الوصف يفيد علّيّته له ، فهو يتناول بعمومه الذّرة.
ومنه ما يقال : النبّاش يقطع ؛ لأنّه سارق كالسارق من الحيّ ، فيبطل بأنّ الله تعالى رتّب القطع على السرقة بفاء التعقيب في قوله : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ )(١) ، فدلّ على أنّه المقتضي للقطع ، وهو يقتضي ثبوت الحكم في الفرع بالنصّ ؛ لأنّ ثبوت العلّة بعد ثبوت الحكم (٢).
ومثال الثاني ما يقال : القيء ينقض الوضوء ؛ قياسا على الخارج من السبيلين بجامع الخروج والنجاسة ، فيبطل بأنّ قوله عليهالسلام : « من قاء أو رعف أو أمذى فليتوضّأ » (٣) دلّ على أنّ خروج القيء بخصوصه علّة لنقض الوضوء (٤).
واستدلّوا عليه بأنّه إذا أمكن إثبات الحكم في الفرع بالنصّ ، كما يمكن إثباته به في الأصل ، فالعدول إلى القياس المحوج إلى أعمال متعدّدة تطويل بلا فائدة.
والحقّ أنّ ذلك مغالطة ؛ لأنّ إثبات الحكم في الفرع بالقياس طريق ، كما أنّ إثباته فيه بالنصّ طريق آخر ، ووجود الطرق المتعدّدة غير عزيز ، مع أنّه يمكن أن يكون دلالة النصّ على العلّيّة أظهر في نظر المستدلّ من دلالته على العموم ، وأن يكون العامّ في نظره مخصّصا. وغير ذلك من الوجوه المرجّحة للاستدلال بالقياس. فما يتناوله الدليل الدالّ على العلّيّة بعمومه أو خصوصه ، يصحّ الاستدلال عليه بمطلق القياس أيضا عند القائسين ، وبالذي نراه حجّة عندنا.
اعلم أنّ هذا الشرط يتصوّر في المنصوصة ، والإيمائيّة ، والمستنبطة. أمّا في الاوليين ، فظاهر. وأمّا في الأخيرة ؛ فلأنّه إذا قدّر أنّ قوله عليهالسلام : « لا تبيعوا الطعام بالطعام » (٥) لا يدلّ على العلّيّة واستنبطت علّيّة الطعم ، يكون حكمه في تناوله للذّرة كما إذا دلّ على العلّيّة. وكون العلّة استنباطيّة لا يدفع مماثلته بالعامّ المتناولة للفرع. وعلى هذا يلزم أن يكون من شروطها عندهم أن لا يتناول حكم الفرع دليل بعمومه أو بخصوصه وإن لم يدلّ على العلّيّة. والتحقيق فيه أيضا ما ذكر.
__________________
(١) المائدة (٥) : ٣٨.
(٢) قاله القرطبي ونسبه أيضا إلى مالك والشافعي وأحمد وجماعة في بداية المجتهد ٢ : ٤٤٩.
(٣) كنز العمّال ٧ : ٤٩٢ ، ح ١٩٩٣٢.
(٤) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٦٩ ، والقرطبي في بداية المجتهد ١ : ٣٤.
(٥) تقدّم آنفا.