والحقّ ـ كما قال بعض المحقّقين (١) ـ أنّه في الحقيقة معارضة ؛ لأنّ المعارضة إقامة الدليل على خلاف قول المستدلّ ، والقلب كذلك ، إلاّ أنّه نوع مخصوص من المعارضة ؛ لأنّ كلاّ من الأصل والفرع والجامع مشترك بين قياسي المستدلّ والقالب ، ففيه لا يمكن الزيادة في العلّة ، ولا منع وجود العلّة في الأصل والفرع ، بخلاف سائر المعارضات. وعلى هذا ، فحكمه حكم المعارضة ، وجوابه جوابها. وللمستدلّ أن يقدح تأثير العلّة فيه بالنقض أو عدم التأثير أو القول بالموجب ، وأن يمنع حكم القالب في الأصل ، وأن يقلب قلبه إذا لم يناقض الحكم.
ثمّ لا يخفى عليك أنّ القلب المذكور بأقسامه هو قلب العلّة.
وللقلب نوعان آخران :
أحدهما : قلب الدعوى ، بأن يدّعي المعترض دعوى تقابل دعوى المستدلّ ، سواء استند كلّ منهما إلى الضرورة أو إلى دليل مضمر فيه.
فالأوّل ، كما إذا قيل : النظر يفضي إلى العلم بالضرورة ، فيقول المعترض : النظر لا يفضي إلى العلم بالضرورة.
والثاني ، كما إذا قال الأشعري : كلّ موجود مرئيّ وهو في قوّة « لأنّه موجود » ؛ لأنّ الوجود هو المصحّح للرؤية عنده ، فيقول المعتزلي : كلّ ما ليس في جهة لا يكون مرئيّا ، وتقديره : لأنّ انتفاء الجهة مانع من الرؤية.
وثانيهما : قلب الدليل بأن يبيّن أنّ دليل المستدلّ حجّة عليه لا له ، كما لو استدلّ على توريث الخال بقوله عليهالسلام : « الخال وارث من لا وارث له » (٢) ، فيقول المعترض : المراد نفي توريث الخال بطريق المبالغة ، كما يقال : الجوع زاد من لا زاد له ، والصبر حيلة من لا حيلة له.
[ المبطل ] السادس : القول بالموجب وهو تسليم ما لزم من الدليل مع بقاء الخلاف ، ومرجعه إلى ادّعاء نصب الدليل في غير محلّ النزاع ، وهو لا يختصّ بالقياس ، بل يأتي في كلّ دليل ، وأقسامه ثلاثة :
__________________
(١) قاله الفخر الرازي في المحصول ٥ : ٢٦٥ ، والبيضاوي في منهاج الاصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٢١٠.
(٢) كنز العمّال ١١ : ٥ ، ح ٣٠٣٧٧.