ثمّ الإجماع المركّب إن كان قطعيّا لا يجوز مخالفته ، وكذلك إن كان ظنّيّا ولم يوجد له معارض ، وإلاّ فيجب الرجوع إليهما وإلى القواعد الترجيحيّة والعمل بما تقتضيه ، فربّما وجب العمل بالمعارض إذا كان الظنّ الحاصل منه أقوى من الظنّ الحاصل منه ، بل ربّما حصل من المعارض ظنّ ولم يحصل منه شيء أصلا ؛ إذ لا يبعد أن يكون على حكم أدلّة متنافية واحد منها قويّ والبواقي ضعيفة فاطّلع أهل عصر ـ كلاّ أو بعضا ـ على الضعيفة منها دون القويّ ، فعمل بعضهم ببعضها والآخرون بالآخر ، فإذا جاء المتأخّر عنهم ووجد القويّ منها ، يجوز له العمل به وترك الضعيفة ، والأقوال المحدثة من الفقهاء من هذا القبيل. هذا كلّه ما يقتضيه اصولنا (١).
وأمّا العامّة فأكثرهم على عدم جواز الفصل مطلقا (٢) ، وبعضهم على جوازه (٣) كذلك. [ و ] (٤) فصّل الحاجبي بأنّه إن رفع مجمعا عليه فممنوع ، وإلاّ فلا (٥). والأوّل كمسألة البكر ؛ للإجماع على أنّها لا تردّ مجّانا. والثاني كمسألة الامّ ، ومسألة فسخ النكاح بالعيوب الخمسة ، قيل : يفسخ بها كلّها (٦) ، وقيل : لا يفسخ بشيء منها (٧). فالقول بالفسخ في البعض دون البعض إحداث قول ثالث ، إلاّ أنّه يجوز ؛ لأنّ القائل به وافق في كلّ مسألة مذهبا فلم يخالف الإجماع.
وما يوضحه : أنّه لو قال بعضهم : لا يقتل مسلم بذمّيّ ، ولا يصحّ بيع الغائب ، وقال الآخرون : يقتل ، ويصحّ ، فجاء ثالث وقال : يقتل ، ولا يصحّ ، أو لا يقتل ، ويصحّ لم يخالف الإجماع ؛ لأنّهما مسألتان خالف في إحداهما بعضا ، وفي الاخرى بعضا ، والممنوع مخالفة الجميع فيما أجمعوا عليه.
والضابط في معرفة ذلك : أنّ كلّ مسألة اشتملت على موضوع كلّي ، فالحكم فيها إمّا
__________________
(١) راجع الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ١٥٤.
(٢) للمزيد راجع : المحصول ٤ : ١٢٧ ، ونهاية السؤل ٣ : ٢٦٩.
(٣) المصدر ، ونهاية السؤل ٣ : ٢٦٩.
(٤) اضيف للضرورة.
(٥) منتهى الوصول لابن الحاجب : ٦١.
(٦ و ٧) راجع المغني لابن قدامة ٧ : ٥٧٩ ـ ٥٨١ ، المسألة ٥٤٩٨ و ٥٤٩٩.