معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

[ الفرع ] الثالث :

حوض الحمّام إذا عرض له نجاسة ، فحكمه كغيره في توقّف طهارته على حصول أحد الوجوه المذكورة. وحينئذ فلا بدّ في تطهيره ـ باجراء مادّته (١) عليه ـ من زيادتها على الكرّ بمقدار ما يتوقّف عليه صدق الامتزاج تقريبا (٢).

والسرّ في ذلك أنّ إجراء المادّة عليه إنّما يكون مع علوّها ، فالأجزاء التي تتّصل بالحوض منها (٣) تنفصل في الحكم عنها لخروجها عن المساواة كما عرفت ، فيتوقف عدم انفعالها بملاقاة ماء الحوض على كرّية ما قبلها ليتحقّق لها مادّة تمنع من انفعالها. وهكذا يقال في كلّ جزء يقع في الحوض قبل استهلاك ما به النجس ؛ فإنّ بقاءه على الطهارة مع إصابة النجس له يتوقّف على اتصاله بمادّة كثيرة.

وينبغي أن يعلم أنّ إطلاق العلّامة ـ طهارة الحوض بتكاثر المادّة على مائه وغلبتها عليه ، كما حكيناه سابقا ـ مقيّد عند التحقيق بما قلناه ؛ لأنّ كرّية المادّة وحدها معتبرة عنده ، فيجب أن يبقى على الكرّية ما بقي الحوض على النجاسة. وهو الّذي ذكرناه.

ولو فرض إجراء المادّة إليه متساوية (٤) ـ كما يتّفق في بعض البلاد من جعل موضع الاتصال في أسفل الحوض ، ويكون في الماء كثرة وعلوّ بحيث يجري بقوّة إلى الحوض ـ فالظاهر عدم الحاجة إلى الزائد عن مقدار الكرّ ، بل يكفي مجرّد

__________________

(١) في « ج » : باجراء مادّة عليه.

(٢) في « ج » : إنّما قال تقريبا لأنّ بعض الأجزاء التي لا يعلوها النجس في تنجيسها إشكال كما سبق إليه إشارة. وعلى ذلك فربّما يستغنى عن بعض ما ذكر في قدر المادة. تأمّل. منه رحمه‌الله.

(٣) في « أ » : ممّا تنفصل في الحكم عنها. في « ب » : منها منفصل في الحكم عنها.

(٤) في « ب » : مساوية.

١٦١

حصول الامتزاج بين المائين.

وعليك بامعان (١) النظر في هذه المباحث ؛ فإنّ كلام الأصحاب فيها غير منقّح ، والنصوص معدومة. وما ذكرناه فيها هو الذي أدّى إليه النظر ووصل إليه الفكر وما التوفيق إلّا بالله.

مسألة [٩] :

وفي طهر القليل باتمامه كرّا خلاف بين الأصحاب.

فذهب الشيخ في الخلاف ، وابن الجنيد من المتقدّمين ، والفاضلان ، والشهيدان وكثير من المتأخّرين إلى عدم حصول الطهارة به (٢).

وقال المرتضى في بعض مسائله : إنّه يطهر. وتبعه على ذلك جماعة من الأصحاب منهم سلّار وابن ادريس (٣). وهم بين : مصرّح بعدم الفرق بين إتمامه بطاهر ونجس ، وفارق بينهما فقصر الحكم بالطهارة على الإتمام بالطاهر ، ومطلق للحكم بحيث يتناول بظاهره الأمرين.

وممّن تبع المرتضى في هذا القول الشيخ علي من المتأخرين (٤).

ويحكى عن الشيخ ـ في المبسوط (٥) ـ التردّد.

__________________

(١) في « أ » : بإنعام النظر.

(٢) راجع الخلاف ١ : ١٩٤. وكلام ابن الجنيد في مختلف الشيعة ١ : ١٧٩. وشرايع الإسلام ١ : ١٢. وتحرير الأحكام ١ : ٤. وذكرى الشيعة ٩. وروض الجنان : ١٤٢.

(٣) راجع المراسم : ٣٦. والسرائر ١ : ٦٣.

(٤) رسائل المحقّق الكركي ١ : ٨٣.

(٥) المبسوط ١ : ٧.

١٦٢

والأصح الأوّل. لنا : إنّه ماء محكوم بنجاسته شرعا فيتوقّف الحكم بارتفاعها على الدليل ولم يثبت.

لا يقال : هذا تمسّك بالاستصحاب وقد نفيتم حجيّته.

لأنّا نقول : الاستصحاب المردود ـ على ما سبق بيانه ـ : هو ما يكون دليل الحكم المستصحب فيه مقيّدا بوقت ولا يعلم له رافع ، كاستصحاب مشروعيّة الصلاة للمتيمّم قبل وجود الماء إذا وجده في أثناء الصلاة ، لا ما يكون دليله متناولا لجميع الأوقات. وأنت تعلم أنّ ما دلّ على نجاسة القليل بالملاقاة من الأخبار ليس فيه تقييد بوقت.

لا يقال : إنّ العمدة في الأخبار على ما دلّ بمفهومه ، وقد مرّ أنه محتاج (١) إلى ضميمة الإجماع ـ على عدم الفصل بين أنواع النجاسات ـ إليه. ومن البيّن أنّ ما يستند في حكمه إلى الإجماع يكون من قبيل المقيّد ، لانتفاء الإجماع في الحالة التي هي محلّ الاختلاف.

لأنّا نقول : إنّ اعتبار الاجماع على عدم القول بالفصل يدفع هذا السؤال ؛ ضرورة أنّ الأخبار تفيد نجاسة الماء بقول مطلق من ملاقاة بعض النجاسات ، فيثبت (٢) مدّعانا فيه. وليس بالفصل بينه وبين غيره (٣) قائل (٤) ، فيكون الحكم في الباقي كذلك.

احتجّ المرتضى رضي‌الله‌عنه بوجهين : أحدهما : أنّ بلوغ الماء قدر الكرّ يوجب

__________________

(١) في « ب » : أنّه غير محتاج.

(٢) في « ب » : فثبت مدّعانا.

(٣) في « ب » : وليس بالفصل منه ومن غيره قائل.

(٤) في « ج » : وليس بالفصل بينه وبين غيره قابل.

١٦٣

استهلاكه للنجاسة فيستوي وقوعها قبل البلوغ وبعده. والثاني : أنّ الإجماع واقع على طهارة الماء الكثير إذا وجدت فيه نجاسة ، ولم يعلم هل كان وقوعها قبل بلوغ الكرّية أو بعده. وما ذاك إلّا لتساوي الحالين ؛ إذ لو اختصّ الحكم ببعديّة الوقوع لم يكن للحكم بالطهارة وجه ؛ لأنّه كما يحتمل تأخّره عن البلوغ يحتمل تقدّمه عليه.

واحتجّ ابن ادريس بالإجماع. وبقوله عليه‌السلام : « إذا بلغ الماء كرّا لم يحمل خبثا » ، وهو عامّ. وزعم أنّ هذه الرواية مجمع عليها عند المخالف والمؤالف. وبالعمومات الدالّة على طهارة الماء وجواز استعماله كقوله تعالى ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) وقوله ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) وقوله عليه‌السلام لأبي ذر : « إذا وجدت الماء فأمسه جسدك » ، وقوله عليه‌السلام : « أمّا أنا فلا اريد (١) أن احثوا على رأسي ثلاثة حثيات (٢) فإذا إنّي قد طهرت » (٣).

والجواب : أمّا عن احتجاج المرتضى رحمه‌الله فبأنّ الأوّل منه قياس ؛ لأنّ الذي دلّ عليه النصّ إنّما هو استهلاك النجاسة الواقعة بعد البلوغ ، فإلحاق المتقدّمة عليه بها محض القياس. على أنّ الفارق بينهما موجود ؛ فإنّ الماء في صورة التأخّر طاهر ، فإذا وقعت النجاسة فيه قوي على دفعها بطهوريّته ، وفي صورة التقدّم نجس. فعند اجتماعه يكون منقهرا (٤) بالنجاسة ، فلا قوّة له على دفعها.

والوجه الثاني ضعيف جدّا ؛ لأنّ الوجه في الحكم بالطهارة ـ في الفرض

__________________

(١) في « أ » : فلا ازيد.

(٢) في « ج » : حيثات.

(٣) السرائر : ١ : ٦٣ ـ ٦٦.

(٤) في « ب » : متغيرا بالنجاسة.

١٦٤

الذي ذكره ـ هو أصالة الطهارة السالمة عن معارضة يقين النجاسة ؛ إذ عدم العلم بتقدّم الوقوع وتأخّره يقتضي الشك في التقدّم الذي هو السبب في النجاسة ، فلا جرم تكون النجاسة مشكوكا فيها فلا تعارض يقين الطهارة.

وأمّا عن احتجاج ابن ادريس رحمه‌الله فبالمطالبة بإثبات الإجماع على وجه يصلح حجة ؛ إذ لا يكفي نقل مثله ممّن ظهر منهم في الإجماع ما أحوج إلى حمله على خلاف ظاهره الذي جرى عليه الاصطلاح ، كما سبق التنبيه عليه.

قال المحقق رحمه‌الله ـ بعد نقله الاحتجاج بالإجماع ـ : لم نقف على هذا في شي‌ء من كتب الأصحاب ، ولو وجد كان نادرا. بل ذكره المرتضى في مسائل متفرّدة. وبعده اثنان أو ثلاثة ممّن تابعه. ودعوى مثل هذا إجماعا غلط ؛ لأنّا (١) لسنا بدعوى المائة نعلم دخول الإمام فيهم ، فكيف بفتوى (٢) الثلاثة والأربعة (٣)؟! ».

والخبر الأوّل غير مرويّ في كتب الأخبار ، بل هو من الأحاديث المرسلة التي لا تعويل عليها ، ودعواه (٤) الإجماع على العمل بمضمونه من المخالف والمؤالف عجيبة.

قال المحقق رحمه‌الله في جوابه عنه : إنّا لم نروه مسندا ، والذي رواه مرسلا المرتضى رحمه‌الله والشيخ أبو جعفر ، وآحاد ممّن جاء بعده. والخبر المرسل لا يعمل به ، وكتب الحديث عن الأئمة عليهم‌السلام خالية عنه أصلا. وأمّا المخالفون فلم أعرف به عاملا سوى ما يحكى عن ابن حيّ ، وهو زيديّ منقطع المذهب ، وما رأيت

__________________

(١) في المعتبر : إذ لسنا.

(٢) في « ب » : فكيف نقوّي الثلاثة والأربعة.

(٣) المعتبر ١ : ٥٣.

(٤) في « ج » : ودعوى الإجماع.

١٦٥

أعجب ممّن يدّعي إجماع المخالف والمؤالف فيما لا يوجد إلّا نادرا ، فإذن الرواية ساقطة.

وأمّا أصحابنا فرووا عن الأئمة عليهم‌السلام : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء » ، وهذا صريح في أنّ بلوغه كرّا هو المانع لتأثّره بالنجاسة ، ولا يلزم ـ من كونه لا ينجّسه شي‌ء بعد البلوغ ـ رفع ما كان ثابتا فيه ، ومنجّسا قبله. والشيخ رحمه‌الله قال لقولهم عليهم‌السلام.

ونحن قد طالعنا كتب الأخبار المنسوبة إليهم فلم نر هذا اللفظ ، وإنّما رأينا ما ذكرناه (١) .. ولعلّ غلط من غلط في هذه المسألة لتوهّمه أنّ معنى اللفظين واحد (٢). انتهى كلامه رحمه‌الله. وهو واضح جيّد ليس عليه في تحقيق المقام مزيد.

وبقي الاحتجاج بالعمومات. وجوابه ظاهر ؛ لأنّها مخصوصة بالماء الطاهر قطعا. فإن ثبت طهارة المتنازع تناولته ، وإلّا فلا.

وممّا يستطرف هاهنا قول المحقّق في جوابه (٣) عن هذا الاحتجاج بمثل ما ذكرناه.

وهل يستجيز محصّل أن يقول النبيّ عليه‌السلام : احثوا على رأسي ثلاث حثيات ممّا يجتمع من غسالة البول والدم وميلغة الكلب؟!

واعلم أنّ اعتماد الشيخ علي في ترجيح هذا القول إنّما هو على الاستدلال

__________________

(١) في المعتبر : وإنّما رأينا ما ذكرناه وهو قول الصادق عليه‌السلام : إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء.

(٢) المعتبر ١ : ٥٢.

(٣) في « ب » : قوله المحقّق حيث أجاب عن هذا الاحتجاج.

١٦٦

بالحديث الأوّل ، حيث استضعف الطعن فيه ، وهو ضعف على ضعف (١).

مسألة [١٠] :

قد بيّنا أنّ المقتضي لتنجيس الكثير(٢) هو التغيّر لا غير. فإذا تغيّر أحد أوصافه بالنجاسة فلا يخلو : إمّا أن يستوعبه التغيّر أو لا. وبتقدير عدم الاستيعاب : إما أن يبلغ غير المتغيّر قدر الكرّ مجتمعا أو لا.

فعلى الأوّل والأخير ينجس الجميع ، ويطهّر بما مرّ في طريق تطهير القليل المتغيّر.

وعلى الوسط يختصّ التنجيس بالمتغيّر ويطهر بالتموّج والتمازج إن زال التغيّر معه ، وإلّا فبمطهّر غيره. ويجي‌ء على القول بطهارة القليل بالإتمام ـ وإن كان ينجس ـ طهارة المتغيّر بمجرّد زوال التغيّر ولو من نفسه ، أو من تصفيق الرياح ، أو من إلقاء أجسام طاهرة غير الماء ، أو لطول المكث. وقد صرّح بحصول الطهارة بذلك بعض من قال بطهر المتمّم.

واحتمل العلّامة رحمه‌الله في النهاية الاكتفاء بزوال التغيّر مع تصريحه بعدم الطهارة بالمتمّم. وعلّله بأنّ المقتضي للنجاسة هو التغيّر وقد زال. وضعفه بيّن (٣).

والحقّ أنّه لا بدّ من المطهّر إمّا مقارنا للزوال ، أو متأخّرا عنه حيث يحصل بغير (٤) المطهّر. وهذا كلّه ظاهر ممّا سلف تحقيقه فلا يحتاج إلى إعادة تفصيله.

__________________

(١) في « ب » : وهو ضعيف على ضعف. وفي « أ » : وهو ضعف.

(٢) في « ب » : لتنجيس الكرّ.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٢٥٩.

(٤) في « ب » : حيث يحصل تغيّر المطهّر.

١٦٧

فروع :

[ الفرع ] الأوّل :

قال العلّامة في التذكرة : « لو زال التغيّر عن القليل أو الكثير بغير الماء طهر بإلقاء الكرّ عليه وإن لم يزل به التغيّر لو كان. وفي طهارة الكثير لو وقع في أحد جوانبه كرّ علم عدم شياعه. فيه نظر » (١).

والحكم الأوّل جيّد. وفي النظر نظر ؛ لأنّه مصرّح في هذا الكتاب باشتراط الممازجة في حصول الطهارة. وقد حكينا ذلك عنه آنفا. والعجيب (٢) أنّه ليس بين هذا الفرع وبين ما ذكره في حوض الحمّام من عدم الاكتفاء بمجرد الاتصال إلّا أسطر قليلة ، وحكم الغديرين غير بعيد عنه أيضا ، وقد اعتبر فيه الممازجة ، فلا ندري ما وجه التوقّف هنا؟!

وعلى كلّ حال فالأظهر عدم حصول الطهارة بدونها.

[ الفرع ] الثاني :

إذا جمد الكثير لحق بالجامدات على الأصحّ ، فينجس بملاقاة النجاسة المحلّ الملاقي منه ، ويطهر باتّصال الكثير به بعد زوال العين إن كانت.

ولو القيت النجاسة وما يكتنفها أو موضع ملاقاتها ـ حيث لا عين لها ـ بقي ما عداه على الطهارة.

وقال العلّامة في المنتهى : « لو لاقت النجاسة ما زاد على الكرّ من الماء الجامد فالأقرب عدم التنجيس ما لم تغيّره. واحتجّ لذلك بأنّ الجمود لم يخرجه

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٦.

(٢) في « ب » و « أ » : والعجب.

١٦٨

عن حقيقته بل هو مؤكّد لثبوتها ؛ فإنّ الآثار الصادرة عن الحقيقة كلما قربت (١) كانت آكد في ثبوتها ، والبرودة من معلولات طبيعة الماء ، وهي تقتضي الجمود. وإذا لم يكن ذلك مخرجا له عن الحقيقة كان داخلا في عموم قوله عليه‌السلام : إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء » (٢).

وهذا الكلام ضعيف جدّا ؛ لأنّ الجمود يخرجه عن الاسم لغة وعرفا. ولا ريب أنّ الحكم بعدم انفعال مقدار الكرّ معلّق به ، فيزول بزواله وذلك ظاهر.

وقد استشكل الحكم في التحرير (٣) ورجع في النهاية (٤) عن هذا القول فاستقرب ما اخترناه.

[ الفرع ] الثالث :

إذا جمد القليل وقلنا بعدم خروج الجامد عن الحقيقة ـ كما حكيناه عن المنتهى ـ فهل يحكم بنجاسة جميعه نظرا إلى أنّه ماء قليل ، ومن حكمه انفعال جميع أجزائه بملاقاة النجاسة؟ أو يكون في حكم الجامدات فيختصّ التنجيس بموضع الملاقاة كما قلناه نحن في الكثير؟

استقرب في المنتهى الثاني ووجّهه بأنّ جموده يمنع من شياع النجاسة فيه

__________________

(١) في « أ » و « ج » : كلما قويت كانت آكد. وفي المنتهى : كلما قربت كان آكد.

(٢) منتهى المطلب ١ : ١٧٢.

(٣) قال في تحرير الأحكام : ١ : ٦ « ولو اتّصل بالثلج الكثير ماء قليل ووقع فيه نجاسة ففي نجاسته إشكال من حيث إنّه متّصل بالكرّ ، وإنّه متّصل بالجامد اتّصال مماسة لا ممازجة واتحاد ».

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٢٣٤.

١٦٩

فلا يتعدّى موضع الملاقاة ، بخلاف الماء القليل الذي يسري إلى جميع أجزائه (١). وهو حسن.

وتردّد في التحرير (٢). ولا وجه له.

وحينئذ فطريق تطهيره ما ذكرناه في الكثير.

[ الفرع ] الرابع :

قال في المنتهى : « لو وقع في الماء القليل المائع الملاصق لما زاد عن الكرّ من الثلج نجاسة ففي نجاسته نظر ؛ فإنّه يمكن أن يقال ماء متّصل بالكرّ فلا يقبل التنجيس ، ويمكن أن يقال ماء قليل متّصل بالجامد اتّصال مماسّة لا ممازجة واتّحاد ، فأشبه المتّصل بغير الماء في انفعاله عن النجاسة لقلّته (٣).

وتردّده هذا مبنيّ على ما ذهب إليه من عدم انفعال الجامد الكثير بالملاقاة كما عرفته ، وقد ظهر لك ضعفه.

فإذن الحقّ نجاسة ما هذا شأنه ، وينجس معه المحلّ الذي يتّصل به من الثلج.

وطريق تطهيره مركّب من طريقي تطهير القليل والجامد.

[ الفرع ] الخامس :

لو عرض الجمود للماء بعد النجاسة توقّف طهره على عوده مائعا ؛ لأنّ الظاهر امتناع مداخلة أجزاء المطهّر له بحيث يستوعب جميع أجزائه وفيها ما هو باق على الجمود ، وطهارته موقوفة على ذلك البحث.

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ١٧٢.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٦ ، الطبعة الحجرية.

(٣) منتهى المطلب ١ : ١٧٤.

١٧٠

[ البحث ] الثاني

في

ماء البئر

مسألة [١] :

اختلف علماؤنا في نجاسة البئر بالملاقاة ، فقال أكثرهم بها.

وذهب ابن أبي عقيل من المتقدّمين (١) ، والعلّامة (٢) رحمه‌الله وأكثر المتأخّرين إلى أنّه لا ينفعل بدون التغيّر. وعليه اعتمد والدي أخيرا بعد ذهابه في بعض كتبه إلى الأوّل.

والقولان للشيخ. وربما حكى عنه بعضهم القول بالنجاسة ، لكن لا يجب إعادة الوضوء الواقع منه ولا الصلاة ولا غسل ما لاقاه إذا حصلت هذه الامور قبل العلم بالنجاسة.

ونسب هذه الحكاية حاكيها إلى كتابي الحديث ، ثمّ حكم بسقوط هذا القول لمخالفته لأصول المذهب. والأمر كما قال. لكنّ الذي ظهر لي أنّ الحكاية وهم ؛ لأنّ كلام الشيخ لا يخلو عن ركاكة في التأدية توهم (٣) غير المتأمّل.

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ١٨٧.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٦٨ ، وتحرير الأحكام ١ : ٤ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٣٥.

(٣) في « أ » : يوهم غير المتأمّل.

١٧١

والذي فهمته من كلامه في الكتابين : أنّه يقول بعدم الانفعال بمجرّد الملاقاة ، لكنّه يوجب النزح ، فالمستعمل لمائها بعد ملاقاة النجاسة له وقبل العلم بها لا يجب عليه الإعادة أصلا ، سواء في ذلك الوضوء والصلاة وغسل النجاسات وغيرها. والمستعمل له بعد العلم بالملاقاة يلزمه إعادة الوضوء والصلاة ؛ لأنّه منهي عن استعماله قبل النزح. والنهي يفسد العبادة ، فيقع الوضوء فاسدا ، ويتبعه فساد الصلاة. وكذا غيرهما من العبادات المترتّبة على استعماله.

وهو وإن لم يذكر في كلامه غير الوضوء والصلاة إلّا أنّ تعليله يقتضيه.

وإنّما خصّ الوضوء والصلاة بالذّكر ؛ لأنّه ذكر الأخبار الدالّة على عدم وجوب إعادتهما حيث يكون الاستعمال قبل العلم بالنجاسة ، وأراد بيان عدم منافاتهما لما صار إليه من وجوب النزح. فراجع كلامه وتدبّره.

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ جمهور الذاهبين إلى انفعاله بالملاقاة لم يفرّقوا بين قليل الماء وكثيره.

وحكي عن الشيخ أبي الحسن محمد بن محمد البصروي القول باختصاص الانفعال بما نقص منه عن الكرّ ، فما يبلغه لا ينجس إلّا بالتغيّر.

والأقرب عندي أنّه لا ينجس بدون التغيّر مطلقا.

لنا الأصل. وما رواه الشيخ في الاستبصار عن محمّد بن اسماعيل في الصحيح عن الرضا عليه‌السلام قال : « ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ؛ لأنّ له مادة » (١).

ورواه في التهذيب عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع في الصحيح أيضا قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام فقال : « ماء البئر واسع » ،

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٣٣ ، الحديث ٨.

١٧٢

الحديث (١).

وروى في زياداته عن (٢) محمد بن اسماعيل في الصحيح أيضا عن الرضا عليه‌السلام قال : « ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلّا أن يتغيّر » (٣).

وما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة يابسة أو رطبة أو زنبيل من سرقين ، أيصلح الوضوء منها؟ فقال : « لا بأس » (٤).

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الفأرة تقع في البئر فيتوضّأ الرجل منها ويصلّي وهو لا يعلم. أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه؟ فقال : « لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه » (٥).

وفي الصحيح عنه أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦) قال سمعته يقول :

« ولا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة ممّا وقع في البئر إلّا أن ينتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر » (٧).

[ وهذا الحديث وصفه العلّامة في المنتهى بالصحّة وهو قريب وإن كان في طريقه حمّاد وهو اسم مشترك بين جماعة فيهم الثقة وغيره ؛ لأنّ الظاهر

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٤.

(٢) « عن » ، في « أ » ساقطة.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ١٢٥ ، الباب ١٤ ، الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١ : ١٢٧ ، الباب ١٤ ، الحديث ٨.

(٥) وسائل الشيعة ١ : ١٢٧ ، الباب ١٤ ، الحديث ٩.

(٦) في « أ » : وما رواه عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

(٧) وسائل الشيعة ١ : ١٢٧ ، الباب ١٤ ، الحديث ١٠.

١٧٣

إرادة أحد الثقتين منه أعني حمّاد بن عيسى وحمّاد بن عثمان وربما رجح الأوّل ] (١).

احتجّ القائلون بالنجاسة مطلقا بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد ابن اسماعيل بن بزيع ، قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء ، فيقطر فيها قطرات من بول أو دم ، أو يسقط فيها شي‌ء من عذرة ، كالبعرة أو نحوها ما الذي يطهّرها حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقّع عليه‌السلام في كتابي بخطّه : « ينزح منها دلاء » (٢). ولو كانت طاهرة لما حسن تقريره (٣) على السؤال.

وفي الصحيح عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن البئر يقع فيها (٤) الحمامة والدجاجة أو الفأرة أو الكلب أو الهرّة؟ فقال : « يجزيك أن تنزح منها دلاء فإنّ ذلك يطهّرها إن شاء الله » (٥).

ولو لم تكن نجسة لما كان لإسناد التطهير إلى النزح معنى.

وفي الصحيح عن عبد الله بن يعفور ، وعنبسة بن مصعب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا يغترف به فتيمّم بالصعيد الطيّب فإنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، ولا تقع في البئر

__________________

(١) ما بين المعقوفتين مأخوذ من نسخة « أ » فقط.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ١٣٠ ، الباب ١٤ ، الحديث ٢١.

(٣) في « ب » : من تقريره.

(٤) في « أ » و « ب » : فيه الحمامة.

(٥) الاستبصار ١ : ٣٧ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٥.

١٧٤

ولا تفسد على القوم ماءهم » (١). فلو لا أنّ الملاقاة توجب الانفعال لم يكن النزول في (٢) البئر مقتضيا لحصول الإفساد.

والجواب : أمّا عن الخبر الأوّل : فبأنّه وإن كان ظاهرا في حصول النجاسة باعتبار تقرير السائل ، إلّا أنّ معارضته بروايته السابقة في حجّتنا توجب المصير إلى الجمع أو الترجيح ، ولا ريب أنّ دلالة تلك أقوى من حيث الصراحة وتعدّد الجهة والتعليل ؛ فإنّه نفى فيها الإفساد عن ماء البئر من كلّ شي‌ء بدون التغيّر ، وهو شامل بعمومه لإفساد النجاسة إن لم يكن مرادا لخصوصه منه ؛ نظرا إلى قرينة الحال.

ثمّ علّق الطهارة مع التغيّر بالنزح إلى زواله ، وهو يدلّ على عدم تأثير الملاقاة ، وإلّا لكان الواجب فيما له مقدّر نزح أكثر الأمرين ممّا يزول به التغيّر ويستوفى به المقدّر ؛ لأنّ توقف الطهارة على نزح القدر مع عدم التغيّر يقتضي توقّفها عليه مع حصوله بطريق أولى ، فحيث يزول التغيّر قبل استيفائه يكون الإكمال متعيّنا.

فاكتفاؤه في الخبر بزوال التغيّر دليل واضح على أنّ التأثير للتغيّر لا غير ، وقد علم بذلك تعدّد جهة الدلالة.

وأمّا التعليل فظاهر.

وليس لرواية النجاسة هذه المزيّة كما لا يخفى. فتعيّن تأويلها إن أمكن وإلّا فاطراحها.

وليس بالبعيد أن يحمل (٣) الطهارة فيها على المعنى اللّغوي أعني النظافة ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ١٣٠ ، الباب ١٤ ، الحديث ٢٢.

(٢) في « ب » : إلى البئر.

(٣) في « ب » : تحمل.

١٧٥

ويراد بحلّ الوضوء منها زوال المرجوحية على استعمالها ؛ إذ لا ريب في رجحان النزح في الجملة فيكون الاستعمال فيه مرجوحا.

وأمّا عن الخبر الثاني : فباحتمال إرادة المعنى اللغوي من الطهارة فلا يدلّ على حصول النجاسة.

وقول بعض الأصحاب أنّ ثبوت الحقيقة الشرعيّة يمنع من الحمل على اللّغوية بتقدير تسليمه غير مجد ؛ لأنّ المعروف بينهم أنّ المعنى الشرعي للطهارة لا يتناول إزالة النجاسة.

على أنّ هذا الحديث لم يثبت عندي صحة سنده.

وأمّا عن الثالث : فبأنّ الإفساد أعمّ من النجاسة ، فلا دلالة للنهي عنه على حصولها. ومن الجائز أن يكون المراد به ما يترتّب على الوقوع من إثارة الطين ، والحمأة ، وتغيّر الماء ، مع حاجة النّاس إليه في الشرب.

وما قيل : من أنّ الإفساد وقع في حديثي الطهارة والنجاسة ـ فكلّما يقال على أحدهما يمكن إيراده على الآخر ـ فظاهر السقوط ؛ لأنّ الإفساد في خبر الطهارة عام ؛ لوقوعه في سياق النّفي فيتناول إفساد النجاسة بعمومه ، إذ هو خاصّ به كما ذكرناه ، بخلافه في حديث النجاسة ؛ فإنّ النهي عنه لا يدلّ على حصول جميع أنواعه ليشمل ما يكون منها بواسطة النجاسة ، بل إنّما يدلّ على حصوله في الجملة فيجوز أن يراد به ما يكون بغير النجاسة ، لا سيّما بقرينة الوقوع ، فلا يكون له دلالة على المدّعى ، وذلك ظاهر.

حجّة البصروي ـ على ما ذكره بعض الأصحاب ـ رواية الحسن بن صالح الثّوري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كان الماء في الرّكى (١) كرّا لم ينجّسه

__________________

(١) في « ب » : في الركوة.

١٧٦

شي‌ء » (١). والمراد بالرّكى الآبار.

واستدلّ له مع ذلك بعموم ما دلّ على اشتراط بلوغ الماء مقدار الكرّ في عدم انفعاله بالملاقاة.

والجواب عن الرواية : أنّها ضعيفة السند ، وعن الاحتجاج بالعموم :

أنّه مخصوص بخبر محمّد بن اسماعيل ؛ فإنّ تعليل عدم النجاسة بالملاقاة فيه بالمادّة يقتضي عدم الفرق بين القليل والكثير.

مسألة [٢] :

أكثر القائلين بعدم انفعال البئر بالملاقاة ذهبوا إلى استحباب النّزح.

وقال الشيخ بوجوبه ، بناء على القول بالطهارة ، وقد علمت أنّه (٢) الظاهر من مذهبه في كتابي الحديث. وتبعه على هذا القول العلّامة رحمه‌الله في المنتهى (٣). وحجتهم عليه الأخبار الكثيرة الواردة بالأمر به ، وهو للوجوب عندهم.

ويضعّف بأنّ تلك الأخبار وإن كانت كثيرة إلّا أنّ الغالب عليها الاختلاف ، والإجمال ، وضعف الأسناد ، وذلك أمارة الاستحباب ، إذ التساهل في الواجب بمثل هذا القدر غير معهود. وبأنّ الاكتفاء بمزيل التغيّر في خبر محمّد (٤) بن اسماعيل ابن بزيع ـ كما دلّ على عدم تأثير الملاقاة ـ دلّ على عدم وجوب النّزح. وإلّا فلا معنى لوجوب نزح القدر مع عدم التغيّر وعدمه معه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ١١٨ ، أبواب الماء المطلق ، الباب ٩ ، الحديث ٨.

(٢) في « أ » و « ب » : أنّ الظاهر.

(٣) في « ب » : في القواعد.

(٤) في « أ » و « ب » : في خبر ابن اسماعيل بن بزيع.

١٧٧

وأمّا القائلون بالانفعال بالملاقاة فجعلوا النّزح طريقا للتطهير مع الطرق المذكورة سابقا في تطهير الواقف ، على خلاف يأتي.

مسألة [٣] :

ينزح جميع الماء وجوبا أو استحبابا ـ على الخلاف ـ لموت البعير ولا نعرف في ذلك من الأصحاب مخالفا.

ويدلّ عليه ما رواه الشيخان : ( الكليني والطوسي ) عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا سقط في البئر شي‌ء صغير فمات فيها فانزح منها دلاء ». إلى أن قال : « وإن مات فيها بعير أو صبّ فيها خمر فلينزح » (١).

وسند هذا الحديث معتبر إلّا أنّ في بلوغه حدّ الصحة نظر ؛ لأنّ فيه محمّد ابن عبد الجبّار ، ولم يوثّقه غير الشيخ وتبعه العلّامة رضوان الله عليه ، وليس ذلك بكاف على ما مرّ بيانه في مسألة كمّية الكرّ.

واستدلّ له الشيخ في الاستبصار مع هذا الخبر بما رواه في الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن سقط في البئر دابّة صغيرة أو نزل فيها جنب نزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها ثور أو صبّ فيها خمر نزح (٢) الماء كلّه » (٣).

ووجه الدلالة فيه غير ظاهر. نعم رواه في التهذيب بزيادة يمكن الاحتجاج

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ١٣٢ ، أبواب الماء المطلق ، الباب ١٥ ، الحديث ٦. الكافي ٣ : ٦ ، الحديث ٧ ، وتهذيب الأحكام ١ : ٢٤٠ ، الحديث ٦٩٤ ، والاستبصار ١ : ٣٤ ، الحديث ٩٢.

(٢) في « ب » : نزح منها الماء كله.

(٣) الاستبصار ١ : ٣٤ ـ ٣٥.

١٧٨

بها ، ولعلّها سقطت من سهو القلم ؛ فإنّه قال فيه : وإن مات فيها ثور أو نحوه .. (١). وقد اختلفت حكاية الأصحاب له ، فنقله المحقّق (٢) في المعتبر بدون الزيادة ، والعلّامة حكاه بها في المنتهى والمختلف (٣).

ويمكن أن يقال : إنّ إيجاب نزح الجميع للثّور يقتضي إيجابه للبعير بطريق أولى ؛ لاشتراكهما في الطهارة والحل حال الحياة ، وثبوت النّجاسة بالموت ، وزيادة البعير بكبر الحجم ، وليس وراء نزح الجميع أمر آخر يمكن اعتباره للزيادة ، فيحتمل أن يكون نظر الشيخ إلى هذا في الاحتجاج بالخبر لا إلى الزيادة. هذا.

وروى الشيخ بسند لا يخلو من اعتبار عن عمر بن يزيد ، قال : حدّثني عمرو ابن سعيد بن هلال قال : سألت أبا جعفر عليهم‌السلام عمّا يقع في البئر .. إلى أن قال : حتّى بلغت الحمار والجمل ، فقال : « كرّ من ماء » (٤).

وحمله الشيخ على أنّه جواب عن حكم الحمار ، وأنّه عوّل في حكم الجمل على ما عرف من وجوب نزح الماء كلّه. وهذا حمل رديّ لا ينبغي التعويل عليه.

وردّه المحقّق في المعتبر : بأنّ الراوي وهو عمرو بن سعيد فطحيّ ، وتبعه على ذلك العلّامة في المنتهى ، والشهيد في الذكرى (٥). وهو وهم ؛ لأنّ الذي ذكر في بعض كتب الرجال من طريق ضعيف أنّه فطحيّ هو عمرو بن سعيد المدائني

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤١ ، الباب ١١ ، الحديث ٢٦.

(٢) المعتبر ١ : ٥٧.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٦٩ ، مختلف الشيعة ١ : ٢٠٩.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٥ ، الباب ١١ ، الحديث ١٠.

(٥) المعتبر ١ : ٥٨ ، منتهى المطلب ١ : ٦٩ ، ذكرى الشيعة : ١٠.

١٧٩

من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، وهذه الرواية عن الباقر عليه‌السلام ، والرّاوي لها عن عمرو ابن سعيد عمر بن يزيد ، وهو من أصحاب الصادق عليه‌السلام والكاظم عليه‌السلام ، فليس ذلك محلّ شكّ.

وعلى كلّ حال فالرّد باعتباره متوجّه ؛ لأنّه وإن لم يكن فطحيّا لكنّه مجهول (١) إذ لم يذكره غير الشيخ في كتاب الرجال ، مقتصرا على وصفه بالثّقفيّ الكوفيّ ، وعدّه في أصحاب الصادق عليه‌السلام وذلك يحقّق ما ذكرناه من المغايرة أيضا لو احتيج إليه.

مسألة [٤] :

وينزح الجميع لموت الثور ، وهو قول أكثر الأصحاب. ويعزى إلى البعض : الاقتصار على الكرّ.

وقال العلّامة رضوان الله عليه في المختلف : إنّ الشيخين وأتباعهما لم يذكروا حكمه ، لكنّهم أوجبوا نزح كرّ للبقرة (٢).

ونقل صاحب الصّحاح اطلاق البقرة على الذكر (٣). فيجب الكرّ حينئذ.

وأنت تعلم أنّ العرف الآن لا يوافق ما نقله صاحب الصّحاح (٤) ، وهو مقدّم على اللّغة ، ولكن لا نعلم تقدّمه بحيث يكون موجودا في عصرهم ، فلا يبعد ما ذكره رحمه‌الله ، مع أنّ عبارة المفيد في المقنعة ظاهرة في ذلك ـ إن لم يكن لفظ البقرة

__________________

(١) في « ب » : مجهول الحال.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٢٠٨.

(٣) الصحاح ٢ : ٥٩٤ ، طبعة دار العلم للملايين.

(٤) في « ب » : ما نقل عن صاحب الصحاح.

١٨٠