اتّفاق حصل منه العلم به يكون حجّة وإن لم يكن اتّفاق الكلّ ، بل وإن علم مخالفة البعض ، كما يأتي (١).
ولا يخفى أنّه على اعتبار النقل في زمان انتشر فيه الأقوال ، يلزم عدم العلم بشيء من الإجماعات.
بيان ذلك : أنّه لا ريب في انتشار الأقوال في عصر المفيد وما قاربه ، وفي أنّ ابتداء حدوث نقل الإجماع إنّما كان فيه ؛ لعدم نقل الإجماع على حكم ممّن تقدّمه إلاّ ممّن شذّ فيما شذّ ، وفي هذا العصر وبعده لا يمكن العلم بالإجماع ، لا بالتتبّع على ما هو الفرض ، ولا بالنقل ؛ لعدم ثبوته ممّن تقدّمهم ، مع أنّه إن وصل نقل إجماع ممّن تقدّمهم إلى طبقة منهم ، لا يمكن أن يفيد العلم أو الظنّ لهم وإن كان متواترا ؛ لأنّه يتوقّف على تتبّع أقوال المعاصرين ومن تقدّمهم من طبقاتهم ، وهو غير ممكن.
هذا ، واحتجّ من أنكر إمكان العلم به مطلقا (٢) بأنّه يتوقّف على المشافهة ، أو التواتر (٣) ، وهما متعذّران ؛ لانتشارهم شرقا وغربا ، مع احتمال خفاء بعضهم عمدا لئلاّ يتّفق أو يخالف ، أو كذبه في قوله : رأيي كذا ، أو رجوعه قبل قول الآخر به ، أو كونه في مطمورة (٤) لا يعرف له أثر إمّا لخموله ، أو أسره ، أو طول غيبته (٥).
والجواب : أنّه تشكيك في مقابلة الضرورة ؛ فإنّ اتّفاق كلّ أمّة على ضروريّات دينهم ، واجتماع كلّ فرقة على بديهيّات مذهبهم ممّا يعرفه خواصّهم وعوامّهم بالضرورة ، ولا ريب في أنّه لم يحصل (٦) من تفحّص أعيانهم وسماع أقوالهم منهم مشافهة ، بل حصوله من التسامع وتواتر الأخبار عليه كما سبق (٧). وكما يجوز ذلك في الضروريّات للخواصّ والعوامّ ، يجوز
__________________
(١) في ص ٣٥٧.
(٢) أي سواء كان المعلوم إجماعا محصّلا أو منقولا.
(٣) التواتر في المنقول والمشافهة في المحصّل.
(٤) المطمورة : حفرة يطمر فيها الطعام أي يخبأ. الصحاح ٢ : ٧٢٦ ، « ط م ر ».
(٥) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٤ : ٢٢ ، والآمدي عن أحمد بن حنبل في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٥٦.
(٦) أي العلم بالاتّفاق.
(٧) تقدّم في ص ٣٤٩.