المقصد الأوّل
في بيان
فضيلة العلم
وذكر نبذ مما يجب على العلماء مراعاته
وبيان : زيادة شرف علم الفقه على غيره
ووجه الحاجة إليه ـ وذكر حده ـ ومرتبته.
وبيان : موضوعه ـ ومباديه ـ ومسائله.
اعلم أنّ فضيلة العلم ، وارتفاع درجته ، وعلوّ رتبته أمر كفى انتظامه في سلك الضرورة مئونة الاهتمام ببيانه.
غير أنّا نذكر على سبيل التنبيه ، شيئا في هذا المعنى ، من جهة العقل والنقل ، كتابا وسنّة ، مقتصرين على ما يتأدّى به الغرض ؛ فإنّ الاستيفاء في ذلك يقتضي تجاوز الحدّ ، ويفضي إلى الخروج عمّا هو المقصد.
فأمّا الجهة العقلية : فهي أنّ المعقولات تنقسم إلى موجودة ومعدومة ، وظاهر أنّ الشرف للموجود ، ثم الموجود ينقسم إلى جماد ونام ، ولا ريب أنّ النامي أشرف ، ثم النامي ينقسم إلى حسّاس وغيره ، ولا شكّ أنّ الحسّاس أشرف ، ثمّ الحسّاس ينقسم إلى عاقل وغير عاقل ، ولا ريب أنّ العاقل أشرف ، ثمّ العاقل ينقسم إلى عالم وجاهل ، ولا شكّ أنّ العالم أشرف ، فالعالم حينئذ أشرف المعقولات.
فصل
[ فضل العلم في الكتاب ]
وأمّا الكتاب الكريم فقد اشير إلى ذلك في مواضع منه :
« الأوّل » : قوله تعالى في سورة العلق ـ وهي أوّل ما نزل على نبيّنا صلوات الله عليه وآله في قول أكثر المفسّرين ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) (١).
حيث افتتح كلامه المجيد ، بذكر نعمة الإيجاد ، وأتبعه بذكر نعمة العلم ، فلو كان بعد نعمة الإيجاد نعمة أعلى من العلم لكانت أجدر بالذكر.
وقد قيل في وجه التناسب بين الآي ـ المذكورة في صدر هذه السورة ، المشتمل بعضها على خلق الإنسان من علق ، وبعضها على تعليمه ما لم يعلم ـ : إنّه تعالى ذكر أوّل حال الإنسان أعني كونه علقة ، وهي بمكان من الخساسة ، وآخر حاله وهو صيرورته عالما ، وذلك كمال الرفعة والجلالة.
فكأنّه سبحانه قال : كنت في أوّل أمرك ، في تلك المنزلة الدنيّة الخسيسة ، ثم صرت في آخره إلى هذه الدرجة الشريفة النفيسة.
__________________
(١) العلق (٩٦) : ١ ـ ٥.
« الثاني » : قوله تعالى ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ، يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا .. ) (١).
فإنّه سبحانه ، جعل العلم علّة لخلق العالم العلوي والسفلي طرّا ، وكفى بذلك جلالة وفخرا.
« الثالث » : قوله سبحانه ( .. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً .. ) (٢).
فسّرت الحكمة بما يرجع إلى العلم.
« الرابع » : قوله تعالى ( .. هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٣).
« الخامس » : قوله تعالى ( .. إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ .. ) (٤).
« السادس » : قوله سبحانه ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ .. ) (٥).
« السابع » : قوله تعالى ( .. وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .. ) (٦).
« الثامن » : قوله تعالى ( .. قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ
__________________
(١) الطارق (٦٥) : ١٢.
(٢) البقرة (٢) : ٢٦٩.
(٣) الزمر (٣٩) : ٩.
(٤) فاطر (٣٥) : ٢٨ ).
(٥) آل عمران (٣) : ١٨.
(٦) آل عمران (٣) : ٧.
الْكِتابِ )(١)
« التاسع » : قوله تعالى ( .. يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ .. ) (٢).
« العاشر » : قوله تعالى ـ مخاطبا لنبيّه عليه وآله الصلاة والسلام ، آمرا له مع ما آتاه من العلم والحكمة ـ ( .. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) (٣).
« الحادي عشر » : قوله تعالى ( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ .. ) (٤).
« الثاني عشر » : قوله تعالى ( وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ ) (٥).
__________________
(١) الرعد (١٣) : ٤٣.
(٢) المجادلة (٥٨) : ١١.
(٣) طه (٢٠) : ١١٤.
(٤) العنكبوت (٢٩) : ٤٩.
(٥) العنكبوت (٢٩) : ٤٣.
فصل
[ فضل العلم في السنّة ]
وأمّا السنّة : فهي في ذلك كثيرة لا تكاد تحصى.
فمنها : ما أخبرني به ـ إجازة ـ عدة من أصحابنا ، منهم : السيد الجليل ، شيخنا نور الدين ، علي بن الحسين ، بن أبي الحسن الحسيني الموسوي أدام الله تأييده ، والشيخ الفاضل عز الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي قدّس روحه ، [ والسيد العابد نور الدين ، علي بن السيد فخر الدين الهاشمي ] (١).
يحق روايتهم إجازة : عن والدي السعيد الشهيد ، زين الملّة والدين ، رفع الله درجته كما شرّف خاتمته.
عن شيخه الأجلّ ، نور الدين ، عليّ بن عبد العالي الميسي.
عن الشيخ شمس الدين ، محمد بن المؤذن ، الجزيني.
عن الشيخ ضياء الدين ، علي بن شيخنا الشهيد.
عن والده قدّس الله سرّه.
عن الشيخ فخر الدين ، أبي طالب محمد ، بن الشيخ الإمام العلّامة ، جمال الملّة والدين ، الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي.
__________________
(١) هذه الزيادة نقلها الاستاذ البقال عن نسخة أحمد شاهمير.
عن والده رضى عنه الله.
عن شيخه المحقق السعيد ، نجم الملّة والدين ، أبي القاسم جعفر ، بن الحسن ، ابن يحيى ، بن سعيد قدّس الله نفسه.
عن السيد الجليل ، شمس الدين فخار بن معد الموسوي.
عن الشيخ الفقيه الإمام ، أبي الفضل [ بن ] شاذان بن جبرائيل القمي.
عن الشيخ الفقيه ، العماد أبي جعفر ، محمد بن أبي القاسم الطبري.
عن الشيخ أبي علي ، الحسن بن الشيخ السعيد الفقيه ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
عن والده رضى الله عنه.
عن الشيخ الإمام المفيد ، محمد بن النعمان.
عن الشيخ أبي القاسم ، جعفر بن محمد ، بن قولويه.
عن الشيخ الجليل الكبير ، أبي جعفر ، محمد بن يعقوب الكليني.
عن علي بن إبراهيم.
عن أبيه.
عن حمّاد بن عيسى.
عن عبد الله بن ميمون القداح.
[ ح ] : وعن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن الحسن ، وعلي بن محمد.
عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح.
ح : وعن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن جعفر ابن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من سلك طريقا يطلب فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى
الجنّة ، وأنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به ، وأنّه ليستغفر لطالب العلم من في السماوات ومن في الأرض ، حتى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على ساير النجوم ليلة البدر ، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء. إنّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر » (١).
وبالإسناد ، عن الشيخ المفيد ، محمد بن النعمان ، عن الشيخ الصدوق ، أبي جعفر ، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي رحمهالله ، عن أبيه.
عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن يونس ابن عبد الرحمن ، عن الحسن بن زياد العطار ، عن سعد بن ظريف ، عن الأصبغ ابن نباتة ، قال :
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام : « تعلّموا العلم ، فإنّ تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة.
وهو عند الله لأهله قربة ؛ لأنّه معالم الحلال والحرام ، وسالك بطالبه سبل الجنّة ، وهو أنيس في الوحشة ، وصاحب في الوحدة ، وسلاح على الأعداء ، وزين الأخلّاء ، يرفع الله به أقواما ، يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم ، ترمق أعمالهم ، وتقتبس آثارهم ، وترغب الملائكة في خلتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ؛ لأنّ العلم حياة القلوب [ من الجهل ] ونور الأبصار من العمى ، وقوّة الأبدان من الضعف ، ينزل الله حامله منازل الأبرار ، ويمنحه مجالسة الأخيار ، في الدنيا والآخرة ، بالعلم يطاع الله ويعبد ، وبالعلم يعرف الله ويوحّد ، وبالعلم توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال والحرام ، والعلم إمام العقل ، والعقل تابعه ، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء » (٢).
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٤ ، باب ثواب العالم والمتعلّم ، الحديث ١.
(٢) أمالي الصدوق ١ : ٢٩٦ ، المجلس التسعون.
فصل
[ وجوب طلب العلم ]
وروينا بالإسناد : عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي ، عن عبد الرحمن بن زيد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم [ ومسلمة ] ، ألا أنّ الله يحبّ بغاة العلم » (١).
وعن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم.
عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عمن حدّثه ، قال :
سمعت أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : « أيّها الناس اعلموا أنّ كمال الدين طلب العلم والعمل به ، ألا وإنّ طلب العلم ، أوجب عليكم من طلب المال ، إنّ المال مقسوم مضمون لكم ، قد قسمه عادل بينكم وضمنه ، وسيفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله ، وقد أمرتم بطلبه من أهله ، فاطلبوه » (٢).
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٠ ، باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه ، الحديث ١.
(٢) الكافي ١ : ٣٠ ، باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه ، الحديث ٤.
وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد.
عن أبي الحسن البختري ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
« إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أنّ الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ، وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشيء منها ، فقد أخذ حظا وافرا ، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه ، فإن فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولا ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين » (١).
وعنه ، عن الحسين بن محمد ، عن علي [ بن محمد ] بن سعد ، رفعه ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال :
« لو يعلم الناس ما في طلب العلم ، لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج إنّ الله تبارك وتعالى ، أوحى إلى دانيال : إنّ أمقت عبيدي إليّ ، الجاهل المستخفّ بحقّ أهل العلم ، التارك للاقتداء بهم. وإنّ أحبّ عبيدي إلي ، التقيّ الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء » (٢).
وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه.
وعن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد.
جميعا : عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال :
« عالم ينتفع بعلمه ، أفضل من سبعين ألف عابد » (٣) :
وعنه ، عن الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ،
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٢ ، باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ، الحديث ٢.
(٢) الكافي ١ : ٣٥ ، باب ثواب العالم والمتعلّم ، الحديث ٥.
(٣) الكافي ١ : ٣٣ ، باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ، الحديث ٨.
عن معاوية بن عمّار ، قال :
قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : « رجل راوية لحديثكم ، يبثّ ذلك في الناس ، ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ، ولعلّ عابدا من شيعتكم ، ليست له هذه الرواية ، أيّهما أفضل؟
قال : « الرواية لحديثنا ، يشدّ به قلوب شيعتنا ، أفضل من ألف عابد » (١).
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٣ ، باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ، الحديث ٩.
فصل
[ ما يجب على العلماء مراعاته ]
ومن أهمّ ما يجب على العلماء مراعاته : تصحيح القصد وإخلاص النيّة ، وتطهير القلب من دنس الأغراض الدنيوية ، وتكميل النفس في قوتها العملية ، وتزكيتها باجتناب الرذائل ، واقتناء الفضائل الخلقية ، وقهر القوّتين الشهويّة والغضبيّة.
وقد روينا بالطريق السابق وغيره ، عن محمد بن يعقوب رحمهالله ، عن عليّ بن إبراهيم ، رفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام.
وعن محمد بن يعقوب ، قال : حدّثني محمد بن محمود ، أبو عبد الله القزويني ، عن عدة من أصحابنا ، منهم جعفر بن أحمد الصيقل ـ بقزوين ـ ، عن أحمد بن عيسى العلوي ، عن عباد بن صهيب البصري ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
« طلبة العلم ثلاثة ، فاعرفهم بأعيانه وصفاتهم : صنف يطلبه للجهل والمراء. وصنف يطلبه للاستطالة والختل. وصنف يطلبه للفقه والعقل.
فصاحب الجهل والمراء موذ ممار ، متعرّض للمقال في أندية الرجال ، بتذاكر العلم وصفة الحلم ، قد تسربل بالخشوع ، وتخلّى من الورع ، فدقّ الله من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه.
وصاحب الاستطالة والختل ، ذو خب وملق ، يستطيل على مثله من أشباهه ، ويتواضع للأغنياء من دونه ، فهو لحلوانهم هاضم ، ولدينه حاطم ، فأعمى الله على هذا خبره ، وقطع من آثار العلماء أثره.
وصاحب الفقه والعقل ، ذو كآبة وحزن وسهر ، قد تحنّك في برنسه ، وقام الليل في حندسه ، يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا ، مقبلا على شأنه ، عارفا بأهل زمانه ، مستوحشا من أوثق إخوانه ، فشدّ الله من هذا أركانه ، وأعطاه يوم القيامة أمانه » (١).
عنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى.
وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه.
جميعا عن حماد بن عيسى ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس ، قال :
سمعت أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « منهومان لا يشبعان ، طالب دنيا وطالب علم ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلّ الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلّها هلك ، إلّا أن يتوب أو يراجع ، ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا ، ومن أراد به الدنيا ، فهي حظّه » (٢).
عنه ، عن الحسين بن محمد بن عامر ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
« من أراد الحديث لمنفعة الدنيا ، لم يكن له في الآخرة نصيب ومن أراد به خير الآخرة ، أعطاه الله تعالى خير الدنيا والآخرة » (٣).
__________________
(١) الكافي ١ : ٤٩ ، باب النوادر ، الحديث ٥.
(٢) الكافي ١ : ٤٦ ، باب المستأكل بعلمه والمباهي به ، الحديث الأوّل.
(٣) الكافي ١ : ٤٦ ، باب المستأكل بعلمه والمباهي به ، الحديث ٢.
[ ح ] عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد الاصبهاني ، عن المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
« إذا رأيتم العالم محبّا لدنياه ، فاتّهموه على دينكم ، فإنّ كلّ محبّ لشيء ، يحوط ما أحبّ ».
وقال : « أوحى الله تعالى إلى داود عليهالسلام : لا تجعل بيني وبينك ، عالما مفتونا بالدنيا ، فيصدّك عن طريق محبّتي ، فإنّ اولئك قطّاع طريق عبادي المريدين [ إليّ ] ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم » (١).
عنه ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله عمّن حدّثه ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال :
« من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، فليبوّأ مقعده من النار ، إنّ الرئاسة لا تصلح إلّا لأهلها » (٢).
__________________
(١) الكافي ١ : ٤٦ ، باب المستأكل بعلمه والمباهي به ، الحديث ٤.
(٢) الكافي ١ : ٤٧ ، باب المستأكل بعلمه والمباهي به ، الحديث ٦.
فصل
[ من حقوق المعلّم على المتعلّم ]
وروينا بالإسناد السابق ، عن الشيخ المفيد محمد [ بن محمد ] بن النعمان عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه رحمهالله ، عن علي بن أحمد بن موسى الدقاق رضى الله عنه قال :
حدّثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي ، قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام قال :
« حق سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال إليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ولا تجب أحدا يسأله عن شيء حتّى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه أحدا ، ولا تغتاب عنده أحدا ، وأن تدافع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوا ، ولا تعادي له وليا ، فإذا فعلت ذلك ، شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته ، وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للناس.
وحقّ رعيّتك بالعلم ، أن تعلم أنّ الله عزوجل ، إنّما جعلك قيّما لهم فيما آتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر
عليهم زادك الله عزوجل من فضله ، وإن أنت منعت الناس علمك ، أو خرقت بهم عند طلبهم منك ، كان حقا على الله عزوجل أن يسلبك العلم وبهاءه ويسقط من القلوب محلّك » (١).
وبالإسناد عن المفيد ، عن أحمد بن محمد بن سليمان الزراري ، قال : حدّثنا مؤدبي علي بن الحسين السعدآبادي أبو الحسن القمي ، قال : حدّثني أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
كان علي عليهالسلام يقول : « إنّ من حقّ العالم ، أن لا تكثر عليه السؤال ، ولا تأخذ بثوبه ، وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلّم عليهم جميعا ، وخصّه بالتحية دونهم ، واجلس بين يديه ، ولا تجلس خلفه ، ولا تغمز بعينك ، ولا تشر بيدك ولا تكثر من القول : قال فلان وقال فلان ، خلافا لقوله. ولا تضجر بطول صحبته ، فإنّما مثل العالم مثل النخلة ، تنتظرها متى يسقط عليك منها شيء ، والعالم أعظم أجرا من الصائم القائم ، الغازي في سبيل الله ، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء إلى يوم القيامة » (٢).
__________________
(١) روضة الواعظين ١ : ٨ ، وبحار الأنوار ٢ : ٤٢.
(٢) المحاسن ١ : ٢٣٣ ، باب حق العالم ، الحديث ١٨.
فصل
[ وجوب العمل على العالم ]
ويجب على العالم العمل ، كما يجب على غيره ، لكنه في حق العالم آكد ، ومن ثمّ جعل الله تعالى ثواب المطيعات من نساء النبي صلىاللهعليهوآله ، وعقاب العاصيات منهنّ ضعف ما لغيرهن.
وليجعل له حظّا وافرا من الطاعات والقربات ؛ فإنّها تفيد النفس ملكة صالحة ، واستعدادا تاما لقبول الكمالات.
وقد روينا بالإسناد السالف وغيره ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن حماد بن عيسى ، عن عمر بن اذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليهالسلام ، يحدّث عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال ـ في كلام له ـ :
« العلماء رجلان. رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج ، وعالم تارك لعلمه فهذا هالك ، وإنّ أهل النار ليتأذّون من ريح العالم التارك لعلمه. وإنّ أشدّ أهل النار ندامة وحسرة ، رجل دعا عبدا إلى الله سبحانه فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله فأدخله الجنّة ، وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى وطول الأمل ، أمّا اتباع الهوى فيصدّ
عن الحقّ ، وطول الأمل ينسي الآخرة » (١).
وعن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد ابن سنان ، عن اسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
« العلم مقرون إلى العمل ، فمن علم عمل ، ومن عمل علم ، والعلم يهتف بالعمل. فإن أجابه [ يثبت في مقامه ] وإلّا ارتحل عنه » (٢).
وعنه ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن محمد القاساني ، عمّن ذكره ، عن عبد الله بن القاسم الجعفري ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
« إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته من القلوب ، كما يزلّ المطر عن الصفا » (٣).
وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن علي بن هشام بن بريد ، عن أبيه ، قال : جاء رجل إلى علي بن الحسين عليهالسلام ، فسأله عن مسائل فأجاب ، ثم عاد ليسأل عن مثلها ، فقال علي ابن الحسين عليهماالسلام :
« مكتوب في الإنجيل : لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعملوا بما علمتم ؛ فإنّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلّا كفرا ، ولم يزدد من الله إلّا بعدا » (٤).
وعنه ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، [ رفعه ]
__________________
(١) الكافي ١ : ٤٤ ، باب استعمال العلم ، الحديث الأوّل.
(٢) الكافي ١ : ٤٤ ، باب استعمال العلم ، الحديث ٢.
(٣) الكافي ١ : ٤٤ ، باب استعمال العلم ، الحديث ٣.
(٤) الكافي ١ : ٤٤ ـ ٤٥ ، باب استعمال العلم ، الحديث ٤.
قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام ـ في كلام خطب به على المنبر ـ :
« أيّها الناس إذا علمتم ، فاعملوا بما علمتم ، لعلّكم تهتدون ؛ إنّ العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله ، بل قد رأيت أنّ الحجة عليه أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه منها على هذا الجاهل المتحير في جهله ، وكلاهما حائر بائر. لا ترتابوا فتشكّوا ، ولا تشكّوا فتكفروا ، ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا ولا تدهنوا في الحقّ فتخسروا.
وإن من الحق أن تفقهوا ، ومن الفقه أن لا تغترّوا ، وإنّ أنصحكم لنفسه أطوعكم لربّه ، وأغشّكم لنفسه أعصاكم لربّه ، ومن يطع الله يأمن ويستبشر ، ومن يعص الله يخب ويندم » (١).
وعنه ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، عن آبائه عليهمالسلام قال :
جاء رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : يا رسول الله!! ما العلم؟ قال : « الإنصات ، قال : ثم مه يا رسول الله؟ قال : الاستماع ، قال : ثم مه؟ قال : الحفظ ، قال : ثم مه؟ قال : العمل به ، قال : ثم مه يا رسول الله؟ قال : نشره » (٢).
__________________
(١) الكافي ١ : ٤٥ ، باب استعمال العلم ، الحديث ٦.
(٢) الكافي ١ : ٤٨ ، باب النوادر ، الحديث ٤