معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

مسألة [٢] :

اشترط الشهيد في الدروس دوام النبع في عدم انفعال قليل الجاري بالملاقاة (١) ، وتبعه بعض المتأخّرين. ولا يخلو هذا الشرط من إجمال.

وقد اختلف كلام من تأخّر عنه من الأصحاب في بيان المراد منه ، فذكروا فيه وجهين :

أحدهما : أنّ المراد بالدوام عدم الانقطاع في أثناء الزمان ، ككثير من المياه التي تخرج زمن الشتاء وتنقطع في الصيف.

وهذا المعنى وإن كان له قرب بالنظر إلى ظاهر اللفظ لكونه المتبادر منه في العرف لكنّه مستبعد في نفسه جدّا.

أمّا أوّلا : فلأنّه لا شاهد له من الأخبار ، ولا يساعد عليه الاعتبار. فهو تخصيص لعموم الدليل بمجرّد التشهّي.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الدوام بالمعنى المذكور إن اريد به ما يعمّ الزمان كلّه فلا ريب في بطلانه ؛ إذ لا سبيل إلى العلم به. وإن خصّ ببعضها فهو مجرّد التحكّم.

وبالجملة فهذا المعنى من الفساد بحيث لا يحتاج إلى البيان. وقد قال الفاضل الشيخ علي في بعض فوائده :

« إنّ أكثر المتأخّرين عن الشهيد رحمه‌الله ممّن لا تحصيل لهم فهموا هذا المعنى من كلامه وهو منزّه عن أن يذهب إلى مثله فإنّه تقييد لإطلاق النصّ بمجرّد الاستحسان ، وهو أفحش أغلاط الفقهاء ».

وبالغ في توجيه فساده حتّى قال : « إنّه ليس محطّ نظر فقيه فيحتاج إلى

__________________

(١) الدروس الشرعيّة ١ : ١١٩.

٣٠١

الكلام عليه والاعتناء بردّه ، وإنّما قصد بذلك الإشارة إلى خطأه ليتجنّبه ذوو البصائر » (١). ونعم ما قال.

الثاني : ما فهمه الفاضل الشيخ علي وجعله الظاهر وهو أنّ المراد بدوام النبع استمراره حال الملاقاة بالنجاسة وهو حسن.

وتقريبه : إنّ عدم الانفعال بالملاقاة في قليل الجاري معلّق بوجود المادّة ـ كما علمت ـ فلا بدّ في الحكم بعدم الانفعال فيه من العلم بوجودها حال ملاقاة النجاسة.

وربّما يتخلّف ذلك في بعض أفراد النابع ، كالقليل الذي يخرج بطريق الترشّح ؛ فإنّ العلم بوجود المادّة فيه عند ملاقاة النجاسة مشكل ؛ لأنّه يترشّح آنا فآنا فليس له في ما بين الزمانين مادّة. وهذا يقتضي الشكّ في وجودها عند الملاقاة فلا يعلم حصول الشرط. واللازم من ذلك الحكم بالانفعال بها ؛ عملا بعموم ما دلّ على انفعال القليل لسلامته حينئذ عن معارضة وجود المادّة.

ولا يخفى أنّ اشتراط استمرار النبع يخرج مثل هذا. ولولاه لكان داخلا في عموم النابع لصدق اسمه.

وهذا التقريب وإن اقتضى تصحيح الاشتراط المذكور في الجملة ، إلّا أنّه ليس بحاسم لمادّة الإشكال من حيث إنّ ما هذا شأنه في عدم العلم بوجود المادّة له عند الملاقاة ربّما حصل له في بعض الأوقات قوّة بحيث يظهر فيه أثر وجود المادّة واللازم حينئذ عدم انفعاله. مع أنّ ظاهر الشرط يقتضي نجاسته.

ويمكن أن يقال : إنّ الشرط منزّل على الغالب من عدم العلم بوجود المادّة في مثله وقت الملاقاة ويكون حكم ذلك الفرض النادر محالا على الاعتبار

__________________

(١) لم نعثر عليه.

٣٠٢

وهو شاهد بمساواته للمستمرّ.

مسألة [٣] :

لا ريب في نجاسة الجاري إذا تغيّر في أحد أوصافه بالنجاسة ، وقد تقدّم في بحث الواقف ما يدلّ عليه.

ثمّ إن كان التغيّر مستوعبا له نجس أجمع. وإن اختصّ بالبعض نجس المتغيّر قطعا. وأمّا الباقي فيختلف حكمه باختلاف حال الماء في الكثرة والقلّة واستواء السطوح حينئذ ، واختلافها ، وقطع التغيّر لعمود الماء وعدمه.

وتفصيل المسألة أن نقول : إذا تغيّر بعض الجاري فإمّا أن يكون متساوي السطوح أو لا.

وعلى التقديرين إمّا ينقطع بالتغيّر عمود الماء وهو ما بين حافّتي المجري عرضا وعمقا أو لا.

وعلى الأوّل : إمّا أن يبلغ ما يلي المتغيّر إلى غير جهة المادّة مقدار الكرّ أو لا.

فهذه صور ستّ :

الاولى : أن [ يكون ] السطوح مستوية ولا ينقطع عمود الماء. ولا إشكال في اختصاص المتغيّر بالتنجيس. لا سيّما إذا كان المجموع ممّا ليس بمتغيّر بالغا مقدار الكرّ.

الثانية : الصورة بحالها ولكن قطع التغيّر عمود الماء وكان ما يلي المتغيّر في غير جهة المادّة كرّا. وحكمها كالأولى ، إلّا أنّه على القول باعتبار الكرّيّة في الجاري لا بدّ من بلوغ ما يلي المتغيّر إلى جهة المادّة مقدار الكرّ.

وربّما يوجد في كلام بعض الأصحاب الحكم بعدم انفعاله وإن اعتبرنا الكرّيّة وكان قليلا ؛ معلّلا بأنّ جهة المادّة في الجاري أعلى سطحا من النجس ،

٣٠٣

فلا ينفعل به. وليس بشي‌ء ؛ فإنّ الجريان يتحقّق مع المساواة كما يشهد به العيان. ولا ندري من أين فهم توقّفه على علوّ جهة المادّة.

الثالثة : أن [ تستوي ] السطوح ويقطع التغيّر العمود ويكون ما يليه إلى غير الجهة دون الكرّ ، ولا ريب في نجاسته مع المتغيّر لملاقاته له وقبوله التأثير به من حيث القلّة. وحكم ما قبل المتغيّر كالتي قبلها.

الرابعة : أن تختلف السطوح ولا ينقطع العمود والحكم كما في الصورة الاولى.

الخامسة : الصورة بحالها ولكن انقطع العمود وكان ما بعده بالغا قدر الكرّ. والكلام فيها مبنيّ على الخلاف المتقدّم في اشتراط استواء سطوح مقدار الكرّ من الواقف وعدمه. فعلى الاشتراط ينجس ما تحت المتغيّر ، وعلى عدمه يختصّ الحكم بالمتغيّر. وأمّا ما فوقه فهو طاهر قطعا وإن اعتبرنا الكرّيّة في الجاري وكان أقلّ من الكرّ ؛ لأنّه أعلى من النجس ، فلا يؤثّر فيه.

السادسة : أن يختلف وينقطع وينقص ما تحته عن الكرّ. ولا إشكال في نجاسة ما تحت المتغيّر كما لا إشكال في طهارة ما فوقه.

مسألة [٤] :

قد عرفت ـ بما حقّقناه ـ إنّ قليل الجاري وكثيره سواء في عدم التنجيس بدون التغيّر ، فحيث يحكم بنجاسته يتوقّف طهره على زوال تغيّره ، وتدافع المادّة ، وتكاثرها عليه حتّى يستهلكه بناء على اشتراط الامتزاج في تطهير الماء ، كما اخترناه سابقا.

وأمّا على القول بالاكتفاء بمجرّد الاتّصال فظاهر البعض توقّفه على ذلك أيضا ـ بناء على ذلك أيضا ـ نظرا إلى أنّ الاتّصال الذي يكتفى به في التطهير هو الحاصل بطريق العلوّ على النجس أو المساواة له وليس ذلك بمتحقّق

٣٠٤

في المادّة لأنّها باعتبار خروجها من الأرض [ لا تكون ] إلّا أسفل منه. وصرّح جمع من المتأخّرين بحصول الطهارة بمجرّد زوال التغيّر ، وعلّلوه بوجود المادّة.

والتحقيق : أنّه إن كان للمادّة نوع علوّ على الماء النجس أو مساواة فالمتّجه الحكم بالطهارة عند زوال التغيّر بناء على الاكتفاء بالاتّصال. وإلّا فاشتراط التكاثر والتدافع متعيّن. هذا حكمه باعتبار تطهيره بنفسه.

فأمّا تطهيره بغيره فالحكم فيه كما في الواقف. وقد مرّ تحقيق طرقه فليلحظ من هناك.

فروع :

[ الفرع ] الأوّل :

حكم ماء البئر على القول [ بعدم ] انفعاله بالملاقاة ـ كما هو المختار ـ حكم الجاري ؛ فإنّه بعض أفراده ، فيطهر مع التغيّر ، بتكاثر مادّته وتدافعها حتّى يستهلك التغيّر ، كما في غيره من أقسام الجاري.

وظاهر بعض الأصحاب توقّف طهارته على النزح مع القول بعدم الانفعال بالملاقاة.

ولعلّ وجهه : إنّ التدافع والتكاثر لا يحصلان إلّا مع النزح ولهذا قالوا : إنّ السرّ في النزح كونه بمنزلة إجراء الماء ليزول عنه الأثر الحاصل بالنجاسة.

[ الفرع ] الثاني : قال في التذكرة : لو نبع الماء من تحت الواقف النجس لم يطهّره وإن أزال التغيّر (١).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٢١.

٣٠٥

وهذا الحكم على ظاهره مشكل ؛ لأنّ المقتضي لعدم تطهيره له إمّا كون النجس على حال الاتّصال أو نقصان النابع عن مقدار الكرّ. وكلاهما منظور فيه.

أمّا الأوّل : فلوجود مثله في الجاري ، وقد حكم بطهارته مع التكاثر وإزالة التغيّر. والفرق بين الموضعين ليس بواضح.

وأمّا الثاني : فلأنّه لا وجه لتخصيص الحكم بالنابع من تحت ؛ لأنّه جار في مطلق النابع الناقص عن الكرّ ، فإنّ الأجزاء الواقعة منه على النجس المختلطة به [ تنفعل ] بذلك عنده. فأيّ نكتة في التخصيص بما ذكره؟

والحقّ : أنّ النابع في هذه الصورة لا ينفعل.

وأمّا الواقف فإن استهلكه النابع بأن كثر تدافعه عليه واستعلاؤه له طهر أيضا ، وإلّا فلا.

وقد حكى المحقّق في المعتبر عن الشيخ أنّه لم يفرّق في المبسوط في تطهير الواقف القليل بين كون المطهّر نابعا من تحته أو يجري إليه أو يقلب فيه (١). وأنّه قال في الخلاف : لا يطهر إلّا أن يرد عليه كرّ من ماء (٢).

ثمّ قال المحقّق : وهذا أشبه بالمذهب لأنّ النابع ينجس بملاقاة النجاسة. وإن أراد بالنابع ما يوصل به من تحته ـ لا أن يكون نبعا من الأرض ـ فهو صواب (٣).

وتبعه على هذا في المنتهى فحكى كلام الشيخ في الكتابين ثمّ قال : وإن أراد بالنابع ما يكون نبعا من الأرض ففيه إشكال من حيث إنّه ينجس بالملاقاة

__________________

(١) المعتبر ١ : ٥١.

(٢) الخلاف ١ : ١٩٤.

(٣) المعتبر ١ : ٥١.

٣٠٦

فلا يكون مطهّرا. وإن أراد به ما يوصل به من تحته فهو حقّ (١).

وهذا الكلام يؤذن بأن النظر في كلام التذكرة (٢) إلى الوجه الثاني لا الأوّل.

وربّما يستغرب هاهنا كلام المحقّق لمخالفته بحسب الظاهر لما هو المعهود منه في حكم الجاري ؛ فإنّه لا يقول بانفعاله بالملاقاة ، ويرى أنّ كلام العلّامة جار على رأيه في الجاري ، مشيا على ظاهر الحال من عدم بلوغ النابع في الفرض المذكور مقدار الكرّ ، وإلّا لكان من قبيل التطهير بالكرّ على جهة القلب فيه.

أقول : والتحقيق عندي أنّ الأمر بالعكس ، فإنّ في كلام الشيخ رحمه‌الله إشعارا بأنّ المراد بالنابع في الفرض الذي ذكره هو البئر ؛ لأنّه قال في الخلاف : إذا نقص الماء عن الكرّ وحصل فيه نجاسة فإنّه ينجس وإن لم يتغيّر أحد أوصافه ، ولا يحكم بطهارته إلّا إذا ورد عليه كرّ من ماء فصاعدا.

وقال الشافعي : « يطهر بشيئين : أحدهما أن يرد عليه ماء طاهر يتمّ به قلّتين ، أو ينبع فيه ما يتمّ به قلّتين ».

ثمّ قال الشيخ : دليلنا ما ذكرناه في المسألة الاولى. وأشار بذلك إلى ما ذكره في مسألة تطهير الكثير المتغيّر حيث قال : إنّ الطريق إلى تطهيره أن يورد عليه من الماء الطاهر كرّ فصاعدا ، ويزول عند ذلك تغيّره وأنّه لا يطهر بشي‌ء سواه.

وحكى أنّ للشافعي في طريق تطهيره وجوها : منها أن ينبع من الأرض ما يزول معه تغيّره.

ثمّ قال : دليلنا إنّ الماء معلوم نجاسته وليس لنا أن نحكم بطهارته إلّا بدليل ، وليس على الأشياء التي اعتبرها دليل على أنّها تطهر الماء.

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٦٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٢١.

٣٠٧

قال : ولا يلزمنا مثل ذلك إذا ورد عليه كرّ من ماء ؛ لأنّ ذلك معلوم أنّه يطهر به ، لأنّه إذا بلغ كرّا فلو وقع فيه عين النجاسة لم ينجس إلّا أن يتغيّر أحد أوصاف الماء ، والماء النجس ليس بأكثر من عين النجاسة. فأمّا نبعه من الأرض فإنّ ذلك يعتبر في الآبار ولها حكم يخصّها. هذا كلامه (١).

ولا يخفى أنّه بعد إرادة البئر من النابع يتّجه كلام المحقّق حيث إنّه يقول بانفعاله بالملاقاة (٢) ، ويشكل كلام العلّامة ؛ لأنّه لا يقول به (٣).

والتشبّث بجهة اشتراط الكرّيّة إنّما يتوجّه مع ظهور كون المفروض ناقصا عنها وليس بظاهر. وما ذكر من القرينة عليه ضعيف الدلالة.

وقد كان الأولى مع البناء على هذا تفصيل المسألة وترك الإجمال الواقع فيها.

على أنّ له في النهاية كلاما يؤذن بعدم البناء في هذا الحكم على الجهة المذكورة حيث قال : « لو نبع من تحته ـ يعني القليل النجس ـ فإن كان على التدريج لم يطهر ، وإلّا طهر (٤). وأطلق الحكم بعدم الطهارة بذلك في القواعد والتحرير (٥).

وبالجملة : ففرضه في هذا المقام بعيد عن التحرير.

وفي الذكرى : لو نبع الكثير من تحته كالفوّارة فامتزج طهّره لصيرورتهما

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٩٤.

(٢) المعتبر ١ : ٥٤.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٥.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٢٥٧.

(٥) قواعد الأحكام ١ : ١٨٦. وتحرير الأحكام ١ : ٤.

٣٠٨

واحدا. أمّا لو كان ترشّحا لم يطهر لعدم الكثرة الفعليّة (١). وهو ناظر إلى ما ذكرناه من اعتبار الاستهلاك بالتدافع والاستيلاء. وقد أجاد.

[ الفرع ] الثالث :

أطلق العلّامة رحمه‌الله في كتبه طهارة الجاري المتغيّر بتكاثر الماء وتدافعه عليه حتّى يزول تغيّره ، وعلّله في المنتهى والتذكرة بأنّ الجاري لا يقبل النجاسة لجريانه ، والمتغيّر مستهلك فيه فيطهر (٢).

وأنت خبير بأنّ هذا لا يتمّ على ما ذهب إليه من انفعال ما دون الكرّ من الجاري بالملاقاة ؛ إذ من البيّن أنّ ما يتجدّد من المادّة بعد استيعاب التغيّر لجميع الماء لا يبلغ مقدار الكرّ ، واللازم من ذلك انفعاله بملاقاة المتغيّر. وهكذا يقال في ما بعده. وهلمّ جرّا.

فلا يتصوّر حصول الطهارة به وإن استهلك المتغيّر ؛ لأنّ الاستهلاك إنّما يحصل بالماء المحكوم بنجاسته لملاقاة المنجّس الأوّل له فلا يثمر تطهيرا فيمتنع حينئذ حصول الطهارة له من نفسه ويتوقّف طهره على مطهّر من خارج.

وكلامه صريح في خلاف ذلك فيمكن أن يجعل هذا من جملة الأدلّة على بطلان تلك الدعوى.

ويظهر من كلامه في حكم تغيّر البئر أنّه يرى تعيّن النزح وإن أمكن إزالة التغيّر بغيره.

وحمله بعض المتأخّرين على أنّه ناظر إلى اشتراط الكرّيّة في عدم انفعاله لكونه من جملة أنواع الجاري الذي يعتبر فيه الكرّيّة فلا تصلح المادّة بمجرّدها

__________________

(١) ذكرى الشيعة ١ : ٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٦.

٣٠٩

للتطهير حيث يزول التغيّر.

ولا يذهب عليك أنّ حكمه بحصول الطهارة في مثل ذلك في مطلق الجاري الذي هو العنوان في الاشتراط [ يباين ] هذا الحمل وينافيه. ولو نظر إلى ذلك في تطهير حكم البئر لكان مورد الشرط أعني مطلق الجاري أحقّ بهذا النظر.

فإن قلت : يمكن أن ينظر إلى ذلك في تطهير البئر فيقف مع مورد النصّ وهو النزح ويكون ذلك منشأ لعدم النظر إليه في حكم غيره من أقسام الجاري بتقريب حاصله :

إنّ الحكمة في النزح ـ كما سبق إليه إشارة ـ هي إخراج ماء البئر من حدّ الواقف إلى كونه جاريا جريانا يزيل عنه التأثّر الحاصل بالنجاسة ، وإذا اقتضى ذلك حصول الطهارة له مع التغيّر فينبغي أن يكون الجريان في غيره مقتضيا لحصولها ، إذ المرجع في هذا إلى أنّ العلّة في الطهارة هي جريان الماء ، فيلزم وجود المعلول حيثما وجدت العلّة ، لا سيّما إذا كان وجودها في غير محلّ الدليل أقوى.

والحال هنا كذلك ؛ فإنّ الجريان الحاصل عن النزح ضعيف بالنظر إلى ما يحصل في مطلق الجاري وحينئذ يكون حكم التغيّر مستندا إلى الدليل النقلي فيختصّ عموم ما دلّ على حصول الانفعال بملاقاة النابع للنجاسة بغير صورة التغيّر.

قلت : ملاحظة التعليل الذي ذكرته وفرض صلاحيّته للتعدية إلى غير محلّه يقتضي في الحقيقة إبطال القول بانفعال الجاري بالملاقاة رأسا لا أنّه يخصّصه بغير صورة التغيّر.

وتحقيق ذلك : إنّ حال التغيّر مشتمل على ملاقاة النجاسة قطعا. وزيادة وصف التغيّر إن لم [ تكن ] مقويّة للنجاسة فليست بمقتضية لضعفها.

٣١٠

وإذا ثبت كون المادّة في هذا الحال صالحة لقهر النجاسة وإزالتها وغير منفعلة بملاقاتها ولا متأثّرة بها فهل هذا إلّا عين الإبطال للقول بالانفعال.

مسألة [٥] :

ماء الغيث ملحق بالجاري في عدم الانفعال بالملاقاة ما دام نازلا سواء أجرى أم لم يجر.

ذهب إليه أكثر الأصحاب كالفاضلين (١) والشهيدين (٢) وغيرهم.

وقال الشيخ في التهذيب : الوجه إنّ ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه حكم الماء الجاري لا ينجّسه شي‌ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو رايحته (٣). وتبعه في ذلك صاحب الجامع (٤).

احتجّ الأوّلون بما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام بن سالم : « أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف (٥) فيصيب الثوب؟ فقال : لا بأس به. ما أصاب من الماء أكثر منه » (٦).

وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر : « أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهم‌السلام عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلّي فيه

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٢٩. والمعتبر ١ : ٤٢.

(٢) الدروس الشرعيّة ١ : ١١٩. والروضة البهيّة ١ : ٢٥٨.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٤١١.

(٤) الجامع للشرائع : ٢٠ ، مطبعة سيّد الشهداء.

(٥) يكفّ أي يقطر.

(٦) من لا يحضره الفقيه ١ : ٧ ، الحديث ٤ ، طبعة جماعة المدرّسين.

٣١١

قبل أن يغسله؟ فقال : لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلّي فيه ولا بأس » (١).

وبما رواه الكليني في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : « قلت فيسيل عليّ من ماء المطر أرى فيه التغيّر وأرى فيه آثار القدر فتقطر القطرات عليّ وينتضح علي منه ، والبيت يتوضّأ على سطحه فيكفّ على ثيابنا؟ قال : ما بذا بأس. لا يغسله. كلّ ما يراه ماء المطر فقد طهر » (٢).

واحتجّ الشيخ بما رواه في الحسن عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في ميزابين سالا ، أحدهما بول الآخر ماء المطر فاختلطا ، فأصاب ثوب رجل لم يضرّ ذلك » (٣).

وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : « عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثمّ يصيبه المطر أيؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة؟ فقال : إذا جرى فلا بأس » (٤).

وروى محمّد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لو أنّ ميزابين سالا ، ميزاب ببول وميزاب بماء فاختلطا ثمّ أصابك ، ما كان به بأس » (٥).

وعندي في كلتا الحجّتين نظر.

أمّا الاولى : فلأنّ صحيح هشام بن سالم إنّما يدلّ على عدم انفعاله بالملاقاة مع وروده على النجاسة لا مطلقا ، وستعلم أنّ جمعا من الأصحاب ذهبوا

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٨ ، الحديث ٧.

(٢) الكافي ٣ : ١٣ ، الحديث ٣.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٤١١ ، الحديث ١٢٩٥.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٤١١ ، الحديث ١٢٩٧.

(٥) الكافي ٣ : ١٢ ، الحديث ٢.

٣١٢

إلى عدم انفعال القليل من الواقف بملاقاة النجاسة إذا ورد عليها مع حكمهم بالانفعال في عكسه.

فليس في الحكم بعدم الانفعال في الصورة المعيّنة التي هي مورد النصّ دلالة على عدم الانفعال مطلقا كما هو المدّعى.

والحاصل أنّ الخبر إنّما دلّ على عدم نجاسة ما يكفّ ـ أي يقطر ـ من السطح المنجّس إذا ورد الماء عليه ، وكان أكثر منه وعلى طهارة السطح حينئذ.

وهذا في التحقيق حكم من أحكام الجاري عند بعض الأصحاب وليس بمختصّ به عند آخرين ، والمدّعى مساواته للجاري مطلقا فهو إذن أخصّ من الدعوى.

وصحيح عليّ بن جعفر فيه إشعار بحصول الجريان وإن لم يكن من الميزاب.

والظاهر أنّ ذكر الميزاب في كلام الشيخ ليس على جهة التعيّن بل للمثال.

ورواية الكافي مرسلة ، مع أنّها في الدلالة قريبة من صحيح هشام بن سالم.

وأمّا الحجّة الثانية فلأنّ مقتضاها توقّف لحوق أحكام الجاري مطلقا على الجريان وهو لا ينافي ثبوت بعض أحكامه له وإن لم يجر.

فالحقّ : إنّ إثبات أحكام الجاري له على وجه العموم موقوف على الجريان ، وبدونه يقتصر منها على ما دلّ عليه النصّ الصحيح ، ويرجع فيما سوى ذلك إلى ما يقتضيه القواعد. وتنقيح المسألة حينئذ يتوقّف على ذكر فروع :

[ الفرع ] الأوّل :

إذا انقطع التقاطر صار واقفا وإن كان جاريا ، وذلك ممّا لا خلاف فيه ، وحكمه مع اختلاف السطوح كالواقف فيبنى عدم انفعاله بالملاقاة مع بلوغ مجموعه الكر أو اتّصاله بالكثير على الخلاف في اشتراط المساواة في مقدار الكرّ وعدمه. وقد سبق تحقيق ذلك.

٣١٣

[ الفرع ] الثاني :

إذا أصاب في حال تقاطره منجّسا ـ كالأرض ونحوها ـ واستوعب موضع النجاسة وزالت العين إن كانت موجودة طهر وإن لم يبلغ حدّ الجريان ، كما دلّ عليه صحيح هشام بن سالم (١). ولا بدّ من كون الماء الواقع أكثر من النجاسة لجعله في الحديث علّة لحصول الطهارة.

وكون مورد السؤال فيه السطح لا يقتضي اختصاص الحكم به ؛ لأنّ التعليل يدلّ على التعدية إلى كلّ ما يوجد فيه العلّة إذ الحال شاهدة لعدم مدخليّة الخصوصيّة فيها ، وقد بيّنا وجوب التعدية حينئذ.

ولا يحكم بنجاسة ما ينفصل منه عن المحلّ من دون أن تغيّره النجاسة وإن قلنا بنجاسة المنفصل من القليل الواقف عملا بهذا الحديث.

[ الفرع ] الثالث :

إذا وقع على ماء نجس غير متغيّر بدون جريان لم يطهّره على الأصحّ وإن قلنا بالاكتفاء في تطهير الماء بمجرّد الاتّصال ؛ لأنّ ذلك موقوف على تحقّق الكثرة في المطهّر المتّصل.

وقد بيّنا أنّ الدليل هنا لا ينهض بإثبات مطلق أحكام الجاري له بل بعض معيّن منها لا يجدي فيما نحن فيه.

ويعزى إلى بعض المتأخّرين ممّن يرى الاكتفاء بالاتّصال القول بحصول الطهارة حينئذ بوقوع القطرة الواحدة منه.

وهو غلط ؛ لأنّ المقتضي لذلك إمّا كونه في حكم الجاري أو النظر إلى ظاهر الآية حيث دلّت على كونه مطهّرا بقول مطلق ، وكلاهما فاسد.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٧.

٣١٤

أمّا الأوّل ؛ فلأنّا وإن تنزّلنا إلى القول بثبوت أحكام الجاري له مطلقا ، إلّا أنّك قد علمت أنّ المقتضي لطهارة الماء بمجرّد الاتّصال على القول به وهو كون الجزء الملاقي للكثير يطهر بملاقاته له ؛ عملا بعموم ما دلّ على كون الماء مطهّرا ، وبعد الحكم بطهارته يتّصل بالجزء الثاني وهو متّفق بالكثير الذي منه طهره فيطهر الجزء الثاني ، وهكذا.

ولا يذهب عليك أنّ هذا التوجيه لا يتوجّه هنا ؛ إذ أقصى ما يقال في القطرة الواقعة أنّها تطهّر ما تلاقيه. ولا ريب أنّ الانقطاع لا ينفكّ عن ملاقاتها وهي بعده في حكم القليل كما علمت فليس للجزء الذي طهر بها مقوّ حينئذ ليستعين به على تطهير ما يليه بل هو معها حين الانقطاع ماء قليل فيعود بها إلى الانفعال بملاقاة النجس.

وأمّا الثاني ؛ فقد مرّ الكلام فيه وبيّنا أنّه ليس له عموم. سلّمنا ولكن صدق التطهير يتوقّف على إصابة المطهّر للمحلّ النجس أو لأكثره. ومن المعلوم أنّ القطرة لا يتحقّق فيها ذلك. والتقريب الذي ذكر للكثير لا يتأتّى فيها ، كما قرّرناه.

نعم لو تكاثر تقاطره بحيث استوعب وجه الماء أو أكثره احتمل طهارته به عند من لم يشترط الجريان ، ولا الامتزاج.

[ الفرع ] الرابع :

إذا جرى في حال التقاطر فلا ريب في ثبوت أحكام الجاري له وتبنى طهارة الماء النجس غير المتغيّر مع اتّصاله به على الخلاف السابق في الاكتفاء بمجرّد الاتّصال أو التوقّف على الامتزاج.

فعلى الأوّل يطهر بوصوله إليه.

وعلى الثاني يتوقّف على التكاثر والتمازج كما مرّ تفصيله.

٣١٥

[ الفرع ] الخامس :

إذا وقع على ماء قليل طاهر فإن كان بطريق الجريان تقوّى به كالجاري فلا ينفعل بالملاقاة حينئذ. وإن كان بمجرّد التقاطر لم يفده تقوّيا ؛ لما بيّناه من عدم دلالة الروايات على ثبوت جميع أحكام الجاري له فيبقى داخلا في عموم قاعدة القليل.

وكذا لو اجتمع منه ما لا يتحقّق معه الجريان فإنّه لا يخرج به عن حكم القليل بالنظر إلى الانفعال بما يرد عليه من النجاسات.

٣١٦

البحث الرابع

في

المستعمل

مسألة [١] :

اختلف أصحابنا رحمهم‌الله في نجاسة غير المتغيّر من الماء القليل المستعمل في إزالة النجاسة عدا الاستنجاء بعد اتّفاقهم على نجاسته مع التغيّر بها كغيره ممّا قد سلف بيانه.

فذهب الفاضلان (١) وجماعة من المتأخّرين منهم الشهيدان (٢) في بعض كتبهما إلى نجاسته وانتصر لهذا القول بعض مشايخنا المعاصرين.

وذهب المرتضى وابن إدريس ـ فيما حكي عنهما ـ إلى طهارته إذا ورد على المحلّ النجس (٣) ، ونقل عن الشيخ في المبسوط أنّه حكى القول بعدم نجاسته عن بعض الناس ، وقوّاه (٤). وظاهر الشهيد في الذكرى ووالدي في

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ١٤١. والمعتبر ١ : ٩٠.

(٢) ذكرى الشيعة : ٩. وروض الجنان : ١٥٩.

(٣) ذكرى الشيعة : ٩.

(٤) روض الجنان : ١٥٩.

٣١٧

شرح الإرشاد الميل إليه (١). وصرّح باختياره الشيخ علي رحمه‌الله في بعض فوائده. ويعزى إلى جماعة من متقدّمي الأصحاب المصير إليه أيضا.

وفصّل الشيخ رحمه‌الله في الخلاف فحكم بنجاسة الاولى من غسالة الثوب دون الثانية ، وبطهارة غسالة الإناء من ولوغ الكلب مطلقا (٢).

احتجّ القائلون بالتنجيس مطلقا : بأنّه ماء قليل لاقى نجاسة فينجس.

وبما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به عن الجنابة لا يتوضّأ به وأشباهه » (٣).

وبما رواه العيص بن القاسم قال : « سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء فقال : إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه » (٤).

واحتجّ القائلون بالطهارة مطلقا بأنّه لو نجس مع وروده على النجاسة لامتنع حصول الطهارة به وهو باطل قطعا. ووجه الملازمة ظاهر ؛ فإنّ النجس لا يصلح للتطهير.

واعترض بالمنع من الملازمة ؛ فإنّا لا نحكم بنجاسة الماء إلّا بعد الانفصال عن المحلّ.

وأجيب بأنّ هذا يقتضي انفكاك المعلول عن علّته التامّة ووجوده بدونها ، وهو ظاهر البطلان. وحاصله : أنّه إذا لم ينجس بملاقاة النجاسة التي هي العلّة في الحكم بالتنجيس عندكم فكيف ينجس بعد انفصاله عنها ومفارقته لها؟ هذا.

__________________

(١) راجع المصدرين السابقين.

(٢) الخلاف ١ : ١٧٩ ، المسألة ١٣٥.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٢١ ، الحديث ٦٣٠ ، مع اختلاف يسير.

(٤) رواه في وسائل الشيعة ١ : ٢١٥ ، نقلا عن ذكرى الشيعة : ٩.

٣١٨

وقد اعترض على الوجه الأوّل من حجّة الأوّلين بمنع كلّية المقدمة المطويّة فيه التي هي كبراه أعني قولهم : « كلّ ماء قليل لاقى نجاسة ينجس » فإنّ ادّعاءها مصادرة ؛ إذ هو عين المتنازع.

وأجاب شيخنا المعاصر بأنّ الدليل على كلّيتها هو مفهوم الشرط في خبر « إذا كان الماء قدر كرّ » الحديث. وتعجّب ممّن يحتجّ بهذا المفهوم على انفعال القليل بالملاقاة كيف يمنع الكلّيّة هنا؟!

ثمّ إنّه اعترض على نفسه بأنّ العموم ليس بظاهر في المفهوم.

وأجاب بأنّه لو لا العموم لم يكن على نجاسة القليل بالملاقاة دليل ، ولكان استدلالهم به في غير هذه المسألة منتقضا.

وهذا الكلام ضعيف جدّا ؛ لأنّ المفهوم ليس بعامّ قطعا ؛ إذ الحكم المعلّق على الشرط في المنطوق هو نفي الانفعال بشي‌ء من النجاسات بطريق العموم ـ على ما هو شأن النكرة الواقعة في سياق النفي.

والشرط إنّما يقتضي نفي ما حكم به في المنطوق عن غير محلّ النطق. وذلك يصدق في موضع النزاع بإثبات الانفعال للناقص عن الكرّ في الجملة فلا عموم.

وما ذكره من انتفاء دلالته حينئذ على انفعال القليل مطلقا مسلّم وقد أشرنا إليه في أوّل الباب ، وبيّنا أنّ تتميم الاحتجاج به يحتاج إلى ضميمة الإجماع على عدم الفصل إليه ؛ لأنّه يدلّ على ثبوت الانفعال في الجملة.

وقد اتّضح بما ذكرناه فساد الاحتجاج على النجاسة هنا بكونه ماء قليلا لاقى نجاسة ؛ فإنّ عموم انفعال القليل بملاقاة النجاسة إنّما حصل بضميمة الإجماع على عدم الفصل ، وهو لا يتأتّى في محلّ النزاع ونحوه كما هو واضح.

واعترض على الوجه الثاني من حجّة الأوّلين أيضا ـ أعني رواية عبد الله

٣١٩

ابن سنان ـ بأنّها أعمّ من المدّعى حيث تضمّنت النهي عن الوضوء وهو أعمّ من النجاسة ، ثمّ إنّ عطف الجنابة عليه يؤذن بأنّ المرتفع هو الطهوريّة لا الطهارة.

هذا كلّه على تقدير سلامة سند الرواية وإلّا فهو ضعيف لا يصلح لإثبات حكم شرعيّ.

وبقي الوجه الثالث من حجّتهم وهو التمسّك برواية العيص بن القاسم وسيأتي الكلام عليه.

احتجّ الشيخ في الخلاف على نجاسة الغسلة الاولى في غسل الثوب بأنّه ماء قليل ومعلوم حصول النجاسة فيه فوجب أن يحكم بنجاسته (١). وبما رواه العيص بن القاسم ، وذكر الرواية التي احتجّوا بها للنجاسة مطلقا.

وعلى طهارة الثانية بأنّ الماء على أصل الطهارة ونجاسته يحتاج إلى دليل.

واحتجّ على طهارة غسالة إناء الولوغ مطلقا بأنّ الحكم بنجاسة ذلك يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدلّ عليه.

قال : « وأيضا فلو حكمنا بنجاسته لما طهر الإناء أبدا ؛ لأنّه كلّما غسل فما يبقى فيه من النداوة يكون نجسا فإذا طرح فيه ماء آخر نجس أيضا ، وذلك يؤدّي إلى أن لا يطهر أبدا ».

ويرد عليه : أنّ التوجيه الذي ذكره لنجاسة الغسلة الاولى في غسل الثوب على تقدير تمامه يقتضي نجاسة الثانية أيضا ؛ لأنّ المحلّ لم يطهر بعد وإلّا لم يحتجّ إليها. وإذا كان الحكم بنجاسته باقيا فالماء الملاقي له والحال هذه ينجس أيضا لعين ما ذكره في الاولى.

والرواية التي تمسّك بها ليس فيها تقييد بالاولى فإن كانت صالحة

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٧٩.

٣٢٠