معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

(٤) : الأقوى عندي أنّه لا تجوز المبادرة إلى الحكم بالعموم قبل البحث عن المخصّص بل يجب التفحّص عنه حتّى يحصل الظنّ الغالب بانتفائه ، كما يجب ذلك في كلّ دليل يحتمل أن يكون له معارض احتمالا راجحا فإنّه جزئي من جزئيّاته.

الفصل الثالث : في ما يتعلّق بالمخصص ، وفيه (٤) اصول وخاتمة.

(١) : إذا تعقّب المخصّص متعدّدا ـ سواء كان جملا أو غيرها ـ وصحّ عوده إلى كلّ واحد كان الأخير مخصوصا قطعا. وهل يخصّ معه الباقي أو يختصّ هو به؟

والذي يقوى في نفسي أنّ اللفظ محتمل لكل من الأمرين لا يتعيّن لأحدهما إلّا بالقرينة.

(٢) : إذا تعقّب العام ضمير يرجع إلى بعض ما يتناوله فهل يكون تخصيصا له أو لا؟ أو يتوقّف؟ وهذا هو الأقرب عندي.

(٣) : لا ريب في جواز تخصيص العام بمفهوم الموافقة. وفي جوازه بما هو حجّة من مفهوم المخالفة خلاف والأكثرون على جوازه وهو الأقوى.

(٤) : لا خلاف في جواز تخصيص الكتاب بالخبر المتواتر. وأمّا تخصيصه بالخبر الواحد على تقدير العمل به فالأقرب جوازه مطلقا.

خاتمة : إذا ورد عام وخاص متنافيا الظاهر.

١ ـ فإن علم الاقتران وجب بناء العام على الخاصّ.

٢ ـ وإن تقدّم العام : فإن كان ورود الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعام كان نسخا له. وإن كان قبله يبنى على جواز تأخير بيان العام. فمن جوّزه جعله تخصيصا وبيانا له كالأوّل وهو الحقّ.

٣ ـ وإن تقدّم الخاص فالأقوى أن العام يبنى عليه أيضا.

١٠١

٤ ـ وإن جهل التأريخ فيعمل بالخاصّ أيضا.

المطلب الرابع : في المطلق والمقيّد والمجمل والمبيّن ، وفيه (٣) اصول.

(١) : إذا ورد مطلق ومقيّد :

فإن اختلف حكمهما فلا يحمل أحدهما على الآخر ـ اتفاقا ـ سواء كان الخطابان من جنس واحد أو لا وسواء اتّحد موجبهما أو اختلف.

وإن لم يختلف حكمهما :

فإن اتّحد موجبهما مثبتين فيحمل المطلق على المقيّد إجماعا.

وإن اتّحد موجبهما منفيين فيعمل بهما معا اتّفاقا.

وإن اختلف موجبهما فلا يحمل على المقيّد عندنا حينئذ.

(٢) : في بيان المجمل وأنواعه وجملة من المصاديق التي ادّعي فيها الإجمال.

وقال في الفائدة الثانية من الفوائد الثلاث : إنّ مثل « لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب » مما ينفى فيه الفعل ظاهرا مطلقا فإن ثبت كونه حقيقة شرعية في الصحيح من هذه الأفعال كان نفي المسمّى ممكنا باعتبار فوات الشرط أو الجزء ، وإن لم يثبت له حقيقة شرعية كما هو الظاهر فإن ثبت له حقيقة عرفية فمثله يقصد منه نفي الفائدة ، ولو فرض انتفاؤها فالظاهر أنّه يحمل على نفي الصحة دون الكمال ، ونفي الصحة أقرب من نفي الذات.

(٣) : لا خلاف بين أهل العدل في عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وأما تأخيره عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة فلا مانع منه.

المطلب الخامس : في الإجماع ، وفيه (٥) اصول.

(١) : الاجماع هو اتّفاق من يعتبر قوله من الامّة في الفتاوى الشرعية على

١٠٢

أمر من الامور الدينية. وهو ممكن وواقع وحجّة باعتبار كشفه عن الحجّة التي هي قول المعصوم. ويمتنع الاطلاع على حصول الاجماع عادة في زمانه من غير جهة النقل. وكلّ إجماع يدّعى في كلام الأصحاب ممّا يقرب من عصر الشيخ إلى زماننا هذا وليس مستندا إلى نقل متواتر أو آحاد حيث يعتبر أو مع القرائن المفيدة للعلم فلا بدّ من أن يراد به الشهرة.

(٢) : إذا اختلف أهل العصر على قولين لا يتجاوزونهما فلا يجوز إحداث قول ثالث.

(٣) : إذا لم تفصل الامّة بين مسألتين ، فإن نصّت على المنع من الفصل فلا إشكال. وإن عدم النصّ : فإن كان بين المسألتين علاقة بحيث يلزم من العمل بإحداهما العمل بالاخرى لم يجز الفصل وإن لم تكن بينهما علاقة فلا يجوز الفصل أيضا.

(٤) : إذا اختلف الإمامية على قولين ، فإن كانت إحدى الطائفتين معلومة النسب ولم يكن الإمام أحدهم كان الحقّ مع الطائفة الاخرى وإن لم تكن معلومة النسب فإن كان مع إحدى الطائفتين دلالة قطعية توجب العلم وجب العمل على قولها. وإن لم يكن مع إحداهما دليل قاطع فقد حكي التخيير ونسب طرح القولين إلى بعض الأصحاب. والذي يسهّل الخطب علمنا بعدم وقوع مثله.

وإذا اختلف الإمامية على قولين فيجوز بعد ذلك اتّفاقهما على قول واحد.

(٥) : يثبت الإجماع بخبر الواحد.

ولا بدّ لحاكي الإجماع من أن يكون علمه بإحدى الطرق المفيدة للعلم وإلّا وجب البيان.

وحكم الإجماع حيث يدخل في حيّز النقل حكم الخبر الواحد فيشترط في

١٠٣

قبوله ما يشترط هناك وحينئذ فقد يقع التعارض بين إجماعين منقولين وبين إجماع وخبر.

وقد استعمل بعض الأصحاب لفظ الإجماع في المشهور من غير قرينة على تعيين المراد ، فمن هذا شأنه لا يعتدّ بما يدّعيه من الإجماع ، إلّا أن يذهب ذاهب إلى مساواة الشهرة للإجماع في الحجّية.

المطلب السادس : في الأخبار ، وفيه (١٠) اصول.

(١) : الخبر متواتر وآحاد ، ولا ريب في إمكان المتواتر ووقوعه. وحصول العلم بالتواتر يتوقّف على اجتماع شرائط بعضها في المخبرين وبعضها في السامعين.

(٢) : خبر الواحد هو ما لم يبلغ حدّ التواتر وليس من شأنه إفادة العلم بنفسه نعم يفيده بانضمام القرائن إليه.

(٣) : وما عرى من خبر الواحد عن القرائن المفيدة للعلم يجوز التعبّد به عقلا والأقرب وقوع التعبّد به شرعا.

(٤) : شرائط العمل بخبر الواحد كلّها يتعلّق بالراوي : هي التكليف والإسلام والإيمان والعدالة والضبط.

والعدالة هي ملكة في النفس تمنعها من فعل الكبائر والإصرار على الصغائر ومنافيات المروّة.

(٥) : تعرف عدالة الراوي بالاختبار بالصحبة المؤكّدة والملازمة بحيث تظهر أحواله ويحصل الاطّلاع على سريرته حيث يكون ذلك ممكنا. ومع عدمه باشتهارها بين العلماء وأهل الحديث ، وبشهادة القرائن المتكثّرة المتعاضدة ، وبالتزكية من العالم بها. ولا يقبل في التزكية إلّا شهادة العدلين.

(٦) : يقبل الجرح والتعديل مجردين عن ذكر السبب حيث يعلم عدم المخالفة

١٠٤

فيما به تتحقق العدالة والجرح ومع انتفائه يكون القبول موقوفا على ذكر السبب.

(٧) : إذا تعارض الجرح والتعديل فإن كان مع أحدهما رجحان يحكم التدبر الصحيح باعتباره فالعمل على الراجح وإلّا وجب التوقّف.

فائدة : إذا قال العدل : حدّثني عدل ، لم يكتف في العمل بروايته على تقدير الاكتفاء بتزكية الواحد ، وكذا لو قال العدلان ذلك.

واعلم أنّ وصف جماعة من الأصحاب كثيرا من الروايات بالصحة من هذا القبيل لأنّه في الحقيقة شهادة بتعديل رواتها وهو بمجرده غير كاف في جواز العمل بالحديث بل لا بدّ من مراجعة السند والنظر في حال الرواة ليؤمن من معارضة الجرح.

(٨) : لا بدّ للراوي من مستند يصحّ له من أجله رواية الحديث ويقبل منه بسببه ، وهو في الرواية عن المعصوم نفسه ظاهر معروف.

وأمّا في الرواية عن الراوي فله وجوه أعلاها السماع من لفظه .. ودون ذلك القراءة عليه مع إقراره به وتصريحه بالاعتراف بمضمونه ، ودون ذلك إجازته رواية كتاب ونحوه ..

إنّ أثر الإجازة بالنسبة إلى العمل إنّما يظهر حيث لا يكون متعلّقها معلوما بالتواتر ونحوه ككتب أخبارنا الأربعة فإنّها متواترة إجمالا ، والعلم بصحّة مضامينها تفصيلا يستفاد من قرائن الأحوال ، ولا مدخل للإجازة فيه غالبا ، وإنّما فائدتها حينئذ بقاء اتّصال سلسلة الاسناد بالنبي والأئمة عليهم‌السلام وذلك أمر مطلوب مرغوب إليه للتيمّن كما لا يخفى .. غير أنّ رعاية التصحيح والأمن من حدوث التصحيف وشبهه من أنواع الخلل يزيد في وجه الحاجة إلى السماع ونحوه.

(٩) : يجوز نقل الحديث بالمعنى بشرط أن يكون الناقل عارفا بمواقع

١٠٥

الألفاظ وعدم قصور الترجمة عن الأصل في إفادة المعنى ومساواتها له في الجلاء والخفاء.

(١٠) : إذا أرسل العدل الحديث بأن رواه عن المعصوم ولم يلقه ـ سواء ترك ذكر الواسطة رأسا أو ذكرها مبهمة لنسيان أو غيره ـ كقوله عن رجل أو بعض أصحابنا .. ففي قبوله خلاف بين الخاصة والعامة. والأقوى عندي عدم القبول مطلقا.

تتمّة : ينقسم خبر الواحد باعتبار اختلاف أحوال رواته في الاتّصاف بالإيمان والعدالة والضبط وعدمها إلى أربعة أقسام :

١ ـ الصحيح.

٢ ـ الحسن.

٣ ـ الموثّق.

٤ ـ الضعيف.

المطلب السابع : في النسخ ،وفيه أصلان.

(١) : لا ريب في جواز النسخ ووقوعه ، وجمهور أصحابنا على اشتراطه بحضور وقت الفعل المنسوخ سواء فعل أم لم يفعل ، وهو الحقّ.

(٢) : يجوز نسخ كلّ من الكتاب والسنّة المتواترة والآحاد بمثله ولا ريب فيه ، ونسخ الكتاب بالسنّة المتواترة ، وهي به.

ولا ينسخ الكتاب والسنّة المتواترة بالآحاد ؛ لأنّ خبر الواحد مظنون وهما معلومان ولا يجوز ترك المعلوم بالمظنون.

أمّا الاجماع ففي جواز نسخه والنسخ به خلاف.

قال المحقق : والذي يجي‌ء على مذهبنا أنّه يصحّ دخول النسخ فيه بناء

١٠٦

على أنّ الاجماع انضمام أقوال إلى قول لو انفرد لكانت الحجّة فيه ، فجائز حصول مثل هذا في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. وهذا الكلام جيّد غير أنّه لا يترتّب عليه

فائدة مهمّة : معنى النسخ شرعا : هو الإعلام بزوال مثل الحكم الثابت بالدليل الشرعي بدليل آخر شرعي متراخ عنه على وجه لولاه لكان الحكم الأوّل ثابتا.

المطلب الثامن : في القياس والاستصحاب ، وفيه (٣) اصول.

(١) : القياس : هو الحكم على معلوم بمثل الحكم الثابت لمعلوم آخر لاشتراكهما في علّة الحكم .. فموضع الحكم الثابت يسمّى أصلا وموضع الآخر يسمّى فرعا والمشترك جامعا وعلّة وهي إمّا مستنبطة أو منصوصة.

وقد أطبق أصحابنا على منع العمل بالمستنبطة إلّا من شذّ .. وبالجملة فمنعه يعدّ من ضروريات المذهب.

وأمّا المنصوصة ففي العمل بها خلاف بينهم .. وقال المحقق : إذا نصّ الشرع على العلّة وكان هناك شاهد حال يدلّ على سقوط اعتبار ما عدا تلك العلّة في ثبوت الحكم جاز تعدية الحكم وكان ذلك برهانا .. والأظهر عندي ما قاله المحقق.

(٢) : إنّ تعدية الحكم في تحريم التأفيف إلى أنواع الأذى الزائد عنه من باب القياس وسمّوه بالقياس الجلي وأنكر ذلك المحقق وجمع من الناس ..

والحقّ ما ذكره بعض المحققين من أنّ النزاع هنا لفظي.

(٣) : اختلف الناس في استصحاب الحال. ومحلّه أن يثبت حكم في وقت ثم يجي‌ء وقت آخر ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم فهل يحكم ببقائه

١٠٧

على ما كان وهو الاستصحاب؟ أم يفتقر الحكم به في الوقت الثاني إلى دليل؟

فالمرتضى وجماعة من العامّة على الثاني ويحكى عن المفيد المصير إلى الأوّل وهو اختيار الأكثر واختار ( المحقق ) في المعتبر قول المرتضى وهو الأقرب.

المطلب التاسع : في الاجتهاد والتقليد ، وفيه (٨) اصول.

(١) : الاجتهاد هو استفراغ الفقيه وسعه في تحصيل الظنّ بحكم شرعي.

وقد اختلف الناس في قبوله للتجزئة بمعنى جريانه في بعض المسائل دون بعض وذلك بأن يحصل للعالم ما هو مناط الاجتهاد في بعض المسائل فقط فله حينئذ أن يجتهد فيها أو لا؟

والتحقيق عندي في هذا المقام : أنّ فرض الاقتدار على استنباط بعض المسائل دون بعض على وجه يساوي استنباط المجتهد المطلق لها غير ممتنع ، ولكن التمسّك في جواز الاعتماد على هذا الاستنباط بالمساواة فيه للمجتهد المطلق قياس لا نقول به.

(٢) : وللاجتهاد المطلق شرائط يتوقّف عليها ، وهي بالإجمال : أن يعرف جميع ما يتوقّف عليه إقامة الأدلّة على المسائل الشرعية الفرعية.

وبالتفصيل :

أن يعلم من اللغة ومعاني الألفاظ العرفية ما يتوقّف عليه استنباط الأحكام من الكتاب والسنّة ولو بالرجوع إلى الكتب المعتبرة ، ويدخل في ذلك معرفة النحو والصرف.

ومن الكتاب قدر ما يتعلّق بالأحكام بأن يكون عالما بمواقعها ويتمكّن عند الحاجة من الرجوع إليها ولو في كتب الاستدلال.

ومن السنة الأحاديث المتعلّقة بالأحكام بأن يكون عنده من الاصول

١٠٨

المصحّحة ما يجمعها ويعرف مواقع كل باب بحيث يتمكّن من الرجوع إليها.

وأن يعلم أحوال الرواة في الجرح والتعديل ولو بالمراجعة.

وأن يعرف مواقع الاجماع ليتحرز عند مخالفته.

وأن يكون عالما بالمطالب الاصولية من أحكام الأوامر والنواهي والعموم والخصوص إلى غير ذلك من مقاصده التي يتوقّف الاستنباط عليها. وهو أهمّ العلوم للمجتهد .. ولا بدّ أن يكون ذلك كلّه بطريق الاستدلال على كلّ أصل منها.

وأن يعرف شرائط البرهان لامتناع الاستدلال بدونه إلّا من فاز بقوّة قدسيّة تغنيه عن ذلك.

وأن يكون له ملكة مستقيمة وقوّة إدراك يقتدر بها على اقتناص الفروع من الاصول وردّ الجزئيات إلى قواعدها والترجيح في موضع التعارض.

وأمّا معرفة فروع الفقه فلا يتوقّف عليها أصل الاجتهاد ولكنها قد صارت في هذا الزمان طريقا يحصل به الدربة فيه ويعين على التوصّل إليه.

(٣) : اتّفق الجمهور من المسلمين على أنّ المصيب من المجتهدين المختلفين في العقليات التي وقع التكليف بها واحد وأنّ الآخر مخطئ آثم ؛ لأنّ الله تعالى كلّف فيها بالعلم ونصب عليه دليلا فالمخطئ له مقصّر فيبقى في العهدة.

وأمّا الأحكام الشرعية فإن كان عليها دليل قاطع فالمصيب فيها أيضا واحد والمخطئ غير معذور. وإن كانت مما يفتقر إلى النظر والاجتهاد فالواجب على المجتهد استفراغ الواسع فيها ولا إثم عليه قطعا بغير خلاف يعبأ به.

نعم اختلف الناس في التصويب فقيل : كلّ مجتهد مصيب .. وقيل إنّ المصيب فيها واحد .. وهو الأقرب إلى الصواب.

(٤) : لا ريب في تسمية أخذ المقلّد العامي بقول المفتي تقليدا في العرف ،

١٠٩

وهو ظاهر.

وأكثر العلماء على جواز التقليد لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد سواء كان عاميا أو كان عالما بطرف من العلوم.

(٥) : الحق منع التقليد في اصول العقائد.

(٦) : ويعتبر في المفتي الذي يرجع إليه المقلّد مع الاجتهاد : أن يكون مؤمنا عدلا. وفي صحة رجوع المقلّد إليه علمه بحصول الشرائط فيه : إمّا بالمخالطة المطّلعة ، أو بالأخبار المتواترة ، أو بالقرائن الكثيرة المتعاضدة أو بشهادة العدلين العارفين ، لأنّهما حجّة شرعية.

إنّ حكم التقليد مع اتّحاد المفتي ظاهر ، وكذا مع التعدّد والاتّفاق في الفتوى.

وأمّا مع الاختلاف فإن علم استواؤهم في المعرفة والعدالة تخيّر المستفتي ، وإن كان بعضهم أرجح في العلم والعدالة من بعض تعيّن عليه تقليده.

ولو ترجّح بعضهم بالعلم والبعض بالورع ، قال المحقق : يقدّم الأعلم ؛ لأنّ الفتوى تستفاد من العلم لا من الورع والقدر الذي عنده من الورع يحجزه عن الفتوى بما لا يعلم فلا اعتبار برجحان ورع الآخر ، وهو حسن.

(٧) : يجوز بناء المجتهد في الفتوى بالحكم على الاجتهاد السابق ، وإن كان الأولى استيناف النظر إن لم يكن ذاكرا لدليلها.

(٨) : لا يشترط مشافهة المفتي في العمل بقوله ، بل يجوز بالرواية عنه ما دام حيا. وهل يجوز العمل بالرواية عن الميت؟ ظاهر الأصحاب الإطباق على عدمه.

١١٠

الخاتمة

في التعادل والتراجيح

تعادل الأمارتين يقتضي التخيير في العمل بأحدهما.

وإنّما يحصل التعادل مع اليأس من الترجيح بكلّ وجه.

ولمّا كان تعارض الأدلّة الظنّية عندنا منحصرا في الأخبار لا جرم كانت وجوه الترجيح كلّها راجعة إليها وهي كثيرة :

منها الترجيح بالسند ويحصل بامور :

١ ـ كثرة الرواة.

٢ ـ رجحان راوي أحدهما في وصف يغلب معه ظنّ الصدق ، كالوثاقة والفطنة ، والورع والعلم والضبط.

٣ ـ قلّة الوسائط.

ومنها الترجيح باعتبار الرواية ، فيرجح المروي بلفظ المعصوم على المروي بمعناه.

ومنها الترجيح بالنظر إلى المتن وهو من وجوه :

١ ـ أن يكون لفظ أحد الخبرين فصيحا والآخر ركيكا بعيدا عن الاستعمال.

٢ ـ أن تتأكّد الدلالة في أحدهما.

٣ ـ أن يكون مدلول اللفظ في أحدهما حقيقيا وفي الآخر مجازيا.

١١١

٤ ـ أن تكون دلالة أحدهما على المراد منه غير محتاجة إلى توسيط أمر آخر.

ومنها الترجيح بالامور الخارجية ، وهي :

١ ـ اعتضاد أحدهما بدليل آخر.

٢ ـ عمل أكثر السلف بأحدهما.

٣ ـ مخالفة أحدهما للأصل وموافقة الآخر له.

٤ ـ أن يكون أحدهما مخالفا لأهل الخلاف والآخر موافقا.

١١٢

بداية قسم الفقه من

معالم الدين

وملاذ المجتهدين

الحسن بن زين الدين الجبعي العاملي

( ٩٥٩ ـ ١٠١١ ه‍ ق )

١١٣
١١٤

القسم الأوّل في العبادات ،

وفيه كتب

الكتاب الأوّل في الصلاة ،

وفيه ابواب

الباب الأوّل في مقدّماتها ،

وفيه مقاصد

المقصد الأوّل في الطهارة ،

وفيه ثلاثة مطالب

١١٥
١١٦

المطلب الأوّل

في المياه

وهي نوعان : مطلق ومضاف

ففيها مقامان

١١٧
١١٨

[ المقام ] الأوّل

في المطلق

١١٩
١٢٠