معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء » (١).

ورواية الحسين بن سعيد عن القاسم عن علي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة تقع في البئر؟ قال : سبع دلاء ». قال : « وسألته عن الطير والدجاجة يقع في البئر؟ قال : سبع دلاء » (٢).

ورواية سماعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة تقع في البئر أو الطير؟ قال : إن أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء » (٣).

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن سقط في البئر دابّة صغيرة ، أو نزل فيها جنب نزح منها سبع دلاء » (٤).

وقد وردت روايات اخرى بخلاف ما تضمّنته هذه ، كرواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه أنّ عليّا كان يقول : « الدجاجة ومثلها يموت في البئر ينزح منها دلوان وثلاثة » (٥). وقد سبقت.

وصحيحة زيد الشحّام السابقة فيما ينزح لموت الكلب ؛ فقد عدّ فيها الدجاجة والطير ، واكتفي بنزح خمس دلاء (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٣ ، الحديث ٦٧٤.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٥ ، الحديث ٦٨٠.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٦ ، الحديث ٦٨١.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤١ ، الحديث ٦٩٥.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٣.

(٦) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٢٨٤.

٢٢١

وصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد (١). ورواية الفضل البقباق (٢) ، ورواية عليّ بن يقطين (٣). ومضمون الثلاث نزح دلاء. وقد تقدّمت كلّها مع صحيحة زيد.

وطريق الجمع بالنظر إلى ما تضمّن لفظ الدلاء سهل ؛ لأنّه مطلق فيحمل على المقيّد.

وقد جمع الشيخ في الاستبصار بين ما دلّ على السبع وبين رواية إسحاق ابن عمّار بحمل روايات السبع على الفضل والاستحباب ، أو على حصول التفسّخ (٤). وهو حسن.

لكن ينبغي أن يكون الوجه في تأويل أخبار السبع هو مراعاة الجمع بينها وبين صحيحة زيد ، حيث دلّت على الاكتفاء بالخمس.

وأمّا رواية إسحاق فضعيفة السند ، كما نبّهنا عليه في حكم الشاة ؛ وحينئذ يمكن ترجيح الحمل على الثاني للتصريح باشتراط عدم التفسّخ في صحيحة زيد.

مسألة [٢٣] :

وأوجب الشيخ نزح السبع للفأرة إذا تفسّخت (٥). وقال المفيد عليه الرحمة : « وإن تفسّخت ـ يعني الفأرة ـ وانتفخت ، ولم يتغيّر بذلك الماء نزح منها سبع

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٢.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٥.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٦.

(٤) راجع الاستبصار ١ : ٣١ ، الحديث ٨٤ والصفحة ٣٨ ، الحديث ١٠٥.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٨ ، ذيل الحديث ٦٩٠.

٢٢٢

دلاء (١). ويحكى عن المرتضى في المصباح أنّه قال : في الفأرة سبع دلاء وقد روي ثلاث. وقال الصدوق في المقنع وأكثر ما روي في الفأرة إذا تفسّخت سبع دلاء (٢). وفي من لا يحضره الفقيه : « وإذا تفسّخت فسبع دلاء » (٣).

والروايات في ذلك مختلفة ، ففي أكثرها نزح السبع للفأرة بقول مطلق. وقد ذكرنا جملة منها في حكم الطير. وفي بعضها يقيّد نزح هذا المقدار بالتفسّخ أو التسلّخ ، وهو رواية أبي عيينة قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة تقع في البئر؟ فقال : إذا خرجت فلا بأس ، وإن تفسّخت فسبع دلاء » (٤).

ورواية أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا وقعت الفأرة في البئر فتسلّخت فانزح منها سبع دلاء » (٥).

وقد حمل الشيخ في الاستبصار إطلاق تلك الأخبار على هذا التقييد ، فاشترط في نزح السبع التفسّخ (٦).

وكأنّه ظنّ اتّحاد المعنى في الحديثين ، فاقتصر على التقييد بالتفسّخ. وليس بجيّد ؛ لظهور المغايرة بين التسلّخ والتفسّخ. فاللازم من تقييد تلك الأخبار بهذين الخبرين أن يجعل مناط الحكم حصول أحد الوصفين.

والعجب أنّه رحمه‌الله احتجّ في كتابي الأخبار للحمل على حصول التفسّخ

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٨ ، ذيل الحديث ٦٨٧.

(٢) المقنع : ٣٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٧ ، الحديث ٢٢.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٣ ، الحديث ٦٧٣.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٩ ، الحديث ٦٩١.

(٦) الاستبصار ١ : ٣٩.

٢٢٣

بالرواية المتضمّنة للتسلّخ ، ولم يتعرّض عند ذلك للأخرى ، لكنّه ذكرها في محلّ آخر. هذا.

وطريق الخبرين المقيّدين ضعيف ، فربّما أشكل تقييد مطلق تلك الأخبار بهما ، إلّا أنّ الشيخ روى في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة والوزغة يقع في البئر؟ قال : ينزح منها ثلاثة دلاء » (١).

وفي الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (٢).

فيمكن أن يحصل تقييد ما دلّ على السبع بالتفسّخ طريقا للجمع بين الأخبار ، ويستشهد له بالروايتين أو بالاولى منهما. وذلك لا يتوقّف على صحّة طريقهما.

وكلام الشيخ في التهذيب صريح في أن معوّله في التقييد على هذا الاعتبار (٣) ، وكذا المحقّق في المعتبر ؛ فإنّه ذكر فيه الروايات الواردة بالثلاث والسبع ، وحمل ما تضمّن السبع على التفسّخ والاخرى على عدمه. وقال : « إنّ رواية أبي سعيد المكاري تشهد لذلك ». وحكاها بلفظ التفسّخ ، على خلاف ما رأيناه في التهذيب والاستبصار. ثمّ قال : وضعف أبي سعيد لا يمنع من العمل بروايته على هذا الوجه ؛ لأنّها تجري هنا مجرى الأمارة الدالّة على الفرق وإن لم تكن حجّة في نفسها (٤).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ صحيحة زيد الشحّام الدالّة على نزح الخمس

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٨ ، الحديث ٦٨٨.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٨ ، الحديث ٦٨٩.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٩ ، ذيل الحديث ٦٩٠.

(٤) المعتبر ١ : ٧٢.

٢٢٤

للكلب والطير ـ كما عرفت ـ تضمّنت الفأرة أيضا ، واعتبر فيها للاكتفاء بالخمس في الجميع عدم التفسّخ (١). فهي عاضدة لما دلّ على اعتبار التفسّخ في نزح السبع هنا.

وقد جمع المحقّق بينها وبين رواية أبي سعيد في استشهاده للجمع بين الأخبار كما حكيناه عنه ، وهو أجود من فعل الشيخ.

ثمّ إنّ الظاهر استناد المرتضى في الحكم بالسبع مطلقا إلى الأخبار الكثيرة الواردة كذلك ظنّا منه لتواترها ؛ فإنّه لا يقنع بدونه في العمل بالخبر المجرّد عن القرائن كما مرّ.

ويحتمل أيضا أن يكون نظره في ذلك إلى عدم القول بما زاد عليها ، فرآه إجماعا على نفيه. والأخبار الدالّة على اعتبار التفسّخ أو على الاجتزاء بما دون السبع أخبار آحاد لا تثبت حكما عنده ، فيتعيّن السبع مطلقا. وجوابه ظاهر.

وأمّا ما ذكره المفيد رحمه‌الله من مساواة الانتفاخ للتفسّخ فقد تبعه فيه جماعة ، ولم نقف له على دليل. وحكى المحقّق والعلّامة عن ابن إدريس أنّه قال : حدّ التفسّخ الانتفاخ. ولا ندري من أين أخذه والعرف واللغة على خلافه ، وقد قال المحقّق بعد حكايته أنّه غلط (٢).

مسألة [٢٤] :

وأوجب الشيخان وجماعة نزح السبع لبول الصبيّ إذا كان قد أكل الطعام (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٤.

(٢) المعتبر ١ : ٧١ ، ومنتهى المطلب ١ : ٩١.

(٣) النهاية ونكتها ١ : ٢٠٨ ، والمقنعة : ٦٧.

٢٢٥

وقال الصدوق في المقنع ومن لا يحضره الفقيه : وإن بال فيها صبيّ قد أكل الطعام فاستق منها ثلاثة دلاء (١). وهو اختيار المرتضى ولم نقف لهذا القول على حجّة.

وأمّا القول الأوّل فقد احتجّ له الشيخ بما رواه منصور بن حازم قال : حدّثني عدّة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ينزح منه سبع دلاء إذا بال فيها الصبيّ أو وقعت فيها فأرة أو نحوها » (٢). وهذه الرواية مرسلة كما ترى.

وقد سبق في رواية عليّ بن أبي حمزة ـ الدالّة على نزح أربعين لبول الرجل ـ : أنّه ينزح لوقوع بول الصبيّ الفطيم دلوا واحدة (٣).

وفي صحيحة معاوية بن عمّار نزح الجميع إذا بال فيها صبيّ (٤).

وحمل الشيخ الرواية الاولى على إرادة صبيّ لم يأكل الطعام ، وهو في غاية البعد ؛ لأنّ وصفه بالفطيم يضادّه. ولكنّ الرواية ضعيفة فأمرها سهل.

وأمّا الثانية فقد مرّ حمل الأصحاب لها على الاستحباب ، أو حصول التغيّر. وهو ممكن لو كان على الاكتفاء بما دون مضمونها دليل واضح أو ثبت إجماع على عدم تعيّن ما دلّت عليه.

مسألة [٢٥] :

وينزح السبع لوقوع الكلب وخروجه حيّا. ذهب إليه أكثر الأصحاب.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٧.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٣ ، الحديث ٧٠١.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٣ ، الحديث ٧٠٠.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤١ ، الحديث ٦٩٦.

٢٢٦

وقال ابن إدريس : « ينزح له أربعون » (١).

حجّة الأوّل رواية أبي مريم السابقة فيما ينزح لموت الكلب حيث قال فيها : « وقال جعفر : إذا وقع فيها ثمّ اخرج منها حيّا ينزح منها سبع دلاء » (٢).

وطريق هذه الرواية صحيح إلى أبي مريم ؛ وأمّا هو فلم أر توثيقه إلّا في كتاب النجاشي (٣) ، وتبعه العلّامة في الخلاصة (٤). وهو ممّن يرى الاكتفاء بتعديل الواحد ، فلا يعتبر تزكيته عند من يشترط التعدّد. وحينئذ ينحصر طريق تعديل هذا الرجل في شهادة النجاشي ، وذلك غير كاف بمجرّده ، كما مرّ.

وحجّة ابن إدريس أنّ هذه الرواية خبر واحد ، فلا تصلح دليلا. واللازم من ذلك خلوّه عن الدليل ، فيلحق بغير المنصوص ، ويجب له نزح الجميع عنده على ما يأتي. لكن لما دلّ الدليل على الاكتفاء لموته بالأربعين وعدم وجوب الزيادة عليها حينئذ كان حال الخروج حيّا أولى بنفي الزائد ؛ إذ نجاسته في حال الموت أقوى منها في حال الحياة ، فنفي الزيادة مع النجاسة القويّة يقتضي انتفائها مع الضعيفة بطريق أولى.

وهذه الحجّة جيّدة على أصل ابن إدريس في ترك العمل بخبر الواحد.

وقد تعرّض لها بالمناقشة العلّامة في المختلف ، فمنع عدم أولويّة الحيّ ( يعني بالنجاسة ). ووجّهه بأنّ الأحكام الشرعيّة تتبع الاسم ، ولهذا أوجب في

__________________

(١) السرائر ١ : ٧٧.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، الحديث ٦٨٧.

(٣) رجال النجاشي : ٢٤٦ ، الرقم ٦٤٩.

(٤) خلاصة الأقوال ١ : ١١٧ ، وهو عبد الغفّار بن القاسم بن قيس بن قيس بن فهد أبو مريم الأنصاري روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

٢٢٧

الفأرة مع تفسّخها وتقطّع أجزائها وانفصالها بالكلّيّة نزح سبع دلاء ، وأوجب نزح الجميع في البعرة منها ؛ لعدم ثبوت النصّ هنا وثبوته هناك. مع أنّ الأولوية هنا ثابتة ، ولم يعتدّ بها هو فلم يوجب نزح الجميع (١).

وليست هذه المناقشة بشي‌ء ؛ فإنّ منع عدم قوّة نجاسته حيا بالنسبة إلى نجاسته ميّتا ـ على ما هو حاصل مراده من منع عدم أولوية الحيّ ـ ممّا لا سبيل إليه بعد القول بأنّ الموت منجّس لكلّ ذي نفس سواء كان طاهرا أم لا ، وهو ممّا لا خلاف فيه.

وقوله : « إنّ الأحكام الشرعيّة تتبع الاسم » مسلّم. لكن ليس المدّعى أنّ الدليل الدالّ على تعيّن نزح الأربعين لموته يدلّ على تعيّن نزحها لوقوعه وخروجه حيّا ، وإنّما الغرض أنّ صورة الوقوع حيّا والخروج ليس عليها دليل معتمد ، فيكون من قبيل غير المنصوص. إلّا أنّ إيجاب نزح الجميع لغير المنصوص ـ على ما هو مختاره ـ لا يتأتّى هنا ؛ لدلالة الاكتفاء بالأربعين في صورة الموت على نفي الزائد عنها في هذه الصورة أيضا بطريق أولى ، كما قرّر. وليس على ما دون ذلك من دليل يصار به إليه. فتعيّن الأربعون لتوقّف يقين البراءة عليها.

فظهر أنّ إيجابها حينئذ ليس لمجرّد إيجابها في الصورة الاخرى ، بل بالتقريب الذي بيّناه.

وأمّا ما ذكره في توجيه المنع من أنّه يجب نزح السبع للفأرة مع تفسّخها ، والجميع للبعرة منها ، مع أنّ الأولوية متحقّقة هناك ، ولم يلتفت ابن إدريس إليها فعجيب ؛ لأنّ المقتضي للاكتفاء بالسبع في صورة التفسّخ وجود النصّ وقيام الدليل عليه ، والموجب لنزح الجميع في البعرة فقد النصّ وعدم الدليل على

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ٢١٩.

٢٢٨

مقدار معيّن.

وفرض ثبوت الأولوية يقتضي إلحاق غير المنصوص بالمنصوص لا العكس ، كما يدلّ عليه قوله : « فلم يوجب نزح الجميع » ؛ فإنّه تفريع على قوله : « لم يعتد بها » ، وكلمة « لم » مفتوحة اللام. وربّما يتوهّم كونها مكسورة ـ على أنّ الكلام استفهام. وليس كذلك ؛ لأن سوق الكلام يأباه.

ولو عكس الحكم فجعل الأولويّة مقتضية للاكتفاء ، بالسبع للبعرة لكان له وجه ما.

وقد ناقش في هذا أيضا بعض الأصحاب : بأنّه لا معنى للأولوية هنا. كيف! ونجاسة الفأرة مغايرة بالذات لنجاسة البعرة قطعا ، وليس بينهما اشتراك في معنى يتصوّر تحقّق الأولوية بواسطته ، بخلاف نجاسة الكلب ميّتا وحيّا ؛ فإنّ متعلّقها متّحد بالذات ، وإنّما نشأت المغايرة بأمر عرضيّ. وقد ثبت أنّ عروض هذا العارض يوجب قوّة النجاسة لا غير. فيرجع حاصل وجه المغايرة إلى قوّة النجاسة وضعفها. ومن البيّن أنّ مدار الأولوية على مثله.

وهذا الكلام صحيح في نفسه متّجه ، ولكن يحتمل أن يكون نظر العلّامة في إثبات الأولوية ، إلى أنّ تفسّخ الفأرة موجب لملاقاة ما في جوفها من البعرة للماء ، فيكون حكم التفسّخ مشتملا على ملاقاة البعرة مع زيادة اخرى ، فيتحقّق الأولوية بينه وبين وقوع البعرة ابتداء ؛ لأنّه أضعف حكما منه كما لا يخفى.

فإمّا أن يقال بوجوب نزح الجميع للتفسّخ لكونه أقوى من ملاقاة البعرة المقتضي له على ما أفهمه ظاهر كلام العلّامة ، أو يقال بالاكتفاء بالسبع للبعرة إذا وقعت ابتداء لكونها أضعف من صورة التفسّخ على ما هو الوجه في اعتبار الأولوية.

إلّا أنّه يرد على هذا الاحتمال عدم ظهور استلزام التفسّخ لملاقاة البعرة ،

٢٢٩

ولو سلّم لاتّجه اعتبار الأولوية حينئذ والاكتفاء للبعرة بالسبع.

وما ذكره من أنّ ابن إدريس رضوان الله عليه لا يعتبر الأولوية هنا بل يوجب للبعرة نزح الجميع (١) يحتمل أن يكون نظره فيه إلى ما أشرنا إليه من عدم ظهور الاستلزام. وعلى تقدير ثبوته فالمناقشة إنّما تتوجّه عليه هناك لا هنا.

مسألة [٢٦] :

وينزح السبع أيضا لاغتسال الجنب. ذكره جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيد رحمهم‌الله (٢).

واشترط ابن إدريس فيه الارتماس. وعبارة الشيخين تؤذن به (٣).

وجملة ما ورد من الأخبار في هذا الباب أربع روايات :

الاولى : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن سقط في البئر دابّة صغيرة أو نزل فيها جنب ، نزح منها سبع دلاء » (٤).

والثانية : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء » (٥).

والثالثة : رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « فإن وقع فيها جنب ،

__________________

(١) السرائر ١ : ٧٢.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٥٩ ، والمعتبر ١ : ٧٠ ، وذكرى الشيعة : ١١.

(٣) السرائر ١ : ٧٩ ، والمقنعة : ٦٧ ، والنهاية ونكتها ١ : ٢٠٨.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤١ ، الحديث ٦٩٥.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٤ ، الحديث ٧٠٤.

٢٣٠

فانزح منها سبع دلاء » (١).

والرابعة : رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها؟ قال : « ينزح منها سبع دلاء » (٢).

وليس بخفيّ عدم دلالة شي‌ء منها على اعتبار الارتماس ، بل ولا على اعتبار الاغتسال ؛ فإنّ الثلاث الاول خالية من التعرّض له ومفروضة فيما هو أعمّ منه. والأخيرة لا تنافيها ؛ لأنّ الغسل من أفراد ذلك المعنى العامّ الذي جعل مناطا للحكم في تلك الأخبار ، فتعلّق السؤال به في الرواية الأخيرة لا يدلّ على اختصاصه بالحكم.

وقول بعض الأصحاب : إنّ المطلق من هذه الروايات محمول على إرادة الاغتسال جمعا بين الأخبار ، وهم رديّ. وأيّ منافاة بينها تدعو إلى هذا الجمع؟! مع أنّ الرواية المتضمّنة للاغتسال ضعيفة السند ، فكيف يعدل من أجلها عن ظاهر الصحيح؟!

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ المشهور في عبارات القوم اشتراط هذا الحكم بخلوّ بدن الجنب من نجاسة عينيّة ، وقد استشكله لذلك جماعة فقالوا : إذا كان الجنب طاهر الجسد فأيّ سبب أوجب نزح السبع؟ وبأيّ اعتبار يفسد ماء البئر؟

فمن الأصحاب من دفعه بأنّه استبعاد غير مسموع بعد ورود النصّ ، لا سيّما مع ملاحظة ما اشتمل عليه البئر من الأحكام المختلفة ، ولأنّ المرجع في تأثير النجاسة إلى حكم الشارع ، وقد وجد.

ومنهم من أجاب عنه بأن المقتضي للنزح هو كونه مستعملا في الطهارة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٠ ، الحديث ٦٩٤.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٤ ، الحديث ٧٠٢.

٢٣١

الكبرى ؛ فإنّ طهوريّته تزول بذلك وبالنزح يعود.

وهذا الجواب مرغوب عنه :

أمّا أوّلا : فلأنّه مبنيّ على اعتبار الاغتسال وجعله متعلّق الحكم ، وقد علمت فساده ، وأنّ المعتبر من الروايات ورد بما هو أعمّ منه.

وأمّا ثانيا : فلأنّ انتفاء الطهوريّة عن المستعمل موضع خلاف وقد قال بوجوب النزح هنا من لا يرى زوال الطهوريّة عن المستعمل فلا ينحسم مادّة الإشكال.

وأمّا ما طعن به بعض المتأخّرين في هذا الجواب من أنّ صيرورة الماء بالاغتسال مستعملا يتوقّف على وقوعه على الوجه المعتبر وارتفاع حدثه ، وحديث عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام المتضمّن للنهي عن نزوله إلى البئر (١) يقتضي فساد غسله ، فلا يرتفع حدثه ، فليس بشي‌ء :

لأنّه إنّما نهي في الحديث عن الوقوع في البئر. ولعلّ وجهه الخوف على النفس معه ، أو كونه مقتضيا لإثارة الطين والحماء ، فيغيّر الماء مع الحاجة إليه في الشرب. وربّما لا يحصل ذلك مع النزول.

ولأنّ الحكم في الحديث مفروض في بئر غير مملوكة للمغتسل ، كما يدلّ عليه قوله فيه : « ولا يفسد على القوم ماءهم » ، فلا دلالة له على النهي حيث يكون البئر ملكا له ، فيمكن وقوع الغسل على الوجه المعتبر حينئذ. هذا.

وما ذكر في دفع الإشكال أوّلا من أنّه استبعاد غير مسموع ، بعد ورود النصّ مسموع ، حيث يكون النصّ نصّا لا مع قيام الاحتمال القريب ؛ فإنّ الخروج عن القواعد المقطوع بها والحال هذه غير معقول.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ١٨٥ ، الحديث ٥٣٥.

٢٣٢

وإذا كانت طهارة بدن الجنب من حيث هو ليست موضع خلاف ولا إشكال ، فلا بدّ في الحكم بتأثير ملاقاته بمجرّدها من نصّ صريح الدلالة بعيد عن احتمال خلافه. وظاهر أنّ الأمر هنا ليس كذلك ؛ فإنّ الأخبار المذكورة ليس فيها تعرّض لاشتراط الخلوّ عن النجاسة ، وإنّما هو من تقييدات الأصحاب.

وقد توقّف فيه العلّامة رضوان الله عليه في المنتهى فقال : هذا الحكم ـ يعني نزح السبع للجنب ـ إنّما يتعلّق مع الخلوّ عن النجاسة. كذا ذكره ابن إدريس بناء منه على أنّ المني يوجب نزح الجميع. ونحن لمّا لم يقم عندنا دلالة على وجوب النزح للمنيّ ، لا جرم توقّفنا في هذا الاشتراط (١). هذه عبارته.

ولا يخفى أنّ الغالب من حال المجنبين عدم الانفكاك من آثار المنيّ فجاز أن يكون الأمر بالنزح لأجله.

لا يقال : اعتبار الحيثيّة في موجبات النزح ـ كما قرّرتموه سابقا ـ ينافي كون المقتضي له في موضع النزاع هو ملاقاة المنيّ.

لأنّا نقول : لمّا غلب التلازم بين الأمرين ولم يكن تأثير النزول بمجرّده معهودا ولا مأنوسا ، والقواعد مستقرّة على خلافه صار الظاهر هو اعتبار الجهة الاخرى. وليس شي‌ء ممّا ذكرناه بمتحقّق في المواضع التي اعتبرنا فيها الحيثيّة.

وكأنّ بناظر في هذا الكلام يستبعده من حيث إنّ الشيخ وجماعة ممّن تأخّر عنه ذهبوا إلى وجوب نزح الجميع للمنيّ فكيف يكتفى له بالسبع؟

ولكنّا نقرّبه له ـ باعتراف كثير من الأصحاب ـ بانتفاء النصّ فيه ، حتّى الشيخ أبي علي بن الشيخ فقد حكى ذلك عنه الشهيد رحمه‌الله (٢) وذكرناه عنه فيما سبق

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٨٩ ، الطبعة المحقّقة لمجمع البحوث الإسلاميّة ـ مشهد.

(٢) ذكرى الشيعة : ١٠.

٢٣٣

أيضا (١).

وعلى كلّ حال فأثر هذا الإشكال من أصله إنّما يظهر قويّا على القول بالانفعال ، وأمّا على ما اخترناه فالأمر سهل. وكذا على القول بالوجوب تعبّدا.

قال العلّامة رضوان الله عليه في المنتهى بعد أن ذكر حاصل الإشكال على القول بالتنجيس : « أمّا نحن فلمّا أوجبنا النزح للتعبّد قلنا بالوجوب عملا بهذه الروايات » (٢).

واعلم أنّ للأصحاب في صحّة الغسل من الجنب حينئذ بحيث يرتفع عنه الحدث خلافا ؛ مبنيّا على أنّ الحكم بالنزح معلّق على الاغتسال.

فحكى العلّامة رضوان الله عليه في المختلف عن الشيخ القول بعدم ارتفاع الحدث به. وناقشه بأنّ المقتضي لسلب الطهوريّة عن الماء تحمّله للنجاسة الحكميّة عن الجنب ، وهو إنّما يحصل بارتفاع حدث الجنابة (٣). وكلام العلّامة حسن.

وقد وافق الشيخ في القول بعدم ارتفاع الحدث حينئذ الشهيد في البيان (٤).

وقال في الذكرى : نصّ الشيخ على عدم طهارته للنهي في العبادة ، وتخيّل التناقض إن جعلنا النزح للاستعمال (٥).

__________________

(١) راجع الصفحة ١٨٥ ، والمصدر الحاكي لذلك هو الذكرى : ١٠.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٩٠.

(٣) مختلف الشيعة ١ : ٢٢١.

(٤) البيان : ١٠٠.

(٥) ذكرى الشيعة : ١١.

٢٣٤

وصرّح العلّامة في المنتهى والنهاية بارتفاع حدثه (١). ولم يرجّح في التذكرة شيئا. وإنّما حكى قول الشيخ ساكتا عليه (٢). وكذا في التحرير (٣).

ويعزى إلى بعض المتأخّرين الحكم بصحّة الغسل وارتفاع الحدث إن أوقعه بطريق الارتماس ، وأنّه مع الترتيب يصحّ منه ما قبل وصول مائه إلى البئر إن كان خارجا عن الماء ، وإلّا فما قارن به النيّة خاصّة.

واستشكله والدي رحمه‌الله بالنظر إلى صورة الترتيب ؛ لتعليق الحكم على الاغتسال فلا يتحقّق إلّا بالإكمال (٤). وله وجه. غير أنّ التمسّك بما حقّقناه يريح من حمل أعباء هذه التكلّفات.

مسألة [٢٧] :

وأوجب الشيخ والصدوق رضوان الله عليهما نزح السبع لسامّ أبرص إذا تفسّخ في البئر.

يظهر ذلك من كلامهما في التهذيب ، ومن لا يحضره الفقيه (٥).

أمّا الشيخ فلأنّه أورد رواية يعقوب بن عيثم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سام أبرص وجدناه قد تفسّخ في البئر؟ قال : « إنّما عليك أن تنزح منها سبع

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ١٠٩ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٦١.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٧ ، طبعة مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ٥ ، الطبعة الحجريّة.

(٤) روض الجنان : ١٥٤.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٥ ، ومن لا يحضره الفقيه ١ : ٢١ ، الحديثان ٣١ و ٣٢.

٢٣٥

دلاء ». قلت : فثيابنا التي قد صلّينا فيها نغسلها ونعيد الصلاة؟ قال : « لا » (١).

ثمّ قال الشيخ : وسأل جابر بن يزيد الجعفي أبا جعفر عليه‌السلام عن السامّ أبرص في البئر. فقال : « ليس بشي‌ء. حرّك الماء بالدلو ».

قال محمّد بن الحسن : المعنى فيه إذا لم يكن تفسّخ ؛ لأنّه إذا تفسّخ نزح منها سبع دلاء على ما بيّناه في الخبر الأوّل (٢).

وأمّا الصدوق فإنّه أورد الحديثين في الكتاب (٣). والعهد قريب بعد بالقاعدة التي قرّرها في أوّله من أنّه : « لا يورد فيه إلّا ما يفتي به ويحكم بصحّته » (٤).

واستوجه المحقّق في المعتبر الاستحباب ؛ استضعافا للرواية ، ولأنّ ما لا نفس له سائلة ليس ينجس ولا ينجس شي‌ء بموته فيه (٥).

وقال العلّامة رحمه‌الله في المنتهى بعد أن ذكر الروايتين وحمل رواية يعقوب على الاستحباب : أمّا أوّلا فلرواية جابر ، وأمّا ثانيا فلأنّها لو كانت نجسة بوقوعه لما اسقط عنه غسل الثوب (٦).

وفي كلامه نظر ؛ لأنّ إسقاط غسل الثوب إنّما يدلّ على عدم وجوب النزح لرفع النجاسة ، لا على عدم الوجوب للتعبّد ـ كما هو رأيه في الكتاب ـ فلا يصلح ذلك وجها للحمل على الاستحباب. نعم ضعف الرواية ـ كما ذكره المحقّق ـ

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٥ ، الحديث ٧٠٧.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٥ ، الحديث ٧٠٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢١.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ : المقدّمة.

(٥) المعتبر ١ : ٧٥.

(٦) منتهى المطلب ١ : ٩٦.

٢٣٦

يصلح وجها له حيث يتسامحون في أدلّة السنن.

مسألة [٢٨] :

وينزح لذرق الدجاج خمس دلاء. قاله الشيخان وجماعة (١).

وقيّده المفيد رحمه‌الله والجماعة بالجلّال.

وأطلق الشيخ. ولعلّه بناء على القول بنجاسته مطلقا ، كما هو أحد القولين له.

ولم نقف لهذا الحكم على دليل. وقد ذكر كثير من الأصحاب عدم النصّ فيه.

قال المحقّق في المعتبر ـ بعد أن حكى الحكم بالإطلاق عن الشيخ وبالقيد عن غيره ـ : « وفي القولين إشكال :

أمّا الإطلاق فضعيف ؛ لأنّ ما ليس بجلّال ذرقه طاهر ، وكلّ رجيع طاهر لا يؤثّر في البئر تنجيسا.

أمّا الجلّال فذرقه نجس. ولكن تقدير نزحه بالخمسة في موضع المنع ، ونطالب قائله بالدليل ».

ثمّ قال : « ويقرب عندي أن يكون داخلا في قسم العذرة ينزح له عشرون ، وإن ذاب فأربعون أو خمسون ويحتمل أن ينزح ثلاثون لخبر المبخّرة » (٢).

وقال العلّامة في المختلف ـ بعد حكاية الحكم مطلقا ومقيّدا ـ : « وعلى القولين لم يصل إلينا حديث متعلّق بالنزح لهما.

ويمكن الاحتجاج بأنّه ماء محكوم بنجاسته ، فلا يطهر بدون النزح.

والتقدير مستفاد من رواية محمّد بن إسماعيل الصحيحة عن الرضا عليه‌السلام

__________________

(١) النهاية ونكتها ١ : ٢٠٩ ، والمقنعة : ٦٨.

(٢) المعتبر ١ : ٧٦.

٢٣٧

وقد سأله عن البئر يكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم ، أو يسقط فيها شي‌ء من العذرة كالبعرة أو نحوها. ما الذي يطهّرها حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقّع عليه‌السلام في كتابي بخطّه : « ينزح منها دلاء » (١).

وقال : « والاحتجاج به بعيد لعدم دلالته على التقدير ، وإنّما يستدلّ به على أنّه لا يجزي أقلّ من خمسة من حيث أنّه جمع كثرة » (٢). هذا.

وكلا الكلامين لا يخلو من نظر :

أمّا كلام المحقّق فلأنّ لفظ العذرة مخصوص بفضلة الإنسان ، كما نصّ عليه أهل اللغة ، ومع ذلك فقد بيّنّا ضعف الرواية الواردة في حكم العذرة.

وخبر المبخرة الذي احتمل نزح الثلاثين له هو خبر كردويه السابق فيما ينزح لماء المطر المصاحب للنجاسات المخصوصة (٣) ، وقد علمت عدم نهوضه بإثبات الحكم لعدم صحّة إسناده.

وأمّا كلام العلّامة رحمه‌الله فلابتناء احتجاجه على عموم لفظ العذرة أيضا ، وهو خاصّ كما ذكرنا ، ولأنّه موقوف على ثبوت كون جموع الكثرة حقايق فيها وليس بمعلوم كما أشرنا إليه آنفا. وقد توقّف في ذلك هو في المنتهى (٤). وعلى تقدير ثبوت كونها حقايق بالنظر إلى اللغة فالاستعمال العرفي مستمرّ على خلافه.

ثمّ إنّ اللازم من احتجاجه هذا تقدير ما ينزح لذلك بما زاد على العشر.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٤ ، الحديث ٧٠٥ ، مع اختلاف غير يسير.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٢١٥.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٤١٣ ، الحديث ١٣٠٠.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٩٤.

٢٣٨

وربّما تشبّث به بعض للتقدير بالخمس بعد ضميمة الإجماع على نفي الزيادة عنها إليه.

وهو غريب ؛ فإنّ ملاحظة هذا الإجماع يقتضي أن لا يكون لفظ الدلاء في الحديث مستعملا في الكثرة. وتلفيق الاحتجاج كان موقوفا عليه ، إذ هو بعض مقدّماته.

وبالجملة فأمثال هذه الاحتجاجات تدلّ على قلّة التأمّل.

مسألة [٢٩] :

وينزح لموت الفأرة مع عدم التفسّخ ثلاث دلاء ، وهو اختيار الشيخ رحمه‌الله (١).

واعتبر المفيد وجماعة في ذلك عدم الانتفاخ أيضا (٢).

وقال الصدوقان : ينزح لها مع عدم التفسّخ دلو واحد (٣).

لنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر؟ قال : ينزح منها ثلاثة دلاء » (٤).

وفي الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (٥).

وإنّما اشترطنا عدم التفسّخ ؛ لورود الأخبار الكثيرة بنزح السبع أيضا لها. فجعل ذلك وجها للجمع بين الأخبار. وقد وقع التنبيه عليه في بعضها أيضا

__________________

(١) النهاية ونكتها ١ : ٢٠٨.

(٢) المقنعة : ٦٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٧.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٨ ، الحديث ٦٨٨.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٨ ، الحديث ٦٨٩.

٢٣٩

كما مرّ تحقيقه في حكم التفسّخ.

وأمّا اعتبار عدم الانتفاخ فقد بيّنا أنّه لا دليل عليه. وقول الصدوقين لم نقف له على حجّة.

وفي صحيحة زيد الشحّام المتقدّمة « فيما ينزح لموت الكلب : نزح خمس دلاء للفأرة مع عدم التفسّخ » (١). وهو محمول على الاستحباب عند من يوجب النزح. وعلى الأكمليّة على القول بالندبيّة.

مسألة [٣٠] :

وينزح الثلاث لموت الحيّة. ذكره كثير من الأصحاب كالشيخين والفاضلين (٢). ولم يرد بخصوصها نصّ.

وإنّما احتجّ له المحقّق في المعتبر بما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها فانزح منها دلاء » (٣). ووجّهه بأنّ أقلّ محتملات لفظ الدلاء هو الثلاث فينزّل عليها.

ثمّ قال : « والذي أراه وجوب النزح في الحيّة لأنّ لها نفسا سائلة وميتتها نجسة » (٤).

وتبعه في هذا الاحتجاج العلّامة في المنتهى فقال ـ بعد ذكر الرواية ـ : إنّها تحمل على الثلاث أخذا بالمتيقّن في أقلّ الجمع. ثمّ ذكر القليل بوجود النفس

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٤.

(٢) النهاية ونكتها : ٢٠٨ ، والمقنعة : ٦٧ ، والمعتبر ١ : ٧٥ ، ومختلف الشيعة ١ : ٢١٤.

(٣) الكافي ٣ : ٦ ، الحديث ٧.

(٤) المعتبر ١ : ٧٥.

٢٤٠