معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

بمنع بقاء النجاسة .. إلى آخر ما سبق نقله ـ توهّم ظاهر. وعليك بالتدبّر في هذه المسألة ؛ فإنّ كلام الأصحاب فيها كثير الاضطراب.

مسألة [١٤] :

وينزح للدم الكثير ـ غير الثلاثة ـ خمسون دلوا عند الشيخ وجماعة (١).

وقال المفيد : ينزح للكثير عشر (٢).

ويحكى عن المرتضى في المصباح أنّه قال : في الدم ما بين الدّلو الواحدة إلى العشرين.

ولم نقف لقول الشيخ على حجّة ، ولا لقول المرتضى.

وأمّا ما ذهب إليه المفيد فقد احتجّ له الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن البئر يكون في المنزل للوضوء ، فيقطر فيها قطرات من بول أو دم ، أو يسقط فيها شي‌ء من عذرة كالبعرة أو نحوها ، ما الذي يطهّرها حتى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقّع عليه‌السلام في كتابي بخطّه : « ينزح منها دلاء » (٣).

قال الشيخ : وجه الاستدلال من هذا الخبر هو أنّه قال : ينزح منها دلاء. وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة ، فيجب أن نأخذ به ونصير إليه ؛ إذ لا دليل على ما دونه (٤).

وهذا الاحتجاج فاسد من وجوه.

__________________

(١) النهاية ١ : ٧.

(٢) المقنعة : ٦٧.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، الباب ١٠ من أبواب المياه ، الحديث ٧٠٥.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، الباب ١٠ من أبواب المياه ، الحديث ٧٠٥.

٢٠١

أحدها : أنّه ليس في الحديث إشعار بالكثرة التي هي موضع البحث ، بل ظاهره إرادة القلّة ، وقد قال هو في الاستبصار أنّ هذا الحديث يدلّ على حكم القليل ؛ لأنّ قوله : « قطرات » يستفاد منه القلّة (١).

الثاني : أنّه مبنيّ على كون الدّلاء جمع قلّة ، كما يدلّ عليه قوله : « وأكثر عدد » ، وليس الأمر كذلك الانحصار جموع القلّة في أوزان أربعة مشهورة أو خمسة ، عند بعضهم ، وليس هو منها ، فيكون من جموع الكثرة. وقد ذكر في الاستبصار أنّه جمع كثرة يدلّ على ما فوق العشرة ـ في البحث عمّا يجب لموت الكلب ونحوه ـ وسيأتي (٢).

والثالث : أنّ حمل الدّلاء على جمع القلّة يقتضي الاجتزاء بأقلّ مدلولاته وهو الثلاثة ؛ لأنّ اطلاق اللفظ يدلّ على أنّ المطلوب تحصيل الماهيّة بأيّ فرد اتّفق ، مما يتحقّق معه ، فإذا حصلت بالأقلّ كان الزائد منفيّا بالأصل ، فمن أين يجب الحمل على الأكثر؟! وبما ذكرناه يعلم فساد التعليل بأنّه لا دليل على ما دونه.

واعلم أنّ المحقّق اعترض في المعتبر ـ على ما ذكره الشيخ ـ بأنّا نسلّم أنّ أكثر عدد يضاف إلى الجمع عشرة ، لكن لا نسلّم أنّه إذا جرّد عن الإضافة يكون حاله كذلك ، فإنّه لا يعلم من قوله : « عندي دراهم » أنّه لم يخبر عن زيادة عن عشرة ، ولا إذا قال : « أعطه دراهم » أنّه لم يرد أكثر من عشرة ؛ فإنّ دعوى ذلك باطلة (٣).

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٤٤.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٧.

(٣) المعتبر ١ : ٦٦.

٢٠٢

وردّه العلّامة في المنتهى : بأنّ الإضافة هاهنا وإن جرّدت لفظا لكنّها مقدّرة ، وإلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ، وحينئذ فلا بدّ من إضمار عدد يضاف إليه تقديرا ، فيحمل على العشرة التي هي أقلّ ما يصلح إضافته إلى هذا الجمع ؛ أخذا بالمتيقّن ، وحوالة على الأصل من براءة الذمّة (١).

وهذا الكلام ليس بشي‌ء.

أمّا أوّلا : فلأنّه إنّما يلزم من عدم تقدير الإضافة تأخير البيان عن وقت الحاجة لو لم يدلّ اللفظ بدونها على شي‌ء ، والأمر ليس كذلك ؛ فإنّ له ولأمثاله من صيغ المجموع الواقعة في هذه المقامات معنى يتبادر منها عند الاطلاق ، وهو أيّ مقدار كان ممّا يصدق عليه ولو أقلّها.

وأمّا ثانيا : فلأنّه على تقدير وجوب التقدير ليس على تعيّن العشرة دليل. وما ذكره من التوجيه فاسد ؛ إذ هي الأكثر لا الأقلّ. وقد صرّح بذلك الشيخ أيضا وهو بصدد الانتصار لكلامه ، فكيف يوجّهه بما لا يلائمه؟.

ثمّ إنّ له في المختلف كلاما أعجب من هذا حيث قال ـ بعد حكايته لكلام الشيخ ، ومناقشته له بنحو ما ذكره المحقّق ـ : ويمكن أن يحتجّ من وجه آخر وهو أن يقال : إنّ هذا جمع كثرة ، وأقلّه ما زاد على العشرة بواحد فيحمل عليه ؛ عملا بالبراءة الأصليّة (٢).

وأنت خبير بأنّ مقتضى هذا الاحتجاج كون الواجب إحدى عشرة ، والمدّعى هو العشرة ، فأين هو منه؟!

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المشايخ الثلاثة رووا في الصحيح عن عليّ بن جعفر ،

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٨٠ و ٨١.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ١٩٩.

٢٠٣

عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما هل يتوضّأ من تلك البئر؟ قال : « ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا ، ثم يتوضّأ منها ولا بأس به » (١).

وعمل بهذه الرواية جماعة من الأصحاب ، وهو جيّد. غير أنّ ظاهر البعض كون العمل بمضمونها في مطلق الدم الكثير.

وعندي فيه نظر ؛ إذ ليس فيها ما يقتضي العموم ، فينبغي أن يكون العمل بها في موردها. ويلحق ما عداه بغير المنصوص.

مسألة [١٥] :

وأوجب الشيخ نزح الخمسين للعذرة الرطبة (٢) ، وقال المفيد في المقنعة : وإن كانت العذرة رطبة ، أو ذابت وتقطّعت فيها نزح منها خمسون دلوا (٣). وحكي عن المرتضى أنّه قال في المصباح : « فإن ذابت وتقطّعت فخمسون دلوا ».

قال المحقّق في المعتبر بعد حكايته لهذه الأقوال عن الجماعة : « وما فصّله الثلاثة لم أقف به على شاهد ». واختار التخيير بين الأربعين والخمسين في الذائبة (٤). وهو قول الصدوق رضوان الله عليه فإنّه قال في من لا يحضره الفقيه : فإن ذابت فيها

__________________

(١) راجع من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٠ ، والكافي ٣ : ٦ ، الحديث ٨ ، وتهذيب الأحكام ١ : ٤٠٩ ، الحديث ١٢٨٨ ، ولا حظ الاختلاف في النقل.

(٢) النهاية ونكتها ١ : ٢٠٨.

(٣) المقنعة : ٦٧.

(٤) المعتبر ١ : ٦٥.

٢٠٤

استقي منها أربعون دلوا إلى خمسين دلوا (١). ومثله في المقنع (٢). واحتجّ المحقّق لذلك برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن العذرة تقع في البئر؟ فقال : ينزح منها عشر دلاء ، فإن ذابت فأربعون ، أو خمسون دلوا » (٣).

وهو حسن لو صحّ طريق الرواية ، لكنّه ضعيف.

والمراد بالذوبان ـ على تقدير اعتباره ـ تحلّل الأجزاء وشيوعها في الماء بحيث يستهلكها.

واحتمل بعض الأصحاب الاكتفاء بذوبان بعض الأجزاء ؛ نظرا إلى أنّ القلّة والكثرة غير معتبرة ، فلو سقط مقدار البعض الذائب منفردا وذاب لأثّر ، فانضمام غيره إليه لا يمنعه التأثير. وفيه نظر.

وقال العلّامة في المنتهى ـ بعد أن ذكر هذه الرواية ، وأنّها تتضمن ما قاله الصدوق ـ : « ويمكن التعدية إلى الرطبة ؛ للاشتراك في شياع الأجزاء ، ولأنّها تصير حينئذ رطبة » (٤).

وضعف هذا الكلام ظاهر ؛ فإنّا نمنع من اقتضاء الرطوبة (٥) شيوع الأجزاء مطلقا ، نعم هي أقرب إلى ذلك من اليابسة ، ولو سلّم لم يكن للتعدية معنى ؛ لصدق الذّوبان حينئذ ، فيستغنى عن اعتبار الرطوبة.

وأمّا قوله : « ولأنها تصير حينئذ رطبة » فممّا لا محصّل له.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٨.

(٢) المقنع : ٣٠.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٤ ، الحديث ٧٠٢.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٨٢.

(٥) في « ب » : اقتضاء الرطبة شيوع الأجزاء.

٢٠٥

مسألة [١٦] :

وينزح لبول الرجل أربعون دلوا على المشهور بين الأصحاب.

واستندوا في ذلك إلى رواية عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن بول الصبيّ الفطيم يقع في البئر؟ فقال : دلو واحد. قلت : بول الرجل؟ قال : ينزح منها أربعون دلوا. (١)

وطريقها ليس بصحيح.

وقد تقدّم في حكم الخمر تضمّن صحيحة معاوية بن عمّار نزح الجميع إذا بال فيها صبيّ أو صبّ فيها بول (٢).

وفي رواية كردويه هناك أيضا : نزح ثلاثين للقطرة من البول (٣). وقد تقدّم في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع : نزح دلاء للقطرات من البول (٤).

واستقرب العلّامة في المنتهى العمل برواية محمّد بن اسماعيل هذه ؛ لسلامة سندها. قال : وتحمل الدلاء في البول على رواية كردويه ؛ فإنّها لا بأس بها ، ورواية معاوية بن عمّار تحمل على التغيّر في البول ، أو على الاستحباب (٥).

وما استقربه بعيد ؛ لأنّ رواية كردويه ضعيفة السند ، كما مرّت الإشارة إليه ، فكيف يحمل إطلاق الدّلاء في صحيحة محمّد بن اسماعيل عليها مع ما فيه

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٣ ، الحديث ٧٠٠.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤١ ، الحديث ٦٩٦.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤١ ، الحديث ٦٩٨.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٤ ، الحديث ٧٠٥.

(٥) منتهى المطلب ١ : ٨٦.

٢٠٦

من الإشكال باعتبار اشتمالها على قطرات الدم وغيرها؟ وظاهر الجواب التسوية بين الكلّ ، وهو لا يقول بها.

وقال المحقّق في المعتبر بعد أن ذكر رواية ابن أبي حمزة وروايتي معاوية ابن عمّار وكردويه : « والترجيح لجانب الاولى ؛ لاشتهارها في العمل ، وشذوذ غيرها بين المفتين.

لا يقال : علي بن أبي حمزة واقفي ؛ لأنّا نقول : تغيّره إنّما هو في زمن موسى عليه‌السلام فلا يقدح في ما قبله.

على أنّ هذا الوهن لو كان حاصلا وقت الأخذ عنه لانجبرت بعمل الأصحاب وقبولهم لها » (١).

وفي ما قال نظر واضح ؛ لأنّ حال الشهرة معلوم. وظاهره في كثير من المواضع عدم اعتبارها ، كما قد سبق التنبيه عليه.

وقوله : « إنّ ابن أبي حمزة إنّما تغيّر في زمن موسى عليه‌السلام .. » عجيب ؛ إذ ليس الاعتبار في عدالة الراوي بحال التحمّل ، بل بزمان الرواية. وكيف يعلم بمجرّد إسنادها إلى الصادق عليه‌السلام أنّ روايته لها وقعت قبل تغيّره؟ ما هذا إلّا محض التوهّم.

مع أنّ الجزم بإرادة ابن أبي حمزة البطائني الذي هو واقفي لا وجه له ؛ لاشتراك الاسم بينه وبين ابن أبي حمزة الثمالي ، ولا قرينة واضحة على التمييز. والثمالي حكى الكشّي عند حمدويه ابن أبي نصير (٢) توثيقه (٣).

__________________

(١) المعتبر ١ : ٦٨.

(٢) في « أ » : عن حمدويه بن نصير. وفي « ب » : عن حمدويه بن نصر.

(٣) اختيار معرفة الرجال : ٢١٣.

٢٠٧

إذا تقرّر هذا : فالمتّجه العمل بصحيحة معاوية بن عمّار في الكثير ؛ لدلالة الانصباب عليه كما سبق في الخمر ، وبصحيحة محمّد بن اسماعيل في القليل ؛ لما علمت من ظهور القطرات فيه ، إلّا أن يتحقّق إجماع على خلافه ، لا مجرّد عدم ظهور القائل به كما يقال.

وعلى كلّ حال فكون النزح على سبيل الاستحباب مسهّل الخطب.

فرعان :

[ الفرع ] الأوّل :

أكثر الأصحاب فرّقوا بين الرجل والمرأة في هذا الحكم ، لاعتمادهم على رواية عليّ بن أبي حمزة وموردها بول الرجل.

وذهب ابن إدريس إلى التسوية بينهما فحكم بنزح الأربعين لبولها أيضا ؛ محتجّا بتناول لفظ الإنسان لها (١).

قال المحقّق رحمه‌الله عند حكايته لذلك عنه : ونحن نسلّم أنّها إنسان ونطالبه أين وجد الأربعين معلّقة على بول الإنسان ، ولا ريب أنّه وهم منه (٢).

والعجب من العلّامة رحمه‌الله أنّه مع إنكاره في المنتهى والمختلف على ابن إدريس في التسوية المذكورة (٣) ، قال بها في التحرير ، حيث نفي الفرق بين بول المسلم والكافر ثمّ قال : « والأقرب عدم الفرق بين الذكر والانثى » (٤).

__________________

(١) السرائر ١ : ٧٨.

(٢) المعتبر ١ : ٦٨.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٨٦. ومختلف الشيعة ١ : ٢٠٨.

(٤) تحرير الأحكام ١ : ٥.

٢٠٨

ثمّ إنّ الفارقين بينهما اختلفوا :

فأوجب المحقّق في المعتبر لبولها نزح ثلاثين ، واحتجّ له برواية كردويه السابقة (١). وقد عرفت حالها.

وألحقه جماعة بما لا نصّ فيه.

وعلى ما ذكرناه ـ من العمل بروايتي معاوية بن عمار ، ومحمّد بن اسماعيل ـ لا فرق بينهما ؛ لإطلاق البول في الروايتين. وهو آت على ما استقربه العلّامة في المنتهى أيضا. وقد نبّه عليه فيه فقال : « لا فرق بين بول المرأة والرجل إن عملنا برواية محمّد بن بزيع ، أو برواية كردويه ، وإن عملنا برواية عليّ بن حمزة حصل الفرق » (٢).

[ الفرع ] الثاني :

ظاهر الأصحاب أنّه لا خلاف في عدم الفرق بين بول المسلم والكافر حتّى من ابن إدريس ، مع ذهابه إلى الفرق في الميّت.

واحتمل بعض المتأخّرين الفرق ؛ فإنّ لنجاسة الكفر تأثيرا ، ولهذا لو وقع في البئر ماء متنجّس بملاقاة بدن الكافر لوجب له النزح ، فكيف يكتفى للبول مع ملاقاته لبدنه بأربعين؟ والحكم إنّما هو منوط بنجاسة البول لا بنجاسة الكفر.

قال : وهذا وارد في سائر فضلاته كعذرته ، وبوله ، ومثله دم نجس العين.

قلت : العجب ممّن يتنبّه لهذا الاعتبار كيف يقول بالتسوية في مسألة الميّت وقد قال بها من هذا كلامه.

وأعجب منه أنّ بعضا آخر احتمل الفرق في العذرة ؛ نظرا إلى زيادة نجاسة

__________________

(١) المعتبر ١ : ٦٨.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٨٦.

٢٠٩

عذرة الكافر بمجاورته (١) ، وجزم في البول بعدم الفرق ؛ لعموم لفظ الرجل.

والتحقيق : إنّ الحيثيّة معتبرة في الجميع كما أشرنا إليه في مسألة موت الإنسان. واللازم من ذلك عدم الاكتفاء بالمقدّر لحيثيّته عند مصاحبة اخرى لها ؛ لما سيأتي من عدم تداخل المنزوحات عند تعدّد أسبابها.

ولا ريب أنّ ملاقاة النجاسة لنجاسة اخرى على وجه مؤثّر توجب لها قوّة واعتبارا زائدا على حقيقتها. والدّليل الدّال على نزح مقدار مخصوص لها غير متناول لما سواها فكيف يكون كافيا عن الجميع بتقدير الاجتماع؟!.

مسألة [١٧] :

وأوجب الشيخان وجماعة نزح الأربعين لموت الكلب والسنّور (٢).

وقال الصدوق رضوان الله عليه في المقنع : « وإن وقع فيها كلب أو سنّور فانزح منها ثلاثين دلوا إلى أربعين دلوا. وقد روي سبع دلاء (٣).

وقال في من لا يحضره الفقيه : فإن وقع فيها كلب نزح منها ثلاثون دلوا إلى أربعين دلوا ، وإن وقع فيها سنّور نزح منها سبع دلاء (٤).

احتجّ الشيخ على ما ذهب إليه بما رواه الحسين بن سعيد ، عن القاسم ، عن عليّ (٥) ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة تقع في البئر .. إلى أن قال :

__________________

(١) في « أ » و « ب » : زيادة نجاسة عذرة الكافر بمجاورته.

(٢) المقنعة : ٦٦. والنهاية ونكتها ١ : ٢٠٨. تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٦ ، ذيل الحديث ٦٨١.

(٣) المقنع ، كتاب الطهارة : ٣٠.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٧.

(٥) في « ب » : عن القاسم بن علي ، قال : ..

٢١٠

والسّنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا ، والكلب وشبهه » (١).

وبما رواه سماعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة تقع في البئر والطّير .. إلى أن قال : وإن كانت سنّورا أو أكبر منه نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين دلوا » (٢).

قال الشيخ في التهذيب : وليس لأحد أن يقول كيف عملتم على أربعين دلوا ، وليس في هذين الخبرين القطع عليها ، بل إنّما تضمّناها على جهة التخيير. وهلّا عملتم بغيرهما ممّا يتضمّن الأقلّ من هذا المقدار؟

لأنّا إذا عملنا على ما ذكرناه من نزح الأربعين فلا خلاف بين أصحابنا في جواز استعمال ما بقي من الماء ، وتكون أيضا الأخبار التي تتضمّن أقلّ من ذلك داخلة في جملة ، وإذا عملنا غير ذلك نكون دافعين لهذين الخبرين جملة ، وصائرين إلى المختلف فيه ، فلأجل هذا عملنا على نهاية ما وردت به الأخبار (٣).

هذا حاصل كلامه ، وهو ظاهر الضعف ، بيّن الوهن ، مع أنّ في طريق الروايتين ضعفا ؛ فإنّ القاسم وعليّا وسماعة من الواقفيّة (٤) على ما ذكره الأصحاب. وفي طريق الثانية عثمان بن عيسى وهو منهم أيضا.

وكأنّ الصدوق استند في الحكم الذي ذكره في المقنع إلى رواية سماعة. ودلالتها ظاهرة بالنسبة إلى السنّور ، وأمّا الكلب ففي استفادة حكمه منها توقّف ؛ لأنّ قوله فيها : « أو أكبر منه » مجمل جدّا ، فيشكل التمسّك به.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٥ ، الحديث ٦٨٠.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٦ ، الحديث ٦٨١. وفيه : أو الطير.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٦ ، ذيل الحديث ٦٨١.

(٤) في « أ » و « ب » : من الوقفة.

٢١١

وأمّا ما ذكره في من لا يحضره الفقيه في الكلب فلم يقف (١) على رواية تدلّ عليه ، والروايتان السابقتان تضمّنتا السنّور ، وفي الاولى التخيير بين العشرين وبين ما ذكره ، فلا يصلحان مستندا له. وقد قال العلّامة في المختلف : إنّهما يدلّان على ما ذهب إليه (٢). وما قاله ليس على إطلاقه.

ثمّ إنّ الرواية بالسبع التي أشار إليها في المقنع ، وأفتى بها في من لا يحضره الفقيه لعلّها رواية عمرو بن سعيد بن هلال قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة والسّنور إلى الشاة. فقال : كلّ ذلك يقول : سبع دلاء » (٣). وراويها مجهول على ما سبق بيانه.

وبقي في هذا الباب روايات :

منها : صحيحة أبي اسامة زيد الشحّام عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الفأرة والسّنور والدجاجة والكلب والطير؟ قال : فإذا لم يتفسّخ (٤) أو يتغيّر طعم الماء فيكفيك خمس دلاء ، وإن تغيّر الماء فخذ منه حتى يذهب الرّيح » (٥).

ومنها : رواية الفضل البقباق قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام في البئر يقع فيها الفأرة أو الدّابّة أو الكلب أو الطير فيموت؟ قال : يخرج ثمّ ينزح من البئر دلاء ، ثمّ يشرب منه ويتوضّأ » (٦).

__________________

(١) الظاهر ان الصحيح هو : فلم نقف.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٢٠١.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٥ ، الحديث ٦٧٩.

(٤) في « ب » : لم تنفسخ.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٤.

(٦) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٥.

٢١٢

ومنها : صحيحة زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي جعفر عليه‌السلام (١) وهي مثل رواية الفضل. وقد تقدّمت أيضا في احتجاج العلّامة على [ ما ] ينزح للفرس والبقرة (٢).

ومنها : رواية عليّ بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن البئر يقع فيها الحمامة والدجاجة أو الفأرة أو الكلب أو الهرّة؟ فقال : يجزيك أن تنزح منها دلاء فإنّ ذلك يطهّرها إن شاء الله » (٣). وهذه الرواية تقدّمت أيضا في أوّل البحث.

ومنها : رواية أبي مريم قال : حدّثنا جعفر قال : « كان أبو جعفر يقول : إذا مات الكلب في البئر نزحت. وقال جعفر : « وإذا وقع فيها ثمّ اخرج منها حيّا ينزح منها سبع دلاء » (٤).

ومنها : رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير؟ قال : ينزح كلّها » (٥).

وقد حاول الشيخ في الاستبصار الجمع بين هذه الروايات وبين ما احتجّ به على وجوب الأربعين ، فحمل الرواية الاولى على خروج الكلب حيّا ، وحمل الروايات الثلاث التي بعدها على إرادة الأربعين من لفظ الدلاء. وقرّبه بأنّه جمع كثرة وهو لما زاد على العشرة ، فلا يمنع أن يكون المراد به الأربعين.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٦ ، الحديث ٦٨٢.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٧٤ ـ ٧٥.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٦.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، الحديث ٦٨٧.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٢ ، الحديث ٦٩٩. والاستبصار ١ : ٣٨ ، الحديث ١٠.

٢١٣

واحتمل في الأخبار الأربعة وجها آخر ، وهو أن يكون الإمام عليه‌السلام أجاب عن حكم بعض ما تضمّنه السؤال من الفأرة والطير ، وعوّل في حكم الباقي على المعروف من مذهبه أو غيره من الأخبار التي شاعت عنهم عليهم‌السلام.

ولا يخفى عليك ما في هذه المحامل من الضعف والتكلّف ، لا سيّما مع عدم صحّة إسناد الروايتين اللّتين احتجّ بهما على ما صار إليه ، وكون أكثر هذه الروايات معتبرة الطريق ؛ فإنّ رواية زيد الشحام صحيحة السند ، وكذا رواية زرارة ومن معه ، ورواية عليّ بن يقطين موصوفة بالصحّة في كلام جماعة من الأصحاب ، وقد تقدّم ذكر ذلك أيضا عند ذكرها في أوّل الباب. لكنّا متوقّفون فيه من حيث اشتمال طريقها على محمّد بن أبي حمزة ، ولم يوثّقه الشيخ ولا النجاشي ، وإنّما حكى الكشّي توثيقه عن حمدويه بن نصير (١). ووثّقه العلّامة (٢). ونحن لا نكتفي بهذا القدر كما مرّ.

وأمّا الروايتان الأخيرتان فحملهما الشيخ على حصول التغيّر ، ولا بأس به ، لكن يجب تقييده عندنا بالتغيّر الذي يتوقّف زواله على نزح الجميع كما سيأتي تحقيقه.

وأمّا على القول بالتنجيس أو وجوب النزح فيمكن إجراء الكلام على إطلاقه.

وقد تعرّض المحقّق أيضا للكلام على أكثر هذه الأخبار في المعتبر فقال : إنّ رواية أبي اسامة قويّة السّند لكنّها متروكة بين المفتين. ورواية زرارة غير مقدّرة ، فيحتمل أن يكون إشارة إلى ما ذكر في رواية أبي اسامة الحسين

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢٠٣.

(٢) خلاصة الاقوال : ١٥٢.

٢١٤

ابن سعيد عن القاسم عن عليّ ، ورواية أبي مريم محتملة ؛ إذ قوله عليه‌السلام : « نزحت » يمكن أن يراد به الأربعون. ورواية عمّار وإن كان ثقة لكنّه فطحيّ ، فلا يعمل بها مع وجود المعارض السليم (١).

هذا وأنت تعلم أنّ الأمر عندنا سهل ؛ لأنّ المندوب يتسامح فيه. وحيث إنّ الآبار مختلفة في الكثرة والقلّة والقوّة والضعف ، والغرض من النزح تنظيفها ، فلا جرم يحصل الاختلاف في المقدار الذي يتحقّق معه التنظيف. ولعلّه السرّ في اختلاف الأخبار. وبالجملة فهو عند التحقيق أدلّ دليل على عدم الانفعال ، وأنّ النزح على جهة الاستحباب.

مسألة [١٨] :

وألحق الشيخان بالكلب ما أشبهه في قدر جسمه. وعدّا من الشبيه الخنزير والثعلب والشاة والغزال (٢).

واستدل لذلك الشيخ في التهذيب بالرواية السابقة في موت الكلب حيث قال فيها : « والكلب وشبهه » (٣).

ونحن إذا سلّمنا لهم الأصل نطالبهم بالدليل على إرادة المشابهة في قدر الجسم. ثمّ لو تنزّلنا إلى الموافقة لمنعنا حصول هذه المشابهة في أكثر المعدودات. والعيان شاهدنا العدل.

قال المحقّق رحمه‌الله بعد حكاية كلام الشيخ في ذلك : « لا ريب أنّ الثعلب يشبه

__________________

(١) المعتبر ١ : ٦٨.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٥ ، ذيل الحديث ٦٨٠. والمقنعة : ٦٦.

(٣) وهي الرواية المرقّمة برقم : ٦٨٠.

٢١٥

السّنّور. أمّا الكلب فهو بعيد عن شبهه. والرواية إنّما أحالت في الشبه على الكلب ، فالاستدلال إذا ضعيف (١).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الصّدوق رحمه‌الله قال في من لا يحضره الفقيه : « وإن وقعت شاة وما أشبهها في بئر نزح منها تسعة دلاء إلى عشرة دلاء » (٢).

وقال في المقنع : « وإن وقعت في البئر شاة فانزح سبعة أدل » (٣).

وكأنّه استند في الحكم الأوّل إلى رواية اسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه : « أنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : الدجاجة ومثلها تموت في البئر ينزح منها دلوان وثلاثة ، فإذا كانت شاة وما أشبهها فتسعة وعشرة » (٤).

وفي الثاني إلى رواية عمرو بن سعيد بن هلال عن أبي جعفر عليه‌السلام وقد تقدّمت في حكم السّنور (٥) حيث دلّت على السبع فيه أيضا.

ورجّح المحقّق في المعتبر العمل بالرواية الاولى ؛ معلّلا له بسلامة سندها وضعف رواية عمرو (٦).

وهذا منه عجيب ؛ فإنّ ضعف رواية عمرو بن سعيد بواسطته حيث إنّه مجهول كما عرفت. وفي طريق رواية إسحاق : غياث بن كلوب وهو مجهول الحال أيضا ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ٦٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢١ ، الحديث ٣٢.

(٣) في « ب » : سبعة أدلاء. راجع المقنع : ٣٢.

(٤) راجع تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٣. وفيه : « دلوان أو ثلاثة .. فتسعة أو عشرة ». والاستبصار ١ : ٤٣ ، الحديث ١٢٢.

(٥) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٥ ، الحديث ٦٧٩.

(٦) المعتبر ١ : ٦٩.

٢١٦

وإسحاق فطحيّ ـ على ما ذكره الشيخ (١) ـ وإن كان ثقة.

ثمّ إنّ المحقّق حكى عن الشيخين والمرتضى إيجاب نزح الأربعين للشاة ، وأنّ الشيخ احتجّ لذلك بمشابهتها للكلب. وردّه بأنّ احتجاجه بالمشابهة ليس بصريح. فالصريح أولى ؛ لأنّه استدلال بالمنطوق.

والتحقيق عندي أنّ المشابهة غير ثابتة ، والأخبار كلّها ضعيفة. فالأولى التوقّف عن العمل بها حيث يقال بالوجوب.

مسألة [١٩] :

وينزح ثلاثون دلوا لوقوع ماء المطر وفيه البول والعذرة وأبوال الدّواب وأرواثها وخرء الكلاب. قاله كثير من الأصحاب.

واستندوا فيه إلى رواية كردويه الهمداني. قال : « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدوابّ وأرواثها وخرء الكلاب؟ قال : ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت مبخّرة » (٢).

وقد أورد بعض الأصحاب على هذا الحكم إشكالا حاصله : إنّ ترك الاستفصال عن النجاسات المذكورة يقتضي تساوي جميع محتملاتها في الحكم ، فيستوي حال العذرة رطبة ويابسة ، وحال البول إذا كان بول رجل أو غيره ، وقد حكموا بنزح خمسين للعذرة الرطبة وأربعين لبول الرجل مع انفراد كلّ منهما فكيف يجتزي بالثلاثين مع انضمام أحدهما إلى الآخر ، وانضمام غيرهما إليهما

__________________

(١) الفهرست : ٥٤ ، الرقم ٩٦.

(٢) الاستبصار ١ : ٤٣ ، الحديث ١٢٠ ، وجاء في هامشه : البئر المبخّرة التي يشمّ منها الرائحة الكريهة كالجيفة ونحوها.

٢١٧

وهو مقتض لزيادة النجاسة؟!

واجيب عنه بالحمل على استهلاك ماء المطر لأعيان النجاسات ، ولا بعد في أن يكون ماء النجاسة أخفّ منها.

وردّ بأنّه على تقدير الاستهلاك لا يبقى بين ماء المطر وغيره فرق ، وقد فرّقوا مع أنّ لفظ الرواية ظاهر في كون الأعيان باقية موجودة.

فالأولى إبقاء الرواية على إطلاقها ، وعدم الالتفات إلى مثل هذا الإشكال ؛ فإنّه استبعاد غير مسموع بعد قيام الدليل ، خصوصا في أحكام البئر ؛ فإنّ التفريق بين المتماثل والجمع بين المتباين فيها كثير.

وهذا الكلام إنّما يتوجّه إذا كان دليل الحكم ناهضا بإثباته ، وليس الأمر كذلك هاهنا ؛ فإنّ راوي هذا الحديث ـ أعني كردويه ـ مجهول الحال ؛ إذ لم يتعرّض له الأصحاب في كتب الرجال.

مسألة [٢٠] :

وينزح للدم القليل عشر دلاء ، قاله الشيخ رحمه‌الله (١). وتبعه عليه جماعة منهم العلّامة في أكثر كتبه (٢) ، وهو اختيار الصدوق في المقنع (٣).

وقال في من لا يحضره الفقيه : وإن قطر فيها قطرات من دم استقي منها دلاء (٤).

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٤٤.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٨٧.

(٣) المقنع : ٣١.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٧.

٢١٨

وقال المفيد في المقنعة : وإن كان الدم قليلا نزح منها خمس دلاء (١).

وكأنّ استناد الشيخ فيما قاله إلى صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع السابقة في حكم الدم الكثير ، حيث قال في الاستبصار : إنّها ظاهرة في القليل كما حكيناه هناك عنه (٢) ، خلافا لما قرّره في التهذيب (٣). ولا بدّ من ضميمة التقريب الذي ذكره فيه لدلالة لفظ الدلاء فيها على العشر حتّى يتمّ الاستدلال. وقد عرفت أنّه غير تامّ ، وأنّ ما قرّب به الدلالة بعيد ضعيف.

والحقّ ما ذكره الصدوق في من لا يحضره الفقيه ؛ فإنّه مفاد الرواية ومآله إلى الاكتفاء بأقلّ ما يصدق معه مفهوم الجمع ، وهو الثلاثة وإن كان لفظ الدلاء على وزان جموع الكثرة ؛ فإنّ التفرقة بين الأمرين غير معتبرة في العرف المستمرّ لو ثبت كون الصّيغ حقايق فيها لغة.

ويؤيّد ذلك ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر ، هل يصلح أن يتوضّأ منها؟ قال : « ينزح منها دلاء يسيرة ، ثمّ يتوضّأ منها » ، وسألته عن رجل يستقي من بئر فرعف فيها هل يتوضّأ منها؟ قال : ينزح منها دلاء يسيرة » (٤).

وظاهر المحقّق في المعتبر المصير إلى هذا القول (٥). واختاره العلّامة في

__________________

(١) المقنعة : ٦٧.

(٢) الاستبصار ١ : ٤٤ ، الحديث ١٢٤.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٤٠٩ ، الحديث ١٢٨٨.

(٥) المعتبر ١ : ٦٥.

٢١٩

المنتهى (١).

ولم نقف لقول المفيد على حجّة.

مسألة [٢١] :

وينزح العشرة للعذرة اليابسة في المشهور بين الأصحاب ، لا نعرف فيه خلافا لأحد منهم.

وحجّتهم في ذلك ـ على ما ذكره بعضهم ـ رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن العذرة تقع في البئر؟ قال : ينزح منها عشر دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون » (٢).

وقد تقدّمت في بيان ما ينزح للذايبة ، ولم نقف على حديث يدلّ على ذلك سواها ، وطريقها ضعيف ؛ لأنّ فيه عبد الله بن بحر ، وهو من جملة الضعفاء المذمومين.

وعلى كلّ حال فانضمام عدم ظهور المخالف في ذلك من الأصحاب إلى هذه الرواية كاف في إثبات الندبيّة.

ولو قلنا بالانفعال أو الوجوب لكان للتوقّف مجال.

مسألة [٢٢] :

وينزح لموت الطير سبع دلاء ذكره الأصحاب.

ويدلّ عليه : رواية أبي اسامة وأبي يوسف يعقوب بن عيثم عن أبي

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٧٩ و ٨٧.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٤ ، الحديث ٧٠٢.

٢٢٠