معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

الاتصال (١) بالكثرة ، وليس الزائد منها (٢) على الكرّ بمعتبر في نظر الشارع ، فيرجع (٣) حاصل المقتضي إلى كونه متّصلا بالكرّ على جهة جريانه إليه واستيلائه عليه. وهذا المعنى بعينه موجود فيما نحن فيه ، فيجب أن يحصل (٤) مقتضاه.

ويؤيّد ذلك حكم ماء الحمام ؛ فإنّا لا نعلم من الأصحاب مخالفا في عدم انفعاله بالملاقاة مع بلوغ المادّة كرّا. والأخبار الواردة فيه شاهدة بذلك أيضا. وليس بخصوصيّة الحمّام عند التحقيق مدخل في ذلك.

وتوقّف العلّامة في المنتهى (٥) والتذكرة (٦) ـ بعد اشتراط (٧) كرّية مادّته ـ في إلحاق الحوض الصغير ذي المادّة في غيره به لا معنى له (٨).

__________________

(١) في « ب » : الانفعال.

(٢) في « ب » : الزائد فيها.

(٣) في « ب » : فرجع.

(٤) في « ب » : أن يجعل.

(٥) منتهى المطلب ١ : ٣٢.

(٦) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨ ، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٧) في « ب » : بعد اشتراطه.

(٨) لا يقال : كيف يتوقّف العلّامة في إلحاق ما ليس في الحمّام به مع حكمه بعدم انفعال الغدير ، إن قال : إذا كان المجموع كرّا فالحكمان الموجودان في التذكرة على غاية من التفاوت.

لأنّا نقول : الظاهر أنّه بدى الفرق بين الاتصال الحاصل في الأرض المنحدرة وبين ما يكون بميزاب ونحوه. وكأنّ فرض الاتّصال في الحمّام بالاعتبار الأخير في كلام المنتهى نوع إشعار بذلك فلهذا توقّف في الإلحاق مع جزمه بالاكتفاء في الغديرين إذ قد فرض الاتصال فيه بالساقية. وقد نبّه على الفرق بين الاعتبارين بعض المتأخّرين. والتحقيق أنّه لا فرق لصدق الاتصال فيهما. منه رحمه‌الله.

١٤١

نعم يتوجّه ذلك على القول بعدم اعتبار الكرّية في المادّة ؛ فإنّه يمكن حينئذ قصر الرخصة على موضع النصّ.

وقد بنى الشهيد في الذكرى هذا الإلحاق على الخلاف في المادّة فقال :

« وعلى اشتراط الكرّية في المادّة يتساوى الحمّام وغيره لحصول الكرّية الدافعة (١) للنجاسة ، وعلى العدم فالأقرب اختصاص الحمّام بالحكم لعموم البلوى وانفراده بالنص » (٢).

وقد تحرّر من هذا : أنّ عدم انفعال الواقف بالملاقاة مشروط ببلوغ مقدار الكرّ مع تساوي سطح الماء بحيث يصدق عليه الوحدة والاجتماع والكثرة عرفا ، أو باتّصاله بمادّة هي كرّ فصاعدا.

ولا يعتبر استواء السطوح في المادّة بالنظر إلى عدم انفعال ما تحتها ؛ لصدق المادّة الكثيرة مع الاختلاف. ولأنّ المادّة المعتبرة في النابع ليست بمستوية كما هو ظاهر.

نعم يعتبر الاستواء في عدم انفعال المادّة نفسها ، فلو لاقتها نجاسة وهي غير مستوية نجس موضع الملاقاة ، ويلزم منه نجاسة ما تحتها أيضا ما لم يكن فيه كرّ مجتمع.

وربّما استبعد ذلك حيث يكون الماء كثيرا جدّا لا سيّما انفعال آخر جزء منه بملاقاة أوّل جزء على ما هو شأن ما ينفعل بالملاقاة.

ويمكن دفعه : بالتزام عدم انفعال ما بعد عن موضع الملاقاة بمجرّدها ؛ لعدم الدليل ؛ إذ الأدلّة الدالّة على انفعال ما نقص عن الكرّ بالملاقاة مختصة بالمجتمع

__________________

(١) في « ب » : الكرّية الرافعة للنجاسة.

(٢) ذكرى الشيعة : ٨.

١٤٢

والمتقارب.

وليس مجرد الاتصال بالنجس موجبا للانفعال في نظر الشارع وإلّا لنجس الأعلى بنجاسة الأسفل ؛ لصدق الاتصال حينئذ ، وهو منفيّ قطعا.

وإذا لم يكن الاتصال بمجرّده موجبا لسريان الانفعال فلا بدّ في الحكم بنجاسة البعيد من دليل.

نعم جريان الماء النجس يقتضي نجاسة ما يصل إليه ، فإذا استوعب الأجزاء المنحدرة نجّسها وإن كثرت. ولا بعد في ذلك ؛ فإنّها بعدم استواء سطحها بمنزلة المنفصل (١) ، فكما أنّه ينجس بملاقاة النجاسة له وإن قلّت وكان مجموعه في نهاية الكثيرة فكذا هذه.

فرع :

أطلق العلّامة رحمه‌الله وكثير من الأصحاب اشتراط كرّيّة مادّة الحمّام (٢) ، وكأنّه بناء على الغالب من عدم مساواة سطحها بسطح الحوض ، وإلّا فالمتّجه حينئذ الاكتفاء ببلوغ المجموع ، كما حكموا به في الغديرين.

وقد صرّح بالتفصيل بعض الأصحاب وهو الأجود.

ثمّ إنّ ظاهر إطلاق العلّامة رحمه‌الله اشتراط كرّية المادّة يدلّ على اعتبار المساواة في الكرّ كما صرّح به في التذكرة (٣) ، إلّا أنّ كلام التذكرة يدلّ على انفعال الأعلى فقط مع عدم التساوي ، وما هنا يقتضي انفعال السافل أيضا ، وكأنّه يرى الفرق بين الاتصال الحاصل بالميزاب ونحوه وبين ما يكون بالساقية في الأرض المنحدرة

__________________

(١) في « ب » : ولا بعد في ذلك فإنّه بعد استواء سطحها بمنزلة المتّصل.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٣٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٣.

١٤٣

حيث إنّ اتصال الحمام في الأغلب يكون على الوجه الأوّل وقد فرض اتصال الغديرين بالوجه الثاني.

واعتبر هذا الفرق بعض المتأخّرين ، وليس بذاك ، سيّما بعد الحكم بانفعال الأعلى في مسألة الغديرين ؛ فإنّ المقتضي لعدم انفعال السافل منهما عندهم هو صدق الوحدة ، وذلك يقتضي عدم انفعال الأعلى أيضا ؛ إذ لا معنى (١) لصدقها بالنظر إلى بعض الأجزاء دون بعض ، فليتأمّل هذا (٢).

وقد اكتفى والدي رحمه‌الله ـ بناء على أصله السابق ـ ببلوغ المجموع من المادّة والحوض مقدار الكرّ مع التواصل مطلقا (٣). وتبعه عليه بعض مشايخنا المعاصرين (٤) ، وقد عرفت ما فيه.

ومن المجازفات العجيبة ما يوجد في كلام بعض المتأخّرين من أنّ بلوغ المجموع قدر الكرّ كاف مطلقا إجماعا ، وأنّ إطلاق الأصحاب اشتراط كرّية المادّة مبنيّ على الغالب من كثرة الأخذ من ماء الحوض.

وما أبعد ما بين هذا الكلام وبين عدّ بعض آخر إطلاق اشتراط الكرّية في المادّة قولا مغايرا للتفصيل باستواء السطوح وعدمه ، كما قرّرناه ؛ إذ مقتضى ذلك وجود القائل باشتراط كرّية المادّة وحدها وإن استوت السطوح.

والتحقيق : أنّ هذا بعيد أيضا. بل الظاهر أنّ المطلقين للاشتراط بنوه على الغالب من عدم الاستواء ، وإلّا فلا معنى لاكتفائهم ببلوغ المجموع في الغديرين

__________________

(١) في « ب » : إذ لا مقتضى.

(٢) في « ب » : فليتأمّل هنا.

(٣) روض الجنان : ١٣٧ ، الطبعة الحجريّة.

(٤) في « ب » : مشايخنا المتأخّرين

١٤٤

وعدمه هنا.

وممّا ينبّه على ذلك أنّ الشهيد رحمه‌الله في الذكرى حيث شبّه الماء القليل المتّصل بالكثير العالي عليه بماء الحمّام (١) عند ذكره الحكم المنقول عنه سابقا أعني قوله :

« ولو كانت الملاقاة بعد الاتصال ولو بساقية لم ينجس القليل مع مساواة السطحين أو علوّ الكثير » ، فوصل قوله بقوله : « كالحمّام » وهو ممن أطلق اشتراط كرّية المادّة ، فعلم أنّه بناه (٢) على ما فرضه من علوّها على الحوض (٣).

مسألة [٧] :

لا ريب في تنجيس الواقف بل مطلق الماء وإن كثير بتغيّره بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة ، وهو مذهب أهل العلم كافّة. ذكره جماعة من الأصحاب.

ويؤيّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

« كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب ، فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضّأ منه ولا تشرب » (٤).

وفي الصحيح عن حمّاد بن عيسى عن ابراهيم بن عمير اليماني عن أبي خالد القمّاط ، أنّه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في الماء يمرّ به الرجل وهو يقع فيه الميتة الجيفة فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن كان قد تغيّر ريحه وطعمه فلا تشرب

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٩ ، الطبعة الحجريّة.

(٢) في « أ » : بناء.

(٣) في « ب » : على الحوضين.

(٤) الاستبصار ١ : ١٢ ، الباب ٣ ، الحديث ٢.

١٤٥

ولا تتوضّأ منه وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ » (١).

إذا تقرّر هذا فأكثر الأصحاب على أنّ المعتبر من التغيّر ما يظهر للحس ، فلو كانت النجاسة مسلوبة الصفات لم تؤثّر في الماء وإن كثرت.

وذهب العلّامة رحمه‌الله إلى وجوب تقدير النجاسة على أوصاف مخالفة. فإن كان الماء يتغيّر بها على ذلك التقدير حكم بنجاسته وإلّا فهو باق على الطهارة (٢).

وحجّته على ما حكاه بعض الأصحاب : « أنّ التغيّر الذي هو مناط النجاسة دائر مع وجود الأوصاف ؛ فإذا فقدت وجب تقديرها ».

وليس بشي‌ء ؛ إذ لا تزيد على إعادة المدّعى (٣).

وفخر المحققين وافق والده على ذلك ، واحتجّ له بوجود المقتضي ، وهو صيرورة الماء مقهورا ؛ لأنّه كلّما لم يكن الماء مقهورا لم يتغيّر بها على تقدير المخالفة ، وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا كلّما تغير على تقدير المخالفة كان مقهورا (٤).

وهو ضعيف أيضا ؛ لتوجّه المنع إلى كلّية الاولى.

وما يقال : من أنّ عدم وجوب التقدير يفضي إلى جواز الاستعمال وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا وهو كالمعلوم البطلان ، فوجب تقدير الأوصاف ؛ لأنها مناط التنجيس وعدمه ، فهو استبعاد قريب ، لكنّه لا ينهض (٥) دليلا

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٩ ، الباب ١ ، الحديث ١٠.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٣٣.

(٣) في « ب » : لا تزيد على ما ادّعاه المدّعي.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ١٦.

(٥) في « ب » : لا ينهض به.

١٤٦

على المدّعى ؛ إذ معلوميّة المنع من الاستعمال حيث تستهلك النجاسة الماء لكونها أضعافه لا يقتضي وجوب التقدير والمنع من الاستعمال مع أكثرية الماء أو مساواته المانعة من استهلاك النجاسة له ، وذلك ظاهر.

وقد بان بما ذكرناه أنّ الأظهر مختار الأكثر ، وإن كان في القول الآخر احتياط في الجملة.

فروع :

[ الفرع ] الأوّل :

لو اشتمل الماء على صفة تمنع من ظهور التغيّر فيه كما لو كان متغيّرا بطاهر أحمر (١) ووقع فيه دم ، فالذي ينبغي : القطع بوجوب تقدير خلوّ الماء عن ذلك الوصف ؛ لأنّ التغيير حينئذ على تقدير حصوله حقيقيّ (٢) ، غاية ما هناك أنّه مستور على الحسّ وقد نبّه على ذلك الشهيد رحمه‌الله في البيان (٣).

[ الفرع ] الثاني :

هل المعتبر على القول بتقدير المخالفة هو الوصف الأشدّ ، كحدّة الخلّ وذكا المسك وسواد الحبر ؛ لمناسبة النجاسة تغليظ الحكم؟ أو الوسط ؛ لأنّه الأغلب؟

ظاهر العلّامة في النهاية الأوّل ، حيث قال : « ويعتبر ما هو الأحوط » (٤).

__________________

(١) في « ب » و « ج » : بطاهر آخر.

(٢) في « أ » و « ج » : تحقيقيّ.

(٣) البيان : ٤٤ ، الطبعه الحجريّة.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٢٢٩ ، طبعة إسماعيليان المحقّقة.

١٤٧

وفي الذكرى : « ينبغي فرض مخالف أشدّ أخذا بالاحتياط » (١).

واختار الثاني بعض المتأخّرين وهو الأجود.

واستقرب بعض الأصحاب اعتبار أوصاف الماء وسطا (٢) ؛ نظرا إلى شدّة اختلافها في قبول التغيّر وعدمه ، كالعذوبة والملوحة والرقّة والغلظة والصفاء والكدرة ، وهو محتمل حيث (٣) لا يكون الماء على الوصف القويّ ؛ إذ لا معنى لتقديره حينئذ بما هو دونه.

[ الفرع ] الثالث :

لو تغيّرت رائحة الماء بمرور رائحة النجاسة القريبة لم ينجس ؛ لأنّ الرائحة ليست بنجاسة فلا تؤثّر تنجيسا.

[ الفرع ] الرابع :

لو حصل التغيّر في أحد الأوصاف بالمتنجّس لا النجاسة وبقي معه الإطلاق لم ينجس ، كما لو تغيّر طعمه بالدبس النجس من غير أن تؤثّر نجاسته فيه أو تخرجه عن إطلاق الاسم.

وللشيخ في ذلك خلاف ضعيف يأتي الكلام عليه (٤) في بحث المضاف.

[ الفرع ] الخامس :

لو شكّ في استناد التغيّر إلى النجاسة لم ينجس ؛ لأنّ أصالة الطهارة لا تدفع بالشكّ.

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٨ ، الطبعة الحجريّة.

(٢) في « ب » : اعتبار أوصاف المتوسّط.

(٣) في « أ » : وهو محتمل لا حيث لا يكون الماء على الوصف القويّ.

(٤) في « ب » : فيه.

١٤٨

مسألة [٨] :

إذا نجس القليل الواقف فلتطهيره طرق يتوقّف بيانها على تمهيد مقدمة ، وهي أنّه :

هل يكفي في تطهير الماء مجرّد اتّصال المطهّر به؟ أو لا بدّ من الممازجة؟

فقد اختلف في ذلك كلام الأصحاب ، وظهر من فتوى جماعة منهم فيه الاضطراب.

فممّن صرّح (١) باشتراط الامتزاج المحقّق في المعتبر ؛ فإنّه ذهب في مسألة الغديرين إلى أنّ اتّصال القليل النجس منهما بالكثير الطاهر غير كاف في تطهيره (٢) ، وقد سبق نقل عبارته في ذلك.

وممّن صرّح بعدم اعتباره وجعل المناط مجرد الاتصال ، الفاضل الشيخ علي (٣) ووالدي (٤) رحمهما‌الله.

وقال العلّامة في المنتهى في مسألة الغديرين : « لو وصل بين الغديرين بساقية اتّحدا ، واعتبر الكرّية فيهما مع الساقية جميعا. أمّا لو كان أحدهما أقلّ من الآخر ولاقته نجاسة فوصل بغدير بالغ كرّا ، قال بعض الأصحاب : الأولى بقاؤه على النجاسة ؛ لأنّه ممتاز عن الطاهر ، مع أنّه لو مازجه وقهره لنجّسه. وعندي فيه نظر ؛ فإنّ الاتّفاق واقع على أنّ تطهير ما نقص عن الكرّ بإلقاء كرّ عليه.

__________________

(١) في « ب » : فممّن خرّج اشتراط الامتزاج.

(٢) المعتبر ١ : ٥٠.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١٣٣ ، طبعة مؤسسة آل البيت.

(٤) الروضة البهيّة ١ : ٢٥٨ ، طبعة كلانتر.

١٤٩

ولا شكّ أنّ المداخلة ممتنعة ، فالمعتبر إذن الاتصال الموجود هنا (١).

وفي التحرير : « لو كان أحدهما ( يعني الغديرين ) أقلّ من كرّ فوقعت فيه نجاسة ، ثمّ وصل بغدير بالغ كرّا فالأولى زوال النجاسة » (٢).

وفي النهاية ما يقرب من هذا (٣).

وقال في التذكرة : « لو وصل بين الغديرين بساقية اتّحدا » إلى أن قال : « ولو كان أحدهما نجسا فالأقرب بقاؤه على حكمه مع الاتصال ، وانتقاله إلى الطهارة مع الممازجة ؛ لأنّ النجس لو غلب الطاهر نجّسه مع الممازجة ، فمع التميّز يبقى على حاله » (٤).

وقال في المنتهى في بحث ماء الحمّام : « والحوض الصغير من الحمّام إذا نجس لم يطهر بإجراء المادّة إليه ما لم تغلب عليه بحيث تستولي عليه ؛ لأنّ الصادق عليه‌السلام حكم بأنّه بمنزلة الجاري. ولو ينجّس الجاري لم يطهر إلّا باستيلاء الماء عليه بحيث يزيل انفعاله » (٥).

وفي النهاية مثله (٦).

وقريب منه في التحرير (٧).

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٥٣ ـ ٥٤.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٨.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٢٣٢.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٣.

(٥) منتهى المطلب ١ : ٣٢.

(٦) نهاية الإحكام ١ : ٢٣٠.

(٧) تحرير الأحكام ١ : ٦.

١٥٠

وفي التذكرة : « لو تنجس الحوض الصغير في الحمّام لم يطهر باجراء المادّة إليه بل بتكاثرها على مائه » (١).

فانظر ما في هذه الفتاوى من الاختلاف مع اتّحاد الموضوع أو تماثله.

وقد اتّفق للشهيد رحمه‌الله ما يقرب من ذلك فإنّه قال في الذكرى : « طهر القليل بمطهّر الكثير ممازجا. فلو وصل بكرّ مماسّة لم يطهر ؛ للتميّز المقتضي لاختصاص كلّ بحكمه » (٢).

وصرّح في اللمعة بالاكتفاء بمجرّد الملاقاة (٣).

وقد لاح لك من الكلام الذي حكيناه مظهر الاحتجاج من الجانبين ، وما رأيت من بسط القول فيه سوى الشيخ علي (٤) ووالدي (٥) رحمهما‌الله : فإنّهما احتجّا لما ذهبا إليه من الاكتفاء بالاتصال : بالأصل ، وعدم تحقّق الامتزاج ؛ لأنّه إن اريد به امتزاج مجموع الأجزاء بالمجموع لم يتحقّق الحكم بالطهارة ؛ لعدم العلم بذلك ، بل ربّما علم عدمه. وإن اريد به البعض لم يكن المطهّر للبعض الآخر الامتزاج بل مجرّد الاتّصال ، فيلزم (٦) : إمّا القول بعدم طهارته أو القول بالاكتفاء بمجرّد الاتّصال. وبأنّ الأجزاء الملاقية للطاهر تطهر بمجرد الاتّصال قطعا ، فتطهر الأجزاء التي تليها لاتّصالها بالكثير الطاهر ، وكذا القول في بقية الأجزاء.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨.

(٢) ذكرى الشيعة : ٩.

(٣) الروضة البهيّة ١ : ٢٥٣.

(٤) جامع المقاصد ١ : ١٣٣.

(٥) روض الجنان : ١٣٨.

(٦) في « ب » : ويلزمه.

١٥١

وأقول : هذا غاية ما يمكن أن يحتجّ به لهذا القول ، وقد اشتمل على وجوه ثلاثة لا أرى واحدا منها سليما من جرح المناقشة.

أمّا الأوّل : أعني التمسّك بالأصل ، فلأنّه لا معنى له في مثل هذا المقام ؛ لمعارضة أصالة بقاء النجاسة له ، ولو فرض وجود دليل يصلح مخرجا عنها لكان هو الحجّة.

وأمّا الثاني : وهو عدم تحقّق الامتزاج ، فلأنّ محصّله انحصار ما يحتمل إرادته منه في أمرين :

أحدهما : امتزاج مجموع أجزاء المطهّر بمجموع أجزاء المطهّر. ولا سبيل إلى العلم به على تقدير امكان حصوله ، فلا يجوز جعله مناطا للحكم الشرعي.

والثاني : امتزاج البعض بالبعض ، وحينئذ فالبعض الغير الممتزج : إما أن يقال بعدم طهارته وهو باطل قطعا ؛ إذ الاتفاق واقع على أنّه ليس وراء الامتزاج المذكور شرط آخر لطهر الجميع ، أو يقال بطهارته بمجرّد الاتصال ، فيلزم القول به مطلقا ؛ إذا الفرق بين الأبعاض غير معقول ، فيكون اعتبار الامتزاج على هذا التقدير مستلزما لعدم اعتباره وهو ظاهر الفساد.

ويرد عليه : أنّا نختار إرادة امتزاج البعض ، وأنّ الباقي يطهر حينئذ ، ويمنع اقتضاء ذلك ؛ للاكتفاء بالاتّصال مطلقا.

وتحقيق الحال : أنّ الحكم بالطّهارة وعدمها تابع للدلالة الشرعيّة ، وليس للعقل فيه مدخل. ونحن إنّما حكمنا بطهر الأجزاء الباقية بغير امتزاج من الماء (١) الممتزج ظاهرا لقيام الدليل عليه ـ وهو الاتفاق على حصول الطهارة للمجموع حينئذ كما ذكرتموه ـ فإنّه يستلزم الحكم بطهارة الأجزاء وإن لم يحصل فيها

__________________

(١) في « ب » : في الماء.

١٥٢

غير الاتّصال ، فمن أين يلزمنا الحكم بطهارة ما لم يحصل فيه امتزاج أصلا بمجرّد الاتصال؟ وهو خلاف مورد الدليل ، وليس هناك نصّ على علّة مشتركة توجب اشتراكهما في الحكم. وبالجملة فهذا واضح غنيّ عن البيان.

وأمّا الثالث : فهو أمتن الوجوه وأقربها ، إلّا أنّه موقوف على وجود دليل نقليّ يدلّ ـ ولو بالعموم ـ على أنّ الماء مطهّر لنفسه بقول مطلق ، ولا أراه موجودا (١).

وما مرّ من الاحتجاج لكون الماء مطهّرا بالآيتين إنّما يقتضي ثبوت ذلك في الجملة ؛ إذ لا عموم فيهما ؛ فلا بدّ في اثباته من ضميمة الاجماع على عدم الفصل ، وذلك لا يتأتّى في موضع النزاع ؛ لظهور الخلاف فيه ، ولما دلّ النصّ والاجماع على أنّ وقوع النجاسة في الكثير أو وقوعه عليها لا يمنع من استعماله ، ولا يثمر (٢) فيه تنجيسا وإن كثرت ما لم يغيّره (٣). وكذا جميع أجزائه ، إذا لم يتميّز النجاسة فيها ، وهو يقتضي إلغاء حكمها ، حيث يشيع في أجزاء الماء ، وتصير مستهلكة به (٤).

فلا جرم كان ذلك دالّا بمفهوم الموافقة على أنّ الماء النجس بهذه المثابة. فإذا وقع في الماء ، أو وقع الماء عليه وصار مستهلكا فيه بحيث شاعت الأجزاء ولم يتميّز ، وجب الحكم بطهارته ؛ لما ذكر.

وهذا معنى الامتزاج الذي نعتبره في حصول التطهير.

__________________

(١) جاء في هامش « ج » : لم أر موافقا من الأصحاب على الاحتجاج بهذا الطريق حال كتابته. ثمّ إني وجدت الشيخ رحمه‌الله احتجّ بمثله في الخلاف ، وقد حكيت عبارته في ذلك لغرض اقتضاء الحال في بحث الجاري فإن شئت فقف عليها هناك. منه رحمه‌الله.

(٢) في « ب » : ولا يتميّز فيه تنجيسات.

(٣) في « ب » : ما لم تغيّره.

(٤) في « ب » : مستهلكة له.

١٥٣

وقد ظهر بذلك قوّة القول باعتباره ، واتّضح فساد قول بعض المتأخّرين : « إنّه ليس للامتزاج معنى محصّل ».

إذا تمهّد هذا فنقول :

من طرق تطهير الواقف القليل :

[١] ـ إلقاء الكرّ عليه.

واعتبر كثير من الأصحاب فيه الدفعة ، وأطلق آخرون ، واضطربت فتاوى البعض فيه ، كاعتبار الممازجة.

والتحقيق في ذلك : أنّه لا يخلو إمّا أن يعتبر في عدم انفعال مقدار الكرّ استواء سطحه أو لا.

وعلى الثاني : إمّا أن يشترط في التطهير حصول الامتزاج أو لا.

وعلى تقدير عدم الاشتراط : إمّا أن يكون حصول النجاسة (١) عن مجرّد الملاقاة ، أو مع التغيّر (٢). فها هنا صور أربع.

[ الصورة ] الاولى (٣) : أن يعتبر (٤) في عدم انفعال الكرّ استواء السطح.

__________________

(١) في « ب » : حصول النجاسة به.

(٢) في « ب » : أو مع التغيير.

(٣) جاء في هامش « ج » : قسّم سلّار في رسالته الماء النجس إلى ثلاثة أقسام : أحدها : يزول حكم نجاسته بإخراج بعضه وهو مياه الآبار. والثاني : يزول حكم النجاسة عنه بزيادته وهو الماء القليل الراكد في أرض أو غدير أو قليب فإنّه إذا زاد بتبليغه الكرّ أو أكثر طهر ، وكذلك الجاري القليل إذا استولت عليه النجاسة ثمّ كثر حتّى زال الاستيلاء.

والثالث : يزول حكم نجاسته على وجه وهو ما في الأواني والحياض. قال : بل يجب إهراقه وإن كان كثيرا. منه رحمه‌الله.

(٤) في « ب » : أن نعتبر.

١٥٤

والمتّجه حينئذ اشتراط الدفعة في الإلقاء ؛ لأنّ وقوعه تدريجا يقتضي خروجه عن المساواة ، فتنفعل (١) الأجزاء التي يصيبها الماء النجس وينقص الطاهر عن الكرّ ، فلا يصلح لإفادة الطهارة.

ولا فرق في ذلك بين المتغيّر وغيره ؛ لاشتراك الكلّ في التأثير في القليل ، والمفروض صيرورة الأجزاء بعدم المساواة في معنى القليل.

[ الصورة ] الثانية : أن يهمل (٢) اعتبار المساواة ولكن يشترط (٣) الامتزاج.

والوجه عدم اعتبار الدفعة حينئذ ، بل ما يحصل به ممازجة الطاهر بالنجس واستهلاكه له (٤) حتى لو فرض حصول ذلك قبل إتمام إلقاء الكرّ لم يحتج إلى الباقي.

ولا يفرّق (٥) هنا أيضا بين المتغيّر وغيره ، لكن يعتبر في المتغيّر مع الممازجة زوال تغيّره ، فيجب أن يلقى عليه من مقدار الكرّ ما يحصل به الأمران.

ولو قدّر قوّة المتغيّر بحيث يلزم منه تغيّر شي‌ء من أجزاء الكرّ حال وقوعها عليه ، وجب مراعاة ما يؤمن معه ذلك ؛ إمّا بتكثير (٦) الأجزاء أو بإلقاء الجميع دفعة.

[ الصورة ] الثالثة : أن لا يشترط الممازجة ولا يعتبر المساواة وتكون

__________________

(١) في « أ » : فتنفعل الأجزاء التي يصيبها النجس والوحدة حينئذ غير صادقة.

(٢) في « ج » : أن نهمل.

(٣) في « ب » و « ج » : ولكن فشرط الامتزاج.

(٤) « له » ليس في « أ » و « ب ».

(٥) في « ب » : ولا فرق. وفي « ج » : لا نفرّق.

(٦) في « ب » و « ج » : بتكثّر.

١٥٥

نجاسة الماء بمجرد الملاقاة (١). والمتّجه حينئذ الاكتفاء بمجرّد الاتّصال ، فإذا حصل بأقلّ مسمّاه كفى ، ولم يحتج إلى الزيادة عنه (٢).

[ الصورة ] الرابعة : الصورة بحالها ولكن كان الماء متغيّرا. والمعتبر حينئذ اندفاع التغيّر ، كما في صورة اشتراط الامتزاج ، ومع فرض تأثير التغيّر في بعض الأجزاء تتعيّن الدفعة أو ما جرى مجراها كما ذكر.

وحيث قد تقدّم منّا الميل إلى اعتبار المساواة فاشتراط الدفعة متعيّن.

ووالدي رحمه‌الله لمّا لم ير اعتبار المساواة ، وفهم ذلك أيضا من ظاهر كلام أكثر الأصحاب على ما سلف ذكره ، استوجه عدم اشتراط الدفعة ، وحاول حمل كلام من ذكرها منهم ـ كالعلّامة رحمه‌الله ـ على إرادة الاتصال منها ؛ نظرا إلى أنّ إلقاءه مفرّقا بحيث يقطع بين أجزائه ، يوجب تعدّد دفعات الإلقاء ، ومع اتّصال بعضه ببعض يصدق الدفعة.

وأنت إذا أحطت خبرا بما حقّقناه علمت عدم استقامة هذا الحمل ؛ لأنّ كلام العلّامة رحمه‌الله في مادّة الحمّام يدلّ على انفعال السافل من الماء غير المستوي وإن كان مجموعه بالغا مقدار الكرّ كما علمت. واشتراط الدفعة بمعناها الظاهر المشهور متعيّن على ذلك التقدير كما ذكرناه ، فلا وجه للعدول بكلامه عن الظاهر وارتكاب التكلّف الذي ذكره.

__________________

(١) في « ج » : في هذه العبارة دقيقة وهي أنّ أدلّة انفعال الماء بالملاقاة إنّما تدلّ على انفعاله بملاقاة النجاسة له بمعنى ورودها عليه [ أمّا ] إذا ورد عليها فليس في الأدلّة ما يقتضي نجاسته ، فلذلك أسندت الإصابة إلى الماء النجس. تأمّل. منه رحمه‌الله.

(٢) في « أ » : الزيادة فيه.

١٥٦

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ المعتبر من الدفعة (١) ما لا يخرج به الماء عن كونه متساوي السطح ، ومآله إلى ما يبقى به صدق الاجتماع والوحدة عرفا ؛ لما عرفت من أنّ الموجب لاعتبارها هو التحرّز من انفعال بعض أجزاء الماء ، وهو إنّما يكون بخروجه عن الوحدة المعتبرة ، فلا يرد حينئذ ما أورده بعض الأصحاب من أنّ الدفعة لا يتحقّق لها معنى لتعذّر الحقيقة وعدم الدليل على العرفيّة.

وأمّا ما يوجد في كلام بعض المتأخّرين من تعليل اعتبارها بالنصّ فغريب ؛ إذ لم ينقل أحد من الأصحاب في الاحتجاج على ذلك خبرا ، ولا هو موجود في كتب الأخبار المعروفة ، وما رأينا في كتب الاستدلال مثل المنتهى في كثرة التتبّع للأخبار والاحتجاج بها ، ومع ذلك فلم يستدلّ فيه على اعتبارها بشي‌ء.

نعم استدلّ على طهارة الكثير المتغيّر بالقاء الكرّ دفعة بأنّ الطاري غير قابل للنجاسة لكثرته ، والمتغيّر مستهلك فيه فيطهر. وكأنّه أحال الاحتجاج لحكم القليل ، على ما ذكره في الكثير حيث إنّه في كلامه متقدّم.

وقد سبقه إلى هذا الاستدلال شيخه المحقّق فاحتجّ في المعتبر لطهارة القليل غير المتغيّر بالقاء الكرّ : بأنّ الطاري لا يقبل النجاسة ، والنجس مستهلك به فيطهر (٢).

وفي ذلك دلالة واضحة على ما قلناه من عدم وجود دليل يدلّ على خصوص

__________________

(١) في « ج » : حكى والدي رحمه‌الله في بعض فوائده عن بعض الأصحاب أنّه فسّر الدفعة بالمتواصل المتواتر من غير فتور : أن يتّحد الماء ان بسرعة ، وناظر إلى ما ذكرناه من أنّ الاكتفاء تدريجيّا يخرج عن الوحدة ولو في بعض الأجزاء ، وهو يقتضي انفعالهما فينقص الطاهر عن الكرّ فلا يصلح لإفادة التطهير. منه رحمه‌الله.

(٢) المعتبر ١ : ٥١.

١٥٧

طريق تطهير الماء ، وإلّا لكان أحقّ بالذكر.

ومن الطرق لتطهير القليل أيضا :

[٢] ـ إلقاؤه في الكرّ.

وحينئذ إن كان متغيّرا اعتبر في طهره الامتزاج ؛ لأنّ طهارته موقوفة على زوال تغيّره ، وهو لا يحصل بدون الممازجة. وإن لم يكن متغيّرا بني اعتبار الامتزاج على الخلاف.

وعلى كلّ حال لا بدّ من صيرورته بحيث يساوي سطحه سطح الكرّ ، أو يكون ماء الكرّ أعلى.

[٣] ـ ومنها : اتصاله بالنابع المساوي له أو الأعلى منه.

وفي معناه الجاري عن (١) مادّة كثيرة.

وحكمه في اعتبار الامتزاج أو (٢) الاكتفاء بمجرّة الاتصال كالسابق. ويبنى (٣) اشتراط بلوغ النابع مقدار الكرّ وعدمه على الخلاف الآتي.

[٤] ـ ومنها : نزول ماء الغيث(٤) عليه.

وفي القدر الذي لا ينفعل منه (٥) بالملاقاة خلاف يأتي.

والأظهر اشتراط ممازجته له وغلبته (٦) عليه كغيره.

__________________

(١) في « أ » : الجاري على مادّة كثيرة.

(٢) في « أ » : والاكتفاء.

(٣) في « ب » : ومبنى اشتراط.

(٤) في « ج » : قال في البيان : يطهر الماء النجس بالجاري وماء المطر الغالب. منه رحمه‌الله.

(٥) في « ب » : لا ينفعل فيه.

(٦) في « ب » : أو غلبته.

١٥٨

وعلى القول الآخر يمكن أن يكتفى بمجرّد وقوعه عليه. وسيأتي لذلك مزيد تحقيق.

ولا بدّ من زوال التغيّر به على تقدير وجوده.

فروع :

[ الفرع ] الأوّل :

وحيث يعتبر في تطهير المتغيّر إلقاء الكرّ دفعة : فإن أزال(١) تغيّره فذاك ، وإن بقي فيه تغيّر : فإمّا أن يبلغ غير المتغيّر منه قدر الكرّ مجتمعا ، أو لا.

فعلى الأوّل : يكفي في طهارته تمويجه (٢) بحيث يمتزج المتغيّر بغيره ويزول تغيّره.

وعلى الثاني : يكون لكلّ من المتغيّر وغير المتغيّر حكمه لو انفرد. وهكذا. وليس التقريب حينئذ بمشكل.

[ الفرع ] الثاني :

لو كان القليل النجس في كوز أو نحوه توقّف طهره على دخول المطهّر إليه ليستولي عليه ويمازجه ، ويلزم من ذلك عدم طهارته إذا كان مملوّا ؛ لعدم إمكان التداخل ، فيبقى الامتياز.

اللهمّ إلّا أن يكون للمطهّر قوة وانصباب بحيث يدافع (٣) ما في الكوز فيمكن طهارته حينئذ.

__________________

(١) في « ب » : فإن زال تغيّره.

(٢) في « ج » : تمزيجه.

(٣) في « ب » : يتدافع ما في الكوز.

١٥٩

وممّا يعلم معه عدم الامتزاج : بقاء ماء الكوز على وصفه المباين للمطهّر كالعذوبة والمطهّر مالح ، أو الحرارة وهو بارد.

وفي الذكرى : « لو غمس الكوز بمائه النجس في الكثير الطاهر طهر مع الامتزاج ولا تكفي المماسّة .. ولا يشترط (١) أكثريّة الطاهر ، نعم يشترط المكث ليتحقّق الامتزاج » (٢).

وهو حسن. غير أنّه لا وجه لترك اعتبار دخول المطهّر كما ذكرناه مع تعرّضه لاشتراط المكث ؛ فإنّه يأبى الاعتذار عنه بدلالة (٣) اشتراط الممازجة عليه.

وفي نهاية العلّامة : « لو غمس كوز فيه ماء نجس في ماء طاهر كثير طهر إذا دخل الماء فيه ، سواء كان الإناء ضيّق الرأس ـ إن قلنا يكفي الاتصال ـ أو واسعه من غير مضيّ زمان ما لم يكن (٤) متغيّرا ، فيشترط مضيّ ما يظنّ فيه زواله » (٥).

وأنت تعلم أنّه بعد البناء على الاكتفاء بالاتصال لا وجه لاشتراط دخول الماء فيه ، كما لا يشترط مضيّ الزمان ، بل المعتبر اتّصال الكثير به عاليا (٦) عليه ، أو مساويا له كما مرّ.

__________________

(١) في « أ » : ولا تشترط.

(٢) ذكرى الشيعة : ٩.

(٣) في « ب » : بدلا لاشتراط الممازجة عليه.

(٤) في « ب » : ما لم يكن هناك متغيّرا.

(٥) نهاية الإحكام ١ : ٢٥٨.

(٦) في « ب » : غالبا عليه.

١٦٠