معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

العارف والصوفي المعروف المدفون بأردبيل في آذربايجان ، وكان رجال هذه الاسرة يتوارثون زعامة الطريقة الصوفية. فلمّا تولّى ( إسماعيل ) أحد أحفاد صفي الدين زعامة الطريقة بعد مقتل والده جمع جيشا من أتباعه وقاده إلى قتال اسرة آق‌قوينلو الحاكمة في آذربايجان والعراق ، وقضى على نفوذ هذه الاسرة التركمانية في آذربايجان واتّخذ من تبريز مقرّا لحكمه وسلطانه عام ٩٠٥ ه‍ ، ثمّ توجّه بجيشه إلى العراق وفتحه وقضى على نفوذ اسرة آق‌قوينلو في العراق بشكل كامل ، وأصبح الشاه إسماعيل حاكما على إيران والعراق بشكل كامل.

وامتدّت فتوحات الشاه إسماعيل إلى خراسان ، وتمّ له فتحها ، كما تمّ له فتح ( هرات ) وإسقاط حكومة ( أزبك ) بعد حرب طويلة أخذت فيها الصبغة المذهبية ، وحاول كلّ من الطرفين المتقاتلين أن يستفيد من انتمائه المذهبي في كسب المعركة لصالحه.

وهكذا تكوّنت دولة شيعية قويّة وواسعة في إيران والعراق وخراسان وهرات إلى جنب دولة سنّية قوية وواسعة كذلك ، وهي الدولة العثمانية التي كانت تتّخذ من الخلافة الإسلامية غطاء شرعيا لوجودها السياسي في العالم الإسلامي ، واستمرّ القتال ـ سجالا بين هاتين القوّتين على مناطق النفوذ ، فبادرت الدولة الصفوية إلى فتح العراق وإسقاط حكومة أزبك السنية عام ٩١٤ ه‍.

ثمّ تقابلت الدولتان في معركة كبيرة في حياة الشاه إسماعيل وانتهت المعركة بانتصار آل عثمان على الصفويين في موقعة ( چالدران ) الشهيرة وانفصل العراق عن محور النفوذ الصفوي ، وأعلن والي العراق عن انضمام العراق إلى الدولة العثمانية.

٢١

ثمّ استعاد الصفويون سيطرتهم على العراق من جديد عام ٩٣٧ ه‍ بعد وفاة الشاه إسماعيل مؤسّس الدولة الصفوية. ثمّ استرجع آل عثمان سيطرتهم على العراق من جديد عام ٩٤١ ه‍.

وخلال هذا الصراع كان كلّ من الطرفين المتنافسين والمتقاتلين يحاول أن يكسب لموقفه في هذه المعركة الضارية غطاء شرعيا يمكنه من تحشيد المقاتلين إلى جانبه.

أمّا آل عثمان فكان عنوان الخلافة الإسلامية يدعمهم في هذه المعركة إلى حدّ بعيد ، بالإضافة إلى الارتباط التأريخي للمؤسسة الفقهية السنّية بالمؤسسة السياسية.

أمّا الدولة الصفوية فكانت تواجه مشاكل حقيقية في هذا الجانب وكان عليها أن تعمل لكسب موقف فقهاء الشيعة إلى جانبها وتأييدهم لها.

على أنّ هذه الدولة الفتيّة كانت بحاجة إلى حضور فاعل لفقهاء الشيعة معها لتستطيع أن تؤدّي رسالتها في تكريس مذهب أهل البيت عليهم‌السلام وفقههم وإدارة شئون الدولة على منهاج أهل البيت الفقهي ، وقد كان بعض ملوك الصفويين كالشاه إسماعيل وابنه طهماسب صادقين في محاولة تكريس المذهب الفقهي لأهل البيت في الدولة الصفوية وتمشية نظام الحكم الصفوي على منهاج فقه أهل البيت ، وكانوا يحاولون الإفادة من فقهاء الشيعة في هذا المجال وتمكينهم من الدولة بالمقدار الذي لا يزاحمهم في حقّ اتّخاذ القرار السياسي بشؤون الدولة.

وكان هذا هو أحد العاملين الرئيسين لقدوم فقهاء الشيعة من جبل عامل من بلاد الشام إلى إيران ، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل ، فقد كانت الدولة الشيعية الفتية بحاجة حقيقية وماسّة إلى استقدام الفقهاء من جبل عامل لما تتمتّع به هذه المنطقة الجبلية من الشام من مدارس علمية وتراث فقهي وثروة علمية كبيرة.

٢٢

والعامل الثاني لهجرة فقهاء جبل عامل إلى إيران هو الاضطهاد الطائفي الذي كان يمارسه حكّام آل عثمان ضدّ الشيعية عموما وضدّ فقهاء الشيعة على الخصوص. فقد سقطت الشام بيد آل عثمان عام ٩٢٣ ه‍ ، وقضى العثمانيون على نفوذ المماليك قضاء تاما ، واستمرّت بلاد الشام تحت النفوذ العثماني حتّى سقوط الدولة العثمانية.

ورغم الاضطهاد الطائفي الذي كان يمارسه المماليك ضدّ فقهاء الشيعة في الشام ، فقد كان فقهاء الشيعة يتمتّعون بحرّية نسبية في منطقة جبل عامل في ممارسة نشاطهم الثقافي والديني عند ما كان هذا النشاط لا يضرّ بمصالح الدولة.

فلمّا حلّ آل عثمان محلّ المماليك سلبوا من فقهاء الشيعة حتّى هذه المساحة المحدودة من حقّ النشاط العلمي ، وضيّقوا عليهم سبل العمل والحركة من كلّ جانب.

فقد قام السلطان سليم الأوّل بأوسع مذبحة للشيعة في بلاد الأناضول والشرائط الساحلي للبحر الأبيض المتوسّط ، ويقدّر المؤرّخون قتلى الشيعة في هذه المذبحة سبعين ألفا.

وقتل عمّال آل عثمان الفقيه زين الدين العاملي ( الشهيد الثاني ) رحمه‌الله رغم المرونة المذهبية التي كان يمارسها هذا الفقيه الجليل ، فقد كان على صلة وثيقة بالمراكز العلمية السنّية ، وكسب تأييد الاستانة في أن يتولّى المدرسة العلمية النورية في بعلبك ، ولم يستجب لدعوة الصفويين في الهجرة إلى إيران ، رغم ذلك كلّه لم يسلم هذا الفقيه الجليل من سيف الاضطهاد الطائفي ، وقتل على ساحل البحر بطريقة مشجية.

وبسبب هذين العاملين استجاب فقهاء جبل عامل إلى دعوة الصفويين للقدوم إلى إيران ، فقدم من جبل عامل إلى أصفهان جمع كبير من خيار وكبار

٢٣

فقهاء جبل عامل.

وكان المحقّق الكركي الشيخ نور الدين علي بن الحسين بن عبد العالي الشهير بـ ( المحقّق الثاني ) هو أوّل فقيه من جبل عامل يستجيب لدعوة الصفويين.

التقى المحقّق الكركي بالشاه إسماعيل الصفوي في ( هرات ) عند ما فتح الملك الصفوي هرات في قمة مجده العسكري وانتصاراته وبارك له هذا النصر ، واستقبل الملك المنتصر المحقّق الثاني في نشوة فتوحاته العسكرية باحترام وتقدير كبيرين ، وطلب منه أن ينتقل معه إلى إيران ويتولّى شئون الدولة الشرعية والفقهية بموجب مذهب أهل البيت.

وفي بداية هذا اللقاء لم يخف المحقّق الكركي استياءه من بطش الصفويين بالسنّة في مدينة هرات بعد فتحها والقضاء على دولة الأزبك ، وقد بلغه أنّ الجيش الصفوي قد قتل شيخ الإسلام في هرات سعد الدين التفتازاني صاحب كتاب ( المطوّل في البلاغة ) فقال للملك : ـ وهو يريد أن ينبّهه إلى خطئه في الاضطهاد الطائفي والفتك بمن يخالفهم في المذهب ـ لو لم يقتل لأمكن أن يتمّ عليه بالحجج والبراهين حقيقة مذهب الإمامية ويذعن بإلزامه جميع بلاد ما وراء النهر وخراسان (١).

انتقل المحقق الكركي إلى إيران بصحبة الشاه واستغلّ هذه الفرصة أفضل استغلال ، ونشط في تكريس ونشر فقه أهل البيت عليهم‌السلام في إيران ، وتولّى تعيين العلماء وأئمة الجماعة والقضاة في أطراف البلاد بصورة منظّمة.

وإذا صحّ أنّ الشهيد الأوّل محمد بن مكي رحمه‌الله كان أوّل من مارس تنظيم ارتباط العلماء بالمرجعية وجباية الحقوق الشرعية بصورة منظّمة ، فقد كان

__________________

(١) مستدرك وسائل الشيعة ٣ : ٤٣٢.

٢٤

المحقق الكركي أوّل من مارس هذه النظرية في النظم بصورة ميدانية وواسعة في الدولة الصفوية ، مستفيدا من إمكانات النظام والدعم السياسي والمالي الذي كان يتلقّاه من قبل الدولة.

وقد استطاع المحقق الكركي أن يقنع جمعا من زملائه وأصدقائه وتلاميذه في جبل عامل للهجرة إلى إيران والإفادة من هذه الفرصة السانحة لنشر وتكريس فقه أهل البيت عليهم‌السلام وبسط نفوذ الفقهاء في هذه الدولة الفتية.

ويبدو أنّ المحقق الكركي استطاع أن يحقّق خلال هذه الفترة أهدافه بصورة جيده ، ونجح في بسط نفوذ المؤسسة الفقهية إلى حدّ بعيد ، ممّا جعل البلاط الملكي يتضايق منه بصورة أو باخرى ، وقد أدّى ذلك فعلا إلى برود ملحوظ في علاقة المحقق الكركي ببعض أجنحة البلاط ، فآثر المحقق أن يغادر إيران إلى العراق ، ويعود إلى النجف مرّة اخرى ليعاود نشاطه الفقهي في هذه المدينة المقدّسة بجوار مرقد أمير المؤمنين عليهم‌السلام.

وقد مكث المحقّق قرابة ستّ سنوات في النجف توفّي خلالها الشاه إسماعيل وخلّف على الملك ابنه طهماسب.

ويبدو أنّ الفراغ الذي خلّفه المحقّق الكركي من بعده أضرّ بالدولة ، وأنّ الجمهور كان يطالب بإلحاح بعودة المحقق الكركي إلى إيران ، ولم يجد الشاه بديلا عن المحقق ممّا جعل طهماسب ابن الشاه إسماعيل يطلب من المحقق العودة إلى إيران لتسلّم منصب شيخ الإسلام في عاصمة ملكه ( اصفهان ). فاستجاب المحقق الكركي لدعوة الملك ورجع إلى أصفهان عاصمة الصفويين بصفة ( نائب الإمام ). وهذه الصفة تمنحه بطبيعة الحال الولاية المطلقة في شئون النظام والامّة وتجعل مشروعية النظام تابعة لإذن الفقيه. وأقرّ النظام الصفوي للمحقق بهذه الولاية المطلقة النائبة عن ولاية الإمام ، وصرّح له الملك

٢٥

( بأنّ معزول الشيخ لا يستخدم ومنصوبه لا يعزل ) (١).

وكان طهماسب يقول للمحقق الكركي : أنت أولى بهذا الأمر منّي. أنت نائب الإمام وأنا أحد عمّالك الذين يمثّلون أوامرك ونواهيك (٢).

ومارس المحقق ١عمله من هذا الموقع الشرعي في فترة من حكومة الشاه طهماسب وكان ينصب الولاة ويعزلهم ويأمرهم بالعدل والإحسان.

يقول السيد نعمة الله الجزائري : رأيت مجموعة من أحكام المحقق إلى الحكّام والولاة ، وكانت جميعا تتضمّن الأمر بالعدل إلى الرعايا والإحسان إليهم ، وكان للمحقق الكركي دور كبير في مكافحة الفحشاء والمنكرات وإقامة الفرائض في مواقيتها والأمر بإعلان الأذان في مواقيت الصلاة ، وملاحقة المجرمين والمفسدين في إيران (٣).

ولا شكّ أنّ هذا حديث جديد في تأريخ فقه أهل البيت ، ولأوّل مرّة في التأريخ يتصدّى فقيه إمامي لشئون الولاية العامة من موقع السيادة والولاية الشرعية نيابة عن الإمام. وهذا الأمر إن كان معروفا من الناحية النظرية في الفقه الشيعي فهو على الصعيد التنفيذي والتطبيقي حدث جديد بالمعنى الدقيق للكلمة » (٤).

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٢٧٢.

(٢) مفاخر الإسلام ، للشيخ علي دواني ٤ : ٤٤١.

(٣) أحسن التواريخ : حوادث سنة ٩٣١ ، نقلا عن السيد الجزائري رحمه‌الله.

(٤) مقدّمة رياض المسائل ١ : ٨٥ ـ ٩١.

٢٦

٣

الحركة العلمية في عصر صاحب المعالم

إنّ المحقّق الكركي هو خرّيج مدرسة جبل عامل وقد حذا حذو الشهيد الأوّل في الهجرة إلى دمشق والقدس ومصر لينفتح على فقه المذاهب الأربعة. وقد أتحف المكتبة الفقهية الإمامية بموسوعته القيّمة ( جامع المقاصد ) وهي شرح استدلالي لقواعد العلّامة يمتاز بالتركيز والإيجاز ومتانة الاستدلال والاقتصار على قدر الضرورة من النقض والاستدلال. ويعدّ أحد المصادر التي لا يستغني عن مراجعتها الفقيه حين الاستنباط. وقد اشتهرت دقّة نظر هذا الفقيه حتّى وسم بـ ( المحقّق الثاني ).

والمحقّق الثاني ـ كما قلنا ـ هو أوّل فقيه عاملي استجاب لدعوة الصفويين فقدّم إلى أصفهان ومارس تطبيق نظرية ولاية الفقيه بشكل مى‌دانى واسع في الدولة الصفوية ثمّ غادر إيران إلى العراق ليعاود نشاطه الفقهي قرابة ستّ سنوات ثمّ طلب منه النظام الصفوي الرجوع إلى أصفهان فاستجاب ثانية ومارس عمله بصفة ( نائب الإمام عليه‌السلام ). وهو أوّل فقيه إمامي تصدّى لشئون الولاية العامة من موقع السيادة الشرعية نيابة عن الإمام عليه‌السلام.

وبهذا دخل الفقه والفقهاء ـ الذين استجابوا لدعوة المحقق الثاني ـ دور التطبيق الاجتماعي والسياسي بمستوى استلام زمام الحكم بصورة ملحوظة وأصبح من مسئولية الفقهاء الإجابة على كثير من الأسئلة التي كان يطرحها الولاة والقضاة وتناولها الفقهاء بالدرس والتأليف ويعدّ ذلك ثروة علمية فقهية مباركة.

٢٧

وأمّا الشهيد الثاني فقد درس في معاهد جبل عامل ( جبع وميس وكرك نوح ) كما درس في دمشق ومصر وروى عن جماعة من علماء العامة كالعلّامة والشهيد اللذين انفتحا على فقه سائر المذاهب الإسلامية وأقام الشهيد الثاني بالقسطنطينية عام ٩٦٦ ه‍ ودرّس في المذاهب الخمسة مدّة طويلة وهو أوّل من صنّف من الإمامية في دراية الحديث أكثر من كتاب كما أنّه بلغ غاية الكمال في الأدب والفقه والتفسير والحديث والمعقول والهيئة والحساب والهندسة ، وقد اعتنى بمؤلّفات الشهيد الأوّل بالغ الاعتناء وتبلورت آراؤه الفقهية ومنهجه العلمي بوضوح في كتبه الفقهية الشهيرة : روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الأوّل ومسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام وغيرها كشروح الألفية والنفلية للشهيد. وقد كتب ثلاث رسائل عن صلاة الجمعة وآدابها والحثّ عليها.

والمتأمّل في آثار الشهيد لا يستطيع إنكار تأثّره بالفتوحات الفقهية التي حصلت للفقه الإمامي منذ دخوله دور التطبيق الاجتماعي والسياسي على مستوى إدارة شئون الدولة على يد فقهاء الإمامية كالمحقق الكركي ومن حذا حذوه بعد أن كان قابعا بين سطور الكتب ولم يستطع النمو إلّا على مستوى النظرية.

وقد انتقل تراث الشهيد الثاني ـ الذي اجتمعت فيه خصائص مدرسة الشهيد الأوّل وما حازته مدرسة أصفهان بعد هجرة علماء جبل عامل إليها ـ عن طريق تلامذته إلى ولده صاحب المعالم الذي تلقّى العلم من جملة من تلامذة والده كوالد الشيخ البهائي ووالد صاحب المدارك والسيد علي الصائغ الذي هو من أبرز تلامذة الشهيد الثاني وممّن أجاز المولى المقدّس الأردبيلي أيضا.

وأمّا المقدّس الأردبيلي ( م ٩٩٣ ه‍ ) الذي تتلمذ عنده صاحب المعالم في

٢٨

مدرسة النجف الأشرف فلم يذكر أصحاب التراجم عن أسماء أساتذته شيئا سوى قولهم أنّه درس عند بعض تلامذة الشهيد الثاني وعند فضلاء العراقين والمشاهد المعظّمة وله الرواية عن السيد علي الصائغ الذي هو من كبار تلامذة الشهيد الثاني. ومع هذا كلّه فقد تميّزت مدرسة المحقق الأردبيلي هذا عن المدارس المعاصرة لها بميزتين معروفتين :

الاولى : هي التحرّر من حصار التبعية للمشهور من الفقهاء والسابقين منهم بالرغم من اشتهاره بـ ( المقدّس ).

والثانية : هي الاعتماد على مبدأ السماح والسهولة في أحكام الشريعة على أساس قوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بعثت بالشريعة السهلة السمحة » ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يسّروا ولا تعسّروا ».

وقد نشأ صاحب المعالم في هذه المدرسة الفقهية وارتوى من نميرها فيكون قد تأثّر بمدرستين منفتحتين مدرسة جبل عامل ومدرسة المقدّس الأردبيلي ، وفي عصر العهد الصفوي الذي أنزل الفقه الإمامي إلى الساحة الاجتماعية والسياسية على مستوى إدارة دولة وتسيير نظام للحكم في وسط اجتماعي مسلم.

٢٩

٤

حياة صاحب المعالم الشخصية وشخصيته العلمية

الشيخ جمال الدين أبو منصور : حسن بن زين الدين بن علي بن أحمد بن محمد بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح ( تلميذ العلّامة الحلّي ) بن أشرف ( أو مشرف ) العاملي النحاريري الجبعي المولود بجبع عشية الجمعة ٢٧ رمضان المبارك عام ٩٥٩ ه‍ ق المتوفّى في جبع في مفتتح محرّم الحرام سنة ١٠١١ ه‍ ق. وقد استشهد والده وعمره سبع سنوات.

أثنى عليه كلّ من عاصره من أساتذته وطلّابه ومن قارب عصره ممّن تأخّر عنه من أصحاب التراجم والرجال ، وإليك جملة من جمل الثناء عليه :

١ ـ « وجه من وجوه أصحابنا ثقة عين صحيح الحديث ثبت واضح الطريقة نقيّ الكلام جيّد التصانيف » (١).

٢ ـ « كان عالما فاضلا متبحّرا محقّقا ثقة ثقة فقيها وجيها نبيها محدّثا جامعا للفنون ، أديبا شاعرا زاهدا عابدا ورعا جليل القدر عظيم الشأن كثير المحاسن وحيد دهره ، أعرف أهل زمانه بالفقه والحديث والرجال .. وكان ينكر كثرة التصنيف مع عدم تحريره ، وكان حسن الخطّ جيّد الضبط عجيب الاستحضار حافظا للرجال والأخبار والأشعار » (٢).

٣ ـ « بلغ من التقوى والورع أقصاهما ، ومن الزهد والعبادة منتهاهما ومن

__________________

(١) نقد الرجال للتفرشي ( م ١٠١٥ ه‍ ) كما في أعيان الشيعة ٥ : ٩٣.

(٢) أمل الآمل ، للحرّ العاملي ( م ١١٠٤ ه‍ ) ١ : ٥٧.

٣٠

الفضل والكمال ذروتهما وأسناهما ، وكان لا يجوّز أكثر من قوت اسبوع ( أو شهر ) (١) لأجل القرب إلى مساواة الفقراء والبعد عن التشبّه بالأغنياء » (٢).

٤ ـ « شيخ المشايخ الجلّة ورئيس المذهب والملّة ، الواضح الطريق والسنن والموضح الفروض والسنن ، يمّ العلم الذي يفيد ويفيض وخضمّ الفضل الذي لا ينضب ولا يغيض ، المحقّق الذي لا يراع له يراع ، والمدقّق الذي راق فضله وراع ، المتفنّن في جميع الفنون » (٣).

٥ ـ « الفقيه الجليل والمحدّث الاصولي ، الكامل النبيل المعروف بصاحب المعالم ، ذو النفس الطاهرة والفضل الجامع والمكارم الباهرة ، هو مصداق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الولد سرّ أبيه ) ، بل هو أعلم ، ومظهر المثل السائر : ( ومن يشابه أباه فما ظلم ) ، كان رضى عنه الله علّامة عصره وفهّامة دهره ، وهو وأبوه وجدّه الأعلى وجدّه الأدنى وابنه وسبطه قدّس الله أرواحهم كلّهم من أعاظم العلماء » (٤).

٦ ـ « أمره في العلم والفقه والتبحّر والتحقيق وحسن السليقة وجودة الفهم وجلالة القدر وكثرة المحاسن والكمالات أشهر من أن يذكر » (٥).

٧ ـ « ويكفي في علوّ شأنه وجلالته عند شيخه واستاذه المحقّق الأردبيلي ما كتبه له في آخر وصية كتبها لتلميذه ( صاحب المعالم ) بطلب منه ليكون

__________________

(١) الترديد من صاحب الكلمة وهو حفيد صاحب المعالم الشيخ علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين.

(٢) أعيان الشيعة عن الدرّ المنثور ٥ : ٩٢ ـ ٩٣.

(٣) سلافة العصر ، للسيد علي خان المدني ( م ١١٢٠ ه‍ ).

(٤) رياض العلماء ، للمولى عبد الله أفندي ١ : ٢٢٥.

(٥) روضات الجنّات ، للخوانساري ٢ : ٢٩٦.

٣١

تذكرة له ونصيحة ، حيث كتب له بعض الأحاديث وكتب في آخرها : كتبه العبد أحمد لمولاه لأمره ورضاه » (١).

نشأته العلمية وأساتذته :

نشأ الشيخ حسن ( صاحب المعالم ) مع ابن اخته وزميله السيد محمد ( صاحب المدارك ) وتلقّيا العلم من تلامذة والده الشهيد الثاني وهم : السيد نور الدين الكبير والد صاحب المدارك ، والسيد علي الصائغ الذي اعتنى بهما عناية كبيرة تحقيقا لدعاء والده الشهيد الذي طلب من الله سبحانه أن يرزقه ولدا ويتولّى هذا السيد الفاضل تربيته وتولّى السيد علي الصائغ تربيتهما وقرءا عليه أكثر العلوم التي استفادها من الشهيد الثاني من معقول ومنقول وفروع واصول وعربية ورياضيات.

ومن تلامذة الشهيد الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي حيث أجاز الشيخ حسن بتأريخ ٩٨٣ ه‍.

وقد ذكر أصحاب التراجم أنّ المولى عبد الله اليزدي صاحب الحاشية المعروفة في المنطق قد درّس الشيخ حسن والسيد محمد المنطق والرياضيات ـ في جبل عامل أو النجف ـ وقرأ هو عليهما الفقه والحديث.

وهاجرا إلى العراق ولم يبقيا في النجف إلّا مدّة قليلة لعلّها سنتان أو أكثر حيث قرءا على المولى المقدّس الأردبيلي بعض المتون الاصولية والفقهية التي لها دخل في الاجتهاد بمقدار ما يهمّ الفقيه معرفته من منطق واصول وفقه في

__________________

(١) أعيان الشيعة ، للسيد محسن الأمين العاملي ٥ : ٩٣ ، ومقدّمة منتقى الجمان عن حدائق المقرّبين.

٣٢

حلقة خاصة بهما وباسلوب يختلف عن الأساليب الموروثة في التحصيل.

وكان طلبة الأردبيلي يسخرون منهما اسلوبهما في التحصيل وكان الأردبيلي يشير إلى أنّهما سوف يعود ان إلى بلدهما مجتهدين ويؤلّفان الكتب التي سوف تصبح مدارا ومحورا للتدريس ، وبالفعل كان الأمر كذلك إذ رجعا إلى جبل عامل وألّف الشيخ حسن ( معالم الدين وملاذ المجتهدين ) قبل وفاة استاذه الأردبيلي ( ٩٩٣ ه‍ ) ومقدّمته هي من خيرة الكتب الدراسية الاصولية ، والمعالم هو الكتاب الاصولي الأوّل الذي لا زال يدرّس إلى عصرنا الحاضر في الحوزات العلمية الإمامية. كما ألّف السيد محمد ( مدارك الأحكام ) وهو كتاب فقهي يشار إليه بالبنان.

٣٣

٥

مدرسة صاحب المعالم

١ ـ نشاطه العلمي :

يمكن تصنيف النشاط العلمي للشيخ حسن بن زين الدين العاملي إلى نشاط تدريسي وآخر تأليفي.

أ ـ تلامذته والراوون عنه :

وقد أثمر النشاط التدريسي مجموعة من الفقهاء والطلّاب الذين جاء ذكرهم أو ذكر بعض منهم في كتب التراجم ، منهم :

١ ـ نجيب الدين علي بن محمد بن مكي بن عيسى بن حسن العاملي الجبيلي ثم الجبعي.

٢ ـ الشيخ عبد اللطيف بن محيي الدين العاملي.

٣ ـ الشيخ عبد السلام بن محمد الحرّ العاملي عمّ صاحب الوسائل.

٤ ـ الشيخ حسين بن الحسن الظهيري العاملي.

٥ ـ السيد نجم الدين بن محمد الموسوي السكيكي ( يروي عنه إجازة ولا يعلم أقرأ عليه أم لا ).

٦ ـ الشيخ موسى بن علي الجبعي ( ويظنّ أنّه من تلاميذه إذ توجد بخطّه نسخة التحرير الطاوسي في الخزانة الرضوية ، كتبه سنة ١٠١١ ه‍ وهي سنة وفاة المؤلّف صاحب المعالم ).

٧ ـ الشيخ أبو جعفر محمد ابن صاحب المعالم وله منه إجازة بتأريخ ٩٩٠ ه‍.

٨ ـ الشيخ أبو الحسن علي وهو الآخر ابن صاحب المعالم وله منه إجازة

٣٤

بتأريخ ٩٩٠ ه‍ أيضا.

ب ـ مؤلّفاته :

١ ـ التحرير الطاوسي ( في علم الرجال ) فرغ منه سنة ٩٩١ ه‍.

٢ ـ حواشي الخلاصة ( في علم الرجال ).

٣ ـ ترتيب مشيخة من لا يحضره الفقيه ، ابتدأ به في النجف وفرغ منه في رمضان سنة ٩٨٢.

٤ ـ منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ( في الحديث ).

٥ ـ الحواشي على الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار ( في الحديث ).

٦ ـ شرح ألفية الشهيد.

٧ ـ مناسك الحجّ.

٨ ـ الاثنا عشرية في الطهارة والصلاة.

٩ ـ رسالة في عدم جواز تقليد الميّت.

١٠ ـ مشكاة القول السديد في تحقيق معنى الاجتهاد والتقليد.

١١ ـ حاشية مبسوطة على المختلف للعلّامة.

١٢ ـ شرح مبسوط للّمعة الدمشقية ( وهو غير حواشي شرح اللمعة ).

١٣ ـ جواب المسائل المدنيات الاولى والثانية والثالثة.

١٤ ـ شرح اعتقادات الصدوق.

١٥ ـ كتاب الإجازات.

١٦ ـ إجازة كبيرة معروفة.

١٧ ـ ديوان شعر كبير.

١٨ ـ معالم الدين وملاذ المجتهدين ( في الاصول والفقه ) فرغ منه سنة ٩٩٤ ه‍.

٣٥

التعريف بمؤلّفاته وشروحها :

قال المحدّث البحراني في ( لؤلؤة البحرين ) : « إنّ تصانيف الشيخ حسن على غاية من التحقيق والتدقيق ».

١ ـ التحرير الطاوسي : ألّف السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاوس الحسني كتابا في الرجال جمع فيه ما في الاصول الرجالية الخمسة ( رجال النجاشي وفهرست ورجال الطوسي واختيار معرفة رجال الكشي للطوسي أيضا وكتاب الضعفاء لابن الغضائري ). وكان ابن طاوس قد حرّر كتاب الاختيار وهذّب أخباره متنا وسندا ووزّعها في كتاب ( حلّ الإشكال ) على التراجم ، فلمّا ظفر صاحب المعالم بكتاب ( حلّ الإشكال ) ورآه مشرفا على التلف انتزع منه ما حرّره ابن طاوس ووزّعه في أبوابه من كتاب الاختيار خاصّة وسمّاه التحرير الطاوسي.

فالتحرير الطاوسي عبارة عن جمع ما حرّره ابن طاوس وهذّبه من كتاب الكشي خاصة دون ما عداه وإيداعه في كتاب واحد مسمّى بهذا الاسم. وقد أضاف إليه صاحب المعالم في المتن والحواشي فوائد كثيرة (١).

٢ ـ منتقى الجمان : لم يخرج منه غير العبادات ، أبان فيه عن فوائد جليلة وجعل له مقدمة مفيدة واقتصر فيه على إيراد الصحاح والحسان من الأخبار على طريقة كتاب ( الدرّ والمرجان ) للعلّامة الحلّي ، فإنّه كان لا يعمل بغيرهما ، وكان يعرب أحاديثه بالشكل عملا بالحديث الذي رواه الكليني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أعربوا حديثنا فإنّا قوم فصحاء (٢).

__________________

(١) أعيان الشيعة ٥ : ٩٦.

(٢) أعيان الشيعة ٥ : ٩٢ و ٩٦.

٣٦

٣ ـ شرح ألفية الشهيد محمد بن مكّي العاملي المشتملة على ألف واجب في الصلاة.

٤ ـ مناسك الحجّ : صنّفها في طريق مكّة وافتتحها بآداب السفر وثنّى بأعمال المدينة المنوّرة عكس المتعارف معتذرا بأنّه زارها قبل مكّة المكرّمة ، وطريقته فيها أن يذكر الحكم ودليله من الأخبار الصحيحة أو الحسنة.

٥ ـ الاثنا عشرية في الطهارة والصلاة : فرغ منها في ٢٦ جمادى الاولى سنة ٩٨٩ ه‍ ، وشرحها جماعة منهم : الشيخ البهائي ، والشيخ نجيب الدين علي ابن محمد بن مكّي ، والسيد نجم الدين بن محمد الموسوي السكيكي ، والشيخ محمد ابن صاحب المعالم ، والأمير فضل الله التفريشي ، والشيخ فخر الدين الطريحي ، والسيد شرف الدين علي بن حجّة الله الشولستاني (١).

٦ ـ معالم الدين وملاذ المجتهدين : له مقدمة تتضمّن تحرير مباحث اصول الفقه وتعرف بمعالم الاصول أو معالم الدين وطبعت مستقلّة ، إذ عليها المعوّل في التدريس إلى يومنا هذا بعد ما كان التدريس في الشرح العميدي على تهذيب العلّامة والحاجبي والعضدي ، وعلى هذه المقدمة حواش وشروح كثيرة منها : حاشية لولده الشيخ محمد ، وحاشية سلطان العلماء ، وحاشية الملّا صالح المازندراني ، وحاشية للمدقّق الشيرواني ، ومجموعة حواش وتعليقات للوحيد البهبهاني ، وحاشية مفصّلة للشيخ محمد تقي الأصفهاني كبيرة مطبوعة ، وحاشية للشيخ محمد طه نجف وغيرهم.

وأمّا أصل الكتاب فهو كتاب فقهي استدلالي استقضى فيه الآراء والأدلّة ورتّبه بشكل بديع : القسم الأوّل في العبادات وفيه كتب ، والكتاب الأوّل في

__________________

(١) أعيان الشيعة ٥ : ٩٧.

٣٧

الصلاة وفيه أبواب ، والباب الأوّل في المقدّمات وفيه مقاصد ، والمقصد الأوّل في الطهارة وفيه مطالب ، والمطلب الأوّل في المياه وفيه مقامان : المقام الأوّل في المطلق والثاني في المضاف. والمطلب الثاني في الطهارة من النجاسات ، والمطلب الثالث في الطهارة من الأحداث.

ولم يتمّ منه سوى مباحث المياه والطهارة من الخبث ، وهو الكتاب الذي بين يديك.

ولم نعثر على شرح أو تعليقة على هذا المتن خلافا لما نراه من شروح وتعليقات على المقدمة في ( علم الاصول ).

٢ ـ منهجه وملامح مدرسته :

ذهب صاحب المعالم إلى أنّ خبر الواحد العاري عن القرائن المفيدة للعلم حجّة إذا كان جامعا للشرائط التي منها إيمان الراوي وعدالته وضبطه وأنّ العدالة إنّما تعرف بالاختبار بالصحبة المؤكّدة والملازمة بحيث تظهر أحواله ويحصل الاطّلاع على سريرته حيث يكون ذلك ممكنا ومع عدمه باشتهارها بين العلماء وأهل الحديث وبشهادة القرائن المتكثّرة المتعاضدة ، وبالتزكية من العالم بها ، ولا يقبل في التزكية إلّا شهادة العدلين (١).

والمعروف عنه أنّه يلتزم بحجية الأخبار الصحاح والحسان فقط ، والصحيح عنده هو ما قامت عليه الشهادة الشرعية التي تتمّ بواسطة عدلين. ومن هنا يختلف الصحيح عنده عن الصحيح عند المشهور.

ولهذا صنّف كتابه منتقى الجمان حيث جمع فيه الأخبار الصحاح والحسان

__________________

(١) راجع الأصل ٥ من المطلب السادس من المقدمة ( معالم الاصول ).

٣٨

وصنّفهما إلى ثلاث درجات :

١ ـ الصحيح عنده ( الصحيح الأعلائي ).

٢ ـ والصحيح عند المشهور.

٣ ـ والحسن.

وقد أدّى هذا المسلك الذي سلكه ووافقه فيه صاحب المدارك إلى ردود فعل قوية تجلّت في حركة الأخباريين فيما بعد حيث ذهبوا إلى حجية كلّ الأحاديث الواردة في الكتب الأربعة على عكس ما قام به المحقق صاحب المعالم من تهذيب أحاديث الكتب الأربعة وتضييق دائرة الحجية في هذه الموسوعات الحديثية الإمامية المهمّة حتّى انتقدهما صاحب الحدائق ( المحدّث البحراني ) بعنف قائلا : « وأنت خبير بأنّا في عويل من أصل هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح حيث إنّ اللازم منه لو وقف عليه أصحابه فساد الشريعة .. » (١).

هذا وقد ناقشه السيد محسن الأمين العاملي بتفصيل بعد نقل كلامه وبيان ما يذهب إليه ، فراجع (٢).

وقد اهتمّ صاحب المعالم بعلم الاصول حتّى اعتبره أهمّ العلوم للمجتهد وقد سعى لتنقيح المباحث الاصولية والاهتمام بما له دخل في الاجتهاد منها. ومن هنا صار كتابه ( مقدمة المعالم ) محورا للتدريس إلى يومنا هذا لسلاسته ودقّته ونظمه وحذفه للبحوث الزائدة بحسب حاجة ذلك العصر.

وأمّا في الفقه فقد تأثّر صاحب المعالم بمدرسة الشهيدين ومدرسة المقدّس

__________________

(١) لؤلؤة البحرين ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) أعيان الشيعة ٥ : ٩٢ ـ ٩٣.

٣٩

الأردبيلي وجمع بين كمالاتهما بالإضافة إلى حسن سليقته واعتدالها ويشهد لذلك ما ذكره في مبحث النية من مناسك الحجّ ، وما ذكره في مبحث الطواف وغيره ممّا يشير إلى سلامة ذوقه وتفهّمه إلى مداليل الأخبار معتمدا مبدأ السهولة التي جاء التصريح بها في الآيات البيّنات والأحاديث المأثورة من أنّ أحكام الإسلام بنيت على عدم الحرج.

هذا بالإضافة إلى اعتماده الدليل في كلّ مسألة وعدم الالتزام بمجرّد ما يلتزم به المشهور إن لم يكن لرأيهم دليل يعتمد عليه.

وعلى هذا الأساس يمكن أن نضيف إلى منجزات مدرسة جبل عامل أهمّ ما أنجزه المحقّق الشيخ حسن بن زين الدين العاملي نفسه من منجزات تعدّ نتاجا طبيعيا لمدرسة الحلّة التي تجسّدت في تراث جبل عامل عبر مدرسة النجف الأشرف وهي :

١ ـ تنقيح أحاديث الكتب الأربعة.

٢ ـ تنقيح وتنظيم المباحث الاصولية.

٣ ـ تطبيق مبدأ السهولة والتحرّر من سلطة المشهور.

٤٠