحضور فلا يهمّنا التكلّم فيه.

وأمّا زمان الغيبة ؛ فالظاهر حلّية المناكح من الأنفال ، سواء كانت عين الجارية ، أو ثمنها ، أو مهر الزوجة.

وأما من الخمس فيقصر على ما هو داخل في المؤن ، وهذا لا ينحصر في خصوص حقّه عليه‌السلام ، بل يشمل حقوق سائر الأصناف.

وأمّا حليّة حقوق سائر الأصناف منه فيما زاد على المؤن أو في مثل المعادن والغوص فليس ما يمكن أن يستدلّ به من تلك الأخبار في الكثرة والاعتبار بحيث يقاوم الأصل الثابت بالكتاب (٣) والسنّة (٤) والإجماع والاعتبار ، سيّما بملاحظة أنّ مطلق صرف الخمس في المنكح لا يوجب حرمة المنكح والخلل في الميلاد ، كما لو اشترى الجارية في ذمّته وادّى ثمنها من الخمس ، أو جعله مهر الزوجة.

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٤ ح ١٠ ، التهذيب ٤ : ١٢١ ح ٣٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٥٤ ح ١٧٩ ، الوسائل ٦ : ٣٨٠ أبواب الأنفال ب ٤ ح ٨. عن آية الأنفال ، قال : هي والله الإفادة يوماً بيوم ، إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا في حلّ ليزكوا.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٢ ح ٣٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ ح ١٨٠. قال : حتّى الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منها دانق ، إلّا من أحللنا من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة.

(٣) الأنفال : ٤١.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٣٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١.

٣٨٨

وبملاحظة أنّ فسّاق الشيعة الذين لا يحترزون عن أغلب المحرّمات في المناكح ، بل عن الزنا ، وهم الأغلبون منهم لا ينفعهم ذلك ، ولا يوازي تحليل الإمام حصّة خمس فقراء بني هاشم وصلحائهم لأجل أن تطيب ولادتهم مع عدم تجنّبهم عمّا يوجب عدم الطيب ؛ لما يستلزمه من حرمان هؤلاء وعسرهم وشدتهم.

ولذلك ربما يحتمل أن يكون المراد في تلك الأخبار من الشيعة خلّصهم وخواصّهم ، كما يظهر من خصوص بعض الأخبار (١) ، ونحن لا نجتزئ بذلك التخصيص في الخلّص أيضاً ؛ للأصل الثابت.

والظاهر دخول وطء الجارية المشتراة ممن لا يخرج خمس ماله وإن تعلّق الخمس بنفس الجارية أيضاً ، وكذلك ما اشترى من مال انتقل إليه ممن لا يخمّس ؛ لعدم مقاومة تعلّق الخمس بالعين دون الذمّة ؛ لإطلاقات الأخبار المخصّصة. والأمر في مال من لا يعتقد الخمس كالمخالف أظهر.

وأمّا خصوص حقّه عليه‌السلام من الخمس من مال نفس المكلّف فسيجي‌ء الكلام فيه.

ويظهر من ذلك الكلام في المتاجر ، فالظاهر صحّة استثناء ما يشترى من الغنائم المأخوذة من دار الحرب بدون الإذن ، بل واشتراء متعلّق الخمس ممن لا يخمّس لما أشرنا إلى أن يتجر فيربح فيجب فيه ، كما نقلناه عن ابن إدريس (٢).

والدليل على ذلك أيضاً بعض العمومات المتقدّمة ، كصحيحة الفضلاء (٣) وغيرها ، ولزوم العسر والحرج.

ويظهر من ذلك الكلام في المساكن أيضاً ، فلا إشكال فيما هو من جملة المؤن ، وكذلك فيما زاد عليها إذا كان من الأراضي المختصة بهم «؛ للاتفاق ، وكذلك إذا اشتراه ممن لا يخمّس كما أشرنا.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٧٨ أبواب الأنفال ب ٤.

(٢) السرائر ١ : ٤٩٧.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٧ ح ٣٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٥٨ ح ١٩١ ، علل الشرائع : ٣٧٧ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٣٧٨ أبواب الأنفال ب ٤ ح ١.

٣٨٩

الرابع : قيل : يجب صرف الخمس بأجمعه في زمان الحضور إلى الإمام (١) وقد يستشكل في إطلاق هذا الحكم ، ولا فائدة لنا مهمة في تحقيقه.

وأمّا في زمان الغيبة ، فقد اختلف فيه كلام الأصحاب اختلافاً شديداً ، قال المفيد رحمه‌الله في المقنعة : فمنهم من يسقط فرض إخراجه ؛ لغيبة الإمام وما تقدّم من الرخص فيه من الأخبار.

وبعضهم يوجب كنزه ويتأوّل خبراً ورد أنّ الأرض تظهر كنوزها عند ظهور القائم مهدي الأنام ، وأنّه عليه‌السلام إذا قام دلّه الله سبحانه على الكنوز ، فيأخذها من كلّ مكان.

وبعضهم يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب ، وليس أدفع قرب هذا القول من الصواب.

وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر عليه‌السلام ، فإن خشي إدراك المنيّة قبل ظهوره وصّى به إلى من يثق به في عقله وديانته وتسليمه إلى الإمام عليه‌السلام إن أدرك قيامه ، وإلا وصّى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة ، ثمّ على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان عليه‌السلام.

وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدّم ؛ لأنّ الخمس حقّ وجب لغائب لم يرسم فيه قبل غيبته رسماً يجب الانتهاء إليه ، فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه ، أو التمكن من إيصاله إليه ، أو وجود من انتقل بالحقّ إليه ، وجرى أيضاً مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقّاً فلا يجب عند عدمه سقوطها ، ولا يحلّ التصرف فيها على حسب التصرف في الأملاك ، ويجب حفظها بالنفس والوصية بها إلى من يقوم بإيصالها إلى مستحقّها من أهل الزكاة من الأصناف.

وإن ذهب ذاهب إلى منع ما وصفناه في شطر الخمس الذي هو خالص للإمام عليه‌السلام ،

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٦٧.

٣٩٠

وجعل الشطر الأخر في يتامى آل الرسول وأبناء سبيلهم ومساكينهم على ما جاء في القرآن لم نبعّد إصابته الحقّ في ذلك ، بل كان على صواب.

وإنّما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه فيه من صريح الألفاظ ، وإنّما عدم ذلك لوضع تغليظ المحنة ، مع إقامة الدليل بمقتضى العقل والأثر من لزوم الأُصول في خطر التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك ، وحفظ الودائع لأهلها ؛ وردّ الحقوق (١) ، انتهى كلامه.

والمشهور بين محقّقيهم صرف حصة الأصناف إليهم وهو نصفه ، وأما النصف الأخر فاختلفوا فيه ، فبعضهم أوجب ضبطه له عليه‌السلام (٢).

وبعضهم صرّح بتحريم صرفه إلى الأصناف وأكّد فيه غاية التأكيد ، مثل ابن إدريس (٣) ، وادّعى فيه تطابق الأدلّة العقليّة والنقليّة وفتاوى المحصّلين من الأصحاب.

وأكثرهم خيّروا بين الدفن ، أو الضبط والإيصاء ، أو الصرف في سائر الأصناف (٤) ، وظاهر كثير منهم ترجيح الأخير على غيره (٥).

(وظاهر بعضهم وجوب الصرف إليهم معيّناً (٦).

وظاهر بعضهم تعميم الإعطاء لصلحاء الشيعة وفقرائهم) (٧) و (٨).

وقيّد جماعة من المحقّقين المجوّزين لإعطاء سائر الأصناف بأن يكون على سبيل التتمة ، بمعنى أنّه لو لم تفِ حصتهم بمئونة سنتهم ، فتعطى تتمة المئونة

__________________

(١) المقنعة : ٢٨٥ ٢٨٧.

(٢) كالمفيد في المقنعة : ٢٨٦ ، والقاضي في المهذّب ١ : ١٨١ ، وأبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١٧٣.

(٣) السرائر ١ : ٤٩٧.

(٤) المقنعة : ٢٨٦ ، المبسوط ١ : ٢٦٤.

(٥) المقنعة : ٢٨٦.

(٦) الشرائع ١ : ١٦٧ ، المهذّب البارع ١ : ٥٧١ ، ونسبه في الروضة ٢ : ٨٠ إلى المشهور بين المتأخّرين.

(٧) حكاه في المقنعة : ٢٨٦ ، واختاره ابن حمزة في الوسيلة : ١٣٧.

(٨) ما بين القوسين ليس في «م».

٣٩١

من حصّته عليه‌السلام (١).

هذه الأقوال المنقولة من أصحابنا رضوان الله عليهم.

والأظهر في النظر القاصر هو ترجيح القول بجواز صرف جميع الخمس إلى فقراء بني هاشم تبعاً للمفيد رحمه‌الله في الرسالة العزّية (٢) والفاضلين (٣) ، ومن تأخّر عنهما من المتأخّرين (٤).

والأظهر أنّه بعنوان الوجوب كما هو ظاهر المفيد رحمه‌الله وجماعة.

أمّا في حصّتهم فواضح ، وأمّا في حصته عليه‌السلام فلأنّ الظاهر من حاله بل المعلوم من سيرتهم صلوات الله عليهم ، ورأفتهم وشفقتهم على شيعتهم ، سيّما ذريتهم ، واهتمامهم في شأنهم ، ووصيتهم في صلتهم والإحسان إليهم ؛ أنّهم راضون بإعطاء نصيبهم لهم ، سيّما في مثل هذا الزمان الّذي لا يحتاج إليه ، ولا يمكن الإيصال إليه عليه‌السلام.

ولا ريب أنّ ذلك أولى من الاستيداع والإيداع والإيصاء في الحفظ ، سيّما في أمثال الأزمان التي يغلب فيه المتغلبون ، ويكثر فيه التغلب (٥) والاضطراب ، وتسلّط الظلمة والنهب ، وإتلاف الأموال والنفوس ، ويحصل فيه تلف الأموال في قليل من الأوقات ، فضلاً عن تمادي الأعوام والشهور.

وكذلك أولى من الدفن ، فإنّه مع ما قد يصيبه من التلف في كثير من الأوقات لا يكون فيه كثير فائدة إن بقي ووصل إليه عليه‌السلام في زمان تسلّطه الذي لا يكاد يظهر احتياجه إليه حينئذٍ.

ومع ملاحظة ما ذكر ، وملاحظة كمال احتياج العلويين والفاطميين سيّما صلحائهم وضعفائهم وأيتامهم وأراملهم الذين لا يجدون حيلةً ولا معيناً ولا نصيراً ، وملاحظة

__________________

(١) منهم المحقّق الحلّي في المختصر النافع ١ : ٦٤ ، والمعتبر ٢ : ٦٤١ ، والعلّامة في المنتهي ١ : ٥٥٥.

(٢) نقله في المعتبر ٢ : ٦٤١.

(٣) الشرائع ١ : ١٦٧ ، التحرير ١ : ٧٥.

(٤) كابن فهد في المهذّب البارع ١ : ٥٧١ ، والعاملي في الوسائل ٦ : ٣٧٨.

(٥) في «م» : التقليب.

٣٩٢

الأخبار الدالة على تحليلهم الخمس عموماً (١) ، قد يحكم العقل السليم بعنوان القطع بأنّهم راضون بذلك ، بل لا يبعد القول بحكم العقل بوجوب الدفع إليهم حينئذٍ.

هذا كلّه وبعد ملاحظة الروايتين اللتين ذكرناهما في إتمام الإمام نقص مئونة الأصناف من حصته عليه‌السلام ، وقلنا : إنّ الظاهر أنّ ذلك على سبيل الوجوب ، فيتضح ذلك غاية الوضوح.

فالأظهر القول بوجوب ذلك ، وأنّه تدفع حصّة الإمام إلى فقراء بني هاشم الذين لم تف حصّتهم من الخمس بمئونة سنتهم بمقدار النقص ، بل يجوز الإعطاء وإن لم يعط قبله شي‌ء بمقدار مئونة السنة.

وربما قيل : الأحوط إعطاؤهم على التدريج في كلّ وقت بقدر ما يحتاجون إليه حينئذٍ ، ولا دليل على لزوم ذلك.

والمشهور بين من جوّز إعطاء نصيبه عليه‌السلام إلى شركائه ؛ أنّه لا بدّ أن يتولاه الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ؛ لعموم نيابته عنه عليه‌السلام ، فلو أعطاه المالك أو غيره ضمن.

بل قال في المسالك : ولو تولّى غيره كان ضامناً عند كلّ من أوجب صرفه إلى الأصناف (٢).

وظاهر إطلاق المفيد في المسائل العزّية عدم وجوب ذلك (٣).

ويظهر من الشهيد في الدروس أنّ إذن الفقيه كافية ولا حاجة إلى تولّيه (٤).

ولا ريب أنّ تولّيه مع الإمكان أحوط ، أو إذنه الخاص (مع عدم إمكانه ، أو إذنه العام للمالك مع عدم إمكان الخاص) (٥) أيضاً.

وأمّا فعل المالك ذلك أو غيره من غير إذن أصلاً ، فمشكل.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٧٨ أبواب الأنفال ب ٤.

(٢) المسالك ١ : ٤٧٦.

(٣) نقل عنه في المعتبر ٢ : ٦٤١.

(٤) الدروس ١ : ٢٦٢.

(٥) ما بين القوسين ليس في «م».

٣٩٣

نعم لو لم يمكنه الإذن العام أيضاً ، ودار الأمر بين صرفه إليهم ، أو الأداء إلى الإتلاف ، أو ما هو مظنّته ، فالظاهر جواز مباشرة المالك ، سيّما لو أمكن استصواب عدول المؤمنين ، سيّما طلبة العلوم منهم.

٣٩٤

المبحث (١) الرابع

في سائر الصدقات

وفيه مباحث :

الأوّل : قد عرفت أنّه لا حقّ ماليّ واجب بالذات إلا الزكاة والفطرة والخمس وقد يجب بالنذر وشبهه وبالكفارة ، وستجي‌ء في مواضعها ، وقد مرّ الكلام في حقّ الحصاد والجذاذ أيضاً.

ولكن يستحبّ التصدّق بقدر المقدور مؤكداً بالإجماع ، بل الضرورة والكتاب والسنّة المتواترة ، وحكم العقل بحسنه.

والأخبار في ذلك فوق حدّ الإحصاء ، ونكتفي بذكر ما رواه في الكافي في الحسن ، عن أبي بصير ، قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام ومعنا بعض أصحاب الأموال ، فذكروا الزكاة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الزكاة ليس يحمد بها صاحبها ، وإنّما هو شي‌ء ظاهر ، إنّما حقن بها دمه ، وبها سمّي مسلماً ، ولو لم يؤدّها لم تقبل له صلاة ، وإنّ عليكم في أموالكم غير الزكاة».

فقلت : أصلحك الله ، وما علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال : «سبحان الله ، أما

__________________

(١) في «ح» : الباب.

٣٩٥

تسمع الله عزوجل يقول في كتابه (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١) ، قال ، قلت : ماذا الحقّ المعلوم الذي علينا؟ قال : «هو الشي‌ء يعمله الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قلّ أو كثر غير أنّه يدوم عليه.

وقوله عزوجل (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٢) قال : «هو القرض يقرضه ، والمعروف يصطنعه ، ومتاع البيت يعيره ، ومنه الزكاة».

فقلت : إنّ لنا جيراناً إذا أعرناهم متاعاً كسروه وأفسدوه ، فعلينا جناح أن نمنعهم؟ فقال : «لا ، ليس عليكم جناح أن تمنعوهم إذا كانوا كذلك».

قال ، قلت له (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٣) قال : «ليس من الزكاة».

قال ، قلت : قوله عزوجل (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) (٤) قال : «ليس من الزكاة».

قال ، قلت : قوله عزوجل (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (٥) قال : «ليس من الزكاة ، وصِلتك قرابتك ليس من الزكاة» (٦) وتؤدّي مؤدّاها أخبار كثيرة.

ونتبع ذلك بذكر ما ذكره العلامة في التذكرة (٧) ، ونقتصر عليه ؛ إذ ذكر الأخبار وما ورد في الصدقة مما لا يسعه هذا الكتاب ، قال : صدقة التطوّع مستحبّة في جميع الأوقات ؛ للآيات الدالّة على الحثّ على الصدقة (٨).

__________________

(١) المعارج : ٢٤.

(٢) الماعون : ٧.

(٣) الإنسان : ٨.

(٤) البقرة : ٢٧٤.

(٥) البقرة : ٢٧١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٩٩ ح ٩ ، الوسائل ٦ : ٢٨ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٧ ح ٣.

(٧) التذكرة ٥ : ٤٠٣ مسألة ٣٠٨.

(٨) البقرة : ٢٤٥ ، ٢٥٤ ، ٢٦١ ، آل عمران : ١٣٤ ، الحديد : ١٨ ، التغابن : ١٧ ، وغيرها.

٣٩٦

وقال رسول اللهُ : «من تصدّق بعِدل تمرة من كسب طيّب ولا يصعد إلى الله إلا الطيّب ، فإنّ الله يقبلها بيمينه ثمّ يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل» (١).

وقال عليه‌السلام : «أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمن ، فإنّ صدقته تظلّه» (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام : «البرّ والصدقة ينفيان الفقر ، ويزيدان في العمر ، ويدفعان عن سبعين ميتة سوء» (٣).

وصدقة السرّ أفضل ؛ للاية (٤) ، إلا أن يتّهم بترك المواساة.

ويستحبّ الإكثار منها وقت الحاجة ؛ لقوله تعالى (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) (٥) وفي شهر رمضان ؛ لتضاعف الحسنات فيه.

وعلى القرابة ؛ لقوله تعالى (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) (٦) وقال عليه‌السلام : «الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم اثنتان ، صدقة وصلة» (٧).

والأولى الصدقة من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام ، قال عليه‌السلام : «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول» (٨).

وتستحبّ الصدقة أوّل النهار ، وأوّل الليل ، قال الصادق عليه‌السلام : «باكروا بالصدقة ، فإنّ البلايا لا تتخطّاها ، ومن تصدّق بصدقة أوّل النهار دفع الله عنه ما ينزل من السماء في ذلك اليوم ، فإن تصدّق أوّل الليل دفع الله عنه شرّ ما ينزل من السماء في تلك الليلة» (٩).

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٣٤ ، مسند أحمد ٢ : ٣٣١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٧٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٣٧ ح ١٥٥ ، ثواب الأعمال : ١٦٩ ح ٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٣٧ ذ. ح ١٥٥ ، ثواب الأعمال : ١٦٦ ح ١١.

(٤) البقرة : ٢٧١.

(٥) البلد : ١٤.

(٦) البلد : ١٥

(٧) سنن الترمذي ٣ : ٤٧ ، سنن النسائي ٥ : ٩٢ ، سنن الدارمي ١ : ٣٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ١٧٤ ، مسند أحمد ٤ : ١٧ ، ٢١٤.

(٨) صحيح البخاري ٢ : ١٣٩ وج ٧ : ٤٨١.

(٩) الفقيه ٢ : ٣٧ ح ١٥٩.

٣٩٧

ويكره السؤال ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «اتّبعوا قول رسول اللهُ ، من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر» (١).

ويكره ردّ السائل ، قال الباقر عليه‌السلام : «كان فيما ناجى الله عزوجل به موسى عليه‌السلام ، أن قال : يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو بردّ جميل ، إنّك يأتيك من ليس بإنس ولا جانّ ملائكة من ملائكة الرحمن يسألونك فيما خوّلتك ، ويسألونك مما نولتك ، فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران» (٢).

والصدقة المندوبة على بني هاشم أفضل ، خصوصاً العلويون ، قال رسول اللهُ : «إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا : رجل نصر ذرّيتي ، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق ، ورجل أحب ذرّيتي باللسان والقلب ، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا» (٣).

وقال عليه‌السلام : «من صنع إلى أحد من أهل بيتي يداً كافيته يوم القيامة» (٤) و (٥) انتهى كلامه رحمه‌الله.

قوله رحمه‌الله : الأولى الصدقة من الفاضل عن كفايته ، إلى أخره. يشكل بما ورد من فضل الإيثار في الكتاب والسنّة.

وقد جمع في الدروس بينهما بحمل ما ورد في الإيثار على الإيثار على النفس لأعلى العيال (٦).

ويمكن حمل الإيثار على ما لا يتضرر به في بدنه وإن كان شاقاً عليه ، والمنع على ما كان مضراً.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٩ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٤٠ ح ١٧٩.

(٢) الكافي ٤ : ١٥ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٩ ح ١٧٠ ، الوسائل ٦ : ٢٩١ أبواب الصدقة ب ٢٢ ح ٧.

(٣) الكافي ٤ : ٦٠ ح ٩ ، الفقيه ٢ : ٣٦ ح ١٥٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٣٦ ح ١٥٢.

(٥) هذا آخر عبارة التذكرة ٥ : ٤٠٥.

(٦) الدروس ١ : ٢٥٥.

٣٩٨

الثاني : يشترط فيها أهليّة المصدّق للتصرّف ، وكذا الإيجاب والقبول والقبض برضا المالك بلا خلاف ظاهر ، وظاهرهم الإجماع عليه.

والظاهر كفاية الإيجاب والقبول الفعليين.

وتشترط نيّة التقرّب أيضاً ، والظاهر أنّه أيضاً وفاقي كما يظهر من المسالك (١) وغيره (٢).

ويدلّ عليه قول الصادق عليه‌السلام في رواية هشام وحمّاد وابن أُذينة وابن بكير وغير واحد أنّه «لا صدقة ولا عتق إلا ما أُريد به الله تعالى» (٣).

ولا يجوز الرجوع فيها بعد القبض على المشهور ؛ لصحيحة عبد الله بن سنان وفيها قال ، قال رسول اللهُ : «إنّما مثل الذي يتصدّق بالصدقة ثم يعود فيها مثل الذي يقي‌ء ثمّ يعود في قيئه» (٤).

وعن الشيخ : أنّ صدقة التطوّع كالهبة عندنا في كلّ شي‌ء ، فيجوز الرجوع في كلّ ما يجوز الرجوع فيه في الهبة (٥).

وردّه المحقّق رحمه‌الله بأنّ المقصود منها الثواب وقد حصل ، فتكون كالمعوضة ، فلا يجوز الرجوع فيها كالهبة المعوضة (٦).

الثالث : قد ذكرنا في كتاب الزكاة جواز الصدقة المندوبة لبني هاشم وأنّ الأظهر جواز المفروضة أيضاً غير الزكاة كالنذور والكفارات ونحوهما.

__________________

(١) المسالك ٥ : ٤٠٨.

(٢) الحدائق ٢٢ : ٢٦١.

(٣) الكافي ٧ : ٣٠ ح ٢ ، التهذيب ٩ : ١٥١ ح ٦٢٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٢٠ كتاب الوقوف والصدقات ب ١٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٩ : ١٥١ ح ٦١٨ ، الوسائل ١٣ : ٣١٦ كتاب الوقوف والصدقات ب ١١ ح ٢.

(٥) المبسوط ٣ : ٣١٤.

(٦) الشرائع ٢ : ١٧٦ ، وانظر المسالك ٥ : ٤٠٩.

٣٩٩

وتجوز الصدقة على الذمّي وإن كان أجنبياً على المشهور الأقوى ؛ للعموم ، ولقوله عليه‌السلام : «لكلّ كبد حرى أجر» (١). ولقوله تعالى (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) (٢).

وتدلّ عليه الأخبار أيضاً ، مثل رواية مصادف الدالة على سقي الصادق عليه‌السلام نصرانياً عند عطشه في باب سقي الماء في الكافي (٣) ، ورواية عمرو بن أبي نصر الدالّة على جواز التصدق على اليهود والنصارى والمجوس في الكافي في باب الصدقة على أهل البوادي (٤).

وقيل : لا تجوز إلا على المؤمن (٥).

ويدفعه : ما ذكرنا ، ورواية معلّى بن خنيس في حكاية صدقة الصادق عليه‌السلام على أهل ظلة بني ساعدة (٦) وغير ذلك.

نعم يستفاد من الأخبار منعها عن النصّاب وأمثالهم (٧).

وفي حسنة سدير الصيرفي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أُطعم سائلاً لا أعرفه مسلماً؟ قال : «نعم ، أعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحقّ ، إنّ الله عزوجل يقول (وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً) ولا تطعم من نصب بشي‌ء من الحقّ أو دعا إلى شي‌ء من الباطل» (٨) تمت.

__________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٢٢٢ ، ٣٧٥ ، ٥١٧ ، وج ٤ : ١٧٥ ، البحار ٧١ : ٣٧٠.

(٢) الممتحنة : ٨.

(٣) الكافي ٤ : ٥٧ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ٢٨٨ أبواب الصدقة ب ١٩ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٤ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ٢٨٩ أبواب الصدقة ب ٢١ ح ٧.

(٥) هذا منقول عن ابن أبي عقيل ، انظر الدروس ١ : ٢٥٥ ه‍ ٣ ، والمسالك ٥ : ٤١٢ ، والحدائق ٢٢ : ٢٧١.

(٦) الكافي ٤ : ٨ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٥ ح ٣٠٠ ، ثواب الأعمال : ١٧٣ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٢٨٤ أبواب الصدقة ب ١٩ ح ١.

(٧) انظر الوسائل ٦ : ٢٨٧ أبواب الصدقة ب ٢١ ح ٢.

(٨) الكافي ٤ : ١٣ ح ١ ، التهذيب ٤ : ١٠٧ ح ٣٠٦ ، الوسائل ٦ : ٢٨٨ أبواب الصدقة ب ٢١ ح ٣. البقرة : ٨٣.

٤٠٠