معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

متناولا للذكر ـ ؛ فإنّه قال : « فإن مات فيها حمار أو بقرة أو فرس وأشباهها من الدّوابّ ، ولم يتغيّر بموته الماء نزح منها كرّ » (١). ولا ريب في دخول الثور في الأشباه.

ولمّا حكى الشيخ رحمه‌الله هذه العبارة في التهذيب ذكر على سبيل الاستدلال لمضمونها رواية عمرو بن سعيد بن هلال السابقة ، وفيه إيذان بالموافقة عليه ، وقد عرفت أنّه في الاستبصار احتجّ بخبر عبد الله بن سنان المتضمّن لنزح الجميع للثور على حكم البعير ، وهو يقتضي القول بمضمونه في الثور.

وكيف كان فالقول بنزح الجميع له هو الأصحّ ؛ لدلالة النصّ الصحيح عليه.

مسألة [٥] :

وينزح لوقوع الخمر أيضا الماء أجمع. وقد سبق إقرانه (٢) مع البعير والثور في حديثي الحلبي وابن سنان.

وروى الشيخ أيضا في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في البئر : يبول فيها الصبيّ ، أو يصبّ فيها بول أو خمر ، فقال : « ينزح الماء كله » (٣).

ولا يقدح في التمسّك بهذه الرواية ما أورده بعض الأصحاب من تضمّنها نزح الجميع للبول ، ولا قائل به. فقد حملها الشيخ على حصول التغيّر به (٤). وتبعه

__________________

(١) المقنعة : ٦٦.

(٢) في « أ » و « ب » : اقترانه مع البعير.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤١ ، الباب ١١ ، الحديث ٢٧.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤١ ، ذيل الحديث ٢٧.

١٨١

العلّامة في المختلف (١). وحملها المحقّق في المعتبر على الاستحباب بالنسبة إلى البول (٢) ، بناء على القول بوجوب النزح. وهو أنسب من حمل الشيخ ، فيراد منه الأكمليّة على القول بالاستحباب (٣).

وعلى التقديرين لا بدّ من التجوّز في قوله : « ينزح » بإرادة القدر المشترك بين المعنيين المعتبرين في البول والخمر ، ويكون اللفظ مجملا فيهما (٤) موكول البيان إلى الأخبار الاخر.

وإنّما كان حمل المحقّق أنسب ، لأنّ كلام الشيخ إنّما يتم على القول بوجوب النزح ؛ إذ الواجب مع التغيّر على القول باستحقاقه (٥) هو النزح إلى أن يزول.

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ أكثر علمائنا لم يفرّقوا بين القليل من الخمر والكثير ، فحكموا بنزح الجميع لكلّ ما يقع منه.

وقال الصدوق رحمه‌الله في المقنع : ينزح للقطرة من الخمر عشرون دلوا (٦). وهو مرويّ عن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر. قال : « الدّم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ، ينزح منه عشرون دلوا ، فإن غلب الرّيح نزحت حتى تطيب » (٧).

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ٢٠٧.

(٢) المعتبر ١ : ٦٨.

(٣) في « أ » و « ب » : باستحبابه.

(٤) في « ج » : مجملا فيها.

(٥) في « أ » و « ج » : على القول باستحبابه.

(٦) المقنع : ٣٤ ، الطبعة المحقّقة الاولى.

(٧) وسائل الشيعة ١ : ١٣٢ ، ابواب الماء المطلق ، الباب ١٥ ، الحديث ٣.

١٨٢

وفي رواية اخرى عن كردويه ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر؟ قال : « ينزح منها ثلاثون دلوا » (١).

وللشيخ في تأويلهما كلام ضعيف (٢).

ويظهر من المحقّق في المعتبر نوع ميل إلى العمل بهما في القطرة ، والفرق بينهما وبين صبّه. ووجّهه بأنّه ليس أثر القطرة في التنجيس كأثر ما يصبّ صبّا ؛ فإنّه يشيع في الماء (٣).

وناقشه العلّامة رضوان الله عليه في المنتهى بوجهين :

أحدهما : أنّ رواية زرارة اشتملت على حكم التغيّر ومن المستبعد بل المحال حصول التغيّر عن القطرة.

والثاني : إنّه لم يفرّق واحد من أصحابنا بين قليل الخمر وكثيره إلّا من شذّ (٤). وهذه المناقشة واهية بكلا وجهيها.

أمّا الأوّل : فلأنّا نعرف أنّ الرواية مشتملة على حكم التغيّر ، ولكن ما الّذي يقتضي صرفه إلى الخمر ليلزم المستبعد أو المحال مع عدم الاقتصار في الرواية عليه ، بل قد جمع فيها بينه وبين الميّت ولحم الخنزير ، فأيّ مانع من إرادة التغيّر الحاصل من الميّت وقرينه مع كونه الظاهر بقرينة الحال؟

ومع التنزّل فلا أقلّ من الاحتمال.

وأمّا الثاني : فهو من الضّعف بحيث لا يحتاج إلى التبيين.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ١٣٢ ، أبواب الماء المطلق ، الباب ١٥ ، الحديث ١.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٢ ، الباب ١١ ، الحديث ٢٩.

(٣) المعتبر ١ : ٥٨ و ٦٨.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٧٠ ، الطبعة المحققة الاولى ، مجمع البحوث الاسلامية ـ مشهد.

١٨٣

والتحقيق : أنّ الأخبار الاول لا تتناول القطرة لعدم صدق الانصباب عليها. ومنع بعض الأصحاب عدم التناول مكابرة ، فالأخبار (١) الواردة في حكم القطرة لا ينافيها بحيث تحتاج إلى تأويلها أو ردّها بل العمل بها ممكن إلّا أنّ ما تضمّن حكم القطرة ضعيف السّند فلا يصلح لإثبات الحكم.

واللازم من هذا أن يكون ممّا لا نصّ فيه. ويشكل الحكم على القول بنزح الجميع له فتأمّل.

فرع :

قال الشهيد في الذكرى : الأولى دخول العصير بعد الاشتداد في حكم الخمر لشبهه به إن قلنا بنجاسته (٢).

وهو ضعيف ؛ لأنّه قياس.

مسألة [٦] :

ألحق الشيخان وجمع من الأصحاب جميع المسكرات بالخمر في وجوب نزح الجميع(٣) ، والشيخ وجماعة الفقّاع أيضا (٤) ، ولم نقف في ذلك على نصّ.

وقد احتجّ له المحقّق رحمه‌الله ـ بعد أن ذكر عدم الاطلاع على حديث يدلّ عليه مطلقا ـ بأنّ كلّ مسكر خمر كما وردت به الأخبار ، وبأنّ الفقّاع خمر لدلالة

__________________

(١) في « ب » : والأخبار.

(٢) ذكرى الشيعة : ١١.

(٣) المبسوط ١ : ١١ ، والمقنعة : ٦٧ ، والنهاية ونكتها ١ : ٢٠٧.

(٤) المبسوط ١ : ١١ ، الكافي لأبي الصلاح الحلبي : ١٣٠ ، السرائر : ٩.

١٨٤

الروايات الكثيرة عليه ، فثبت للجميع حكمه (١). وتبعه على ذلك كثير ممّن تأخّر عنه من الأصحاب.

وعندي فيه نظر ؛ لأنّ الأخبار التي أشار إليها ليست صريحة في صدق اسم الخمر حقيقة على ما ذكر ، بل هي محتملة للتجوّز باعتبار الاشتراك في التحريم ، لأنها مسوقة لبيانه ، والإنكار على من يزعم (٢) اختصاص التحريم الخمر.

ولا يذهب عليك أنّ أصالة كون الاستعمال حقيقة لا ينفع بعد ثبوت كون اللّفظ حقيقة في معنى آخر لرجحان المجاز على الاشتراك والنقل وما نحن فيه من هذا القبيل.

مسألة [٧] :

وأوجب الشيخ نزح الجميع للمنيّ أيضا(٣) ، وتبعه في ذلك جماعة. والأخبار خالية عنه ، وقد ذكر كثير من الأصحاب عدم النصّ فيه. وحكى ذلك في الذكرى عن الشيخ أبي عليّ بن الشيخ في شرح نهاية والده (٤). وقال المحقّق في المعتبر : « لم أقف على ما يدلّ بمنطوقه على وجوب نزح الماء بالمنيّ بل يمكن أن يقال : ماء محكوم بنجاسته ولم يثبت طهارته بإخراج بعضه فيجب نزحه. لكن هذا

__________________

(١) المعتبر ١ : ٥٨.

(٢) في « ب » : على من زعم.

(٣) المبسوط ١ : ١١.

(٤) ذكرى الشيعة : ١٠.

١٨٥

يعود في قسم ما لم يتناوله نصّ على التعيين » (١).

وهذا الكلام إنّما يتمشّى على القول بالنجاسة ، وتوقّف الطهارة ـ فيما لم يرد فيه نصّ ـ على نزح الجميع ، وسيأتي ذكر الخلاف فيه. ولذلك استدرك رحمه‌الله بقوله : « لكن ».

فأمّا على القول بالطهارة ووجوب النزح ، أو استحبابه فلا يتمّ هذا الاستدلال. وذلك ظاهر.

مسألة [٨] :

وذهب الشيخ رحمه‌الله وجماعة من المتأخّرين عنه إلى وجوب نزح الجميع أيضا للدّماء الثلاثة (٢).

ولم يظفر في ذلك بخبر ولا ادّعاه أحد من الأصحاب بل اعترفوا بعدمه.

واحتجّ له العلّامة رضوان الله عليه في المختلف بنحو احتجاج المحقّق لحكم المنيّ (٣) ، وقد عرفت حاله.

واقتصر في المنتهى على الاعتراف بعدم الظفر فيه بحديث مرويّ (٤).

وقال المحقّق في المعتبر : « لعلّ الشيخ نظر إلى اختصاص دم الحيض بوجوب إزالة قليله وكثيره عن الثوب فغلّظ حكمه في البئر وألحق به الدّمين الأخيرين.

لكنّ هذا التعلّق ضعيف ، فالأصل أنّ حكمه حكم بقيّة الدّماء عملا

__________________

(١) المعتبر ١ : ٥٩.

(٢) المبسوط : ١ : ١١ ، ومختلف الشيعة ١ : ١٩٧.

(٣) مختلف الشيعة ١ : ١٩٧.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٧٢ ، الطبعة المحقّقة الاولى لمجمع البحوث الإسلاميّة ـ مشهد.

١٨٦

بالأحاديث المطلقة » (١).

وما ذكره رحمه‌الله من ضعف التعلّق بمثل هذا التوجيه حسن. وأمّا تسويته بينه وبين غيره من الدماء عملا بإطلاق الأخبار ففيه نظر يأتيك بيان وجهه في البحث عمّا ينزح لغيرها من الدّماء.

مسألة [٩] :

وحكى العلّامة في المختلف والشهيد في الذكرى عن أبي الصلاح إيجاب نزح الجميع لبول ما لا يؤكل لحمه ولروثه (٢).

وزاد الشهيد في الحكاية استثناء بول الرجل والصبيّ (٣). وهو الصواب ؛ لأنّهم حكوا عنه هناك ما يقتضي هذا الاستثناء.

وعزي إلى القاضي سعد الدين ابن البرّاج ايجابه لعرق الإبل الجلّالة ، وعرق الجنب من حرام (٤).

وحكى في الذكرى عن البصروي إيجابه لخروج الكلب والخنزير حيّين. وعن بعضهم إيجابه للفيل (٥). وعزاه في الدروس إلى القاضي أيضا (٦).

__________________

(١) المعتبر ١ : ٥٩.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ١٩٢.

(٣) ذكرى الشيعة : ١٠. قال الشهيد رحمه‌الله : « وألحق أبو الصلاح رحمه‌الله بول وروث غير المأكول إلّا بول الرجل والصبي ».

(٤) مختلف الشيعة ١ : ١٩٣.

(٥) ذكرى الشيعة : ١٠.

(٦) الدروس الشرعيّة ١ : ١١٩.

١٨٧

والكلّ ضعيف ؛ لانتفاء الدليل عليه ، وخلوّ الأخبار منه ، ولعلّهم بنوا ذلك على إيجاب نزح الجميع لما لا نصّ فيه.

مسألة [١٠] :

وينزح لموت الحمار كرّ على المعروف بين الأصحاب ، لا نعلم فيه خلافا لأحد منهم.

وذكر العلّامة رضوان الله عليه في المنتهى أنّه مذهب أكثر أصحابنا (١) ، ونسبه المحقّق في المعتبر إلى الشيخين والمرتضى وابني بابويه وأتباعهم (٢). ثمّ قال :

« والمستند رواية عمرو بن سعيد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وإن ضعف سندها فالشهرة تؤيّدها ؛ فإنّي لم أعرف من الأصحاب رادّا لها في هذا الحكم. والطعن فيها بطريق التسوية بين الجمل والحمار .. غير لازم ؛ لأنّ حصول التعارض في بعض مدلوها لا يسقط استعمالها في الباقي » (٣).

قال : « وقد أجاب بعض الأصحاب بأنّه من الجائز أن يكون الجواب وقع عن الحمار دون الجمل ، إلّا أنّ هذا ضعيف ؛ لأنّه يلزم منه التعمية في الجواب ، وهو ينافي حكمة المجيب » (٤).

وعندي في هذا الكلام نظر ؛ لأنّ حصول التعارض في بعض المدلول

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٧٤ ، كتاب الطهارة ، المقصد الأوّل ، البحث الثاني : أحكام البئر.

(٢) المعتبر ١ : ٦١ ، كتاب الطهارة ، أحكام البئر.

(٣) المعتبر ١ : ٦١ ، وقال : « لأنّ حصول التعارض في أحد الثلاثة لا يسقط استعمالها في الباقي ».

(٤) المعتبر ١ : ٦١.

١٨٨

مع رجحان المعارض يوجب الحمل على إرادة خلاف الظاهر مع إمكانه ، وإلّا فالاطراح وما تضمّنته هذه الرواية من نزح الكرّ وقع جوابا للسؤال عن مجموع الأمرين ، وعبارة الجواب متّحدة ، فكيف يمكن التأويل أو الردّ في بعضها وإبقاء البعض الآخر؟! مع أنّ اللازم من التأويل أن يكون المجيب أراد من اللفظ الواحد ظاهره ، بالنظر إلى بعض ما تضمّنه السؤال وخلاف ظاهره في البعض الآخر. وأيّ تعمية أقوى من هذه؟! فقد لزمه ما أنكره. ومقتضى الإطراح أن يكون السائل توهّم ما ليس بمراد ، ومعه كيف يبقى الوثوق في البعض الآخر؟

على أنّك قد علمت آنفا أنّه ردّ هذه الرواية بضعف السند. وما ذكره من الانجبار بالشهرة مشكل.

ولكنّ الأمر على ما اخترناه سهل إذ يكفي في إثبات الندبيّة هذا القدر.

مسألة [١١] :

وذهب كثير من الأصحاب كالمحقّق والعلّامة والشهيد إلى أنّ حكم البغل حكم الحمار في نزح الكرّ لموته(١).

واحتجّ له المحقّق برواية عمرو بن سعيد السابقة ، فإنّه حكاها في المعتبر هكذا : « سألته عمّا يقع في البئر حتى بلغت الحمار والجمل والبغل ، قال : « كرّ من ماء ».

ولم أقف على إدراج البغل في الرواية إلّا في هذا الكتاب ، وبعض تصانيف المتأخّرين ، وعندي أنّه اتّباع له. وقد رواها الشيخ في التهذيب (٢)

__________________

(١) راجع المعتبر ١ : ٦٠ ، ومنتهى المطلب ١ : ٧٤ ، والدروس الشرعية ١ : ١١٩.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٥ ، الحديث رقم ٦٧٩ ، باب تطهير المياه من النجاسات.

١٨٩

والاستبصار (١) خالية عنه. وحكاها في التهذيب مرّة ثانية كذلك (٢).

وذكرها العلّامة رضوان الله عليه في المنتهى والمختلف خالية عنه أيضا (٣).

وأمّا الشهيد فقال في الذكرى : « ينزح كرّ للحمار والبغل في الأظهر عن الباقر عليه‌السلام ، وليس في بعض الروايات البغل » (٤).

وكلامه هذا يحتمل أن يريد به اختلاف متن الرواية (٥) في كلام الأصحاب على ما هو الواقع. ويحتمل إرادة اختلافها في كتب الحديث ، أو اختلاف الروايات بأن تكون متعدّدة في ذلك. ولكن التصفّح والاعتبار يشهدان بنفي هذا الاحتمال ، ومن كان له أدنى ممارسة لا يخالجه في ذلك شك خصوصا بعد العلم بطريقة الشهيد رحمه‌الله في الاستدلال ، وقناعته بالشهرة المجرّدة ، فضلا عن أن تكون منضمّة إلى خبر ضعيف (٦).

فالذي يظهر : أنّه اكتفى في الاحتجاج للبغل بالخبر ومصيره إلى الحكم بمساواته للحمار بنقل المحقّق الحديث.

وقوله : « أنّه لا يعرف من الأصحاب رادّا له » (٧) ، وإن نازع في ذلك

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٣٤ ، الباب ١٩ من أبواب المياه وأحكامها ، الحديث ١.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٢ ، ذيل الحديث رقم ٦٩٨ ، وفي السند : عمرو بن سعيد بن ابن هلال.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٧٤ ، مختلف الشيعة ١ : ١٩٤.

(٤) ذكرى الشيعة : ١٠.

(٥) في « ب » : متن الروايتين.

(٦) في « ب » : خبر آخر ضعيف.

(٧) قال المحقّق في المعتبر ١ : ٦١ « والمستند رواية عمرو بن سعيد عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وإن ضعف سندها فالشهرة تؤيّدها ، فإني لم أعرف من الأصحاب رادّا لها في هذا الحكم ».

١٩٠

بعض من يعرف الحقّ بالرّجال ، فنحن من وراء الطلب لبيان هذه الروايات (١) التي يدّعى (٢) ورودها في هذا المقام.

وربما يوجد في كلام بعض المتأخّرين أنّ البغل مذكور بدل الحمار (٣) في موضع من التهذيب ، ونحن قد أكثرنا تصفّحه فيما عندنا من النسخ له فلم نره.

مع أنّ تكلّف المحقّق للجواب عن الاعتراض على الحديث بذكر الجمل كما عرفته ينافيه.

وينبغي أن يعلم أنّ العلّامة رضوان الله عليه لم يستدلّ على هذا المدّعى بما استدلّ به المحقّق ؛ لما ذكرناه من عدم التعرّض للبغل في الرواية التي حكاها ، ولكنّه استدلّ له بوجه ضعيف أيضا وسنذكره في بيان ما ينزح للبقرة ، والفرس ، حيث سوّى بين الجميع في الحكم ، وجعله دليلا على الكلّ.

مسألة [١٢] :

ومن الأصحاب من ذهب إلى أنّ البقرة والفرس ينزح لموت كلّ منهما الكر كالحمار ، واختاره العلّامة والشهيد من المتأخرين (٤).

وأنكره المحقّق في المعتبر ، فقال ـ بعد حكايته له عن المفيد والمرتضى والشيخ ـ : « ونحن نطالبهم بدليل ذلك ، فإن احتجّوا برواية عمرو بن سعيد قلنا : هي مقصورة على الجمل والحمار والبغل ، فمن أين يلزم في البقرة والفرس؟

__________________

(١) في « ب » : الرواية.

(٢) في « أ » : التي يدّعي ورودها.

(٣) في « أ » : بدل الجمل.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٧٤ ـ ٧٦ ، واللمعة الدمشقية ١ : ٢٦٠ ، طبعة كلانتر.

١٩١

فإن قالوا : هي مثلها في العظم ، طالبناهم بدليل التخطّي إلى المماثل. من أين عرفوه؟ لا بدّ له من دليل. ولو ساغ البناء على المماثلة في العظم لكانت البقرة كالثّور ، ولكان الجاموس كالجمل ، وربما كانت فرس في عظم الجمل فلا تعلّق إذا بهذا وشبهه .. فالأوجه أن يجعل الفرس والبقرة في قسم ما لم يتناوله نصّ على الخصوص » (١).

هذا كلامه وهو جيّد.

غير أنّ علمك قد أحاط باشتمال صحيحة عبد الله بن سنان السابقة (٢). في حكم الثور على ذكر نحوه معه ، ولا ريب أنّ البقرة أظهر مماثلة له من غيرها ، فتكون تلك الرواية دالّة على نزح الجميع لها أيضا. وربما يلحق بها الفرس ؛ لنحو التقريب الذي ذكرناه في الاحتجاج بالرواية لحكم الجمل ، بل هو هنا أظهر باعتبار كراهة اللّحم فتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم : أن الاحتجاج برواية عمرو بن سعيد على هذا الحكم ربما يظهر من كلام الشيخ في التهذيب ، فإنّه لمّا حكى عبارة المقنعة المتضمّنة لنزح الكرّ لموت الحمار أو البقرة ، أو الفرس وأشباهها من الدوابّ أردفها بهذه الرواية (٣).

واقتصر الشهيد في الذكرى على الاحتجاج له بالشهرة (٤).

وأمّا العلّامة رضوان الله عليه فاستدلّ له في المنتهى بما رواه الشيخ في الصحيح

__________________

(١) المعتبر ١ : ٦٢ ـ ٦٣.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤١ ، الحديث ٦٩٥.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٥ ، الحديث ٦٧٩.

(٤) ذكرى الشيعة : ١٠.

١٩٢

عن زرارة ، ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ، عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام : في البئر يقع فيها الدّابة ، والفأرة ، والكلب ، والطير ، فيموت؟ قال : « يخرج ثمّ ينزح من البئر دلاء ، ثمّ اشرب وتوضّأ » (١).

وبين ذلك على مقدّمات :

الاولى : « إنّ المراد بالدّابة في الحديث كلّ ما يركب ؛ لأنّ الجوهري ذكر أنها اسم لكلّ ما يدبّ على الأرض ، واسم لكلّ ما يركب ، ولا يمكن الحمل على الأوّل وإلّا لعمّ وهو باطل ، فيجب الحمل على الثاني ».

الثانية : « إنّ أداة التعريف في الدّابة ليست للعهد لعدم سبق معهود ، فإمّا أن يكون للعموم كما ذهب إليه بعض ، أو لتعريف الماهيّة ، على ما هو الحق عنده.

وعلى التقديرين يلزم العموم في كلّ مركوب : أمّا على الأوّل فظاهر ، وأمّا على الثاني فلأنّ تعليق الحكم على الماهيّة يستدعي ثبوته في جميع صور وجودها ، وإلّا لم يكن علّة. هذا خلف ».

قال : « وإذا ثبت العموم دخل فيه الحمار ، والفرس ، والبغل ، والإبل ، والبقر نادرا ، غير أنّ الإبل والثور خرجا بما دلّ بمنطوقه على نزح الجميع فيكون الحكم ثابتا في الباقي ».

الثالثة : « إنّ التسوية بين المعدودات في الرواية لا يقدح في العمل بها ؛ لأنّ ما يستثنى منها بدليل منفصل يخرج ، فيبقى ما سواه.

أو نقول : إنّ التسوية حاصلة من حيث وجوب نزع الدّلاء ، وإن افترقت بالقلّة والكثرة ، وذلك شي‌ء لم يتعرّض له في الحديث ».

الرابعة : « أنّ المراد بالدّلاء ما يبلغ الكرّ وإن كان ذلك ليس بظاهر من اللفظ ،

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٧٤ ـ ٧٥ ، وتهذيب الاحكام ١ : ٢٣٦ ، الحديث رقم ٦٨٢.

١٩٣

إلّا أنّ ضرورة الجمع بين المطلق والمقيّد يقتضيه ، والإتيان بصيغة جمع الكثرة يساعد على ذلك أيضا ».

الخامسة : « إنّه يجوز إرادة الكثرة والقلّة معا من لفظ الدّلاء ، باعتبار عدم مناسبة الكثرة لبعض ما تضمّنه السؤال على ما يأتي بيانه من الاكتفاء للفأرة والطير بما دون جمع الكثرة. ولا يقدح في جواز إرادة المعنيين كونه حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر إن قلنا به ؛ فإنّ الجمع بين إرادتي الحقيقة والمجاز ممكن.

ومع التنزّل يمكن أن يراد منه معنى مجازي مشترك بينهما ، وهو مطلق الجمع ».

هذا حاصل ما قرّب به الاستدلال بالحديث.

وأنت إذا لاحظته بأدنى نظر تعلم ما فيه من التعسّف والانحراف عن سنن التحقيق ؛ فإنّا إذا سلّمنا إرادة المركوب من لفظ الدّابة ، وأنّ التعريف فيها يفيد العموم ، فلا ريب أنّ ظاهر الحديث استواء جميع ما تضمّنه السؤال في مقدار النزح لا في أصله. وحينئذ فالعدول عنه في بعض ذلك إلى القول بخلاف ما دلّ عليه يقتضي قصر الجواب على بعض ما تضمّنه السؤال من غير قرينة ولا بيان. وحاله لا يخفى.

سلّمنا. ولكن من أين يعلم أنّ المراد بالدّلاء ما يبلغ الكرّ؟ ولو دلّ على ذلك دليل لم يكن لارتكاب هذا الشطط وجه ؛ إذ من البيّن أنّ الدّاعي إلى تجشّم هذه الحجة عدم الدليل على الحكم.

مسألة [١٣] :

وينزح لموت الإنسان سبعون دلوا في المشهور ، بحيث لا يعرف فيه مخالف ،

١٩٤

ونسبه في المعتبر إلى علمائنا القائلين بالتنجيس (١) ، وذكر نحوه في المنتهى (٢).

واحتجّوا له برواية عمار السّاباطي قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر ، فقال : « ينزح منها دلاء. هذا إذا كان ذكيّا فهو هكذا. وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فيه ، فأكبره الانسان ينزح منها سبعون دلوا ، وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد ، وما سوى ذلك فيما بين هذين » (٣).

وفي الاستدلال بهذه الرواية إشكال من حيث عدم صحة سندها ؛ فإنّ فيه جماعة من الفطحيّة.

ونسب العلّامة في المنتهى إلى الشيخ الاحتجاج بها ، واستضعفه لذلك (٤).

وقد وجّهها المحقّق في المعتبر بأنّ الرواة وإن كانوا من الفطحيّة إلّا أنّهم ثقاة ، مع سلامتها عن المعارض ، وكونها معمولا عليها بين الأصحاب عملا ظاهرا.

قال : « وقبول الخبر بين الأصحاب مع عدم الرّاد له يخرجه إلى كونه حجّة فلا يعتدّ إذا بمخالف فيه ، ولو عدل إلى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به إلى الشاذّ الذي ليس بمشهور ، وهو باطل بخبر عمر بن حنظلة المتضمّن لقوله عليه‌السلام : خذ ما اجتمع عليه أصحابك واترك الشاذّ الذي ليس بمشهور » (٥).

وفي هذا التوجيه نظر واضح ؛ لأنّه إن كان الإجماع واقعا على مضمون الخبر

__________________

(١) المعتبر ١ : ٦٢.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٧٦ ـ ٧٧.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٤ ، الحديث ٦٧٨. وفيه : فأكثره الإنسان.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٧٦ ـ ٧٧.

(٥) المعتبر ١ : ٦٢.

١٩٥

ـ كما يدلّ عليه قوله : « ولو عدل عنه إلى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به » ـ فهو الحجة ولا حاجة إلى التكلّف الذي ذكره. وإن لم يتحقّق الإجماع الذي ينهض بانفراده حجة لم تكف الاعتبارات التي قرّبها في إثبات الحكم. وقد أنكر حجّيّة مثلها في مواضع ، فقناعته بها هاهنا لا يخلو عن غرابة. هذا.

وقد ذهب الأكثر إلى عدم الفرق في ذلك بين المسلم والكافر ؛ نظرا إلى عموم اللّفظ.

وفرّق ابن إدريس رضوان الله عليه بينهما فأوجب للكافر نزح الجميع ، بناء على وجوبه لما لا نصّ فيه (١) ، ونسبه في الذكرى إلى الشيخ أبي علي أيضا (٢).

وحكى المحقّق في المعتبر عن ابن إدريس الاحتجاج على ما صار إليه ، بأنّ الكافر نجس ، فعند ملاقاته حيّا يجب نزح البئر أجمع ، والموت لا يطهّر ، فلا يزول وجوب نزح الماء.

وأنّه قال : ولو تمسّك بالعموم هنا لكان معارضا بقولهم : « ينزح لارتماس الجنب سبع » ، فإنّه يشترط الإسلام ، إذ لا يقدم أحد من الأصحاب على القول في الجنب بنزح سبع ولو كان كافرا ، وكما اشترط هنا الإسلام فكذا ثمّ.

وناقشه بالمنع من وجوب نزح الجميع لملاقاة الكافر ، فإن تمسّك فيه بعدم الدليل على مقدّر قلنا : الدليل موجود ؛ لأنّ لفظ الإنسان إذا كان متناولا للمسلم والكافر جرى مجرى النطق بهما ، فإذا وجب في موته سبعون لم يجب في مباشرته أكثر ؛ لأن الموت يتضمّن المباشرة ، فيعلم نفي ما زاد من مفهوم النصّ.

__________________

(١) السرائر ١ : ٧٢.

(٢) ذكرى الشيعة : ١٠.

١٩٦

وبأنّ معارضته بالجنب غير واردة.

أمّا أوّلا : فلأنّ الارتماس من الجنابة إنّما يراد للطهارة ، فيكون ذلك قرينة دالّة على من له عناية بالطهارة وهو المسلم.

وأمّا ثانيا : فلأنّه إمّا أن يكون هنا دليل يمنع من تنزيل خبر الجنب على الكافر والمسلم أو لا. فإن كان فالامتناع إنّما هو لذلك الدليل. وإن لم يكن قلنا بموجبه سواء كان كافرا أو مسلما ، فإنّا لم نره زاد على الاستبعاد شيئا ، والاستبعاد ليس حجة في بطلان المستبعد.

وأمّا ثالثا : فلأنّ مقتضى الدليل العمل بالعموم في الموضعين ، وامتناعنا من استعمال أحد العمومين في العموم لا يلزم منه اطراح العموم الآخر ؛ لأنّا نتوهّم لأحد العمومين مخصّصا ، فالتوقّف عنه إنّما هو لهذا الوهم ، فإن صحّ ، وإلّا قلنا به مطلقا ، فالإلزام غير وارد. ثمّ هذا ليس بنقض على مسألتنا بل نقض على استعمال اللام في الاستغراق أين كان. فيلزم أن لا ينزّل قوله تعالى ( الزّانِيَةُ وَالزّانِي ) على العموم ، ولا قوله ( السّارِقُ وَالسّارِقَةُ ) ، لأنّا لم ننزّل الجنب على العموم (١).

والذي أراه : أنّ هذه المناقشة بأسرها ضعيفة ؛ لأنّ الحيثيّة معتبرة في جميع موجبات النزح ، فمعنى وجوب نزح السبعين لموت الإنسان أنّ نجاسة موته يقتضي ذلك ، فالعموم الواقع فيه إنّما يدلّ على تساوي المسلم والكافر في الاكتفاء لنجاسة موتهما بنزح السبعين ، فإذا انضمّ إلى ذلك جهة اخرى للنجاسة كالكفر ونحوه لم يكن للّفظ دلالة على الاكتفاء به. ألا ترى انه لو كان بدن المسلم متنجّسا بشي‌ء من النجاسات وكانت العين غير موجودة لم يكف نزح المقدّر

__________________

(١) المعتبر ١ : ٦٣ ـ ٦٤.

١٩٧

عن الأمرين؟ ولو تمّ ما ذكروه لاقتضى الاكتفاء وهم لا يقولون به.

وبالجملة ، فالكفر أمر عرضي للإنسان كملاقاة النجاسة ، ولكلّ منهما تأثير في بدنه بالتنجيس ، لكنّ الأوّل يشمل ، والثاني يختص بما يلاقيه ، فكما أنّ العموم غير متناول لنجاسة الملاقاة ، لا يتناول نجاسة الكفر.

وبهذا يظهر أنّ المعارضة في محلّها ؛ إذ حاصلها : أن الحيثيّة متبادرة من اللفظ ولذلك فرّقوا بين المسلم والكافر في مسألة الجنب ، فينبغي مثل ذلك هنا.

وقول المحقّق : أنّ الارتماس من الجنابة إنّما يراد للطهارة .. » ضعيف ؛ لخلوّ أكثر الأخبار الواردة في الجنب عن ذكر الاغتسال ، وإنّما ذكر فيها النزول والوقوع.

وقوله : « فإمّا أن يكون هنا دليل .. » قد ظهر جوابه ممّا ذكرناه.

وكذا قوله : « إنّ مقتضى الدليل العمل بالعموم في الموضعين ».

وقوله : « هذا ليس بنقض على مسألتنا بل نقض على استعمال اللام في الاستغراق .. » واه جدا ؛ لأنّ اللازم من عدم عموم لفظ الجنب لنجاسة الكفر عدم تناول الزاني والسارق ونحوهما لغير حيثيّة الزنا والسرقة بحيث يكون الحدّ المذكور لكلّ واحد منهما كافيا عنه وعن غيره ، وهذا ممّا لا ريب فيه ، ونحن لا ندّعي خلافه.

والحاصل : إنّ ملاحظة الحيثيّة ترشدك إلى ردّ كلام المحقّق في هذا المقام من أصله ؛ لابتنائه على إغفالها.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ظاهر كلام المحقّق (١) وابن إدريس (٢) أنّ محلّ الخلاف

__________________

(١) المعتبر ١ : ٦٣.

(٢) السرائر ١ : ٧٣.

١٩٨

هو الوقوع حيّا ، والموت في البئر. والرواية صريحة في ذلك أيضا. وقد ظنّ جمع من الأصحاب أنّ موضع النزاع هو الوقوع ميّتا فرجّحوا فيه التسوية ، ثمّ ذكروا وقوعه حيّا وموته ، وحكموا فيه بالفرق ، واستندوا في الحكم الأوّل إلى العموم ، واحتجّوا للثاني بأن مباشرة الكافر حيّا سبب في نجاسة الماء ، وملاقاته ميّتا سبب آخر فثبت لكلّ حكمه.

وأنت تعلم أنّ العموم الذي تمسّكوا به في المسألة الاولى لو تمّ فإنّما يدلّ على الثانية ، فلا وجه للاحتجاج به أوّلا والمصير إلى خلافه ثانيا.

ثمّ إنّهم توهّموا أنّ حاصل احتجاج ابن إدريس يرجع إلى أنّ وجوب نزح الجميع لوقوعه حيّا ـ باعتبار عدم النصّ ـ يقتضي وجوبه مع الوقوع ميّتا بطريق أولى لزيادة نجاسته بالموت.

فأجابوا عنه بمنع بقاء النجاسة بعد الموت ؛ لأنّها مسبّبة عن الاعتقاد ، وقد زال.

وردّ هذا الجواب بعضهم بأنّ أحكام الكفر باقية بعد الموت ، ومن ثمّ لا يغسّل ، ولا يدفن في مقابر المسلمين. وجعل التحقيق في الجواب أنّه استدلال في مقابلة النّص. وقد عرفت أنّه لا نصّ في صورة الوقوع ميّتا ، فهذا الجواب مردود أيضا.

وأمّا ما ذكروه في ردّ الجواب الأوّل فمقبول. ومنه يعلم عدم الفرق بين المسألتين ؛ لاجتماع الحيثيّتين في كلّ منهما ، أعني نجاسة الموت ونجاسة الكفر. فإن كان عموم النّص يتناولهما ـ كما زعموا ـ فالمتّجه الاكتفاء في المسألتين بنزح السبعين. وإن كان مخصوصا بحيثيّة الموت ـ على ما هو التحقيق ـ فكذلك بالنظر إليها ، ويكون حكم نجاسة الكفر فيهما مسكوتا عنه فيلحق بما لا نصّ فيه.

ولقد أغرب العلّامة في المختلف هاهنا حيث منع بقاء نجاسة الكافر بعد الموت ، وحكم بوجوب نزح السبعين بناء على القول بالتنجيس لوقوعه ميّتا

١٩٩

نظرا إلى العموم. ثمّ قال : وإن وقع حيّا ومات فكذلك (١).

ومن أحاط خبرا بما حقّقناه لم يخالجه شك في فساد التسوية التي ذكرها بعد منعه لبقاء نجاسة الكفر بعد الموت وجعله مورد الحديث الوقوع ميّتا ـ كما أفصح به تمسّكه في حكم الوقوع ميّتا بالعموم ـ فإنّ اللازم من ذلك كون نزح السبعين واجبا لنجاسة الموت فقط ، إذ ليس هناك غيرها بزعمه. وحينئذ فإذا وقع حيّا ومات ، اقترن بها أمر آخر غير منصوص عنده وهو المباشرة حيّا ، فيجب لها ما يجب لغير المنصوص ، فكيف يقول بعد هذا : « إنّه إن وقع حيّا ومات فكذلك »؟!

ثمّ اعلم أنّ مراد ابن إدريس من قوله في احتجاجه : « الكافر نجس فعند ملاقاته حيّا يجب نزح البئر أجمع ، والموت لا يطهّر فلا يزول وجوب نزح الماء » ـ على ما سبق نقل المحقّق له عنه ـ أنّ مباشرة الكافر حيّا مما لا نصّ فيه ، فيثبت لها حكمه وهو نزح الجميع عنده ، فإذا وقع الكافر حيا ومات في البئر وجب نزح الجميع لصدق المباشرة حيّا ، والموت بعده لا يصلح مزيلا له ؛ لأنّه غير مطهّر.

وهذا المعنى هو الذي فهمه المحقّق منه أيضا ، حيث ناقشه : بأنّ الدليل لمّا كان عامّا دلّ على الاكتفاء بالسبعين لمباشرة الكافر حيّا وميّتا ؛ إذ الموت في البئر يتضمّن المباشرة في حال الحياة ، فيعلم الاكتفاء بها المباشرة وحدها حيث يخرج حيّا بطريق أولى.

وبالجملة فمن تأمّل كلامهما لم يرتب في أنّ المراد ما قلناه. وبذلك يظهر : أنّ ما فهمه بعض الأصحاب من كلام ابن ادريس ـ كما حكيناه ، وجوابهم عنه

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ١٩٥.

٢٠٠