معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

للاحتجاج فهي متناولة للصورتين. وما ذكره من التعليل لطهارة غسالة الإناء جار بعينه في غسالة الثوب كما لا يخفى.

والحقّ أنّه إن كان على النجاسة دليل تعيّن المصير إليها ، ولا ينافيه الحكم بطهارة المحلّ إذ لا معنى للنجس إلّا ما أمر الشارع باجتنابه وإزالة أثره.

وأيّ بعد في أن يوجب الشارع اجتناب ما ينفصل من الغسالة عن الثوب والبدن والإناء ، ولا يوجبه في المتخلّف والباقي منها؟ وإن لم يكن هناك دليل فالأصل يقتضي براءة الذمّة من التكليف بالاجتناب ووجوب الإزالة في الجميع.

فالفروق التي تذكر كلّها ضعيفة لا تنفكّ عن علّة التحكّم (١).

ولو فرض اختصاص الدليل ببعضها لكان هو المقتضي للحكم فيجب التمسّك به فيه وإبقاء ما سواه على حكم الأصل.

إذا عرفت هذا فالتحقيق عندي في هذه المسألة أنّه ليس في النقل ما يمكن استفادة الحكم بالنجاسة فيها منه إلّا رواية العيص بن القاسم ، وقد احتجّ بها الشيخ في الخلاف ـ كما رأيت ـ لنجاسة الغسلة الاولى مع أنّه لا تقييد فيها ، ولذلك احتجّ غيره بها على النجاسة في الكلّ ، ولكنّي لم أقف عليها مسندة ؛ إذ لم أرها في كتب الحديث الموجودة الآن بعد التتبّع والاستقراء بقدر المجال ، وإنّما أوردها الشيخ في الخلاف وبعده المحقّق في المعتبر ، ثمّ العلّامة في المنتهى مرسلة عن العيص (٢). ولعلّ الشيخ أخذها من كتاب العيص حيث ذكر في الفهرست أنّ له كتابا (٣).

__________________

(١) في « ج » : كلّها ضعيفة لا تنفه عن علّة الحكم.

(٢) المعتبر ١ : ٩٠. ومنتهى المطلب ١ : ١٤٢.

(٣) الفهرست : ١٢١ ، الرقم ٥٣٦ ، منشورات الشريف الرضي.

٣٢١

وقال في التهذيب والاستبصار أنّه إذا ترك فيها بعض إسناد حديث يبدأ في المذكور منه باسم الرجل الذي أخذ الحديث من كتابه ، فعسى أن يكون نقله لها في الخلاف جاريا على تلك القاعدة. وطريقه في الفهرست إلى الكتاب المذكور حسن فيقرب أمر سندها. ويبقى الكلام في دلالتها.

والذي أراه أنّها محتملة في النجاسة لا ظاهرة ؛ لأنّ فيها إجمالا.

وذكر المحقّق في المعتبر بعد احتجاجه بها أنّ فيها ضعفا (١) ، وحينئذ فالخروج عن الأصل والتزام الفرق بين المتّصل والمنفصل ـ مع ما فيه من المخالفة للاعتبار المقرّر في حجّة الطهارة ـ من دون دليل واضح لا [ يخرج ] عن ربقة المجازفة ، غير أنّ في القول بالتنجيس احتياطا للدين غالبا.

فروع :

[ الفرع ] الأوّل :

إنّما يحكم بالتنجيس ـ على القول به ـ إذا كان ورود الماء في حال نجاسة المحلّ شرعا. فما يرد بعد الحكم بطهارته طاهر وإن بقي في المحلّ نداوة من أثر الغسل. وهذا هو الظاهر من عبارات الأصحاب القائلين بالتنجيس.

وربّما نسب إلى بعضهم القول بالنجاسة إذا ورد على المحلّ الطاهر وكان باقيا على رطوبته الحاصلة من غسله نجسا وإن تكرّر ذلك لا إلى نهاية ؛ محتجّا بأنّه ماء قليل لاقى نجاسة.

وقرّب بأنّ طهارة المنجّس بالقليل على خلاف الأصل المقرّر من نجاسة القليل بالملاقاة فيقتصر فيه على موضع الحاجة وهو المحلّ دون الماء.

وفساد هذا الكلام أظهر من أن يبيّن.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٩٠.

٣٢٢

ويحكى عن بعض المتأخّرين أنّه نسب هذا القول إلى الفاضلين ، وهو عجيب ؛ إذ ليس في كلامهما ما يحتمل ذلك منه ، وكيف يظنّ مثله لفاضل. وبالجملة فهذا القول بالإعراض عنه حقيق.

[ الفرع ] الثاني :

إذا قلنا بالتنجيس فالأظهر عدم إلحاق نجاسة الماء بنجاسة المحلّ في الحكم بل يكفي في التطهير من أثره الغسل مرّة واحدة مطلقا. وبه صرّح بعض مشايخنا المعاصرين.

ويذكر للأصحاب في ذلك خلاف وإنّ منهم من جعل حكمه حكم المغسول به ، فإن كان ممّا يجب له أيضا كمال التعدّد وجب فيه أيضا كمال العدد.

ومنهم من جعله كالمحلّ قبل الغسلة التي هو من مائها ، فإن كان من الاولى فتمام العدد ، وإن كان من الثانية فيما له ثنتان فواحدة ، وهكذا.

وهذا القول ذهب إليه الشهيد في بعض كتبه (١) وتبعه عليه جماعة من المتأخّرين.

وكلا القولين عندي ضعيف ؛ لعدم الدليل على شي‌ء منهما.

[ الفرع ] الثالث :

ادّعى المحقّق في المعتبر(٢) والعلّامة في المنتهى(٢) الإجماع على أنّ هذا الماء ـ وإن قيل بطهارته ـ لا يرتفع به الحدث ، وكذا غيره ممّا تزال به النجاسة.

واحتجّا لذلك مع الإجماع برواية عبد الله بن سنان السابقة في حجّة

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٩.

(٢) المعتبر ١ : ٨٦.

(٣) منتهى المطلب ١ : ١٤٢.

٣٢٣

القائلين بالتنجيس.

وظاهر كلام الشهيد في الدروس أنّ بجواز رفع الحدث به قائلا (١) حيث عدّ في الأقوال ـ عند حكاية الخلاف فيه ـ القول بأنّه كرافع الأكبر ، والقول بطهارته إذا ورد على النجاسة وجعلهما قولين. ولا معدل عن الإجماع بعد نقل المحقّق له.

[ الفرع ] الرابع :

قال العلّامة في المنتهى إذا غسل الثوب من البول في إجّانة ـ بأن يصبّ عليه الماء ـ فسد الماء وخرج من الثانية طاهرا اتّحدت الآنية أو تعدّدت (٢).

واحتجّ لطهارة الثوب حينئذ بوجهين :

أحدهما : أنّه قد حصل الامتثال بغسله مرّتين فيكون طاهرا ، وإلّا لم يدلّ الأمر على الإجزاء.

الثاني : ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال : اغسله في المركن (٣) مرّتين ، فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة » (٤).

وقد يستشكل حكمه بطهارة الثوب مع الحكم بفساد الماء المجتمع تحته في الإجّانة لا سيّما بعد ملاحظة ما تقدّم في الاعتراض على حجّة القائلين بالطهارة من أنّ الماء إنّما ينجس بانفصاله عن المحلّ المغسول ، فإنّ هذا الكلام

__________________

(١) الدروس الشرعيّة ١ : ١٢٢.

(٢) منتهى المطلب ١ : ١٤٦ ، الإجّانة : إناء تغسل فيه الثياب. المنجد.

(٣) المركن : الإجّانة ونحوها لغسل الثياب وسوى ذلك. المنجد.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٥٠ ، الحديث ٧١٧.

٣٢٤

أوّل من ذكره فيما رأينا ونقله الأصحاب العلّامة في المختلف (١) ، ومن المعلوم أنّ الماء هنا ـ بعد انفصاله من الثوب المغسول ـ يلاقيه في الإناء. واللازم ممّا ذكر تنجيسه له.

ويحلّ هذا الإشكال بأنّ المراد بالانفصال خروجه عن الثوب أو الإناء المغسول فيه ويتمسّك في تنزيل الاتّصال (٢) الحاصل باعتبار الإناء منزلة ما يكون في نفس المغسول بالحديث الذي ذكره.

ولا يخفى عليك أنّ هذا التكلّف إنّما يحسن ارتكابه مع قيام الدليل الواضح على نجاسة الغسالة وإلّا فظاهر الرواية يدلّ على عدم النجاسة ، ويؤيّد القول به.

وينبغي أن يعلم أنّ في طريق هذه الرواية السندي ابن محمّد ولم أر توثيقه إلّا للنجاشي (٣) ، وبعده العلّامة في الخلاصة (٤). وقد بيّنا الحال في مثله مرارا.

[ الفرع ] الخامس :

قد عرفت أنّ محلّ الخلاف بين الأصحاب هنا إنّما هو الماء الذي لم يتغيّر بالنجاسة عند الاستعمال ، فلو تغيّر بها نجس اتّفاقا. والمعتبر من التغيّر هو الحاصل في أحد أوصافه الثلاثة كغيره.

واستقرب العلّامة في النهاية إجراء زيادة الوزن فيه مجرى التغيّر (٥) ، فلو غسلت به النجاسة فازداد وزنه فكالمتغيّر وهو بعيد ، ولا نعلم له فيه موافقا.

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ٢٣٧.

(٢) في « أ » : ويتمسّك في تنزيل الايصال الحاصل.

(٣) رجال النجاشي : ١٨٧ ، الرقم ٤٩٧ ، طبعة جماعة المدرسين.

(٤) خلاصة الأقوال : ٨٢.

(٥) نهاية الإحكام ١ : ٢٤٤.

٣٢٥

وعلى كلّ حال فنحن نطالبه بالدليل عليه.

مسألة [٢] :

لا نعرف خلافا بين الأصحاب في العفو عن ماء الاستنجاء إذا لم تغيّره النجاسة فلا يجب غسل ما يصيبه من ثوب أو غيره.

نعم ذكر المحقّق في المعتبر أنّ مذهب الشيخين طهارته ، وأنّ كلام علم الهدى ليس بصريح في الطهارة حيث قال في المصباح : لا بأس بما ينتضح من ماء الاستنجاء على الثوب والبدن (١). ولكنّه صريح في العفو.

وأجمل المحقّق كلامه في ذلك فهو محتمل للقولين. وربّما كان احتمال القول بالطهارة فيه أظهر. وقد كثر في كلام المتأخّرين نسبة القول بالعفو إليه ولا وجه له.

والعجب أنّ الشهيد في الذكرى حكى عنه أنّه قال : ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة وإنّما هو بالعفو. ثمّ قال الشهيد : ولعلّه أقرب لتيقّن البراءة بغيره (٢).

وهذه الحكاية وهم ظاهر ؛ فإنّ المحقّق حكى عن الشيخين صريحا القول بالطهارة. وإنّما ذكر هذا الكلام عند نقله لعبارة علم الهدى كما ذكرناه عنه.

ولا يخفى أنّ ثمرة هذا الخلاف إنّما تظهر في استعماله ثانيا في إزالة الخبث أو في (٣) التناول ؛ فإنّ رفع الحدث به وبأمثاله ، وقد سبق نقل الإجماع على

__________________

(١) المعتبر ١ : ٩١.

(٢) ذكرى الشيعة : ٩.

(٣) في « ب » : في إزالة الخبث لا في التناول.

٣٢٦

منعه. والكلّ متّفقون على أنّه لا ينجس ما يلاقيه ولا يجب غسل ما يصيب الثوب والبدن وغيرهما منه وذلك في الحقيقة ثمرة هيّنة فالمهمّ إنّما هو إثبات أصل الحكم.

والدليل عليه الأصل ؛ فإنّ وجوب التحرّز عنه تكليف والأصل يقتضي براءة الذمّة منه.

وما رواه المشايخ : الكليني والصدوق والطوسي في الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب عن محمّد بن النعمان الأحول في الحسن قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخرج من الخلا فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال : لا بأس به » (١).

وزاد في متن من لا يحضره الفقيه : « ليس عليك شي‌ء » (٢).

وما رواه الشيخ عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به (٣) أينجّس ذلك ثوبه؟

فقال : لا » (٤).

وعن محمّد بن النعمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له أستنجي ثمّ يقع ثوبي فيه وأنا جنب فقال عليه‌السلام : لا بأس به » (٥).

وطريق هاتين الروايتين جيّد لكنّه لا يبلغ عندي حدّ الصحيح.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٨٥ ، الحديث ٢٢٣. الكافي ٣ : ١٣ ، الحديث ٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٦٢.

(٣) في « أ » و « ب » : الذي يستنجي به.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٨٦ ، الحديث ٢٢٨.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٨٦ ، الحديث ٢٢٧.

٣٢٧

وكيف كان فانضمام هذه الأخبار إلى الأصل مع ملاحظة عدم العموم في المفهوم الدالّ على نجاسة القليل مضافا إلى عدم ظهور مخالف في ذلك من الأصحاب زيادة عن قدر الحاجة في هذا المقام.

وممّا قرّرناه يظهر ضعف القول بالعفو ، وأنّ المتّجه كونه طاهرا. وسيأتي في البحث عن المستعمل في رفع الحدث ما إذا عطف إلى هنا يصلح دليلا على مساواة هذا الماء لغيره في جواز الاستعمال ثانيا إلّا في رفع الحدث ، لما علم من نقل الإجماع على المنع منه.

فروع :

[ الفرع ] الأوّل :

لا فرق في هذا الحكم بين المخرجين ؛ لصدق الاستنجاء في كلّ منهما ، ولا بين تعدّي النجاسة المخرج وعدمه ، إلّا أن يتفاحش بحيث يخرج به عن مسمّى الاستنجاء ، ولا بين سبق الماء اليد (١) وسبقها إيّاه.

ويعزى إلى بعض الأصحاب اشتراط سبقه وهو ضعيف ؛ لأنّ وصول النجاسة إليها لازم على كلّ حال. هذا إذا كان اتّصال النجاسة بها من حيث جعلها آلة للغسل ، فلو اتّفق غرض آخر (٢) كان في معنى النجاسة الخارجيّة.

[ الفرع ] الثاني :

لو لاقى الماء نجاسة خارجة عن المخرج كالملقى على الأرض أو عن حقيقة أحد الحدثين كالدم المستصحب لأحدهما زالت الخصوصيّة وصار كغيره.

__________________

(١) في « ب » : ولا بين سبق الماء إليه وسبقها إيّاه.

(٢) في « أ » و « ب » : فلو اتّفق لغرض آخر.

٣٢٨

وكذا لو كان الخارج من أحد المخرجين غير الحدثين من النجاسات لعدم صدق الاستنجاء معه.

ولو انفصل مع الماء أجزاء من النجاسة المتميّزة فكالخارجيّة (١) إن لاقته بعد مفارقتها المحلّ.

صرّح بذلك كلّه جمع من الأصحاب. وربّما كان للنظر في بعضه مجال.

[ الفرع ] الثالث :

قال الشهيد في الذكرى : إذا زاد وزنه ـ يعني ماء الاستنجاء ـ اجتنب (٢).

وهذا الكلام يضاهي قول العلّامة الذي حكيناه عن نهايته في مطلق الغسالة (٣).

وظاهر هذه العبارة : أنّ زيادة الوزن سبب لوجوب الاجتناب عنده. وقد حكى عنه جماعة من المتأخّرين : أنّه جعل عدم زيادة الوزن شرطا للعفو عنه.

والظاهر أنّ بين الحكمين فرقا ؛ فإنّ ظاهر الأوّل توقّف الحكم بالاجتناب على العلم بزيادة الوزن وبدونه يكون معفوّا عنه. ولعلّه لا يرى وجوب التفحّص عن حصول السبب فيحكم بالعفو عنه إلى أن يعلم وجوده.

ومقتضى الثاني توقّف الحكم بالعفو على انتفاء الزيادة. ولازم ذلك : الحكم بالاجتناب حتّى يعلم وجود الشرط أعني عدم الزيادة. وهذا المعنى لا يليق أن ينسب القول به إلى مثله ؛ إذ من البيّن أنّ الحكمة في العفو عن هذا الماء

__________________

(١) في « أ » و « ب » : أجزاء من النجاسة متميّزة فكالخارجة.

(٢) ذكرى الشيعة : ٩.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٢٤٤.

٣٢٩

هي دفع العسر (١) والمشقّة الحاصلين من التكليف بالتحرّز عنه ، ولا شكّ أنّ التكليف بملاحظة الوزن أشدّ مشقّة وأكثر كلفة ، وذلك مع التزام وزنه قبل الاستعمال وبعده. ومع عدمه لا سبيل إلى العلم بحصول الشرط غالبا فينتفي العفو في الأغلب ، وذلك مناف لمقتضى الحكمة. وبالجملة فبطلان هذا الاحتمال في غاية الظهور.

وحيث إنّ عبارته ليست بظاهرة فيه فينبغي أن تحمل على إرادة المعنى الأوّل ؛ فإنّ له في الجملة وجه صحّة لكنّه ضعيف أيضا لعدم الدليل عليه كما أشرنا إليه في نظيره من كلام العلّامة.

مسألة [٣] :

الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأصغر طاهر مطهّر.

لا نعلم في ذلك خلافا لأحد من الأصحاب. وحكى العلّامة في المنتهى إجماعهم عليه (٢). وقال المحقّق في المعتبر : أنّه مذهب فقهائنا وأنّه لم يعلم فيه خلافا (٣).

والدليل على طهارته الأصل ؛ فإنّ الحكم بالتنجيس يتضمّن التكليف المخالف لأصالة البراءة كما هو ظاهر.

وعلى كونه مطهّرا أنّ الاستعمال لا يخرجه عن الإطلاق قطعا فيدخل في عموم الأدلّة الدالّة على استعمال الماء المطلق في إزالة الخبث ورفع الحدث.

__________________

(١) في « ب » : أنّ الحكمة في العفو عن هذا الماء في رفع العسر.

(٢) منتهى المطلب ١ : ١٢٨.

(٣) المعتبر ١ : ٨٥.

٣٣٠

ويؤيّد ذلك ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل ، إلى أن قال : وأمّا الذي يتوضّأ الرجل فيغسل به وجهه ويده في شي‌ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ به » (١).

وعن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا توضّأ أخذ ما يسقط من وضوئه فيتوضون به » (٢).

مسألة [٤] :

والمستعمل في رفع الأكبر طاهر أيضا ، وعليه إجماع الأصحاب حكاه المحقّق والعلّامة (٣).

واحتجّوا له مع ذلك بأنّ التنجيس مستفاد من دلالة الشرع ، وحيث لا دلالة فلا تنجيس ، وهو واضح.

وفي جواز رفع الحدث به ثانيا خلاف بينهم.

فذهب إليه المرتضى وأبو المكارم ابن زهرة وكثير من المتأخّرين كالفاضلين والشهيدين (٤).

ونفاه الصدوقان والشيخان (٥). ونسبه في الخلاف إلى أكثر أصحابنا (٦) ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٢١ ، الحديث ٦٣٠.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٢١ ، الحديث ٦٣١.

(٣) المعتبر ١ : ٨٦. ومنتهى المطلب ١ : ١٣٣ و ١٣٤.

(٤) البيان : ١٠٢ ، وروض الجنان :.

(٥) منتهى المطلب ١ : ١٣٣. والخلاف ١ : ١٧٢. والمقنعة : ٩.

(٦) في « ب » : أكثر الأصحاب.

٣٣١

واستوجهه المحقّق في المعتبر للتّفصي عن الاختلاف والأخذ بالاحتياط (١). وصرّح في بعض تصانيفه (٢) باختيار الأوّل وهو الأقرب.

لنا نظير ما ذكر في رافع الأصغر ؛ فإنّ الاستعمال إذا لم يخرجه عن الإطلاق تناولته العمومات كقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) ، وذلك لأنّه علّق تسويغ التيمّم على عدم وجدان الماء فينتفي مع وجوده وهو صادق على المتنازع فيه ، فيدخل تحت العموم. وهكذا يقال في غير هذه الآية من أدلّة استعمال الماء.

ويؤيّد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنفع أيغتسل منه للجنابة أو يتوضّأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره ، والماء لا يبلغ صاعا للجنابة ولا مدّا للوضوء وهو متفرّق كيف يصنع وهو يتخوّف أن يكون السباع قد شربت منه؟ فقال : « إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفّا من الماء إلى أن قال : فإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه فإنّ ذلك يجزيه ».

حجّة القول الآخر وجهان :

الأوّل : الأخبار الكثيرة كرواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضّأ به

__________________

(١) في « أ » و « ب » : من الاختلاف. راجع المعتبر ١ : ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) الاستبصار ١ : ٢٨ ، الحديث ٧٣.

٣٣٢

وأشباهه » (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام قال : « سألته عن ماء الحمّام فقال : ادخله بإزار ولا تغتسل من ماء آخر إلّا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا تدري فيهم جنب أم لا » (٢).

ورواية حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الأوّل ، قال : « سألته أو سأله غيري عن الحمّام؟ قال : ادخله بمئزر وغضّ بصرك ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام ، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم » (٣).

الثاني : أنّه ماء لا يقطع بجواز استعماله في الطهارة فلا يتيقّن معه رفع الحدث والأصل يقتضي بقاءه حيث يقع الشكّ في الرفع فيبقى في العهدة.

والجواب عن الأوّل : أنّ الروايات كلّها لا تخلو من ضعف في السند أو قصور في الدلالة.

فالرواية الاولى والأخيرة ضعيفتا السند. والوسطى وإن صحّ سندها لكنّها ليست بواضحة الدلالة ؛ لتضمّنها عدم استعمال ماء الحمّام إذا كثر الناس فيه ولم يعلم هل فيهم جنب أو لا.

والاتّفاق واقع على أنّ الشكّ في حصول المقتضي غير موجب للمنع فتكون الرواية مصروفة عن الظاهر مرادا بها مرجوحيّة الاستعمال حينئذ. ولا ريب فيه ؛ فإنّ استعمال غير المستعمل أولى وأرجح.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٢١ ، الحديث ٦٣٠.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٣٧٩ ، الحديث ١١٧٥.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٣٧٣ ، الحديث ١١٤٤.

٣٣٣

ولئن قيل : إذا دعت الضرورة إلى الخروج عن الظاهر في صورة الشكّ فلم خرجتم عنه في صورة العلم بوجود الجنب وقد تضمّنت الرواية الأمرين فيراد منها الحقيقة والمجاز بالاعتبارين.

لقلنا : إنّ التعلّق بمثل هذا التكلّف إنّما يتوجّه لو كانت الرواية ظاهرة في المدّعى من غير هذا الوجه ، والأمر على خلاف ذلك.

أمّا أوّلا فلأنّ عدم الاغتسال من ماء الحمّام مع مباشرة الجنب له إنّما أفاده فيها استثناؤه عن النهي عن الاغتسال بماء آخر وهو أعم من الأمر به ؛ إذ يكفي في رفع النهي الإباحة.

وأمّا ثانيا فلأنّ الاغتسال فيها مطلق بحيث يصلح لإرادة رفع الحدث وإزالة الخبث. وستعلم أنّ المانعين من رفع الحدث به قائلون بجواز استعماله في إزالة الخبث فلا بدّ من التأويل بالنظر إليه فيضعف الدلالة ويشكل الخروج عن ظواهر العمومات بمجرّد ذلك.

هذا كلّه على تقدير كون المراد من ماء الحمّام فيها ما لا مادّة له وليس ببالغ حدّ الكثير ، على ما فهمه الشيخ وجعله وجها للجمع بينهما وبين ما دلّ على عدم انفعال ماء الحمّام بقول مطلق (١) ، ومن جملته :

صحيحة محمّد بن مسلم : قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره ، أغتسل من مائه؟ قال : نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب ».

الحديث (٢).

ولا يخفى عليك أنّ الماء وقع في هذه الرواية مطلقا واريد منه مع ذلك

__________________

(١) النهاية ونكتها ١ : ٢٠٣.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٣٧٨ ، الحديث ١١٧٢.

٣٣٤

ما يكون له مادّة فلا يبعد إرادة مثله من الرواية الاخرى أيضا ؛ لأنّ صورة اللفظ فيهما واحدة.

ووجه الجمع حينئذ يعلم ممّا قرّرناه.

وعلى هذا ينتفي وجه الاستدلال بها في محلّ النزاع رأسا.

وعن الثاني أنّ الأدلّة الدالّة على جواز استعمال الماء المطلق متناولة لموضع النزاع ـ كما قلناه ـ فلا معنى للشكّ في حصول الرفع به. كيف! وهو مدلول الظواهر التي يجب العمل بها. فإن كان المراد بالقطع بجواز الاستعمال ما يحصل عن مثلها فانتفاؤه ممنوع. وإن اريد غيره فاعتباره مردود.

وبالجملة فلا بأس بالاحتياط بالمنع غالبا. وإن كان الجواز أقرب إلى التحقيق.

فروع :

[ الفرع ] الأوّل :

موضع الخلاف هنا هو الماء الذي يغتسل به المحدث الخالي بدنه عن نجاسة خبثيّة.

فلو كان البدن متنجّسا كان حكم الماء المتساقط عن المحلّ النجس منه حكم المستعمل في إزالة الخبث.

ولعلّ الأخبار الواردة بالنهي عن استعمال ما يغتسل به الجنب ناظرة إلى ما هو الغالب من عدم انفكاكه من بقايا آثار المنيّ. وقد سبق في البحث عن اغتساله في البئر ما يرشد إلى ذلك أيضا.

[ الفرع ] الثاني :

حكى العلّامة رحمه‌الله في المنتهى ، وولده فخر المحقّقين في شرحه إجماع الأصحاب على جواز إزالة النجاسة بالمستعمل في رفع الحدث الأكبر ، إلّا أنّه في المنتهى اقتصر على المستعمل في غسل الجنابة. وكأنّه على سبيل التمثيل

٣٣٥

لا الحصر (١).

واحتجّ له مع ذلك في المنتهى بأنّ الإطلاق موجود فيه والمنع من رفع الحدث به عند بعض الأصحاب لا يوجب المنع من إزالة النجاسة ، لأنّهم إنّما قالوا به هناك لعلّة لم توجد في إزالة الخبث. فإن صحّة تلك العلّة ظهر الفرق وبطل الإلحاق ، وإلّا حكموا بالتساوي في البابين ، كما قلناه ، وهو حسن.

وقد أنكر بعض المتأخّرين على دعوى فخر المحقّقين الإجماع هنا ، مستندا إلى أنّ الشهيد في الذكرى حكى في ذلك خلافا (٢). وليس بشي‌ء.

أمّا أوّلا : فلأنّ الشهيد لم يذكر أنّ المخالف منّا ، وإنّما حكى عن الشيخ والمحقّق تجويز إزالة النجاسة به لطهارته ، وبقاء قوّة إزالة الخبث وإن ذهبت قوّة رفعه للحدث. ثمّ قال : وقيل : لا ؛ لأنّ قوّته استوفيت فالحق بالمضاف ».

وكلامه هذا ليس فيه تصريح بأنّ القائل من الأصحاب.

وقد حكى العلّامة في التذكرة عن الشافعي في أحد قوليه عدم جواز إزالة النجاسة به (٣). فيحتمل أن يكون هو المقصود بصيغة التمريض. ومع قيام الاحتمال ، كيف يتوجّه الإنكار على دعوى إجماع الأصحاب؟

وأمّا ثانيا فلأنّا وإن سلّمنا كون القائل من الأصحاب ؛ نظرا إلى أنّ المعروف في حكاية أقوال العامّة التصريح لا الإبهام ، لكن يحتمل أن يكون هذا القائل متأخّرا عن مدّعي الإجماع ؛ إذ حكاية الخلاف متأخّرة وليس فيها إشعار بتقدّمه ، فلا مساغ للإنكار بمجرّدها.

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ١٣٨.

(٢) ذكرى الشيعة : ١٢.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٣٤.

٣٣٦

[ الفرع ] الثالث :

المستعمل في الأغسال المندوبة باق على تطهيره كالمستعمل في رفع الحدث الأصغر لأنّ الاستعمال لم يسلبه الإطلاق ، فيجب بقاؤه على التطهير ؛ لتناول العموم له ، ولا نعرف في ذلك خلافا لأحد من الأصحاب.

ونفى الشيخ الخلاف فيه بينهم في الخلاف (١).

واحتمل الشهيد في الذكرى إلحاق مستعمل الصبيّ بها بناء على عدم ارتفاع حدثه ، ولهذا يجب عليه الغسل عند بلوغه (٢).

[ الفرع ] الرابع :

إذا وجب الغسل من حدث مشكوك فيه كواجد المنيّ في ثوبه المختصّ به ، والمتيقّن للجنابة والغسل ، الشاكّ في السابق ، وكالناسية للوقت أو العدد في الحيض ، فهل يصير الماء به مستعملا أو لا؟

استشكل العلّامة ذلك في النهاية والمنتهى من حيث إنّه في الأصل مطهّر ، ولم يعلم وجود ما يزيل ذلك عنه ؛ إذ الحدث غير معلوم. ومن النظر إلى أنّه قد اغتسل به من الحدث وذلك أمر معلوم وإن لم يكن الحدث نفسه معلوما وأنّه أزال مانعا من الصلاة فانتقل المنع إليه كالمتيقّن (٣).

والظاهر رجحان الاحتمال الأوّل بعد فرض وجوب الغسل.

[ الفرع ] الخامس :

قال الشهيد في الذكرى : يصير الماء مستعملا بانفصاله عن البدن. فلو نوى

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٧٢.

(٢) ذكرى الشيعة : ١٢.

(٣) منتهى المطلب ١ : ١٤٠. ونهاية الإحكام ١ : ٢٤٣.

٣٣٧

المرتمس في القليل بعد تمام الارتماس ارتفع حدثه وصار مستعملا بالنسبة إلى غيره وإن لم يخرج (١).

وقد يستشكل حكمه بصيرورته مستعملا بالنسبة إلى غيره قبل الخروج بعد قوله : إنّ الاستعمال متحقّق (٢) بانفصاله عن البدن ، إذ مقتضاه توقّف صيرورته مستعملا حينئذ على خروجه أو انتقاله تحت الماء إلى محلّ آخر غير ما ارتمس فيه.

وكأنّه : إنّما اعتبر الانفصال عن البدن بالنظر إلى نفس المغتسل ، وإن كان ظاهر عبارته العموم.

وقد عكس العلّامة في النهاية هذا الحكم ، فجزم بصيرورته مستعملا بالنسبة إلى المغتسل وإن لم يخرج. وتردّد في الحكم بالنظر إلى غيره فقال : لو انغمس الجنب في ماء قليل ونوى ، فإن نوى بعد تمام انغماسه فيه واتّصال الماء بجميع البدن ارتفع حدثه وصار مستعملا للماء.

وهل يحكم باستعماله في حقّ غيره قبل انفصاله؟ يحتمل ذلك لأنّه مستعمل في حقّه ، فكذا في حقّ غيره. وعدمه ، لأنّ الماء ما دام متردّدا على أعضاء المتطهّر لا يحكم باستعمال. فعلى الأوّل لا يجوز لغيره رفع الحدث به عند الشيخ ويجوز على الثاني (٣) وفي ما ذكره نظر.

والتحقيق : أنّ الانفصال إنّما يعتبر في صدق الاستعمال بالنظر إلى المغتسل فما دام الماء متردّدا على العضو لا يحكم باستعماله بالنسبة إليه وإلّا يوجب

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ١٢.

(٢) في « ب » : يتحقّق بانفصاله.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٢٤٢.

٣٣٨

عليه إفراد كلّ موضع من البدن بماء جديد ، ولا ريب في بطلانه ، إذ الأخبار ناطقة بخلافه. والبدن كلّه في الارتماس كالعضو الواحد.

وأمّا بالنظر إلى غير المغتسل فيصدق الاستعمال بمجرّد إصابة الماء للمحلّ المغسول بقصد الغسل.

وحينئذ فالمتّجه هنا صيرورة الماء مستعملا بالنسبة إلى غير المغتسل بمجرّد النيّة والارتماس ، وتوقّفه بالنظر إليه على الخروج أو الانتقال.

وقد حكم في المنتهى بصيرورته مستعملا بالنسبة إليهما قبل الانفصال (١). والوجه ما ذكرناه.

وتظهر الفائدة بالنظر إلى المغتسل في ما لو تبيّن له بقاء لمعة من بدنه كان يحسّ بساتر لها قبل خروجه من الماء أو انتقاله فيه ولم نقل بفساد الغسل حينئذ بل اكتفينا بغسلها إمّا مطلقا أو مع بقاء صدق الوحدة على ما يأتي تحقيقه إن شاء الله.

فإن قلنا بتوقّف صيرورته مستعملا على الانفصال أجزأه (٢) غسلها من ذلك الماء حينئذ ، وإلّا لم يجزئه بل يتعيّن غسلها بماء آخر إن منعنا من المستعمل.

ولو خاض جنبان في الماء ونويا دفعة بعد الانغماس ارتفع حدثهما على جميع التقادير.

ولو اتّفق بقاء لمعة من أحدهما فالظاهر عدم إجزاء غسلهما (٣) من ذلك الماء تفريعا على القول بالمنع.

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ١٣٧.

(٢) في « ب » : أجزأ غسلها.

(٣) في « أ » : عدم إجزاء غسلها من ذلك الماء.

٣٣٩

[ الفرع ] السادس :

قال العلّامة في النهاية : لو نوى ـ يعني الجنب ـ قبل تمام الانغماس ، إمّا في أوّل الملاقاة أو بعد غمس بعض البدن احتمل أن لا يصير مستعملا ، كما لو ورد الماء على البدن فإنّه لا يحكم بكونه مستعملا بأوّل الملاقاة لاختصاصه بقوّة الورود وللحاجة إلى رفع الحدث ، وعسر إفراد كلّ موضع بماء جديد وهذا المعنى موجود سواء كان الماء واردا أو هو (١).

وما احتمله هو الأظهر. وقد جعله في المنتهى الأقرب (٢). ووجهه يتّضح بملاقاة ما ذكرناه في الفرغ الذي قبله.

[ الفرع ] السابع :

قال في المنتهى : لو اغتسل من الجنابة وبقيت في العضو لمعة لم يصبها الماء فصرف البلل الذي على العضو إلى تلك اللمعة جاز على ما اخترناه ـ يعني من عدم المنع من المستعمل ـ وليس للشيخ فيه نصّ (٣). والذي ينبغي أن يقال على مذهبه عدم الجواز فإنّه لم يشترط في المستعمل الانفصال ، وذكر نحو ذلك في النهاية (٤).

وما حكاه عن الشيخ مشكل ؛ لأنّه يقتضي عدم الاجتزاء بإجراء الماء في الغسل من محلّ إلى آخر بعد تحقّق مسمّاه ، وحاله لا يخفى.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٢٤٢.

(٢) منتهى المطلب ١ : ١٤٠.

(٣) منتهى المطلب ١ : ١٣٩.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٢٤٣.

٣٤٠